وقائع محاكمة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

رونق الحياة

:: عضو منتسِب ::
إنضم
12 سبتمبر 2008
المشاركات
61
نقاط التفاعل
1
النقاط
3
كنت أجلس مسترخياٌ قُبيل العصر ملتصقا بالنافذة وعيناي تُحدّقان في مشهد طبيعي أخّاذ، وأخذتُ استعرض كلَّ جلسة من المحاكمات السابقة التي مَثَلَ فيها أمام العدالة الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي والرئيس السوداني عمر حسن البشير والتونسي زين العابدين بن علي، وقبل أن استكمل استرجاع مشاهد المحاكمة الرابعة حدث أمرٌ غريب بدا فيه أنني غفلت لبعض الوقت ووجدتُني جالسا في أحد الصفوف الأمامية في قاعة محكمة ظننتها للوهلة الأولى ثكنةً عسكريةً من كثرة المتواجدين بها الذين يحملون فوق صدورهم وأكتافهم علامات ونياشينَ أكثر مما حملته قياداتُ الحرب العالمية الثانية.
إنني حقا شاهد على المحاكمة الخامسة التي جرت أو ستجري أو لن تحدث وقائعها إلا في أضغاث أحلامي!
نظرت عن يميني متفحصا الوجه الغاضب للرئيس المتهم .. عبد العزيز بوتفليقة وهو يترقب بدوره دخول رئيس المحكمة ومستشاريه.
بعد قليل دخل القاضي مهرولا كأنه يستعجل الحكمَ قبل المداولة أو يخشى انقلابا عسكريا يسبق صيحةَ الحاجب: محكمة!
لم ينتظر القاضي عودةَ الهدوء إلى القاعة فبدأ بتوجيه أسئلته إلى المتهم الذي بدا متحفزا...

القاضي: اسمك وتاريخ ومكان مولدك؟
المتهم: عبد العزيز بوتفليقة من مواليد شهر مارس عام 1937 في مدينة تلمسان.

القاضي: كيف وصلتَ إلى حكم البلاد؟
المتهم: في انتخابات نزيهة جرت في الخامس عشر من ابريل عام 1999

القاضي: وهل كان هناك مرشحون غيرك؟
المتهم: نعم، سيدي الرئيس، فقد كان هناك ستة من المرشحين انسحبوا احتجاجا فأصبحتُ المرشحَ الوحيدَ ولم أكترث لهم.

القاضي: وطبعا منهم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الرجل الذي قاد عمليةَ مراجعة تاريخك الأسود واكتشف عام 1980 اختلاسك مبلغ 43 مليون دولار وبدلا من وضعك في السجن مع المجرمين وسارقي أموال الدولة خرجتَ من الجزائر لتعود بعد ثمان سنوات معتمدا على الذاكرة الضعيفة للشعب، أليس كذلك؟
المتهم: لكنني، سيدي القاضي، قمت بإعادة الأموال التي نهبتها من أفواه شعبنا الجزائري. وفي عام 1994 تم استدعائي لتولي الحكم خليفة للرئيس علي كافي، لكنني اشترطت تعييني من قبل المؤسسة العسكرية التي تعرف أهدافي جيدا.

القاضي: هل تقصد موقفك من الصحراء المغربية ودورك المشبوه في اثارة القلاقل للمغرب على الرغم من أنك قضيت سنوات من طفولتك وشبابك في مدينة وَجْدَة؟
المتهم: كنت على أتم استعداد لعقد أي صفقة مع الشيطان في مقابل إثارة الاضطرابات للمغرب ومنعه من ضم الجمهورية الصحراوية عنوة لتكبر المملكة المغربية.

القاضي: ولكن ليست هذه كل الصفقة التي بموجبها جعلك العسكريون واجهة لتدمير الوطن الذي دفع مليونا ونصف المليون من الأرواح للتحرير، ألم يرفضك العسكر من قبل؟
المتهم: بلى، سيدي القاضي، كان ذلك عام 1978 وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين وحال العسكر دون وصولي للحكم فجاء الشاذلي بن جديد.

القاضي: بمناسبة ذكرك رئيسك الراحل، لماذا ترفض حتى الآن فتح ملف وفاة الرئيس هواري بومدين؟
المتهم: كل من تابع بدقة الأسابيع الأخيرة للرئيس الراحل لا يخالجه أدنى شك في أن صدام حسين هو الذي دس السم له خشية أن يفضح دوره الخبيث في الحرب العراقية الايرانية فقد كان بومدين يملك أوراقا كثيرة تدين طاغية بغداد الأسير وتكشف اتصالاته الخفية التي انتهت إلى اعلان الحرب على طهران.

القاضي: لماذا أخفيت عن أهل بلدك حقيقة اختفاء قسري لأكثر من عشرة آلاف جزائري وكأن الأرض ابتلعتهم؟
المتهم: لقد أبلغنا في نوفمبر عام 2001 منظمة هيومان رايتس ووتش أن لدينا ملفات لحوالي خمسة آلاف مختف، وأن رئيس اللجنة الاستشارية ، مصطفى فاروق قسنطيني، يظن أن الذين اختفوا قد يبلغ عددهم اثني عشر ألفا.

القاضي: أنا لا أحدثك عن طيور أو قطط أو كلاب، إنما استفسر عن مصير آلاف من الجزائريين الذين كنت تعرف مصيرهم واشترى العسكر صمتَك المخيفَ مقابل بقائك في الحكم.
المتهم: كانت لدى قوات الأمن أوامر بتجاوز أي خطوط حمراء أخلاقية أو أدبية أو وطنية في سبيل اعادة الاستقرار إلى البلاد.
وكان القاء القبض على الجزائريين يجري على قدم وساق بدون تُهَم أو ادّعاء أو تبرير أو حتى الحديث إلى المواطن وهو يسير آمنا في شوارع بلدته أو أي مكان آخر!

القاضي: لقد تفوقتَ بجرائمك على كثيرين من طغاة العالم، وكنا نظن أن قضايا الاختفاء تتفوق فيها بعض دول أمريكا اللاتينية، لكنك جعلت الجزائر الأكثر رعبا وهلعا للمواطن المسكين.
لماذا أبلغت أهالي المختفين بأن ستمائة من أولادهم انضموا للجماعات المسلحة؟
المتهم: لم يكن أمامي غير هذا الحل فقد قمنا بتصفية الآلاف، ثم إن هناك عقدا بيني وبين الجنرالات لا أستطيع أن أنكثه لئلا يكون مصيري مثل محمد بوضياف.

