القرآن طوق النجاة
لو تأملنا في حال الناجحين في الحياة بدءًا من النبي وانتهاءً بالمعاصرين من الصالحين، لوجدنا أن القاسم المشترك بينهم هو القيام بالقرآن وفي صلاة الليل خاصة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" [رواه مسلم] ..
إنه الحرص على عدم فواته مهما حالت دونه الحوائل أو اعترضته العوارض؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن هذا هو غذاء القلب الذي لا يحيا بدونه، وقد كانوا يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء البدن.
والقرآن ظاهر وباطن ..
ظاهر .. يراه كل الناس وهو صور الحروف والسطور التي كتبت على صفحات المصحف الذي يباع في كل مكان، ويراه كل الناس مسلم وكافر مؤمن ومنافق بر وفاجر صغير وكبير ..
وله باطن .. لا يراه إلا المؤمنون الذين آمنوا بأنه كلام الله، وآمنوا بضرورة قراءته والقيام به فغاصوا في أعماق معانيه.
قال سهل بن عبد الله التُسْتَري " لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه؛ لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يفهم كلٌ بمقدار ما يفتح الله على قلبه. وكلام الله غير مخلوق، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة " [البرهان في علوم القرآن (ص:102)] ..
فالناس يتفاوتون في فهمهم وإدراكهم لآيات القرآن الكريم، وتنزيلها على أمور حياتهم.
ولابد من التدريب والمجاهدة للوصول لهذا الفهم ..
ففهم القرآن وتدبُّره مواهب من الله الكريم الوهاَّب، يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الأسباب الموصلة إليها بجد واجتهاد .. أما المُشْتَغِل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الأماني.
قال ثابت البناني "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة " ..
فقف عند الباب حتى يُفتَح لك؛
إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فُتِحَ لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه ولا العبارات أن تصور حقيقته .. أما إن استعجلت وانصرفت، فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
تذكَّر أن السفينة لا تجري على اليابس،
وأن المكارم لا تنال إلا بالمكاره،
وأن الجنة حفت بالمكاره،،
والقرآن هو طوق النجاة في هذه الحياة، وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه بيدك ..
يقول الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175] ..
فمتى أردت أن تدخل في رحمة الله وأن تُهدى إلى الصراط المستقيم، جاهد نفسك في تدبُّر القرآن الكريم، وفرِّغ وقتك وجهدك وركز اهتمامك على هذا الأمر العظيم .
ونحن نؤمن ونصدق بقول الله تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وموقنين بقوله سبحانه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].
فهذا هو القرآن .. ونحن نقرؤه،
ولكن ما أخبر الله تعالى عنه من تأثير فإننا لا نجده! .. فلماذا؟
القرآن هو القرآن، وقد وصل والحمد لله إلينا محفوظًا تامًا مصونًا من الزيادة والنقص .. فلا شك أن الخلل في قرائتنا وقلة تدبُرنا، وقلوبنا التي لا تُحسِن استقبال كلام الرحمن ..
ولقد كان لسلفنا الصالح قواعد ووسائل عملية في تعاملهم مع القرآن الكريم، لكن بسبب غفلة الكثيرين عنها أصبحوا لا يتأثرون بما فيه من الآيات والعظات والأمثال والحكم ... ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة بسبب كثرة المعاني التي تفتح عليه ..
مفاتيح تدبر القرآن عشرة ..
مجموعة في قولك : ( لإصلاح ترتجِ )
(ل) لب وهو القلب .. والمعنى أن حب القرآن هو المفتاح الأول للتدبُّر، فالقلب هو آلة فهم القرآن، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء، والعبد مفتقر إلى ربِّه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزه.
(أ) أهداف، أو أهمية .. أي استحضار أهداف قراءة القرآن.
(ص) صلاة .. أن تكون القراءة في صلاة .
(ل) ليـــل .. أن تكون القراءة والصلاة في ليل، أي وقت الصفاء والتركيز.
(أ) أسبوع .. أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع، حتى لو لجزء منه.
(ح) حفظًا .. أن تكون القراءة حفظًا عن ظهر قلب، بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة.
(ت) تكرار .. تكرار الآيات وترديدها لتحقيق مزيد من التثبيت.
(ر) ربط .. ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة.
(ت) ترتيل .. الترتيل والترسل في القراءة، وعدم العجلة .. إذ المقصود هو الفهم وليس الكم، وهذه مشكلة الكثيرين، وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيرًا عظيمًا.
(ج) جهرًا .. الجهر بالقراءة؛ ليقوى التركيز ويكون التوصيل بالصورة والصوت معًا.
فهذه وسائل وأدوات يُكمِّل بعضها بعضًا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدُّبر آيات القرآن الكريم، والانتفاع والتأثر بها .. هذه المفاتيح هي التي تفتح الطريق للقرآن ليصل إلى قلب الإنسان وروحه.
ومما يتأكد التنبيه عليه عدم قصر وحصر النجاح في تدبُّر القرآن على هذه المفاتيح،
فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء ..
فاسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعَلِم منك صدقك
أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة.
فإيـــاك - أخي المسلم - أن ترحل من هذه الدنيا ولم تذق ألذ وأطيب ما فيها، إنه القرآن كلام الله الذي لا يشبه التنعم به أي نعيم على الإطلاق ..
وهو حاصلٌ بإذن الله تعالى لمن أخذ بهذه المفاتيح التي هدي إليها سلفنا الصالح، ففُتِحَت لهم كنوز القرآن وبها فُتِحَت لهم كنوز الأرض وخيراتها فكانوا خير أمة أخرجت للناس،،
م/ن/ ق/و /ل / للأمـــــــــــانة
المصـــــدر
كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة(ص 8: 17)، د. خالد بن عبد الكريم اللاحم
لو تأملنا في حال الناجحين في الحياة بدءًا من النبي وانتهاءً بالمعاصرين من الصالحين، لوجدنا أن القاسم المشترك بينهم هو القيام بالقرآن وفي صلاة الليل خاصة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" [رواه مسلم] ..
