مرحبا بيك حنونا ادن انت تدرسين علوم قانونية و ادارية فمن هدا الفرع تستطيعين بعد تحصلك على الليسانس ان تسجلي في المدرسة العليا للادارة وبعد ان تتمي دراستك بيها و ان كنت من الطموحين يمكنك ان تصلي حتى الى مرتبة الوزراء و.... و كما يمكنك ان تعملين في اي ادارة اما في شركة او المستشفى او.........الخ ارجو ان اكون قد افدتك و لو بالقليل فهدا ما اعلمه لحد الان لاني مثلك اخترت هدا الفرع
يا جماعة من فضلكم راني نحوس على الوظيفة التالية الي دوختاني لازم نلقى الحل تاعها من الناحية القانونية و هي شرح المفاهيم الاتية العلم-المعرفة-الثقافة-الفن وعلاقتها ببعضها و بالعلم من فضلكم في اقرب وقت ممكن فهدا الطلب مستعجل
ادن انت تدرسين علوم قانونية و ادارية فمن هدا الفرع تستطيعين بعد تحصلك على الليسانس ان تسجلي في المدرسة العليا للادارة وبعد ان تتمي دراستك بيها و ان كنت من الطموحين يمكنك ان تصلي حتى الى مرتبة الوزراء و.... و كما يمكنك ان تعملين في اي ادارة اما في شركة او المستشفى او.........الخ ارجو ان اكون قد افدتك و لو بالقليل فهدا ما اعلمه لحد الان لاني مثلك اخترت هدا الفرع
حبيبتى شكرا ليك نتى على الشرح و انا هاديى لحوايج الى كنت حابتها مى سؤال صغير برك ياترى هادا الشي حتى على بكالوريا 2009 صافي الجدد و مشكوووررررة يا غالية
حبيبتى شكرا ليك نتى على الشرح و انا هاديى لحوايج الى كنت حابتها مى سؤال صغير برك ياترى هادا الشي حتى على بكالوريا 2009 صافي الجدد و مشكوووررررة يا غالية
اصطلاحا :هو العدول عن القياس الجلي الى قياس خفي هو اقوى منه
او استثناء مسالة جزئية من اصل كلي او قاعدة عامة لدليل يقتضي هذا العدول
امثلة عن الاستحسان :
1- اذا هلك المقبوض من الدين المشترك في يد احد الشركاء فالقياس ان يهلك على الجميع لكن الحكم استحسانا بان الهالك في يد القابض هلك في حقه فقط .
لانهما في القياس الظاهر: يتقاسمان المقبوض فكذلك يتحملان تبعة هلاكه اذا هلك وفي القياس الخفي: لانه لم يكن ملزما بمشاركة القابض بل له ان يترك المقبوض للقابض ويلاحق المدين بحصته
2-المثال الثاني : بيع المعدوم باطل باتفاق ، ولكن بيع السلم وهو بيع معدوم استثني من البطلان للحديث ( من اسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم )
ومنه كذلك جواز عقد الاستصناع فهو استحسان اساسه الاستثناء من القاعدة الكلية
سند الاستحسان : عند المالكية انواع ثلاثة
3/1- استحسان سنده العرف :كمن حلف لا ياكل لحما فاكل سمكا لا يحنث لان السمك عرفا ليس لحما مع ان السمك لحما لغة وشرعا
3/2- استحسان سنده المصلحة : ومنه ان الاجير المشترك لا يضمن قياسا لكن عدل عن هذا وحكم بضمانه للمصلحة وهي المحافظة على اموال الناس
3/3-استحسان سنده رفع الحرج : ومنه يغتفر الغبن اليسير في المعاملات
وهده الانواع الثلاثة السابقة الذكر مذكورة كذلك عند الحنفية وزادوا عليه استحسانا سنده قياس خفي ترجح على قياس جلي و الاستحسان الذي سنده النص و التحقيق ان الحكم الثابت بهما ثابت في الاول بالقياس وفي الثاني بالنص .
4/4 حجيته : عمل به اكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة واعتبروه دليلا شرعيا تثبت به الاحكام ودليلهم ان الشارع الحكيم قد عدل في بعض المواطن عن القياس او عن تعميم الحكم جلبا للمصلحة او دفعا للمفسدة فمثلا بعد تحريم الميتة في قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) ثم قال ( فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا اثم عليه )
وان الامام الشافعي انكر الاستحسان وقال من استحسن فقد شرع ويريد بذلك الاستحسان باتباع الهوى لهذا عمل به اصحابه بعد ان تبين لهم المقصود فهو خلاف لفظي .
الاستصلاح :
تعريفه
لغة : طب الصلاح او المصلحة
شرعا :هو بناء حكم في واقعة لا نص فيها ولا اجماع مراعاة لمصلحة مرسلة
تعريف المصلحة والمفسدة : المصلحة في الاصل هي جلب المنفعة او دفع المضرة وحقيقة المفسدة هي كل الم وعذاب جسميا كان او نفسيا او عقليا او روحيا والمصالح الاخروية مقدمة على المصالح الدنيوية قال تعالى (وللاخرة خير لك من الاولى )
دليل اعتبار المصلحة : ان هدف الشريعة ومقصدها تحقيق مصالح العباد في العاجل والاجل قال تعالى ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ولا تكون الشريعة رحمة الا اذا تكفلت بمصالح المرسلين وقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) فاليسر مصلحة وهو مطلوب والعسر مفسدة وهو منهي عنه
ومن السنة ( لا ضرر ولا ضرار)
تقسيم المصالح :
قسمها العلماء الى ثلاث
1- الضروريات : هي مصالح لا يمكن الاستغناء عنها واذا فقدت فسدت احوال الناس في الدنيا و الاخرة وهي خمسة حفظ الدين ، حفظ النفس ، حفظ النسل ، حفظ العقل ، حفظ المال
وقد شرع لها احكاما تحفظها من جانب الوجود ما يقيم اركانها ، وشرع احكاما اخرى من جانب العدم اي تمنع الخلل عنها ويمكن لكم اخواني التوسع اكثر من خلال اطلاعكم على مقاصد الشريعة الاسلامية
2- الحاجيات :وهي مصالح يحتاجها الناس ليعيشوا في يسر واذا فقدت اصابهم الضيق والحرج ومثال ذلك الرُخص كالتيمم .
3- التحسينيات : وهي ترجع الى محاسن العادات ومكارم الاخلاق قال صلى الله عليه وسلم (انما بعثت لاتم مكارم الاخلاق ) ومثال ذلك تشريع الطهارة للثوب والبدن عند الصلاة وستر العورة واخذ الزينة عند كل مسجد
مذاهب العلماء في الاحتجاج بالاستصلاح :
اتفق العلماء انه لا استصلاح ولا قياس ولا استحسان في العبادات اما الاحكام الاخرى فاختلفت اراء المذاهب
1-مذهب مالك واحمد ومن تابعوهما: حيث اخذوا بالاستصلاح وبنوا عليه الاحكام وذهب الطوفي وهومن علماء الحنابلة الى ان الاستصلاح هو الدليل الشرعي الاساسي في المعاملات ونحوها
2- مذهب الشافعي :انه لا يجوز استنباط الاحكام بالاستصلاح ومن استصلح فقد شرع كمن استحسن
3- المذهب الحنفي : المشهور في بعض الكتب انهم لا ياخذون بالاستصلاح ولا يعتبرونه دليلا شرعيا وقد استبعد بعض العلماء هذا لان الحنفية في مقدمة العلماء الذين يعللون النصوص ويجعلون علتها هي المصالح ولكنهم قالوا بالاستحسان وجعلوا من انواعه الاستحسان الدي سنده العرف و الضرورة والمصلحة
شروط المصلحة المرسلة :
-ان تكون مصلحة حقيقية لا وهمية فلا تخالف مقاصد الشريعة الضرورية والحاجية والتحسينية
- ان تكون مصلحة عامة وليست شخصية
-ان لا تعارض نصا ولا اجماعا
من امثلة الاستصلاح :
-جمع القران في وقت ابي بكر الصديق رضي الله عنه
-اتخاد الدواوين في وقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
- تجديد عثمان رضي الله عنه ادانا ثالثا لصلاة الجمعة لما كثر المسلمون
-اشتراط سن معينة لمباشرة عقد الزواج
سد الذرائع :
تعريفها
لغة : الوسيلة التي يتوصل بها الى الشيء
اصطلاحا :عرفها الشاطبي ( التوسل بما هو مصلحة الى مفسدة )
فاذا كانت الوسائل تؤدي الى الحرام او الفساد منعت وان كانت الوسائل تؤدي الى امر مطلوب فهي جائزة او واجبة لان الشرع اذا حرم شيئا حرم ما يفضي اليه
اقسامها :
1- الوسائل الموضوعة للافضاء للممنوع: مثل شرب الخمر المؤدي الى السكر
2-الوسائل الموضوعة للامور المباحة الا ان فاعلها قصد بها التوسل الى مفسدة : مثالها :من يعقد الزواج قاصدا به التحليل
3- الوسائل الموضوعة للامور المباحة والتي لم يقصد بها التوسل الى المفسدة لكنها مفضية اليها غالبا و مفسدتها ارجح من مصلحتها: مثالها سب الهة المشركين الذي يفضي الى سب الله
4- الوسائل الموضوعة للمباح وقد تفضي الى المفسدة و مصلحتها ارجح من مفسدتها : ومثاله النظر الى المخطوبة والمشهود عليها
حكمها :
هي وجه من وجوه رعاية مقصود الشارع في حفظ المصالح ودرء المفاسد وقال بها المالكية اكثر من غيرهم وقال به الحنابلة وبقية المداهب بدرجة اقل
ادلة حجيتها : ( ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن )
ايضا سورة الانعام الاية 108
وحديث منع الهدية للعامل عامل الزكاة
امثلة عن سد الذرائع : التهادي بين الناس من اسباب المحبة لكن ان استعملت الهدية لامر غير مشروع فتمنع الهدية المشروعة في الاصل سد لدريعة الوقوع في حرمة الرشوة
العرف :
تعريفه: هو ما اعتاده الناس و ساروا عليه في امور حياتهم و معاملاتهم من فعل او ترك ويسمى ايضا بالعادة عند الكثير
انواعه :
-عرف قولي : كاطلاق كلمة الولد على الذكر والانثى
-عرف عملي :كتعارف الناس للبيع بالتعاطي دون استعمال الصيغة اللفظية في البيع
-عرف عام : ما يتعارف عليه الناس في جميع البلاد كتعارفهم دخول الحمامات من غير تعيين مدة البقاء ولا
مقدار الماء المستهلك
-عرف خاص : وهو ما يتعارفه اهل بلد ما او طائفة ما ، كتعارف التجار على اثبات الديون في دفاتر خاصة دون اشهاد او تعارف بعض البلاد على تقديم جزء من المهر وتاجيل الباقي الى اجل الوفاة او الطلاق .
-عرف صحيح : ما لا يخالف نصا شرعيا ولا قاعدة شرعية اسلامية
-عرف فاسد: ما يخالف احكام الشريعة وقواعدها ، كتعارف الناس على السباحة مختلطين رجالا ونساءا او شرب الخمر او القمار .
حجيته : والعرف الفاسد لا اعتبار له فهو اتباع للهوى ومخالف للشريعة فلا يحتج به
والعرف الصحيح :دليل شرعي ولا خلاف في اعتباره عند الفقهاء عند استنباط الاحكام وتطبيقها وعند تفسير نصوص عقود الناس واساسه رعاية مصالح الناس و رفع الحرج عنهم وقد اخذت به الشريعة فوافقت على بعض الاحكام كانت موجودة قبل الاسلام كفرض الدية على العاقلة وعقد الزواج
والاحكام المبنية على العرف والعادة تتغير بتغير الاعراف وعليه نجد بعض الاختلافات في المذهب الواحد بين الفقهاء سببها تغير العرف ، فيقولون انه اختلاف عصر و زمان لا اختلاف حجة وبرهان
دليله : قوله تعالى ( خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ).......... سورة الاعراف الاية 199
شروطه :
-ان يكون مطردا او غالبا في اكثر الحوادث
-ان يكون موجودا عند انشاء التصرف او قبله
- ان لا يخالف شرط احد المتعاقدين
-ان لا يخالف نصا شرعيا
القرآن الكريم. القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وهو كلام الله سبحانه وتعالى والموحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام وهو المعجزة البيانية الخالدة الذي لا يأتيه الباطل من حوله، ومن خلال هذا المبحث نتطرق لتعريف القرآن الكريم ثم تبيان بعض خصائصه وأحكامه وحجيته عليها.
