ما هو حكم الدراسة في الجامعات المختلطة ؟ هذه بعض النصوص والنقول في مسألة الاختلاط عموماً ، والمسألة للنقاش .
قَالَ َتَعَالَى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
وَأَخْرَجَ مُسْلمٌ عَنْ أَبِى سَعِيدِ الْخُدْرِيِِّ
قَالَ: "لأن أُزاحِمَ بَعِيراً مَطلِيَّاً بِقَطِرَانَ، أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أُزَاحِمَ امرَأةً" . القَطِرَانُ: دِهنٌ مِنْ تَرْكِيبٍ كِيمْيَاوِيٍّ قَديمٍ، يُتَّخَذُ للتَّدَاوِي مِنَ الجَرَبِ للإبِلِ وَلِغَيرِ ذَلِكَ .
وَأَخْرَجَ عَن أيُّوبَ السَّختيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ: "كانَ طَاوسٌ رَحِمَهُ الله تَعَالَى لا يَصحَبُ رِفقَةً فِيهَا امرَأةٌ".
وقال الإِمَامُ شمَسُ الدِّينِ ابْنُ قَيِّمِ الجَوزيَّةِ في الطرق الحكمية ص408: " ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة .
واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفا والقصة مشهورة في كتب التفاسير .
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعاً لذلك" .
وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في كفاية الأخيار ص175في شرح قول أبي شجاع رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : " وشرائط وجوب الجمعة .... والذكورة والصحة والاستيطان" قال:"احترزنا بالذكورة عن الأنوثة فلا تجب الجمعة على المرأة لقوله
:"الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِى جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِىٌّ أَوْ مَرِيضٌ"رواه أبو داود [1069] بإسناد على شرط الشيخين، ولأنًَّ خروجها إلى الجمعة تكليفا لها ونوع مخالطة بالرجال، ولا تأمن المفسدة في ذلك وقد تحققت الآن المفاسد لا سيما في مواضع الزيارة كبيت المقدس شرفه الله وغيره، والذي يجب القطع به منعهن في هذا الزمان الفاسد لئلا يتخذ أشرف البقاع مواضع الفساد".
وقفت على رسالة في الاختلاط للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
في موقع صيد الفوائد http://saaid.net/female/r56.htm وأنقلها للفائدة .
قال الشيخ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى :
* اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات :
الأولى : اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال ، وهذا لا إشكال في جوازه .
الثانية : اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد ، وهذا لا إشكال في تحريمه .
الثالثة : اختلاط النساء بالأجانب في : دور العلم ، والحوانيت والمكاتب ، والمستشفيات ، والحفلات ، ونحو ذلك ، فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى إفتتان كل واحد من النوعين بالآخر ، ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق : مجمل ، ومفصل .
أما المجمل : فهو أن الله تعالى جبل الرجال عن القوة والميل إلى النساء ، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف بان ، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء ، لأن النفوس أمارة بالسوء ، والهوى يعمي ويصم ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر .
أما المفصل : فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه ، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال ، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر ، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة .
أما الأدلة من الكتاب فستة :
الدليل الأول :
قال تعالى : { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } وجه الدلالة أنه لما حصل اختلاط بين إمرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كاان كامناً فطلبت منه أن ويافقها ، ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها ، وذلك في قوله تعالى : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم } وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر ، وبذلك بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .
الدليل الثاني :
أمر الله الرجال بغض البصر ، وأمر النساء بذلك فقال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } . وجه الدلالة من الآيتين : أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، وأمره يقتضي الوجوب ، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر . ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة " قال الحاكم بعد إخراجه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وبمعناه عدة أحاديث . وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا ، فروى أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطأ " متفق عليه ، واللفظ لمسلم . وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها ، فتعلق في قلبه ، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها . فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط ، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه
الدليل الثالث :
الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ، ويجب عليها التستر في جميع بدنها ، لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى النظر إليها ، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها ، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها ، وذلك الاختلاط .
الدليل الرابع :
قال تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } . وجه الأدلة أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم غليهن، وكذلك الاختلاط يُمنع لما يؤدي إليه من الفساد .
الدليل الخامس :
قوله تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } فسرها ابن عباس وغيره : هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به ، فإذا غفلوا لحظها ، فإذا فطنوا غض بصره عنها ، فإذا غفلوا لحظ ، فإذا فطنوا غمض ، وقد اطلع إليه من قلبه أنه لو اطلع على فرجها ، وأنه لو قدر عليها فزنى بها . وجه الدلالة أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى مالا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة ، فكيف بالاختلاط .
الدليل السادس :
أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن ، قال تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } . وجه الأدلة : أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن ، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين ، أما تقرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه ، وليس هناك دليل يدل على الخصوص ، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن ، فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق ؟ . على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء ، وخلعهن جلبات الحياء ، واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم ، وقل الوزاع عن من أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم .
أما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر تسعة أدلة : الأول
روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد إمرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله : إني أحب الصلاة معك ، قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي . قالت : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه ، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت . وروى ابن خزيمة في صحيحه ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة . ويعطي هذين الحديثين عدة أحادث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد . وجه الدلالة : أنه إذا شرع في حقها أن تصلي بي بيتها وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ، متى يمنع الاخلاط من باب أولى .
الثاني
ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها " قال الترمذي بعد إخراجه : حديث حسن صحيح . وجه الدلالة : المسجد فاتهن ينفصلن عن الجماعة على حدة ، ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخير ، وما ذلك إلا لبعد المتأخرات عن الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك ، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربة من النساء اللاتي يشغلن البال وربما أفسدت به العبادة وشوشن النية والخشوع ، فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط ، فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى ، فيمنع الاختلاط من باب أولى .
الثالث
روى مسلم في صحيحه ، عن زينب زوجة عبد الله ابن مسعود رضي الله عنها ، قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً " وروى أبو داود في سننه والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات " . قال ابن دقيق العبد : فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم ، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً ، قال: ويلحق بالطيب مافي معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة ، قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال ، وقال الخطابي في ( معالم السنن ) : التفل سوء الرائحة ، يقال : امرأة تفلة إذا لم تتطيب ، ونساء تفلات .
الرابع
روى أسامة بن زيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " . وجه الدلالة : أنه وصفهن بأنهن فتنة ، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون ؟ هذا لا يجوز .
الخامس
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدنيا خلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظرة كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء " رواه مسلم . وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء ، وهو يقتضي الوجوب ، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط ؟ هذا لا يجوز .
السادس
روى ابو داود في السنن والبخاري في الكني بسنديهما ، عن حمزة بن السيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " فكانت المرأت تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها ، هذا لفظ ابي داود . قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث : " يحقق الطريق " هو أن يركبن حقها ، وهو وسطها . وجه الدلالة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق لأنه يؤدي إلى الافتنان ، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك ؟
السابع
روى ابو داود البالسي في سننه وغيره ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل باباً للنساء ، وقال : " لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد " وروى البخاري في التاريخ الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تدخلوا المسجد من باب النساء " . وجه الدلالة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال والنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد سداً للذريعة الاختلاط ، فغذا منع الاختلاط في هذه الحال ، ففيه ذلك من باب أولى .
الثامن
روى البخاري في صحيحه ، عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيراً ، وفي رواية ثانية له ، كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية ثالثة : كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله . فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال " . وجه الدلالة : أنه منع الاختلاط بالفعل ، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضوع .
الدليل التاسع
روى الطبراني في المعجم الكبير عن معقل ابن يسار رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له . قال الهيثمي في مجمع الزائد : رجاله رجال الصحيح ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب : رجاله ثقات . وروى الطبراني ايضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطين وحمأه خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له . وجه الدلالة من الحديثين : أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها . لما في ذلك من الأثر السيء ، وكذلك الاختلاط يمنع ذلك . فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة ، ولهذا منعه الشارع حسماً للفساد . ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي ، والحرم المدني ، نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يزيد المهتدي منهم هدى ، وأن يوفق ولا تهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء ، إنه سميع قريب مجيب ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه .
هذا مقال مهم من كتاب مذاهب فكرية معاصرة لعلعه يفيد في الحكم على هذه المسألة قال : "نمضى مع قصة تعليم المرأة فنجد المعارضة الثائرة فى أول الأمر ، ثم نجد هذه المعارضة تخفت رويدا رويدا ويمضى ما كان يبدو مستحيلا فى مبدأ الطريق !
