كتب تحترق .....

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

slim.daoud3

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
24 أوت 2008
المشاركات
1,128
نقاط التفاعل
1
النقاط
37
كتب تحترق
لا أحد بالضبط يعرف كيف حدث ذلك، بغتة التهبت ألسنة النار آخذة في التهام واجهة المكتبة الضخمة، وهي أضخم مكتبة في المدينة.‏
يُقال بأنها مذ فتحت أبوابها لبثت على مهنة بيع الصحف والمجلات، وأحياناً تتولى توزيع هذه الصحف والمجلات على بعض مكتبات النواحي والمناطق التابعة لهذه المدينة وقد جندت لذلك سائقاً وسيارة، بل أحياناً فإن سيارة خاصة بها تتولى جلب الصحافة من العاصمة فتكون قد وزعت الجرائد اليومية قبل وصولها إلى مكتبات المدينة بساعتين.‏
التمّ أصحاب المحلات المجاورة للمكتبة وهم ينظرون إلى النار ترتفع في حاملة الصحف والمجلات الضخمة بواجهة المكتبة دون أن يجسروا على فعل شيء.‏
أما صاحب المكتبة والعمال فقد خرجوا مذعورين وهم يصرخون بالجوار كي يتصلوا بالإطفاء، والمدهش في الأمر أن الرجل الذي قام بهذا الزلزال الحرائقي في قلب المدينة راح يقف قبالة الحريق على الرصيف المقابل وهو يعب أنفاساً عميقة من غليون أثبته بين شفتيه، ينظر إلى الحريق بتلذذ والبسمة تملأ محياه كمن يتفرج على فعل بطولي قام به، وهذا الموقف المريب بالذات منع الناس للاقتراب منه تحسباً بأنه يخفي سلاحاً سيستخدمه في وجه شخص يدنو إليه.‏
صاحب المحل المقابل للمكتبة قال لجمع صغير حولـه وهم يحدقون في الرجل بريبة وحذر: يا جماعة، رأيت هذا الشخص يقف قبالة لائحة الصحف والمجلات كعادته كل يوم منذ نحو ثلاث سنوات، فقد اعتدت أن أراه يومياً ساعة المساء يمضي بعضاً من الوقت وهو يتأمل ويقرأ العناوين، يقلب بعضها، وأحياناً يسحب واحدة يتصفحها قليلاً ويعيدها إلى موضعها، ثم بعد قليل يدخل المكتبة فيشتري ثلاث أو أربع جرائد ومجلات.‏
حتى أن صاحب المكتبة ألفه ويسمح له بتصفح أي جريدة أو مجلة إن لم يكن يملك ثمنها بعد أن عرف بأنه نهم القراءة وراتبه لا يمكنّه شراء جميع الصحف والمجلات التي يرغب في قراءتها، وقد عرف جاري ـ الرجل الطيب ـ بأن هذا الشخص البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً مازال عازباً ويقيم في عزلة ولا توجد وسيلة تسلية لديه غير القراءة، فهو لا يملك مذياعاً ولا تلفازاً، ولا صديقاً ولا صديقة، ولا يوجد لديه أي مصدر رزق، وعلى الأغلب ـ والله أعلم ـ أن بعض أقربائه خصصوا له راتباً لا يسمن ولا يغني من جوع. أردف وهو ما يزال ينظر في الرجل: علمت من جاري صاحب المكتبة أنه في موسم الحصاد يخرج مع حصادة يعمل طباخاً للعمال، يقضي شهراً ونصف الشهر، يجلب بعض النقود يفك بها الديون التي تراكمت عليه طوال عام.‏
لا أعرف لماذا رأيتني أتحرى عنه وأتابع ما يخصه ممن هم على صلة به، لم يسبق لي أن رأيته في شارع إلا وقد تأبط جريدة أو بيده مجلة، وكنت دوماً أقول لنفسي: هذا الشخص أصيب بلوثة القراءة.‏
ثم أردف وعلامات الهلع تتصاعد إلى وجهه: كنت أرتقب ظهوره كل مساء لأنظر إليه وهو يعب أنفاساً من الغليون ويتأمل الصحف والمجلات يقلبها، يسحبها، ويعيدها إلى أماكنها، ثم يدخل المكتبة فيخرج بما اشترى.‏
