حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء اذا استيقظ من الليل.

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء


اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة:
فقيل: غسل اليد سنة، وليس بواجب، وهو مذهب الجمهور من الحنفية[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، ورواية عن أحمد [4].

وقيل: يجب غسل اليد ثلاثًا، وإليه ذهب أحمد في الرواية المشهورة عنه[5]، وإسحاق، وداود الظاهري، وابن حزم [6]، والحسن البصري[7].

دليل الجمهور على كون الغسل سنة:
الدليل الأول: قوله تعالى ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾[8].

(58) وروى مسلم، قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ، حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قالا جميعًا: حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان يحدث أبا بردة في هذا المسجد في إمارة بشر، أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى، فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن))، هذا حديث ابن معاذ، وليس في حديث غندر في إمارة بشر، ولا ذكر المكتوبات[9].

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ كما أمره الله" فلم يقدم في الآية والخبر على الوجه فرضًا، فلو كان غسل اليد فرضًا لقدم ذكره، والله أعلم.

والجواب:
أن يقال: لا خلاف في أن غسل اليدين للوضوء من سنن الوضوء، ولكن غسلها لمن قام من الليل لا يتعلق بالوضوء فقط؛ وإنما هو لمن أراد غمسها في الإناء، سواء كان لوضوء أم لغيره.

الدليل الثاني:
استدل القائلون بالسنية، أن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه لا يدرى أين باتت يده))، والشك لا يقضي على اليقين، فدل على أن النهي عن غمسها ليس للتحريم، وأن غسل اليد مستحب وليس بواجب.

قال ابن دقيق العيد:
الأمر وإن كان ظاهره الوجوب إلا أنه يصرف عن الظاهر لقرينة ودليل، وقد دل الدليل، وقامت القرينة ههنا؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - علل بأمر يقتضي الشك، وهو قوله: ((فإنه لا يدري أين باتت يده))، والقواعد تقتضي أن الشك لا يقتضي وجوبًا في الحكم، إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجودًا. والأصل: الطهارة في اليد، فلتستصحب.

ويجاب:
أن هذا توجيه يصح لو كانت العلة في النهي عن غمس اليد هي نجاسة اليد، أما من يرى أن العلة تعبدية، أو أن العلة كما ذكر ابن تيمية وابن القيم: هي مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه، فلا يصح هذا الاستدلال. ولو كانت العلة في الغسل النجاسة، لأرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى غسلها مرة واحدة، ألا ترى إلى دم الحيض يصيب الثوب، أرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى غسله مرة واحدة غسلة تذهب بعين النجاسة، مع أن نجاسته متيقنة، فكيف بالنجاسة المتوهمة؟

الدليل الثالث:
لما أرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها في الإناء، علم أنه ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لكفى فيها غسلة واحدة؛ قياسًا على دم الحيض.

وأجيب:
بأن هذا القول مبني على أن النهي لاحتمال أن تكون اليد نجسة، والذين قالوا بالوجوب لم يعللوا بذلك، على أن العدد ورد حتى في إزالة النجاسة كالاستجمار، والتسبيع في ولوغ الكلب.

الدليل الرابع:
(59) ما رواه مسلم، قال: حدثني بشر بن الحكم العبدي، حدثنا عبدالعزيز - يعني: الدراوردي - عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه))؛ ورواه البخاري[10].

وجه الاستدلال:
قالوا: إذا كان الاستنثار سنة بالإجماع بعد القيام من النوم، فكذلك غسل اليدين بعد القيام من النوم، وقبل غمسهما في الإناء ليس بواجب.

والجواب:
أن يقال: هذا قياس في العبادات، والقياس فيها ضعيف.

فالراجح: أن القول باستحباب غسل اليدين ثلاثًا إذا انتبه من نوم الليل قول قوي، والقول بالوجوب أقوى، ولو غمس يديه لم يمنع ذلك من التطهر بالماء، فالماء باقٍ على طهوريته، والله أعلم.

دليل الحنابلة على الوجوب:
(60) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))، وهو في البخاري دون قوله: ثلاثًا [11].

وجه الاستدلال:
أن الحديث نهى عن غمس اليد بعد الاستيقاظ إلا بعد غسلها ثلاثًا، والأصل في النهي التحريم إلا لصارف، ولا صارف هنا.

وهل يختلف الحكم إذا تيقن المسلم طهارة يده؟
اختلفوا في ذلك:
فقيل: لا يسن غسلها، بل يغمسها بدون غسل، اختاره بعض الحنفية[12].

