بسم الله
بين الأصول والفروع :
1-من حقك أن تأخذ برأي -في مسألة فقهية فرعية- إطمأنت إليه نفسك أو رأيت أنه الأرجح أو لأنه قال به من ترتاح إليهم من العلماء أمثال الألباني وبن باز والعتيمين-رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جنانه-أو لأي سبب آخر غير اتباع الهوى.ولكن لا يحق لك أبدا أن تعتبر بأن المسألة اتفاقية أصولية لا خلاف فيها (إذا كانت في حقيقة الأمر خلافية وفرعية وثانوية ) , لا لشيء إلا لأن الرأي الذي أخذتَ به اطمأنتْ إليه نفسُك أو رأيت أنه الأرجح أو لأنه فقط قال به من ترتاح أنتَ إليهم من العلماء دون غيرهم.
*إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة إلا في حالات خاصة جدا يمكن أن نذكر منها:
ا-إذا بني الحكم في مسألة ما على عرف كان , ثم تغير.إذا تغير العرف تغير الحكم تلقائيا.
مثلا كان العرف يقتضي أيام زمان أن يعطى للمرأة أجرُها إذا أرضعت وليدها.أما اليوم فالعرف تغير وأصبح من الواجب على المرأة أن ترضع ولدها بدون أن تطلب ( ولا حتى أن تفكر في طلب) أجرة على ذلك.
ب-إذا بني الحكم على ظن واجتهاد (لا على نص وشرع) ثم تبين بعد ذلك-بيقين-علميا وطبيا وصحيا أن ذلك الحكم كان خاطئا ,فيجب في هذه الحالة ترك الظن والعدول إلى اليقين العلمي الطبي الصحي( في غياب نص من الشرع بطبيعة الحال) .
مثلا اختلف العلماء قديما في حكم التدخين بين الإباحة والكراهة , وأما اليوم فلقد تبين بألف دليل علمي ودليل,على أن التدخين مضر بالصحة وفيه من السيئات المؤكدة بيقين ما فيه.ولذلك فلا خلاف اليوم (بعدما كان الخلاف قائما أيام زمان) في أن التدخين حرام وحرام وحرام.
أما في أغلبية المسائل الخلافية خاصة منها المبنية على نصوص ظنية الدلالة أو ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة والثبوت , فإن الخلاف كان ولا يزال وسيبقى إلى يوم القيامة.مثلا مصافحة المرأة الأجنبية:قال قوم بحرمتها وقدموا على ذلك أدلة,وقال آخرون بجوازها وقدموا على ذلك أدلة.وأنت وإن حق لك أن لا تصافح امرأة أجنبية على اعتبار أنك اقتنعت بقول من قال بأنها حرام (وأنا بالمناسبة لم أصافح امرأة أجنبية منذ 1975 م عندما كنت تلميذا في الثانوية , وحتى اليوم ) , فإنه لا يحق لك أبدا أن تمنع غيرك من الاقتناع بالقول الآخر.وإذا قدم أحد الفريقين أدلة وحججا وبراهينا على ما يقول فإن الآخر قدم كذلك أدلة وحججا وبراهينا, وإذا ادعى أحد الفريقين أنه أبطل ودحض أدلة الآخر فإن الآخر كذلك يدعي نفس الشيء , وإذا زعم أحد الفريقين أن قوله راجح فإن الآخر كذلك يزعم أن قوله راجح , وإذا رأى أحد الفريقين أن قوله مشهور يقول به الكثير من العلماء ويعمل به جمهور من الناس فإن الآخر كذلك يمكن أن يزعم نفس الشيء. وتبقى المسألة-في النهاية-خلافية,الله أعلم بالصواب فيها أو الله أعلم من المصيب فيها.وفي كل الأحوال كل العلماء مأجور سواء أخذ الواحد منهم أجرين أو أجرا واحدا.أما المقولات التي ترددها أنت دوما"القرضاوي ضال لأنه مثلا أباح سماع الموسيقى",و"البوطي يخرف لأنه مثلا خالف الألباني وانتقده" "الزنداني لا يساوي شيئا لأنه يقدم العقل على النص" "سيد قطب فاسق فاجر لأنه مثلا قال بوحدة الوجود" "حسن البنا منحرف لأنه أنشأ جماعة الإخوان السياسية", الخ...فهي مقولات كاذبة خاطئة ليس لها سند قوي من الشرع أو من العقل أو من المنطق أو ... من الواقع.وأنت بهذه المقولات تزيد من سيئاتك ومن حسناتهم,وفي المقابل أنت لا تغير من الواقع شيئا.إنهم علماء شئتَ أم أبيتَ , وإنهم ورثة الأنبياء شئتَ أم أبيتَ , وإنهم مجتهدون مأجورون شئتَ أم أبيتَ.هم كذلك بإذن الله عند الله أولا ثم عند أغلبية العلماء ثم عند أغلبية الناس, وهم كذلك في الواقع اليوم وغدا وبعد غد شئتَ أم أبيتَ.إنهم علماء برغم أنفك وأنفي,وسيظلون بإذن الله علماء-إن ثبتهم الله-حتى ولو انتقدتهم أنت في كل الأوقات,وحتى ولو حذرتَ منهم أنت في كل المنتديات والتجمعات , وحتى ولو سببتهم أنت في كل زمان ومكان.إنهم جميعا علماء,نعم كل منهم يؤخذ منه ويرد عليه إلا "صاحب هذا القبر (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم)", ولكن مع ذلك يبقون علماء.
**إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة شئتَ أنا أم أبيتَ.
وهذا الذي قلته عن مصافحة المرأة الأجنبية يقال مثلُـه عن كثير من المسائل الأخرى المشابهة مثل:
-سماع الموسيقى الهادئة إن كانت مصاحبة لكلام نظيف.
- سماع الغناء أو الأناشيد الدينية.
-إطالة الثياب (كالسروال مثلا) بالنسبة للرجال.
-حلق اللحية.
-جلسة الاستراحة.
-النقاب (أو ستر الوجه) بالنسبة للمرأة المسلمة أمام أجنبي عنها من الرجال.
-الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا على سبيل السنية (لأن ذلك سيعتبر عندئذ بدعة سيئة مكروهة أو محرمة بلا خلاف) بل على اعتبار أن الاحتفال هو فقط مناسبة لتذكير الناس بالسنة والسيرة.وغيرها كثير...
إن كل مسألة من هذه المسائل (وبالضبط الستة الأولى أو ما يشبهها) اختلف العلماء فيها بسبب ورود أدلة شرعية ظنية لا قطعية.وقع الخلاف فيها قديما-شئتَ أم أبيتَ-,ومازال الخلاف فيها قائما حتى الآن-شئتَ أم أبيتَ-,وسيبقى قائما إلى يوم القيامة-شئتَ أم أبيتَ-.هكذا شاء الله سبحانه وتعالى شئتَ أنا أم أبيتَ.
والأفضل لك في مثل هذه المسائل أن تقف أحد موقفين (لا ثالث لهما لأن الثالث هو عين التعصب المذموم الذي لا يحبه الله لك ولا رسوله ولا المؤمنون):
الأول: أن تأخذ بالأيسر, بدون أن تحس بأي حرج شرعي ما دمتَ تأخذُ من عالم , وما دمتَ لا تقصد اتباع السهل في كل مسألة.
الثاني: أن تأخذ بالأشد والأصعب والأحوط.وهذا من حقك, ولكن ليس من حقك أبدا أن تعتبر أن من أخذ بالأيسر ضال منحرف أو عاصي آثم.أقصى ما يمكن أن تعتبره هو أنـك على صواب ولكنه صواب يحتمل الخطأ وأن ما أخذ به الغير خطأ ولكنه يحتمل الصواب.والكل إذن على هدى ونور وإسلام وإيمان و...لقد قلت"أقصى ما يمكن أن تعتبره هو أنك على صواب..." لأن الحق والصدق والعدل يقول بأنه حتى هذا الاعتبار(أنك على صواب ولكنه صواب يحتمل الخطأ وأن ما أخذ به الغير خطأ ولكنه يحتمل الصواب) ليس من حقك تماما,وذلك لأنه ليس عندك دليل ولا نصف دليل ولا ربع دليل ولا...على أنك على صواب وعلى أن غيرك على خطأ (علم ذلك عند الله وحده).ما دليلك الشرعي الصحيح ؟!.لا دليل ثم لا دليل ثم لا دليل.
***إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة لا لأن الله لم يقدر على أن يوحد القول فيها,لا !–حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا-,ولكن الله أراد الرحمة لعباده من خلال هذه المسائل الخلافية الكثيرة جدا في كل مجال من مجالات الحياة الدينية والدنيوية, وكذلك الله جعل هذه المسائل خلافية ليبقى الإسلام صالحا لكل زمان ومكان.
ملاحظات: الأولى : إذا اضطررتَ لسماع الموسيقى الهادئة المصاحبة لكلام نظيف من خلال برامج هادفة كفيلم أو مسلسل أو محاضرة أو ندوة أو درس أو شريط وثائقي أو صور متحركة أو أناشيد إسلامية أو أغاني ثورية أو سياسية أو...أو كدروس في العلوم الفيزيائية (تصاحبها موسيقى) [ أنا أستاذ علوم فيزيائية بثانوية].ما أبعد الفرق بين أن تسمع وأنت تحس بالذنب على اعتبار أنك تتبنى قول من قال بحرمة سماع الموسيقى ولا تعترف بالقول الآخر(فتتعذب باستمرار من حيث لم يرد لك الله أن تتعذب),وبين أن تسمع وأنت مرتاح البال لأنك أخذتَ بقول علماء قدامى مثل بن حزم وأبي حامد الغزالي و...وكثيرين , ومعاصرين مثل القرضاوي والغزالي و...وكثيرين (خاصة من المعاصرين) , قالوا بجواز سماع الموسيقى إن كانت هادئة ومصاحبة لكلام نظيف.إن الحال الأولى أحسن لك بكثير من الحال الثانية إلا أن تكابر وتعاند أو تقول"عـنـزة (أو معـزة) ولو طارت" كما يقول المثل عندنا في الجزائر.
الثانية: فرق بين التعامل مع المسائل الأصولية كالتي خالف فيها الترابي مؤخرا مثل جواز شرب الخمر ما لم يضر الشخص غيره وجواز تزوج المرأة المسلمة من كتابي وجواز إمامة المرأة للرجل وجواز صلاة المرأة جماعة إلى جانب الرجل في صف واحد و...فهذه مسائل الاجتهاد فيها ممنوع لأن الأدلة عليها قطعية,والمخطئ فيها آثم لا مأجور.إن المطلوب منا في هذه المسائل التعصب ثم التعصب للحق الذي نؤمن به والذي اتفق الفقهاء عليه.فرق بين التعامل مع مثل هذه المسائل الأصولية والتعامل مع المسائل الخلافية الذي كنت وما زلت أتحدث عنه والذي أرى أن الواجب فيه هو سعة الصدر"ويعذر بعضُنا بعضا فيما اختلفنا فيه" كما قال حسن البنا رحمه الله,والحرام فيه هو التعصب.
الثالثة : إن التعصب يولد غالبا تعصبا مضادا , فإذا أردتَ أن لا يتعصب ضدك أحدٌ (حيث لا يجوز التعصب) , فيجب أن لا تتعصب ضد أحد.وكما تدين تدان.وهذا كلام مفهوم ومعقول ومقبول و...بإذن الله.
2-من حقك أن تأخذ برأي في مسألة معينة فرعية في العقيدة مثل"الصحابة أفضل أو زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أفضل ؟" أو مثل " عثمان أفضل أو علي أفضل رضي الله عنهما ؟" أو ....ويوجد غيرها مئات المسائل الفرعية في العقيدة التي اختلف فيها علماء أهل السنة والجماعة قديما وحديثا خلافا لم يفسد للود قضية بين هؤلاء العلماء وبين بعضهم البعض.
ولكن ليس من حقك أبدا أن تعتبر هذه المسألة أصولية- مع أنها فرعية- , ولا من حقك أن تتعصب لها-مع أن المطلوب منك هو سعة الصدر مع المخالف لا التعصب-.وإذا أصررتَ على أنه ليس في العقيدة فروع فستدفع ما لا نهاية من الأشخاص إما للضحك عليك على اعتبار أنـك جاهل من الدرجة الأولى أو-في الأحوال الحسنة-للإشفاق عليك فقط لأنك جاهل يحتاج إلى تعليم.
