الأخطاء الطبية في المشافي الخاصة: جرائم بلا أدلة

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

nesrin

:: عضو مُشارك ::
إنضم
27 جويلية 2008
المشاركات
120
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
أهالي المرضى لا يطالبون بحقوقهم والقضاء العشائري يحكم دائماً بمسامحة الأطباء
وزارة الصحة تنفي وجود تسيّب والمؤسسات الحقوقية تنتقد الجهات الرسمية والأهلية ووعي المواطنين

تحقيق: محمود الفطافطة

تقع الأخطاء الطبية باستمرار في المشافي الخاصة والعامة دون أن تجد من يوقفها أو يمنع تكرارها، ففي كل يوم نسمع تذمراً هنا وشكوى هناك دون الوصول إلى حالة نهائية توقف الأخطاء وتحمى حياة المرضى من النساء والأطفال والمسنّين من أخطاء يرتكبها أطباء هم أصحاب رسالة، لكنهم بشر يرتكبون الأخطاء.
في هذا التحقيق جمعنا قصصاً مروّعة عن أخطاء كلفت الناس حياتهم، وحملنا الأسئلة لأصحاب القرار في وزارة الصحة ونقابة الأطباء ومعهد الطب الشرعي واطلعنا على رأي المنظمات الحقوقية لعلنا نضع الإصبع على الجرح ونفتح باب النقاش لعل مجتمعنا ومؤسساتنا يصلون إلى حالة جدّية من التعامل مع هذه الأخطار والجرائم التي تهدد مرضانا ومؤسساتنا الصحية.

مواطنة ماتت بسبب نقص جهاز
خضعت المواطنة (ن.ك) لعملية استئصال مرارة في مركز (نابلس الجراحي التخصصي)، وذلك بعد إقناعها بأن حالتها تستدعي الاستعجال في إجراء العملية، وأن المركز هو الوحيد في هذه المدينة القادر على إجراء ذلك. وأثناء إجراء العملية تبيّن أن المركز غير مؤهل لإجراء مثل هذا النوع من العمليات، ولم يتمكن الأطباء الموجودون في المركز من التعامل مع المضاعفات، فتم استدعاء طبيب من مشفى آخر، فوجئ فور وصوله بعدم توفّر جهاز تدليك للقلب. وبعد أن ساءت أوضاع المريضة، تم نقلها إلى مشفى آخر، حيث توفيت فيه. وفي أعقاب ذلك قامت وزارة الصحة بالتحقيق في القضية، واتخذت قراراً بإغلاق المركز مدة شهر حتى يتم تقديم المستندات والوثائق التي تؤكد الالتزام بالقوانين والأنظمة المعمول بها في الوزارة.

انفجار دمّل بعد إدخال أنبوب إلى رئة مواطن في الخليل
وقال الشاب يوسف حريبي عاشور (20عاماً) انه بدء يعاني من ضيق في التنفس وسعال، وعند عرضه على أكثر من طبيب اخبروه أنه يعاني من نزلة صدرية أو مجرد "لفحة برد"، وعند التوجه إلى المستشفى الأهلي وبعد عدة فحوصات وصور أشعة وصور طبقيّة أخبره الأطباء أن لديه كيس ماء على الرئة، مع وجود دمّل، وهو بحاجة إلى علاج وسيغادر المستشفى بعد يومين. وكان يشرف على علاج يوسف في المستشفى الأهلي (ج.هـ) وبعد ثلاثة أيام عمل الأطباء على إدخال أنبوب إلى رئة يوسف لإخراج الماء الموجود على الرئة، بدأ الأنبوب يمتص ماءً اصفر من رئة يوسف، واخبره الطبيب أن الأمور تسير في تحسّن وانه سيغادر المستشفى قريباً، إلا انه بقي في المستشفى عشرين يوماً، الأمر الذي حدا بوالد يوسف الطلب من الطبيب المشرف على علاج ابنه أن يفصح له عن مرض ابنه وان يصارحه بالموضوع حتى وإن كان مريضاً بالسرطان. في اليوم الحادي والعشرين قال الطبيب لوالد يوسف: "ابنك لم يبقَ له علاج عندنا، وعليك نقله إلى المقاصد أو إلى أي مشفى في رام الله"، فرد عليه والده: "لماذا لم تخبرني من البداية أنه لا يوجد علاج عندكم"، فكان رد الطبيب: "إننا عملنا المستحيل".
وأجريت ليوسف عملية أخرى في المقاصد واشرف على علاجه الدكتور نائل الشهابي وتبين أن ما تم في الأهلي هو خطأ، بحيث أنه عند إدخال الأنبوب إلى الرئة تم تفجير الدمل وانتشر ما بداخله من مواد وفيروسات إلى كل أجزاء الرئة. وقد تم تصحيح مجرى الأنبوب، وبعد أربعة أيام من إجراء العملية غادر يوسف المشفى عائداً إلى بيته.