وقيل: هو بالخيار، إن شاء غسل يده قبل غمسها، وإن شاء غمس يده، ولو لم يغسلها. وهذا مذهب الشافعية [13].

وقيل: يجب غسلها حتى ولو كانت يده في جراب، أو كانت مكتوفة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة[14].

وسبب اختلافهم في هذه المسألة اختلافهم في علة الأمر بغسل اليد:
فقيل: إن العلة هي الشك في نجاسة اليد، حتى قيد بعض الحنفية حديث النهي عن غمس اليد في الإناء حتى يغسلها بما إذا نام مستنجيًا بالأحجار، أو متنجس البدن، لا إذا نام متيقنًا طهارتها، أو مستنجيًا بالماء[15].

وذكر الشافعية أن أهل الحجاز كانوا يستعملون الأحجار في الاستجمار، وكانت البلاد حارة، فيعرقون، وربما طافت أيديهم في موضع النجاسة فتنجست[16].

والصحيح:
أن الحديث مطلق، وهو عام لمن استنجى بالماء أو بالأحجار، عليه سراويل أم لا، ولا يقيد النصَّ إلا نصٌّ مثله.

وقيل: إن العلة تعبدية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، فيجب الامتثال دون النظر إلى سبب الوجوب.

وقيل: إن العلة مبيت الشيطان على يده، وهذا اختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. قالا: هذه العلة نظير تعليل الشارع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليستنشق بمنخريه من الماء؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه))؛ متفق عليه، وسبق تخريجه. فأمر بالغسل معللاً بمبيت الشيطان على خيشومه، فعلم أن ذلك سبب الغسل، والحديث معروف. وقوله: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)) يمكن أن يراد به ذلك، فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار، وأما ملابسته ليده خاصة؛ فلأنها أعم الجوارح كسبًا وتصرفًا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية، فصاحبها كثير التصرف والعمل بها، ولهذا سميت جارحة؛ لأنه يجترح بها؛ أي: يكسب. والله أعلم[17].

[1] بدائع الصنائع (1/20)، أحكام القرآن للجصاص (2/497)، العناية شرح الهداية (1/20، 21)، الجوهرة النيرة (1/5)، البحر الرائق (1/17)، شرح فتح القدير (1/21)، حاشية ابن عابدين (1/111، 112).

[2] المنتقى (1/48)، الخرشي (1/132)، الفواكه الدواني (1/134).

[3] الأم (1/39)، المجموع (1/214)، إحكام الأحكام (1/68، 69)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/160).

[4] الفتاوى الكبرى (1/217).

[5] المغني (1/70، 71)، الفروع (1/144)، الإنصاف (1/40)، مطالب أولي النهى (1/92).

[6] المحلى (1/155).

[7] المغني (1/70).

[8] المائدة: 6.

[9] صحيح مسلم (232).

[10] صحيح البخاري (3295)، ومسلم (238).

[11] صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).

[12] شرح فتح القدير (1/21).

[13] المجموع (1/389)، شرح النووي لصحيح مسلم (1/232).

[14] الإنصاف (1/41).

[15] شرح فتح القدير (1/21).

[16] الحاوي (1/102).

[17] تهذيب السنن (1/69، 70)، ومجموع الفتاوى (21/44).






 
رد: حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء اذا استيقظ من الليل.

هل يختص الحكم في القيام

من نوم الليل أو يشمل كل نوم؟


اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: لا فرق بين نوم الليل، ونوم النهار، وهو مذهب الحنفية[1]، والمالكية[2].

وقيل: إن الحكم ليس مخصوصًا بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها، كره له غمسها في الإناء قبل غسلها، سواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاستها من غير نوم، وأما إذا تيقن طهارتها فوجهان: الأصح منهما - وهو والذي ذهب إليه الجماهير من أصحاب الشافعية - أنه لا كراهة في غمس اليد، بل هو مخير إن شاء غمس، وإن شاء غسل قبل الغمس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر النوم، ونبه على العلة، وهى الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، وهذا مذهب الشافعية [3].

وقيل: الحكم يتعلق بنوم الليل خاصة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة[4]، وهو الراجح.

دليل الجمهور على عدم التفريق بين نوم الليل والنهار:
الدليل الأول:
(61) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده))، ورواه مسلم[5].

وجه الاستدلال:
قوله: "إذا استيقظ أحدكم من نومه" فكلمة (نومه) نكرة مضافة؛ فتعم، كقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18][6] فيشمل نوم الليل ونوم النهار.