3- من حقك أن تتشدد مع نفسك في المسائل الفرعية الثانوية كمصافحة المرأة الأجنبية أو سماع الموسيقى أو إعفاء اللحية أو إسبال الثياب إلى ما تحت الكعبين أو جلسة الاستراحة أو...ولكن ليس من حقك أبدا أن تفرض الآراء التي اقتنعتَ بها على غيرك من المسلمين , مادامت آراء غير متفق عليها بين العلماء.نعم قد تنصح الغير ليأخذ ويعمل ويقتنع بما أخذتَ أنتَ به واقتنعت أنتَ به, ولكن لا يجوز لك أن تفرضها على الغير بالقوة أو بالسب والشتم أو بمثل ذلك من الوسائل القهرية العنيفة.
4-من حقك أن تتشددَ مع نفسك فلا تشرب الخمرَ ( وهو حرامٌ بلا خلاف ) وتتشدد كذلك مع نفسك فتحرص على جلسة الاستراحة وتجلسها ثم لا تتركها تفوتك ولو في صلاة واحدة , لأنك تعتبر أن الدين كل لا يتجزأ.هذا من حقك ...ولكن ليس من حقك أبدا أن تتعصب ضد من فرقَ بين هذا وذاك من جهتين :
الأولى : أن الحكم الأول لا خلاف فيه أي لا خلاف في أن شرب الخمر حرام , وأما الثاني ففيه خلاف أي هناك من قال بأن هذه الجلسة سنة ومن قال بأنها ليست سنة بل هناك من قال من الفقهاء الأربعة بأن من قام بها ترتب عليه سجود بعدي.
الثانية : أن الأول واجب (أي أن ترك شرب الخمر واجب) , وأما الثاني فهو مستحب.وروحُ الإسلام وقواعدُه الأصولية تؤكد على أن الواجبات ليست كالمستحبات وأن التشدد المطلوب من أجل أداء الواجبات غير التشدد المطلوب في أداء المستحبات أو السنن , وعلى أن المطلوب الاهتمام بالأهم قبل المهم وكذا على أن التشدد الأكبر يجب أن يكون مع المهم أكثر من التشدد المطلوب مع الأقل أهمية , وهكذا...
عبد الحميد رميته , ميلة , الجزائر.
بين الأصول والفروع :
1-من حقك أن تأخذ برأي -في مسألة فقهية فرعية- إطمأنت إليه نفسك أو رأيت أنه الأرجح أو لأنه قال به من ترتاح إليهم من العلماء أمثال الألباني وبن باز والعتيمين-رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جنانه-أو لأي سبب آخر غير اتباع الهوى.ولكن لا يحق لك أبدا أن تعتبر بأن المسألة اتفاقية أصولية لا خلاف فيها (إذا كانت في حقيقة الأمر خلافية وفرعية وثانوية ) , لا لشيء إلا لأن الرأي الذي أخذتَ به اطمأنتْ إليه نفسُك أو رأيت أنه الأرجح أو لأنه فقط قال به من ترتاح أنتَ إليهم من العلماء دون غيرهم.
*إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة إلا في حالات خاصة جدا يمكن أن نذكر منها:
ا-إذا بني الحكم في مسألة ما على عرف كان , ثم تغير.إذا تغير العرف تغير الحكم تلقائيا.
مثلا كان العرف يقتضي أيام زمان أن يعطى للمرأة أجرُها إذا أرضعت وليدها.أما اليوم فالعرف تغير وأصبح من الواجب على المرأة أن ترضع ولدها بدون أن تطلب ( ولا حتى أن تفكر في طلب) أجرة على ذلك.
ب-إذا بني الحكم على ظن واجتهاد (لا على نص وشرع) ثم تبين بعد ذلك-بيقين-علميا وطبيا وصحيا أن ذلك الحكم كان خاطئا ,فيجب في هذه الحالة ترك الظن والعدول إلى اليقين العلمي الطبي الصحي( في غياب نص من الشرع بطبيعة الحال) .
مثلا اختلف العلماء قديما في حكم التدخين بين الإباحة والكراهة , وأما اليوم فلقد تبين بألف دليل علمي ودليل,على أن التدخين مضر بالصحة وفيه من السيئات المؤكدة بيقين ما فيه.ولذلك فلا خلاف اليوم (بعدما كان الخلاف قائما أيام زمان) في أن التدخين حرام وحرام وحرام.
