وفي 1931 اقيم معمل كهربائي صغير من أجل إضاءة الأحياء وتحسين الحياة في المنازل. وبدأ استغلال الخشب الذي أوجد بعض مناصب الشغل لأهل المنطقة، ثم انطلق استغلال الحلفاء أيضا التي شغلت بعض مئات العمال. وقد كانت بعض كمياتها توجه لصنع الزرابي و الاطباق و الحبال .. في مصنع صغير في الجلفة ، بينما توجه جل الكمية إلى الجزائر ثم تنقل على متن البواخر.
و تم انشاء مكتب البريد في سنة 1936.
و كان عدد سكان الجلفة سنة 1948 حوالي 6212 نسمة منهم 5800 داخل المدينة.
الجلفة والكفاح الشعبي ضد الإستعمار
ارتبطت أولى طلائع الثورة و الكفاح في الجلفة بشخصية ابن الحسن المصري الذي كان زعيم حركة صوفية تدعى الدرقاوية. وكان من بين المنظمين له بعض من النوائل أما الاغلبية فكانت من العبازيز (نسبة إلى جدهم سيدي عبد العزيز).
وقد سار موسى بن الحسن نحو مدينة الجزائر رفقة أتباعه من اجل خوض غمار" الحرب المقدسة " ورمى الفرنسيين في الحرب وإسقاط الأمير عبد القادر الذي عقد اتفاقية معهم.
والظاهر أن نية ابن الحسن لم تكن سيئة تجاه الأمير، لكنه كان ربما مفتقرا للتفكير الاستراتيجي الحربي الذي يسمح بتوقيف الحرب مدة معينة. فاعتبر ان هذه الهدنة بين الأمير وفرنسا تحالفا مع الكفار ...
وفي طريقه إلى العاصمة كان أتباعه يزدادون شيئا فشيئا. وحين دخل مدينة المدية استنجد السكان بالأمير عبد القادر، فحدثت واقعة بين الرجلين سنة 1835 بتامجاهرت انهزم فيها ابن الحسن، واستطاع الفرار مع فلوله، واللجوء فيما بعد إلى مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من جديد.
أما بالنسبة إلى كفاح الأمير عبد القادر في الجلفة فيذكر آرنو أن أولاد نايل انضووا تحت لواء الأمير سنة 1836 فقسم رجالهم إلى ستة فيالق، وعلى رأس كل فيلق شيخ ينضوي بدوره تحت سلطة " القائد ".
وكان سي عبد السلام بن قندوز أول قائد، لكنه عوض بعد سنتين (1838) بابن أخيه سي الشريف بلحرش الذي وضع نفسه تحت خدمة الأمير، وأعطاه الأمير لقب خليفة أولاد نايل بعد مقتل الحاج عيسى خليفة الاغواط ... وكان ينوب سي الشريف ثلاثة آغات هم :التلي بلكحل ومحمد بن عطية وابن عبد السلام .
سي الشريف بن لحرش و الأمير عبد القادر الجزائري
وقد قام الامير بتطوير سلاح القبائل من منطقة بعد ان كانت أسلحتهم تقليدية.
وتماشيا مع هذا الولاء فقد شارك أولاد نايل في حصار عبد القادر الشهير لعين ماضي ضد احمد التيجاني سنة 1877، و أرسلوا فرقة عسكرية معتبرة من الفرسان كما ساعدوا الأمير في تأديب القبائل التي أعلنت الولاء للفرنسيين، سواء في مرتفعات المدية أو حتى في بلاد القبائل سنة 1846 وكذا شاركت فرقة أولاد نايل في معركة العين الكحلة مع الأمير عبد القادر ضد الجنرال يوسف، وفي معركة الخرزة بناحية الزعفران الغربي في أواخر سنة 1845.