الدليل الثاني:
على فرض أن يكون الحديث في نوم الليل، فيدخل فيه نوم النهار من باب القياس الجلي؛ إذ لا فرق، فإذا كان النائم يجب عليه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء؛ لما ورد من ذلك في الحديث، فنوم النهار مثل نوم الليل في القياس.

الدليل الثالث:
قوله في الحديث: "فإنه لا يدري"، وهذه العلة موجودة في نوم النهار، فالنائم إذا نام لا يدري، سواء كان نومه في الليل أم في النهار؛ لأن النوم يحجب العقل.

قال ابن حجر: لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر؛ للغلبة.

قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد منها لمن نام نهارًا؛ لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب؛ لطوله عادة[7].

بل ذهب الباجي في المنتقى إلى دخول المغمى عليه والمجنون في الحكم، فقال: تعليق هذا الحكم بنوم الليل لا يدل على اختصاصه به؛ لأن النائم إن كان لا يدري أين باتت يده، فكذلك المجنون والمغمى عليه، وكذلك من قام إلى وضوء من بائل أو متغوط أو محدث، فإنه يستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في إنائه خلافًا للشافعي؛ لأن المستيقظ لا يمكنه التحرز من مس رفغه، ونتف إبطه، وفتل ما يخرج من أنفه، وقتل برغوث، وعصر بثر، وحك موضع عرق، وإذا كان هذا المعنى الذي شرع له غسل اليد موجودًا في المستيقظ لزمه ذلك الحكم، ولا يسقط عنه أن يكون علق في الشرع على النائم، ألا ترى أن الشرع علقه على نوم المبيت ولم يمنع ذلك من أن يتعدى إلى نوم النهار لما تساويا في علة الحكم [8].

وأجيب:
بأن الحكم خص في المبيت، فلم يقل في الحديث: "فإنه لا يدري" وسكت، بل قال: "لا يدري أين باتت يده"، ولو كانت العلة احتمال نجاسة اليد، لكان له وجه في إلحاق المغمى عليه، وسبق لي أن ذكرت الاختلاف في العلة، ولم يظهر لي أن العلة احتمال النجاسة، وإلا لكانت غسلة واحدة كافية - إن شاء الله - في حصول المقصود، بل إن الغسل ثلاثًا مشروع حتى للمستيقظ عند إرادة الوضوء، فذكر التثليث يلحقه بالتعبد المحض، وإذا كانت العلة تعبدية لم يكن للقياس معنى؛ لعدم تعدي العلة، والله أعلم.

دليل الحنابلة على اختصاصه بنوم الليل:
الدليل الأول:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، كقوله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأعراف: 97، 98][9]، فخص البيات بالليل ثم ذكر النهار.

وأجيب:
بقول ابن حزم: ادعى قوم أن هذا في نوم الليل خاصة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أين باتت يده"، وادعوا أن المبيت لا يكون إلا بالليل.

قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل يقال: بات القوم يدبرون أمر كذا، وإن كان نهارًا [10].

ورد هذا ابن عبدالبر، فقال: أما المبيت، فيشبه أن يكون ما قاله أحمد بن حنبل صحيحًا فيه؛ لأن الخليل قال في كتاب العين: البيتوتة دخولك في الليل، وكونك فيه بنوم وبغير نوم، قال: ومن قال: بت بمعنى نمت، وفسره على النوم، فقد أخطأ، قال: ألا ترى أنك تقول: بت أراعي النجم، معناه: بت أنظر إلى النجم. قال: فلو كان نومًا، كيف كان ينام وينظر؟ إنما هو ظللت أراعي النجم. قال: وتقول: أباتهم الله إباتة حسنة، وباتوا بيتوتة صالحة، وأباتهم الأمر بياتًا، كل ذلك دخول الليل، وليس من النوم في شيء[11].

الدليل الثاني:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استيقظ أحدكم من نومه" فإن النوم عند الإطلاق لا يراد به إلا نوم الليل [12].

الدليل الثالث:
(62) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قام أحدكم من الليل، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))[13].

[الحديث صحيح، وذكر القيام من الليل أخشى أن يكون غير محفوظ، فكل من ذكر الليل قد اختلف عليه فيه، فأكثر الطرق وأصحها ليس فيها ذكر الليل] [14].

دليل من قال: الحكم يتعلق بالشك:
استدل الشافعية بأن الحكم يتعلق بالشك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((فإنه لا يدري أين باتت يده))، أما من تيقن طهارة يده، فلا شيء عليه، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر النوم ونبه على العلة، وهي الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة [15].