أما في أغلبية المسائل الخلافية خاصة منها المبنية على نصوص ظنية الدلالة أو ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة والثبوت , فإن الخلاف كان ولا يزال وسيبقى إلى يوم القيامة.مثلا مصافحة المرأة الأجنبية:قال قوم بحرمتها وقدموا على ذلك أدلة,وقال آخرون بجوازها وقدموا على ذلك أدلة.وأنت وإن حق لك أن لا تصافح امرأة أجنبية على اعتبار أنك اقتنعت بقول من قال بأنها حرام (وأنا بالمناسبة لم أصافح امرأة أجنبية منذ 1975 م عندما كنت تلميذا في الثانوية , وحتى اليوم ) , فإنه لا يحق لك أبدا أن تمنع غيرك من الاقتناع بالقول الآخر.وإذا قدم أحد الفريقين أدلة وحججا وبراهينا على ما يقول فإن الآخر قدم كذلك أدلة وحججا وبراهينا, وإذا ادعى أحد الفريقين أنه أبطل ودحض أدلة الآخر فإن الآخر كذلك يدعي نفس الشيء , وإذا زعم أحد الفريقين أن قوله راجح فإن الآخر كذلك يزعم أن قوله راجح , وإذا رأى أحد الفريقين أن قوله مشهور يقول به الكثير من العلماء ويعمل به جمهور من الناس فإن الآخر كذلك يمكن أن يزعم نفس الشيء. وتبقى المسألة-في النهاية-خلافية,الله أعلم بالصواب فيها أو الله أعلم من المصيب فيها.وفي كل الأحوال كل العلماء مأجور سواء أخذ الواحد منهم أجرين أو أجرا واحدا.أما المقولات التي ترددها أنت دوما"القرضاوي ضال لأنه مثلا أباح سماع الموسيقى",و"البوطي يخرف لأنه مثلا خالف الألباني وانتقده" "الزنداني لا يساوي شيئا لأنه يقدم العقل على النص" "سيد قطب فاسق فاجر لأنه مثلا قال بوحدة الوجود" "حسن البنا منحرف لأنه أنشأ جماعة الإخوان السياسية", الخ...فهي مقولات كاذبة خاطئة ليس لها سند قوي من الشرع أو من العقل أو من المنطق أو ... من الواقع.وأنت بهذه المقولات تزيد من سيئاتك ومن حسناتهم,وفي المقابل أنت لا تغير من الواقع شيئا.إنهم علماء شئتَ أم أبيتَ , وإنهم ورثة الأنبياء شئتَ أم أبيتَ , وإنهم مجتهدون مأجورون شئتَ أم أبيتَ.هم كذلك بإذن الله عند الله أولا ثم عند أغلبية العلماء ثم عند أغلبية الناس, وهم كذلك في الواقع اليوم وغدا وبعد غد شئتَ أم أبيتَ.إنهم علماء برغم أنفك وأنفي,وسيظلون بإذن الله علماء-إن ثبتهم الله-حتى ولو انتقدتهم أنت في كل الأوقات,وحتى ولو حذرتَ منهم أنت في كل المنتديات والتجمعات , وحتى ولو سببتهم أنت في كل زمان ومكان.إنهم جميعا علماء,نعم كل منهم يؤخذ منه ويرد عليه إلا "صاحب هذا القبر (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم)", ولكن مع ذلك يبقون علماء.
**إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة شئتَ أنا أم أبيتَ.
وهذا الذي قلته عن مصافحة المرأة الأجنبية يقال مثلُـه عن كثير من المسائل الأخرى المشابهة مثل:
-سماع الموسيقى الهادئة إن كانت مصاحبة لكلام نظيف.
- سماع الغناء أو الأناشيد الدينية.
-إطالة الثياب (كالسروال مثلا) بالنسبة للرجال.
-حلق اللحية.
-جلسة الاستراحة.
-النقاب (أو ستر الوجه) بالنسبة للمرأة المسلمة أمام أجنبي عنها من الرجال.
-الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا على سبيل السنية (لأن ذلك سيعتبر عندئذ بدعة سيئة مكروهة أو محرمة بلا خلاف) بل على اعتبار أن الاحتفال هو فقط مناسبة لتذكير الناس بالسنة والسيرة.وغيرها كثير...