المطلب الأول: ماهية القرآن الكريم.
أولا: تعريف القرآن الكريم.
1- القرآن في اللغة: مصدر قرأ بمعنة تلا، أو بمعنى جمع، نقول قرأ فلان قراءة وفي هذا يقول عز وجل «وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» فعلى المعنى الأول تلا يكون مصدر بمعنى إسم المفعول، أي بمعنى متلو وعلى المعنى الثاني جمع يكون مصدرا بمعنى إسم الفاعل أي بمعنى جامع لجمعه الأخبار والأحكام ويمكن أن يكون بمعنى إسم المفعول أيضا، أي بمعنى مجموع، لأنه جمع في المصاحف والصدور .
2- تعريف القرآن في الشرع: كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: «إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا» وباللغة العربية والمنقول عنه إلى يومنا هذا متواثرا بلا شبهة، الموجود بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس. وقال تعالى: «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ». ورغم أن القرآن الكريم غني عن التعريف فإنه عرف مجموعة من التعاريف نذكر البعض منها رغم أنها لا تخرج عن التعريف أعلاه.
«القرآن كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس »
«القرآن كلام الله الموحى به إلى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام باللغة العربية، المنقول بالتواثر، المعجزة لفظا ومعنى، المتعبد بتلاوته الموجود بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس ».
هذه التعاريف رغم إختلافها في الصياغة فهي لها نفس المعنى ومنها يمكن إستخراج مجموعة من الخصائص التي يتميز بها القرآن الكريم.
ثانيا: خصائص القرآن الكريم.
يمتاز القرآن الكريم بخصائص عديدة منها:
1- أنه كلام الله عز وجل الموحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: تعني هذه الخاصية أن القرآن ومعانيه كلاهما منزل من عند الله تعالى فهو النظم والمعنى جميعا أي أن القرآن الكريم إسم لكل من النظم المعجز والمعنى المستفاد وهو ما عليه الأئمة الأربع، وظيفة الرسول إنما هي تلقيه عن الله تعالى وتبليغه إلى الناس وبيان ما يحتاج إلى البيان .
أن القرآن الكريم وحي من عند الله بألفاظه وبمعانيه العربية وهذا ثابت بالقرآن نفسه الذي جاء فيه: «وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين » وقال عز وجل: «وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها » فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان إلا تاليا للقرآن الكريم ومبلغا له ومبينا ما يحتاج إلى البيان وهذا يدل على أنه :
- ما نزل على الرسول من وحي بالمعنى والمضمون دون اللفظ لا يعتبر قرآنا بل يعتبر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
- تفسير القرآن الكريم لا يعد بقرآن مهما تم إحكام هذا التفسير.
- ترجمة القرآن الكريم إلى لغة غير العربية لا تعد قرآن كريم ولا يعتد بها ولا يصح الإعتماد عليها لإستنباط الأحكام ولا يمكن الصلاة بها.
• حكم ترجمة القرآن الكريم .
قبل إعطاء حكمها لابد من الإشارة إلى أن الترجمة نوعان ترجمة حرفية وترجمة معنوية.
الترجمة الحرفية هي ترجمة الآية كلمة بكلمة وهذه الترجمة مستحيلة عند أهل العلم وهي ممنوعة شرعا.
الترجمة المعنوية: هي ترجمة معاني القرآن الكريم فهي جائزة في الأصل لأنه لا محظور فيها، وقد تجب حيث تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا مع إشتراط.
أن لا تجعل بديلا للقرآن الكريم.
أن يكون المترجم عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن.
أن يكون عالما بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها.
ولا تقبل ترجمة معاني القرآن الكريم إلا من مأمون عليها بحيث يكون مسلما مستقيما في دينه.
2- نزول القرآن كان منجما:
يعني أن القرآن الكريم نزل مفرق في مدى ثلاث وعشرين سنة وهي سنوات الرسالة المحمدية التي بلغ فيها رسالته عليه السلام وقد نزل البعض في مكة والبعض الآخر في المدينة المنورة .
الحكمة من نزول القرآن منجما أي مفرقا هي:
- تتبث فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
- تحدي المشركين والرد عليهم.
- تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه.
- مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع ومراعاة النسخ.
3- القرآن الكريم إبتدائي وسببي النزول.
ينقسم نزول القرآن إلى قسمين:
إبتدائي: هو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه، وهو غالب آيات القرآن ومنه قوله تعالى: «ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين »
سببي: وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه ويكون إما سؤال يجيب عنه عز وجل كقوله تعالى: «يسألونك غن الآهلة قل هي مواقيت للناس والحج » أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل قوله تعالى: «ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب » الآيتين نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله وأصحابه، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبه: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» أو فعل وقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل قول عز وجل «قد سمع قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ».
بالإضافة إلى أنه إبتدائي وسببي النزول فهو مكي ومدني، ما نزل على الرسول بمكة هو مكي وما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة هو مدني. أي ما بعد الهجرة وقبل الهجرة.
4- القرآن الكريم منقول إلينا بالتواثر.
ومعنى التواثر في عرف فقهاء الإسلام القدامى والمحدثون أن القرآن نقله إلينا جمع عن جمع يمنع العقل تواطؤهم على الكذب أو الوهم وبذلك هو يفيد القطع واليقين بصحته دون أي خلاف أو شك ويعتبر عن هذا بأن القرآن قطعي الثبوت بأنه مصدر أول وأصلي في بيان حكم الشريعة الإسلامية ، كما أن الله عز وجل أراد إلى القرآن الحفظ من عنده من كل تحريف أو تغيير وقال أعز قائل: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ».
5- القرآن الكريم محكم ومتشابه.
يتنوع القرآن الكريم بإعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاث أنواع:
أ- الإحكام العام الذي وصف به القرآن كله، مثله قوله تعالى: «ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير » ومعنى هنا الإحكام والإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه فهو في غاية الفصاحة والبلاغة، أخباره كلها صدق نافعة، ليس فيها كذب ولا تناقض، ولا لغو، وأحكامه كلها عدل، وحكمه ليس فيه جور ولا تعارض ولا حكم سفيه.
ب- التشابه العام الذي وصف به القرآن كله، مثل قوله تعالى: « الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله » ومعنى التشابه العام أن القرآن كله يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة والغايات الحميدة «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا ».
ج- الإحكام الخاص ببعضه، والتشابه الخاص ببعضه، مثل قوله تعالى: « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب » ومعنى هذا الإحكام أن يكون معنى الآية واضحا جليا، لا خفاء فيه، مثل قوله تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا ».
ومعنى التشابه الخاص ببعضه: أن يكون معنى الآية مشتبها خفيا بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى، أو كتابه أو رسوله، ويفهم منه العالم الراسخ في العلم خلاف ذلك .
المطلب الثاني: أحكام القرآن وحجيته في التشريع.
أولا: أحكام القرآن الكريم.
يشمل القرآن، دستور الإسلام على العديد من أنواع الأحكام :
- الأحكام الإعتقادية: وهي أحكام تتعلق بوجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من بعث ونشور وبالقدر شره وخيره.
- الأحكام الخلقية: هي الأحكام التي تستلزم التحلي بالمكارم والتخلي عن الرذائل.
- الأحكام العملية: وهي التي تتعلق بأفعال وأقوال وتصرفات العباد وتنقسم بدورها إلى:
أحكام الأحوال الشخصية: وتهتم بالأسرة من بداية تكوينها بعقد الزواج وما سبقه، وحياته من حقوق وواجبات متبادلة بين أفرادها وما قد يترتب على إنحلالها وإنفراد عقدها.
الأحكام المدنية: وتتعلق بمعاملات الأفراد ومبادلاتهم من بيوع ورهون وتجارة وشركات وكفالة ومدانيات.
الأحكام الجنائية، وتتعلق بما يصدر عن الإنسان من جرائم وما يستحق من عقوبات بقصد الحفاظ على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم وحماية الجماعة وحفظ أمنها.
أحكام المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية: تتعلق بالقضاء والشهادة وكافة إجراءات إقامة العدل بين الناس وكيفية إثبات الحقوق.
أحكام دستورية: تتعلق بنظام الحكم أسسه وأصوله وتحديد علاقة الحاكم بالمحكومين وحقوق الأفراد.
الأحكام المالية والإقتصادية: وتحدد مالية الدولة من إيرادات ونفقات وتنظيم العلاقة الإقتصادية بين الأغنياء والفقراء وبين الدولة والأفراد.
وهذه الأحكام، القرآن الكريم لا يتناولها بنفس الطريقة بحيث منها ما تم تناولها مفصلة كالعبادات والمواريث لغلبة التعبد فيها أو لصعوبة إدراك حكمتها بالعقل وفي البعض الآخر إهتم بالقواعد الكلية والمبادئ الأساسية بهدف ترك تفصيل الأحكام وتطبيق الكليات على الفروع لعلماء الأمة والمجتهدين من المسلمين حتى يسايروا روح العصر وظروف البيئة فتبقى الشريعة الإسلامية شابة خالدة صالحة لكل زمان ومكان .
ثانيا: حجية القرآن في التشريع.
يبقى الكتاب (القرآن الكريم) هو المصدر الأول في التشريع الإسلامي ودستور الأمة والرجوع إليه يبقى دائما ضروري من أجل إيجاد الحلول لأهم الإشكالات التي يطرحها التعامل في كل المجالات حيث تجد حكما لكل نازلة إما نصا أو إستنباطا، وحتى المصادر الأخرى فهي تستمد منه حجيتها على الأحكام.
القرآن الكريم قطعي التبوث بمعنى أننا لا يجب إبداء أدنى شك بأن ما يوجد بين دفتي المصحف هو ما نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام دون زيادة أو نقصان أو تغيير أو تحريف، وأما دلالته على الأحكام فقد تكون قطعية وقد تكون ظنية كالشأن في السنة، وتكون دلالة اللفظ قطعية إذا دل على معنى لا يحتمل غيره كدلالة لفظ النصف على معناه في قوله تعالى: «ولكم نصف ما ترك أزواجكم »
ولفظ المائة في قوله تعالى: «الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ».
أما إذا إحتمل اللفظ أكثر من معنى فإنه يكون ظني على كل معنى من هذه المعاني كدلالته على لفظ القرء إما يدل على الطهر أو الحيض، وذلك في قوله تعالى: «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» فإن القرء يحتمل أن يكون هذا الحيض أو الطهر فدلالته على واحد منها دلالة ظنية .