عند بدء المعركة طالب المطالبون بإنشاء تعليم لا ببعد المرأة إبعادا كاملا عن وظيفتها ، وإن كان يبعدها – دون شك – إلى حد غير قليل ! فقد أنشئ لها تعليم " نسوى " يحوى العلوم التى تعطى للأولاد ، مضافا إليها دروس فى تدبير المنزل ورعاية النشء وبعض الفنون النسوية كشغل الإبرة والتفصيل والخياطة .. الخ ، وكان هذا مجرد خطوة خطوة فى الطريق ، حتى يحين الوقت الذى تلغى فيه المواد النسوية إلغاء كاملا ويتم " ترجيل " المرأة .
كذلك طالب المطالبون بتوفير الصيانة الخلقية التامة للفتاة التى تذهب إلى المدرسة ، فتذهب فى سيارة مقفلة مغطاة بالستائر ، أو يذهب معها ذووها ويعودون بها بحيث لا تتعرض للفتنة فى الطريق !
والحكمة فى هذا وذاك واضحة !
فلو أن المخططين كشفوا عن وجوههم دفعة واحدة ، ودفعوا الفتاة الذاهبة إلى المدرسة للتبرج من أول لحظة ، أو دفعوها للانسلاخ الكامل م، أنوثتها فأى أب كان يبعث بابنته إلى المدرسة ، والتيار المعارض جارف والحملة ضد تعليم المرأة قائمة على قدم وساق ؟!
لابد من طمأنة أولياء الأمور طمأنة كاملة فى مبدأ الطريق ، حتى يرسلوا ببناتهم إلى المدرسة ، وعندئذ – بعد أن يذهبن بالفعل – يكون لنا معهن دور أى دور !
ورويدا رويدا .. على مدى طويل بطئ " " ظلت المواد النسوية تتضاءل بحجة عدم الإثقال على الفتاة .. أو بأية حجة أخرى ! وتقترب المناهج بين البنات والبنين حتى صارت متطابقة تماما فى آخر الأمر .. مناهج رجالية كاملة !!
ورويدا رويدا كذلك وبنفس البطء بدأت المدرسة تتحلل من القيود الصارمة التى فرضت عليها – بعناية – فى مبدأ الأمر ! فلم تعد السارة مغطاة بالستائر ، ولم يعد ذووها يوصلونها إلى المدرسة أو يعودون بها إلى البت !
وجاء الوقت الذى تقدمت فيه الفتيات إلى الشهادة الثانوية على مناهج البنين كاملة بلا زيادة ولا نقصان ، وحدثت " المعجزة " فنجحت الفتيات فى الامتحان الموضوع ألا للبنين ، بل تفوقن عليهم فى غير قليل من الحالات !
وحدثت ضجة هائلة – فى الصحافة بصفة خاصة – لم تهدأ من قريب !
ها هى ذى الفتاة التى قلتم عنها إنها لا تفهم ولا تستطيع أن تتعلم .. ها هى ذى التى قلتم عنها إنها أقل ذكاء من الفتى وأقل قدرة على الاستيعاب .. ها هى ذى التى قلتم عنها إنها لا تصلح – إن صلحت على الإطلاق – إلا للمناهج النسوية الخالصة .. ها هى ذى تدخل ذات الامتحان مع الفتى فتجاريه بل تتفوق عليه !
أرأيتم أيها الرجعيون ؟ ! أرأيتم ايها الظالمون ؟! أرأيتم يا جنس الرجال ؟! أيها المغرورون ! أيها المتعصبون!!
ولئن كان نجاح الفتاة قد قوبل بالاستغراب الكامل فى الغرب ، فما ينبغى أن يستغرب فى الحقيقة ، فقدرة الفتاة على التحصيل العلمى لا تفترق عن قدرة الفتى حين تتخصص لها وتوليها جهدها .. أما تفوق الفتاة أحيانا فقد كان مرجعه إلى روح التحدى من جهة ، وانقطاع الفتاة للاستذكار فى المنزل بينما الأولاد مشغولون – فى الشارع – بألوان من النشاط لا تمارسها الفتيات فى ذلك الحين !
وليست القضية – كما أثارتها الجاهلية من جانبيها ، جانب المعارضة وجانب التأييد – هى القدرة على التحصيل على ذات المستوى عند كل من الجنسين ، إنما القضية هى الإعداد المناسب لوظيفة كل من الجنسين واستعداده النفسى بصرف النظر عن قدرته العقلية .
يقول الدكتور ألكسيس كاريل فى كتاب " الإنسان ذلك المجهول L’Homme cet unconnu (ص 108 – 109 من الطبعة الثالثة من الترجمة العربية لشفيق أسعد) .
" إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتى من الشكل الخاص للأعضاء التناسلية ، ومن وجود الرحم والحمل ، أو من طريقة التعليم ، إذ ا،ها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك . إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها ومن تلقيح الجيم كله بمواد كيمائية محددة يفرزها المبيض .. ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليما واحدا ، وأن يمنحا قوى واحدة ومسئوليات متشابهة ..
والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل .. فكل خلية من خلايا جسمها نتحمل طابع جنسها .. والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها .. وفوق كل شئ بالنسبة لجهازها العصبى . فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة لين مثل قوانين العالم الكوكبى . فليس فى الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها . ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هى . فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن ولا يحاون تقليد الذكور ، فإن دورهن فى تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال ، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة ؟ .
ولكن الجاهلية – من جانبيها كما قلنا – ركزت على المقدرة العقلية أكثر من أى شئ آخر ، فخسر المعارضون حين نجحت الفتاة بل تفوقت أحيانا على الولد ، وهلل المدافعون وأمنونا فى إثارة الضجة حول قدرة الفتاة التى لا تقف عند حد ، ومساواتها التامة للرجل فى كل شئ !
حقيقة إن قضية الوظيفة والاستعداد النفسى قد أثيرت من جانب المعارضين ، ولكنها أثيرت بروح التحقير والامتهان ، لا على أساس توزيع الوظائف والتكاليف على شقى النفس الواحدة مع المساواة فى الإنسانية كما قال رب العالمين ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [سورة النساء 4/1] {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [سورة آل 3/195] {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [سورة النحل 16/97]
" إنما النساء شقائق الرجال " " " .
لذلك كانت موضع الرفض الكامل من الفريق الذى تصدى للدفاع عن المرأة ، وكانت موضعا لتنديدهم بعنجهية الرجل المتغطرس على غير أساس !
وما نقول إن إثارتها على النحو الصحيح كما شرعها الله كانت ستجدى شيئا فى الدوامة التى أثيرت حول "قضية المرأة " ووجهت توجيها معينا منذ البدء يخدم أغراض الشياطين ، إنما نقول إنه لو كانت الحياة فى المجتمع قد سارت منذ البدء على هدى المنهج الربانى لما وجد الشياطين قضية يثيرونها ويلعبون بها على النحو الخطير الذى فعلوه .
وحين نجحت الفتاة فى الدراسة وساوت الولد أو تفوقت عليه أحيانا فهل كان هناك شك فى الخطوة التالية ؟!
طالبت – أو طولب لها – بدخول الجامعة !
ويبدو الأمر طبيعيا جدا ومنطقيا جدا .. بينما تبدو المعارضة قائمة على خير أساس !
وعلى أى حال فقد قامت المعركة المعتادة كما قامت من قبل مع كل خطوة سابقة وكما قامت من بعد فى كل خطوة لاحقة .
قال المعارضون : إن نجاحها فى المرحلة الثانوية لا يعتبر دليلا على مقدرتها على الدراسة الجامعية ، فالجامعة شئ آخر غير الدراسة الثانوية !
وقالوا : إن التعليم الجامعى لا يناسب طبيعتها (وهى هنا الطبيعة الرقيقة اللطيفة) فهةو تعليم جاف لا يناسب إلا الذكور !
وقالوا : إن مكان الفتاة الطبيعى هو البيت ، لتكون زوجة وأما وراعية أطفال ، وليس هو الجامعة البعيدة كل البعد عن طبيعتها والمعطلة لها عن وظيفتها طوال مدة الدراسة .
وقالوا : إنها تفعل بالدراسة الجامعية ؟ وما حاجتها إليها حين تصبح ربة بيت وزوجة وأم أطفال ؟!
وقالوا : إنها تتزوج – عادة – فى السادسة عشرة أو السابعة عشرة .. فمتى تذهب إلى الجامعة ؟!
وقالوا : إن ذلك يخالف التقاليد ..
وصمد " المدافعون عن حقوق المرأة " .. لهذه الهجمات كلها ، وكأنهم – الآن – قد اصبحوا يعرفون النتيجة ! إنها مسألة وقت فحسب !
أما المخططون فما كانوا ليكشفوا أوراقهم كاملة من أول لحظة فذلك ينافى " فن " اللعب ، كما أنه قمين بإفساد اللعبة بكاملها !
