القواعد في المنهج السلفي
بقلم: الشيخ عبد السلام بن سالم السحيمي
أولاً : قاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المراد بالمعروف جميع الطاعات وأعظم ذلك عبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص العبادة له وترك عبادة ما سواه ويأتي بعد ذلك سائر الطاعات من واجبات ومستحبات. ( 1 )
والمنكر هو كل ما نـهى الله عنه ورسوله فجميع المعاصي والبدع منكر وأعظم المنكر الشرك بالله عزوجل . ( 2 )
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على هذه الأمة وجوب كفائي، لاعيني ؛إذا قام به من يكفى سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد أثم الجميــع . ( 3 )
قال تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} .( 4 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " من أمر بالمعروف ونـهي عن المنكر فينبغي أن يكون عالماً بما أمر به عالماً بما ينهى عنه رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم مع الأمر فإن لم يكن عالماً لم يكن له أن يقف ما ليس له به علم وإن كان عالماً ولم يكن رفيقاً كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه والمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد وقد قال الله تعالى لموسى وهارون { فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى } ثم من أمر أو نـهى فلابد أن يؤذى في العادة فعليه أن يصبر ويحلم كما قال تعالى { وامر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ..}أ هـ
و قال أيضاً : "والواجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون أمره ونـهيه لله وقصده طاعة الله، وأن يكون مقصوده صلاح المأمور وإقامة الحجة عليه، وأن لا يكون مقصوده طلب الرئاسة لنفسه، وطائفته، أو تنقص غيره.
وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله، والأستعانة بالله، والخوف من الله ،والرجاء من الله، والعطاء لله، والمنع لله ،وهذا إنـما يكون بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره أمر الله ونهيه نهي الله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله . أ هـ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية باختصار.
ثانياً : قاعدة في العبادات
العبادات مبناها على التوقيف ، فالله أمر باتباع ( 1 ) الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعـالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكــم } ( 5 ). وقال تعالى { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنـهار خالدا فيها وذلك الفوز العظيم }.(6)
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبّل الحجر الأسود وقال: " إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ".
وقد تقدم قول بعض السلف " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " كما تقدم أن من شرط قبول العمل تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد جاءت النصوص الكثيرة في القرآن والسنة التي فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله ، والنهي عن معصية الله ومعصية رسوله ، فلا يجوز لأحد أن يخرج عن ما مضت به السنة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة .
ثالثاً : قاعدة في أن مدار الدين على العلم النافع والعمل الصالح :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والصلاح منحصر في نوعين في العلم النافع والعمل الصالح وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بأفضل ذلك وهو الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله .. فالهدى العلم النافع ودين الحق العمل الصالح … " أ هـ
وقال رحمه الله : " فأهل السنة والجماعة المتبعين للسلف الصالح لايتكلمون في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعاً للكتاب والسنة، وأما أهل البدع فلا يعتمدون على الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح وإنـما يعتمدون على العقل واللغة والفلسفة "( 7 ).
رابعاً : قاعدة إن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح
والدليل لهذه القاعدة:
1- قوله تعالى { ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عـدوا بغير علــم }. ( 8 ) فحرم الله سب آلهة المشركين مع كون السب غيضاً وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى وكان مصلحة ترك مسبة الله تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم.
2- وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يا عائشة لو لاأن قومك حديثوا عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض... الحديث" متفق عليه.
ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على معنى هذه القاعدة إذ ترك النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة بناء البيت العتيق على أسس إبراهيم عليه السلام لدرءمفسدة خشي وقوعها إن هو هدمه وبناه عليها وهي نفور الناس عن الإسلام أو ردتـهم بسبب هذا الفعل فقدم النبي صلى الله عليه وسلم درء هذه المفسدة على جلب تلك المصلحة .
3- إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة لئلايكون ذريعة إلى تنفير الناس، وقولهم أن محمداً يقتل أصحابه .
4- نـهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا ما أقاموا الصلاة سداً لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير فقتالهم كما هو الواقع فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعاف أضعاف ما هم عليه من منكر والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن . قال عليه الصلاة والسلام " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " سداً لذريعة الفتنة . إنتهى ملخصاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ويقول شيخ الإسلام بعد ما ذكر جملة من الفروع المندرجة تحت قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح وأنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الأرجح منهما على المرجوح . قال رحمه الله : (ومنها أن من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة -أي أئمة الجور- وترك القتال في الفتنة وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منهما فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان ما يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
واعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به حتى لو استلزم ما هو دونه من المنكر ولا ينهى عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه لأن النهي يكون حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله و زوال فعل الحسنات وإن كان المنكر أغلب نهى عنه حتى لو استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً منكراً وسعياً في معصية الله ورسوله . أما لو تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان فلا يؤمر بهما ولا ينهى عنهما فتارة يصلح الأمر وتارة يصلح النهي وتارة لا يصلح أمر ولا نـهي وحيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً وينهى عن المنكر مطلقاً وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها و يذم مذمومها بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك يغضب قومه وحميتهم ، وينفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه) اهـ( 10 ).
خامساً قاعدة : أن الأحكام الأصولية و الفروعية لا تتم الاّ بأمرين هما وجود الشروط و انتفاء الموانع ( 11 )
قلت : و هذا أصل عظيم في جميع أحكام الشرع سواءً كانت اصولاً أم فروعاً لابد من وجود شروطها و انتفاء موانعها ، فلو وجد الشرط لكن كان هناك مانع لم يصح الحكم . من ذلك مثلاً آيات الوعيد في حق من ارتكب أموراً محرمة فهو أهل لما جاء في النصوص من الوعيد لكن قد يكون هناك مانع يمنع من العقاب كالتوبة أو استغفار المؤمنين أو المصائب ( 12 ) أو غير ذلك من مكفرات الذنوب.
و من ذلك الصلاة مثلاً لابد من وجود شرطها و هو الطهارة فمن أراد الصلاة بلا طهارة فلا تصح منه لفقد شرطها .
و من هذا الأصل التكفير و التبديع و التفسيق ( و هو باب قد عظمت فيه الفتنة و المحنة و طاشت فيه الأحلام و كثر فيه الافتراق و تشتت فيه الأهــواء و الآراء ) ( 13 ) و موقف أهل السنة و الجماعة السائرين على منهج السلف الصالح من تكفير أهل البدع و العقائد الفاسدة هو التفصيل ( 14 ) و هو أن أهل البدع ليسوا على درجة واحدة فمنهم من هو مقطوع بتكفيرة كمن أتى بقول أو فعل مكفر و تمت في حقه شروط التكفير و أنتفت موانعه و منهم من لا يحكم بكفره لانتفاء ذلك في حقه ( 15 ) .
ثم إنّ القول في تكفير أهل البدع و التكفير عموماً مبني على أصلين عظيمين :
أحدهما : دلالة الكتاب و السنة على أن القول أو الفعل الصادر من المحكوم عليه موجب للتكفير .
و ثانيهما : انطباق هذا الحكم على القائل المعيّن أو الفاعل المعيّن بحيث تتم شروط التكفير في حقه و تنتفي الموانع . ( 16 ) .
و هذان الأصلان أيضاً ينطبقان على الشخص عند الحكم عليه بالابتداع أو الفسق ، و هو دلالة الكتاب و السنة على أن القول أو الفعل الصادر من المحكوم عليه بدعة ، و كون القائل المعيّن أو الفاعل المعيّن تمت في حقه شروط التبديع و انتفت موانعه . ( 17 ) و الله أعلم .