القاضي: اختطاف المواطن من الشارع وهو عائد من عمله أو يتسوق لأولاده أو ذاهب للمسجد أو آمن على نفسه في وطنه كان جريمة فادحة بكل المقاييس، لكن الأسوأ والأحقر تمثل في شعوركم في نظام الحكم القذر بلذة تعذيب الأهالي وهم يبحثون عن أولادهم في أقسام الشرطة والمستشفيات وفي الجبال وفي القرى النائية وأنتم تعلمون أن أجهزة أمنكم تولت ارسال المختطفين إلى العالم الآخر، ألم يكن في قلبك ذرة من إيمان تستند عليها لتخفف من عذابات وآلام الآباء والأمهات والأولاد والأحباب؟
المتهم: أنت لا تعلم، سيدي القاضي، قوة وسطوة وطغيان المشاعر السلطوية، وأنا في الواقع متهم سابق بالاختلاس والسرقة، ومن السهل فتح ملفاتي فكنتُ مضطرا لتوقيع اتفاق جنتلماني مع مافيا الجنرالات وليذهب الجزائريون إلى الجحيم.

القاضي: لا أستطيع أن اصدق أنك كنت ساعدا أيمن لهواري بومدين الذي كان على رغم أخطائه، خاصة النزاع الصحراوي واعتقال أحمد بن بلا، إلا أنه كان طاهرا وشريفا وعاشقا لوطنه وكارها لقوى الاستعمار.
هل كنت على علم بآلاف من حالات التعذيب في سجون الجزائر؟
المتهم: كانت حياتي مساوية للصمت فالجنرالات يضعون أيديهم فوق رقبتي، وأنا أسد أذني وأغض الطرف عن جرائم يهتز لها عرش الرحمن.

القاضي: ما هو الشيفون؟
المتهم: إنها طريقة للتعذيب تجري في معتقلاتنا وسجوننا وهي عبارة عن وضع خرقة مبللة بمياه قذرة أو مواد كيماوية على فم وأنف المحتجز، وهي في الواقع من ابتكار رجال الأمن في الجزائر ننافس بها الأشقاء في سجون ومعتقلات الوطن العربي الحبيب!

القاضي: هذا يعني أنك كنت على علم بالتجاوزات والانتهاكات والتعذيب والاغتصاب والتصفية التي تقوم بها قوات الأمن ضد مواطنيك، أم ستنفي معرفتك بها؟
المتهم: كنت أعلم عن تفاصيل كثيرة يشيب لها شعر الجنين، لكن أحلامي في الصعود والاحتفاظ بالسلطة وجعل اسمي يسبق اسم الجزائر وتجنب اغضاب العسكر جعلني أقوم بتخدير ضميري خشية أن يستيقظ ويقرعني عن صمتي.

القاضي: هل يمكنك أن تذكر لي سبب اعتقال الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج؟
المتهم: كان ذلك اثر نجاح الجبهة الاسلامية للانقاذ في الانتخابات التشريعية وحصول الجبهة على 82% من الأصوات، مما دفع العسكر إلى الغاء الانتخابات ثم غابت الدولة في فوضى.

القاضي: لكن اعتقال الشيخين جرى قبل أن تسيل أي دماء في الجزائر، ثم إن الافراج عنهما في عهدك كان مقابل عدم ممارسة أي أنشطة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية، أي أنه استمرار للاعتقال بعد الافراج، فلماذا وضعت هذه الشروط المجحفة؟
المتهم: حتى تكون أمامي فرصة لاعتقالهما لأي سبب تافه أو بسيط بحجة ممارستهما أو أحدهما لنشاط معين حتى لو كان مناقشة في قضية اجتماعية.

القاضي: هل كانت هناك نشاطات للموساد في عهدك؟
المتهم: وهل هناك بلد عربي يستعطف واشنطون، ويستجدي سيد بيتها الأبيض يستطيع أن يفعل ذلك دون أن يفتح بابا صغيرا خفيا يتسلل منه رجال الاستخبارات الاسرائيلية؟
ألم تقم اسرائيل بتصفية قيادات للمقاومة في تونس في غياب أجهزة الأمن التونسية؟
ألم يرسل العقيد القذافي حجاجا لبيت المقدس لترضية واشنطون؟
ألم يكن الملك الحسن الثاني الأقرب إلى اسرائيل من أي زعيم آخر؟
ألم يكن الحسين بن طلال صاحب العلاقات السرية مع حكام تل أبيب طوال فترة حكمه؟
أليس أسياس أفورقي رجل الموساد في أفريقيا؟
ألم تقم الاستخبارات الاسرائيلية بحماية نظام الحكم الارهابي في موريتانيا؟
ألا يمثل التعاون بين نظام الرئيس حسني مبارك والكيان الصهيوني نموذجا للتضحية بمصالح الوطن من أجل تجنب الغضب الأمريكي؟

وهنا قاطعه القاضي غاضبا: وهل نسيت أنك أرسلت صحفيين جزائريين لإسرائيل؟
وهل كانت مصافحتك لرئيس الوزراء الاسرائيلي في جنازة الملك الحسن الثاني هي الوحيدة في تاريخ علاقتك المشبوهة بالكيان العبري؟
المتهم: وهل أنا أقف أمام عدالتكم بتهمة الحوار مع اسرائيل؟

القاضي: التهم الموجهة إليك تكفي لوضعك في زنزانة منفردة ومنعزلة في أقصى الصحراء ما بقي لك من عمر، لكننا نبحث عن أهم جرائمك المتعلقة بحقوق المواطن الجزائري وبمسؤوليتك عن الانتهاكات والتعذيب والتصفية.
الآن، لماذا قمتم باعتقال الحاج محمد إسماعيل ممثل الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بولاية جليزان؟
المتهم: لأنه سافر إلى باريس لحضور ندوة عن حقوق الإنسان، وعندما عاد إلى مطار وهران أمرنا باعتقاله حتى يتعلم الجزائريون المهووسون بحقوقهم أن الدولة فوق القانون، وأن أكبرهم لا يساوي ثمن رصاصة يطلقها رجل أمن في مؤخرة رأسه وهو يسير آمنا فوق التراب الوطني.

