- إنضم
- 31 أوت 2006
- المشاركات
- 2,272
- نقاط التفاعل
- 11
- النقاط
- 157
- العمر
- 33
الجـهل
بمناسبة البحث عن العلم وأقسامه يتحدث المنطقيّون عن الجهل أيضاً، وذلك لأنَّ العلم يقابل الجهل تَقابل الملَكة وعدمها(لمعرفة هذا المصطلح راجع صفحة67) فالجهل هو عدم العلم لا مطلقا بل فيمن شأنُه أن يَعلم، فلا يُطلق الجاهل على من ليس من شأنه أن يتعلم، فليس الحائط جاهلاً ولا الشجر جاهلٌ، بل لا يقال للحمار إنه جاهل إلا مجازاً. نعم يصح إطلاق "لا عالم" على تلك الأشياء، وبين المفهومين فرقٌ واضح يُعرف بالتأمُّل.
فالجهل يُنسب إلى الإنسان خاصَّة لأنَّه يمتلك قابليَّة التعلّم ومن شأنه أن يكون عالماً.
ثمَّ : لا يخفى عليك أن الأمور العدميّة ليس لها واقع مستقل في قبال الأمور الوجودية، فلا واقع في الخارج أو في الذهن يطلق عليه اسم الجهل، والإنسان إذا لم يكن يعلم بالشيء فسوف يكون ذهنه خالٍ منه ولم تحضر لديه تلك الصورة الذهنية فحينئذٍ يُطلق عليه أنه جاهل بها؛ فمعرفة الجهل لا تتيسَّر إلا من خلال العلم، ولولا العلم بالمفاهيم التصوُّرية أو التصديقية، لم يكن للجهل معنىً، كيف ! وهو ثغرةٌ مظلمةٌ وتياهٌ محضٌ، فالذي تحمَّل مسئولية تشخيص ذلك الجهل وميَّزه عن سائر أفراد الجهل، ليس هو إلا ذلك الشيء الوجودي الذي صوَّره الإنسان في ذهنه وعلم به مسبقاً.
مثلا : إذا كان يعلم بمفهوم الجو ومفهوم البرودة وأراد أن يسند الثاني إلى الأوَّل، قال الجو باردٌ، فرأى نفسه جاهلاً بخصوص النسبة بين البرودة والجوّ، فلولا علمه بمفهوم "الجو" ومفهوم "البرودة" ومفهوم "برودة الجو" و لولا تصوره لهذه المفاهيم الثلاثة، كيف كان يجهل "بالنسبة الحكمية" التي هي برودة الجو؟
فلا واقع إذاً للجهل إلا من خلال العلم فالمعلومات التصورية الثلاثة كان لها دور في معرفة الجهل "بالنسبة الحُكمية" ولولا تصوّر تلك المفاهيم. لما كان للجهل معنى أبداً.
تعريف الجهل :
من اللازم أن نعرِّف الجهل كما عرَّفنا العلم فنقول: مادام أنَّ العلم هو حضور صورة الشيء في الذهن فالجهل هو:
"عدم حضور صورة الشيء في الذهن"
سواء علم الجاهلُ بعدم وجود تلك الصورة في ذهنه أو لم يعلم أصلاً، كخالي الذهن الذي لا يتمكَّن من معرفة مجهولاته، رغم أنَّه يعترف بجهله. وعلى تقدير معرفته لمجهولاته، يمكنه أن يميِّز بينها فيقول أجهل بكذا، وكذا وو... وعند الدقَّة والتأمُّل نلاحظ أنَّ العلم بتلك الصور غير المطابقة للواقع الخارجي، هو الذي جعله يميِّز المجهولات بعضها عن بعض، ومن هنا يُعرف أنَّه لا تمايز للأعدام أصلاً من حيث أنَّها أعدام، بل التمايز يقع بين الحِصص الموجودة في الذهن المميِّزة لتلك الأَعدام(تفصيل هذا البحث يُطلب من الحكمة المتعالية في مبحث "العدم").
الجهل تصوُّري و تصديقي :
قلنا أنَّ العلم ينقسم إلى قسمين تصوريٍّ و تصديقيّ،ٍ وبما أنَّ الجهل يقابل العلم فهو إذاً يتَّصف بأوصافه وينقسم إلى أقسامه، فينقسم إلى جهلٍ تصوُّري (أي عدم التصور) وجهلٍ تصديقيّ (أي عدم التصديق).