ويعني أنه ما دل على معناه قطعا، لا يحتمل الإجتهاد أي نص، (لاإجتهاد مع النص) وإما ما دل معناه ظاهرا أي ظنا فإنه يكون محلا للإجتهاد وعمل المجتهد يقتصر على ترجيح الأدلة المقصود الشارع منها، وعليه فنصوص القرآن الكريم إما أن تكون قطعية الثبوت والدلالة كلفظ المائة، وإما أن تكون قطعية الثبوت وظنية الدلالة كلفظ القرء ، وفي الحالة الأولى يقال أن النص في القرآن جاء قطعي الدلالة (عندما يكون اللفظ على معنى واحد لا يحتاج إلى إجتهاد) أما الحالة الثانية يقال أن النص القرآني جاء بلفظ عام أو مشترك أو بلفظ مطلق أي أن النص القرآني جاء بلفظ غير واضح يحتاج إلى تغيير إما بالقرآن نفسه أو السنة أو القياس الذي يعتبر مصدر لا يفترق عن القرآن والسنة أو إجتهاد علماء الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
القرآن الكريم. القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وهو كلام الله سبحانه وتعالى والموحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام وهو المعجزة البيانية الخالدة الذي لا يأتيه الباطل من حوله، ومن خلال هذا المبحث نتطرق لتعريف القرآن الكريم ثم تبيان بعض خصائصه وأحكامه وحجيته عليها. المطلب الأول: ماهية القرآن الكريم. أولا: تعريف القرآن الكريم. 1- القرآن في اللغة: مصدر قرأ بمعنة تلا، أو بمعنى جمع، نقول قرأ فلان قراءة وفي هذا يقول عز وجل «وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» فعلى المعنى الأول تلا يكون مصدر بمعنى إسم المفعول، أي بمعنى متلو وعلى المعنى الثاني جمع يكون مصدرا بمعنى إسم الفاعل أي بمعنى جامع لجمعه الأخبار والأحكام ويمكن أن يكون بمعنى إسم المفعول أيضا، أي بمعنى مجموع، لأنه جمع في المصاحف والصدور . 2- تعريف القرآن في الشرع: كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: «إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا» وباللغة العربية والمنقول عنه إلى يومنا هذا متواثرا بلا شبهة، الموجود بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس. وقال تعالى: «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ». ورغم أن القرآن الكريم غني عن التعريف فإنه عرف مجموعة من التعاريف نذكر البعض منها رغم أنها لا تخرج عن التعريف أعلاه. «القرآن كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس » «القرآن كلام الله الموحى به إلى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام باللغة العربية، المنقول بالتواثر، المعجزة لفظا ومعنى، المتعبد بتلاوته الموجود بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس ». هذه التعاريف رغم إختلافها في الصياغة فهي لها نفس المعنى ومنها يمكن إستخراج مجموعة من الخصائص التي يتميز بها القرآن الكريم. ثانيا: خصائص القرآن الكريم. يمتاز القرآن الكريم بخصائص عديدة منها: 1- أنه كلام الله عز وجل الموحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: تعني هذه الخاصية أن القرآن ومعانيه كلاهما منزل من عند الله تعالى فهو النظم والمعنى جميعا أي أن القرآن الكريم إسم لكل من النظم المعجز والمعنى المستفاد وهو ما عليه الأئمة الأربع، وظيفة الرسول إنما هي تلقيه عن الله تعالى وتبليغه إلى الناس وبيان ما يحتاج إلى البيان . أن القرآن الكريم وحي من عند الله بألفاظه وبمعانيه العربية وهذا ثابت بالقرآن نفسه الذي جاء فيه: «وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين » وقال عز وجل: «وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها » فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان إلا تاليا للقرآن الكريم ومبلغا له ومبينا ما يحتاج إلى البيان وهذا يدل على أنه : - ما نزل على الرسول من وحي بالمعنى والمضمون دون اللفظ لا يعتبر قرآنا بل يعتبر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. - تفسير القرآن الكريم لا يعد بقرآن مهما تم إحكام هذا التفسير. - ترجمة القرآن الكريم إلى لغة غير العربية لا تعد قرآن كريم ولا يعتد بها ولا يصح الإعتماد عليها لإستنباط الأحكام ولا يمكن الصلاة بها. • حكم ترجمة القرآن الكريم . قبل إعطاء حكمها لابد من الإشارة إلى أن الترجمة نوعان ترجمة حرفية وترجمة معنوية. الترجمة الحرفية هي ترجمة الآية كلمة بكلمة وهذه الترجمة مستحيلة عند أهل العلم وهي ممنوعة شرعا. الترجمة المعنوية: هي ترجمة معاني القرآن الكريم فهي جائزة في الأصل لأنه لا محظور فيها، وقد تجب حيث تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا مع إشتراط. أن لا تجعل بديلا للقرآن الكريم. أن يكون المترجم عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن. أن يكون عالما بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها. ولا تقبل ترجمة معاني القرآن الكريم إلا من مأمون عليها بحيث يكون مسلما مستقيما في دينه. 2- نزول القرآن كان منجما: يعني أن القرآن الكريم نزل مفرق في مدى ثلاث وعشرين سنة وهي سنوات الرسالة المحمدية التي بلغ فيها رسالته عليه السلام وقد نزل البعض في مكة والبعض الآخر في المدينة المنورة . الحكمة من نزول القرآن منجما أي مفرقا هي: - تتبث فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم. - تحدي المشركين والرد عليهم. - تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه. - مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع ومراعاة النسخ. 3- القرآن الكريم إبتدائي وسببي النزول. ينقسم نزول القرآن إلى قسمين: إبتدائي: هو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه، وهو غالب آيات القرآن ومنه قوله تعالى: «ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين » سببي: وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه ويكون إما سؤال يجيب عنه عز وجل كقوله تعالى: «يسألونك غن الآهلة قل هي مواقيت للناس والحج » أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل قوله تعالى: «ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب » الآيتين نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله وأصحابه، فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبه: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» أو فعل وقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل قول عز وجل «قد سمع قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ». بالإضافة إلى أنه إبتدائي وسببي النزول فهو مكي ومدني، ما نزل على الرسول بمكة هو مكي وما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة هو مدني. أي ما بعد الهجرة وقبل الهجرة. 4- القرآن الكريم منقول إلينا بالتواثر. ومعنى التواثر في عرف فقهاء الإسلام القدامى والمحدثون أن القرآن نقله إلينا جمع عن جمع يمنع العقل تواطؤهم على الكذب أو الوهم وبذلك هو يفيد القطع واليقين بصحته دون أي خلاف أو شك ويعتبر عن هذا بأن القرآن قطعي الثبوت بأنه مصدر أول وأصلي في بيان حكم الشريعة الإسلامية ، كما أن الله عز وجل أراد إلى القرآن الحفظ من عنده من كل تحريف أو تغيير وقال أعز قائل: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ». 5- القرآن الكريم محكم ومتشابه. يتنوع القرآن الكريم بإعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاث أنواع: أ- الإحكام العام الذي وصف به القرآن كله، مثله قوله تعالى: «ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير » ومعنى هنا الإحكام والإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه فهو في غاية الفصاحة والبلاغة، أخباره كلها صدق نافعة، ليس فيها كذب ولا تناقض، ولا لغو، وأحكامه كلها عدل، وحكمه ليس فيه جور ولا تعارض ولا حكم سفيه. ب- التشابه العام الذي وصف به القرآن كله، مثل قوله تعالى: « الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله » ومعنى التشابه العام أن القرآن كله يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة والغايات الحميدة «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا ». ج- الإحكام الخاص ببعضه، والتشابه الخاص ببعضه، مثل قوله تعالى: « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب » ومعنى هذا الإحكام أن يكون معنى الآية واضحا جليا، لا خفاء فيه، مثل قوله تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا ». ومعنى التشابه الخاص ببعضه: أن يكون معنى الآية مشتبها خفيا بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى، أو كتابه أو رسوله، ويفهم منه العالم الراسخ في العلم خلاف ذلك . المطلب الثاني: أحكام القرآن وحجيته في التشريع. أولا: أحكام القرآن الكريم. يشمل القرآن، دستور الإسلام على العديد من أنواع الأحكام : - الأحكام الإعتقادية: وهي أحكام تتعلق بوجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من بعث ونشور وبالقدر شره وخيره. - الأحكام الخلقية: هي الأحكام التي تستلزم التحلي بالمكارم والتخلي عن الرذائل. - الأحكام العملية: وهي التي تتعلق بأفعال وأقوال وتصرفات العباد وتنقسم بدورها إلى: أحكام الأحوال الشخصية: وتهتم بالأسرة من بداية تكوينها بعقد الزواج وما سبقه، وحياته من حقوق وواجبات متبادلة بين أفرادها وما قد يترتب على إنحلالها وإنفراد عقدها. الأحكام المدنية: وتتعلق بمعاملات الأفراد ومبادلاتهم من بيوع ورهون وتجارة وشركات وكفالة ومدانيات. الأحكام الجنائية، وتتعلق بما يصدر عن الإنسان من جرائم وما يستحق من عقوبات بقصد الحفاظ على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم وحماية الجماعة وحفظ أمنها. أحكام المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية: تتعلق بالقضاء والشهادة وكافة إجراءات إقامة العدل بين الناس وكيفية إثبات الحقوق. أحكام دستورية: تتعلق بنظام الحكم أسسه وأصوله وتحديد علاقة الحاكم بالمحكومين وحقوق الأفراد. الأحكام المالية والإقتصادية: وتحدد مالية الدولة من إيرادات ونفقات وتنظيم العلاقة الإقتصادية بين الأغنياء والفقراء وبين الدولة والأفراد. وهذه الأحكام، القرآن الكريم لا يتناولها بنفس الطريقة بحيث منها ما تم تناولها مفصلة كالعبادات والمواريث لغلبة التعبد فيها أو لصعوبة إدراك حكمتها بالعقل وفي البعض الآخر إهتم بالقواعد الكلية والمبادئ الأساسية بهدف ترك تفصيل الأحكام وتطبيق الكليات على الفروع لعلماء الأمة والمجتهدين من المسلمين حتى يسايروا روح العصر وظروف البيئة فتبقى الشريعة الإسلامية شابة خالدة صالحة لكل زمان ومكان . ثانيا: حجية القرآن في التشريع. يبقى الكتاب (القرآن الكريم) هو المصدر الأول في التشريع الإسلامي ودستور الأمة والرجوع إليه يبقى دائما ضروري من أجل إيجاد الحلول لأهم الإشكالات التي يطرحها التعامل في كل المجالات حيث تجد حكما لكل نازلة إما نصا أو إستنباطا، وحتى المصادر الأخرى فهي تستمد منه حجيتها على الأحكام. القرآن الكريم قطعي التبوث بمعنى أننا لا يجب إبداء أدنى شك بأن ما يوجد بين دفتي المصحف هو ما نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام دون زيادة أو نقصان أو تغيير أو تحريف، وأما دلالته على الأحكام فقد تكون قطعية وقد تكون ظنية كالشأن في السنة، وتكون دلالة اللفظ قطعية إذا دل على معنى لا يحتمل غيره كدلالة لفظ النصف على معناه في قوله تعالى: «ولكم نصف ما ترك أزواجكم » ولفظ المائة في قوله تعالى: «الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ». أما إذا إحتمل اللفظ أكثر من معنى فإنه يكون ظني على كل معنى من هذه المعاني كدلالته على لفظ القرء إما يدل على الطهر أو الحيض، وذلك في قوله تعالى: «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» فإن القرء يحتمل أن يكون هذا الحيض أو الطهر فدلالته على واحد منها دلالة ظنية . ويعني أنه ما دل على معناه قطعا، لا يحتمل الإجتهاد أي نص، (لاإجتهاد مع النص) وإما ما دل معناه ظاهرا أي ظنا فإنه يكون محلا للإجتهاد وعمل المجتهد يقتصر على ترجيح الأدلة المقصود الشارع منها، وعليه فنصوص القرآن الكريم إما أن تكون قطعية الثبوت والدلالة كلفظ المائة، وإما أن تكون قطعية الثبوت وظنية الدلالة كلفظ القرء ، وفي الحالة الأولى يقال أن النص في القرآن جاء قطعي الدلالة (عندما يكون اللفظ على معنى واحد لا يحتاج إلى إجتهاد) أما الحالة الثانية يقال أن النص القرآني جاء بلفظ عام أو مشترك أو بلفظ مطلق أي أن النص القرآني جاء بلفظ غير واضح يحتاج إلى تغيير إما بالقرآن نفسه أو السنة أو القياس الذي يعتبر مصدر لا يفترق عن القرآن والسنة أو إجتهاد علماء الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
السنــــــــــــــــــــة السنة لغة: الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أم سيئة، يقول تعالى: «سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديل » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
أما في الإصطلاح الفقهي فيقصد بها ما صدر عن الرسول (ص) مما ليس قرآنا، من أقوال أو أفعال أو تقريرات، مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي، وعند علماء الحديث فبعضهم يوافق تعريف الأصوليين أما البعض الآخر فيضيف إلى ما سبق ذكره أقوال الصحابة رضوان الله عليهم وأفعالهم، وذلك إستنادا إلى حديثه صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد »
وللحديث عن السنة النبوية كمصدر أساسي ومتفق عليه من مصادر التشريع الإسلامي سنقسمها إلى قسمين، نتناول في القسم الأول أنواع السنة وأقسامها، وفي القسم الثاني تدوينها وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم.