الطبيب مُصرّ على الجراحة وصورة الأشعة تقول عكس ذلك
وفي حالة أخرى سقطت المواطنة (م.ف) أثناء قطفها الزيتون عن إحدى الأشجار، وتوجهت إلى مختبر أشعة لتصوير ساقها، طلب منها فني المختبر التوجه إلى إحدى الأطباء المختصين بالعظام الذي يعمل بمشفى (م)، وبمجرد أن شاهد هذا الطبيب الصور قال: "إنها تحتاج إلى عملية فورية لزرع جهاز، وذلك لإصابتها بأكثر من كسر في الحوض، وحدّد لها موعداً للعملية، لكن زوجها قرر عدم إجراء العملية لعدم توفر المال، ولأن الوضع الصحي لزوجته لم يسمح، في حين كان الطبيب مصمماً على إجرائها، وبعد رفضها ومغادرتها المشفى على مسؤوليتها الخاصة، توجهت إلى مركز آخر لتصوير الأشعة، حيث تبين أنها لا تعاني من كسر في الحوض، ولا تحتاج إلى أي عملية، ولو أجرتها لربما أصيبت بالشلل، أو أضرار لا يحمد عقباها وفق ما ذكر موظف الأشعة.

عانت من صداع وماتت في المشفى بسبب سوء التشخيص
دخلت المواطنة (س.ح) التي تبلغ من العمر 28 سنة، في 14/12/2005 مشفى (هـ. ح) بسبب صداع ليس بالشديد، بحيث أعطاها طبيب الطوارئ حقنة تخدير ودواءً مسكناً (diazepam) فدخلت في نوم عميق لمدة أربع ساعات، وبعدها نقلت إلى البيت في حالة دوخان شديد دون أن يعلل الطبيب مثل هذه الحالة سوى بأنها مجرد صداع، وسيختفي قريباً. في البيت لم تتحمل (س) شدة الألم، فنقلت إلى مشفى (ش. ز) فتوفيت بعد ساعة من وصولها، وفي يوم عيدها. خلال هذه الساعة أدخلت الفقيدة لغرفة الأشعة دون أن يسمح لزوجها أو أمها بالبقاء.
وجاء في التقرير الطبي القضائي الصادر عن معهد الطب الشرعي أن سبب الوفاة هو هبوط حاد في التنفس والقلب ناتج عن مضاعفات استسقاء الدماغ الناتجة عن ورم حميد دماغي سبّب إغلاق مجرى السوائل الشوكية العصبية الرئيسية.
وهناك بنود في التقرير تضعف السبب الذي أدى إلى الوفاة، تتمثل في: "نعتقد أن إعطاء الأدوية مثل (diazepam) لمعالجة الأمراض المذكورة للمتوفية دون وجود تشخيص صحيح لها أو لأسبابها هو إجراءات التعامل مع الأعراض، وكان يستدعي الأمر إجراء فحوصات لتفسير أعراض المذكورة. كما أن زوج الفقيدة يذكر أن طبيبة في المشفى الذي نقلت إليه زوجته ذكرت له أنه كان بالإمكان إجراء عملية جراحية قد تنقذ فقيدته. كما يحمّل زوج الفقيدة الطبيب في مشفى (ه.ح) السبب لتقصيره بالاهتمام ومعرفة حقيقة ما يعتري فقيدته.

