اطرح تساولك نا ونحاو حله ان شاء الله **ارجو اتثبيت**

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.



أمرنا الله بإستعمال عقولنا في غير موضع من القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى: «أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء» فإستعمال الرأي أمر لا مناص منه شريطة الإلتزام بمبادئ الشريعة العامة وقواعدها الكلية وذلك بحكم الضرورة الناجمة عن كون النصوص متناهية والوقائع غير متناهية.
لم تنضبط شريعة من الشرائع إلا بإقتران الإجتهاد بها لأن من ضرورة الإنتشار في العالم الحكم بأن الإجتهاد معتبر.
يعتبر الإجتهاد مصدرا من مصادر الأحكام الشرعية فيما لم يكن فيه نص قطعي من الكتاب والسنة وكان ضروريا في حياة الأمة الإسلامية تبعا لما يحدث ويجد فيها عبر العصور والأجيال من قضايا وأحوال إجتماعية تقتضي البحث عن إيجاد أساس شرعي لها والتعرف على حكم الله فيها.
إن أساس الإجتهاد الكتاب والسنة وكل إجتهاد لا يعتمد على هذين المصدرين يعد صاحبه خارجا عن جماعة المسلمين والرجوع إلى النصوص الشرعية مأمور به صراحة في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا».
بدأ الإجتهاد في حياة الرسول(ص) حيث إجتهد في كثير من الوقائع والأحداث التي لم يكن عنده وحي من الله فيها ودعا إليه المؤهلين من الصحابة وشجعهم عليه وكان عهد الخلفاء الراشدين زاخرا بإجتهادات مشهورة في أمور وقضايا مستجدة وتوسعت دائرة الإجتهاد الفقهي مع عهد الفقهاء والتابعين بحكم الوقائع المستجدة والأحداث الإجتماعية الطارئة.
وجاء عهد أئمة المذاهب فأسسوا مذاهبهم الفقهية وأصولها على الكتاب والسنة وإجتهدوا في إستنباط الأحكام الشرعية ووضعوا لذلك منهجا محكما وقواعد وضوابط وأسس يتعين أن ينبني عليها الإجتهاد وتعرف بها طرق إستنباط الأحكام وإشترطوا في المجتهد شروطا ومواصفات يجب توافرها.
تعريف الإجتهاد والمجتهد والمجتهد فيه.
الإجتهاد: لغة هو بذل الوسع والمقصود هو بذل الجهد أو الوسع وبلوغ الغاية في الطلب والمبالغة في العمل لتحقيق أمر من الأمور سواء كان هذا العمل عضليا أو فكريا.
أما الإجتهاد إصطلاحا فلم يتفق الأصوليون على تعريف معين فحسب بعضهم هو: "إستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد" وقيل هو "بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، والإجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد من الطلب.
وحسب بعض الفقهاء المحدثين هو: بذل الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، والإجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد الطلب.
وعليه يكون المقصود من الإجتهاد هو الوصول إلى الحكم الشرعي حسب رأي المجتهد الذي إستفرغ وسعه وإطمأن قلبه إلى ما وصل إليه.
المجتهد فيه:
عرف بعض الفقهاء المجتهد فيه بأنه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي وعرفه البعض الآخر بأن الحكم الشرعي العملي.
تعريف المجتهد:
نظرا لصعوبة تعريف المجتهد بصفة مستقل عن شروط الإجتهاد لم يقم الكثير من الأوصوليين بتعريفه وإكتفوا بتعريفه من خلال الشروط اللازمة لجعل الشخص أهلا للإجتهاد.
وهناك من حاول تعريفه بصورة مستقلة فقال: "المجتهد كل من إتصف بصفة الإجتهاد" وعرفه البعض بأنه "الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي".
أحكام الإجتهاد:
قسم بعض الأصوليين أحكام الإجتهاد إلى ثلاثة أنواع:
1- قد يكون الإجتهاد واجبا وجوبا عينيا إذا حلت الواقعة بالمجتهد نفسه حيث لا يجوز له أن يقلد غيره.
2- قد يكون واجبا كفائيا إذا نزلت الحادثة وكان هناك مجتهدون متعددون وكان هناك متسع من الوقت وفي هذه الحالة يأتمون إذا تركوا الإجتهاد كلهم فإن أفتى أحدهم سقط الطلب عن الباقين.
3- قد يكون الإجتهاد مندوبا إذا تعلق بإيجاد حكم لحادثة لم تحصل بعد سواء سئل المجتهد أو لم يسأل.