كان صاحب المحل المجاور يتحدث بجدية بالغة وقد تعرّقت جبهته بينما الناس يزدادون نظراً وتحديقاً في هذا الشخص الغريب الذي يبدو في هيئة منتصر وهو يتأمل المجد الذي وقع عليه، فتابع صاحب المحل بذات الجدية وهو يحدق فيه بعينين نسريتين يقظتين متوقعاً أن يشهر سلاحاً ويطلق النار بعشوائية على كل مَن في الشارع: وقف كعادته يا أخوة وهو يحمل بيده هذه المرة زجاجة كبيرة، رشها بسرعة على الجرائد والمجلات، وبذات السرعة قذف ما بقي فيها داخل المكتبة ورمى عود الكبريت لتنفجر النيران.‏
امتدت ألسنة اللهب إلى داخل المكتبة الضخمة، ابتعد الناس عن الحرارة، آلاف الصحف والمجلات غدت وقوداً للنار تزيدها اشتعالاً ولهيباً، بعد دقائق أخرى هبطت الألسنة إلى القبو لتلتهم حتى الجرائد والمجلات القديمة.‏
ـ اتصلوا بالإطفاء يا شباب.. اتصلوا بالإطفاء.‏
علا هذا الصوت المذعور من جموع الناس.‏
ـ يا أخي اتصلنا.. اتصلنا عشر مرات يقولون: حضرة الإطفائية بالطريق.‏
علت إجابة وسط الدخان واللهيب وحشود الناس المزدحمة بينما لا يدنو أحد من ذاك الشخص الذي ما يزال يقف بشموخ ويعب من غليونه تاركاً البسمة تملأ وجهه وكأنها أول بسمة حقيقية يبتسمها في حياته، وفي ذروة ابتهاجه تفاجأ الناس بشبك ينزل من سطح المحل الذي يقف تحته ويرفعه إلى الأعلى، انتفض الرجل كطائر وقع بغتة في شبك، لكنه لم يستطع فكاكاً.‏
اندفع موج الناس إلى الشارع الخلفي حيث كانت سيارة حكومية تستقبل الرجل المشبوك وتتحرك بأقصى سرعة في الوقت الذي ترامى فيه من الطرف الآخر صوت الإطفاء الذي وصل متأخراً وقد خمدت النيران من تلقاء ذاتها عندما التهمت آخر ما يمكن له أن يُلتهم.‏
في اليوم التالي امتلأت الصحف بخبر إحراق أضخم مكتبة لبيع الجرائد والمجلات في قلب المدينة، وانهال الصحفيون ومراسلو وكالات الأنباء والقنوات الفضائية إلى حيث توقيف هذا الرجل في المدينة وهم يؤولون ويفسرون ويشرحون أسباب إقدامه على هذا العمل، لكنهم عادوا من حيث أتوا بخفي حنين عندما قيل لهم بأنه رجل مصاب بلوثة عصابية، وبالفعل فقد تم إخلاء سبيله بعد يومين من توقيفه فخرج الرجل يشعل غليونه من جديد بعد حرمانه منه لمدة يومين وهو يتمتم: شكراً على هذه الشهادة التي أعفتني من غرامة وسجن طوال عمري.‏
ثم أخذ ينظر في الخلق وهو يشق طريقه وسطهم نحو بيته مخلفاً وراءه قهقهات هستيرية تلفت أسماع الناس وهم يتمتمون: العقل زينة الإنسان.‏

 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته اخي** slim-daoud3** .
بارك الله فيك، قصة هادفة و قلمك حقا مميز .
لكن اسمحلي بهذا التعليق الصغير على هذه القصة،هذا السيد اللي حرق المكتبة اعتبره مجرم و ليس بمجنون و يصدق فيه المثل الشعبي اللي يقول
" دير روحك مهبول تشبع كسور".
تقبل مــــــــــــــــــــــروري
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته اخي** slim-daoud3** .

بارك الله فيك، قصة هادفة و قلمك حقا مميز .
لكن اسمحلي بهذا التعليق الصغير على هذه القصة،هذا السيد اللي حرق المكتبة اعتبره مجرم و ليس بمجنون و يصدق فيه المثل الشعبي اللي يقول
" دير روحك مهبول تشبع كسور".
تقبل مــــــــــــــــــــــروري

يمكن أن نقول أنه مجرم



شكراا أختي الكريمة على مرورك الطيب
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top