نحو إعادة التفكير دون خوف من تكفير أو تبديع أو تضليل
مسلسل الإضافات على العقيدة فرق المسلمين جماعات
بقلم سعود الصالح[1]
كانت العقيدة الإسلامية في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) واضحة سهلة ميسرة مستمدة من الكتاب والسنة لا يستغلق فهمها على الأعرابي الأمي ولا تتطلب معرفة المضائق العقلية وكانت هذه العقيدة هي أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر، لكن بعد وفاة النبي وظهور الخلاف في الأمة أضيف إلى هذه العقيدة متطلبات أخرى أصبحت تزداد من عصر إلى عصر، فلا يصح الإيمان (ولا يمكن دخول الجنة!!) إلا بعد التصديق بها وصار المخالف لهذه الإضافات متردداً بين الكفر والبدعة عند الفرق الإسلامية، والقارئ لكتب العقائد من شتى الفرق يجد مباحث كثيرة (مضافة) ليست من أركان الإيمان يبدع أو يكفر المخالف فيها.
بل إن العجب يصل بك غاية مداه عند ما تجد مسائل الفقه الفرعية أصبحت أصولاً في كتب العقائد لا يجوز فيها الخلاف بل جاز الأمر هذا فتحول (الواقع/ التجارب السياسية) إلى عقيدة مخالفها مبتدع، وبعض المسائل كان فيها خلاف بين أئمة بعض المذاهب حسم الخلاف فيها ورجح أحد القولين أو الأقوال (وأصبح هو السنة والصواب عندهم) بسبب تبني فرقة أخرى (مخالفة/ مبتدعة) القول الآخر.
ولئلا يظنن ظان أني قد تجنيت على هذه المذاهب والفرق واتهمتها بما هي بريئة منه فسأضرب بعض الأمثلة توضح قولي وتكون أدلة لي، وقد اخترت هذه الأمثلة من الفكر السني/ السلفي لانتمائي لهذا الفكر ومعرفتي به.
1- المثال الأول: مسالة (المسح على الخفين): وهذه مسألة فقهية صرفة لعل أول من ذكرها ضمن مسائل العقيدة هو الإمام أحمد بن حنبل وذلك في عدد من الرسائل المنسوبة إليه إن صحت هذه النسبة وفي إحدى هذه الرسائل وهو (يعدد) صفات المؤمن من أهل السنة والجماعة ذكر أنه يرى (المسح على الخفين) ومقصد ابن حنبل والطحاوي في هذا هو الرد على الخوارج والشيعة الذين لا يرون المسح على الخفين.
لكن هل مكان البحث والرد في هذه المسألة هو كتب الاعتقاد أم كتب الفقه؟
ونقل المسألة إلى كتب الاعتقاد هل معناه منع الخلاف بين أهل السنة في هذه المسألة حتى أصبحت هذه المسألة علماً عليهم، مخالفها عندهم مبتدع كافر! أم لا يصح إيمان العبد إلا إذا اعتقد صحة المسح على الخفين؟
2- المثال الثاني: مسألة: (المهدي المنتظر) والإيمان بأنه من أشراط الساعة: وأقدم لهذا المثال بتنبيهات:
أ- أن مسائل (أشراط الساعة) من الإضافات على العقيدة فهي مضافة إلى (الإيمان باليوم الآخر) لأنها إرهاص له، وليست أصلاً من أصول الإيمان كما نجد في بعض أو غالب كتب العقائد فمسألة المهدي إذن إضافة على إضافة أصبحت أصلاً من أصول الإيمان في الفكر السني/ السلفي.
ب- هذه المسألة تدل على استمرار الإضافات على الفكر العقدي لأهل السنة والجماعة، كما سيتبين ذلك فيما سيأتي.
ت- أن مسألة المهدي المنتظر في الأصل من إضافات الفكر الشيعي على العقيدة الإسلامية لكنه تحول إلى إضافة مشتركة بين الفكر الشيعي والفكر السني مع العلم أيضاً أن فكرة المهدي لم يخل منها دين من الأديان القديمة كالمجوسية واليهودية والنصرانية والوثنية القديمة وغالب الأمم..
والإيمان بالمهدي لم يذكره الإمام أحمد، وأول من ذكره في كتب الاعتقاد هو السفاريني المتوفى سنة 1188هـ فقد قال عند تعداده أشراط الساعة في كتابه "لوامع الأنوار البهية": :الإمام الخاتم الفصيح محمد المهدي والمسيح00 ثم قال: وقد كثرت بخروجه (المهدي) الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم وقد روى الإمام الحافظ ابن الاسكاف (وهو مفرط في التشيع فتأمل) بسند مرضي إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر:00 فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة وكذا عند الشيعة أيضاً.