الراجح من أقوال أهل العلم:
بعد استعراض الخلاف، الذي تميل له نفسي أن الليل قيد مؤثر والله أعلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "أين باتت يده".

ولأن دخول نوم الليل متيقن، ودخول غيره مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة وعدم التكليف؛ ولأن نوم الليل أطول من نوم النهار عادة، وعلقت به أحكام كثيرة منها الأذكار الخاصة بالنوم على الصحيح، ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذ هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))[16].

فقوله: "وإلا أصبح" دليل على أن هذا في نوم الليل، والله أعلم.

[1] الهداية شرح البداية (1/12)، حاشية ابن عابدين (1/108، 109).

[2] التمهيد (18/256)، المنتقى للباجي (1/48).

[3] شرح صحيح مسلم للنووي (1/232)، المجموع (1/389).

[4] الإنصاف (1/41)، المغني (1/71)، كشاف القناع (1/33).

[5] صحيح البخاري (162)، ومسلم (278).

[6] النحل: 18.

[7] فتح الباري (1/263)، قلت: قول الباجي لا يعتبر قولاً مستقلاً؛ لأن الكراهة عنده ثابتة في نوم الليل ونوم النهار، إلا أن نوم الليل أشد على اعتبار أن ما نص عليه آكد مما ألحق به قياسًا، على تقدير أن المبيت نص في نوم الليل. والله أعلم.

[8] المنتقى (1/48).

[9] الأعراف: 97، 98.

[10] المحلى (1/201، 202).

[11] التمهيد (18/255).

[12] بدائع الفوائد (4/89).

[13] المصنف (1/94) رقم 1047.