إن كل مسألة من هذه المسائل (وبالضبط الستة الأولى أو ما يشبهها) اختلف العلماء فيها بسبب ورود أدلة شرعية ظنية لا قطعية.وقع الخلاف فيها قديما-شئتَ أم أبيتَ-,ومازال الخلاف فيها قائما حتى الآن-شئتَ أم أبيتَ-,وسيبقى قائما إلى يوم القيامة-شئتَ أم أبيتَ-.هكذا شاء الله سبحانه وتعالى شئتَ أنا أم أبيتَ.
والأفضل لك في مثل هذه المسائل أن تقف أحد موقفين (لا ثالث لهما لأن الثالث هو عين التعصب المذموم الذي لا يحبه الله لك ولا رسوله ولا المؤمنون):
الأول: أن تأخذ بالأيسر, بدون أن تحس بأي حرج شرعي ما دمتَ تأخذُ من عالم , وما دمتَ لا تقصد اتباع السهل في كل مسألة.
الثاني: أن تأخذ بالأشد والأصعب والأحوط.وهذا من حقك, ولكن ليس من حقك أبدا أن تعتبر أن من أخذ بالأيسر ضال منحرف أو عاصي آثم.أقصى ما يمكن أن تعتبره هو أنـك على صواب ولكنه صواب يحتمل الخطأ وأن ما أخذ به الغير خطأ ولكنه يحتمل الصواب.والكل إذن على هدى ونور وإسلام وإيمان و...لقد قلت"أقصى ما يمكن أن تعتبره هو أنك على صواب..." لأن الحق والصدق والعدل يقول بأنه حتى هذا الاعتبار(أنك على صواب ولكنه صواب يحتمل الخطأ وأن ما أخذ به الغير خطأ ولكنه يحتمل الصواب) ليس من حقك تماما,وذلك لأنه ليس عندك دليل ولا نصف دليل ولا ربع دليل ولا...على أنك على صواب وعلى أن غيرك على خطأ (علم ذلك عند الله وحده).ما دليلك الشرعي الصحيح ؟!.لا دليل ثم لا دليل ثم لا دليل.
***إن المسألة الفرعية تبقى فرعية إلى يوم القيامة لا لأن الله لم يقدر على أن يوحد القول فيها,لا !–حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا-,ولكن الله أراد الرحمة لعباده من خلال هذه المسائل الخلافية الكثيرة جدا في كل مجال من مجالات الحياة الدينية والدنيوية, وكذلك الله جعل هذه المسائل خلافية ليبقى الإسلام صالحا لكل زمان ومكان.
ملاحظات: الأولى : إذا اضطررتَ لسماع الموسيقى الهادئة المصاحبة لكلام نظيف من خلال برامج هادفة كفيلم أو مسلسل أو محاضرة أو ندوة أو درس أو شريط وثائقي أو صور متحركة أو أناشيد إسلامية أو أغاني ثورية أو سياسية أو...أو كدروس في العلوم الفيزيائية (تصاحبها موسيقى) [ أنا أستاذ علوم فيزيائية بثانوية].ما أبعد الفرق بين أن تسمع وأنت تحس بالذنب على اعتبار أنك تتبنى قول من قال بحرمة سماع الموسيقى ولا تعترف بالقول الآخر(فتتعذب باستمرار من حيث لم يرد لك الله أن تتعذب),وبين أن تسمع وأنت مرتاح البال لأنك أخذتَ بقول علماء قدامى مثل بن حزم وأبي حامد الغزالي و...وكثيرين , ومعاصرين مثل القرضاوي والغزالي و...وكثيرين (خاصة من المعاصرين) , قالوا بجواز سماع الموسيقى إن كانت هادئة ومصاحبة لكلام نظيف.إن الحال الأولى أحسن لك بكثير من الحال الثانية إلا أن تكابر وتعاند أو تقول"عـنـزة (أو معـزة) ولو طارت" كما يقول المثل عندنا في الجزائر.
