حمدا لمن بيده زمام الأمور،حمدا لمن هتك ظلمات الضلالة بالنبي العدناني،أنزل عليه القرآن ،بالهداية والبيان وأرسله بإيضاح البيان،فكشف مكنون المعاني ببديع بيانه وفصاحة لسانه إذا أراد أمرا فإنما يقول له: كن فيكون،فسبحانه تقدست أسماءه،وجلت صفاته.
وبعد:
http://img06.**********/uploads/image/2012/07/27/0e304c4e6cfa05.png
الشخصيات الواردة في القصة:
- محمــــــــد.
-أم محمـــــد.
- شهـــــرزاد.
- العم عبد الحكيم.
http://img06.**********/uploads/image/2012/07/27/0e304c4e6cfa05.png
الأماكن الواردة في القصة:
-الجزائر مدينة: بغاي * الأثرية، الثورية* بولاية السلام" خنشلة"
- محطة الحافلات.
http://img06.**********/uploads/image/2012/07/27/0e304c4e6cfa05.png
القصـــــــــــــــة:
تبدأ قصتنا يوم : 23 جانفي 1956 عندما أستشهد عمي أحمد في إحدى معارك التحرير بجبال الأوراس الشامخة.
لقد كان لإستشهاده وقع كبير على زوجته الفتية أمينة ، لقد حزنت كثيرا على إستشهاد زوجها الذي لم يعمر معها سوى سنة تحت سقف الزوجية، لكــــن أمينة صبرت و أصطبرت إلى ربها
عندما قرأت ذات ليلة في كتابه العزيز: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين "َ
و كانت تدعوا الله أن يعينها على تربية إبنها محمد الذي لم يتجاوز ثلاثة أشهر .
أخدت أمينة تشتغل ليل نهار من أجل قرة عينها و ثمرة حبها لزوجها أحمد. فكانت تعمل في الخياطة لتكسب قوتها وقوت إبنها الذي فقد أباه صغيرا ليلتحق بركب اليتامى الصابرين على قضاء الله و قدره...
بعد مرور ست سنوات:
إسترجعت الجزائر إستقلالها بعزيمة الرجال و بمشيئة الحي الذي لا يموت و عمت الأفراح في كل ربوع هذا الوطن الحبيب، كبُر محمد و لكنه لم يُحس يوما أنه يتيم الأب، لقد كانت أمه أمينة تغدقه بكل حنانها و عطفها و رعايتها حتى أنسته محنته.
لقد كانت تسهر ليل نهار من أجل سعادة إبنها الوحيد و من منا لا يهتم لحال فلذة كبده، يكفيها ما عانته عند إستشهاد زوجها فمحمد هدية و ذكرى رائعة من زوجها.
بعد مرور إحدى عشرة سنة:
لقد أصبح ذلك الفتى اليتيم رجلا يافعا، قوي البنية، راجح العقل، طيب الخلق، فسبحان الله إذا أراد أمرا فإنما يقول له: كن فيكون و في إحدى ليالي الاستقلال الدافئة و الجميلة أقبلت أمينة على إبنها محمد .
أمينة: ابني محمد الحمد لله أنت اليوم رجل و قد آن الآوان لزواجك.لقد كبرت و أخاف أن يختطفني الموت قبل أن أرى أحفادي.
محمد: بالله عليك يا أماه لماذا تقولين هذا الكلام. تريثي قليلا ، فكما تعلمين دخلي لا يكفينا نحن الإثنين فما بالك إذا تزوجت .
أمينة: لا تقلق يا بني فالله معنا أما سمعت قوله صلى الله عليه وسلم: (( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا )) رواه الترمذي 2344 والنسائي وبن ماجة 4164 من حديث ابن هبيرة وقال الترمذي: حسن صحيح.
محمد: لكـــــن يا أمي، ... ثم سكت .
فهمت أمينة إبنها من أول نظرة و قالت: لا تقلق يا بني لقد وجدت لك زوجة صالحة .
محمد: من تكون يا أماه؟
أمينة: إنها شهرزاد ابنة خالك، ما رأيك؟
محمد: لابأس بها فتاة جميلة و مثقفة.
و بعد حديث طويل وافق محمد على الزواج بابنة خاله شهرزاد، ذهبت أمينة إلى أخيها علي لتطلب يد إبنته شهرزاد ، لقد وافق خاله على زواجها من محمد قائلا: و هل أجد أحسن من إبن أختي الشهم.