فالسفاريني لم يكتف بذكر المهدي ضمن مباحث العقيدة وأن الإيمان به واجب حتى ألمح إلى كفر منكره! وقد رد على كلام السفاريني هذا العلامة عبد القادر بدران 1346هـ في كتابه "العقود الياقوتية" قال: "وأما قوله (السفاريني): وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم فهو مما لا يساعده دليل لأنا نقول: متى عد علماء السنة خروج المهدي من جملة العقائد التي يجب التصديق بها؟ أم أي إمام نص على أنه من جملة شروط الإيمان؟ فهذه كتب التوحيد والكلام الموثوق بها بين أيدينا وهذه رسائل الإمام أحمد التي نقلها عنه أصحابه وذكر كثيراً منها القاضي أبو يعلى في طبقاته وتبعه الحافظ ابن رجب وابن مفلح والعليمي وهذه رواياته وهذه كتب أصول الدين للسادة الحنابلة وغيرهم، فإننا لم نجد أحداً ذكر المهدي في كتب العقائد التي هي أصول الدين بل وغالب أولئك لأن محلها كتب الوعظ والتذكير إلا ما قل من كتب القوم ومنتهى القول أنه لم يذكر المهدي في كتب الاعتقاد إلا الإمامية والرافضة أو سرى إليه اعتقادهم فيه من غير شعور بذلك".
ولكن هل بقيت الإضافة على ما زاده السفاريني فقط؟ الجواب: لا بل تطورت الإضافة بعد السفاريني إلى عصرنا هذا! فأصبحت (عقيدة الإيمان بخروج المهدي) تدرس في الجامعة ضمن مادة (التوحيد) وأصبح الخلاف في صحة أحاديث المهدي مرفوضاً والإيمان بخروجه فرضاً لازماً لا يخالف فيه إلا كل ضال مخالف للهدي وفي كتاب يمثل (التنطع السلفي) اسمه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر) نجد مؤلف هذا الكتاب قد بلغ الغاية في زعم أن هذه الإضافة (الإيمان بالمهدي) من أصول عقيدة أهل السنة! فقد قال في كتابه عن أحاديث المهدي: "لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر مباهت لا يبالي برد الأحاديث الصحيحة واطراحها وبالجملة فلا يغتر برسالة ابن محمود (وهي في إنكار المهدي) إلا جاهل لا يميز بين العقيدة الحسنة والعقيدة السيئة ومن له أدنى علم ومعرفة بالحديث لا يشك أنها عقيدة سيئة مبتدعة00 مخالفة لما عليه أهل السنة" وقال: "وإذا علم هذا فليعلم أيضاً أن ما دعا إليه ابن محمود من إنكار خروج المهدي في آخر الزمان فهو قول سوء وضلالة وسوء اعتقاد بلا شك (هكذا) فلا يجوز للمسلم أن يتحد مع ابن محمود على هذا الاعتقاد السيئ المخالف للأحاديث الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولما كان عليه أهل السنة والجماعة من زمن الصحابة إلى زماننا".
وأنا لا أدري كيف عرف حضرة الأستاذ أن أهل السنة والجماعة منذ زمن الصحابة إلى زمنه كانوا مؤمنين بالمهدي! وقال أيضا: "ما ذكر ابن محمود في شأن المهدي ليس من عقائد المسلمين وإنما هو بدعة وضلالة (يا لطيف!!) قال بها بعض المستشرقين وبعض المفتونين بأفكار الغربيين من العصريين" وكلام هذا الرجل في كتابه البالغ أكثر من 400 صفحة من هذا النمط فارجع إليه إن شئت.
والمقصود أن ينظر القارئ كيف تحولت مسألة (وعظية) إلى عقيدة وأصل من أصول الاعتقاد لا يخالفها إلا كل مبتدع ضال سيئ الاعتقاد.
3- المثال الثالث: مسألة الإمامة (الخلافة/ الحكم): والباحث يجدها من أهم المباحث في كتب الاعتقاد مع أنها من مسائل الفقه السياسي ولكن لما ظهر قول الشيعة والمعتزلة والزيدية في الإمامة وشروط الإمام وما إليه قام أهل السنة بصياغة نظرية خاصة تميزهم عن سائر الفرق في الإمامة وبدأت هذه النظرية بالوضوح على يدي ابن حنبل وما زالت تتطور إلى عصرنا هذا فمع أن مسألة الخروج على الحاكم الظالم وعدم الرضوخ لظلمه واستئثاره بالمال كانت موجودة في الفكر السني قبل ابن حنبل وفي عصره، كما هي عند ابن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعلي بن الحسين وزيد بن علي وكثير من التابعين الذين خرجوا على الحجاج وهي عند أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن نصر الخزاعي –قرين أحمد وصاحبه- وهؤلاء هم أصول المذهب السني ولا يستطيع أحد الحكم عليهم بالبدعة والضلال.