الثانية: فرق بين التعامل مع المسائل الأصولية كالتي خالف فيها الترابي مؤخرا مثل جواز شرب الخمر ما لم يضر الشخص غيره وجواز تزوج المرأة المسلمة من كتابي وجواز إمامة المرأة للرجل وجواز صلاة المرأة جماعة إلى جانب الرجل في صف واحد و...فهذه مسائل الاجتهاد فيها ممنوع لأن الأدلة عليها قطعية,والمخطئ فيها آثم لا مأجور.إن المطلوب منا في هذه المسائل التعصب ثم التعصب للحق الذي نؤمن به والذي اتفق الفقهاء عليه.فرق بين التعامل مع مثل هذه المسائل الأصولية والتعامل مع المسائل الخلافية الذي كنت وما زلت أتحدث عنه والذي أرى أن الواجب فيه هو سعة الصدر"ويعذر بعضُنا بعضا فيما اختلفنا فيه" كما قال حسن البنا رحمه الله,والحرام فيه هو التعصب.
الثالثة : إن التعصب يولد غالبا تعصبا مضادا , فإذا أردتَ أن لا يتعصب ضدك أحدٌ (حيث لا يجوز التعصب) , فيجب أن لا تتعصب ضد أحد.وكما تدين تدان.وهذا كلام مفهوم ومعقول ومقبول و...بإذن الله.
2-من حقك أن تأخذ برأي في مسألة معينة فرعية في العقيدة مثل"الصحابة أفضل أو زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أفضل ؟" أو مثل " عثمان أفضل أو علي أفضل رضي الله عنهما ؟" أو ....ويوجد غيرها مئات المسائل الفرعية في العقيدة التي اختلف فيها علماء أهل السنة والجماعة قديما وحديثا خلافا لم يفسد للود قضية بين هؤلاء العلماء وبين بعضهم البعض.
ولكن ليس من حقك أبدا أن تعتبر هذه المسألة أصولية- مع أنها فرعية- , ولا من حقك أن تتعصب لها-مع أن المطلوب منك هو سعة الصدر مع المخالف لا التعصب-.وإذا أصررتَ على أنه ليس في العقيدة فروع فستدفع ما لا نهاية من الأشخاص إما للضحك عليك على اعتبار أنـك جاهل من الدرجة الأولى أو-في الأحوال الحسنة-للإشفاق عليك فقط لأنك جاهل يحتاج إلى تعليم.
3- من حقك أن تتشدد مع نفسك في المسائل الفرعية الثانوية كمصافحة المرأة الأجنبية أو سماع الموسيقى أو إعفاء اللحية أو إسبال الثياب إلى ما تحت الكعبين أو جلسة الاستراحة أو...ولكن ليس من حقك أبدا أن تفرض الآراء التي اقتنعتَ بها على غيرك من المسلمين , مادامت آراء غير متفق عليها بين العلماء.نعم قد تنصح الغير ليأخذ ويعمل ويقتنع بما أخذتَ أنتَ به واقتنعت أنتَ به, ولكن لا يجوز لك أن تفرضها على الغير بالقوة أو بالسب والشتم أو بمثل ذلك من الوسائل القهرية العنيفة.
4-من حقك أن تتشددَ مع نفسك فلا تشرب الخمرَ ( وهو حرامٌ بلا خلاف ) وتتشدد كذلك مع نفسك فتحرص على جلسة الاستراحة وتجلسها ثم لا تتركها تفوتك ولو في صلاة واحدة , لأنك تعتبر أن الدين كل لا يتجزأ.هذا من حقك ...ولكن ليس من حقك أبدا أن تتعصب ضد من فرقَ بين هذا وذاك من جهتين :
الأولى : أن الحكم الأول لا خلاف فيه أي لا خلاف في أن شرب الخمر حرام , وأما الثاني ففيه خلاف أي هناك من قال بأن هذه الجلسة سنة ومن قال بأنها ليست سنة بل هناك من قال من الفقهاء الأربعة بأن من قام بها ترتب عليه سجود بعدي.
الثانية : أن الأول واجب (أي أن ترك شرب الخمر واجب) , وأما الثاني فهو مستحب.وروحُ الإسلام وقواعدُه الأصولية تؤكد على أن الواجبات ليست كالمستحبات وأن التشدد المطلوب من أجل أداء الواجبات غير التشدد المطلوب في أداء المستحبات أو السنن , وعلى أن المطلوب الاهتمام بالأهم قبل المهم وكذا على أن التشدد الأكبر يجب أن يكون مع المهم أكثر من التشدد المطلوب مع الأقل أهمية , وهكذا...
عبد الحميد رميته , ميلة , الجزائر.