القسم الأول: أنواع السنة وأقسامها.
الفرع الأول: أنواع السنة.
تنقسم السنة إلى ثلاثة أنواع: سنة قولية وسنة فعلية وأخرى تقريرية.
1- السنة القولية: هي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث في مختلف المناسبات والأغراض، ويطلق عليها مصطلح «الأحاديث النبوية» وهي بذلك أخص من السنة لأن هذه الأخيرة تعني كل ما صدر عن الرسول (ص) من قول أو فعل أو تقرير أما الحديث فهو ما صدر عنه عليه السلام من أقوال يريد بها الأمر أو النهي أو الإجبار ، والأمثلة عن السنة القولية كثيرة وكثيرة جدا كقوله (ص): «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى » وقوله (ص): «لا ضرر ولا ضرار » وقوله عليه السلام «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ».
2- السنة الفعلية: تنقسم السنة الفعلية إلى نوعين:
النوع الأول: ما صدر منه بمقتضى الجهة الإنسانية والطبيعة البشرية: كالقيام والقعود، والمشي والنوم، والأكل والشرب، وما فعله بمقتضى خبرته وتجاربه في شؤون الدنيا من تجارة، وتدبير حربي، ووصف دواء لمريض إلى غير ذلك ولا يدل وقوع مثل هذا منه صلى الله عليه وسلم إلا على الإباحة.
النوع الثاني: ما صدر عنه بمقتضى رسالته: وهو أنواع:
أ- ما دل الدليل على أنه خاص به، فلا تكون الأمة فيه مثله موجوب التهجد من قوله تعالى: «ومن الليل فتجهد به نافلة لك» وجواز مواصلة الصوم من قوله صلى الله عليه وسلم حين نهاهم عن الوصال فقالوا إنك تواصل: «فأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» وإباحة التزوج بأكثر من أربع من فعله صلى الله عليه وسلم مع نهي غيره عن الزيادة وإباحته له بغير مهر من قوله تعالى: «وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي... »
ب- ما ثبت أنه بيان للكتاب، فيكون متمما له، ويكون حكمه كحكم ما بينه، ويعرف كون الفعل بيانا إما بدليل قولي، كقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة « صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله في الحج «خذوا عني مناسككم» أو بقرينة حال، كأي يرد في المتاب لفظ مجمل فيقع عند الحاجة إلى بيانه أو تطبيقه عملا، كالقطع من الكوع عند تنفيذ حد السرقة والتيمم إلى المرفقين عند الحاجة إلى التيمم. ومنه ما روى أن أنصاريا قبل إمرأته وهو صائم، فوجد من ذلك وجدا شديدا: فأرسل إمرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة، فرداه ذلك شرا وقال: لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم سلمة قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله وقال: والله إنني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده.
ج- ما عدا النوعين السابقين وهذا إن عرفت صفته الشرعية بالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا التأسي به لقوله تعالى «لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ».
وقد كان الصحابة أحرص الناس على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون مثل فعله ويحتجون بعمله ومن ذلك قول عمر حينما قبل الحجر الأسود ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
3- السنة التقريرية: هي ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم مما صدر عن بعض أصحابه أو حتى ما جاء في بعض الأمم السابقة مثل صيام عاشوراء.بحضوره أو في غيبته وعلم به، من أقوال أو أفعال، وذلك إما بسكوته عليه السلام وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار إستحسانه، فيعتبر بهذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه.
ومن أمثلة السنة التقريرية ما روى أن صحابيين خرجا في سفر فحضرتهما الصلاة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء بعد ذلك فأعاد أحدهما صلاته ولم يعدها الآخر فلما قصا أمرهما على الرسول (ص) أقر كلا منهما على ما فعل فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين .
كذلك روى أنه لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له بم تقضي؟ قال أقضي بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله (ص) قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله قال أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله (ص) صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله .
ومما لاشك فيه أن الإقرار الذي يصحبه ما يدل على الرضا بالفعل أو القول يكون أبلغ وأقوى من مجرد السكوت وعدم الإنكار ومثاله، إقرار الرسول (ص) لمن توضأ بالتيمم بالتراب لعدم وجود الماء.
الفرع الثاني: أقسام السنة.
1- أقسام السنة من حيث سندها:
- السنة المتواثرة: وهي السنة التي رويت عن الرسول (ص) في جميع العصور (من العصر النبوي الشريف إلى عصر التدوين) بواسطة جمع يستحيل تواطئهم على الكذب وبالتالي تكون الأحاديث متواثرة إذ رواها جمع عن رسول الله (ص) ينتفي في حقهم التواطؤ على الكذب ثم يروي عنهم جمع آخر مثلهم في الثقة والإطمئنان وهكذا يروي جمع عن جمع حتى يصل إلينا سواء كان سنة قولية أو فعلية أو تقريرية.
ومن تم فالعبرة في التواثر هي تحقق الجمع الذي يمتنع إتفاقهم على الكذب عادة في عصر من العصور الثلاثة وهي عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين أما بعد عصر تابعي التابعين فلا عبرة به لأن السنة قد صارت بعد هذا العصر مشهورة مستفيضة، نظرا لإقبال الفقهاء على جمعها وتدوينها في مؤلفات خاصة.
ولتحقق التواثر في الخبر لابد من توافر مجموعة من الشروط وهي:
- أن يرويه عدد من الرواة ولا يشترط في ذلك عدد معين، بل يكفي أن تتم الرواية بالنقل الجماعي ويتحقق إطمئنان النفس إلى الرواة وعدم تصور التواطؤ على كذبهم إما لكثرتهم أو لكونهم من صالح الأمة.
- أن توجد كثرة الرواة في جميع طبقات السند.
- أن يؤمن عادة تواطؤهم على الكذب أو النسيان أو الغلط أو نحو ذلك.
- أن يكون مستند خبرهم الحسن كقولهم سمعنا أو رأينا أما إذا كان مستند خبرهم العقل لا يسمى الخبر حينئذ متواثرا.
وينقسم المتواثر إلى قسمين: متواثر لفظي: وهو ما إتفق فيه جميع الرواة على نقل الخبر المتواثر بلفظ واحد مثل قوله عليه الصلاة والسلام «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
ومتواثرمعنوي وهو ما تواثر معناه دون لفظه أي إتفاق روايات الحديث في المعنى دون اللفظ ولكنه متفق معه في المعنى وذلك مثل قوله (ص): «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وقوله عليه الصلاة والسلام «لا تجتمع أمتي على الخطأ».
ولا خلاف بين الفقهاء أن السنة المتواثرة سواء كانت لفظية أو بالمعنى توجب العلم القطعي اليقيني، مما يوجب العمل بما تتضمنه من أحكام تشريعية لأنها قطعية الثبوت عن الرسول (ص).
بقيت الإشارة إلى أن السنة المتواثرة كثيرة الوجود في السنن الفعلية كالذي روي عنه (ص) في كيفية الوضوء والصلاة والحج وغيرها من شعائر الدين التي إطلع عليها جمهور المسلمين ونقلها عنه جمع يمتنع إتفاقه على الكذب عادة، أما السنن القولية فإن وجود السنة المتواثرة فيها محل خلاف بين الفقهاء فبعضهم ينكر وجودها والبعض الآخر قال بوجودها. وإن أشار إلى قلتها .
ب- السنة المشهورة: هي الأحاديث التي يرويها عن الرسول (ص) صحابي أو
مجموعة من الصحابة بنقل الجماعي لا يبلغ حد التواثر ثم يرويها عن هؤلاء جمع من التابعين والرواة الثقات ثم يروي عنهم جمع آخر بهذه الصفة وهكذا حتى تصل إلينا هذه الأحاديث ويذكر بعض آراء فقه السنة بأن الفرق بين السنة المشهورة والسنة المثواترة أن سند هذه الأخيرة جمع متواثر من الرسول (ص) إلى عصر التدوين أما السنة الأولى ففي سندها صحابى أو قلة من الصحابة إبتداء وبعد ذلك نقلها عنهم جمع بلغ حد الثواتر لذلك، فإن السنة المشهورة من حيث الحكم لا تفيد سوى الظن القريب من اليقين المفيد للطمأنينة.
والحقيقة أن السنة المشهورة تعتبر، وهذا عند جمهور الفقهاء - سنة آحاد، إلا أن الأحناف الذين قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام جعلوها وسطا بين المثواثر والأحاد، لأنها تواثرت في عصر التابعين إلى عصر التدوين.
ومن الفروق أيضا السنة المتواثرة قطعية الثبوث عن الرسول (ص) في حين السنة المشهورة قطعية الثبوت بالنسبة للصحابي الذي يروي عن الرسول (ص) فقط.
ومن الأمثلة عن السنة المشهورة قول الرسول (ص) «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى...» فهو حديث لم يروه عن النبي (ص) إلا عمر إبن الخطاب (ض) ولم يروه عن عمر إلا علقمة إبن وقاص الليثي ولم يروه عن علقمة غير محمد بن إبراهيم اليتمي ولم يروه عن محمد هذا إلا يحيا بن سعيد الأنصاري ثم رواه عن يحيا هذا عدد من الرواة الثقات فأصبح مشهورا متداولا بكثرة بين علماء الإسلام في إستخراج العديد من الأحكام الشرعية.
ج- حديث الآحاد: هو الحديث الذي رواه عن الرسول (ص)عدد من الصحابة لم يبلغ حد التواثر سواء في عهد النبي أو من بعده حتى عهد التابعين. وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ولا يفيد العلم القطعي، إذ الإتصال بالرسول (ص) فيه شبهة، ولهذه الشبهة في إسناد الحديث بالرسول عليه السلام قال جمهور الفقهاء بالعمل له ما لم يعارضه معارض، ولم يأخذوا به في العقيدة لأن الأمور الإعتقادية تبنى على الجزم واليقين ولا تبنى على الظن ولو كان راجحا، لأن الظن في الإعتقاد لا يغني عن الحق شيئا.
ويذكر مؤرخوا فقه السنة النبوية الشريفة بأن حديث الآحاد هو الأكثر عددا بالمقارنة مع السنة المشهورة والسنة المتواثرة.
غير أن فقهاء الإسلام إختلفوا في شروط إعتبار حديث الآحاد حجة على المسلمين ومصدر من مصادر التشريع وذلك تبعا لإختلافهم في الإتجاه إلى التشدد في الموضوع أو العكس الإتجاه إلى التساهل في الأخذ بأحكام ما ورد في هذا الحديث.
وأهم شروطهم سواء كانوا مشددين أو متساهلين تتمحور حول كون راوي حديث الآحاد عدل وثقة، لا يعرف عنه الكذب متدين عالما بأمور دينه، ضابطا لما يسمع أي معروف بملكة الفهم والحفظ وتثبت سماعه للحديث فعلا ممن يروي عنه بسند متصل أساسه اللقاء بينهما.