أيقولون للناس الآن ماذا يريدون أن يفعلوا بقضية المرأة فى المستقبل فيحجم الآباء عن إرسال فتياتهم إلى الجامعة ، بل تحجم الفتيات أنفسهن بالبقية الباقية فيهن من الدين والأخلاق والتقاليد .. والحياء ! الحياء الأنثوى الفطرى الذى خلقه الله ، والذى يخطط لإفساده شعب الله المختار !
كلا ! إنما يترك ذلك للتخطيط البطئ .. بطئ ولكنه أكيد المفعول !
قال المدافعون : إن الفتاة ستثبت جدارتها فى التعليم الجامعى كما أثبتت جدارتها من قبل فى التعليم الثانوى . وكنتم أيها الرجعيون المتزمتون تشككون فى قدرتها على تلقى علوم الأولاد فى المرحلة الثانوية ونجاحها فيها فهزمكم الواقع وأسقط حجتكم وألجم أفواهكم ! وسيتبين لكم غدا أنكم كنتم واهمين بالنسبة للتعليم الجامعى كما كنتم واهمين من قبل بالنسبة للتعليم الثانوى .. فقط اتركوا لها الفرصة لتثبت مقدرتها ! كيف تحكمون على شئ لم تجربوه بعد ؟!
وقالوا : إن الرجل يخشى المنافسة ! يخشى على مكانته " التقليدية " أن تنافسيه فيها المرأة فيفقد هذه المكانة ! إنها عقدة النقص ! لو كان الرجل واثقا من نفسه ما خشى المنافسة ! إنه يلجأ إلى " التقاليد " ليحمى امتيازاته ! تلك التقاليد البالية المتعفنة التى ينبغى أن تزول ! التقاليد التى تحتقر المرأة وتمتهنها وتجعلها مستعبدة للرجل ! لا عبودية بعد اليوم !
وقالوا : إن الدراسة الجامعية لا تمنع المرأة عن وظيفتها .. فما الذى يمنعها أن تتزوج ؟ فقط تؤجل الزواج بضع سنوات ! ومن أرادت أن تتزوج وتترك الدراسة الجامعية فمن يمنعها !
وقالوا : إن الدراسة الجامعية – على العكس – توسع مداركها وتوسع آفاقها فتعينها على أداء وظيفتها ! أتريدون أن تكون أمهات أطفالكم جاهلات ؟ أو ليس الخبير لكم أن تكون الأم متعلمة فتحسن تربية أولادها ؟!
وقالوا : إن الفتاة يمكن أن تختار من الدراسات الجامعية ما يناسب طبيعتها " الرقيقة اللطيفة " فتدرس الأدب فى كلية الآداب .. أليست الفتاة رقيقة المشاعر رقيقة المزاج ؟ أو ليس الشعر والأدب يرقق المشاعر ويوسع الخيال ؟! فأى ما نع لديكم ؟! وتدرس الطب لتطبب النساء .. أى مانع لديكم ؟! وتتخرج مدرسة لتعليم البنات .. أى مانع لديكم ؟!
ولكن بقيت – مع كل ذلك – عقبة غيير ذلول ..
التعليم الجامعى معناه الاختلاط .. اختلاط الفتيات بالشبان فى الجامعة .. ودون ذلك يحول الدين والأخلاق والتقاليد .. (ولم يفكر أحد – من طرفى الجاهلية : المؤيدين والمعارضين – فى عمل جامعات نسوية خاصة بالفتيات !) .
وكانت تلك العقبة هى البندقة الصعبة الكسر كما يقولون فى أمثالهم .. فقد تشبث المعارضون بالتعلق بالدين والأخلاق والتقاليد فى وجه قضية الاختلاط ، واحتال المدافعون لتزيين الاختلاط فى بادئ الأمر ، ثم لجأوا فى النهاية إلى الكف عن وجوههم جهرة ، ومهاجمة الدين والأخلاق والتقاليد مهاجمة صريحة حين أصبح ذلك – بالدق المستمر – أمرا فى حيز الإمكان .
قالوا : لا تخافوا ! لن يحدث شئ على الإطلاق !
إنها لا تختلط به فى رقص ولا لهو ! إنها تختلط به اختلاطا " برئا " فى جو علمى خالص ، تنحت إشراف الأستاذ وسمعه وبصره .. الأستاذ هو الوالد والمربى والموجه لكلا السباب والفتاة فى قاعة الدرس ، وتحت إشرافه التربوى التوجيههى يجلس الفتى والفتاة ساعة من الوقت يتلقون العلم ويتناقشون فى قضايا علمية وإنسانية واجتماعية وفكرية .. فأى جو أطهر نم هذا الجو ,اقدر على رفع المشاعر وتهذيب الأخلاق ؟! من ذا الذى يخطر له – فى هذا الجو -أن يسئ الدب أو يسئ إلى الأخلاق أو تخطر فى باله خاطرة من خواطر الفساد ؟!
بل إن الاختلاط ذاته أداة للتهذيب !
ألا ترون إلى الشبان فى مجتمعاتهم كيف تجرى بينهم ألفاظ الخشنة والألفاظ الخارجة .. أيجرؤ أحدهم – فى حضرة الفتيات – أن يلفظ بلفظ خارج ؟
بل إن الاختلاط أداة لنفى خواطر الجنس !
ألا ترون أن صورة المرأة فى حس الرجل – لأنها بعيدة عنه – هى صورة الجنس ؟ وأن صورة الرجل فى حس المرأة – لأنها بعيدة عنه – هى صورة الجنس ظ .. فإذا التقيا فى هذا الجو الطاهر البرئ .. جو العلم والقضايا الفكرية والإنسانية والاجتماعية ، كف الرجل عن النظر إلى المرأة على أنها " أنثى " وفكر فيها على أنها " امرأة " .. أنها إنسانة .. أنها شريكة فى أمور الحياة .. وكفت المرأة كذلك عن التفكير فى الرجل على أساس الجنس والعلاقات الجنسية ، ورأت فيه الزميل والشريك والإنسان ..
أى تهذيب للجنس أشد من ذلك التهذيب ؟!
وابتلع " الأمميون " الكأس المسمومة .. وشربوها حتى الثمالة !
ولا شك أن الأمميين ما كانوا ليدركوا أبعاد اللعبة بكاملها .. وإلا فإن البقية الباقية من الدين والأخلاق التقاليد كانت قمينة أن تردهم عن الخوض فى المستنقع الآسن لو رأوه على حقيقته منذ أول خطوة ، مع كل المعركة القائمة ضد الكنيسة ، ومع كل الوهن الذى أصاب الدين فى نفوسهم ، فإن الفكرة ذاتها لتنفر من المستنقع الآسن حين تكون فيها بقية من باقيا السلامة أيا كان مقدارها .. ولكنها لا تعود تنفر منه ، بل تستعذب البقاء فيه إذا غرقت فيه بالفعل وفقدت كل سلامتها ولم يبق لها منها شئ ، وتصبح كدودة الأرض التى تعيش فى الطين العفن ، إذا أمسكت بها لتخرجها أفلتت منك وزادت لصوقا الطين !
وكلك سار الشياطين بالأمميين ، يجرونهم خطوة خطوة حتى أغرقوهم فى المستنقع الآسن وجلعوهم يستعذبون البقاء فيه !
احتدمت المعركة كثيرا بالنسبة لدخول الفتيات فى الجامعة .. ولكن النهاية كانت كما كان متوقعا منس ير الأحداث .
دخلت فتيات قليلات فى مبدأ الأمر إلى الجامعات معظمهن فى كليات الآداب .. وكن بلا شك هن أجرأ الفتيات فى ذلك الحين .
وسارت الأمور سيرا " طبيعيا " فترة من الوقت ، فما كان من الممكن تحطيم التقاليد دفعة واحدة ، وما كان المخططون أنفسهم يرغبون فى العجلة – مع لهفتهم الأكيدة فى الوصول إلى النتيجة – فقد كانوا يعلمون أن العجلة تفسد اللعبة بأكملها ، وتثير التوجس ، وتصدق ظنون المتشككين ، وتؤيد دعاوى " المتزمتين " الذين قالوا من أول لحظة إن دخول الفتاة الجامعة نذير شر عظيم يحل بالمجتمع .
وكل للفتيات حجرة خاصة من أجل راحتهن وزينتهن وخلوتهن .. وكن يهرعن إليها فيما بين المحاضرات لكى لا ينفردون بالطلاب فى غيبة الأستاذ ، الذى يتم فى حضوره " الاختلاط البرئ " .
ولكن الأمور لم تظل على هذه الصورة ، وليس من شأنها أن تظل .. وكان المخططون يعلمون أنها لن تظل !