بعد مرور عام من الزواج:
تزوج محمد من شهرزاد بعد أن أقاما حفلا رائعا، و ها هما الآن ينتظران أول مولود ففرحة أم محمد كبيرة و هي تنتظر حفيدها الذي طالما تمنت أن تحضنه و تشتم رائحته الزكية، لقد كانت أم محمد تسهر ليل نهار لراحة شهرزاد ، لقد تحملت هذه العجوز الطيبة عناء الطهو و الغسيل و التنظيف و كل الأشغال المنزلية إكراما لزوجة ابنها حتى لا ترهقها أو ترهق جنينها...
لقد أغدقتها بطيبتها و عطفها ، مرت الأيام و رزق محمد بطفل ذا وجه جميل يصر الناظرين فعمت الأفراح في هذه العائلة الصغيرة.
و في يوم من أيام الربيع الجميلة أخذت أم محمد حفيدها: عيسى للتنزه قليلا و ما ان عادت إلى المنزل حتى سمعت صراخ شهرزاد و غضبها و هما يدويان المنزل لقد كانت توبخ محمدا لأن أمه اخذت إبنها دون إذن منها فكانت تخاطبه قائلة.
شهرزاد: كيف تسمح لأمك بأخذ عيسى؟ و كيف لعجوز مثلها أن تعتني بطفل صغير؟...
محمد: ولكنها قادرة على ذلك لا تخافي.
شهرزاد: أنت تحلم تأكد أنني لا أثق بأمك أبدا فكم من مرة كانت تضايقني تزعجني فهي غيورة كثيرا ...
لقد أصبحت لا أطيق العيش معها، لقد سئمت منها لأنها لم تعتني بي وقت حاجتي إليها، تصور يا محمد أنها كانت تجبرني على القيام بالأشغال المنزلية و أنا في شهري التاسع؟ ...
إندهشت أم محمد إلا أنها إلتزمت الصمت و بقيت تسترق السمع من شدة الدهشة .
سبحان الله اُنظروا كيف أصبحت ابنة أخيها أفعى .!
سكت محمد قليلا ثم قال: و لماذا لم تخبريني بذلك؟
شهرزاد: لم أشأ أن اُوقع بك في المشاكل لكن عنادها الأن أصبح يضايقني و قد آن الآوان لنرحل بعيدا عنها.
و إن لم يعجبك كلامي فسوف أذهب إلى منزلنا و آخذُ عيسى ...
يكفيني ما أسمعه منها كل صباح من التوبيخ و الصراخ و المعاملة السيئة لقد جعلت مني خادمة يا محمد .
ثم أطلقت شهرزاد العنان لدموع التماسيح حتى تكسب ود و عطف زوجها المغفل.
فكر محمد قليلا ثم رد رد الجبان: لابأس إن كان هذا يريحك سنرحل.
و في تلك اللحظة إنفجرت أم محمد بالبكاء لما سمعته من كلايهما. ابنها الذي ضحت من أجله بالنفس و النفيس يتخلى عنها في لحظة و ابنة أخيها التي كانت ترى فيها الزوجة الصالحة و المطيعة قد أصبحت اليوم أسوء من الأفعى و أشد قسوة من الحجارة.
بعد أسبوع:
رحل محمد و زوجته و تركا أم محمد وحيدة، مكسورة الخاطر، حزينة، و قد نالت الحسرة و الأحزان من جسدها النحيل، فكانت تبكي الدم بدل الدمع كلما تذكرت ما عانته من أجل محمد، لقد كانت تبكي المسكينة بحسرة لأنها لم تتوقع أن يفعل فلذة كبدها بها هذا.
و في يوم من الأيام و بينما كان محمد ينتظر الحافلة في المحطة ـ كان يجلس بجانب شيخ و ابنه الصغير- و بينما هو غارق في التفكير في زوجته و ابنه سمع ذلك الشيخ و هو يحدث ابنه عن ضرورة بر الوالدين قائلا اسمع يا بني قول رب السماوات والأرض:
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25}
قال الفتى الصغير: لا تخف يا أبي سأعتني بكما عندما أكبر أعدك بذلك .
لقد نزلت هذه الكلمات على مسامع محمد كالصاعقة حتى أحس أن أذناه قد أصيبتا بالصم.
يواصل العم عبد الحكيم تلقين الدروس لإبنه الصغير قائلا: أثابك الله يا بني أوصيك بالإعتناء بأمكـ ، أمكـ ، أمكـ ، ...
الفتى و أنت يا أبي قال: العم عبد الحكيم اسمع قول خير خلق الله يا بني:
جاء رجل يسأل النبى : من أحق الناس بحسن صحابتى ؟
قال : أمك
قال : ثم من ؟ قال : أمك
قال : ثم من ؟ قال : أمك
قال : ثم من ؟ قال : أبوك
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 276
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الفتى الصغير: آه فعلا يا أبي لقد حدثنا معلمنا عن فضل الأم و قال لنا ذات يوم أن الجنة تحت أقدام الأمهات و أنهن تعذبنا كثيرا أثناء حملهن بنا و تربيتهن لنا، ... و سهرهن من أجلنا و من أجل راحتنا .