وينكر الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم من فقهاء الإسلام أية حجية لحديث الآحاد ويدعون إلى إهماله وعدم العمل به لأنه يحتمل دخول الخطأ والوهم وحتى الكذب عليه الشيء الذي يجعله بعيدا عن درجة العلم وأحرى اليقين وهو العلم المقطوع به. بينما الإمام الشافعي يقبل الآحاد معللا توجهه بأن الرجل كان يفد على الرسول (ص) فيتعلم منه الدين ثم يعود إلى قومه مبلغا ومعلما.
2- أقسام السنة من حيث درجة الصحة أو الضعف.
أ- الحديث الصحيح: وهو الحديث المسند الذي إتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، حتى ينتهي إلى رسول الله (ص) من غير شذوذ ولا تعليل بعلة قادحة، ويذكر علماء الشريعة الإسلامية بأن الحديث الصحيح لا يتصف بهذا الوصف إلا إذا توافرت فيه الشروط التالية
• أن يكون الحديث الصحيح مسندا أي يتصل إسناده من رواية تنتهي إلى الرسول (ص) فيقال عنه أنه حديث متصل أو موصول.
• أن تتوفر في راوي الحديث العدالة والضبط وعدالة الراوي هي أن يعرف بإستقامته التامة في شؤون الدين، مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من الفسق. وشرط الضبط في الراوي هو أن يعرف بضبط سماعه للرواية كما يلزم، وفهمه لها فهما دقيقا، وحفظه لها حفظا كاملا لا تردد فيه وثباته على الأداء في هذا من وقت التلقي إلى وقت التبليغ.
• أن يسلم الحديث من الشذوذ والعلة ويقصد بالشذوذ أن يروي الحديث راوي ثقة مخالفا به ما أجمع عليه غيره من الرواة الثقات، ويعني هذا أنه إذا روى هذا الراوي إنفرد بروايته لا يوصم بالشذوذ. أما عن خلو الحديث من العلة القادمة فيعني ضرورة خلوه من أية علة خفية من شأنها المساس بصحة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كأن يروى عمن عاصره بلفظ "عن" والحال أنه لم يسمع منه شيئا.
ب- الحديث الحسن: ويقصد به ما إتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غير شذوذ ولا علة، ويتضح من هذا التعريف أن وجه الخلاف بين الحديث الحسن والحديث الصحيح هو أن الأول فيه الراوي متصف بالعدالة لكنه خفيف الضبط في النقل بينما الثاني الراوي يتوفر على شرط العدالة والضبط التام.
وما عدا هذا الخلاف فلا فرق بين الصحيح والحسن من حيث الإحتجاج ووجوب العمل به، لأن كلا منهما حال من الشذوذ والعلة وإن كان الحسن دون الصحيح من حيث القوة.
ج- الحديث الضعيف: هو ثالث أقسام الحديث من حيث درجة الصحة والضعف وخير تعريف له أنه «ما لم يجتمع فيه حسنات الصحيح ولا صفات الحسن». ومعنى ذلك أن الحديث الضعيف فقد شرطا من شروط الصحيح أو شرطا من شروط الحسن لذلك فالحديث الضعيف يرجع ضعفه لعدة أسباب، قد تتعلق بالمتن، وقد تتعلق بالسند وقد تتعلق بهما معا أو بغيرهما مما يجعل الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا تطمئن النفس إلى القطع بصحته أو حتى غلبة الظن بالنسبة لمن يريد أن يأخذه عن غيره.
القسم الثاني: تدوين السنة وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم.
1- تدوين السنة وحجيتها.
أ- تدوين السنة.
يذكر مؤرخوا الإسلام أن تدوين السنة وكتابة الأحاديث النبوية مر بأطوار مختلفة ففي عهد الرسول (ص) لم تدون السنة النبوية الشريفة لكونه صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن تدوينها خشية إختلاطها بالقرآن الذي كان يكتب حينذاك. حيث قال عليه السلام «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وأيضا لسعة حفظ الصحابة بالإضافة إلى أن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة.
ومع ذلك يذكر أن بعض الصحابة كتبوا في عهد الرسول(ص) مجموعة من الأحاديث، بل إن منهم من كتبها بإذن خاص منه (ص) وذلك قبل الإذن العام بكتابة الحديث لكل من رغب فيه وقدر عليه وذلك في السنوات الأخيرة من بعثته عليه السلام حيث نزل أكثر الوحي وحفظه الكثيرون، ولم يعد يخشى من إختلاط الحديث بالقرآن أو إلتباس أقواله وشروحه وسيرته بكتاب الله.
ومن أشهر من عرف بكتابة الحديث في عهد الرسول(ص) سعد بن عبادة الأنصاري وعبد الله إبن عمرو بن العاص الذي كتب أشهر صحيفة للأحاديث النبوية وكانت تسمى الصحيفة الصادقة وقد إشتملت على ألف حديث من أحاديث النبي عليه السلام .
ولما جاء عهد الخلفاء الراشدون ظل الموقف من كتابة السنة وتدوينها شبيها تماما بما كان عليه الحال في العهد النبوي الشريف، فمن عروة إبن الزبير أن عمر بن الخطاب (ض) أراد أن يكتب السنن فإستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص) فثار عليه عامتهم بذلك فلبث الخليفة عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال "إن كنت قد ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء" فترك كتابة السنة .
وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (ض) الذي نبه إلى جمع السنة وإعتبارها علما من العلوم التي لها قواعدها ورجالها، وقد كان ذلك على رأس القرن الثاني للهجرة، حيث أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم قاضي المدينة المنورة أن يجمع السنة، فإمتثل، ولكن الخليفة توفي بعد ذلك بمدة لم تكن كافية لتحقيق رغبته، ولم يعن من جاء بعد الخليفة عمر بن عبد العزيز من خلفاء في أمية بتدوين السنة لإنشغالهم بالسياسة وأمور الحكم.
ولم تبدأ الخطوات الحقيقية لتدوين السنة وتبويبها إلا في العهد العباسي حيث بدأ جمعها وتدوينها مع منتصف ق.2. وقد كان الحديث فيما.جمع منه في هذه المرحلة مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، بحيث لم يعن الفقهاء آنذاك بتمييز السنة عن أقوال وفتاوى الصحابة والتابعين ولا بترتيبها.
وقد تلت هذه الخطوة خطوات أخرى عني فيها بتدوين السنة وتمييزها عن فتاوى الصحابة والتابعين، حيث تبلور عن ذلك علم قائم بذاته يعرف ب «علم مصطلح الحديث» وكانت ذلك مع منتصف القرن الثاني الهجري، وبعد ذلك ظهرت طريقة جديدة، وهي تمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها والبحث في الرواة، فكان هذا أزهى عصور الحديث .
ب- حجيتها:
أجمع المسلمون على أن السنة مصدر التشريع وقد دل على هذا الكتاب بنصوصه الكثيرة وبأساليب مختلفة من ذلك، التصريح بأن النبي (ص) لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي من الله، وما كان من عند الله يلزم إتباعه قال تعالى: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » والأمر بطاعة الرسول «قل أطيعوا الله والرسول» وجعل طاعة الرسول طاعة لله «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وكذلك الأمر بإتباع ما يأتينا به الرسول «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فإنتهوا » ووجوب رد المتنازع فيه إلى الله أي إلى كتابه وإلى الرسول أي إلى سنته قال تعالى: « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» ووجوب تحكيم الرسول (ص) فيما يحصل فيه الإختلاف وقبول ما يحكم به: « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما » ومن تم لا خيار للمسلم فيما قضى به الله أو قضى به رسوله «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا » وقد حذر سبحانه بالعذاب الأليم من مخالفة الرسول(ص) «فلبحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم».
وبإعطاء الله رسوله سلطة بيان أحكام القرآن لأن في القرآن أحكاما مجملة تحتاج إلى تفصيل وبيان حتى يصح بها التكليف، تكون السنة حجة وواجبة الإتباع ومتسمة للكتاب ومصدر للتشريع يقول تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم».
وإذا كان القرآن الكريم يؤكد حجية السنة النبوية، فإن هذه الأخيرة نفسها تتضمن ما يدل على أنها دليل من الأدلة الشرعية، فالرسول الكريم (ص) حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا، قال له بم تقضي فقال بكتاب الله، فقال له الرسول، فإن لن تجد قال، فبسنة رسول الله، فإن لن تجد؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول(ص) الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله، فكان هذا إقرار من الرسول عليه الصلاة والسلام بأن السنة مصدر من المصادر التشريعية وإذا كان كل من القرآن والسنة والإجماع يدل على حجية السنة، فإن العقل نفسه يذهب على هذه الحجية، ذلك أن القرآن يتضمن العديد من الأحكام التي وردت بصفة مجملة تحتاج معها إلى تفصيل وذلك مثل فرائض الصلاة والزكاة والحج، حيث تولت السنة تفصيل أحكام هذه الفرائض، فلو لم تكن واجبة الإتباع لكافة المسلمين لما كان بالإمكان تطبيق وتفسير آيات القرآن المجملة، ولبقيت أحكامها غير قابلة للتطبيق.
2- منزلة السنة من القرآن الكريم.
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بع كتاب الله تعالى، وهذا بإجماع الأمة سلفها وخلفها، إذ الناس لم يتنازعوا في دليلها الشرعي، وقبول أصلها، وإنما فصل الخلاف من جهة ثبوت بعض الأحاديث في روايتها، أو عدم ثبوتها وهذه مسألة مستقلة عن حجيتها.
والسنة بإعتبارها الأصل الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي، فهي تتولى توضيح أحكام القرآن وتفصيل مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عامه، بالإضافة إلى أنها إستقلت بأحكام لم يرد لها ذكر في القرآن وإن كانت أصولها راجعة إليه، وهكذا فالسنة النبوية جاءت مؤكدة لما جاء في القرآن أو مبينة له، كما أنها في بعض الأحيان منشئة لأحكام لم ينص عليها القرآن.
أولا: تأكيد السنة لأحكام القرآن.
السنة المؤكدة هي التى يكون ما تشتمل عليه من حكم مطابق لما في القرآن الكريم، بحيث يكون الحكم حينئذ مستمد من مصدرين القرآن مثبت له و السنة مؤيدة له، والسنة المؤكدة لما جاء في القرآن كثيرة منها قوله (ص) «لايحل مال إمرئ إلا بطيب منه » فإنه مؤكد لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم, أخذتموهن بأمانة الله» فقد جاء هذا الحديث تأكيدا لقوله عز وجل «وعاشروهن بالمعروف» إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة تؤكد ما جاء في القرآن الكريم من أحكام.
ثانيا: بيان السنة لأحكام القرآن.
1- بيان مجمل: سبق القول بأن القرآن الكريم يتضمن من الأحكام ما نزل مجملا يحتاج معها إلى بيان وتفصيل، أحكام فرض الله سبحانه من خلالها على الناس فرائض دون أن يبين القرآن كيفية أدائها، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، فالمولى سبحانه وتعالى فرض فرائض دون أن يتعرض لتفاصيلها، حيث تولت السنة النبوية بنوعيها القولية والعملية تبيان ذلك.
2- تخصيص العام: جاء القرآن الكريم بأحكام عامة، لكن السنة خصصت بعض هذه الأحكام من ذلك قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» فهذا الحكم عام في كل أصل مورث، وكل ولد وارث ولكن السنة خصصت الوارث بغير القاتل، فقد قال صلى الله عليه وسلم «لايرث القاتل» كما قصرت السنة الأصل المورث على غير الأنبياء لقوله عليه الصلاة والسلام: «نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة».
3- تقييد المطلق: السنة قيدت بعض الأحكام التي جاءت في القرآن مطلقة من ذلك قوله سبحانه: «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم» فالآية الكريمة هنا ذكرت الأيدي مطلقا، ولم تقييد ذلك بكون اليد التي يجب قطعها هي اليمنى أو اليسرى ولكن السنة دلت على تقييدها باليمين وأن القطع يكون من الرسغ من ذلك قوله تعالى: «وليطوفوا بالبيت العتيق» فالطواف منصوص عليه بكيفية مطلقة، ولكن السنة قيدته بالطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجاسة.