موضوع الإجتهاد
إن مجال الإجتهاد واسع يشمل البحث عن الأحكام إنطلاقا من نصوص الشريعة أولا فإن لم نجد الحلول المطلوبة بحثنا عنها في مصادر أخرى غير النصوص بإستعمال الرأي والإعتبار كالمصالح المرسلة والإستحسان والقياس.
فنصوص الشريعة إما أن تكون قطعية الثبوت والدلالة وفي هذه الحالة لا يبقى مجال للإجتهاد ما دام النص ثابتا ثبوتا قطعيا ويدل على معناه بصورة قطعية، وإما إذا كانت النصوص ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة فحينئذ نحتاج إلى بذل الجهد في تحقيق هذه النصوص للتأكد من ثبوتها أو تفسيرها أو تأويلها لمعرفة مقصود الشارع منها، ذلك أن الشريعة جاءت بكليات الأمور في غالب الأحيان وتركت أمر الجزئيات والتفاصيل لأولي الأمر من المسلمين كي يجدوا الحلول المناسبة لمصالحهم الدينية والدنيوية.
إن الأمور الإعتقادية لا مجال للإجتهاد فيها قطعا والأمور المتعلقة بالعبادات مجال الإجتهاد فيها ضيق جدا ومحدود لكونها تتصل بمسائل قارة غير قابلة للتغيير والتبديل لأن الدين قد إكتمل عند نزول قوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» فلم يعد بإستطاعة أي كان أن يزيد في الدين أو ينقص منه وإن بقي مجال للإجتهاد في العبادات فيمكن حصره في البحث عن أصح الأحاديث المتعلقة بأمور جزئية تفصيلية لا تمس الفرائض والواجبات، وإنما تتعلق بأمور غير جوهرية.
أما الأمور المتعلقة بالمعاملات والتي تنقسم إلى قسمين يتعلق بالأسرة وبخصوصه ونظرا لأن الشريعة الإسلامية أغنت موضوعه ووثقته بنصوص فصلت أحكامه فإننا نكاد نستغني عن الإجتهاد في هذا الشأن لكن تبقى أمور جزئية وتفاصيل تعود إلى أمور تنظيمية أما الأمور الأساسية فقد نبهنا الله تعالى إلى وجوب التقيد بما شرع الله لنا في هذا الشأن نظرا لأهمية الأسرة في بناء المجتمع المسلم ولأنها الأساس الذي يقوم عليه بناؤه.
يبقى المجال الخصب للإجتهاد هو ميدان المعاملات بأوسع معانيها من عقود وتصرفات وما يترتب عليها من مسؤوليات.
مصادر الإجتهاد.
إن مصادر الإجتهاد الرئيسية التي إعتمدها الأئمة أصحاب المذاهب والمناهج التشريعية هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس وهذه المصادر متفق عليها بين جمهور الفقهاء وكانت موجودة من عهد الصحابة وتضاف إليها مصادر أخرى ثانوية يختص بها هذا الإمام أو ذاك كالمصلحة المرسلة والإستحسان والإستصحاب والصرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وسد الذرائع.
إن الإجتهاد والإستنباط لا يلجأ إليه إلا في حالات معينة مثل:
1- لإثبات النص الشرعي وهذا أمر خاص بالسنة لأنها ليست كلها على درجة من الثبوت بل إن منها من ثبت بطريق ظني لذلك يبقى على المجتهد أن يثبت من صحة هذا النوع من السنة وذلك بالرجوع إلى صحاح السنة.
2- الإجتهاد في معرفة دلالة النص الشرعي على الحكم إذا كان هذا النص يدل على الحكم لطريق ظني وحينئذ تنحصر مهمة المجتهد في البحث عن تفسير النص وتأويله بالإعتماد على القواعد اللغوية والشرعية وهو ما يسمى الإجتهاد التفسيري.
3- الإجتهاد فيما فيه نص ظني الثبوت ظني الدلالة ففي هذه الحالة تجتمع الصعوبتان معا حيث يكون على المجتهد أن يبحث عن ثبوت النص أولا ثم يبحث بعد ذلك عن تفسيره وتأويله لمعرفة مقصود الشارع منه.
4- الإجتهاد في المسائل التي لم يرد بشأنها نص أصلا فإذا عرضت على المجتهد قضية أو مسألة لا نص على حكمها في الكتاب والسنة يجب عليه أن يبحث عن في مصادر أخرى كالقياس أو الإستحسان أو المصلحة المرسلة أو العرف.