[14] هذا الحديث يرويه أبو هريرة - رضي الله عنه - من طرق كثيرة عنه، ووقع في بعضها اختلاف، كما اختلف في متنه على وجهين:
الوجه الأول: بذكر الليل، رواه جماعة عن أبي هريرة إلا أنه لا يوجد راوٍ نص على القيام من نوم الليل إلا وقد اختلف عليه، وإليك بيان هذا الوجه.
الطريق الأول: الأعمش، عن أبي صالح وأبي رزين، عن أبي هريرة، تارة يجمع الأعمش شيوخه أبا صالح وأبا رزين، وتارة يفرقهما:
فقد أخرجه أحمد في المسند (2/253) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش به، إلا أنه رواه عن أبي صالح، عن أبي هريرة بدلاً من أبي رزين، وهو محفوظ عنهما جميعًا.
وأخرجه أبو داود (103) ومن طريقه البيهقي (1/45) وابن عبدالبر في التمهيد (18/232) من طريق مسدد، وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (1/331) من طريق أبي كريب.
وأخرجه البيهقي (1/45) من طريق أحمد بن عبدالجبار العطاردي، كلهم عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة. بذكر الليل.
وأخرجه أبو عوانة في مسنده (1/221) من طريق علي بن حرب، ثنا أبو معاوية به، إلا أنه ذكر أبا صالح وحده.
وأخرجه أحمد (2/253)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/22) من طريق زائدة بن قدامة، عن الأعمش به، بذكر أبي صالح وحده، إلا أنهما لم يذكرا متنه، وأحالا على رواية سابقة، وفيها ذكر الليل. وهذه متابعة لأبي معاوية.
وقد اختلف على الأعمش، فرواه أبو معاوية وزائدة بن قدامة عنه بذكر الليل.
ورواه وكيع، كما في مسند أحمد (2/471)، ومسلم (278)، وأبي عوانة (1/264)، وسنن البيهقي (1/45)، إلا أن مسلمًا وأبا عوانة لم يسوقا متنه، وأحالا على متن سابق.
وشعبة كما في مسند أبي داود الطيالسي (1/317).
وشجاع بن الوليد كما في سنن البيهقي الكبرى (1/47).
وأبو الأشهب جعفر بن الحارث النخعي كما في الأوسط للطبراني (4/94) رقم 3694 أربعتهم عن الأعمش به. ولم يذكروا لفظة الليل.
وأبو معاوية مِن أثبت أصحاب الأعمش، إلا أن وكيعًا وشعبة قد وافقت روايتهم رواية الأكثر بعدم ذكر الليل؛ فقد رواه جمع كثير عن أبي هريرة، ولم يذكروا لفظة: "إذا قام من الليل".
الطريق الثاني: أبو سلمة، عن أبي هريرة:
رواه معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، واختلف على معمر:
فرواه أحمد (2/259) قال: ثنا عبدالأعلى، عن معمر، عن الزهري به، بذكر الليل.
ورواه النسائي في الكبرى (153) وفي الصغرى (161) من طريق يزيد بن زريع، عن معمر به، بدون ذكر الليل كما هي رواية الجماعة.
وتابع الأوزاعي معمرًا في ذكر الليل كما في سنن الترمذي (24)، والنسائي (441)، وابن ماجه (393)، وسنن البيهقي (1/244).
وقد رواه سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بدون ذكر الليل، كما في مسند الشافعي (ص: 10) ومسند الحميدي (951)، وأحمد (2/241)، والمنتقى لابن الجارود (9)، والدارمي (766)، ومسلم (278) والنسائي في الكبرى (1)، وفي الصغرى (1)، والمستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (639)، مسند أبي عوانة (1/220، 221، 263)، وابن خزيمة (99)، وابن حبان (1062)، والبيهقي (1/45)، ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بدون ذكر الليل، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/94)، ومسند أحمد (2/382)، ومسند أبي يعلى (5973)، والطحاوي (1/22).
وهذه توافق رواية ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة.
الطريق الثالث: سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
رواه الزهري، عن سعيد بن المسيب، واختلف على الزهري.
فرواه عنه معمر، عن الزهري بدون ذكر الليل. أخرجه أحمد (2/265، 284) ومسلم (278)، وأبو عوانة (1/264) والبيهقي (2/244) من طريق عبدالرزاق، عن معمر، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بدون ذكر الليل.
ورواه الأوزاعي، عن ابن شهاب واختلف على الأوزاعي:
فرواه الطحاوي (1/22) من طريق الفريابي وبشر بن بكر كلاهما عن الأوزاعي، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وحده، عن أبي هريرة بدون ذكر الليل، وذكر الغسل مرتين أو ثلاثًا.
ورواه النسائي في الصغرى (441) من طريق إسماعيل بن عبدالله عن الأوزاعي به بذكر الليل.
وأخشى أن يكون الأوزاعي اختلط عليه لفظ ابن شهاب، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، بلفظ ابن شهاب عن سعيد، عن أبي هريرة، فقد كان ابن شهاب تارة يجمع شيوخه، فيروي الحديث عن سعيد وأبي سلمة مقرونين، وتارة يفرقهما، فيذكر سعيدًا وحده وأبا سلمة وحده. ولفظ سعيد وحده أو لفظه مقرونًا من غير طريق الأوزاعي لا يذكر فيه القيام من الليل، فالراجح عندي أن طريق سعيد من الطرق التي لم تذكر القيام من الليل.
وأما طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مقرونين، فأخرجه الترمذي (24) وابن ماجه (393) من طريق الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي، حدثني ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة به. بذكر القيام من الليل.