ولم ينطفئ لهيب الثورة والتمرد على المستعمر في ربوع الجلفة بعد ذهاب الأمير عبد القادر، إذ قام القائد التلي بلكحل - الذي كان رفقة الأمير قبل ذلك- بحركة تمردية مع قبائل: أولاد سي احمد وأولاد أم هاني وسعد بن سالم في شهر أكتوبر من سنة 1845 بالزعفران شمال غربي مدينة الجلفة لكن فرقة من الجيش الفرنسي هاجمتهم، ورغم ذلك استطاع التلي بلكحل ورفاقه التسلل نحو الجبال القربية من مسعد.
كما قام أولاد أم الاخوة بهجوم على فيلق فرنسي تابع لمدينة الجلفة في منطقة عين الناقة جنوب المدينة في تاريخ 10 اكتوبر 1854.
وانتفض كذلك أولاد سعد بن سالم في سبتمبر 1851 وكذا أولاد طعبة في سبتمبر 1853 في جنوب شرقي الجلفة ودامت انتفاضتهم عدة اسابيع .
وتجدر الإشارة إلى الهجوم الشجاع الذي قاده الطيب بوشندوقة في ليلة 15 افريل سنة 1861 برفقة أولاد سي احمد وأولاد أم هاني والسحاري على البرج المقام بمدينة الجلفة التي كانت منطقة عسكرية آنذاك، إذ قام هؤلاء بهجوم مفاجئ على المدينة فقتلوا عددا من الفرنسيين ثم لاذوا بالفرار. إلا أن القائد الفرنسي "دي سوني" استطاع بمساعدة رجاله إلقاء القبض على بعضهم. وأقام لهم محاكمة عسكرية مستعجلة قررت إعدامهم وتقول بعض الروايات انهم دفنوا أحياء بالمكان المسمى " مطمورة 16 " وسط مدينة الجلفة. أما الطيب بوشندوقة فلم يلق عليه القبض ويقال انه لجأ إلى مصر.
الجلفة.. والجهاد أثناء الثورة التحريرية
غداة الثورة المباركة تمت عمليات لجمع الأسلحة والذخيرة ، ولتكوين لجان وفرق من الفدائيين والمسبلين، رغم أن قيادة الثورة أرادت ان تكون المنطقة مركزا للتموين ومكان راحة لجيش التحرير الوطني .
في الفترة الممتدة بين 1954 و 1956 حدثت عمليات فدائية جريئة كتخريب المنشآت الاستعمارية وقطع خطوط الهاتف وتفجير سكة الحديد .......
أما سنة 1956 تحديدا فكانت حاسمة اذ كلف عمر ادريس وزيان عاشور بالتمركز بجبل بوكحيل والبدء بتجنيد المجاهدين ، والقيام بعملية التدريب والتسليح.
وبعد مؤتمر الصومام تصبح الجلفة ضمن الولاية السادسة ويعين العقيد علي ملاح قائدا لها لكنه يستشهد في صور الغزلان ويصبح على اثر ذلك زيان عاشور (ابن المنطقة) القائد العام لها.
ولا يمر وقت طويل حتى يستشهد هذا القائد (1956)، ويصبح العقيد سي الحواس قائدا لها، وعمر إدريس رائدا سياسيا لها وقائدا لمنطقة الجلفة وما جاورها التي كانت تابعة للناحية الثانية من المنطقة الثانية للولاية السادسة .
امتازت الولاية السادسة بالتنظيم السياسي والإداري لخلايا جبهة التحرير الوطني وذلك بحكم طابعها الصحراوي أولا ، بحكم مواجهتها لمختلف الحركات المناوئة للثورة وقد اعتمدت جبهة التحرير السرية للتوغل في صفوف الشعب ، كما امتازت بمحاربة البنية الاقتصادية الاستعمارية خاصة ضد حقول البترول والغاز.
كما كانت تقوم بتنظيم فرار المجندين الجزائريين في صفوف العدو وجلب الأسلحة والأخبار . وواصل قادتها معارك جيش التحرير في الولاية السادسة.