جرح عملية استئصال مرارة لم يغلق
دخلت المواطنة (ع. م) مشفى (ه.ح) برام الله لإزالة حصوة في المرارة. لكن ما جرى أن المرارة أُزيلت وبقيت (ع) تعاني من ألم شديد جداً طيلة 12 يوماً. وعندما كان زوج المريضة يسأل الطبيب الذي أجرى العملية يجيبه بأن حال زوجته سيتحسّن. ونقلت المريضة إلى مشفى المطّلع بالقدس ليجد الأطباء هناك أن جرح العملية لم يُغلق. وهنا نجد أن المؤشرات على خطأ الطبيب عديدة، أهمها: إنهاء عمل الطبيب في المشفى عقب الحادثة بأيام، وانتقل بعدها للعمل في مشفى حكومي، بالإضافة إلى وجود الطبيب في المشفى الذي نقلت إليه المريضة ومتابعة حالتها دون أن يطلب منه ذلك، وطرح الطبيب على زوج المريضة استعداده بدفع ما يترتب على مكوث زوجته وعلاجها في مشفى (ه. ح) على نفقته، إلى جانب أن طبيباً مشاركاً له في عيادة طبية خاصة قد تركه، وأكد لذوي المريضة أن زميله قد اخطأ في علاجه لها.

مفهوم الخطأ الطبي
يُعرّف شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي "بأنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي". ويتبيّن لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر، تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، إغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
أما تقسيمات الخطأ الطبي، فيُجمع معظم الفقهاء القانونيين على وجود قسمين (يذكرهما محمد الشلش في دراسته "أخطاء الأطباء بين الفقه والقانون"، مجلة جامعة القدس المفتوحة، عدد 9، شباط 2007، ص (350) وهما:
الأول: الخطأ الفني، وهو الخطأ الذي يصدر عن الطبيب، ويتعلّق بأعمال مهنته، ويتوجّب لإثبات مسؤوليته عنه أن يكون الخطأ جسيماً. ومن الأمثلة عليه: عدم الالتزام بالتحاليل الطبية، والخطأ في نقل الدم، وإصابة المريض لسوء استخدام الآلات والأجهزة الطبية، وإحداث عاهة، فضلاً عن التسبّب في تلف عضو، أو تفاقم علّة.
الثاني: الخطأ العادي، ومردّه إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الناس كافة، ومنهم الطبيب في نطاق مهنته باعتباره يلتزم بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزم بالقواعد العلمية أو الفنية لمهنته. ومثاله أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو سكران.