لكن بعد الإمام احمد أضحى من مسائل العقيدة عند (أهل السنة والجماعة): "طاعة ولاة الأمر وإن جاروا وظلموا وعدم الخروج عليهم إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان" نعم طاعتهم "وإن أخذوا أموالنا وجلدوا ظهورنا وجعلوا الحكم ملكاً عضوضاً استبدادياً" نعم "وندعو لهم ولا ندعو عليهم"!!.
كل هذا وأمثاله أصبح عقيدة لا يسوغ الخلاف فيها كان هذا في عصر ابن حنبل فهو الذي نقل الإمامة (في الفكر السني) من مباحث الفقه والسياسة إلى مباحث العقيدة وأتى بهذا القول الذي استقر أهل السنة عليه مع العلم بأن الداعي إلى التزام هذا القول هو أمر (سياسي) وليس أمراً عقدياً وهو خوف الفتنة والقتل وفشل أكثر الخارجين على (الولاة) وأن والياً غشوماً خير من فتنة تدوم[2].
ثم ازداد الأمر غلواً عند اتباع المذهب السني وتوالت الإضافات ففي كتاب (شرح السنة) للبربهاري (إمام الحنابلة في عصره المتوفى سنة 329هـ) "ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى عليه إماماً برأ كان أو فاجراً00 ولا يحل قتال السلطان والخروج عليهم وإن جاروا00 وليس في السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين والدنيا000 وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله".
ثم نجد بعد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "أن الصبر على جور الأئمة (الحكام) وظلمهم اصل من أصول أهل السنة والجماعة!!" ثم استمر هذا الفكر في التطور إلى عصرنا هذا فنجد لأحد أهل العصر كتاباً عن "معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة" ينقل المؤلف في القاعد السادسة من كتابه قول سهل التستري: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم!!" ثم نجد هذا المؤلف يذكر أن الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة!! ولا يكتفي بهذا بل يزيد أننا نحن سبب هذا الجور!! فلنعاتب أنفسنا ولنستغفر من ذنوبنا أولاً!! فقد قال كلام له طويل عجيب:
"موقف أهل السنة والجماعة من جور السلطان: يقابلون بالصبر والاحتساب ويعزون حلول ذلك الجور بهم إلى ما اقترفته أيديهم من خطايا وسيئات كما قال الله جلَّ وعلا: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" فيهرعون إلى التوبة والاستغفار ويسألون الله جلا وعلا أن يكشف ما بهم من ضر ولا يقدمون على شيء مما نهى عنه الشرع المطهر في هذه الحالة من حمل سلاح أو إثارة فتنة أو نزع يد من طاعة لعلمهم أن هذه الأمور إنما يفزع إليها من لا قدر لنصوص الشرع في قلبه من أهل الأهواء الذين تسيرهم الآراء لا الآثار وتتخطفهم الشبه ويستزلهم الشيطان" ثم ينقل -مؤيداً له- قول ابن الأزرق عند ذكر مخالفات الرعية في حق السلطان: "المخالفة الثانية: الطعن عليه وذلك لأمرين: أحدهما: أنه خلاف ما يجب له (تأمل) من التجلة والتعظيم فقد قيل من إجلال الله إجلال السلطان!! عادلاً كان أو جائراً"!!.
وهذا المثال يوضح كيف تحولت مسألة فقهية/ سياسة إلى أصل من أصول عقيدة أهل السنة في ركب من الغلو ما زال سائراً.
وفي ختام الكلمة أشير إلى عدد من التنبيهات:
2- أن السبب الرئيس لتفرق المسلمين هو هذه الإضافات، قال ابن الوزير اليماني المتوفى سنة 840هـ في كتابه (إيثار الحق على الخلق): فإن قيل: فمن اين جاء الاختلاف الشديد؟ فاعلم أن منشأ معظم البدع يرجع إلى أمرين واضح بطلانهما فتأمل ذلك بإنصاف وشد عليه يديك وهذان الأمران الباطلان هما: الزيادة في الدين بإثبات ما لم يذكره الله تعالى ورسله عليهم السلام من مهمات الدين الواجبة (وهو ما اصطلحنا على تسميته بالإضافات) والنقص منه بنفي بعض ما ذكره الله تعالى ورسله من ذلك بالتأويل الباطل، فهذه الإضافات فتحت باب العداوة والتكفير والتبديع بين المسلمين.