رويدا رويدا بدأت " أجرأ " الفتيات تتلكأ فلا تذهب إلى حجرتها فيما بين المحاضرات .. وبدأ أجرأ الفتيان يلقى إليها بتحية .. ثم حديث .. وجاءت ثانية وثالثة .. وصار من المعتاد أن يبقى الفتيات فى الحجرة لا يغادرنها بين الدرس والدرس .. وصار من المعتاد أن تجرى التحية ويجرى الحديث ..
وكان حديثا " بريئا " دون شك ! فمنذا الذى يملك أن يتحدث فى ذلك الحين حديثا غير برئ ؟ وأى فتاة مهما يكن من " جرأتها " تستطيع – فى ذلك الوقت – أن تتلقى حديثا غير برئ وتتقبله أمام الآخرين ؟!
بقية من الحياء ، إن لم يكن هناك دين ولا أخلاق ولا تقاليد !
وهذه البقية من الحياء هى التى عمل الشياطين على قتلها والقضاء عليها ، فما تصلح الخطة كلها إن بقى عند الفتاة شئ من هذا الحياء الفطرى الذى خلقه الله فى الفطرة السليمة سياجا يحمى الفتاة من السقوط والتبذل ، وميز به أنثى الإنسان عن إناث الحيوان " " ، كما جعل لعفة علامة حسية فى جسدها ميزها بها عن إناث الحيوان ، فجعل أخلاق الجنس جزءا لا من التكوين النفسى وحده ، ولكن من التكوين البيولوجى والفسيولوجى كذلك لأنثى الإنسان .
ولكن الجاهلية المعاصرة التى يقودها اليهود ويقودون الناس إليها تأبى هذا التميز الفطرى عن الحيوان ، وساء فى قضية العفة أو فى قضية الحياء .. لأن شعب الله المختار لا يريد أن يبقى على شئ من آدمية الآدميين ، لأنهم حينئذ سيرفضون أن يركبهم الشعب المختار ويسخرهم لمصالحه .. سيرفضون أن يكونوا الحمير التى تركبها الشياطين .
لذلك جردوا حملاتهم على الفتاة لتتلخص مما بقى من حيائها ، وتصبح قليلة الحياء !
قالوا عن الفتاة التى ما تزال تحفظ فى سلوكها إنها حبيسة التقاليد ! حبيسة القيود الطويلة التى غللتها خلال القرون ! إنها ما تزال غير واثقة فى نفسها ، من تأثير السلطان الطويل الذى مارسه الرجل عليها واذل به كرامتها ! إنها خائفة .. لأنها متأثرة بتقاليد المجتمع الزراعى المتأخر ! إنها لا تريد أن تعيش عصرها ، الذى حررها من القيود وجعلها مساوية للرجل .. إنها .. إنها .. أنها .. !
وفى الوقت ذاته جردوا حملات التشجيع لكل فتاة خلعت حياءها وأصبحت قليلة الحياء .. فالمجلات تنشر الصور ، وتشيد " بالتحرر " وتكتب التعليقات التى تجعل كل فتاة تتمنى أن لو استطاعت من لحظتها أن تتجرد من حيائها كله لتصبح شهيرة ومعروفة وموضع حديث بين الناس .. والشهرة شهوة لا ينجو من جذبها أحد من البشر – رجالا أو نساء – إلا من رحم ربك ، وبصفة خاصة شهوة نشر الصورة بوسيلة من وسائل الإعلام .. فكيف إذا كانت الفتاة جميلة ؟ والشياطين يبدأون دائما بالجميلات !
ومع ذلك فقد استغرق الشياطين قرابة نصف قرن حتى أذابوا أو أزالوا البقية الباقية من الحياء ، كما أزالوا البقية الباقية من الدين والأخلاق والتقاليد .
امتد الاختلاط البرئ كما كان متوقعا من حجرة الدرس إلى فناء الجامعة .. على استحياء أول الأمر .. لا تنفرد فيه فتاة وحدها مع فتى بمفرده ، حتى لا تضيع سمعتها بين الفتيات أنفسهن قبل الشبان .. ثم تقدمت " أجرأ " الفتيات ، أى أقلهن حياء فقبلت دعوة أجرأ الشبان إلى الوقوف أو المسير معها لحظة منفردين فى الفناء ولكن فى غير عزلة عن الجموع ، وفى أدب ظاهر للجميع .
وما هى إلا أن يتعود الطلاب المنظر – والنفس تتبلد على المنظر المكرور حتى تفقد حساسيتها له ، ما لم تكن تصدر عن عقيدة حية وإيمان حى بقيم ومثل مضادة – ما هى إلا أن يتعود الطلاب حتى يتكرر المنظر بين أزواج متعددين من أجرأ الفتيات وأجرأ الفتيان ، حتى يصبح الأمر عاديا وميسرا لا يحتاج إلى " جرأة " فيقتحمه كل فتى وتقتحمه كل فتاة !
وحين يصبح الجميع كذلك أو الأغلبية فلابد – فى طبائع الأشياء – أن يخطو الأمر خطوة جديدة إلى " الأمام" !
إنه – لهذا – جعل الله معيار الخيرية فى أية أمة هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومثار اللعنة على أية أمة ألا يتناهى فيها عن المنكر ولا يؤمر بالمعروف .
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل 3/110] {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [سورة المائدة 5/78-79]
لأن المنكر إذا نهى عنه تو حدوثه يتوقف فلا يمتد ولا يتوسع .. أما إذا سكت عنه فإنه يزداد ، ويظل فى ازدياد حتى يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا ، وعندئذ تفسد الحياة ، وتحل اللعنة التى كتبها الله ..
ولقد أصبح من الأمور المعتادة أن ينتحى فتى وفتاة جانبا من الفناء ليتناجيا لا ليتحدثا حديثا عاما بصوت مسموع ! وتبدأ – بطبيعة الحال – قلوب تكون أميل إلى قلوب .. ويكون حديث النجوى هو حديث هذه العواطف التى تتجاوب بها القلوب !
والعواطف – حتى الآن – " بريئة " !
لا لأنها فى طبيعتها بريئة .. ولكن لأنها – حتى الآن – محصورة فى داخل الجامعة لا تستطيع أن تخرج إلى الطريق .. لأن المجتمع لم يتعود بعد أن يرى الاختلاط فى قارعة الطريق ..
لقد كانت هناك طبقة فاسدة – دائما – فى المجتمع هى طبقة " الأرستقراطيين " أصحاب القصور ، وهذه يعرف عنها الاختلاط " غير البرئ " وتنشر فضائحها على المجتمع وتتناقلها أفواه الناس .. وال تبالى ! لأنها – دائما – بتأثير الترف الفاجر الذى تغرق فيه ضعيفة الإحساس بالقيم فى المبادئ ، والقيم الخلقية بصفة خاصة .. وانظر إلى امرأة العزيز فى مجتمع مقرف فى التاريخ .. انظر إليها كيف تصارح نساء طبقتها بالفاحشة ولا تبالى أن يتحدث المجتمع عن " فضيحتها " ..إنما تغضب غضبا " طبقيا " فقط ، لأن ألسنة النسوة تستنكر منها أن تتجه بنزوتها إلى عبد مملوك لها ، وإن كن لا يستنكرن النزوة فى ذاتها ، ولا يعترض عليها لو كانت مع رجل أو شاب من " طبقتها " " " ! {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} [سورة يوسف 12/30-32]
ولقد كانت هذ الطبقة فى أوروبا تحت تسلط اليهود من قديم كما مر بنا من قبل ، ييسرون لها البغاء المترف فى المدينة ، ويوقعونها فى الدين والربا ذى الأضعاف المضاعفة ، ويسلبون ثرواتهم عن هذا الطريق.
ثم سنحت لهم الفرصة لإفساد طبقة أخرى من طبقات المجتمع حين تحرر عبيد الإقطاع وجاءوا إلى المدينة شبابا فارها بلا أسر ، فيسرت لهم البغاء الشعبى ووضعت " الدولة " حارسة أمينة عليه ! وزادت الفرصة سنوحا لإفساد هذه الطبقة – طبقة العمال – حين بدأت المرأة التى هجرها عائلها فى الريف تفد للعمل فى المصانع وتفرط فى عرضها لقاء لقمة الخبز ، فار الفساد فى داخل الطبقة قريب المنال .
ولكن هذا وذاك لم يكن كافيا ، ولم يكن ليحقق مطامع اليهود فى المجتمع الجديد " المجتمع الصناعى المتطور ".
إن " الأرستقراطية " – سواء الأرستقراطية الإقطاعية البائدة أو الأرستقراطية الرأسمالية الناشئة – لا تستطيع – بفسادها – أن تفسد المجتمع كله ، لأنها – دائما – معزولة فى قصورها وحفلاتها الماجنة الخاصة ، تحتمى فى داخل تلك القصور من العيون المتطلعة ، وتمنع عدواها فى الوقت ذاته عن الناس ، لأن جرثومتها " طبقية ط لا تعمل إلا داخل القصور ، ولا تعدى إلا أصحاب القصور !