وأخرجه الطحاوي (1/22) من طريق أبي صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، حدثني عبدالرحمن بن خالد بن مسافر، حدثني ابن شهاب به. ولم يذكر متنًا.
فالحديث محفوظ عن الزهري من الطريقين، طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة.
قال الدارقطني في العلل (8/78) المحفوظ عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة.اهـ
وقال ابن عبدالبر في التمهيد (18/234): قد حدث به معمر عن الزهري، مرة عن سعيد، عن أبي هريرة، ومرة عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فدل على أن الحديث صحيح لهما عن أبي هريرة. اهـ
الطريق الرابع: العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة:
رواه العلاء واختلف عليه فيه:
فرواه مسلم في صحيحه (278) والبيهقي في السنن الكبرى (1/118) من طريق محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: إذا قام أحدكم من النوم إلى الوضوء، فليفرغ على يديه من الماء؛ فإنه لا يدري أين باتت يده. هذا لفظ البيهقي، وأما مسلم فلم يذكر متنًا، وأحال على رواية سابقة، إلا أنه صرح أن الرواية ليس فيها التثليث.
وأخرجه أبو عوانة في مسنده (1/222) من طريق عبدالعزيز بن أبي حازم عن العلاء به بذكر التثليث، وبالشك، إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح، أو قال: من نومه، أو كلمة نحوها، فليفرغ على يديه ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده، والطريق الأول أرجح مع سلامته من الشك الوارد في متنه.
هذه الطرق التي نص فيها على أن القيام إنما هو من نوم الليل، وأنت ترى أنه لا يخلو طريق من الاختلاف عليه فيه.
الوجه الثاني: بدون ذكر الليل، رواه الأعرج، وابن سيرين، وهمام، وجابر، وعبدالله بن شقيق، وموسى بن يسار، ولم يختلف عليهم في عدم ذكر الليل، ومع اتفاقهم على عدم النص على الليل، إلا أنهم اختلفوا في الغسل؛ فبعضهم يذكر الغسل بدون عدد، وبعضهم ينص على أن الغسل ثلاث، والتثليث في الحديث محفوظ.
وإليك تخريج مروياتهم:
أولاً: الطرق التي تذكر الغسل ولا تذكر عددًا:
الطريق الأول: الأعرج، عن أبي هريرة:
رواه أبو الزناد، واختلف عليه:
فرواه مالك في الموطأ (1/21) ومن طريقه الشافعي (1/14)، وأحمد (2/465)، والبخاري (162)، وابن حبان (1063) والبيهقي (1/45،118) وفي المعرفة (1/267) والبغوي في شرح السنة (207).
ورواه المغيرة بن عبدالرحمن كما في مسلم (278) والبيهقي (1/118) كلاهما عن أبي الزناد به، وليس فيه التثليث.
وخالفهما سفيان بن عيينة كما في مسند الشافعي (1/14) والحميدي (952)، وفيه ذكر التثليث في الغسل.
قال ابن عبدالبر كما في التمهيد (18/233): وهو عندي وهم في حديث أبي الزناد، وأظنه حمله على حديث الزهري، والله أعلم. اهـ
وسبق أن خرجت حديث سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة بذكر التثليث.
الطريق الثاني: ابن سيرين، عن أبي هريرة:
أخرجه أحمد (2/295، 507)، وابن أبي شيبة (1/94)، ومسلم (278) والطبراني في الأوسط (1/290) رقم 945.
الطريق الثالث: همام بن منبه، عن أبي هريرة:
أخرجه أحمد (2/316) ومسلم (278)، وأبو عوانة في مسنده (1/264)، والبيهقي في السنن الصغرى (19)، وفي الكبرى (1/234).
الطريق الرابع: ثابت مولى عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبي هريرة، كما في صحيح مسلم (278) ومسند أبي عوانة (1/222)، وسنن البيهقي (1/256).
الطريق الخامس: عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة: أخرجه أحمد (2/497) من طريق محمد بن إسحاق عن موسى بن يسار به.
فهذه خمسة طرق لا تذكر عددًا، ومنهم من هو من أخص أصحاب أبي هريرة كالأعرج، ومحمد بن سيرين.
ورواه جماعة عن أبي هريرة بذكر التثليث في الغسل، وهاك بيانها:
الطريق الأول: عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة:
كما في مسند أحمد (2/455) ومسلم (278)، وابن خزيمة (100، 145)، وابن حبان (1064، 1065)، وأبو عوانة (1/263)، والدارقطني (1/49)، سنن البيهقي (1/46)،
الطريق الثاني: أبو الزبير، عن جابر، عن أبي هريرة كما في مسند أحمد (2/403)، وصحيح مسلم (278)، وأبي يعلى (5863)، وأبي عوانة (1/263)، وسنن البيهقي الكبرى (1/47).
الطريق الثالث: أبو مريم، عن أبي هريرة كما في سنن أبي داود (105)، والدارقطني (1/50)، وسنن البيهقي (1/46) من طريق معاوية بن صالح عنه.
الطريق الرابع والخامس: عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة: وقد سبق تخريجه عند الكلام على طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عنهما به.
الطريق السادس: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بذكر التثليث، وسبق تخريجه، فهؤلاء ستة من الحفاظ رووه عن أبي هريرة بذكر التثليث؛ مما يؤكد أن التثليث محفوظ، ولعل البخاري تجنب تخريج ذكر التثليث للاختلاف في ذكره، والله أعلم.