1- أنه بسبب هذه الإضافات تحولت العقيدة الإسلامية من مسائل واضحة قريبة المآخذ إلى مسائل معقدة كثيرة لا يستقيم إيمان العبد عندهم إلا بعد معرفتها، ومعرفتها لا تكون إلا بعد الجهد والتعب هذا مع العلم أن غالب الإضافات عند أهل السنة في مسائل واضحة لكنها تصل إلى درجة التعقيد عند المعتزلة والأشاعرة.
وبعد أن كانت الشهادتان تكفيان في دخول الإسلام أصبح لا بد من معرفة واعتقاد قائمة طويلة عريضة غالبها لا يمت إلى التوحيد (بمعناه الصحيح) بصلة.
2- هذه الإضافات ليست قليلة فإنها تشكل غالب ما يذكر من مسائل في كتب العقائد فيجب على أهل الاختصاص من شتى المذاهب الإسلامية السعي إلى تجريد العقيدة الإسلامية الصافية مما أضيف عليها فتعاد مسائل الفقه إلى كتب الفقه ومسائل الوعظ إلى كتب الوعظ ومسائل التاريخ إلى كتب التاريخ ومسائل السياسة إلى كتب السياسة وهذا يدعو إلى فتح باب البحث الحر الصادق دون خوف من تكفير أو تبديع أو تضليل.
3- مسلسل الإضافات لا يزال مستمراً وقد بلغ الغاية في واقع الجماعات الإسلامية المعاصرة لذا فعند دراسة وحوار فكر هذه الجماعات لا بد من التشديد على مسألة (الإضافات) فلعل من طريقها يمكن الوصول إلى لإيقاف تيار العنف.
4- يجب عدم الرضا بتحويل العقيدة إلى أداة إرهاب ورفع سوط الكفر والبدعة أمام الشعوب والباحثين.
(وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كاتب سعودي، نشر هذا المقال في صحيفة الحياة بتاريخ 21 آذار (مارس) 1999م، الموافق 4 ذو الحجة 1419هـ، العدد رقم 13162. (المالكي).
[2] الخروج على الوالي الظالم مشروط بالقدرة والإمكان وإذا كان في الماضي قد نجح قليلاً وفشل كثيراً فهو في الأزمنة المتأخرة أكثر تعذراً وأدعى لحصول الفتنة والفساد وأبعد عن الحكمة والعقل لكن هذا كله لا يبرر تدريس هذا في كتب العقائد وإنما في كتب الأحكام ما دامت العقائد لها كتبها والأحكام لها كتبها ويجب أن نعلم طلابنا العقل وقياس المصالح والمفاسد وإقناعهم بأن أي خروج في أي وطن إسلامي شر من الخروج لما يترتب على هذا الخروج أو الثورة من مفاسد رأينا آثارها في بعض الدول العربية والإسلامية، ولو طالب الناس بحقوقهم وأصروا عليها وفق منهج سلمي لتحقق خير كثير، فالسلم لغة العصر وجنوده أكثر نجاحاً وأكثر تأثيراً في الحكومات من المنهج الثوري الذي يستعدي السلطات ويجعلها تستعين بعلماء آخرين وباحثين ليبرروا لها أفعالها وليكفروا إخوانهم المسلمين وهكذا ينشغل المهتمون بأمر الإسلام ببعضهم وينسون مساهمتهم في تحقيق العدالة ونشر الإسلام السهل الميسر والدعوة إليه بكل حكمة وموعظة حسنة وقوة علمية.=
= والخلاصة: إن ذم بعضهم لبعض السلف لأنهم كانوا يرون السيف كان ذماً سياسياً وجد له بعض الأبواق من علماء السوء أو علماء الغفلة، فإن لم يكن الحسين بن علي والمهاجرون والأنصار بالحرة وابن الزبير والتابعون000 إذا لم يكن هؤلاء من السلف الصالح فليس في الدنيا سلف صالح، ولا ينعقد إجماع بدونهم، وكان الأولى بالمفتين أن يستحوا من إيراد هذه المسائل في كتب العقائد وجعلها من الأمور المجمع عليها!!