إحمر وجه محمد و أحس بالعار، و بذلك الخطأ الفادح الذي إرتكبه في حق أمه ...
لقد كان عبدا ظلوما، ناكرا للجمــــــيل، أجل يا له من غافل لقد صدق فيه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:
رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ.
و ما ان جاءت الحافلة حتى ركب محمد قاصدا بيت أمه و هو يجر أذيال الندم والحسرة والخسارة ...
و ما ان فتحت الأم الطيبة الباب حتى ارتمت بين أحضان ابنها شوقا له .
محمد: سامحيني يا أمي لقد غرني الشيطان و أعمت شهرزاد بصيرتي ولكن ليس بعد اليوم.
أخذ محمد امه و توجه بها إلى بيته، و ما ان فتحت شهرزاد الباب و رأت أمه حتى قالت له: ماذا تفعل أمك عندنا.
يجيب محمد بلغة الثائر الغاضب : لقد حاءت لتسكن معي. أيزعجك ذلك؟
شهرزاد: و هي تتمتم... و ماذا اتفقنا ؟
محمد: من دون إطالة هذه أمي وهذا مسكنها إن كان هذا يزعجك فإحزمي أمتعتك و غادري حالا.
سكتت شهرزاد و ذهبت إلى غرفتها .
إلا أن أم محمد أمينة قالت: لإبنها لا يا ابني لا تطردها لا ذنب لعيسى ...
لا أحب أن أكون سببا في فراقكما...
نصيحـــــــــــــة:
انتهت حكاية محمد بعد ان من الله عليه بالتوبة .
فقد تدارك الخطأ الذي وقع فيه و أحضر أمه لكي تعيش معه كما كانا من قبل ...
لكن هناك آخرون: كمال و طلحة و يونس و أمين... يعيشون في مجتمعنا و بيننا ...
طردوا أمهاتهم و رموا بهن في دور العجزة و لم يأبهوا بهن ...
نسأل لهم الهداية ....
ألعيب ليس في الخطأ العيب في الإدمان على الخطأ ...
اعتذر من أمك قبل فوات الأون، و ضمها إليك تسلم يوم الحشر يا فلان.
و ان رميتها في دار من دور العجزة اغتنم الفرصة و أسرع إليها قبل فوات الأون...
اللهم اشهد فقد بلغت...
كتبت بقلم: شفيق، بـــــ
بتاريخ: 28 جويلية 2012
قبل السحور بحوالي ساعة.
02:39 صباحا.
نقلتها لكم اليوم من مدونتي بعد عودة لمة الطيبين...
http://img06.**********/uploads/image/2012/07/27/0e304c4e6cfa05.png
الخلاصة:
لا أجد أحسن من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام:
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ.
المعنى: أن من أدرك والديه أو أحدهما عند الكبر ولم يبر بهما لم يدخل الجنة، و رغم أنفه، أي وأنفه لصقُ بالتراب من الذل.
http://img06.**********/uploads/image/2012/07/27/0e304c4e6cfa05.png
القضايا التي تعالجها القصة :
- القصة التي بين أيدينا اليوم جزء لا يتجزء من واقعنا الآليم فكم من رجل طرد و تخلى عن أمه إرضاءً لزوجته.
- بالنسبة إلي من يفعل هذا لا أحسبه رجلا.
- هناك الكثير من النساء سامحهن الله يسئن لأمهات أزواجهن.
- هناك الكثير من النساء سامحهن الله يشعلن فتيل الفتنة بين المرء و أمه.
- ستقول إحداهن: أن هناك أمهات يتسببن في المشاكل أنا أقول تحملي مشاقها و مشاكلها لأن لك الأجر يا آمة الله .
لا أن تقومي بتحريض زوجك على أمه ليطردها أو يرمي بها بين أحضان دور العجزة والمساكين.
ولا تنسي يا آمة الله أن هذه العجوز أهدرت كل عمرها من أجل زوجك في تربيته و تعليمه و إطعامهـ ، و السهر عليه ، فتسليمه لك ليس بالأمر الهين .
ستواجهين الغيرة و لكن تحملي و على الله أجرك...
سلااااااااامي للجميع ...
لا تنسوني من دعاءكم…
و في الختاام تقبلوا تحياات
Dz.Sniper
Chafik.Dz
http://img04.**********/uploads/image/2012/07/26/0e3043436df302.gif
آخر تعديل بواسطة المشرف: