اغتنام الصوم في النصف الأول من شهر شعبان

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المؤمنون : إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان و يمد الله له في الأجل ، و كل يوم يعيشه في هذه الدنيا هو غيمة له ليتزود منه لآخرته ، و يبذرَ فيه من الأعمال ما استطاعتُه نفسه و تحملته . فحري بالمؤمن الذي يرجو نجاة نفسه مما ستلقاه من المخاوف ألا يدع فرصة للطاعة و موسما من مواسم الأعمال الصالحة و إلا واغتنمه ليجد ذلك مكتوبا في صحفة أعماله يوم القيامة.
ثم اعلموا عباد الله أن شهر شعبان شهر عظيم و موسم من مواسم الأعمال الصالحة التي يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و لا يعمل فيه إلا من وفقه الله ، فعن أسامة ين زيد قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من شهور ما تصوم من شعبان قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و هو شهر تُرفع في الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يُرفع عملي و أنا صائم (رواه النسائي .حديث حسن تمام المنة /412).
ففي هذا الحديث أيها المؤمنون أن هذا الشهر شهر شعبان فيه تُرفع الأعمال الصالحة إلى الله عز و جل و إن من الأعمال الصالحة التي ترفع إلر رب العالمين : الصوم فيستحب الصوم من هذا الشهر ، و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يصوم أكثر هذا الشهر لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى نقول لا يُفطر و يُفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل صيام شهر إلا رمضان و ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان" ، و قالت أيضا رضي الله عنها : "لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يصوم شهرا أكثر من شعبان " رواهما البخاري في صحيحه 213/4 .
ففي هذه الأحاديث أيها المؤمنون استحباب صوم أيام من هذا الشهر ، شعر شعبان اقتداء بنبينا صلى الله عليه و سلم ، و رجاء أن ترفع أعمالنا فيه إلى الله عز و جل فتدركنا رحمته و مغفرته سبحانه و تعالى .
أيها المؤمنون : قد يتساءل بعض الإخوة فيقولون : هل الصوم في شعبان جائز مطلقا من أول الشهر إلى نهايته ؟! أم هل الصوم يكون في بدائته فقط ؟! و هل الناس في صيام هذا الشهر سواء ؟! أم يختلفون و تختلف أحكام صومهم فيه ؟! وللإجابة على هذه التساؤلات نلخص ما ذكره أهل العلم رحمهم الله في صيام هذا الشهر جمعا و توفيقا بين الأحاديث فنقول :
الناس في صيام هذا الشهر على أقسام
1- فمنهم من لم تكن له عادة في الصيام قبله و دخل عليه شعبان و هو مستمر في عدم الصيام : فهذا ترك فضلا عظيما و أمرا مستحبا مرغب فيه فلا يحرم نفسه هذا الفضل .
2-و منهم من كانت له عادة في الصيام قبل شعبان : مثل أن يكون قد اعتاد صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، أو يكون قد اعتاد صيام يومي الإثنين و الخميس ، أو يكون قد اعتاد صوم يوم و إفطار يوم ، و دخل عليه شعبان فليستمر في صيامه و ليواضب على عادته التي كان قد اعتادها .
3-و من الناس من لم يكن له عادة في الصيام قبل هذا الشهر لكن لما انتصف شعبان بدأ يصوم : فهذا ننصحه بترك الصيام لأنه ارتكب أمرا منهيا عنه فقد جاء في الحديث الصحيح الوارد في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا "( المشكاة 1974) .
4- و منهم من لم تكن له عادة في الصوم و لكن لما بقي على نهاية شهر شعبان يوم أو يومان صام هذين اليومين أو هذا اليوم من أجل أن يحتاط لرمضان : فهذا الأمر الذي فعله عده العلماء بدعة في دين الله عز و جل لأنه قد أتى بمحدثة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا أحد من أصحابه رضوان الله عليهم و هو قد وقع في الأمر الذي حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم (متفق عليه ) فهذا نهي صريح من النبي صلى الله عليه و سلم عن التقدم على شهر رمضان بيوم أو يومين إلا من كان له اعتياد قبل ذلك كما تقدم معنا .
أيها المؤمنون كما أنه لا يجوز للمسلم صيام يوم الشك و هو اليوم الثلاثون من شعبان إذا لم يُرَ الهلال في ليلته بسبب غيم أو ساتر أم نحوه فيجوز أن يكون من رمضان و يجوز أن يكون من شعبان ، فهذا جاء النهي عن صومه صريحا في قول عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم (رواه أبو داود و الترمذي و هو حديث صحيح ) الإرواء 961 ، أما لو تبين بعد ذلك أنه يوم من رمضان فيقضى مكانه يوما بعد رمضان ، فاحرصوا أيها المؤمنون على الصوم في شعبان و اغتنموا هذه الأيام التي جعلها الله تعالى مواسم للخيرات يتزود منها المرء لآخرته.
ــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين و على آله و صحبه أجمعين أيها الناس : اتقوا الله تعالى و تمسكوا بكتابه و سنة نبيه ففيهما الكفاية و الهدى و النور. أيها الإخوة المؤمنون : اغتنموا هذا الشهر ففيه ترفع الأعمال إلى رب الأعمال ، فكونوا ممن يُرفع له عمل صالح في هذا الشهر عن أسامة ين زيد رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال :"ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان ، و هو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين و أحب أن يرفع عملي و أنا صائم" ( رواه النسائي الترغيب 1022 حسن ).
قال بعض العلماء ( إن أعمال الأسبوع تعرض على الله كل اثنين و خميس ، و أعمال السنة كلها تعرض في شعبان ) شرح النسائي بتصرف. و قوله "يغفل الناس عنه" فيه : أن إحياء أزمة الغفلة فيه أجر كبير إذا ورد فيها أثر عن نبينا صلى الله عليه و سلم. و مثل ذلك ما ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "العبادة في الهرج كهجرة إليّ " و الهرج : هو زمن الفتن وكثرة اختلاط أمور الناس ، ففيها يغفل الناس عن عبادة الله تعالى.
و مثل قوله عليه الصلاة و السلام "" من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وخده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة و محا عنه ألف ألف سيئة و رفع له ألف ألف درجة ""(1684 حسن لغيره -الترغيب) ، فالسوق موطن من مواطن الغفلة حيث البيع و الشراء و غفله الناس عن ذكر الله تعالى ، و الغفلة عن الله و عن مراقبته تورث الوقوع في المعاصي و اقترافها ، فصار الذّاكر فيها لله بلسانه أو بعبادته عظيم الأجر مضاعف الثواب ، و هذا لا يحصل إلا لمن كان دائم الحذر مما هو مقدم عليه من الأهوال العظيمة في قبره و يوم يقوم العباد لربهم خائفين وجلين يطلبون السلامة مما أمامهم مترقبين منازلهم التي سينزلون فيها ، ففريق في الجنة و فريق في السعير ، و قانا الله و إياكم و سائر المسلمين من غضبه و عقابه و من شرور أنفسنا و من غفلتنا و معاصينا ، و رزقنا تدارك الأعمار فيما يقرب إليه سبحانه و وفقنا بمنه و كرمه للتوبة و الإنابة قبل الممات إنه سميع قريب مجيب الدعاء .

خطبة جمعة : أبو عبد الله اليماني
راجعها الشيخ :
محمد بن عمر بازمول -حفظه الله -
و كتبها على الآجري
أخوكم:"ستر الله عيوبه"
محمّد عوّاد
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top