- إنضم
- 14 نوفمبر 2007
- المشاركات
- 3,790
- نقاط التفاعل
- 7
- النقاط
- 157
درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك
الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يتضمن
القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية في الدولة
من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك
حقوقاً وامتيازات استثنائية في علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العام الذي
يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة
Administration Publique أو قانون السلطة
الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد
التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها
باعتبارها سلطة عامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم
إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص ,
القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة
وسلطاتها العامة , ويحكم العلاقات القانونية التي
تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاً فيها ,
وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع
بحقوق وامتيازات استثنائية لا مقابل لها في علاقات
الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكم العلاقات
بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما
تظهر بمظهر الأفراد العاديين أي ليس بوصفها سلطة
عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع
فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجي
ويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي
ويتضمن القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون
المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني
والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها
من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع
القانون العام الداخلي يحكم نشاط الإدارة العامة
وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها
الحضاري .
وفي هذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم
العضوي أو الشكلي, والمفهوم الموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة
العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية
سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات
التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي ,
فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي
تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هو
القانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية
في الدولة , بينما يمكننا أن نعرف القانون الإداري
بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو
الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق
المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إلا أن
الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانون
الإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات
الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي
تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع
القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانين
وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته
بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هو القانون الذي ينظم
الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط
أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق
المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس
في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق
ا وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون
الدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة
الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون
الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على
كافة القوانين الأخرى التي يجب أن تتقيد به وتحترم
نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية
أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري
القواعد التفصيلية التي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية
وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداً
للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزه بين
القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون
الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلة الحكومية , أما
القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم
كل قطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون
الداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع
القانون العام الداخلي , نجد أن الفقه الإنجليزي لا يفرق
بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس
موضوعات القانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن
جانباً في الفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين
القانون الإداري والقانون الإداري , ودعى إلى دراستهما
معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui
وجيزJeze
, وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيث الموضوع :- يبحث القانون الدستوري
في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطات
الدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون
الإداري في أعمال السلطة التنفيذية الإدارية منها دون
الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتل القانون الدستوري
قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية
التي لا يمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها
القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة
في المبادئ التي أقرها الدستور .
2- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة
بإدارة الأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون
الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية ,
ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة
والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية
الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل
ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع
الضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث
زاوية اهتمام كل منهما فالقانون الإداري يبحث في
التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر في
عناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة
في النواحي الفنية والتنظيمية للجهاز الإداري ويمكن
تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه
وتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة
على أكمل وجه .
وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم
عضوي , يهتم بدراسة هيكل المنظمات الإدارية وفروعها
, دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم
موضوعي يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات
بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاط عنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من
خلال طريقة دراسة الموضوع الإداري محل البحث ,
فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرار الإداري
فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة
للسلطة الإدارية ويتضمن أثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفية
الطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة .
في حين يعرف علم الإدارة العامة القرار الإداري في خلال
البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر على
أساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت
بها تلك العملية واكتشاف العيوب والمشاكل التي قد تعيق
هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز
القانوني للموظف العام وطبيعة علاقته بالدولة وشروط
تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكن
إيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء
علاقته الوظيفية , وما إلى ذلك من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين ,
الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة
الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد
اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل
نظام إداري لتطبيقه على العاملين في المنظمة الإدارية ,
وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم ,
والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة
بالحوافز المادية والمعنوية لموظفي الدولة ودراسة
مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها
. ( )
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث
الأصل إلى قواعد متميزة عن قواعد القانون الخاص ,
إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعد
فتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص ,
والقانون الإداري بمعناه الواسع يعني "قانون الإدارة"
أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون
الخاص أم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون
العام" , والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل
مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره
بما يطبق على الإدارة من قواعد قانونية متميزة ومغايرة
لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في الدول
إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة
فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب , من حيث أنها
يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز الإداري
في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من
جوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ
بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل
دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي
يحكمها من حيث الأصل القانون الإداري بالإضافة
إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .
الفصل الثاني
نشأة القانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول
الأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى
عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت
بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على
أساس الفصل بين السلطات، ومن مقتضياته منع
المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل
في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة
تجاه السلطة القضائية .
وأدى هذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج
الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانوني وظهور القانون
الإداري .
المبحث الأول
نشوء القانون الإداري في فرنسا
كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد
الملك حيث ساد نظام الملكية المطلقة , ولم تكن الدولة
تخضع للمساءلة أو الرقابة أمام القضاء بواسطة دعاوى
الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها
للقانون المدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى
البرلمانات Parlements أنشئت لتكون ممثلة للملك
في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها
ما لم سند الملك ذلك الاختصاص إلى جهة أخرى ,
كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية
. ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة
وتتدخل في شؤونها وتعارض وتعرقل كل حركة إصلاحية
( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكم
القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية
, من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .
1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration
Juge
تأكيداً لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات
صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على
إلغاء المحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى
بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء
مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر
في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت
الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى
الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة
هي الخصم والحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً
إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء
البرلمانات التعسفية .
