استنادا على اطلاعاتي الواسعة والدائمة على هذا القسم الذي يفوح منه عبق الابداع بمجرد دخولك إليه وابصراحة وجدته مليئا والحمد لله بالمواهب الشابة تحتاج إلى التشجيع والأهم إلى النصائح والتوجيهات القيمة البناءة .
أردت وضع بين أيديهم هذا الموضوع من اجتهادي الخاص علهم يستفيدون ولو بالقليل منه ان شاء الله
الخاطرة فن أدبي معاصر ظهر في العصر الحديث, هي فضاء واسع وحر للتعبير عن أسمى المشاعر الانسانية , وتناول كل المواضيع اليومية في حياة الانسان, تتميز الخاطرة بالتحرر , فلا تلزم كاتبها بالقيود الشعرية المعروفة كالشكل و الوزن و القافية, إلا أنها فن شعري لما تتميز به من لمسة شعرية و تعبير جميل يسمى إلى مصف الشعر.
تكون الخاطرة ذات موضوع تعالج شعورا انسانيا كالحب و الحزن و الألم و الأمل .....أو انسانا ما كالأم و الصديق و الاستاذ.....كما تتعدى إلى الأمكنة و الدول كالوطن أو أحد البلدان....
للخاطرة أيضا عنوان وهو من أهم الأشياء فيها إذ يعتبر العنوان مفتاح الخاطرة, هو أول شيء يلفت انتباه القارئ لذلك وجب العناية الفائقة في انتقائه , في غالب الأحيان ننبهر بالعنوان لما له من تأثير فنهرع إلى تصفح محتواه, وحتى إن كان هناك تواضع في الخاطرة إلا ان ذهننا لازال تحت وقع الانبهار من العنوان,فيجب على الكاتب انتقاء عنوانه بعناية شيدة .
أنصح الإخوة المبدعين هنا في المنتدى عدم التقيد و الحرص الشديد على انتهاء جميع الأسطر بحرف واحد على طريقة القافية رغم تحرر الشعر الحديث بذاته و اعتماده فقط على الوزن فمابالك بالخاطرة التي تتحررمن كل أشكال الشعر, فيجب اطلاق العنان في التعبير وعليهم استغلال هذا الفضاء بكيفيات كثيرة فالكاتب أمامه ورقة يكتب عليها خاطرته و يتصرف مع فضاء الصفحة تصرفا خاصا يسمح له بإضافة لغة خاصة لخاطرته فالعلاقة بين البياض و السواد يجب أن تستغل بكل ذكاء.فعند حرص القافية تغيب كثيرا المعاني الحقيقية و تستعمل فقط كلمات لا معنى لها سوى أنها تنتهي بنفس الحرف.وهذا للأسف أكثر الأخطاء التي يقع فيها الإخوة هنا من خلال ما لفت انتباهي في قسم بوح القلم الحر.
عليهم أيضا الابتعاد عن الأسلوب العادي والبسيط باستعمالهم كلمات عادية و ألفاظ غير بليغة خالية من فن البيان اللذي يضفي لمسة سحرية على الكتابة .
الغموض مطلوب في الخاطرة بل هو حسب رأيي أهم شيء فيها, و هو لغويا ضد الوضوح فالشيء الغامض هو الذي لا يدرك بسهولة, فكما قيل:{الفن الواضح ليس فنا}, المتعة في الغموض الذي يتطلب جهدا للقراءة و الفهم والنتيجة أن الخاطرة لا تقرأ لتجلب النوم بل هي لضرب النوم, هي ظاهريا نص لا يريح بل يتعب, فلا يعطيك النص شيئا حتى تعطيه أنت أشياء.
وينقسم الغموض إلى قسمين:
_غموض فني: وهو مطلوب في الكتابة ناتج عن عمق الفكرة والابتعاد عن المعاني المألوفة والمطروقة, تجعل القارئ يضع تأويلات كثيرة لما يقصده الكاتب, وهو ناتج عن خلفية معرفية عميقة للكاتب فمن الضروري للقارئ أن يكون مطلعا على الأقل على بعض ما اطلع عليه الكاتب.
{إنه ليس فنا ما نستطيع أن نستوعبه في لحظة واحدة وليس شعرا ما يمكن الإحاطة بدلالاته و معانيه و صوره بسهولة, بل ليس من الجمال في شيء ما يهبك ما عنده بشكل سريع}.
{الشعر كالحب هو فن الهبة, ومن طبيعة الهبة أن تكون ملفوفة بأسرار ومغلفة بما يحتاج إلى فك الرموز و الشيفرات}.
_غموض الابهام: يأتي من خلال توظيف الكاتب للغة أو القواعد أو الأفكار بأشكال غير معروفة و غير متواصل بها لكي يشد على الآخرين وهو غموض مرفوض غير فني حتى الكاتب نفسه لا يعرف معناه.
يتحقق الغموض بتقنيات كثيرة : عن طريق التناص وهوا لسرقات الشعرية المقبولة , أيضا عن طريق المعرفة العميقة باللغة كاستخدام مصطلحات لها دلالات عميقة لم تتداول كثيرا و تعليق المعاني فتكون جملة تحمل عدة معاني يأولها القارئ حسب معرفته, وبذلك يترك كاتب الخاطرة تعدد القراءات... وباختصار فإن الخاطرة الجيدة هي التي إذا قرأناها وجدنا أنفسنا بحاجة إلى كشف بعض الأسرارفيها و محاولة فهم عقلية كاتبها و دراسة أسلوبه الفني .
رغم تحرر الخاطرة من الوزن و القافية و الشكل العمودي إلا أن اللمسة الشعرية مطلوبة , تللك اللمسة التي تحس بها و أنت تجول في عالمها متنقلا من معنى إلى آخر و من لفظ إلى آخر, فقط المبدعون من يطوقون خواطرهم بهذه اللمسة السحرية التي تضفي جمالا منقطع النظير على الخاطرة وتحس وأنت تقرأ بأنك تقرأقصيدة شعرية ذات وزن تعجز عن معرفته و تأويلة وهذا قمة الابداع في فن الخاطرة.
يجب التنويه إلى الفرق بين الخاطرة و المقالة فكلاهما فن أدبي لكن يختلفان فالمقال يحتاج الى عناصر اساسية كالمقدمة و العرض والخاتمة و يغلب عليه الفكر و العقل في المناقشة على عكس الخاطرة التي تعتمد على القلب وو العاطفة والمشاعر.......
لقد نجحت الخاطرة نجاحا باهرا عند شبابنا المبدعين لانها فتحت لهم الباب على مصرعيه بدء من تحررها من كل لوازم القصيدة الشعرية انتهاء باطلاق العنان والحرية في التعبير عما يختلج أنفسهم.
إحدى حكايات الورد
10.11.2012