مؤسسات حقوقية: عشرات الشكاوى بلا حلول حاسمة
وتبيّن من معطيات الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن أنه خلال الفترة الممتدة من (1996- 2001 استقبلت الهيئة 65 شكوى يدّعي فيها أصحابها بوقوع أخطاء طبيّة لهم، أو لأقربائهم من قبل أطباء وممرضين في مشافٍ عامة وخاصة. وتشير الهيئة إلى أن عدد هذه الادعاءات هو عدد قليل من مجمل حالات الإهمال الطبي التي تقع فعلاً، فهناك وفق الهيئة حالات إهمال طبي تُحلّ بدون تدخل أو معرفة المؤسسات الرسمية أو الأهلية، إلى جانب وجود عدد آخر من قضايا الأخطاء الطبية التي تُحلّ عشائرياً، أو لا يتم تقديم شكوى بخصوصها. وكذلك فإن هناك بعض القضايا التي لا يتم فيها معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة نتيجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً بعيداً عن أي إهمال أو خطأ طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة محدث الضرر.
وتذكر الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة (القانون) في تقرير لها أنها تلقّت خلال السنوات الأخيرة الماضية عشرات الشكاوى حول موضوع الأخطاء الطبية، وإهمال الجهات المختصة بالتعامل معها بجديّة وحزم، رغم النتائج الوخيمة التي نتجت عن بعض هذه الحالات كالإعاقة أو حتى الوفاة.
وأكدت تقارير أعدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وجود عشرات الحالات المتضررة بسبب الأخطاء الطبية في مشافي قطاع غزة العامة منها والخاصة. ويرى المركز أنه في خضم وجهتي النظر المتناقضتين، وجهة نظر المتضررين وذويهم، ووجهة نظر الأطباء ووزارة الصحة عموماً، فإن ملف الأخطاء الطبية بحاجة ماسة لوقفة جادة، لا لكيل الاتهامات لطرف أو لآخر، بل المطلوب وضع اليد على حقيقة ما يحدث في محاولة لتصويب الخلل، حال ثبات وقوعه.
وطالب "ائتلاف أمان" بضرورة تكريس حق المواطن في الاطلاع وتقديم الشكاوى، و "من ضمنها الأخطاء الطبية"، ومساءلة الأطراف المخوّلة بالعمل لإقامة نظام النزاهة الوطني كخطوة وقائية للتصدي للنتائج المدمرة لانتشار ظاهرة ومظاهر الفساد في المجتمع الفلسطيني باعتبار أن أحد أسبابه يعود لغياب دور الجمهور في الرقابة.

القانون: حبس 6 أشهر وغرامة 10 دنانير
ولا زال قانون العقوبات المصري رقم 74 لسنة 1936 هو المعمول به في قطاع غزة، بينما في الضفة فإن قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 هو الذي يُطبّق في هذا الخصوص. هذا من جهة التطبيق، أما بشأن العقوبة والجزاء فإن المشرع الأردني لم يعاقب على كل نتيجة تسبّبت عن الخطأ الطبي، ولكنه تخير بعض النتائج التي هي على درجة الجسامة وعاقب عليها. وقد حصرت المادة (343) من قانون العقوبات الأردني صور الخطأ في:
· الإهمال: ويقصد به التفريط والتقصير وعدم الانتباه. ومن صور الإهمال أن يُكلّف شخص بالعناية بمريض أو طفل صغير، فيهمل في العناية به حتى يموت. أو ينسى الطبيب قطعة شاش أو آلة داخل جسم المريض.
· قلّة الاحتراز: يقصد به عدم التقدير على نحو سليم للآثار الضارة لفعله، فضلاً عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة.
وبخصوص العقوبة التي وضعها قانون العقوبات الأردني على القتل غير المقصود سواء أكان من طبيب أم كان غيره، فقد تمثّلت وفق ما نصّت عليه المادة (343) من سبب موت احد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". وان لم ينجم عن الخطأ قتل، فقد نصت المادة (344) من قانون العقوبات المذكور على:
ا- (إذا لم ينجم عن خطأ الشخص إلا الإيذاء كان العقاب بالحبس من شهر إلى سنة أو بغرامة من خمسة دنانير إلى خمسين ديناراً).
ب.(يعاقب كل إيذاء غير مقصود بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرة دنانير).

د. التيجاني: لا يوجد بين أطبائنا من يسمح لنفسه بإيذاء احد المرضى
هذه العقوبات يراها البعض بأنها كافية كالدكتور محمد أمين التيجاني رئيس لجنة الشكاوى والمخالفات في نقابة أطباء فلسطين، حيث يقول "إن العقوبة المنصوص عليها قانونياً بشأن الخطأ الطبي معقولة، فيستحيل على أي طبيب أن يسمح لنفسه بأن يؤذي أو يضرّ مريضه، وإلا فقد تحوّل ذلك الفعل إلى جريمة جنائية، وهذا لم يحدث مطلقاً في مشافينا".
مقابل هذا الرأي نجد من يعارض حجم العقوبة، مطالباً بتشديدها أكثر، وضرورة تطبيقها. ويقول الدكتور احمد حنيحن مسؤول معهد الطب الشرعي في منطقة جنوب الضفة أن كل طبيب يعبث بمصير أي مريض بسبب جهله بتخصصه أو جشعه لحصد مبالغ طائلة من المال يجب أن تكون عقوبته شديدة حتى لا يتجرأ غيره على السير في ذات الاتجاه.

لمن تتبع المشافي الخاصة؟
ينص قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم 20 لسنة 2004 على "أن من مهام وصلاحيات وزارة الصحة الفلسطينية ترخيص المؤسسات الصحية غير الحكومية ومراقبتها". ومن خلال تتبّعنا لبعض حالات الخطأ الطبي نجد أن هناك إشكالية وتناقضاً في ذلك، يتمثّل في أن الوزارة تفيد بأن جهة الاختصاص في شكاوى الأخطاء الطبية التي تردّ على مشفى خاص هو نقابة الأطباء، وأن على النيابة العامة مطالبة النقابة بالتحقيق في مثل هذه القضايا.
وكذلك فإن الفصل الثامن من نفس القانون نصّ على دور الوزارة في الرقابة والتفتيش على المؤسسات الصحية المختلفة، بما فيها المؤسسات الصحية الخاصة أو الأهلية، وألزم القانون كل مؤسسة صحية غير حكومية بتزويد الوزارة بالتقارير الدورية حول سير العمل فيها، وأي معلومات تطلبها الوزارة منها، كما وألزم هذا القانون المؤسسة الصحية بالاهتمام بالشكاوى المقدمة إليها واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها.
والمتتبع لوضعية المشافي الخاصة الفلسطينية يجد أن تنفيذ مثل هذه المطالب يشوبها التقصير الشديد إلى حد الانعدام في معظم الأحيان، حيث يقول: الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن قسم التفتيش في الوزارة صلاحياته هامشية، بل ومعدومة، كما أن المشافي الخاصة لا تلتزم مطلقاً بإرسال أية تقارير دورية عن طبيعة عملها أو عن الأخطاء الطبية التي تحدث بداخلها إلى وزارة الصحة، فضلاً عن الصعوبة البالغة التي يجدها المشتكي المتضرر في الوصول إلى مكان الشكوى، عدا عن التعقيدات البيروقراطية المتمثلة فيها.

مصادر الأخطاء الطبية
إلى ذلك، فإن مصادر الأخطاء الطبية التي تحدث في المشافي الخاصة تتعدّد أشكالها، بحيث أن عدم الخبرة التي يفتقر إليها بعض الأطباء، خاصة إذا كان الطبيب جديداً، أو غير مؤهل، أو لا يستطيع إتقان العمل على بعض الأجهزة الطبية في المشفى، تشكل سبباً رئيساً لمصدر الخطأ الطبي، كما أن نسبة كبيرة من هذه الأخطاء تحدث بسبب كتابة وصفات طبية غير واضحة، ووجود أدوية متشابهة الأسماء، ومشاكل اتصالات بين مشرفين على علاج مشترك، بالإضافة إلى التخزين الروتيني للأدوية السامة في صيدليات المشافي.

عبء الإثبات وصعوبة التعامل مع إفادات الخبراء
إن إحدى أهم المشاكل التي تظهر في دعاوى مُساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض، كما يقول المحامي معن ادعيس "يجب عليه أن يُثبت وقوع الخطأ، وأن يثبت وقوع الضرر، ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر، وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر، وأن هذا الضرر ما كان ليقع لولا وقوع ذلك الخطأ. ويظهر ثقل هذا العبء بشكل جلي ومعقّد وفق وصف ادعيس خاصة في ظل الصعوبة البالغة التي تنجم عن إفادات الخبراء الذين تدعوهم المحكمة، وهم من الأطباء، في تحميل زملائهم في المهنة أي نوع من أنواع المسؤولية لدى إدلائهم بإفاداتهم، مع الملاحظة هنا أن تشريعات بعض الدول ذهبت إلى ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذه الإشكالية، بحيث افترضت قيام مسؤولية الأطباء دون حاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات، فيما جعلت عبء إثبات العكس يقع على الأطباء. ومن هذه الدول السويد ونيوزيلندا.