إنه الحرص على عدم فواته مهما حالت دونه الحوائل أو اعترضته العوارض؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن هذا هو غذاء القلب الذي لا يحيا بدونه، وقد كانوا يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء البدن.
والقرآن ظاهر وباطن ..
ظاهر .. يراه كل الناس وهو صور الحروف والسطور التي كتبت على صفحات المصحف الذي يباع في كل مكان، ويراه كل الناس مسلم وكافر مؤمن ومنافق بر وفاجر صغير وكبير ..
وله باطن .. لا يراه إلا المؤمنون الذين آمنوا بأنه كلام الله، وآمنوا بضرورة قراءته والقيام به فغاصوا في أعماق معانيه.
قال سهل بن عبد الله التُسْتَري " لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه؛ لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يفهم كلٌ بمقدار ما يفتح الله على قلبه. وكلام الله غير مخلوق، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة " [البرهان في علوم القرآن (ص:102)] ..
فالناس يتفاوتون في فهمهم وإدراكهم لآيات القرآن الكريم، وتنزيلها على أمور حياتهم.
ولابد من التدريب والمجاهدة للوصول لهذا الفهم ..
ففهم القرآن وتدبُّره مواهب من الله الكريم الوهاَّب، يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الأسباب الموصلة إليها بجد واجتهاد .. أما المُشْتَغِل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الأماني.
قال ثابت البناني "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة " ..
فقف عند الباب حتى يُفتَح لك؛
إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فُتِحَ لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه ولا العبارات أن تصور حقيقته .. أما إن استعجلت وانصرفت، فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
تذكَّر أن السفينة لا تجري على اليابس،
وأن المكارم لا تنال إلا بالمكاره،
وأن الجنة حفت بالمكاره،،
والقرآن هو طوق النجاة في هذه الحياة، وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه بيدك ..
يقول الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175] ..
فمتى أردت أن تدخل في رحمة الله وأن تُهدى إلى الصراط المستقيم، جاهد نفسك في تدبُّر القرآن الكريم، وفرِّغ وقتك وجهدك وركز اهتمامك على هذا الأمر العظيم .
ونحن نؤمن ونصدق بقول الله تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وموقنين بقوله سبحانه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].
فهذا هو القرآن .. ونحن نقرؤه،
ولكن ما أخبر الله تعالى عنه من تأثير فإننا لا نجده! .. فلماذا؟
القرآن هو القرآن، وقد وصل والحمد لله إلينا محفوظًا تامًا مصونًا من الزيادة والنقص .. فلا شك أن الخلل في قرائتنا وقلة تدبُرنا، وقلوبنا التي لا تُحسِن استقبال كلام الرحمن ..
ولقد كان لسلفنا الصالح قواعد ووسائل عملية في تعاملهم مع القرآن الكريم، لكن بسبب غفلة الكثيرين عنها أصبحوا لا يتأثرون بما فيه من الآيات والعظات والأمثال والحكم ... ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة بسبب كثرة المعاني التي تفتح عليه ..
مفاتيح تدبر القرآن عشرة ..
مجموعة في قولك : ( لإصلاح ترتجِ )
(ل) لب وهو القلب .. والمعنى أن حب القرآن هو المفتاح الأول للتدبُّر، فالقلب هو آلة فهم القرآن، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء، والعبد مفتقر إلى ربِّه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزه.
(أ) أهداف، أو أهمية .. أي استحضار أهداف قراءة القرآن.
(ص) صلاة .. أن تكون القراءة في صلاة .
(ل) ليـــل .. أن تكون القراءة والصلاة في ليل، أي وقت الصفاء والتركيز.
(أ) أسبوع .. أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع، حتى لو لجزء منه.
(ح) حفظًا .. أن تكون القراءة حفظًا عن ظهر قلب، بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة.
(ت) تكرار .. تكرار الآيات وترديدها لتحقيق مزيد من التثبيت.
(ر) ربط .. ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة.
(ت) ترتيل .. الترتيل والترسل في القراءة، وعدم العجلة .. إذ المقصود هو الفهم وليس الكم، وهذه مشكلة الكثيرين، وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيرًا عظيمًا.
(ج) جهرًا .. الجهر بالقراءة؛ ليقوى التركيز ويكون التوصيل بالصورة والصوت معًا.
فهذه وسائل وأدوات يُكمِّل بعضها بعضًا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدُّبر آيات القرآن الكريم، والانتفاع والتأثر بها .. هذه المفاتيح هي التي تفتح الطريق للقرآن ليصل إلى قلب الإنسان وروحه.
ومما يتأكد التنبيه عليه عدم قصر وحصر النجاح في تدبُّر القرآن على هذه المفاتيح،
فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء ..
فاسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعَلِم منك صدقك
أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة.
فإيـــاك - أخي المسلم - أن ترحل من هذه الدنيا ولم تذق ألذ وأطيب ما فيها، إنه القرآن كلام الله الذي لا يشبه التنعم به أي نعيم على الإطلاق ..
وهو حاصلٌ بإذن الله تعالى لمن أخذ بهذه المفاتيح التي هدي إليها سلفنا الصالح، ففُتِحَت لهم كنوز القرآن وبها فُتِحَت لهم كنوز الأرض وخيراتها فكانوا خير أمة أخرجت للناس،،
م/ن/ ق/و /ل / للأمـــــــــــانة
المصـــــدر
كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة(ص 8: 17)، د. خالد بن عبد الكريم اللاحم