ومن الأمور التي تكون محلا للإجتهاد تحقيق المناط وتنقيح المناط وتخريج المناط.
تحقيق المناط من مسالك العلة ومعناه أن يقع الإتفاق عليه وصف بنص أو إجماع فيكون على المجتهد التأكد من وجود العلة في صورة النزاع (قضية علة إعتزال النساء في المحيض هي الأذى) وسمي تحقيق المناط لأن المناط وهو الوصف علم أنه مناط لكن بقي النظر في تحقيق وجوده في الصورة الجديدة، أي أن المجتهد يتحقق من وجود علة الأصل في الفرع ليتعدى حكم الأصل إليه.
تنقيح المناط والمراد به تهذيب العلة وتخليصها مما إقترن بها من الأوصاف التي لا مدخل لها في العلة (قصة الأعرابي).
تخريج المناط ويعبر عنه بالمناسبة وبالإخالة وبالمصلحة وبالإستدلال ورعاية المقاصد ويقصد به تعيين العلة بمجرد إبتداء المناسبة أي الملاءمة مع السلامة من القوادح لا بنص ولا بغيره.
شروط الإجتهاد:
1- معرفة كتاب الله عز وجل: لأنه المصدر الأول والأساسي فلا مناص من معرفة نصوص القرآن الكريم وخصوصا آيات الأحكام، على أن الحفظ وحده لا يكفي بل لابد من معرفة بعض علوم القرآن ليتسنى للمجتهد الإستنباط منه ومن بينها معرفة الناسخ والمنسوخ ومعرفة مجمل القرآن ومفصله وخاصه وعامه ومحكمه ومتشابه ومعرفة أسباب التنزيل التي ترشد إلى فهم المقصود.
2- معرفة السنة النبوية: تعد السنة النبوية المصدر الثاني للشريعة الإسلامية وهي تساعد على فهم القرآن لذلك كان لابد للمجتهد من معرفة السنة النبوية وخاصة منها تلك التي تتعلق بالأحكام وكذا معرفة العلوم الحديثة حتى يمكن الإستفادة من هذه الأحاديث بصورة سليمة فلابد أن يكون للمجتهد تمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من السنة وشروط التواثر والآحاد والمسند والمرسل ومعرفة الرواة في القبول والرد ومعرفة الناسخ والمنسوخ من السنة.
3- معرفة مسائل الإجماع: يشترط في المجتهد أن يكون عارفا بمسائل الإجماع حتى لا يفتي بما يخالف ما وقع عليه الإجماع.
4- معرفة علم أصول الفقه:
إن معرفة علم أصول الفقه أمر جد ضروري لأنه علم يحتوي على مفاتيح الإجتهاد وأدواته إبتداء من مصادر التشريع وما يتصل بها إلى مباحث الألفاظ ودلالاتها ومرورا بمعرفة التعارض والترجيح والإطلاع على مقاصد الشريعة وغيرها.
5- معرفة اللغة العربية:يعتبر هذا الشرط ضروريا للإجتهاد لأن الشريعة عربية ولا يمكن فهم القرآن والسنة على الوجه المطلوب إلا إذا كان اللسان عربيا غير أنه في نظر جمهور الأصوليين لا يشترط إلا الدرجة الوسطى في معرفة العربية.
6- فقه النفس: إشترط بعض الأوصوليين أن يكون المجتهد فقيه النفس شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام فبدون توفر هذا الشرط لا يمكن للإنسان أن يقارن بين الأدلة ويميز بين راجحها ومرجوحها وينفذ إلى مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من جلب المصالح ودرء المفاسد.
7- الإيمان: يجب أن يعلم المجتهد الرب تعالى وما يجب له من الصفات وما يستحقه من الكمالات حتى يتصور منه التكليف وأن يكون مصدقا بالرسول وما جاء به من الشرع المنقول.