وكان الأمر يمكن دفعه بغير هذا الكذب المدعى، كان بإمكانهم أن يحللوا ذلك تحليلاً مقنعاً يعترفون فيه بفضل الخارجين واجتهادهم ثم يبنون على ذلك التخطئة السياسية لا العقدية، فهذا أولى وأكثر إقناعاً وأقرب للإنصاف هذا كله في الخروج على الوالي الظالم المتحقق ظلمه كيزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف وأمثالهم أما الوالي العادل فالخروج عليه ظلم وبغي كما كان حال أهل الشام مع علي بن أبي طالب. (المالكي
الموضوع منقولمسلسل الإضافات على العقيدة فرق المسلمين جماعات
بقلم سعود الصالح[1]
كانت العقيدة الإسلامية في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) واضحة سهلة ميسرة مستمدة من الكتاب والسنة لا يستغلق فهمها على الأعرابي الأمي ولا تتطلب معرفة المضائق العقلية وكانت هذه العقيدة هي أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر، لكن بعد وفاة النبي وظهور الخلاف في الأمة أضيف إلى هذه العقيدة متطلبات أخرى أصبحت تزداد من عصر إلى عصر، فلا يصح الإيمان (ولا يمكن دخول الجنة!!) إلا بعد التصديق بها وصار المخالف لهذه الإضافات متردداً بين الكفر والبدعة عند الفرق الإسلامية، والقارئ لكتب العقائد من شتى الفرق يجد مباحث كثيرة (مضافة) ليست من أركان الإيمان يبدع أو يكفر المخالف فيها.
بل إن العجب يصل بك غاية مداه عند ما تجد مسائل الفقه الفرعية أصبحت أصولاً في كتب العقائد لا يجوز فيها الخلاف بل جاز الأمر هذا فتحول (الواقع/ التجارب السياسية) إلى عقيدة مخالفها مبتدع، وبعض المسائل كان فيها خلاف بين أئمة بعض المذاهب حسم الخلاف فيها ورجح أحد القولين أو الأقوال (وأصبح هو السنة والصواب عندهم) بسبب تبني فرقة أخرى (مخالفة/ مبتدعة) القول الآخر.
ولئلا يظنن ظان أني قد تجنيت على هذه المذاهب والفرق واتهمتها بما هي بريئة منه فسأضرب بعض الأمثلة توضح قولي وتكون أدلة لي، وقد اخترت هذه الأمثلة من الفكر السني/ السلفي لانتمائي لهذا الفكر ومعرفتي به.
1- المثال الأول: مسالة (المسح على الخفين): وهذه مسألة فقهية صرفة لعل أول من ذكرها ضمن مسائل العقيدة هو الإمام أحمد بن حنبل وذلك في عدد من الرسائل المنسوبة إليه إن صحت هذه النسبة وفي إحدى هذه الرسائل وهو (يعدد) صفات المؤمن من أهل السنة والجماعة ذكر أنه يرى (المسح على الخفين) ومقصد ابن حنبل والطحاوي في هذا هو الرد على الخوارج والشيعة الذين لا يرون المسح على الخفين.
لكن هل مكان البحث والرد في هذه المسألة هو كتب الاعتقاد أم كتب الفقه؟
ونقل المسألة إلى كتب الاعتقاد هل معناه منع الخلاف بين أهل السنة في هذه المسألة حتى أصبحت هذه المسألة علماً عليهم، مخالفها عندهم مبتدع كافر! أم لا يصح إيمان العبد إلا إذا اعتقد صحة المسح على الخفين؟
2- المثال الثاني: مسألة: (المهدي المنتظر) والإيمان بأنه من أشراط الساعة: وأقدم لهذا المثال بتنبيهات:
أ- أن مسائل (أشراط الساعة) من الإضافات على العقيدة فهي مضافة إلى (الإيمان باليوم الآخر) لأنها إرهاص له، وليست أصلاً من أصول الإيمان كما نجد في بعض أو غالب كتب العقائد فمسألة المهدي إذن إضافة على إضافة أصبحت أصلاً من أصول الإيمان في الفكر السني/ السلفي.
ب- هذه المسألة تدل على استمرار الإضافات على الفكر العقدي لأهل السنة والجماعة، كما سيتبين ذلك فيما سيأتي.
ت- أن مسألة المهدي المنتظر في الأصل من إضافات الفكر الشيعي على العقيدة الإسلامية لكنه تحول إلى إضافة مشتركة بين الفكر الشيعي والفكر السني مع العلم أيضاً أن فكرة المهدي لم يخل منها دين من الأديان القديمة كالمجوسية واليهودية والنصرانية والوثنية القديمة وغالب الأمم..
والإيمان بالمهدي لم يذكره الإمام أحمد، وأول من ذكره في كتب الاعتقاد هو السفاريني المتوفى سنة 1188هـ فقد قال عند تعداده أشراط الساعة في كتابه "لوامع الأنوار البهية": :الإمام الخاتم الفصيح محمد المهدي والمسيح00 ثم قال: وقد كثرت بخروجه (المهدي) الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم وقد روى الإمام الحافظ ابن الاسكاف (وهو مفرط في التشيع فتأمل) بسند مرضي إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر:00 فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة وكذا عند الشيعة أيضاً.