توضيح : لو كان بإمكاننا تصوَّر حقيقة الكهرباء أو الجنّ، لكان علمنا هذا علماً تصوُّرياً ولكن حيث لا نمتلك مثل هذا التصور، فنحن إذاً نجهل بهما بجهلٍ تصوُّري. وكذلك بالنسبة إلى الجهل التصديقي، فمن لا يعلم بوجود النسبة بين البرودة والجوّ فعلاً فهو يجهل برودة الجوّ بجهل تصديقي، لأنَّ الجهل -حينئذٍ- قد تركَّز على خصوص النسبة التي هي متعلق التصديق كما مرَّ، فهو رغم علمه بالموضوع والمحمول والنسبة بالعلم التصوُّري، إلا أنَّه جاهل "بالنسبة" بالجهل التصديقي.
الجهل بسيط و مركب :
ينقسم الجهل إلى قسمين : بسيط و مركَّب
أما الجهل البسيط فهو: "أن يجهل الشيء وهو عالم بجهله"، فلا تركيب في البين أصلاً بل هناك أمر واحد عدمّي بسيط.
وأما الجهل المركب فهو: "أن يجهل الشيء وهو لا يعلم بجهله"، فهو إذاً غافل عن جهله ولا يدري بأنَّه جاهل فيرى نفسه عالماً به، فيتركب جهله من جهلين:
جهل بالواقع و جهل بهذا الجهل، فهذا الجهل ليس هو إلاّ ظلمات بعضها فوق بعض وسرابٌ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.
يقول بعض الحكماء :
"إنَّ من قُدرات الإنسان ومميَّزاته هو أنَّه يتمكَّن من التوجُّه والإنتباه إلى علمـه وجهله فيعلم بأنَّه يعلم ويعلم بأنَّه لا يعلم"(أصول الفلسفة ج3 ص186 بالفارسية).
وأمّا الحيوانات إن كانت تعلم فهي لا تعلم بأنَّها تعلم كما أنَّها حينما تجهل لا تعلم أنَّها لا تعلم.
"لا أعلم" نصف العلم:
المعروف أنَّ الإنسان الذي يعلم أنه لا يعلم الشيء، قد اكتسب نصف العلم وهو العلم بجهله وبقي النصفُ الآخر وهو العلم بالشيء المجهول. وسوف يصل إلى العلم الثاني من خلال حسن الإستفسار والسؤال. وقد ورد في الأحاديث ما يؤكد ذلك فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: "حسن المسألة نصف العلم"(تحف العقول ص56).
وقال الإمام الحسن عليه السلام: "حسن السؤال نصف العلم"(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج18 ص108).
فلا قبح ولا خطورة في الجهل البسيط لأنَّ الإنسان ما دام أنَّه يعلم بجهله فسوف يسعى لإزالة هذا الجهل.
لا يعـلم بجهله!
وأمّا الذي لا يعلم بجهله، فهو في ظلمة لا نور فيها أصلاً حتى على مستوى وَمضات، فكيف يمكنه الخروج من هذه الظلمة ؟ وإن أغلب المدَّعين للعلم والفلسفة -خصوصاً أصحاب العقائد الباطلة والمدارس المنحرفة- متورِّطون في هذا النوع من الجهل، ولجهلهم المركب نراهم يُصرُّون على اعتقاداتهم بل أوهامهم الباطلة المُضلَّة فلا يتراجعون عنها قيد أنملة.
قال بعض العرفاء المعاصرين قدس سره :
"إن أعظم القذارات المعنوية التي لا يمكن تطهيرها بسبعة أبحر وأعجزت الأنبياء العظام هي قذارة الجهل المركب وهو مرضٌ نفسي لا دواء له"(الآداب المعنوية للصلاة ص113. والأربعون حديثاً الحديث23).
يقول ابن سينا في كتابه الإشارات والتنبيهات: "إياك وفطانةٌ بتراء" يريد بذلك الجهل المركب.
إذاً ينبغي للإنسان أن يكون إمّا فطناً بوجه تام أو ساذجاً بالمرة، فالساذج الذي يعلم بسذاجته، سوف يبَرمج تصرفاته فيضعها في مسيرٍ هادف كي لا يتورَّط في مشاكل غير مترقَّبة وبذلك سوف ينجح في الحياة.