ثالثا: السنة منشئة لأحكام ليست في القرآن.
إستقلت السنة في بعض الأحيان برضع أحكام لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم وإن كانت راجعة في ذلك إليه، وهكذا نجد السنة النبوية موجبة لبعض الأحكام التي سكت القرآن عن فرضها، أو محرمة لما سكت عن تحريمه ومثال ذلك.
1- تشريع زكاة الفطر: فقد روى البخاري ومسلم عن إبن عمر رضي الله عنهما: قال: فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين.
2- نصت السنة النبوية على ميراث الجدة: فقد روى أبو داوود عن بريدة أن النبي جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم.
3- حرمت السنة النبوية الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: والمرأة وإبنة أخيها أو إبنة أختها، فقد روى البخاري ومسلم وغيرها أن النبي (ص) قال: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على إبنة أخيها ولا على إبنة أختها فإنكم إن فعلتم قطعتم أرحامكم».
4- وحرمت السنة من الرضاع ما يحرم من النسب، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله (ص) قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
5- إن القرآن الكريم أحل صيد البحر فقال تعالى: «أحل لكم صيد البحر وطعامه » وحرم الميتة، فبقيت ميتة البحر مترددة بين الطرفين، فألحقها الرسول (ص) بالحلال، حيث قال في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته».
6- إن الله عز وجل حرم الميتة وأباح المذكاة، فدار الجنين الخرج من بطن المذكاة ميتا بين الطرفين، فجاءت السنة النبوية وألحقته بالثاني، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه».
7- كما نصت السنة على حد الزاني المحصن وهو الرجم بالحجارة حتى الموت
السنــــــــــــــــــــة السنة لغة: الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أم سيئة، يقول تعالى: «سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديل » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة». أما في الإصطلاح الفقهي فيقصد بها ما صدر عن الرسول (ص) مما ليس قرآنا، من أقوال أو أفعال أو تقريرات، مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي، وعند علماء الحديث فبعضهم يوافق تعريف الأصوليين أما البعض الآخر فيضيف إلى ما سبق ذكره أقوال الصحابة رضوان الله عليهم وأفعالهم، وذلك إستنادا إلى حديثه صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد » وللحديث عن السنة النبوية كمصدر أساسي ومتفق عليه من مصادر التشريع الإسلامي سنقسمها إلى قسمين، نتناول في القسم الأول أنواع السنة وأقسامها، وفي القسم الثاني تدوينها وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم. القسم الأول: أنواع السنة وأقسامها. الفرع الأول: أنواع السنة. تنقسم السنة إلى ثلاثة أنواع: سنة قولية وسنة فعلية وأخرى تقريرية. 1- السنة القولية: هي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث في مختلف المناسبات والأغراض، ويطلق عليها مصطلح «الأحاديث النبوية» وهي بذلك أخص من السنة لأن هذه الأخيرة تعني كل ما صدر عن الرسول (ص) من قول أو فعل أو تقرير أما الحديث فهو ما صدر عنه عليه السلام من أقوال يريد بها الأمر أو النهي أو الإجبار ، والأمثلة عن السنة القولية كثيرة وكثيرة جدا كقوله (ص): «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى » وقوله (ص): «لا ضرر ولا ضرار » وقوله عليه السلام «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ». 2- السنة الفعلية: تنقسم السنة الفعلية إلى نوعين: النوع الأول: ما صدر منه بمقتضى الجهة الإنسانية والطبيعة البشرية: كالقيام والقعود، والمشي والنوم، والأكل والشرب، وما فعله بمقتضى خبرته وتجاربه في شؤون الدنيا من تجارة، وتدبير حربي، ووصف دواء لمريض إلى غير ذلك ولا يدل وقوع مثل هذا منه صلى الله عليه وسلم إلا على الإباحة. النوع الثاني: ما صدر عنه بمقتضى رسالته: وهو أنواع: أ- ما دل الدليل على أنه خاص به، فلا تكون الأمة فيه مثله موجوب التهجد من قوله تعالى: «ومن الليل فتجهد به نافلة لك» وجواز مواصلة الصوم من قوله صلى الله عليه وسلم حين نهاهم عن الوصال فقالوا إنك تواصل: «فأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» وإباحة التزوج بأكثر من أربع من فعله صلى الله عليه وسلم مع نهي غيره عن الزيادة وإباحته له بغير مهر من قوله تعالى: «وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي... » ب- ما ثبت أنه بيان للكتاب، فيكون متمما له، ويكون حكمه كحكم ما بينه، ويعرف كون الفعل بيانا إما بدليل قولي، كقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة « صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله في الحج «خذوا عني مناسككم» أو بقرينة حال، كأي يرد في المتاب لفظ مجمل فيقع عند الحاجة إلى بيانه أو تطبيقه عملا، كالقطع من الكوع عند تنفيذ حد السرقة والتيمم إلى المرفقين عند الحاجة إلى التيمم. ومنه ما روى أن أنصاريا قبل إمرأته وهو صائم، فوجد من ذلك وجدا شديدا: فأرسل إمرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة، فرداه ذلك شرا وقال: لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم سلمة قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله، يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله وقال: والله إنني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده. ج- ما عدا النوعين السابقين وهذا إن عرفت صفته الشرعية بالإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا التأسي به لقوله تعالى «لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ». وقد كان الصحابة أحرص الناس على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون مثل فعله ويحتجون بعمله ومن ذلك قول عمر حينما قبل الحجر الأسود ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). 3- السنة التقريرية: هي ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم مما صدر عن بعض أصحابه أو حتى ما جاء في بعض الأمم السابقة مثل صيام عاشوراء.بحضوره أو في غيبته وعلم به، من أقوال أو أفعال، وذلك إما بسكوته عليه السلام وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار إستحسانه، فيعتبر بهذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه. ومن أمثلة السنة التقريرية ما روى أن صحابيين خرجا في سفر فحضرتهما الصلاة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء بعد ذلك فأعاد أحدهما صلاته ولم يعدها الآخر فلما قصا أمرهما على الرسول (ص) أقر كلا منهما على ما فعل فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين . كذلك روى أنه لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له بم تقضي؟ قال أقضي بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله (ص) قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله قال أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله (ص) صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله . ومما لاشك فيه أن الإقرار الذي يصحبه ما يدل على الرضا بالفعل أو القول يكون أبلغ وأقوى من مجرد السكوت وعدم الإنكار ومثاله، إقرار الرسول (ص) لمن توضأ بالتيمم بالتراب لعدم وجود الماء. الفرع الثاني: أقسام السنة. 1- أقسام السنة من حيث سندها: - السنة المتواثرة: وهي السنة التي رويت عن الرسول (ص) في جميع العصور (من العصر النبوي الشريف إلى عصر التدوين) بواسطة جمع يستحيل تواطئهم على الكذب وبالتالي تكون الأحاديث متواثرة إذ رواها جمع عن رسول الله (ص) ينتفي في حقهم التواطؤ على الكذب ثم يروي عنهم جمع آخر مثلهم في الثقة والإطمئنان وهكذا يروي جمع عن جمع حتى يصل إلينا سواء كان سنة قولية أو فعلية أو تقريرية. ومن تم فالعبرة في التواثر هي تحقق الجمع الذي يمتنع إتفاقهم على الكذب عادة في عصر من العصور الثلاثة وهي عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين أما بعد عصر تابعي التابعين فلا عبرة به لأن السنة قد صارت بعد هذا العصر مشهورة مستفيضة، نظرا لإقبال الفقهاء على جمعها وتدوينها في مؤلفات خاصة. ولتحقق التواثر في الخبر لابد من توافر مجموعة من الشروط وهي: - أن يرويه عدد من الرواة ولا يشترط في ذلك عدد معين، بل يكفي أن تتم الرواية بالنقل الجماعي ويتحقق إطمئنان النفس إلى الرواة وعدم تصور التواطؤ على كذبهم إما لكثرتهم أو لكونهم من صالح الأمة. - أن توجد كثرة الرواة في جميع طبقات السند. - أن يؤمن عادة تواطؤهم على الكذب أو النسيان أو الغلط أو نحو ذلك. - أن يكون مستند خبرهم الحسن كقولهم سمعنا أو رأينا أما إذا كان مستند خبرهم العقل لا يسمى الخبر حينئذ متواثرا. وينقسم المتواثر إلى قسمين: متواثر لفظي: وهو ما إتفق فيه جميع الرواة على نقل الخبر المتواثر بلفظ واحد مثل قوله عليه الصلاة والسلام «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك». ومتواثرمعنوي وهو ما تواثر معناه دون لفظه أي إتفاق روايات الحديث في المعنى دون اللفظ ولكنه متفق معه في المعنى وذلك مثل قوله (ص): «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وقوله عليه الصلاة والسلام «لا تجتمع أمتي على الخطأ». ولا خلاف بين الفقهاء أن السنة المتواثرة سواء كانت لفظية أو بالمعنى توجب العلم القطعي اليقيني، مما يوجب العمل بما تتضمنه من أحكام تشريعية لأنها قطعية الثبوت عن الرسول (ص). بقيت الإشارة إلى أن السنة المتواثرة كثيرة الوجود في السنن الفعلية كالذي روي عنه (ص) في كيفية الوضوء والصلاة والحج وغيرها من شعائر الدين التي إطلع عليها جمهور المسلمين ونقلها عنه جمع يمتنع إتفاقه على الكذب عادة، أما السنن القولية فإن وجود السنة المتواثرة فيها محل خلاف بين الفقهاء فبعضهم ينكر وجودها والبعض الآخر قال بوجودها. وإن أشار إلى قلتها . ب- السنة المشهورة: هي الأحاديث التي يرويها عن الرسول (ص) صحابي أو مجموعة من الصحابة بنقل الجماعي لا يبلغ حد التواثر ثم يرويها عن هؤلاء جمع من التابعين والرواة الثقات ثم يروي عنهم جمع آخر بهذه الصفة وهكذا حتى تصل إلينا هذه الأحاديث ويذكر بعض آراء فقه السنة بأن الفرق بين السنة المشهورة والسنة المثواترة أن سند هذه الأخيرة جمع متواثر من الرسول (ص) إلى عصر التدوين أما السنة الأولى ففي سندها صحابى أو قلة من الصحابة إبتداء وبعد ذلك نقلها عنهم جمع بلغ حد الثواتر لذلك، فإن السنة المشهورة من حيث الحكم لا تفيد سوى الظن القريب من اليقين المفيد للطمأنينة. والحقيقة أن السنة المشهورة تعتبر، وهذا عند جمهور الفقهاء - سنة آحاد، إلا أن الأحناف الذين قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام جعلوها وسطا بين المثواثر والأحاد، لأنها تواثرت في عصر التابعين إلى عصر التدوين. ومن الفروق أيضا السنة المتواثرة قطعية الثبوث عن الرسول (ص) في حين السنة المشهورة قطعية الثبوت بالنسبة للصحابي الذي يروي عن الرسول (ص) فقط. ومن الأمثلة عن السنة المشهورة قول الرسول (ص) «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى...» فهو حديث لم يروه عن النبي (ص) إلا عمر إبن الخطاب (ض) ولم يروه عن عمر إلا علقمة إبن وقاص الليثي ولم يروه عن علقمة غير محمد بن إبراهيم اليتمي ولم يروه عن محمد هذا إلا يحيا بن سعيد الأنصاري ثم رواه عن يحيا هذا عدد من الرواة الثقات فأصبح مشهورا متداولا بكثرة بين علماء الإسلام في إستخراج العديد من الأحكام الشرعية. ج- حديث الآحاد: هو الحديث الذي رواه عن الرسول (ص)عدد من الصحابة لم يبلغ حد التواثر سواء في عهد النبي أو من بعده حتى عهد التابعين. وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ولا يفيد العلم القطعي، إذ الإتصال بالرسول (ص) فيه شبهة، ولهذه الشبهة في إسناد الحديث بالرسول عليه السلام قال جمهور الفقهاء بالعمل له ما لم يعارضه معارض، ولم يأخذوا به في العقيدة لأن الأمور الإعتقادية تبنى على الجزم واليقين ولا تبنى على الظن ولو كان راجحا، لأن الظن في الإعتقاد لا يغني عن الحق شيئا. ويذكر مؤرخوا فقه السنة النبوية الشريفة بأن حديث الآحاد هو الأكثر عددا بالمقارنة مع السنة المشهورة والسنة المتواثرة. غير أن فقهاء الإسلام إختلفوا في شروط إعتبار حديث الآحاد حجة على المسلمين ومصدر من مصادر التشريع وذلك تبعا لإختلافهم في الإتجاه إلى التشدد في الموضوع أو العكس الإتجاه إلى التساهل في الأخذ بأحكام ما ورد في هذا الحديث. وأهم شروطهم سواء كانوا مشددين أو متساهلين تتمحور حول كون راوي حديث الآحاد عدل وثقة، لا يعرف عنه الكذب متدين عالما بأمور دينه، ضابطا لما يسمع أي معروف بملكة الفهم والحفظ وتثبت سماعه للحديث فعلا ممن يروي عنه بسند متصل أساسه اللقاء بينهما. وينكر الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم من فقهاء الإسلام أية حجية لحديث الآحاد ويدعون إلى إهماله وعدم العمل به لأنه يحتمل دخول الخطأ والوهم وحتى الكذب عليه الشيء الذي يجعله بعيدا عن درجة العلم وأحرى اليقين وهو العلم المقطوع به. بينما الإمام الشافعي يقبل الآحاد معللا توجهه بأن الرجل كان يفد على الرسول (ص) فيتعلم منه الدين ثم يعود إلى قومه مبلغا ومعلما. 