القاضي: لماذا لم تأمر بالافراج عن معتقلي الرأي القابعين ظلما وعدوانا في سجن لعلاليق، وأنت كنت تعلم أنهم يعانون من مشاكل صحية ويعاملهم الحراس معاملة الكلاب أو أقل؟
المتهم: لأنني كنت غاضبا على ( محارق السجون ) وهي انتفاضة المعتقلين والمسجونين الذين أضربوا عن الطعام أو قدموا احتجاجات وأثاروا زوابع على نظام حكمنا.
صحيح أننا قمنا بتصفية عشرات منهم كما كان رفعت الأسد يقوم بنفس العمل في سجن تدمر السوري، وكما فعل أخي العقيد معمر القذافي الذي قتل 1200 ليبي في سجن أبي سليم، وكما فعل الأمريكيون وهم ينقلون أسرى أفغان في الصحراء ثم أوقفوا السيارات المكدسة وفتحوا النار على مئات بداخلها كانوا في الواقع قد لقوا حتفهم من الاختناق فشرفهم الأمريكيون بالموت للمرة الثانية.
لم أفرج عن سجناء الرأي في معتقل لعلاليق ليتعلم الجزائريون فضيلة الصمت ولعق أحذية العسكر والرئيس.

القاضي: أنت تتحدث عن أبطال جاد مليون ونصف المليون من آبائهم بأرواحهم من أجل أن نعيش وأجيالنا القادمة أحرارا، فكيف أطاعتك نفسك الكريهة وقد كنت في يوم من الأيام بجوار هواري بومدين الذي رفض زيارة فرنسا حفاظا على سكون أرواح شهداء حرب التحرير؟
المتهم: كانت قبضة العسكر قوية، وكنت الضعيف أمامهم، والمنقذ أمام المتزلفين والمنافقين والأفاقين والجبناء، والمشاغب أمام جيراني المغاربة، والبطل أمام قوى التحرر الأفريقية التي تعيش أحلام الزمن الجميل لهواري بومدين، والطاغية أمام القوى المعارضة.

القاضي: لماذا لم تقوموا بعملية فرز علنية تفصلون فيها بين الجبهة الاسلامية للانقاذ وبين الجماعة الاسلامية المسلحة؟
المتهم: لأن هذا كان يعني ابطال حجة الدولة في اعتقال الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج، وربما عودة ( الفيس ) للعمل على الساحة وهذا لن يسمح به جنرالات الجيش وسيقومون بتصفيتي كما فعلوا مع محمد بوضياف.

القاضي: كم كان عدد القتلى الذين قمتم بتصفيتهم في السجون العشرة التي شهدت تمردا؟
المتهم: ليس لدي احصاء دقيق، لكن رجال الأمن التزموا بتعليماتنا بأن حياة المواطن الجزائري السجين أرخص من حشرة، لكننا للحقيقة، سيدي القاضي، لم نقتلهم كلهم رميا بالرصاص، فمنهم عدد كبير لقي حتفه في حريق بسجن شلقوم العيد، وآخر القتلى كانوا في سجن بشار في جنوب الجزائر.

القاضي: أنت تتحدث الآن مع رئيس المحكمة، وينبغي أن تتأدب ولا تستخف بعقلي. كيف يتمرد في وقت واحد سجناء في عدد كبير من المعتقلات التي تفصل بينها مئات الكيلومترات ولا تستطيع ذبابة أن تنقل خبرا من سجن إلى آخر؟
وهنا خفت صوت المتهم، ونظر إلى الأرض خجلا وقد بدت عليه ملامح الارهاق والمذلة في خليط عجيب لا يخفى على أي ملاحظ متمرس في تعبيرات الوجوه.
ثم قال دون أن ينظر لوجه القاضي: معذرة، سيدي الرئيس، فأنا لم أقصد اهانتك، والحقيقة أننا كنا نرسل عملاء ومدسوسين ومرشدين يعيشون مع السجناء لفترة من الوقت، ثم يقومون بتحريضهم على التمرد في الوقت الذي نحدده نحن، وهذا تفسير للتمرد المشترك من سجناء لا تربطهم أي صلة حتى لو كانت نسمة هواء تسري من أقصى البلد لأقصاها.

القاضي: لقد شهد عهدُك أحط أنواع الفساد ويمكن لمن يملك أن يشتري أي شيء، ويقوم بتهريب البضائع والبشر والمخدرات ..
للمرة الأولى في تاريخ نضال هذا الشعب العظيم يبحث الأطفالُ في صناديق القمامة عن فتات الطعام الذي يلقيه أناس أثرتهم الحرب الأهلية، ورفعت من قيمتهم قبضات الجنرالات، وضمتهم إلى المافيا أحذية العسكر.
إنهم يُذَكّرونني بأطفال غزة الذين يبحثون أيضا عن الطعام في صناديق القمامة القريبة من بيوت وفيلات وقصور أعضاء الحكومة والمجلس التشريعي وأصحاب الياقات البيضاء الذين جاءوا من تونس ليحكموا أبطال الانتفاضة فخسرت الثورة الفلسطينية بقيادتها الفاشلة أكثر مما خسرت بقسوة وغلظة ووحشية عدوها الصهيوني.
هل كان لديك مشروع قومي لانقاذ الوطن المهزوم؟
المتهم: لم يكن لدي مشروع قط فأنا توليت السلطة وكل شيء فاسد، من الميناء إلى الثكنات العسكرية، ومن الفهم المتخلف للدين إلى الادارة الفاشلة والبطالة المليونية وقضايا الصراع الفكري التي لم يحسمها الجزائريون فلما قام الرئيس الفرنسي بزيارتهم خرجت الجزائر كلها تستقبله كأنه المنقذ أو الحلم الذي توارى لبعض الوقت أو نافذة الحرية للتخلص من العسكر أو جنة الاستعمار القديم في مقابل الحرية الحديثة.