أما إفساد طبقة العمال – وإن كانوا عددا غير قليل ويتزايد على الدوام – فلم يكن يومئذ ليفسد المجتمع الجديد ، لأنهم – بعد – طبقة محتقرة مزدراة ، تنظر إليها كلتا الطبقتين العلويتين : الطبقة الوسطى والطبقة الأرستقراطية نظرة ازدراء وتعال فلا تنتقل منها العدوى إلى غيرها مهما بلغت هى فى ذاتها من التبذل والفساد ..
ولقد كان المطلوب بالذات هو إفساد الطبقة الجديدة الناشئة فى المجتمع الرأسمالى ، التى تسير الأمور – ظاهريا – على الأقل – فى ذلك المجتمع الجديد ، وهى الطبقة المتوسطة .
لقد كانت الديمقراطية الناشئة فى المجتمع الرأسمالى الناشئ تنمو تدريجيا ، وكانت فى أثناء نموها تبرز بصورة متزايدة هذه الطبقة الجديدة : الطبقة المتوسطة ،التى لم يكن لها وجود فى المجتمع الإقطاعى ، أو كان وجودها ضعيفا لا يؤبه به .
وفى ظل الديمقراطية كانت هذه الطبقة الجديدة تناضل لكى تصبح هى الطبقة الحاكمة ، وتنزع السلطان من الذين استقلوا به من قبل وطغوا به على " الشعب " وهم الأغنياء أصحاب الأموال " " .
كانت المجالس النيابية تتجه رويدا رويدا أن تكون غالبيتها من هذه الطبقة ، وكان منها معظم موظفى الدولة فى صورتها الجديدة ، من الموظف الناشئ إلى وكلاء الوزارات والوزراء ، وكان منها بصفة عامة الطبقة المثقفة التى توجه أفكار المجتمع وتحدد له اهتماماته واتجاهاته الفكرية والسياسية والخلقية والفنية .. الخ " " ، وكان منها بصفة خاصة مدرسو المدارس وأساتذة الجامعات ، أى جهاز التربية والتشكيل للمجتمع الجديد ..
باختصار كانت هى الأداة الجديدة للحكم فى ظل الديمقراطية الرأسمالية ، أيا كان المستفيد الحقيقى من هذه الأداة .
لذلك كان لابد فى تخطيط المخططين من إفساد هذه الطبقة بالذات ن فإن فساد الطبقة الأرستقراطية وطبقة العمال – مع فائدته التى لا شك فيها بالنسبة لليهود – لم يكن ليؤدى الدور المطلوب فى إفساد المجتمع الجديد الذى يراد إفساده بأكمله ، إلا أن تفسد الطبقة المتوسطة التى تقوم بالدور الأكبر والأخطر فى رسم الصورة الظاهرة لهذا المجتمع ، والتى فى يدها – فى ظاهر الأمر على الأقل – مقاليد السلطان .
والجامعة هى المكان الرئيسى لتخريج الكثير من أفراد هذه الطبقة ، أو البارزين منهم على أقل تقدير . لذلك كانا لتركيز على أن يبدأ الفساد من هناك .. ومن هناك ينتشر فى جميع الأرجاء .
كان الاختلاط " البرئ " ما يزال يجرى داخل أسوار الجامعة ، ولكنه كان يحمل فى أطوائه الجرثومة التى تقضى فى النهاية على براءته ، فقد بدأت " العلاقات الخاصة " تنمو بين أزواج من الفتيان والفتيات كما لابد أن يكون ..وبدأت هذه العلاقة الخاصة تضيق بالانحصار داخل الأسوار ، التى تفرض البراءة المصطنعة على وضع هو بطبيعته غير برئ .
وكان لابد أن " يتفجر " الوضع ويخرج إلى الطريق ..
وأخذ المجتمع يتعود أن يرى أزواجا من البنين والبنات يخرجون من بناء الجامعة مصطحبين ، فى أدب ظاهر أول الأمر ، ثم يخف الأدب ويقل الحياء بالتدريج .. وأيا كان رأى ذلك المجتمع فى هذه البدعة الجدية فإنه سرعان ما تبلد حسه عليها فلم تعد تثير انتباهه ، إلا أن يرى حركة مستهجنة (أى كانت فى ذلك الوقت مستهجنة) كضحكة أو لفتة أو نظرة أو لمسة مما كان – يومئذ – أمرا غير لائق فى الطريق ! ولكنه عاد فتبلد حسه حتى على الحركات التى كان يستهجنها منق بل ، وعزاها – ببساطة – إلى أن هذا الجيل الجديد جيل فاسد لا يرجى منه خير ، وألقى القضية من حسه ، وتركها لتصبح أمرا واقعا فى المجتمع " الجديد " !
وملأت " الصدقات " المجتمع .. الصداقات بين الفتيان والفتيات صداقات بريئة – هل فى ذلك شك ؟!
زميل وزميلة .. أحس كل منهما بالميل إلى الآخر والراحة إليه ..
ويلكم أيها المتزمتون ! أليس لكم هم إلا الاعتراض على الأمور التى لا تستوجب الاعتراض ؟! ألا تريدون أن يبنى البيت السعيد على المودة والحب ؟ هذا فتى وفتاة سيجمع بينهما الزواج السعيد عما قريب ! أليس من الأفضل أن يتعارفا لتدوم المودة ؟ أم تريدون أن يؤتى له بفتاة لم يرها قط إلا ليلة الزفاف ، رأتها أمه أو أخته ، فأعجبتها ، أما هو فلا يعرف شيئا عن شكلها ولا طبعها ولا ثقافتها ولا نظرتها للأمور ؟!
وهى ؟ أليس من حقها أن تعرف شريك حياتها وتشارك فى اختياره ؟ أليس من الظلم أن تباع بيعا إلى رجل لا تعرفه قبل اللحظة ، لأنه أعجب أباها أة أخاها ، أو كان صاحب مال وجاه ، وقد يكون فظا قاسيا لا قلب له ؟ أليس من الأفضل أن تتعرف إليه عن طريق الصداقة ..الصداقة البريئة .. التى تكشف عن الطبائع وتؤلف الطباع ؟!
ثم بدأت " البراءة " تذهب رويدا رويدا عن الاختلاط .
بدأت تقع حوادث مشينة .. أى كان ينظر إليها فى ذلك الحين على أنها مشينة !
وانبرى المدافعون يدافعون عن الاختلاط . إنه ليس هو السبب فيما حدث ! إنما هى التجربة الجديدة لابد أن يكون لها ضحايا ! إنها تجربة " التحرر " ..تحرر الفتى والفتاة كليهما من القيود العتيقة والتقاليد البالية .. والفتاة بصفة أخص ، فقد كانت هى التى يقع عليها عبء هذه التقاليد البالية .. فإذا وقعت هنا أو هناك حادثة مشينة فذلك رد الفعل للكبت الطويل الذى كان الشباب يعيش فيه ، وللقيود الظالمة التى كانت تعيش فيها الفتاة بصفة خاصة ، فلا ترفعوا عقيرتكم أيها المتزمتون تستغلون هذه الحوادث الفردية وتضخمونها فوق حقيقتها ! إنها نزوات طارئة ، وسرعان ما تهدأ الأمور وتستقيم حين يصبح الاختلاط شيئا عاديا فى المجتمع ، وتزول آثار الكبت الماضية ، وآثار التقاليد البالية التى سجنت الفتاة طويلا داخل الجدران ، وجعلت التجربة الجديدة – تجربة التحرر – تبهرها فتزل من أجل ذلك بعض الأقدام ! لابد أن نرعى التجربة الجديدة ، ونوجهها بالحسنى إلى الطريق القويم ، بدلا من هذا الصياح الفارغ الذى يتصايح به المتزمتون !
ويمضى الزمن فى طريقه فتتكاثر الحوادث المشينة ، ويخفت صوت المدافعين عن الاختلاط البرئ ، فقد فقد براءته ولم يعد من المقبول ادعاؤها ولا من الممكن تصديقها !
ولكن .. فلتذهب تلك البراءة إلى غير رجعة ! هل كنا نريدها حقيقة أو ندافع عنها مخلصين ! إنما كانت هى الطعم المزيف الذى وضعناه ليأتى الصيد .. وقد جاء .. فما حاجتنا بعد للتزييف " " ؟!
ولكن " تطورات" كثيرة كانت تحدث فى تلك الأثناء .. كانت ألسنة اللهب تمد مدا لتحرق أشياء جديدة فى مجالات جديدة ..
طالبت المرأة – أو طولب لها – بحق العمل بعد حق التعليم .
