- إنضم
- 18 مارس 2009
- المشاركات
- 6,377
- نقاط التفاعل
- 55
- نقاط الجوائز
- 1,017
- العمر
- 37

أمي تحكي لي عن يوم مولدي...
أطل فصل الخريف لبست الطبيعة ثوبا حزينا فاكفهر وجه السماء بسحب و غيوم تلتها منه تنهيدة أرسلت بها رياح لها صفير إنذار و إعلان الطوارئ على أديم الأرض..
بعد أن وهنت أوراق الشجر و اصفر محياها و انكمشت ملامحها و يبس عودها فأصبحت تتشبث بفروعها تشبث الغريق بعشبة تحتضر ..بمجرد هبوب الرياح
و الإعلان الرسمي على وفاتها..و اقتلاعها من منبتها ومهد شبابها وعنفوانها فهاهي تقذفها إلى مكان مجهول فصارت تتمايل تمايل غنج و تراقص المذبوح في فضاء شاسع يكون مآلها إلى الأرض موقع الموت الذي ينبت الحياة بعد حين ..بعد حين تتفسخ و تتعفن و تصبح مادة خام لحياة أخرى جديدة كانت نباتية أو حيوانية....

استطردت أمي و قالت....
في ذلك الفصل و في أحد لياليه كان بيت صغير يقبع عند سفح جبل ينبعث نور
خافت من مصباح زيتي ، لعدم وصول الكهرباء إلى تلك الرقعة المنسية .. في تلك القرية التي أنجبت العظماء و كانت معقلا و عرينا لأسود الثورة التحريرية...
و كانت في زاوية البيت نسوة من القرية يحطنني بنظرات ترقب المجهول أيكون..
خيرا أم شرا ...فمنهن من صكت و جهها ومن منهن من هزت رأسها يمنة ويسرة..
و منهن من عذبت أرضية البيت ذهابا و أيابا..و أنا أتلوى و أتلظى من نار على..
هذا الحصار و أقتات من ألم المخاض..و عجوز تقابلي و تنتظر اللحظة الحاسمة..
و كلها فخر واعتداد بالنفس، رغم أنها لم تقع عيناها على الحروف الهجائية ..
و حتى إن وقعت عليها تعتبرها طلاسم ..فهذه المرأة العجوز تعتبر طبيبة القرية
في التوليد اكتسبت الخبرة من توليد بقرتها الوحيدة مصدر رزقها..و بعدها ..
البقرات البشرية التي أكسبتها الشهرة و المعيشة الميسورة..
تابعت أمي حكايتها..
كان جبيني يتصبب عرقا و قلبي إزداد خفقانا و الألم يعصرني عصرا..
بعد حين إنطلق صراخك بكاؤك بلا دموع ..و انطلق من حولى بكاء النسوة
و ثقبت أذناي كلمة منهن ..لماذا ياربي ؟!..إنها بنت !!!
فأخذتني ثورة من الغضب الجامح و أنطلق مني عنان الإنتقام ممن يكفرون
بنعمة الله وانفجرت صائحة إبتعدن عني إنها إبنتي و أنا معتزة بها...
إنها قطعة مني لا أسمح لأحد أن يهينها..يا إلهي المسكينة لم تفتح عينها بعد،..
على هذا العالم الرهيب و تهاجم قبل وضعها في المهد ما هذا الجهل؟..!
و أجهشت بالبكاء فاختلط الدمع بالعرق ..و الأسى بالألم..

إغرورقت عين أمي بالدموع و تابعت تقول...
في صبيحة الغد و القرية علمت بميلاد بنت لعدم سماع الزغاريد، و قوبل والدك من أبناء القرية بعبارات التعازي ..
لا بأس أخي في المستقبل ستنجب الرجال الذين يحملون إسمك...
و منهم من يتمتم للآخر المسكين إبتلاه الله ببنت ..
وفي المساء عاد الأب واجما لا يرفع رأسه من الأرض و يقول هل من طعام؟
و بدون إجابة توضع المائدة و عليها الأكل المعتاد ..
و من زاوية البيت الصغير ينطلق صراخك لطلب الحليب..
و هكذا ولدت في فصل الخريف بموت أوراق الشجر فانبعثت حياة جديدة..
عساها تغير فكرة أهل القرية ..
ثم نظرت إلي أمي نظرة حادة سددتها تجاهي وقالت..

لقد ولدت في الخريف وعشت شتاء العمر شباب و كهولة في أعماق المعاناة فكان
مطرا وبكاءا و برقا و رعدا و لكن في النهاية و صلت للغاية..وقهرت الأسطورة
فرفعت رأس القرية و أصبحت تذبح للبنت الذبائح و تقام لها الولائم و تسمع الزغاريد إعلانا لمولدها
و تدق لذلك الطبول..
الآن نظرت بدوري إلى أمي و أمسكت بيديها
و قلت لها هل من دعاء لي أماه أن يكون الربيع هناك
في ظل الرحيم الرحمان
قالت..
آمين

بقلمي : مهديmido