فالسفاريني لم يكتف بذكر المهدي ضمن مباحث العقيدة وأن الإيمان به واجب حتى ألمح إلى كفر منكره! وقد رد على كلام السفاريني هذا العلامة عبد القادر بدران 1346هـ في كتابه "العقود الياقوتية" قال: "وأما قوله (السفاريني): وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم فهو مما لا يساعده دليل لأنا نقول: متى عد علماء السنة خروج المهدي من جملة العقائد التي يجب التصديق بها؟ أم أي إمام نص على أنه من جملة شروط الإيمان؟ فهذه كتب التوحيد والكلام الموثوق بها بين أيدينا وهذه رسائل الإمام أحمد التي نقلها عنه أصحابه وذكر كثيراً منها القاضي أبو يعلى في طبقاته وتبعه الحافظ ابن رجب وابن مفلح والعليمي وهذه رواياته وهذه كتب أصول الدين للسادة الحنابلة وغيرهم، فإننا لم نجد أحداً ذكر المهدي في كتب العقائد التي هي أصول الدين بل وغالب أولئك لأن محلها كتب الوعظ والتذكير إلا ما قل من كتب القوم ومنتهى القول أنه لم يذكر المهدي في كتب الاعتقاد إلا الإمامية والرافضة أو سرى إليه اعتقادهم فيه من غير شعور بذلك".
ولكن هل بقيت الإضافة على ما زاده السفاريني فقط؟ الجواب: لا بل تطورت الإضافة بعد السفاريني إلى عصرنا هذا! فأصبحت (عقيدة الإيمان بخروج المهدي) تدرس في الجامعة ضمن مادة (التوحيد) وأصبح الخلاف في صحة أحاديث المهدي مرفوضاً والإيمان بخروجه فرضاً لازماً لا يخالف فيه إلا كل ضال مخالف للهدي وفي كتاب يمثل (التنطع السلفي) اسمه (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر) نجد مؤلف هذا الكتاب قد بلغ الغاية في زعم أن هذه الإضافة (الإيمان بالمهدي) من أصول عقيدة أهل السنة! فقد قال في كتابه عن أحاديث المهدي: "لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر مباهت لا يبالي برد الأحاديث الصحيحة واطراحها وبالجملة فلا يغتر برسالة ابن محمود (وهي في إنكار المهدي) إلا جاهل لا يميز بين العقيدة الحسنة والعقيدة السيئة ومن له أدنى علم ومعرفة بالحديث لا يشك أنها عقيدة سيئة مبتدعة00 مخالفة لما عليه أهل السنة" وقال: "وإذا علم هذا فليعلم أيضاً أن ما دعا إليه ابن محمود من إنكار خروج المهدي في آخر الزمان فهو قول سوء وضلالة وسوء اعتقاد بلا شك (هكذا) فلا يجوز للمسلم أن يتحد مع ابن محمود على هذا الاعتقاد السيئ المخالف للأحاديث الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولما كان عليه أهل السنة والجماعة من زمن الصحابة إلى زماننا".
وأنا لا أدري كيف عرف حضرة الأستاذ أن أهل السنة والجماعة منذ زمن الصحابة إلى زمنه كانوا مؤمنين بالمهدي! وقال أيضا: "ما ذكر ابن محمود في شأن المهدي ليس من عقائد المسلمين وإنما هو بدعة وضلالة (يا لطيف!!) قال بها بعض المستشرقين وبعض المفتونين بأفكار الغربيين من العصريين" وكلام هذا الرجل في كتابه البالغ أكثر من 400 صفحة من هذا النمط فارجع إليه إن شئت.
والمقصود أن ينظر القارئ كيف تحولت مسألة (وعظية) إلى عقيدة وأصل من أصول الاعتقاد لا يخالفها إلا كل مبتدع ضال سيئ الاعتقاد.
3- المثال الثالث: مسألة الإمامة (الخلافة/ الحكم): والباحث يجدها من أهم المباحث في كتب الاعتقاد مع أنها من مسائل الفقه السياسي ولكن لما ظهر قول الشيعة والمعتزلة والزيدية في الإمامة وشروط الإمام وما إليه قام أهل السنة بصياغة نظرية خاصة تميزهم عن سائر الفرق في الإمامة وبدأت هذه النظرية بالوضوح على يدي ابن حنبل وما زالت تتطور إلى عصرنا هذا فمع أن مسألة الخروج على الحاكم الظالم وعدم الرضوخ لظلمه واستئثاره بالمال كانت موجودة في الفكر السني قبل ابن حنبل وفي عصره، كما هي عند ابن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعلي بن الحسين وزيد بن علي وكثير من التابعين الذين خرجوا على الحجاج وهي عند أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن نصر الخزاعي –قرين أحمد وصاحبه- وهؤلاء هم أصول المذهب السني ولا يستطيع أحد الحكم عليهم بالبدعة والضلال.