القضاء العشائري ينهي القضايا الطبية بالتسامح
وفي جزئية أخرى، يتطرق المحامي ادعيس في مقابلة خاصة معه إلى علاقة القضاء العشائري في تسوية قضايا الأخطاء الطبية، حيث يقول: "إن علاقة هذا القضاء إنما تكون بقصد المسامحة بالجانب الجزائي من المسؤولية، وهذا يجب أن لا يؤثر على المطالبة المدنية بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمتضرر. ويطالب ادعيس بضرورة إيجاد البنية القانونية اللازمة لوضع قانون يلزم المؤسسات الصحية الخاصة والعامة بالتأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء الطبية، إلى جانب تطوير الوعي لدى المواطنين بأهمية ملاحقة ومتابعة قضايا الخطأ الطبي لأن ذلك حق لهم، وعليهم أن يستردوه.
ويوصي المحامي ادعيس بضرورة تشكيل لجان طب شرعية من أطباء وفقهاء وقانونيين، تكون مهمتها إبداء الرأي الشرعي في كل مسألة طبية طارئة، وتحديد نوع الخطأ الطبي، ومدى مسؤولية الطبيب عنه، مع تقرير العقوبة المناسبة وتقديرها في حالة إدانته، وكذلك وجوب قيام نقابة الأطباء ووزارة الصحة بعقد دورات تدريبية للأطباء الجدد، وتزويد القدامى من الأطباء بكل ما يستجد في عالم الطب، إلى جانب تبصير الأطباء بالقوانين وعقوباتها في حالة حصول الخطأ الطبي، وماهية هذا الخطأ.
كما ويطالب المحامي ادعيس بوضع قانون خاص بالأخطاء الطبية، يكون فيصلاً في مثل تلك القضايا التي تتشابك فيها المصطلحات والمفاهيم بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية العائدة إلى القضاء والقدر.
وزارة الصحة تنفي وقوع أي تسيب أو تجاوز في التعامل مع الأخطاء الطبية
لا ينكر وكيل وزارة الصحة د.عنان المصري وجود أخطاء طبية تحدث في المشافي الحكومية والخاصة الفلسطينية، وان الوزارة تقوم في حالة ثبوت هذا الخطأ الطبي وبدليل قاطع بعقاب الطبيب، مبيناً أنه في حال إذا تسبب طبيب يعمل في مشفى خاص بخطأ طبي، فإن الوزارة تطلب من إدارة هذا المشفى نتائج التحقيق مع الطبيب حتى لو كان يعمل في موقع مسؤولية، منوهاً في الإطار ذاته إلى أن صلاحيات الوزارة لا تنحصر في مشافي الحكومة فقط وإنما في كافة مؤسسات القطاع الصحي الفلسطيني.
وبيّن د.المصري أن الخطأ الطبي المتكرر يُحاسب عليه الطبيب، أما الخطأ غير المتعمّد لأول مرّة فينبّه عليه، نافياً في الوقت نفسه وقوع أي تسيّب أو تجاوز في هذه الأخطاء، بحيث تشكل لجنة من خمسة أفراد تعالج هذا الخطأ وتقرّر فيه.