قال بعض المحققين :
"إنَّ كلَّ شيء وجوده الناقص أفضل من عدمه المحض إلا العلم بالشيء فوجوده الناقص ليس أفضل من عدمه، وذلك لأنَّ الإنسان الذي لا يعلم الشيء علماً كاملا وهو يتخيل بأنَّه يعلمه، لا يسعى في تعلُّمه، فبطبيعة الحال سوف يتورط في الجهل المركب".
أقـول :
إنَّ أبرز الجاهلين بالجهل المركَّب هم الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}( الكهف/102، 103).
وأيضاً: المنافقون الذين ورد في شأنهم: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ}( البقرة/ 12).
ليـس الجهل المركب من العلم :
زعم البعض أنَّ الجهل المركب هو من أقسام العلم وذلك لأنَّ الجاهل المركب قاطع بما يعتقده، وليس العلم إلا الوصول إلى القطع واليقين.
ولكن: هذا الزعم غير صحيح، لأن الجهل يقابل العلم فكيف يكون من أقسامه وهل هذا إلا التناقض في القول؟! فالجاهل بالجهل المركَّب يتصوَّر بأنه عالم ولكن تصوُّره هذا لا يجعله عالماً، لأنَّ العلم هو حضور صورة الشيء لدى العقل والجاهل لم تحضر لديه صورة الشيء، وحيث لا حضور فلا علمَ، فمهما اعتقد الجاهل أنَّه يعلم بالشيء لا ينقلب الشيء إلى ما يعتقده هو بل يبقى كما هو عليه في الواقع.
ثمَّ : لا يخفى أنَّ تقسيم الجهل إلى بسيط ومركب، إنَّما يتمُّ في خصوص الجهل التصديقي، وأما الجهل التصوري فلا ينقسم إلى هذين القسمين وذلك لأن كلا الجهلين البسيط والمركب، يشتملان على التصديق، فالإنسان يصدِّق بجهله في صورة ما إذا كان الجهل بسيطاً، أو مركباً وإن كان تصديقه في الصورة الثانية خلاف الواقع.
من محاضرة الشيخ ابراهيم الانصاري** المحاضرة السادسة **
بمناسبة البحث عن العلم وأقسامه يتحدث المنطقيّون عن الجهل أيضاً، وذلك لأنَّ العلم يقابل الجهل تَقابل الملَكة وعدمها(لمعرفة هذا المصطلح راجع صفحة67) فالجهل هو عدم العلم لا مطلقا بل فيمن شأنُه أن يَعلم، فلا يُطلق الجاهل على من ليس من شأنه أن يتعلم، فليس الحائط جاهلاً ولا الشجر جاهلٌ، بل لا يقال للحمار إنه جاهل إلا مجازاً. نعم يصح إطلاق "لا عالم" على تلك الأشياء، وبين المفهومين فرقٌ واضح يُعرف بالتأمُّل.
فالجهل يُنسب إلى الإنسان خاصَّة لأنَّه يمتلك قابليَّة التعلّم ومن شأنه أن يكون عالماً.
ثمَّ : لا يخفى عليك أن الأمور العدميّة ليس لها واقع مستقل في قبال الأمور الوجودية، فلا واقع في الخارج أو في الذهن يطلق عليه اسم الجهل، والإنسان إذا لم يكن يعلم بالشيء فسوف يكون ذهنه خالٍ منه ولم تحضر لديه تلك الصورة الذهنية فحينئذٍ يُطلق عليه أنه جاهل بها؛ فمعرفة الجهل لا تتيسَّر إلا من خلال العلم، ولولا العلم بالمفاهيم التصوُّرية أو التصديقية، لم يكن للجهل معنىً، كيف ! وهو ثغرةٌ مظلمةٌ وتياهٌ محضٌ، فالذي تحمَّل مسئولية تشخيص ذلك الجهل وميَّزه عن سائر أفراد الجهل، ليس هو إلا ذلك الشيء الوجودي الذي صوَّره الإنسان في ذهنه وعلم به مسبقاً.