لكن بعد الإمام احمد أضحى من مسائل العقيدة عند (أهل السنة والجماعة): "طاعة ولاة الأمر وإن جاروا وظلموا وعدم الخروج عليهم إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان" نعم طاعتهم "وإن أخذوا أموالنا وجلدوا ظهورنا وجعلوا الحكم ملكاً عضوضاً استبدادياً" نعم "وندعو لهم ولا ندعو عليهم"!!.
كل هذا وأمثاله أصبح عقيدة لا يسوغ الخلاف فيها كان هذا في عصر ابن حنبل فهو الذي نقل الإمامة (في الفكر السني) من مباحث الفقه والسياسة إلى مباحث العقيدة وأتى بهذا القول الذي استقر أهل السنة عليه مع العلم بأن الداعي إلى التزام هذا القول هو أمر (سياسي) وليس أمراً عقدياً وهو خوف الفتنة والقتل وفشل أكثر الخارجين على (الولاة) وأن والياً غشوماً خير من فتنة تدوم[2].
ثم ازداد الأمر غلواً عند اتباع المذهب السني وتوالت الإضافات ففي كتاب (شرح السنة) للبربهاري (إمام الحنابلة في عصره المتوفى سنة 329هـ) "ولا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى عليه إماماً برأ كان أو فاجراً00 ولا يحل قتال السلطان والخروج عليهم وإن جاروا00 وليس في السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين والدنيا000 وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله".
ثم نجد بعد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "أن الصبر على جور الأئمة (الحكام) وظلمهم اصل من أصول أهل السنة والجماعة!!" ثم استمر هذا الفكر في التطور إلى عصرنا هذا فنجد لأحد أهل العصر كتاباً عن "معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة" ينقل المؤلف في القاعد السادسة من كتابه قول سهل التستري: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم!!" ثم نجد هذا المؤلف يذكر أن الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة!! ولا يكتفي بهذا بل يزيد أننا نحن سبب هذا الجور!! فلنعاتب أنفسنا ولنستغفر من ذنوبنا أولاً!! فقد قال كلام له طويل عجيب:
"موقف أهل السنة والجماعة من جور السلطان: يقابلون بالصبر والاحتساب ويعزون حلول ذلك الجور بهم إلى ما اقترفته أيديهم من خطايا وسيئات كما قال الله جلَّ وعلا: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" فيهرعون إلى التوبة والاستغفار ويسألون الله جلا وعلا أن يكشف ما بهم من ضر ولا يقدمون على شيء مما نهى عنه الشرع المطهر في هذه الحالة من حمل سلاح أو إثارة فتنة أو نزع يد من طاعة لعلمهم أن هذه الأمور إنما يفزع إليها من لا قدر لنصوص الشرع في قلبه من أهل الأهواء الذين تسيرهم الآراء لا الآثار وتتخطفهم الشبه ويستزلهم الشيطان" ثم ينقل -مؤيداً له- قول ابن الأزرق عند ذكر مخالفات الرعية في حق السلطان: "المخالفة الثانية: الطعن عليه وذلك لأمرين: أحدهما: أنه خلاف ما يجب له (تأمل) من التجلة والتعظيم فقد قيل من إجلال الله إجلال السلطان!! عادلاً كان أو جائراً"!!.
وهذا المثال يوضح كيف تحولت مسألة فقهية/ سياسة إلى أصل من أصول عقيدة أهل السنة في ركب من الغلو ما زال سائراً.
وفي ختام الكلمة أشير إلى عدد من التنبيهات:
2- أن السبب الرئيس لتفرق المسلمين هو هذه الإضافات، قال ابن الوزير اليماني المتوفى سنة 840هـ في كتابه (إيثار الحق على الخلق): فإن قيل: فمن اين جاء الاختلاف الشديد؟ فاعلم أن منشأ معظم البدع يرجع إلى أمرين واضح بطلانهما فتأمل ذلك بإنصاف وشد عليه يديك وهذان الأمران الباطلان هما: الزيادة في الدين بإثبات ما لم يذكره الله تعالى ورسله عليهم السلام من مهمات الدين الواجبة (وهو ما اصطلحنا على تسميته بالإضافات) والنقص منه بنفي بعض ما ذكره الله تعالى ورسله من ذلك بالتأويل الباطل، فهذه الإضافات فتحت باب العداوة والتكفير والتبديع بين المسلمين.