2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد
نابليون بونابرت وضعت اللبنة الأولى للقضاء الإداري
الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً
يتطلب تصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم
Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر
أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلا أن
أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه
تعرض على القنصل.
فقد كان عمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية
وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكن يملك سلطة القضاء
وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة "
القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue
وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح
قضاؤه مفوضاً .
3. مرحلة القضاء المفوض Justice délég?ee
في 24 مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة
الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعات الإدارية
دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائي
في المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة
القاضية فلا يملك الأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في
الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلك تختص
به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر
هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل
مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون
المرور على الإدارة في قضية Cadot وترتب على
حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص
العام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد
المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر
بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 ,
وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس
الأقاليم صاحبة الاختصاص العام في المنازعات
الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات
منها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو
1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين في
المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل
هذا التنظيم بثلاثة مراسيم أخرى في 26 أغسطس
1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر
في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ
بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاق
الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي
المنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء
مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعد
القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات
حسن سير الإدارة العامة, وأكد على وجود واستقلال
القانون الإداري .
المبحث الثاني
نشوء القانون الإداري في مصر
قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم
تعرف مصر القضاء الإداري , وقد كانت المحاكم
المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ في النظام
القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات
بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة , ولم يكن من بينها
القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداري المصري إلى أن أساس
القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام
المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب
آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانون الإداري لم تنشأ
حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه
عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة
وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت
اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي
وسع اختصاصاته ثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون
رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تم
إنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم
القضائي بمجلس الدولة .
ثم صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم
مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطورات عدة
حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972
وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانون يعد مجلس الدولة هيئة قضائية
ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من
نواب الرئيس والمستشارين المساعدين والنواب
والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذا ولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله
في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذه التبعية منح
الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل
الوظيفي , وهو ما أكدته المادة الأولى من القانون
رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية
مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء
الإداري صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات
الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة
على سبيل الحصر في القوانين التي سبقت القانون
الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدل
بالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي
ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها
المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر
طلبات التعويض عن القرارات الإدارية ، ويترتب
على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية
وإذا ما رفعت دعوى الإلغاء أو التعويض إلى مجلس
الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم
العادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفرد بنظر المنازعات
الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم
9 لسنة 1949 الذي منح المجلس النظر في منازعات
عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك
مع المحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959
استمرت المحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى
مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقت الذي
استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض
عن القرارات الإدارية والعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة
صاحب الولاية العامة بالنظر في المنازعات الإدارية
ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد في
المادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس
الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل في
المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد
اختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص
بالفصل في المنازعات الإدارية والتأديبية وساهم بإرساء
مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد في حماية
حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة وإلغاء قراراتها
المعيبة والتعويض عنها .
الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يتضمن
القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية في الدولة
من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك
حقوقاً وامتيازات استثنائية في علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العام الذي
يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة
Administration Publique أو قانون السلطة
الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد
التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها
باعتبارها سلطة عامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم
إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص ,
القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة
وسلطاتها العامة , ويحكم العلاقات القانونية التي
تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاً فيها ,
وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع
بحقوق وامتيازات استثنائية لا مقابل لها في علاقات
الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكم العلاقات
بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما
تظهر بمظهر الأفراد العاديين أي ليس بوصفها سلطة
عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع
فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجي
ويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي
ويتضمن القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون
المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني
والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها
من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع
القانون العام الداخلي يحكم نشاط الإدارة العامة
وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها
الحضاري .
وفي هذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم
العضوي أو الشكلي, والمفهوم الموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة
العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية
سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات
التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي ,
فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي
تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هو
القانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية
في الدولة , بينما يمكننا أن نعرف القانون الإداري
بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو
الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق
المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إلا أن
الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانون
الإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات
الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي
تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع
القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانين
وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته
بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هو القانون الذي ينظم
الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط
أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق
المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس
في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق
ا وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون
الدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة
الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون
الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على
كافة القوانين الأخرى التي يجب أن تتقيد به وتحترم
نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية
أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري
القواعد التفصيلية التي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية
وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداً
للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزه بين
القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون
الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلة الحكومية , أما
القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم
كل قطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون
الداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع
القانون العام الداخلي , نجد أن الفقه الإنجليزي لا يفرق
بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس
موضوعات القانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن
جانباً في الفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين
القانون الإداري والقانون الإداري , ودعى إلى دراستهما
معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui
وجيزJeze
, وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيث الموضوع :- يبحث القانون الدستوري
في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطات
الدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون
الإداري في أعمال السلطة التنفيذية الإدارية منها دون
الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتل القانون الدستوري
قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية
التي لا يمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها
القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة
في المبادئ التي أقرها الدستور .
2- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة
بإدارة الأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون
الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية ,
ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة
والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية
الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل
ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع
الضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث
زاوية اهتمام كل منهما فالقانون الإداري يبحث في
التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر في
عناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة
في النواحي الفنية والتنظيمية للجهاز الإداري ويمكن
تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه
وتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة
على أكمل وجه .
وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم
عضوي , يهتم بدراسة هيكل المنظمات الإدارية وفروعها
, دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم
موضوعي يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات
بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاط عنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من
خلال طريقة دراسة الموضوع الإداري محل البحث ,
فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرار الإداري
فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة
للسلطة الإدارية ويتضمن أثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفية
الطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة .
في حين يعرف علم الإدارة العامة القرار الإداري في خلال
البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر على
أساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت
بها تلك العملية واكتشاف العيوب والمشاكل التي قد تعيق
هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز
القانوني للموظف العام وطبيعة علاقته بالدولة وشروط
تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكن
إيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء
علاقته الوظيفية , وما إلى ذلك من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين ,
الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة
الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد
اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل
نظام إداري لتطبيقه على العاملين في المنظمة الإدارية ,
وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم ,
والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة
بالحوافز المادية والمعنوية لموظفي الدولة ودراسة
مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها
. ( )
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث
الأصل إلى قواعد متميزة عن قواعد القانون الخاص ,
إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعد
فتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص ,
والقانون الإداري بمعناه الواسع يعني "قانون الإدارة"
أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون
الخاص أم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون
العام" , والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل
مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره
بما يطبق على الإدارة من قواعد قانونية متميزة ومغايرة
لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في الدول
إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة
فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب , من حيث أنها
يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز الإداري
في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من
جوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ
بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل
دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي
يحكمها من حيث الأصل القانون الإداري بالإضافة
إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .
الفصل الثاني
نشأة القانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول
الأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى
عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت
بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على
أساس الفصل بين السلطات، ومن مقتضياته منع
المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل
في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة
تجاه السلطة القضائية .
وأدى هذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج
الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانوني وظهور القانون
الإداري .
المبحث الأول
نشوء القانون الإداري في فرنسا
كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد
الملك حيث ساد نظام الملكية المطلقة , ولم تكن الدولة
تخضع للمساءلة أو الرقابة أمام القضاء بواسطة دعاوى
الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها
للقانون المدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى
البرلمانات Parlements أنشئت لتكون ممثلة للملك
في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها
ما لم سند الملك ذلك الاختصاص إلى جهة أخرى ,
كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية
. ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة
وتتدخل في شؤونها وتعارض وتعرقل كل حركة إصلاحية
( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكم
القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية
, من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .
1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration
Juge
تأكيداً لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات
صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على
إلغاء المحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى
بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء
مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر
في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت
الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى
الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة
هي الخصم والحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً
إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء
البرلمانات التعسفية .
2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد
نابليون بونابرت وضعت اللبنة الأولى للقضاء الإداري
الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً
يتطلب تصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم
Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر
أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلا أن
أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه
تعرض على القنصل.
فقد كان عمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية
وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكن يملك سلطة القضاء
وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة "
القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue
وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح
قضاؤه مفوضاً .
3. مرحلة القضاء المفوض Justice délég?ee
في 24 مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة
الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعات الإدارية
دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائي
في المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة
القاضية فلا يملك الأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في
الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلك تختص
به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر
هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل
مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون
المرور على الإدارة في قضية Cadot وترتب على
حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص
العام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد
المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر
بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 ,
وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس
الأقاليم صاحبة الاختصاص العام في المنازعات
الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات
منها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو
1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين في
المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل
هذا التنظيم بثلاثة مراسيم أخرى في 26 أغسطس
1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر
في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ
بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاق
الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي
المنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء
مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعد
القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات
حسن سير الإدارة العامة, وأكد على وجود واستقلال
القانون الإداري .
المبحث الثاني
نشوء القانون الإداري في مصر
قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم
تعرف مصر القضاء الإداري , وقد كانت المحاكم
المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ في النظام
القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات
بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة , ولم يكن من بينها
القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداري المصري إلى أن أساس
القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام
المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب
آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانون الإداري لم تنشأ
حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه
عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة
وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت
اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي
وسع اختصاصاته ثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون
رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تم
إنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم
القضائي بمجلس الدولة .
ثم صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم
مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطورات عدة
حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972
وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانون يعد مجلس الدولة هيئة قضائية
ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من
نواب الرئيس والمستشارين المساعدين والنواب
والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذا ولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله
في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذه التبعية منح
الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل
الوظيفي , وهو ما أكدته المادة الأولى من القانون
رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية
مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء
الإداري صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات
الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة
على سبيل الحصر في القوانين التي سبقت القانون
الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدل
بالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي
ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها
المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر
طلبات التعويض عن القرارات الإدارية ، ويترتب
على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية
وإذا ما رفعت دعوى الإلغاء أو التعويض إلى مجلس
الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم
العادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفرد بنظر المنازعات
الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم
9 لسنة 1949 الذي منح المجلس النظر في منازعات
عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك
مع المحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959
استمرت المحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى
مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقت الذي
استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض
عن القرارات الإدارية والعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة
صاحب الولاية العامة بالنظر في المنازعات الإدارية
ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد في
المادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس
الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل في
المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد
اختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص
بالفصل في المنازعات الإدارية والتأديبية وساهم بإرساء
مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد في حماية
حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة وإلغاء قراراتها
المعيبة والتعويض عنها .