مثلا : إذا كان يعلم بمفهوم الجو ومفهوم البرودة وأراد أن يسند الثاني إلى الأوَّل، قال الجو باردٌ، فرأى نفسه جاهلاً بخصوص النسبة بين البرودة والجوّ، فلولا علمه بمفهوم "الجو" ومفهوم "البرودة" ومفهوم "برودة الجو" و لولا تصوره لهذه المفاهيم الثلاثة، كيف كان يجهل "بالنسبة الحكمية" التي هي برودة الجو؟
فلا واقع إذاً للجهل إلا من خلال العلم فالمعلومات التصورية الثلاثة كان لها دور في معرفة الجهل "بالنسبة الحُكمية" ولولا تصوّر تلك المفاهيم. لما كان للجهل معنى أبداً.
تعريف الجهل :
من اللازم أن نعرِّف الجهل كما عرَّفنا العلم فنقول: مادام أنَّ العلم هو حضور صورة الشيء في الذهن فالجهل هو:
"عدم حضور صورة الشيء في الذهن"
سواء علم الجاهلُ بعدم وجود تلك الصورة في ذهنه أو لم يعلم أصلاً، كخالي الذهن الذي لا يتمكَّن من معرفة مجهولاته، رغم أنَّه يعترف بجهله. وعلى تقدير معرفته لمجهولاته، يمكنه أن يميِّز بينها فيقول أجهل بكذا، وكذا وو... وعند الدقَّة والتأمُّل نلاحظ أنَّ العلم بتلك الصور غير المطابقة للواقع الخارجي، هو الذي جعله يميِّز المجهولات بعضها عن بعض، ومن هنا يُعرف أنَّه لا تمايز للأعدام أصلاً من حيث أنَّها أعدام، بل التمايز يقع بين الحِصص الموجودة في الذهن المميِّزة لتلك الأَعدام(تفصيل هذا البحث يُطلب من الحكمة المتعالية في مبحث "العدم").
الجهل تصوُّري و تصديقي :
قلنا أنَّ العلم ينقسم إلى قسمين تصوريٍّ و تصديقيّ،ٍ وبما أنَّ الجهل يقابل العلم فهو إذاً يتَّصف بأوصافه وينقسم إلى أقسامه، فينقسم إلى جهلٍ تصوُّري (أي عدم التصور) وجهلٍ تصديقيّ (أي عدم التصديق).
توضيح : لو كان بإمكاننا تصوَّر حقيقة الكهرباء أو الجنّ، لكان علمنا هذا علماً تصوُّرياً ولكن حيث لا نمتلك مثل هذا التصور، فنحن إذاً نجهل بهما بجهلٍ تصوُّري. وكذلك بالنسبة إلى الجهل التصديقي، فمن لا يعلم بوجود النسبة بين البرودة والجوّ فعلاً فهو يجهل برودة الجوّ بجهل تصديقي، لأنَّ الجهل -حينئذٍ- قد تركَّز على خصوص النسبة التي هي متعلق التصديق كما مرَّ، فهو رغم علمه بالموضوع والمحمول والنسبة بالعلم التصوُّري، إلا أنَّه جاهل "بالنسبة" بالجهل التصديقي.
الجهل بسيط و مركب :
ينقسم الجهل إلى قسمين : بسيط و مركَّب
أما الجهل البسيط فهو: "أن يجهل الشيء وهو عالم بجهله"، فلا تركيب في البين أصلاً بل هناك أمر واحد عدمّي بسيط.
وأما الجهل المركب فهو: "أن يجهل الشيء وهو لا يعلم بجهله"، فهو إذاً غافل عن جهله ولا يدري بأنَّه جاهل فيرى نفسه عالماً به، فيتركب جهله من جهلين:
جهل بالواقع و جهل بهذا الجهل، فهذا الجهل ليس هو إلاّ ظلمات بعضها فوق بعض وسرابٌ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.
يقول بعض الحكماء :
"إنَّ من قُدرات الإنسان ومميَّزاته هو أنَّه يتمكَّن من التوجُّه والإنتباه إلى علمـه وجهله فيعلم بأنَّه يعلم ويعلم بأنَّه لا يعلم"(أصول الفلسفة ج3 ص186 بالفارسية).
وأمّا الحيوانات إن كانت تعلم فهي لا تعلم بأنَّها تعلم كما أنَّها حينما تجهل لا تعلم أنَّها لا تعلم.