1- أنه بسبب هذه الإضافات تحولت العقيدة الإسلامية من مسائل واضحة قريبة المآخذ إلى مسائل معقدة كثيرة لا يستقيم إيمان العبد عندهم إلا بعد معرفتها، ومعرفتها لا تكون إلا بعد الجهد والتعب هذا مع العلم أن غالب الإضافات عند أهل السنة في مسائل واضحة لكنها تصل إلى درجة التعقيد عند المعتزلة والأشاعرة.
وبعد أن كانت الشهادتان تكفيان في دخول الإسلام أصبح لا بد من معرفة واعتقاد قائمة طويلة عريضة غالبها لا يمت إلى التوحيد (بمعناه الصحيح) بصلة.
2- هذه الإضافات ليست قليلة فإنها تشكل غالب ما يذكر من مسائل في كتب العقائد فيجب على أهل الاختصاص من شتى المذاهب الإسلامية السعي إلى تجريد العقيدة الإسلامية الصافية مما أضيف عليها فتعاد مسائل الفقه إلى كتب الفقه ومسائل الوعظ إلى كتب الوعظ ومسائل التاريخ إلى كتب التاريخ ومسائل السياسة إلى كتب السياسة وهذا يدعو إلى فتح باب البحث الحر الصادق دون خوف من تكفير أو تبديع أو تضليل.
3- مسلسل الإضافات لا يزال مستمراً وقد بلغ الغاية في واقع الجماعات الإسلامية المعاصرة لذا فعند دراسة وحوار فكر هذه الجماعات لا بد من التشديد على مسألة (الإضافات) فلعل من طريقها يمكن الوصول إلى لإيقاف تيار العنف.
4- يجب عدم الرضا بتحويل العقيدة إلى أداة إرهاب ورفع سوط الكفر والبدعة أمام الشعوب والباحثين.
(وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كاتب سعودي، نشر هذا المقال في صحيفة الحياة بتاريخ 21 آذار (مارس) 1999م، الموافق 4 ذو الحجة 1419هـ، العدد رقم 13162. (المالكي).
[2] الخروج على الوالي الظالم مشروط بالقدرة والإمكان وإذا كان في الماضي قد نجح قليلاً وفشل كثيراً فهو في الأزمنة المتأخرة أكثر تعذراً وأدعى لحصول الفتنة والفساد وأبعد عن الحكمة والعقل لكن هذا كله لا يبرر تدريس هذا في كتب العقائد وإنما في كتب الأحكام ما دامت العقائد لها كتبها والأحكام لها كتبها ويجب أن نعلم طلابنا العقل وقياس المصالح والمفاسد وإقناعهم بأن أي خروج في أي وطن إسلامي شر من الخروج لما يترتب على هذا الخروج أو الثورة من مفاسد رأينا آثارها في بعض الدول العربية والإسلامية، ولو طالب الناس بحقوقهم وأصروا عليها وفق منهج سلمي لتحقق خير كثير، فالسلم لغة العصر وجنوده أكثر نجاحاً وأكثر تأثيراً في الحكومات من المنهج الثوري الذي يستعدي السلطات ويجعلها تستعين بعلماء آخرين وباحثين ليبرروا لها أفعالها وليكفروا إخوانهم المسلمين وهكذا ينشغل المهتمون بأمر الإسلام ببعضهم وينسون مساهمتهم في تحقيق العدالة ونشر الإسلام السهل الميسر والدعوة إليه بكل حكمة وموعظة حسنة وقوة علمية.=
= والخلاصة: إن ذم بعضهم لبعض السلف لأنهم كانوا يرون السيف كان ذماً سياسياً وجد له بعض الأبواق من علماء السوء أو علماء الغفلة، فإن لم يكن الحسين بن علي والمهاجرون والأنصار بالحرة وابن الزبير والتابعون000 إذا لم يكن هؤلاء من السلف الصالح فليس في الدنيا سلف صالح، ولا ينعقد إجماع بدونهم، وكان الأولى بالمفتين أن يستحوا من إيراد هذه المسائل في كتب العقائد وجعلها من الأمور المجمع عليها!!
وكان الأمر يمكن دفعه بغير هذا الكذب المدعى، كان بإمكانهم أن يحللوا ذلك تحليلاً مقنعاً يعترفون فيه بفضل الخارجين واجتهادهم ثم يبنون على ذلك التخطئة السياسية لا العقدية، فهذا أولى وأكثر إقناعاً وأقرب للإنصاف هذا كله في الخروج على الوالي الظالم المتحقق ظلمه كيزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف وأمثالهم أما الوالي العادل فالخروج عليه ظلم وبغي كما كان حال أهل الشام مع علي بن أبي طالب. (المالكي