تجزئة الإجتهاد
إختلفت الآراء حول تجزئة الإجتهاد بين مؤيدين ومعارضين، فالمؤيدون يعتبرون أن الإجتهاد ليس أمرا لا يقبل التجزئة والإنقسام بل قد يكون المرء مجتهدا في فن أو باب أو مسألة دون غيرها، كما أن الإجتهاد في حكم بعض المسائل يكفي فيه معرفة ما يتعلق بتلك المسائل وما لابد فيها ولا يضر المجتهد جهله بما لا يتعلق بتلك المسألة ما يتعلق بباقي المسائل الفقهية أما المعارضون لتجزئة الإجتهاد وهم أقلية فيرون أن المسألة من نوع في الفقه ربما كان أصلها في نوع آخر منه، كما أن من لا يقتدر على الإجتهاد في بعض المسائل لا يقتدر عليه في البعض الآخر لأن أكثر علوم الإجتهاد يتعلق بعضها ببعض ولا سيما ما كان من علومه مرده إلى ثبوت الملكة فإنها إن تمت كان مقتدرا على الإجتهاد في جميع المسائل، وإن إحتاج بعضها إلى بحث مستقل، وإن نقصت الملكة لم يقتدر على شيء من ذلك ولا يثق في نفسه لتقصيره ولا يثق به الغير لذلك
 
الإجماع
إن الحاجة الماسة إلى الحكم على القضايا الجديدة، في عصر الصحابة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هي التي كانت سببا في ولادة أو نشوء فكرة الإجماع عن طريق الإجتهاد الجماعي، إحتياطا في الدين، وتوزيعا للمسؤولية على جماعة المجتهدين خشية تعثر الإجتهاد الفردي، أو وقوع المجتهد من الصحابة في الخطأ، بالرغم من رفع الحرج والإثم عن الخطأ في الإجتهاد، وتشجيعا على التصدي للفتوى، بعد التثبت والتحري المطلوب .
ويعتبر الإجماع الدليل الذي يلي كلا من القرآن والسنة في القوة والإحتجاج، حيث إنه في مرتبة تلي مباشرة المصدرين الأساسيين الأصليين، وهو يعتمد عليهما.
ولتناول الإجماع كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي نتعرض لتعريفه، مستنده وأركانه (المطلب الأول) ثم نتطرق إلى أنواعه وحجيته (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعريف الإجماع، مستنده وأركانه.
الفقرة الأولى: تعريف الإجماع ومستنده.
أولا: تعريف الإجماع:
الإجماع في اللغة يطلق على أحد معنيين:
العزم على الشيء والتصميم عليه، يقال: أجمع فلان على الأمر أي عزم عليه، ومنه قوله تعالى: «فأجمعوا أمركم وشركاءكم» أي أعزموا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» أي يعزم.
وثانيهما، الإتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا أي إتفقوا عليه، ومنه قوله سبحانه وتعالى: «فلما ذهبوا به، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب» .
ويقصد بالإجماع في إصطلاح الفقهاء وعلماء الأصول إتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام على حكم شرعي .
فإذا وقعت حادثة وعرضت على جميع المجتهدين من الأمة الإسلامية وقت حدوثها وإتفقوا على حكم فيها، فإن هذا الإتفاق يسمى إجماعا، وإعتبر إجماعهم على حكم واحد فيها دليلا على أن هذا الحكم هو الحكم الشرعي في الواقعة .
وهكذا فجمهور الفقهاء يشترطون لتحقيق الإجماع أن يتفق جميع المجتهدين على هذا الحكم، ومن هنا طرح إشكالية إمكان الإجماع وهل وقع فعلا؟
فقد إدعى البعض أن الإجماع بشروطه المذكورة في التعريف لا يمكن وقوعه لأن المجتهدين متفرقون ولا سبيل إلى معرفتهم ولا معرفة آرائهم، ثم يقولون ولهذا لم يقع الإجماع فيما مضى.
وقال الأكثرون أن الإجماع بشروطه ممكن الوقوع وقد وقع فعلا فيما مضى، وإن كانت المسألة تحتاج إلى تفصيل ففي عصر الخلفاء الراشدين لاسيما في عصر أبي بكر وعمر، حيث كان المجتهدون معروفين ومستقرهم في المدينة والرجوع إليهم لمعرفة آرائهم ميسور، ففي هذا العصر وقع الإجماع فعلا وحصلت إجماعات كثيرة منها إجماعهم على قتال مانعي الزكاة، وجمع القرآن، أما بعد هذا العصر حيث تفرق المجتهدون في الأقطار وكثر عددهم فمن العسير القول بوقوع الإجماع، وأقصى ما يستطاع قوله إن أحكاما إجتهادية إشتهرت ولم يعرف لها مخالف، ولكن لا يخفى أن عدم معرفة المخالف لا يدل على عدم وجود المخالف، وإن كان يرى البعض أن إستحالة وجود الإجماع نسبية لعدم إمكانية جمع علماء الدنيا، والذي هو في حد ذاته ليس مستحيلا إستحالة مطلقة.
ثانيا: مستند الإجماع.