"لا أعلم" نصف العلم:
المعروف أنَّ الإنسان الذي يعلم أنه لا يعلم الشيء، قد اكتسب نصف العلم وهو العلم بجهله وبقي النصفُ الآخر وهو العلم بالشيء المجهول. وسوف يصل إلى العلم الثاني من خلال حسن الإستفسار والسؤال. وقد ورد في الأحاديث ما يؤكد ذلك فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: "حسن المسألة نصف العلم"(تحف العقول ص56).
وقال الإمام الحسن عليه السلام: "حسن السؤال نصف العلم"(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج18 ص108).
فلا قبح ولا خطورة في الجهل البسيط لأنَّ الإنسان ما دام أنَّه يعلم بجهله فسوف يسعى لإزالة هذا الجهل.
لا يعـلم بجهله!
وأمّا الذي لا يعلم بجهله، فهو في ظلمة لا نور فيها أصلاً حتى على مستوى وَمضات، فكيف يمكنه الخروج من هذه الظلمة ؟ وإن أغلب المدَّعين للعلم والفلسفة -خصوصاً أصحاب العقائد الباطلة والمدارس المنحرفة- متورِّطون في هذا النوع من الجهل، ولجهلهم المركب نراهم يُصرُّون على اعتقاداتهم بل أوهامهم الباطلة المُضلَّة فلا يتراجعون عنها قيد أنملة.
قال بعض العرفاء المعاصرين قدس سره :
"إن أعظم القذارات المعنوية التي لا يمكن تطهيرها بسبعة أبحر وأعجزت الأنبياء العظام هي قذارة الجهل المركب وهو مرضٌ نفسي لا دواء له"(الآداب المعنوية للصلاة ص113. والأربعون حديثاً الحديث23).
يقول ابن سينا في كتابه الإشارات والتنبيهات: "إياك وفطانةٌ بتراء" يريد بذلك الجهل المركب.
إذاً ينبغي للإنسان أن يكون إمّا فطناً بوجه تام أو ساذجاً بالمرة، فالساذج الذي يعلم بسذاجته، سوف يبَرمج تصرفاته فيضعها في مسيرٍ هادف كي لا يتورَّط في مشاكل غير مترقَّبة وبذلك سوف ينجح في الحياة.
قال بعض المحققين :
"إنَّ كلَّ شيء وجوده الناقص أفضل من عدمه المحض إلا العلم بالشيء فوجوده الناقص ليس أفضل من عدمه، وذلك لأنَّ الإنسان الذي لا يعلم الشيء علماً كاملا وهو يتخيل بأنَّه يعلمه، لا يسعى في تعلُّمه، فبطبيعة الحال سوف يتورط في الجهل المركب".
أقـول :
إنَّ أبرز الجاهلين بالجهل المركَّب هم الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}( الكهف/102، 103).
وأيضاً: المنافقون الذين ورد في شأنهم: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ}( البقرة/ 12).
ليـس الجهل المركب من العلم :
زعم البعض أنَّ الجهل المركب هو من أقسام العلم وذلك لأنَّ الجاهل المركب قاطع بما يعتقده، وليس العلم إلا الوصول إلى القطع واليقين.
ولكن: هذا الزعم غير صحيح، لأن الجهل يقابل العلم فكيف يكون من أقسامه وهل هذا إلا التناقض في القول؟! فالجاهل بالجهل المركَّب يتصوَّر بأنه عالم ولكن تصوُّره هذا لا يجعله عالماً، لأنَّ العلم هو حضور صورة الشيء لدى العقل والجاهل لم تحضر لديه صورة الشيء، وحيث لا حضور فلا علمَ، فمهما اعتقد الجاهل أنَّه يعلم بالشيء لا ينقلب الشيء إلى ما يعتقده هو بل يبقى كما هو عليه في الواقع.
ثمَّ : لا يخفى أنَّ تقسيم الجهل إلى بسيط ومركب، إنَّما يتمُّ في خصوص الجهل التصديقي، وأما الجهل التصوري فلا ينقسم إلى هذين القسمين وذلك لأن كلا الجهلين البسيط والمركب، يشتملان على التصديق، فالإنسان يصدِّق بجهله في صورة ما إذا كان الجهل بسيطاً، أو مركباً وإن كان تصديقه في الصورة الثانية خلاف الواقع.
من محاضرة الشيخ ابراهيم الانصاري** المحاضرة السادسة **