2- أقسام السنة من حيث درجة الصحة أو الضعف. أ- الحديث الصحيح: وهو الحديث المسند الذي إتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، حتى ينتهي إلى رسول الله (ص) من غير شذوذ ولا تعليل بعلة قادحة، ويذكر علماء الشريعة الإسلامية بأن الحديث الصحيح لا يتصف بهذا الوصف إلا إذا توافرت فيه الشروط التالية • أن يكون الحديث الصحيح مسندا أي يتصل إسناده من رواية تنتهي إلى الرسول (ص) فيقال عنه أنه حديث متصل أو موصول. • أن تتوفر في راوي الحديث العدالة والضبط وعدالة الراوي هي أن يعرف بإستقامته التامة في شؤون الدين، مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من الفسق. وشرط الضبط في الراوي هو أن يعرف بضبط سماعه للرواية كما يلزم، وفهمه لها فهما دقيقا، وحفظه لها حفظا كاملا لا تردد فيه وثباته على الأداء في هذا من وقت التلقي إلى وقت التبليغ. • أن يسلم الحديث من الشذوذ والعلة ويقصد بالشذوذ أن يروي الحديث راوي ثقة مخالفا به ما أجمع عليه غيره من الرواة الثقات، ويعني هذا أنه إذا روى هذا الراوي إنفرد بروايته لا يوصم بالشذوذ. أما عن خلو الحديث من العلة القادمة فيعني ضرورة خلوه من أية علة خفية من شأنها المساس بصحة الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كأن يروى عمن عاصره بلفظ "عن" والحال أنه لم يسمع منه شيئا. ب- الحديث الحسن: ويقصد به ما إتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غير شذوذ ولا علة، ويتضح من هذا التعريف أن وجه الخلاف بين الحديث الحسن والحديث الصحيح هو أن الأول فيه الراوي متصف بالعدالة لكنه خفيف الضبط في النقل بينما الثاني الراوي يتوفر على شرط العدالة والضبط التام. وما عدا هذا الخلاف فلا فرق بين الصحيح والحسن من حيث الإحتجاج ووجوب العمل به، لأن كلا منهما حال من الشذوذ والعلة وإن كان الحسن دون الصحيح من حيث القوة. ج- الحديث الضعيف: هو ثالث أقسام الحديث من حيث درجة الصحة والضعف وخير تعريف له أنه «ما لم يجتمع فيه حسنات الصحيح ولا صفات الحسن». ومعنى ذلك أن الحديث الضعيف فقد شرطا من شروط الصحيح أو شرطا من شروط الحسن لذلك فالحديث الضعيف يرجع ضعفه لعدة أسباب، قد تتعلق بالمتن، وقد تتعلق بالسند وقد تتعلق بهما معا أو بغيرهما مما يجعل الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا تطمئن النفس إلى القطع بصحته أو حتى غلبة الظن بالنسبة لمن يريد أن يأخذه عن غيره. القسم الثاني: تدوين السنة وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم. 1- تدوين السنة وحجيتها. أ- تدوين السنة. يذكر مؤرخوا الإسلام أن تدوين السنة وكتابة الأحاديث النبوية مر بأطوار مختلفة ففي عهد الرسول (ص) لم تدون السنة النبوية الشريفة لكونه صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن تدوينها خشية إختلاطها بالقرآن الذي كان يكتب حينذاك. حيث قال عليه السلام «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وأيضا لسعة حفظ الصحابة بالإضافة إلى أن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة. ومع ذلك يذكر أن بعض الصحابة كتبوا في عهد الرسول(ص) مجموعة من الأحاديث، بل إن منهم من كتبها بإذن خاص منه (ص) وذلك قبل الإذن العام بكتابة الحديث لكل من رغب فيه وقدر عليه وذلك في السنوات الأخيرة من بعثته عليه السلام حيث نزل أكثر الوحي وحفظه الكثيرون، ولم يعد يخشى من إختلاط الحديث بالقرآن أو إلتباس أقواله وشروحه وسيرته بكتاب الله. ومن أشهر من عرف بكتابة الحديث في عهد الرسول(ص) سعد بن عبادة الأنصاري وعبد الله إبن عمرو بن العاص الذي كتب أشهر صحيفة للأحاديث النبوية وكانت تسمى الصحيفة الصادقة وقد إشتملت على ألف حديث من أحاديث النبي عليه السلام . ولما جاء عهد الخلفاء الراشدون ظل الموقف من كتابة السنة وتدوينها شبيها تماما بما كان عليه الحال في العهد النبوي الشريف، فمن عروة إبن الزبير أن عمر بن الخطاب (ض) أراد أن يكتب السنن فإستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص) فثار عليه عامتهم بذلك فلبث الخليفة عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال "إن كنت قد ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء" فترك كتابة السنة . وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (ض) الذي نبه إلى جمع السنة وإعتبارها علما من العلوم التي لها قواعدها ورجالها، وقد كان ذلك على رأس القرن الثاني للهجرة، حيث أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم قاضي المدينة المنورة أن يجمع السنة، فإمتثل، ولكن الخليفة توفي بعد ذلك بمدة لم تكن كافية لتحقيق رغبته، ولم يعن من جاء بعد الخليفة عمر بن عبد العزيز من خلفاء في أمية بتدوين السنة لإنشغالهم بالسياسة وأمور الحكم. ولم تبدأ الخطوات الحقيقية لتدوين السنة وتبويبها إلا في العهد العباسي حيث بدأ جمعها وتدوينها مع منتصف ق.2. وقد كان الحديث فيما.جمع منه في هذه المرحلة مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، بحيث لم يعن الفقهاء آنذاك بتمييز السنة عن أقوال وفتاوى الصحابة والتابعين ولا بترتيبها. وقد تلت هذه الخطوة خطوات أخرى عني فيها بتدوين السنة وتمييزها عن فتاوى الصحابة والتابعين، حيث تبلور عن ذلك علم قائم بذاته يعرف ب «علم مصطلح الحديث» وكانت ذلك مع منتصف القرن الثاني الهجري، وبعد ذلك ظهرت طريقة جديدة، وهي تمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها والبحث في الرواة، فكان هذا أزهى عصور الحديث . ب- حجيتها: أجمع المسلمون على أن السنة مصدر التشريع وقد دل على هذا الكتاب بنصوصه الكثيرة وبأساليب مختلفة من ذلك، التصريح بأن النبي (ص) لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي من الله، وما كان من عند الله يلزم إتباعه قال تعالى: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » والأمر بطاعة الرسول «قل أطيعوا الله والرسول» وجعل طاعة الرسول طاعة لله «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وكذلك الأمر بإتباع ما يأتينا به الرسول «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فإنتهوا » ووجوب رد المتنازع فيه إلى الله أي إلى كتابه وإلى الرسول أي إلى سنته قال تعالى: « فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» ووجوب تحكيم الرسول (ص) فيما يحصل فيه الإختلاف وقبول ما يحكم به: « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما » ومن تم لا خيار للمسلم فيما قضى به الله أو قضى به رسوله «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا » وقد حذر سبحانه بالعذاب الأليم من مخالفة الرسول(ص) «فلبحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم». وبإعطاء الله رسوله سلطة بيان أحكام القرآن لأن في القرآن أحكاما مجملة تحتاج إلى تفصيل وبيان حتى يصح بها التكليف، تكون السنة حجة وواجبة الإتباع ومتسمة للكتاب ومصدر للتشريع يقول تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم». وإذا كان القرآن الكريم يؤكد حجية السنة النبوية، فإن هذه الأخيرة نفسها تتضمن ما يدل على أنها دليل من الأدلة الشرعية، فالرسول الكريم (ص) حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا، قال له بم تقضي فقال بكتاب الله، فقال له الرسول، فإن لن تجد قال، فبسنة رسول الله، فإن لن تجد؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو، فقال الرسول(ص) الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله، فكان هذا إقرار من الرسول عليه الصلاة والسلام بأن السنة مصدر من المصادر التشريعية وإذا كان كل من القرآن والسنة والإجماع يدل على حجية السنة، فإن العقل نفسه يذهب على هذه الحجية، ذلك أن القرآن يتضمن العديد من الأحكام التي وردت بصفة مجملة تحتاج معها إلى تفصيل وذلك مثل فرائض الصلاة والزكاة والحج، حيث تولت السنة تفصيل أحكام هذه الفرائض، فلو لم تكن واجبة الإتباع لكافة المسلمين لما كان بالإمكان تطبيق وتفسير آيات القرآن المجملة، ولبقيت أحكامها غير قابلة للتطبيق. 2- منزلة السنة من القرآن الكريم. السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بع كتاب الله تعالى، وهذا بإجماع الأمة سلفها وخلفها، إذ الناس لم يتنازعوا في دليلها الشرعي، وقبول أصلها، وإنما فصل الخلاف من جهة ثبوت بعض الأحاديث في روايتها، أو عدم ثبوتها وهذه مسألة مستقلة عن حجيتها. والسنة بإعتبارها الأصل الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي، فهي تتولى توضيح أحكام القرآن وتفصيل مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عامه، بالإضافة إلى أنها إستقلت بأحكام لم يرد لها ذكر في القرآن وإن كانت أصولها راجعة إليه، وهكذا فالسنة النبوية جاءت مؤكدة لما جاء في القرآن أو مبينة له، كما أنها في بعض الأحيان منشئة لأحكام لم ينص عليها القرآن. أولا: تأكيد السنة لأحكام القرآن. السنة المؤكدة هي التى يكون ما تشتمل عليه من حكم مطابق لما في القرآن الكريم، بحيث يكون الحكم حينئذ مستمد من مصدرين القرآن مثبت له و السنة مؤيدة له، والسنة المؤكدة لما جاء في القرآن كثيرة منها قوله (ص) «لايحل مال إمرئ إلا بطيب منه » فإنه مؤكد لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم, أخذتموهن بأمانة الله» فقد جاء هذا الحديث تأكيدا لقوله عز وجل «وعاشروهن بالمعروف» إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة تؤكد ما جاء في القرآن الكريم من أحكام. ثانيا: بيان السنة لأحكام القرآن. 1- بيان مجمل: سبق القول بأن القرآن الكريم يتضمن من الأحكام ما نزل مجملا يحتاج معها إلى بيان وتفصيل، أحكام فرض الله سبحانه من خلالها على الناس فرائض دون أن يبين القرآن كيفية أدائها، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، فالمولى سبحانه وتعالى فرض فرائض دون أن يتعرض لتفاصيلها، حيث تولت السنة النبوية بنوعيها القولية والعملية تبيان ذلك. 2- تخصيص العام: جاء القرآن الكريم بأحكام عامة، لكن السنة خصصت بعض هذه الأحكام من ذلك قوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» فهذا الحكم عام في كل أصل مورث، وكل ولد وارث ولكن السنة خصصت الوارث بغير القاتل، فقد قال صلى الله عليه وسلم «لايرث القاتل» كما قصرت السنة الأصل المورث على غير الأنبياء لقوله عليه الصلاة والسلام: «نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة». 3- تقييد المطلق: السنة قيدت بعض الأحكام التي جاءت في القرآن مطلقة من ذلك قوله سبحانه: «والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم» فالآية الكريمة هنا ذكرت الأيدي مطلقا، ولم تقييد ذلك بكون اليد التي يجب قطعها هي اليمنى أو اليسرى ولكن السنة دلت على تقييدها باليمين وأن القطع يكون من الرسغ من ذلك قوله تعالى: «وليطوفوا بالبيت العتيق» فالطواف منصوص عليه بكيفية مطلقة، ولكن السنة قيدته بالطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجاسة. ثالثا: السنة منشئة لأحكام ليست في القرآن. إستقلت السنة في بعض الأحيان برضع أحكام لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم وإن كانت راجعة في ذلك إليه، وهكذا نجد السنة النبوية موجبة لبعض الأحكام التي سكت القرآن عن فرضها، أو محرمة لما سكت عن تحريمه ومثال ذلك. 1- تشريع زكاة الفطر: فقد روى البخاري ومسلم عن إبن عمر رضي الله عنهما: قال: فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. 2- نصت السنة النبوية على ميراث الجدة: فقد روى أبو داوود عن بريدة أن النبي جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم. 3- حرمت السنة النبوية الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: والمرأة وإبنة أخيها أو إبنة أختها، فقد روى البخاري ومسلم وغيرها أن النبي (ص) قال: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على إبنة أخيها ولا على إبنة أختها فإنكم إن فعلتم قطعتم أرحامكم». 4- وحرمت السنة من الرضاع ما يحرم من النسب، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله (ص) قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». 5- إن القرآن الكريم أحل صيد البحر فقال تعالى: «أحل لكم صيد البحر وطعامه » وحرم الميتة، فبقيت ميتة البحر مترددة بين الطرفين، فألحقها الرسول (ص) بالحلال، حيث قال في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته». 6- إن الله عز وجل حرم الميتة وأباح المذكاة، فدار الجنين الخرج من بطن المذكاة ميتا بين الطرفين، فجاءت السنة النبوية وألحقته بالثاني، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه». 7- كما نصت السنة على حد الزاني المحصن وهو الرجم بالحجارة حتى الموت
القياس.