القاضي: كيف تحول الجزائريون في عهدك إلى مواطنين من الدرجة الثانية الذين تسبقهم فئة قمتم بصنع جزء منها وهم تجار المخدرات ومهربو البضائع والفاسدون المرتشون وناهبو نفط الدولة فضلا عن أسياد الجزائريين .. أعني جنرالات الحرب؟
المتهم: لكل طاغية، سيدي القاضي, طريقته في اخضاع عبيده ورعاياه، وحيث أنني لا أحكم بمفردي الجزائر كما هو الحال مثلا في مصر وليبيا وتونس والمغرب والأردن فإن صناعة الخضوع لا تبقى حكرا علي بمفردي، فرقبتي تحت أحذية العسكر، واستمرارهم رهن بكراهية شعبي لي فإذا أردت التمرد فإن استدعاء ملك الموت ليقبض روحي لن يستغرق ساعة أو بعض الساعة.
إنني ومافيا العسكر كنا نكمل بعضنا، على الرغم من أنني الحلقة الأضعف.

القاضي: لو وقفت أمام شعبك وطلبت دعمه وفضحت في خطاب علني كل صور الفساد وذكرت الأسماء وأمرت باعتقالهم فإن الجزائريين كلهم ( تقريبا ) كانوا قادرين على ازالة دولة العسكر والاستخبارات وتنصيبك بطلا
المتهم: لكنني، سيدي القاضي، لم أكن قادرا على التحريض فتاريخي معروف لديهم، وملفي الذي يحتفظ به خصومي كان يمكن أن يجهز لي سبعين حبلا للمشنقة بدءا من عملية الاختلاس وتحريضي ضد المغرب وليس انتهاء بموافقتي، الضمنية أحيانا والصريحة أحيانا أخرى، على عمليات التصفية والتعذيب والاختطاف.

القاضي: هل قرأت ( مافيا الجنرالات ) و ( الحرب القذرة )؟
المتهم: نعم وقرأت عشرات من المقالات والتحقيقات التي نشرتها الصحافة الفرنسية، لكنني لم أهتز لها فالرئيس الفرنسي قام بزيارتي كما قمت أنا بزيارة رسمية لباريس وهم يطرحون قضايا حقوق الانسان على استحياء، فالقيم في الغرب وأمريكا يمكن تخديرها من أجل المصالح.
ألم يستقبل العقيد القذافي زعماء أوروبا الحرة في خيمته بعدما روعهم بعملياته الارهابية؟
ألم يكن كل زعماء فرنسا يعرفون ما يجري في جحيم المعتقلات المغربية لكن أمير المؤمنين كان يرفض أي عتاب أو نقد بعدما نهب معظم ثروة شعبه؟
إننا، سيدي القاضي، في مسرح كبير يلعب كل منا دوره القذر، وفي داخل كل منا سيد وعبد، ونحدد وفقا للموقف إن كنا نعطي أقفيتنا أو نمسك سوطنا، نلعق الأحذية أو نلهب الظهور، نصلي في دار العبادة أو نسهر مع عاهرة.

القاضي: مذابح السلطة ضد أبناء الجزائر من البربر بلغت مداها العفن في فتح النار على المتظاهرين وقتل المئات دون أن يرف جفن أي منكم. لماذا تضطهدون البربر وتمنعون عنهم حقوقهم المواطنية الكاملة؟
المتهم: لأننا لم نخرج بعد من دائرة الحيرة الثقافية وبالتالي نظن أن المواطن لو كان يعتنق دينا آخر أو يتحدث لغة ثانية أو تعود جذوره لسلالات مهاجرة أو حتى للسلالات الأصلية لو كنا نحن أبناء المهاجرين، فإننا ننظر إليه نظرة دونية خشية أن يطالب بحقوقه المشروعة.

القاضي: لكن البربر ليسوا أغرابا فهم سكان الوطن كالطوارق في ليبيا والسُنّة في العراق والشيعة في البحرين والعلويين في سوريا والدروز في لبنان والأقباط في مصر والأكراد في العراق وسوريا وتركيا والنوبيين في مصر والفلسطينين في الكيان العبري والجنوبيين في السودان .. كل هؤلاء مواطنون من المفترض أنهم من الدرجة الأولى كالآخرين تماما ، أما الفروقات في الدين والطائفة واللغة والثقافة والمشاعر المشتركة بين كل جماعة لا تنتقص من حقها قيد شعرة.
المتهم: إنها قضية لم يصنعها عهدي لكنني ورثتها، ولست من أَمَرَ باطلاق النار على المظاهرات.

القاضي: هل تريد أن تقنعني أنك بريء من دماء الجزائريين، وأنك لست الزعيم الذي كان بامكانه أن ينحاز إلى شعبه؟
المتهم: دعني، سيدي الرئيس، أعترف لك قبل أن تحكم بأقصى العقوبات التي يبدو أن جرائمي تستدعيها من عدالتكم فأنا فعلا قمت بأحط الأعمال ضد أبناء شعبي، وفَضّلت الصمتَ أمام المذابح، وقرأت آلاف التقارير عن التعذيب في المعتقلات والسجون، وكنت أعرف أن المختطفين والمغيبين والمختفين تمت تصفية أكثرهم، وأنني أشاهد بأم عيني فسادا في كل أجهزة الدولة ولم استطع أو لم أرغب في القضاء عليه، ووقعت في يدي أدلة وشواهد وبراهين على مذابح وجرائم مافيا العسكر فاخترت الصمت حماية لنفسي ولسلطتي ولمنصبي، وكانت لي لقاءات ومحادثات مع مسؤولين صهاينة، وأنني فتحت الأبواب أمام أمريكا لعلي استطيع لعب دور سياسي أكبر فيتجاذبني الأمريكيون والفرنسيون، وأن استمراري في ترشيح نفسي بعدما انسحب الستة الآخرون كان جريمة بكل المقاييس ولو كان هناك عدل لفقدت الشرعية مع أول صوت انتخابي.
وهنا أشار له القاضي بالسكوت، فالجريمة مكتملة الأركان، والتحالف بينه وبين العسكر كان اختيارا طوعيا، ومذابح مافيا العسكر لا تقل عن مذابح الاسلاميين ضد الشعب البريء، ووقف القاضي طالبا عشرين دقيقة للمداولة، لكن الحقيقة أن هناك عدة آلاف من المجرمين والقتلة، من الجنرالات والاسلاميين، لم يَمْثلوا بعد أمام عدالة محكمة الشعب.
 