[15] انظر شرح صحيح مسلم للنووي (1/232)، المجموع (1/389).

[16] رواه البخاري (1142)، ومسلم (776) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وتابع سعيد بن المسيب الأعرج عند البخاري (3269).








 
رد: حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء اذا استيقظ من الليل.

الماء المستعمل في غمس يد القائم من النوم


اختلف العلماء في الماء إذا غمس فيه يد قائم من نوم الليل:
فقيل: الماء طهور، ولا يكون مستعملاً بذلك، وهو مذهب الحنفية[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، ورواية عن أحمد[4]، ومذهب الظاهرية[5].

قال ابن تيمية: وهو قول أكثر الفقهاء [6]، ورجحه ابن القيم [7].

وقيل: إن الماء ينجس إذا كان الماء قليلاً، وهو مذهب الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري [8]، وهو رواية عن أحمد [9].

وقيل: إن الماء يكون طاهرًا غير مطهر، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة [10]، وهو من المفردات [11].

دليل الحنابلة على أن الماء طاهر:
(56) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))[12].

وجه الاستدلال:
قالوا: لم نقل بنجاسة الماء إذا غمست فيه اليد قبل غسلها؛ لأن اليد معلوم طهارتها، وليست نجسة، فهي يد طاهرة قابلت ماء طهورًا، ولم نقل: إن الماء طهور؛ لكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن غمسها حتى تغسل ثلاثًا، فلولا أنه يفيد منعًا لم ينه عنه، فدل على أن الماء يكون طاهرًا غير مطهر.

دليل الجمهور على أن الماء طهور:
حمل الجمهور حديث أبي هريرة على الاستحباب، وعللوا ذلك بأن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه لا يدري أين باتت يده))، والشك لا يقضي على اليقين.

وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها في الإناء قرينة على أن الغسل ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لكفى فيها غسلة واحدة قياسًا على دم الحيض، وإذا كان الغسل ليس واجبًا لم يكن غمسها مؤثرًا في الماء، فيبقى الماء على طهوريته حتى يأتي دليل صحيح صريح ينقله عن الطهورية.

وسوف نناقش علة النهي عن غمس اليد في مبحث مستقل - إن شاء الله تعالى.

دليل من قال: إن الماء ينجس:
لا أعلم لهم دليلاً على نجاسة الماء؛ ولذلك قال النووي عن القول بالنجاسة: وهو ضعيف جدًّا؛ فإن الأصل في اليد والماء الطهارة، فلا ينجس بالشك، وقواعد الشريعة متظاهرة على هذا.

وقال ابن القيم: "القول بنجاسته من أشذ الشاذ" [13].

دليل الحنابلة على كون الماء طاهرًا وليس بطهور:
(57) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده))، وهو في البخاري دون قوله: ثلاثًا[14].

وجه الاستدلال:
قالوا: إن الحديث نهى عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، ولولا أن غمسها يؤثر في الماء لم ينه عنه، فإذا نهى عنه دلَّ ذلك على تحول الماء إلى طاهر غير مطهر، وإنما قلنا: طاهر؛ لأن اليد ليست نجسة، وقلنا: ليس بطهور؛ للنهي عن غمس اليد في الماء، والله أعلم.

وأجيب:
أن الحديث لم يتعرض لحكم الماء، ولم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن الماء يتحول إلى طاهر لا يصح التطهر منه؛ إنما نهى عن غمس اليد فيه بعد القيام من النوم.

وقد سبق لنا في بحث أقسام المياه أن الماء: طهور ونجس، ولا دليل على وجود قسم ثالث.

[1] أحكام القرآن - الجصاص (2/496، 497)، بدائع الصنائع (1/20)، العناية شرح الهداية (1/20)، شرح فتح القدير (1/20)، البحر الرائق (1/18)، حاشية ابن عابدين (1/110).

[2] المنتقى (1/47)، الخرشي (1/132) وانظر بداية المجتهد (1/105)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (18/252) عن مذهب مالك: "من استيقظ من نومه، أو مس فرجه، أو كان جنبًا، أو امرأة حائضًا، فأدخل أحدهم يده في وضوئه، فليس ذلك يضره، إلا أن تكون في يده نجاسة، كان ذلك الماء قليلاً أو كثيرًا، ولا يدخل أحد منهم يده حتى يغسلها". قال ابن عبدالبر: "الفقهاء على هذا كلهم يستحبون ذلك، ويأمرون به، فإن أدخل أحد يده بعد قيامه من نومه في وضوئه قبل أن يغسلها، ويده نظيفة لا نجاسة فيها، فليس عليه شيء ولا يضر ذلك وضوءه" اهـ.

[3] الأم (1/39)، المجموع (1/214، 389، 390)، طرح التثريب (2/45)، شرح البهجة (1/105)، تحفة المحتاج (1/226)، نهاية المحتاج (1/185، 186)، حاشية البجيرمي (1/160، 161)، مطالب أولي النهى (1/92).

[4] الفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف.

[5] المحلى (1/155، 156، 294)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/253، 254): "وتحصيل مذهب داود وأكثر أصحابه أن فاعل ذلك عاصٍ إذا كان بالنهي عالمًا، والماء طاهر، والوضوء به جائز ما لم تظهر فيه نجاسة" اهـ.

[6] مجموع الفتاوى (21/44).

[7] تهذيب السنن (1/69) وحكم على القول بأن الماء يكون مستعملاً بأنه قول ضعيف.