أولا: القياس في اللغة والإصطلاح:
القياس في اللغة: التقدير والتسوية، ومنه قول العرب فلان لا يقاس إلى فلان في كرمه وجوده، ويقولون: قس هذا الثوب بهذا لتعرف تساويهما في الجودة والحسن.
وفي الإصطلاح: عرفه الباجي بقوله: حمل أحد المعلومين على الآخر في إثبات حكم، أو إسقاطه بأمر جامع بينهما.
وأقرب تعريف للقياس هو ما أورده أبو عبد الله الشريف التلمساني بقوله «إلحاق صورة مجهولة الحكم، بصورة معلومة الحكم، لأجل أمر جامع بينهما يقتضي ذلك الحكم».
ومن خلال التعريفين يستفاد أن القياس ينبني على عملية إلحاق واقعة-غير منصوص على حكمها وتسمى الفرع- بواقعة أخرى لها حكم معين-تسمى بالأصل- لمساوتها لها في علة الحكم.
ثانيا: أركان القياس.
مما سبق يتضح أن أركان القياس أربعة هي:
أ- الأصل: وهو ما ورد نص بحكمه ويسمى المقيس عليه، أو هو الواقعة التي ورد التنصيص على حكمها.
ب- الفرع: وهو ما لم يرد نص بحكمه، ويسمى المقيس أو هو الحادثة التي لا حكم لها من الشرع.
ج- الحكم: وهي ما ثبت للفرع بعد ثبوته للأصل وهو نتيجة القياس.
د- العلة: وهي الوصف الجامع بين الأصل والفرع، وبناءا على وجوده في الفرع يعطي حكم الأصل.
ثالثا: قضايا إستعمل فيها القياس.
1- من ذلك مبايعة سيدنا أبي بكر الصديق للخلافة، قياسا على إمامته للصلاة إذ صلى إماما بالنبي (ص) وبأصحابه رضي الله عنهم.
2- من ذلك قياس النبيذ على الخمر في التحريم.
3- ومن ذلك قتل الموصى له للموصي قياسا على قتل الوارث لمورثه.
رابعا: حجية القياس.
القياس مقرر بالقرآن والسنة، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
- أما القرآن فيدل عليه قوله تعالى: «فإعتبروا يا أولي الأبصار» الحشر 2، قال الإمام الباجي رحمه الله: والإعتبار في اللغة هو تمثيل الشيء بالشيء، وإجراء حكمه عليه.
وقال تعالى: «يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا» النساء 8.
وليس الرد إلى الله وإلى الرسول إلا بتعريف الإمارات الدالة منهما على ما يرميان إليه، وذلك بتعليل أحكامهما والبناء عليها، وذلك هو القياس.
- أما السنة، فالإستدلال بها على حجية القياس كثير،فمن ذلك قوله (ص): «مثل المؤمن مثل الزرع لاتزال الريح تميله، ولايزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة كمثل شجرة الأرز، لاتهتز حتى تستحصد» رواه مسلم.
وقوله (ص) للذي ولد له ولد فأنكر لونه: «هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها، قال: حمر، قال: هل فيها من أورق (أورق: أبيض مائل إلى السواد (رمادي)) قال: نعم، قال: فأنى ترى ذلك؟ قال: عرق نزعه (العرق الأصل من النسب، ومعنى نزعه أشبهه وإجتذبه أي أن أحد أجداده كان في لونه، قال: فلعل هذا عرق نزعه» متفق عليه، إلى غير ذلك من الأحاديث والوقائع التي يستفاد منها أصل القياس.
- أما عمل الصحابة رضوان الله عليهم فأكثر من أن يحصى، قال إبن عبد البر القرطبي رحمه الله: «وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من إجتهاد الرأي والقول بالقياس على الأصل عند عدمها ما يطول ذكره».
ومن ذلك قياس سيدنا علي رضي الله عنه حد شرب الخمر على حد القذف لأن الشرب قد يؤدي إليه، جاء في الموطأ: أن عمر بن الخطاب إستشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى إفترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين».
وقياس الجد على الأب في الأب في حجب الإخوة، وذلك في مذهب أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، وقياس الجدة للأب على الجدة للأم في ميراثها السدس.
خامسا: دور القياس في التشريع.
قال إبن جزي في القياس: وهو أكمل الرأي ومجال الإجتهاد، وبه ثبت أكثر الأحكام، فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة، ومواضع الإجماع معدودة، والوقائع غير محصورة، وله الدور الأكبر في التعرف على الحكم الشرعي لكل واقعة مستجدة، وحادثة طارئة، وفي مجال القياس يلتقي العقل والنقل ويظهر أثر التدبر في معرفة العلل والمقاصد، وإجراء طرق الفهم والإستنباط لتظهر نعمة العقل الذي به تميز الإنسان، وشرفه خالقه سبحانه في عالم الأكوان، ولتبرز مجالات الإختبار والإبتلاء في الإجتهاد بالأفكار والأعمال وله شاء الله العليم الحكيم لجعل لكل واقعة حكما معينا ولكن ليظهر مناط التكليف في التوفيق بين العقل الإنساني وبين الشرع الرباني الذي أنزله الله سبحانه ليعمل الجميع في دائرته. كذلك كانت عملية القياس متعلقة بالإجتهاد وللإجتهاد أجر ولو لم يصادف الصواب، غاية ما هنالك أن يكون مستعمل القياس أخذ بمعاقد الشرع، مطلعا على نصوصه ومداركه، له من أدوات الإجتهاد ما يمكن من النظر الفسيح حتى يكون قياسه صحيحا، ومآله محمودا.
الإستحسان.
أولا: معنى الإستحسان.
الإستحسان في اللغة مشتق من الحسن، وهو عد الشيء حسنا، يقال إستحسنت كذا، إعتقدته، وعددته حسنا.
في الإصطلاح: عرف بعدة عبارات، فجاء عن إبن رشد: الإستحسان الذي يكثر إستعماله حتى يكون أعم من القياس-هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى غلو في الحكمة، ومبالغة فيه فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الموضع.
قال أستاذنا علال الفاسي رحمه الله: ويظهر أن الجميع متفق على أن الإستحسان هو العدول على الدليل لا يثار دليل آخر أو لتخصيصه أو تقييده بناء على دليل آخر شرعي أو مصلحة أو عرف متفق مع الشريعة أيضا...
والخلاصة أنه إيثار دليل على دليل يعارضه لمرجح يعتد به.
ثانيا: قضايا مبنية على الإستحسان.
1- تخصيص الدليل بالعرف، كمن حلف ألا يدخل بيتا، فهو يحنت بدخول كل موضع يسمى بيتا في اللغة، ويدخل في حكمه المسجد، إلا أن العرف لا يطلق على المسجد مجرد بيت، فهو بيت بالإضافة فيقال بيت الله أو مسجد فينبني عليه أن من دخل المسجد لا يحنث، ودليله الإستحسان ومثله من حلف ألا يأكل لحما فأكل سمكا، فإنه يحنث لأن السمك ولو أنه من جنس اللحم إلا أنه لا يقال له في العرف لحم، وإنما يقال له سمك.
2- ميراث الإخوة الأشقاء مع الإخوة للأم وإشتراكهم جميعا في الثلث، فالقياس يقتضي عدم توريث الإخوة الأشقاء لأنهم عصبة يبق لهم شيء في صورة المشتركة، وكل نازلة من هذا النوع يعطي لها نفس الحكم، لكن لما كان للإخوة الأشقاء وصف خفي وهو مشاركتهم للإخوة للأم في جهة الأمومة، كان من باب العدل ورفع الحرج الأخذ بهذا الإعتبار وإعماله في الحكم وهذا هو معنى الإستحسان هنا، وفي هذا الإتجاه ذهب عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت وغيرهما رضي الله عنهم.
ثالثا: حجية الإستحسان.
عمل بمبدأ الإستحسان كما رأينا كبار الصحابة رضوان الله عليهم كعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت كما في مسألة المشتركة وغيرها، وعلي بن أبي طالب، وسار في نفس الإتجاه الأئمة مالك، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، ويذكر عن الإمام مالك أنه قال: «تسعة أعشار العلم الإستحسان، وخالف في ذلك الإمام الشافعي الذي يروي عنه أن «من إستحسن فقد شرع»، والحقيقة أن الشافعية نظروا إلى الإستحسان كأنه رأي محصن لا يستند لدليل فأنكروه، ونظر إليه الآخرون على أنه رأي ناتج عن المقارنة بين الأدلة، وترجيح بعضها على الآخر فقبلوه وإذن فالخلاف في غير موضوع، ولذلك قال الشاطبي: إن الخلاف يرجع إلى الإطلاقات اللفظية ولا حاصل له.