رونق الحياة بارك الله فيك أقصرهم طولا أشدهم بلاء
ادينا طرايح لكن لليوم نجهلو مصادرها ناس كيما هذو التراب لي دارليهم الشان
 
شكرا على الموضوع
تقبل مروري
 
الحمد الله أنها في الأحلام وماشى رايحة تصري ؟؟؟؟؟؟؟؟
أضعاث أحلام فقط .........
القاضي: وهل كان هناك مرشحون غيرك؟
المتهم: نعم، سيدي الرئيس، فقد كان هناك ستة من المرشحين انسحبوا احتجاجا فأصبحتُ المرشحَ الوحيدَ ولم أكترث لهم.
 
القاضي: كم كان عدد القتلى الذين قمتم بتصفيتهم في السجون العشرة التي شهدت تمردا؟
المتهم: ليس لدي احصاء دقيق، لكن رجال الأمن التزموا بتعليماتنا بأن حياة المواطن الجزائري السجين أرخص من حشرة، لكننا للحقيقة، سيدي القاضي، لم نقتلهم كلهم رميا بالرصاص، فمنهم عدد كبير لقي حتفه في حريق بسجن شلقوم العيد، وآخر القتلى كانوا في سجن بشار في جنوب الجزائر.



الله يرحمهم
شكرا على الموضوع
 
اخي رونق ممكن ذكر المصدر الموثق؟
.....كل هذه الجراائم وتسكت عليهاا المحكمة؟....
 
اختيdandouna
22
للمحكمة قانون ومن شرع القانون الجزائري هو جزائري لذا
فقول الحقيقة في كل الحالات ليس بالضرورة سهلا، خصوصا ان في الجزائر يعد من أصعب الأمور وأعقدها، ليس علي مستوي الواقع الحالي المؤلم فقط، وانما علي مستوي بعض الأطراف، الجماعات المختلفة، وردود أفعال الآخرين.. اذا ما كان هؤلاء عادة في تأثر مباشر بأفكارهم وتوجهاتهم الذاتية.. برفضهم اذن للحقيقة كما هي، أو اذا كان مصدرها من جهات أخري، في حالة عدم مرورها عليهم، أو لم تصنع وتصاغ بينهم في قلب كواليسهم للسلطة المدبرة لكل تحرك وكل شيء.. هؤلاء الذين قبلوا للأسف الشديد اقتسام كل أجزاء الحكم ــ أساساً ــ مشكوك في شرعيته وفي وجوده النزيه.. كونه مؤسساً علي عشرات من الانتخابات المزورة، واحتيل علي مصداقيتها. ولأن هذه الحقيقة كانت مرتبطة دائما بتورط مفضوح للمؤسسة العسكرية.. الاغتيالات السياسية، تصفية المعارضة جسديا، اغتيال رجال الصحافة، ومن الاحزاب المعارضة، خصوصا هؤلاء الذين انتموا الي الحزب المُحل الجبهة الاسلامية ، او فائز في الانتخابات الملغاة في كانون الاول (ديسمبر) عام 1991، بتدخل الجيش مشخص أساسا في بعض الجنرالات الذين كانوا ضباطا في الجيش الفرنسي، كالجنرال خالد نزار وزير الدفاع الأسبق والجنرال محمد لعماري قائد القوات العامة. اذن فمحاولة اعادة تطويع واعادة توجيه وتقويض المجتمع والقوي السياسية، كانت تقريبا ناجحة عن طريق بث سياسة القهر والظلم وخلق حدود وخطوط حمراء جديدة قمعية وارهابية. وعليه فقد كانت وسيلة وردة الفعل من نتائج الانتخابات، هو الانتقام بكل مكر وقوة ضد أغلبية شعب اختار عنوة ومكرا الجبهة الاسلامية .
وعليه فانه حسب المنطق السائد في أوساط ضابط الجيش وبعض الشخصيات الموالية، كانت غلطة فظيعة كان لا ينبغي للشعب ان يرتكبها.. وــ وهما ــ عندما اعتقدوا وجهلوا إن الشعب صار تاريخيا تحت الوصاية الاجبارية للعسكر. فمنذ الانحراف الخطير لسلوك المقررين في البلاد، ومنذ تدني وضعية حقوق الانسان والخروق الواضحة المستمرة للحقوق الفردية والجماعية وللحريات الأساسية، نتيجة غياب فعلي لنية عميقة لحل الخلاف والمعضلة الجزائرية في عهد تعددية فتية جدا.. هرب النظام بالجزائر الي الامام وسد المجتمع الجزائري وقسمه.. سنوات في ما بعد وجد هذا المجتمع نفسه ضائعا في متاهات نفق دامٍ ونزيف مستمر.. التأخر والتخلف الاقتصادي، خوصصة المؤسسات والقطاعات الحساسة، تسريح ملايين العمال، مئات الآلاف من الضحايا والقتلي في هذه الحرب المدنية، وآلاف من المختفين. علي الرغم من كل هذا للأسف، فان الذين يحكمون علي التوالي وفق نظام (الوراثة) الي غاية اللحظة، لم يعترفوا لحد الآن بفظاعة اخطائهم ومناهج حكمهم: لا يجب ان نترك لهم الحكم بهذه السهولة، لن نتركهم أبدا، لن نسمح بمرور السلطة والحكم الي من يريد تحويل الجزائر الي ايران جديدة؟ قالها ذات مرة أحد الجنرالات، بعد تمكّن استقدام المنقلبين علي نظام الشاذلي للمرحوم محمد بوضياف كرئيس لمخطط استئصالي وقمعي للمجتمع الجزائري من دون علمه؟! في هيئة المجلس ــ الاعمي ــ عفوا، الاعلي للدولة .
هذا الوعد المشؤوم وهذا التطرف الخبيث، عقد كثيرا الوضعية في الجزائر، وعرفت وقتها أكثر الفترات والحقب البشعة والفظيعة من بربرية ووحشية مطلقة في التقتيل والاغتيالات والمساس بحقوق الانسان، الي درجة ان حتي ايران في حد ذاتها لم تشهدها وقتها؟!