وله كان فى ذلك شك لمن يرقب سير الأمور ؟
هذه هى الفتاة قد تعلمت على خط الرجل تماما من الألف إلى الياء .. من التعليم الابتدائى حتى الجامعة .. و" أثبتت جدارتها " فى كل مرحلة من هذه المراحل ، بل تفوقت على الرجل فى كثير من الأحيان .. فلماذا لا تعمل كما يعمل ؟! ما الذى يمنع ؟!
الدين ؟ الأخلاق ؟ التقاليد ؟!
لقد رفع " الرج " هذه الشعارات كلها فى وجه المرأة ليصدها عن السير فى هذا الطريق ..
وقال المدافعون كما قالوا كل مرة : إن الرجل يخشى على مكانته التقليدية وتميزه التقليدى ، ويخشى منافسة المرأة له فى ميدانه الوحيد المتبقى له بعد أن تخلى عن تفرده فى جميع الميادين بفعل الكفاح " المر " الذى خاضته المرأة لنيل حقوقها .. وسيتخلى عن هذا الميدان كذلك رضى أم أبى .. لأن خطى " التطور الحتمى " ستجبره فى النهاية على التسليم .
ولكن الرجل لم يتنازل عن تفرده فى هذا المجال بسهولة ، وظل يرفع تلك الشعارات يحاول بها أن يصد المرأة عن اللحاق به فى هذا الميدان ..
هل كان يؤمن حقيقة بالدين والأخلاق والتقاليد ؟
كلا ! إنما هو مجرد سلاح يستخدمه فى المعركة حين يظن أنه سلاح مفيد !
ولكن الشياطين دخلوا مرة أخرى يستغلون الفرصة السانحة أقصى ما يستطيعون من استغلال .
دخلوا ليثيروا فى قلب المرأة حقدا جارفا على الدين والأخلاق والتقاليد .. على أساسا أن كل ما تطالب به المرأة هو حقوقها المشروعة ، وأن الذى يقف فى سبيل نيلها لهذه الحقوق هو هؤلاء الأعداء الثلاثة : الدين والأخلاق والتقاليد .. فلتذهب جميعها إذن إلى غير رجعة ، لتنال المرأة حقوقها وتستريح.
واكن هذا لأمر يراد ..
كان يراد إحراج صدرها ضد الدين والأخلاق والتقاليد لتنسلخ هى منها أولا ، ثم لا تربى أبناءها عليها فيما بعد ، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لإفساد المجتمع فسادا لا رجعة فيه !
لقد جرب المخططون من قبل محاولة إفساد المجتمع عن طريق إفساد الرجل وحده فلم تنجح التجربة بالصورة المطلوبة .. إن الشاب مهما فسد فى فترة شبابه فإنه يعود إلى ما لقنته له أمه فى طفولته من مبادئ الدين والأخلاق والتقاليد ، حتى إذا أخذ يؤسس أسرة أسسها على تلك القيم التى تلقاها من قبل ، ولم تفلح الفترة التى انفلت فيها فى شبابه فى تحويله إلى المسار الجديد ..
وعندئذ أدركوا أنه لابد من إفساد الأم ذاتها لكى لا تلقن أطفالها تلك " المبادئ " التى تعرقل خطوات الشياطين .. وساروا بها تلك المسيرة الطويلة فى طريق الفساد ، ولكن الحواجز – أو بقايا الحواجز – ما تزال تمنعها أو تبطئ خطواتها على الطريق .. فلتكن المعركة إذن حامية بين المرأة وبين الدين والأخلاق والتقاليد ، لكى تحطمها بنفسها ، ولكى تكون فى مناعة كاملة منها حين تصبح أما ذات أطفال .. فلا تبذر فى نفوسهم تلك البذور السامة التى يكرهها شعب الله المختار ن أشد ما يكره من شئ على الإطلاق !
لقد كانت مسألة إقحام المرأة فى ميدان العمل جزءا رئيسيا من الخطة الشريرة .
فإخراجها من البيت لتتعلم ، وإشاعة الاختلاط والصداقات بين فتيان الجامعة وفتياتها ، وتعويد المجتمع على قدر من الفساد الخلقى ، وتحطيم التقاليد التى كانت تمنع ذلك كله .. كل ذلك مفيد ولا شك ، ولكنه ليس كفاية !
ما زالت المرأة – بقدر ما – خاضعة للرجل فى الأسرة والمجتمع ، وما زال هذا القدر من الخضوع – على ضآلته بالنسبة لما كان من قبل – عائقا يعوق المرأة عن مزيد من الفساد ن لأن الرجل – بأنانيته كما يقولون ، أو بشئ من التعقل والتفكير وعدم الاندفاع – يعارض فى توسيع مجالات المرأة ، ويريد أن يربطها بوظيفتها وببيتها وأولادها ، ولك كله يعوق خطوات الشياطين .
لذلك كان لابد من إخراج المرأة نهائيا من سيطرة الرجل ، ليتم للمخططين كل ما يريدون .
وهل من وسيلة لكسر هذه السيطرة أفعل من أن تعمل المرأة و" تستقل " اقتصاديا عن الرجل ؟
لقد عملت المرأة من قبل فى المصانع ، ولكن الطبقة العاملة كما قلنا لم يكن لها وزن فى توجيه المجتمع .. والفساد الخلقى فى هذه الطبقة – رغم فائدته الجزئية للمخططين – لا يكفى وحده ولا يؤتى الثمرة المطلوبة ، إنما لابد كما أسلفنا من إفساد الطبقة الوسطى ، أداة التوجيه الجديدة فى المجتمع الجديد .
ولم يقل المخططون للأمميين بطبيعة الحال إنهم يريدون أن يثيروا الخبال فى صفوفهم – بتشغيل المرأة المتعلمة وإبعادها عن بيتها وعن وظيفتها – وما كان من الممكن أن يكشفوا لهم عن لبتهم ليوقظوهم من غفلتهم ، إنما قالوا لهم إنه " التطور " ! وإنه تطور " حتمى " ! وإنه لابد أن يأخذ سبيله رضيه الناس أم أبوه ! أما المرأة فقد قالوا لها إن هذا حقها " الطبيعى " وإنها ينبغى أن تتشبث به ولا تتنازل عنه ولا تتخاذل فى الكفاح من أجله .
وأغريت المرأة بكل وسائل الإغراء لكى تهجر بيتها وتخرج إلى " المجتمع " !
قيل لها إن حبسها على وظيفة الزوجية والأمومة ورعاية النشء هو امتهان لها وإهدار لكرامتها وتعطيل لطاقتها ، وهو فى الوقت نفسه تعطيل للمجتمع عن التقدم ، فما يستطيع المجتمع أن يتقدم ونصفه حبيس وراء الجدران !
وقيل لها إن الرجل هو الذى حبسها على هذه الوظائف أنانية منه ، لتقوم على خدمته ، ولينفرد هو بأمور "المجتمع " ! وإنها منذ هذه اللحظة ينبغى أن تثور على هذا الوضع المهين ، وتقف الرجل عند حده ، وتفرض عليه احترامها ، وتفرض عليه المشاركة فى أمور المجتمع .ز وإن الوسيلة لهذا كله هو أن تعمل ، فإنها حين تعمل تصبح مثله تماما فى كل شئ ، فيتنازل عن أنانيته وغطرسته ويحترمها !
ولما قيل إن الدين – لا الرجل – هو الذى خصص للمرأة هذه الوظائف ثارت ثائرتها على الدين ، وتمنت فى قرارة نفسها أن يزول سلطانه على النفوس ، لتتحر هى وتأخذ مكانتها التى تصبو إليها ..و بذلك جندها الشياطين لمحاربة الدين ، تحاربه لحسابها الخاص ، فتحاربه بحماسة ، وتحاربه بإخلاص ! يتحقق للشياطين ما يريدون من إبعاد " الأم " عن الدين ، لضمان تنشئة الأجيال المقبلة بعيدا عن حماه ..
وفعلت اللعبة الخبيثة فعلها ، وسرت كالسم فى دماء الأمميين .
استقلت المرأة اقتصاديا وتمردت على قوامة الرجل ، كما تمردت على الدين والأخلاق والتقاليد .. وانفلتت – كما أريد لها – بلا ضوابط ولا قيود .
وسارع الشياطين إلى انتهاز الفرصة المتاحة من كل جوانبها .
فالآن فلتنشط بيوت الأزياء وبيوت الزينة ، بعد أن انحلت العقدة الكبرى التى كانت تبطئ خطى الفساد " "
ولقد كانت الملابس من قبل طويلة وساترة إلى حد ما – برغم ما فيها من زينة – لا تبرز " مفاتن " المرأة بشكل مفضوح . فالآن وقد سنحت الفرصة فلتنشط بيوت الأزياء فى إخراج " المودات " اتى تكشف رويدا رويدا عن هذه " المفاتن " ، ولتنشط معها الصحافة لنشر الأمر على أوسع نطاق .