نقابة الأطباء: هناك شكاوى كيدية لابتزاز الأطباء
ولمعرفة عمل وصلاحيات نقابة الأطباء الفلسطينيين بخصوص قضية الأخطاء الطبية في المشافي الخاصة سرد لنا د. محمد أمين التيجاني تراتبيّة هذا العمل، حيث يقول: "يقدّم المتضرر أو من ينوب عنه شكوى مكتوبة وواضحة إلى النقابة بطبيعة ما حصل، ثم ترسل نسخة من الشكوى إلى الطبيب المدّعى عليه ليردّ عليها خلال أسبوعين، وبناءً على الرد تقرّر النقابة أمرين: أولهما: أن الشكوى ليست ذات أهمية أو منطقية، بينما القرار الآخر يتمثّل في إحالة الشكوى إلى اللجنة الفرعية للنقابة للنظر فيها.
ويضيف: "إذا لم يقتنع المتضرر بذلك تقوم النقابة والوزارة بتشكيل لجنة فنية، بهدف التحقيق والتحقّق من حقيقة الأمر، فإذا وجدت تقصيراً وخطأً من الطبيب يحال إلى "مجلس النقابة التأديبي"، موضحاً أنه من حق المشتكي الحصول على إجابة بحقيقة نتائج التحقيق، كما وله الحق في الاستئناف أو الذهاب إلى القضاء.
ويرى د. التيجاني أن الأخطاء الطبية في المشافي الخاصة هي مجرد حالات، كما أن معظم الشكاوى التي تقدم ضد الأطباء أو المشافي بهذا الخصوص تكون كيدية هدفها ابتزاز الطبيب، أو تحريض من قبل آخرين. ولتفعيل دور النقابة في مسألة الأخطاء الطبية يطالب د.التيجاني بضرورة إعطاء النقابة دوراً تنفيذياً واسعاً، وأن تعمل على تطبيق برنامج تأهيلي للأطباء الجدد والقدامى وتوعيتهم بالناحية القانونية الخاصة بهذه القضية وغيرها.
ويشدد د. التيجاني على ضرورة قيام وزارة الصحة بوضع نظام خاص للتعامل مع الشكاوى التي ترد من المواطنين في موضوع الأخطاء الطبية، وتفعيل تنفيذ الإجراءات المعمول بها في هذا الصدد، والعمل على اعتماد وزارة الصحة لإجراءات وآليات تضمن الرقابة والتفتيش على المؤسسات الصحية الخاصة وإلزامها بتقديم تقارير شهرية عن سير العمل فيها، بما يضمن استيفاء هذه المؤسسات الشروط اللازمة لممارستها العمل الصحي.

معهد الطب الشرعي: غياب الرقابة يفاقم الأخطاء الطبية
ويقول د. أحمد حنيحن مسؤول معهد الطب الشرعي في منطقة جنوب الضفة: "الأخطاء الطبية تمثل ظاهرة خطيرة ومقلقة في المشافي العامة والخاصة على حد سواء، فغياب الرقابة من قبل وزارة الصحة ونقابة الأطباء على هذه المؤسسات الصحية يشكل السبب الرئيس لتفشي الأخطاء الطبية، فضلاً عن غياب التدقيق في مؤهلات الأطباء الجدد، ومدى قدرتهم على ممارسة مهنة الطب".
ورغم اعتراف د. حنيحن بأن المعهد يعاني من نقصٍ ملحوظ في التجهيزات الفنية، والأجهزة الطبية، والكوادر البشرية، إلا أنه برّر ذلك بالظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المؤسسات الفلسطينية، خاصة فيما يتعلّق بشحّ التمويل في دعم القطاعات الحياتية الهامة، ومنها القطاع الصحي. وبيّن أن الطب الشرعي لديه القدرة المطلوبة في التوصل إلى حقيقة ما تعرّض إليه المتوفى أو المصاب من أخطاء طبية وغيرها، في حين أن بعض الحالات المستعصية يتم نقلها إلى الأردن أو داخل إسرائيل، مطالباً الجهات المسؤولة بدعم المعهد، وتلبية احتياجاته حتى يقوم بعمله على أكمل وجه، فضلاً عن مطالبته بتشكيل لجنة مؤهلة، مؤلّفة من وزارة الصحة ونقابة الأطباء لمتابعة هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها ومخاطرها، بهدف إيجاد آلية علاج مناسبة لها.
وحول مدى أهلية الأطباء في المعهد ذكر د. حنيحن أن الفريق العامل مؤهّل، وإن لم يكن كافياً بالقدر المطلوب، ويقوم بعمله بشفافية ومهنية عاليتين، منتقداً في الوقت ذاته كل ما يروج من "ادعاءات" تفيد أن أطباء المعهد يتعرضون لضغوطات من هنا وهناك بغية إصدار تقارير طبية، تتجاوز طبيعة وحقيقة ما حدث من خطأ طبي من هذا الطبيب أو هذا المشفى، فضلاً عن الادعاء بعدم قدرة المعهد على القيام بفحوصات دقيقة.

دور النيابة العامة ضعيف وبطيء
يفرض قانون أصول المحاكمات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 على النيابة العامة واجب متابعة الجرائم والتحقيق فيها، ومتابعة أي وفيات تحدث في ظروف غامضة يُحتمل معها أن تكون الوفاة حدثت عن قصد، أو نتيجة إهمال يحاسب عليه القانون. ويقول مساعد النائب العام عبد الغني العويوي: "إن النيابة العامة دون غيرها تختصّ بالتحقيق في الجرائم والتصرف فيها، وأن النيابة في حال تقديم شكوى بخصوص خطأ طبي تباشر التحقيق فيها، مبيّناً أن تقديم شكوى إلى نقابة الأطباء أو غيرها ضد طبيب أو مشفى بسبب إهمال طبي لا يحول دون تقديم الشكوى أمام القضاء.
وفي مقابل ذلك، يشير تقرير صادر عن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن حول الإهمال الطبي عام 2001، إلى وجود ضعف في متابعة النيابة العامة لقضايا الأخطاء الطبية، فبالرغم من وجود عشرات الحالات في السنوات الأخيرة، أدى فيها الإهمال الطبي المُدعى به إلى وفاة المريض، ظهر في بعض القضايا التي وصلت المحاكم ضعف الخبرة الفنية المقدمة من النيابة العامة، وعدم قدرتها على إظهار الإهمال الذي وقع، وعدم ثقة المحكمة في التقارير المقدمة من الطب الشرعي المحلي، إلى جانب أن المحاكم لم تبت في عدد من القضايا التي وصلت إليها، رغم مرور سنوات على النظر فيها في المحكمة.

أصحاب الحق لا يطالبون به
إن أعقد المشاكل التي تظهر في دعاوى مُساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، مع الملاحظة أن مواجهة هذه الإشكالية، تمثّلت في بعض الدول في تحميل المسؤولية للأطباء دون الحاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات، فيما يتم جعل عبء إثبات العكس يقع على الأطباء.
وخلال إجراء هذا التحقيق وجدنا أن معظم المتضررين أو ذويهم لا يُقدمون على رفع دعاوى قضائية ضد من يعتبرونهم السبب في الخطأ الطبي، وتعزى أسباب ذلك إلى: ارتفاع تكلفة الخدمة القانونية، والتكهن المسبق الخاطئ بأن القضية ستخسر نتيجة الشك في أهلية ومصداقية نتائج الطب الشرعي، والصعوبة البالغة، بل والمستحيلة في إثبات الخطأ الطبي على الطبيب أو المشفى أو من كان له سبب في هذا الخطأ.
نذكّر هنا بأن ما لمسناه في القضايا العالقة بين وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، والإدارات الطبية هو ضعف التنسيق وعدم وضوح العلاقات والمرجعيات والآليات للحد من قضايا الأخطاء الطبية وإمكانية علاجها. كما أن ترميز الأسماء في التحقيق يأتي بناء على اعتبارات تخص المطبوعة وان دورها إعلامي توعوي وليس دوراً قضائياً.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top