من يقتل من؟ السؤال الذي يقلق ويزعج الكثير؟

منذ كشف دور المؤسسة العسكرية، بعد مجازر واغتيالات مشكوك فيها، مست المدنيين العزل والصحفيين، والمبدعين وأهل الفن والابداع، وكذلك الاجانب، والرضع من دون استثناء أحد. وبعد نشر الكثير من الشهادات والروايات من طرف كتاب ورجال اعلام ومناضلين في مجال حقوق الانسان، بدأ الرأي العام الدولي الاستفسار، والتساؤل بجدية وانشغال كبيرين عن ــ من رواء ــ آلة الموت التي تحصد الجزائريين، لان الرواية الجاهزة والمعتادة المنسوبة الي الجماعات الاسلامية والارهابية صارت ثانوية. الكتاب الأسود للجزائر ، من يقتل في بن طلحة؟ ، عشرة مفاتيح لفهم الأزمة الجزائرية ، وأخيرا كتاب الحرب القذرة للضابط السابق حبيب سوايدية.. صور شهادات مدينة، ومورطة ومروعة في آن، دفعت بالتساؤل وبمحاولات الفهم بعيدا في ما يتعلق بعقد المسألة اللا أمنية واللا مستقرية في الجزائر. وفي كل مرة يعاد طرح التساؤل من يقتل من؟ ، غير ان لعبة ــ تنس الطاولة ــ بين باريس والجزائر، وبين الذين يصرون علي تجلي العدالة، ومعاقبة المتسببين في المأساة وفي جرائم هذه الحرب وبين من هم يدافعون من دون هوادة عن السلطة العسكرية بشكل مطلق ويؤيدون بحماس شديد براءتها من خلال نظرة جاهزة للاستهلاك.. لانه حسب رأيهم دائما، فان المجرم المثالي الوحيد والمسؤول الأوحد عن كل هذه المجازر هم عناصر الارهاب والجماعات الاسلامية المتطرفة.. متجاهلين للأسف في كل مرة الأدلة والقرائن والبينات المظهرة من طرف مختصين في القوانين والمحاماة، ومن طرف مناضلين في مجال حقوق الانسان، وأخيرا من طرف المعنيين مباشرة وهم الضحايا.. صحفيون، محققون وحتي ضباط في الجيش الذين أدانوا واثبتوا للرأي العام مسؤولية الجيش الجزائري في الكثير من عمليات الابادة الجماعية، بالنسبة لهؤلاء، كل شيء أو رأي قادم من الخارج فهو مرفوض اطلاقا، معتبرينها حملات مغرضة من طرف اعداء الجزائر ومن طرف خونة وكذابين، الذين يبحثون عن مجالات لحشر أنفسهم في القضايا والشؤون الداخلية للبلد، والاساءة الي كرامة الأمة الجزائرية، وكأن هذه الكرامة (المتحدث عنها) كانت دائما محفوظة، ومحمية، ولم تكن في يوم ما ممسوسة، ما عدا هؤلاء المفتعلين والمخترعين للحملات الشرسة السياسية، لاجبار الهيئات الدولية لمعاقبة الجزائر.
غير اننا نعلم جيدا، ونعرف بأن هناك نخبة من المعارضين الذين أثاروا بكل جرأة ومسؤولية هذه المسألة، وحملوا الجيش مسؤولية ما يحدث وما حدث في بعض الخروقات والتجاوزات الصارخة، وتورط بعض القادة من الرتب الرفيعة في عدة عمليات مروعة استهدفت وسط الشارع الجزائري، وتجاوزوا اطار حماية المواطن والوطن وحقوق الانسان من خلال تعسفات لا غبار عليها، طالت الشعب الجزائري بأكمله. وحتي الصحافة الجزائرية، التي تعد من أجرأ واشجع من غيرها في الوطن العربي والافريقي والدول النامية (علي الرغم من قصر تجربتها التعددية)، لعبت للأسف الشديد أدوارا وأشواطا مهمة ومصيرية في حياة الفرد الجزائري، وقد انتقدت وأدانت بشدة وقتها السلطة الرسمية اثر خرقها لكثير من المرات لمبادئ حقوق الانسان، وفساد أجهزة العدالة وتدهور الاقتصاد وكل القطاعات الحساسة في البلاد، مع اشاراتها العديدة لسياسة الترقيع المنتهجة من طرف حكومات وسلطات أقل ما يقال عنها فاشلة، وعقيمة وكان وقوفها ضد الارهاب والقتل العشوائي صريحا وشجاعا.. بالمقابل فقد دفعت غاليا من أسرتها بفقدان اكثر من ستين صحفياً، بغض النظر عن الذين تم اختطافهم في ظروف غامضة وقتلهم في ما بعد.. لكن اذا تعلق الأمر برأي أو تعبير قادم من الخارج من طرف جزائريين أو من قبل المدافعين عن قضية حقوق الانسان، فانها تتحول بسرعة ويتحول خطابها وأسلوبها الي درجة ان يصعب علينا معرفة الفرق بينها كصحافة ــ يقال عنها مستقلة ــ وبين السلطة الحاكمة، فتتعامل مع مسألة حقوق الانسان، والدعوات المدافعة والمناضلة من أجل الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن ــ ظل القبعات الخضراء ــ، علي أنها مساس للأمة وللشعب الجزائري.. في ذات الوقت هذه الصحافة نفسها وهؤلاء الساسة المرضي يعلمون جيدا ان الدفاع عن حق التعبير والديمقراطية وحرية الرأي، مطالب ومبادئ أساسية لحقوق الانسان، وليست خرقا أو تدخلات في الشؤون الداخلية للبلد. وفي كل مرة تتصدي هذه الصحافة وبعض الوجوه السياسية بعدوانية فائقة مفرطة ضد كل الذين يعملون علي اظهار الحقيقة، فيعطينا انطباعا خاصا يدعو الي الانشغال والحيرة وطرح من جديد السؤال: ما هو الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه الصحافة، وهل هي فعلا مستقلة، أو انها تتمتع باستقلالية جزئية محرّكة وموجهة؟ وما الذي تريده هذه الصحافة بالضبط؟ .