في 29 مارس 1959 يستشهد سي الحواس ويقبض على عمر ادريس كي يعدم فيما بعد، ويصبح العقيد محمد شعباني قائدا للولاية حتى بزوغ شمس الاستقلال.
لا شك أن أهم مشكل واجهته المنطقة الثانية في الولاية السادسة هنا هو مشكل الثورة المضادة المتمثل في حركة بلونيس الذي وصل إلى المنطقة في جويلية 1956. وشكل حجر عثرة أمام تقدم المجاهدين الذين أصبحوا يقاتلون على جبهتين.
وحاولت الدعاية الفرنسية وكذا دعاية خصم الثورة بلونيس أن تفصل الشعب عن ثورته عن طريق نشر الأكاذيب وإرهاب الشعب.
كما قام بلونيس بعملية كادت أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على المستويين المحلي والوطني. إذ استطاع أن يسيطر على الوضع لمدة زمنية معينة إثر ذهاب عمر ادريس إلى المغرب في مهمة لجلب السلاح، لتركه لنائبه حاشي عبد الرحمان الذي قبض عليه بلونيس مع بعض الافواج التابعة له، إذ عذب وقتل على يده.
لكن عودة الرائد عمر ادريس رجحت الكفة لصالح جيش التحرير. وكان لمنطقة الجلفة الفضل في القضاء على هذه الحركة التمردية في 14 جويلية 1958 يوم مقتل بلونيس.
و من بين أشهر المواقع التي حدثت في منطقة الجلفة معركة الكرمة في جبل بوكحيل يومي 17 و 18 سبتمبر 1961 التي قادها المرحوم العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة، وجندت لها فرنسا قوات ضخمة من كل النواحي مدعمة بجمع من الدبابات و أسراب من الطائرات قدرت بثمانين طائرة . لكنها منيت بأفدح الخسائر إذ فقدت 800 جندي و اسقاط ثلاث طائرات واحدة من نوع ث6 و اثنين من نوع ب29. و بالمقابل تم استشهاد 9 مجاهدين وجرح 7.
أما معركة جريبيع فكانت امتدادا للمعركة السابقة. إذ تتبع العدو المجاهدين الذين خرجوا من حصار معركة الكرمة، فعزز قواته وعتاده وحين دقت الساعة السادسة اندلعت المعركة التي استعمل فيها العدو سلاح النبالم، ولم تتوقف المعركة إلا في حدود منتصف الليل.
ومن المعارك البارزة في هذه الولاية ، نذكر معارك جبال القعدة و معركة جبل دلاج في 2 جويلية 1957، ومعركة جبل ثامر التي استشهد فيها العقيدان سي الحواس و عميروش .
و كانت معركة جبال الزاب في 15 أفريل 1957 قد خلفت خسائر لدى العدو قدرت بـ 12 جندي قتيل منهم ضابطان ساميان، و كذا اسقاط طائرة عمودية. أما من جانب جيش التحرير فاستشهد 03 شهداء و جرح 4 من المجاهدين.
و معركة الجلفة 3 جويلية 1957 اين خسر العدو الفرنسي 45 قتيلا و كذلك معركة 15/16 أوت 1957 اين خسر العدو الفرنسي 42 قتيلا و خسائر مادية باهظة.
صورة لمجاهدي الجلفة بعد الإستقلال
احتفالات بعيد الإستقلال
تجمع بمناسبة 5 جويلية 1962
الجالسون من اليمين الى اليسار: المجاهدين بركات، فضة عبد القادر المدعو بوعسرية، المجاهد أحمد بن ابراهيم (مسؤول المنطقة)، الواقف أمام الميكروفون المجاهد دلولة الحاج بلعباس (أول رئيس لبلدية الجلفة بعد الإستقلال) ، و الواقف وراءه المجاهد حساني السعيد المدعو بوشيبة.
منقول من موقع أخبار الجلفة