[8] شرح النووي لصحيح مسلم (3/231) في الكلام على حديث رقم 278، والمجموع (1/390، 391).

[9] الإنصاف (1/38)، وذكر أنها من المفردات، واختارها من أصحاب الإمام أحمد الخلال.

[10] انظر مسائل أحمد رواية أبي داود (ص: 9)، والفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/217، 425)، الفروع (1/79)، الإنصاف (1/38)، شرح منتهى الإرادات (1/19)، كشاف القناع (1/33، 34).

[11] المذهب لا يكون طاهرًا إلا بشروط، منها:
الأول: أن يكون الماء قليلاً، وحد القليل عندهم: أن يكون دون القلتين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يغمس يده في الإناء، وإناء الوضوء إناء صغير.
الثاني: أن يغمس كامل يده؛ لحديث أبي هريرة في الصحيحين، وفيه: "فلا يغمس يده"، واليد عند الإطلاق تشمل جميع الكف؛ لقوله تعالى: ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ﴾ [المائدة: 38]، وفي التيمم المسح خاص بالكف؛ لقوله تعالى: ﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ﴾ [المائدة: 6]، وأما إذا كان الأمر زائدًا على الكف، فلا بد من التقييد، كما في آية الوضوء، قال تعالى: ﴿ وأيديكم إلى المرافق ﴾ [المائدة: 6].
وأما إذا غمس بعض يده، فلا يؤثر في الماء، وهو المشهور من المذهب عند المتأخرين، انظر كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/46).
وقيل: يؤثر، ولو غمس بعض اليد، انظر الفروع (1/79)، والإنصاف (1/40)، ولا يؤثر غمس عضو آخر غير اليد؛ لأن الحديث نص على اليد.
الثالث: أن يكون قائمًا من نوم الليل. ولي فيها وقفة خاصة؛ نظرًا لكثرة أدلتها.
الرابع: أن يكون النوم ناقضًا للوضوء، وهو عندهم كل نوم إلا نومًا يسيرًا من قاعد أو قائم.
الخامس: لا بد أن تكون اليد يد مكلف؛ بحيث لو كان الغامس صغيرًا أو مجنونًا أو كافرًا لم يؤثر ذلك في الماء.
في مذهب الإمام أحمد وجهان في الصغير والمجنون والكافر إذا غمسوا أيديهم في الماء:
أحدهما: أنهم كالمسلم البالغ العاقل لا يدرون أين باتت أيديهم.
والثاني: أنه لا تأثير لغمس الصبي والمجنون والكافر. قال صاحب الإنصاف: (1/41) وهو الصحيح، وإليه مال المصنف في المغني، واختاره المجد في شرح الهداية، وصححه ابن تميم، قال في مجمع البحرين: لا يؤثر غمسهم في أصح الوجهين.
واستدلوا:
أولاً: أن المنع من الغمس إنما ثبت من الخطاب؛ يعنى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم...)) الحديث، ولا خطاب في حق هؤلاء.
وثانيًا: إن وجوب الغسل أمر تعبدي، ولا تعبد في حق هؤلاء.
وثالثًا: الغسل المزيل لحكم المنع من شرطه النية، والمجنون والصبي والكافر ليسوا من أهلها.
ولكن هذا القول من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - عجيب! كيف إذا غمس الصبي الذي لا يحسن الطهارة، والكافر الذي لا يستنزه من البول، والمجنون الذي لا يعقل إذا غمسوا أيديهم في الماء لا يتأثر الماء، وتصح الطهارة منه، وإذا غمس المسلم العاقل البالغ الذي يحسن الطهارة، أصبح الماء غير صالح للطهارة منه؟
فالصحيح أن العلة في المسلم النائم، هي العلة في الكافر النائم، وهي العلة نفسها في الصبي والمجنون، وليس تأثير الغمس من الأحكام التكليفية، بل هو من الأحكام الوضعية، كما أن الكافر على الصحيح مخاطب بفروع الشريعة، وإن كان يفقد شرط الصحة، وهو الإيمان.
انظر في المذهب الحنبلي: كشاف القناع (1/33)، المبدع (1/47)، الإنصاف (40، 41)، الروض المربع (1/23).

[12] صحيح مسلم (278).

[13] تهذيب السنن (1/69).

[14] صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).








 
رد: حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء اذا استيقظ من الليل.

بارك الله فيك على الموضوع القيم
 
رد: حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء اذا استيقظ من الليل.

و فيك بارك الله.
 

المواضيع المشابهة

لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top