فلتكن هناك مجلات خاصة بالمرأة ، وركن خاص بالمرأة فى الصحف والمجلات غير المتخصصة ،وليكن حديثها عن " المودة " مغريا إلى الحد الذى لا تفلح الضوابط فى مقاومة إغرائه ، خاصة وقد انحلت عقدة الحياء .
ولا شك أن الأحاديث الأولى كانت مهذبة جدا ومتحفظة جدا حتى لا تثير ثائرة المتزمتين من الرجال .. ماذا لو قلنا مثلا : كيف تحافظين على محبة زوجك ؟ كيف تبدين أنيقة فى نظر زوجك ؟ وأرفقنا بالرسوم التى تبعث على الفتنة مجموعة من النصائح للمرأة المتزوجة لكى تحافظ على أناقتها ورشاقتها حتى تحتفظ بحب زوجها ولا تجعله يشرد عنها ؟ وهل يكره الرجل أن تتجمل زوجته من أجله ؟!
ثم .. فلنحذ لفظ الزوج .. فهو لفظ ثقيل استخدمناه لتغطية فقط فى مبدإ الأمر .. وما نريد أن يكون ل نصيب أصلا فى هذا المجال .. ثم إنه لم يعد اليوم هو المسيطر .. لقد استقلت المرأة اقتصاديا .. وتستطيع – من سكبها الخاص – أن تنفق ما تنفق على اللباس والزينة ، ولا أحد يحرج عليها ، ولا أحد يتحكم – بماله – فى تصرفاتها !
فلنقل فقط : كيف تحافظين على أناقتك .. كيف تبدين جميلة ..ز ولينظر إليها من ينظر ! زوجها أو غير زوجها ! إنها سائرة بأناقتها ورشاقتها فى الطريق ، ومن شاء فلينظر ومن شاء فليعرض .. إننا نحث فقط على الأناقة والجمال !
ثم فلنكن أكثر صراحة ..
فلنقل : كيف تجذبين نظر " الرجل " ى رجل ! نعم ! وماذا فيها ؟
ألا ينبغى أن " ينجذب " نظر الرجل ليختار من بين العابرات الرشيقات المتأنقات واحدة ربما تكون شريكة حياته ؟!
ثم .. فلنكن أكثر صراحة .. فنحن الآن فى وضع يمكننا من أن نقول كل ما نريد .. وبغير ستار ..
فلنقل : صراحة – هاذ فستان يكشف جمال الساق .. وهذا فستان يكف مفاتن الصدر " " وليمت بغيظه كمدا من أراد أن يموت من الرجعيين المتزمتين الذين يريدون أن يرجعوا عقارب الساعة إلى الوراء !
وخرجت المرأة فتنة هائجة فى الطريق ! كأن مهمتها الأولى هى أن تبرز مفاتنها لكل عين منهومة فى الطريق!
واتسع نطاق " الصداقات " فى المجتمع ، فلم يعد مقصورا على طلاب الجامعة وطالباتها كما كان فى أول الأمر ، فإنما كانت هذه مجرد خطوة على الطريق .. أما اليوم وقد استقلت المرأة اقتصاديا فأى حاجز بقى ؟!
قيل فى البدء إن الصداقة هى مقدمة الزواج .. وإنها ينبغى أن تباح – بصرف النظر عن براءتها أو عدم براءتها – لضمان قيام الزوجية على أسس ركينة فلا تتزعزع فيما بعد !
ثم انجلت الحقيقة عن أنه لا زواج ! فلا الزواج فى نية الفتى العابث ولا فى نية الفتاة !
الصداقة من أجل الصداقة لا من أجل الزواج .. من أجل المتعة .. من أجل قضاء " وقت يطب " فى هذه الحياة !
إن المخططين لا يريدون أن يكون الزواج هو الذى يحكم علاقة الرجل والمرأة ، أو – على الأقل – لا يريدون أن يكون الزواج هو الصورة الوحيدة لهذه العلاقة إن لم يستطيعوا – الآن – ان يقضوا قضاء مبرما على الزواج .
ألم تسمع إلى قول دوركايم : كان المظنون أن الدين والزواج والأسرة هى أشياء من الفطرة .. ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النزعات ليست فطرية فى الإنسان ! لقد كان " العالم الكبير " يقوم بدوره – على طريقته – فى تحطيم الزواج والأسرة ، والآن تقوم العصابة الأخرى – على طريقتها – بذات الدور.
ينبغى أن تحل " الصداقة " محل الزواج ، وليتم فيها كل ما يتم فى الزواج ولكن دون رباط مقدس ولا أسرة ولا أولاد !
تحتجون أيها المتزمتون ؟!
أما قرأتم فرويد ؟ أما قرأتم ما قاله عن الكبت ؟
أتريدون أن تتلفوا أعصاب الشباب وتصيبوه بالعقد النفسية والاضطرابات العصبية ؟
أو .. قولوا لنا ماذا يفعل الشباب بطاقته الجنسية الفوارة ؟
يتزوج ؟ قولوا لنا كيف يتزوج ؟ تعالوا معنا نناقش الواقع ؟ كم سنة يقضى الشاب فى التعليم حتى يتخرج من الجامعة ؟ وحين يتخرج كم يكون راتبه ؟
أيكفى هذا الراتب الهزيل لتكوين أسرة والإنفاق عليها ؟ إن أمامه على الأقل عشر سنوات حتى يصبح راتبه كافيا – مع ارتفاع تكاليف المعيشة – للزواج وتكوين الأسرة .. فماذا يفعل فى تلك الأثناء ؟ تريدون أن تحرقوا أعصابه أيها الرجعيون باسم الدين والأخلاق والتقاليد ؟!".
يراجع أيضاً مقال الدكتور محمد محمد حسين : " المجتمع المختلط" .
حكم اختلاط الرجال بالنساء / تفصيل مهم للشيخ فركوس - حفظه الله تعالى - صوتـــــياً
السؤال:
مما لا يخفى أنّ ما ابتليت به الأمة الإسلامية في الوقت الراهن اختلاط النساء بالرجال في جل الأماكن العمومية وبخاصة في أماكن العمل والدراسة، فهل يترك الرجل العمل والدراسة بسبب الاختلاط؟ وهل يلحقه إثم في ذلك؟ وهل ثمّة مستثنيات تدعو فيها الحاجة إلى الاختلاط؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فحالات اختلاط النساء بالرجال على ثلاث:
• الحالة الأولى: الاختلاط بين المحارم: وهو مأذون به شرعا، ولا خلاف في حليته، وكذلك الاختلاط بالمعقود عليهن عقد زواج فإنّ هذه الحالة مجمع عليها للنصوص الواردة في تحريم المحارم وفي الرجال الذين يجوز للمرأة إبداء زينتها أمامهم منها: قوله تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيمًا﴾ [النساء: 23]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
• أمّا الاختلاط الآخر الذي هو محلُّ النظرِ، هو الاختلاط في أماكن الدراسة، والعمل، والاختلاط في الطرقات، والمستشفيات، والحافلات، وفي غيرها من المجالات.
فهل يجوز إذا أُمنت الفتنة أم لا يجوز مُطلقًا؛ سواء أمنت الفتنة أم لم تُؤمن؟ أم يجوز للرجل وتَأْثَمُ المرأة بالاختلاط به؟
وجدير بالتنبيه أنّ سبب الاختلاط هذا هو خروج المرأة عن أصلها؛ وهو قرارُها في البيت ولزومها فيه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33].
فألزمها الشرع البيتَ، ونهاها أن تخرج من البيت إلاَّ لضرورة أو حاجة شرعية، كما ثبت ذكره من حديث سودة بنت زمعة رضي الله عنها: «قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ»1، أي: المرأة تخرج لحاجتها، خاصّة إذا لم يكن عندها من ينفق عليها، أو تخرج لأمور حاجيات أو واجبات، كصلة الأرحام، وغيرها من الأمور التي تقترن بها الحاجة، وجواز خروج المرأة عن محلِّ بيتها استثناءً من أصل قرارها في البيت، أو مكوثها فيه بترخيص من الشارع.
في حين يخالف الرجل المرأة، في هذا الأصل إذ الخروج لأجل التكسّب والاسترزاق حتم لازم عليه، وهو المأمور بالنفقة على البيت لقوله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]، وقوله عزّ وجلّ: ﴿ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، فجعل الله تعالى المنفق الرجل سواء كان وليا أو زوجا حتى تمكث في البيت، ذلك المكان التي خصّت بمسئوليتها عليه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالمرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ»2. وهذه النصوص كلّها تدعيم وتأكيد للأصل السابق وهو قوله تعالى:﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، ولذلك لا يجوز للرجل أن يدخل على المرأة في أصلها المقرر بنص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ»3، والمرأة وإن كان يجوز لها الخروج من أصلها استثناء لكنّه مشروط بالضوابط الشرعية: بالتزام جلبابها، وعدم تعطرها، ومشيها على جوانب الطريق دون وسطه، من غير تمايل، أو التفات، أو حركات تشدّ أنظار الرجال، أو تثير انتباههم، وشهوتهم، اتقاء لحبائل الشيطان وتجنبا لشباكه. ذلك لأنّ الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر والنفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويُصِمُّ.