بعد صدور الحرب القذرة مباشرة في شهر شباط (فبراير) عام 2001، تحركت آلة ردود الأفعال كالعادة، تمثلت في هجمات مضادة قادتها في المقام الأول الصحافة الخاصة، غير انها كانت تلك الموجة من الردود فوق العادة، تجنيدا ليس له أي مثيل من قبل.. دعم من طرف بعض الاحزاب والشخصيات السياسية، بعد الحملة الجديدة الاعلامية للصحافة الفرنسية وبعض الشخصيات المثقفة.. حال اتضاح وبروز الرؤية الجديدة (الصدمة)، أي صدور كتاب الحرب القذرة ، والذي وضع مرة أخري المؤسسة العسكرية في الجزائر والسلطة ككل في ميزان واحد في ما يتعلق بجرائم الحرب المرتكبة خلال عشرية كاملة، هذه الحرب التي دارت وتدور بين التيار الاسلامي المقصي من انتخابات كانون الاول (ديسمبر) عام 1991 والسلطة صاحبة الانقلاب علي المسار الانتخابي.. حرب استعملت بارادة الجنرالات الاستئصالية لكل أصناف التقتيل ومختلف الأساليب لتقليب الرأي العام الدولي والوطني ضد التيارات الاسلامية في الجزائر، خصوصا الحزب المحظور.. فعمليات التصفيات الجماعية وبعض المجازر المشبوهة والمفضوحة أحيانا، التي مست خصوصا قاعدة الحزب المعني، ومناضليه والمتعاطفين معه.
كانت تجاوزات صارخة وغير معقولة مست بالدرجة الاولي وضعية حقوق الانسان وعقدت مجري الحياة أكثر ما هو عليه من قبل وما ارتكبته في بداية الأزمة الأمنية الجماعات المسلحة المختلفة.. عشرات من الاحتجاجات والمظاهرات والنداءات الرافضة لأي تدخل خارجي حركت من طرف القوي ــ الموصوفة بالحية؟! ومن اهمها حزب حمس ، أي حركة مجتمع السلم للشيخ محفوظ نحناح، الحزب الجمهوري لرئيس الحكومة الاسبق رضا مالك.. وكل هذا في غياب وصمت غريب (في البداية) من طرف السلطات الرسمية للبلاد، ولم يصدر وقتها أي رد فعل بحجم الحملة التي انطلقت من باريس.. وقد دفع هذا الصمت الغريب بالأحزاب وبالصحافة الخاصة علي وجه الخصوص الي التساؤل عن ــ اللا رد ــ من طرف المؤسسة العسكرية، والرئاسة.. هذا مما دعم واعطي في البداية أفضلية للطروحات الجديدة التي وردت في شهادة الضابط السابق في الجيش الجزائري حبيب سوايدية، اذن انطلاقا من هذا فان بعض الصحف الجزائرية تبنت مباشرة مهمة الدفاع والمرافعة ــ لا ندري اذ كان ذلك مجانا؟! ــ عن شرف المسؤولين علي رأس المؤسسة العسكرية المتورطين في عمليات كثيرة، ومجازر مشبوهة التفاصيل.. حملة واسعة ضد مؤلف الحرب القذرة، والذين وراءه.. وبين عشية وضحاها تجد المؤسسة العسكرية الحاكمة نفسها مدججة ومحاطة، محمية ومرافع عنها من طرف اقلام صحفية، المعتبرة ان هذه الحرب ، لم تكن مفتعلة بمحض الصدف، أو من خلال نيات حسنة تجاه الجزائر.. حسبها، فانها كانت دائما متيقنة بأن هذه المؤلفات الصادرة في الخارج وهذه الشهادات لا تعبر الا عن محاولة تدويل المسألة الجزائرية.. وهذه الأطراف كما تزعم: هم في الحقيقة دفعوا انطلاقا من حقد تاريخي لبعض الشخصيات الفرونكو ــ جزائرية ، ومن خلاله فرنسا كدولة المسؤول والمورط الوحيد في كل هذه الاختفاءات لعشرات الآلاف من المواطنين، وهذه المجازر منذ انطلاق الأزمة، وتلك الاختطافات اللغز والغامضة، هي من صنع مجرم واحد متمثل بالطبع في تنظيم الجماعات المسلحة الارهابية الاسلامية المتطرفة .. لهذا تمخض في ما بعد اطلاق نداءات، وبيانات واحتجاجات هُيكلت باحكام من طرف النخبة المثقفة في البلاد، ورجال الاعلام والفن الغيورين علي هذه الأمة.. غضب عارم أطر باحكام ووجه بقيادة الأطراف المذكورة نفسها.. وقد تولد عن هذه الاحتجاجات توقيع عرائض وبيانات صحفية توازت مع الحملة القادمة من باريس.. منتقدين ومنددين بتدخل الخارج باستعمال واستغلال أقلية من جزائرية ــ حسب وصفهم ــ وبعض الفرنسيين في الشؤون الداخلية للبلاد.. وتضيف: بأن حبيب سوايدية، كاذب مفتر، لص وما ــ الحرب القذرة ــ الا توجيه مغرض من قوي خارجية فاسقة وعدو تقليدي للجزائر وشعبها ، وبعض الصحف لم تدخر أي جهد بتحريم كتاب الحرب القذرة وصاحبها، كما شتمته وأدانته بكل مجانية، معتبرة تصرفه هذا، لا يمكن الا ان يكون وجها صريحا للخيانة وللعمالة، وهو لعبة أو دمية في أيد باريسية.. علي حد ما كتبته صحيفة من منطقة ران الفرنسية، في جريدة الوطن بتاريخ 21 من شهر نيسان (ابريل) عام 2001، بعد تنشيط مؤلف الكتاب وناشره أمسية جزائرية خاصة.
فاذا كان الكلام عن اللاعدالة وعن الظلم والتعسف في استعمال السلطة وقهر المجتمع، وعن التجاوزات التي فاقت حتي المنطق، وطالت الكرامة الانسانية والحقوق الأساسية لشعب بأكمله وأمة بأسرها، اذن لماذا يا تري في كل مرة، يتجه نفس المنددين والرافضين والمدافعين الي باريس، خاصة في نادي الصحافة، والي غير ذلك من البلدان الأوروبية من أجل فضح نظام متعفن متسلط من خلال تجاوزاته الكثيرة وتضييقه للحريات وأهمها حرية التعبير، والي ذلك من التعابير التي تستخدم وتثبت في العاصمة الفرنسية من قبلهم شخصيا، وضد النظام الحاكم نفسه الموضوع في نقطة استفهام من قبل سوايدية ومن معه..؟!.. فالكل طبعا يتذكر حادثة القبضة الحديدية للصحف الجزائرية بتاريخ 17 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1999، أين احتجبت عن الصدور محتجة ضد الضغوط الاقتصادية والتهديدات المالية التعجيزية من طرف مطابع الدولة التي أشعرت وقتها تلك الصحف بضرورة دفع مجمل ديونها، والا فانها مضطرة لعدم سحبها كما المعتاد، وكانت الصحف المعنية وقتها: لا تريبين، لو صوار دالجيري، لوماتان والوطن، ثم التحقت بركب ــ القبضة الحديدية ــ الجرائد التالية تضامنا مع موقف زميلاتها: لو كوتيديان دو رون، ليبارتي وطبعتها المعربة جريدة الخبر.
المسؤولون عن هذه الجرائد، قرروا في ذلك التاريخ، كما ذكرنا التنقل الي باريس ــ من دون أي اشكال في الحصول علي ــ تأشيرات سفر ــ وبسرعة قياسية وجدوا ككل المرات السابقة بمحض ارادتهم واختيارهم بلد الديمقراطية وحرية التعبير والخير كله من أجل اسماع صوتهم الحر، الذي يريد النظام نفسه ان يكون مكتوما.. فكان غرض الدورة المكوكية لمسؤولي النشريات المذكورة هو التحدث الي الفرنسيين الخبراء في المادة الاعلامية بمقر نادي الصحافة .. وكان كذلك من بين هؤلاء المعول عليهم لمساعدة الصحف الجزائري، منظمات وشخصيات كانت وما زالت وراء حملات سؤال: من يقتل من في الجزائر؟ .. فطلبوا بشكل واضح ــ اذا لم تخنا الذاكرة ــ مساندة ودعم هذه الشخصيات وهذه المنظمات ــ المغضوب عليها اليوم ــ من أجل توسيع دائرة الضغط والاحتجاجات والحملة الاعلامية علي مستوي دولي ضد أصحاب الحل والربط في الجزائر، ومساندة بقدر المستطاع خرجة ــ القبضة الحديدية ــ، ضد الأقوياء من ذلك النظام وعلي رأسهم الرئيس المزاح اليمين زروال وذراعه الأيمن ومستشاره الجنرال المعروف محمد بتشين، وكذلك وزير العدل آنذاك السيد آدمي.. وفي خلال شهر ــ القابضون للحديد ــ انهوا اعتصامهم واحتجاجاتهم وهجومهم العنيد ضد النظام، فكانت الجولة لصالحهم، اذ تم ــ بارادة الله؟! ــ تقديم الرئيس زروال استقالته المسبقة قبل انهاء عهدته، ثم مستشاره المفضل الجنرال، والوزير المكلف بالعدل.. ولمرة أخري برزت استراتيجية الانقلاب عن طريق عصا الاعلام الموجهة باحكام من طرف جناح الجنرالات محمد لعماري، محمد مدين، وبعض الدمي من الأحزاب، ومنه نجحت ضرب القبضة الحديدية في فرض شخصيات جديدة سياسية وعسكرية لمواصلة تسيير البلد من دون اللجوء أو الاضطرار الي اقتسام الحكم مع من يرفض قواعد التزوير والرياء.
تمنينا لو كانت هذه الحملة الاعلامية ضد النظام، وضد جهاز مرتش متواصلة ــ علي طول الخط ــ لذلك التاريخ، لم تستثن بعض الصحف، ولم تقصها من نصيب وحظ ــ أضعف الايمان، حظ الانثيين؟! ــ هذه الثورة ضد نظام أقصي صدورها ظهورها واستمراريتها كاسبوعية البرهان الوطنية، المتهمة بقربها من الاسلاميين.. وقد كانت الصحيفة ضحية التعسف نفسه الذي أقيم لأجله باريس ولم تقعد.. اذ حرمت النشرية من الصدور في عددها الخامس بتاريخ 12 تموز (يوليو) عام 1998 من طرف احدي المطابع نفسها.. وقد رفض سحب الصحيفة من دون تقديم أي توضيح مقنع عدا تلك المبررات الادارية، حسب مدير الجريدة آنذاك نذير العرجون.. هذه المبررات التي تعود الي عهد ـــ قبائل قينقاع؟! ــ لكن نظرا للتجربة ودرايتنا بخبايا هذه المسائل، نطرح هذا المثال: فاذا تعلق الأمر بمجرد مراسل لاحدي هذه الصحف، وهذه العناوين كان يتعرض لضغط، أو مضايقة ما، فان المعلومة أو الخبر والاحتجاج يتجاوز حتي الحدود ويحصد تضامن الاجانب ومن بينهم الفرنسيون طبعا في الصف الأول، كحالة السيد (س)، صحفي جزائري مسؤول عن نشرية جهوية، لا يهدأ له بال ولا يرتاح ولا ينام الا اذا بعث بتقاريره الي المنظمات المختصة في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في العالم بباريس، وحتي اذا كان الأمر لا يستحق تهويل وتجنيد هذه المنظمات كسقوط ــ عنزة من البلكونة؟! ــ يملكها صحفي يشتغل في ــ لاتريبين مثلا، أو لوماتان، أو في جرائد أخري ما خاصة، معروف عنها صفة التمثيل لصحافة حرة في الجزائر، فالمسألة هنا متعلقة بحرية التعبير.. لان زميلنا مالك العنزة حزين، لاصابة أو لهلاك عنزته؟!
22
 
:sneaky2: :thumbdown: :thumbdown: الحمد لله كي ولات في الاحلام
اخي انظر الا ما دونك ترتاح
ssss74.jpg


0,,1654101_1,00.jpg

 
شكرا على الموضوع..حاب نقلك بلي راني خايف عليك من هذا الموضوع ..الاخطبوط يديه طوال
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top