هذا، والفتنة الحاصلة بخروج المرأة عن أصلها من غير ما حاجة أو ضرورة دافعة إلى الخروج هي الآثمة -بلا شك- لأنّها سبب الفتنة وليس الرجلُ هو الآثمَ؛ وإن خرجت للحاجة فلا يلحقها إثم إن قطعت أسباب الفتنة بالتزامها للضوابط الشرعية علما بأنّ هذا الاختلاط ليس محرَّمًا لذاته، ولذلك انتظم ضمن القواعد الفقهية قاعدة: «مَا حُرِّمَ لِذَاتِهِ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمَا حُرِّمَ لِغَيْرِهِ يُبَاحُ عِنْدَ الحَاجَةِ»، فإن انتفت الحاجة فإنّه يمنع خروجها حَسْمًا للفساد وقطْعًا لمادّته، وقد جاءت نصوص السُّنَّة في تقرير هذا الأصل واضحة منها: كراهية خروج المرأة في اتبَّاع الجنائز ففي حديث أمِّ عطيَّة رضي الله عنها قالت: «كُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَم يُعْزَمْ عَلَيْنَا»4، ومن أسباب الوقاية من الاختلاط: النهي عنه في الصلاة عند إقامة الصفوف، قال صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»5، وكان يقال للنساء: «لاَ تَرْفَعْنَ رُؤوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا»6
وقد أخبر النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم عن خطر الاختلاط الآثم وما يؤدِّي إليه من انتشار الرذائل والفواحش بسبب فتنة المرأة، ونسب الضرر إلى خروجها في قوله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «مَا تَرَكْتُ فِتْنَةً أَضَرَّ بِهَا عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»7، والحديث الآخر: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»8، وفي الحديث أيضًا: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. قَالُوا: أَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: الحَمْوُ المَوْتُ». ويمكن الاستئناس بقول ابن عباس رضي الله عنهما مفسرًا لقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]: «إنَّ الرّجل يدخل على أهل بيت ومنهم المرأة الحسناء تمر به، إذا غفلوا لحظها فإذا فطنوا غضَّ بصره وإذا غفلوا لحظ، وإذا فطنوا غض وقد اطلع إليه من قلبه أنّه لو اطلع على فرجها أو أنّه لو قدر عليها فزنى بها»9،.وإذا كان الله تعالى وصف اختلاس النظر إلى ما لا يحلّ من النساء بأنّها خائنة، فكيف بالاختلاط الآثم المؤدِّي إلى الهلكة، وهذا إنّما في بيتها، ولا يخفى أنّ التدنيَ في الأخلاق والانحراف بها عن الجادة إلى مزالق الهوى والردى ممّا يضعف شوكة الأمّة ويذهب قوتها قال الشاعر:
هذا، والرّجل إذا ارتاد إلى أماكن العمل للاسترزاق فلا يطلب منه الرجوع إلى البيت ولو لم تَخْلُ أماكن العمل من فتنة النساء، وإنّما الرجل مُطالب بقطع أسباب الفتنة: من غض البصر وتحاشي الحديث معهنّ وغيرها، وأن يتّقي الله في تجنب النساء قدر المستطاع. وإنّما يطلب ذلك للمرأة التي خالفت أصلها فهي آثمة من جهة مخالفتها للنصوص الآمرة بالمكوث في البيت، ومن جهة تبرجها وسفورها وعريها، تلك هي الفتنة المضرة بالرجال والأمم والدين، وله انتياب أماكن العمل من غير إثم لأنّ النفقة تلزمه على أهله وعياله وتبقى ذمّته مشغولة بها، وتكسبه واجبا بخلاف المرأة فهي مكفية المؤونة.
هذا والجدير بالتنبيه أنّ المرأة إذا خرجت لحاجة شرعية كطلب العلم الشرعي الذي يتعذر عليها تحصيله إلا بالخروج إلى مظانه لتقي نفسها من النّار عملا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]، إذ الوقاية من النَّار إنّما تكون بالإيمان والعمل الصالح، ولا يمكن ذلك إلاّ بالعلم الشرعي الصحيح وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب، وإذا جاز للمرأة الخروج للتكسب عند فقدان المعيل والمنفق لإصلاح بدنها وبدن عيالها فإنّ خروجها لقوام دينها أولى ومع ذلك يشترط لها في الخروج أن يكون بالضوابط الشرعية الآمنة من الفتنة.
فالحاصل: أنّ الرجل له أن ينتاب أماكن العمل ويشتغل بالتوظيف للتكسب والاسترزاق لوجوب قوام بدنه ولزوم النفقة عليه وعلى عياله، واختلاط المرأة به في محل عمله لا يكون سببا في تركه للعمل ولا إثم عليه –إن شاء الله- إذا ما احتاط لنفسه، وإنّما الإثم على من خالف أصله في القرار في البيت وخرج إلى أبواب الفتنة من غير مسوغ وبدون ضوابط شرعية لعدم لزوم النفقة عليها، لكنّ الرجل إن خشي الوقوع في محرم لضعف نفسه أمام فتنة النساء فالواجب عليه أن يغيّر محل عمله إلى محل تنتفي فيه الفتنة أو تقل عملا بقاعدة: «دَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ»، أمّا الاختلاط الذي تدعو الضرورة إليه وتشتد الحاجة إليه وتخرج فيه المرأة بالضوابط الشرعية كما هو حاصل في أماكن العبادة ومواضع الصلاة ونحوها مثل ما هو واقع ومشاهد في مناسك الحجّ والعمرة في الحرمين فلا يدخل في النّهي لأنّ الضرورة والحاجة مستثناة من الأصل من جهة، وأنّ مفسدة الفتنة مغمورة في جنب مصلحة العبادة من جهة ثانية إذ «جِنْسُ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ» كما هو مقرَّر في القواعد العامّة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 28 شعبان 1428ه
الموافق ل: 10 سبتمبر 2007م
1- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب خروج السناء لحوائجهن: (4939)، ومسلم في «السلام»، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان: (5668)، وأحمد: (23769)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (13793)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
2- أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب قول الله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر: (7138)، ومسلم في «الإمارة»، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر: (1829)، وأبو داود في «الخراج والإمارة»، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية: (2928)، والترمذي في «الجهاد»، باب ما جاء في الإمام: (1705)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
3- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم: (4934)، ومسلم في «السلام»، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها: (5674)، والترمذي في «الرضاع»، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات: (1171)، وأحمد: (16945)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
4- أخرجه البخاري في «الجنائز»، باب اتباع النساء الجنائز: (1219)، ومسلم في «الجنائز»، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز: (2166)، وأحمد: (26758)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
5- أخرجه مسلم في «الصلاة»، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول: (1013)، وأبو داود في «الصلاة»، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول: (687)، والترمذي في «الصلاة»، باب ما جاء في فضل الصف الأول: (224)، والنسائي في «الإمامة»، باب ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال: (228)، وابن ماجه في «إقامة الصلاة»، باب صفوف النساء: (1053)، وأحمد: (7565)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
6- أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب إذا كان الثوب ضيقا: (355)، ومسلم في «الصلاة»، باب أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن: (987)، وأبو داود في «الصلاة»، باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي: (630)، والنسائي في «القبلة»، باب الصلاة في الإزار: (766)، وأحمد: (15134)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
7- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب ما يتقى من شؤم المرأة: (4808)، ومسلم في «الرقاق»، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء: (6945)، والترمذي في «الأدب»، باب ما جاء في تحذير فتنة النساء: (2780)، وابن ماجه في «الفتن»، باب فتنة النساء: (3989)، وأحمد: (21239)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
8- أخرجه مسلم في «الذكر والدعاء»، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار: (6948)، والترمذي في «الفتن»، (2191)، وابن ماجه في «الفتن»، باب فتنة النساء: (4000)، وابن حبان: (3221)، وأحمد: (10785)، والبيهقي: (6746)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
لا يوجد ابدا مجال للشك ان الاختلاط هو من الاسباب الرئيسية للكثير من الافات والظواهر التي غزت مجتمعاتنا خصوصا العلاقات المحرمة وليس علينا سوى الدعاء بالهداية لولاة امورنا لانهم هم من وضعنا في هاد الوضع والباهداية لاولادنا والحماية من الوقوع في الاخطاء الكبيرة