يرى جمهور الأصوليون أن الإجماع لابد له من دليل يرجع إليه المجمعون وهذا الدليل يسمى مستند أو سند الإجماع، وهو قد يكون نصا من كتاب أو سنة، وقد يكون قياسا.
فلابد إذن، أن يكون إجماع المجتهدين على دليل لئلا تجتمع الأمة على خطأ، لأن غير المجتهدين تبع للمجتهدين فإذا وقع المجتهدون في الخطأ وقعت الأمة في الخطأ وهذا منفي عنها بنص الأحاديث ، وفوق ذلك فإن الغفلة التي تؤدي إلى الخطأ قد تكون في بعض المجتهدين ولا تكون عامتهم، يقول الشافعي: «إنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا يمكن أن يكون فيها كافة غفلة من معنى كتاب ولا سنة، ولا قياس إن شاء الله» .
فمن أمثلة الإجماع المستند إلى كتاب الله تعالى: إجماع المسلمين على تحريم نكاح الجدات مهما علون، ومن أية جهة كن، وكذلك تحريم التزويج ببنات الأولاد ومهما نزلت درجتهن، وذلك إستنادا إلى قوله عز وجل: «حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم» ، فالمراد بالأمهات في هذه الآية الكريمة الأصول من النساء مهما علون، والجدة كأصل كالأمهات، كما أن المراد بالبنات الفروع من النساء.
ومن الإجماع المستند إلى السنة النبوية الشريفة إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على إعطاء الجدة السدس في الميراث، و الذي جاء بناء على ما رواه المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة من أنه عليه الصلاة والسلام أعطاها السدس.
وقد يكون الإجماع إستنادا إلى القياس، كما في إجماع المسلمين على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قياسا على إمامته لهم في الصلاة أثناء مرض الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقد يكون الإجماع مستندا على المصلحة عند من يقول بحجيتها، وقد وقع ذلك في عهد الصحابة، فعمر بن الخطاب أشار على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن في مصحف واحد، والذي قبل بعد تردد كبير حيث قال له: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله (ص)؟ فقال عمر: إنه والله خير ومصلحة للإسلام، وقد وافق بقية الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد إستنادا إلى مصلحة الإسلام والمسلمين في ذلك.
ومثله أيضا زيادة أذان ثالث لصلاة الجمعة في عهد عثمان، لإعلام الناس بالصلاة، وتنبيه كثير من المسلمين القاطنين في منازل بعيدة عن المسجد، حتى لا تفوتهم الصلاة، وكان مستندهم هو المصلحة ودفع المفسدة المترتبة على بقاء الأمر على ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الفقرة الثانية: أركان الإجماع.
يتبين من تعريف الإجماع المشار إليه آنفا ضرورة توافر الأركان الأربعة التالية:
أولا: ركن الإجماع أو إتفاق جميع المجتهدين.
لكي نكون إزاء إجماع بإعتباره مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي لابد من موافقة جميع المجتهدين، فإذا خالف أحدهم لم ينعقد الإجماع، كما أنه لا يكفي صدور الإجماع من مجتهد واحد إذا إنفرد وجوده في زمن ما، لأن الإتفاق لابد فيه من متعدد، وقد يخطئ المجتهد حينئذ، ومن هنا لا يكون رأيه حجة قطعية كما هو شأن الإجماع، لأن المنفي عند الخطأ هو الإجماع، وهذا رأي جمهور الأصوليين في أنه ليس حجة ولا إجماعا، لأنه رأي فردي يجوز أن يخطئ.
ومن جهة ثانية لابد وأن يكون الإجماع صادرا عن مجتهدي المسلمين، أي من المسلمين الذين تتوافر فيهم شروط الإجتهاد كما حددها الفقهاء .
ثانيا: أن يكون المجمعون من أمة محمد (ص).
يشترط أن يكون أهل الإجماع -الذي هو محل البحث- من المسلمين، وهم: كل من أجاب دعوة رسول الله (ص) وآمن بما جاء به. والعلماء إتفقوا على أنه لا عبرة بالكافر في هذا الموضوع، لأن الكافر غير مقبول في مسائل ديننا، فهو متهم بقوله بسبب مخالفته في الدين، ومن ناحية ثانية، فإن الأمة الإسلامية قد إختصها الله عز وجل بالعصمة من الخطأ عند الإتفاق، ولم يشاركها في ذلك أمة أخرى حسبما جاءت بذلك الأدلة .
ثالثا: إتفاق المجتهدين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إتفق جمهور الفقهاء على أن لا عبرة بالإجماع في عصره (ص)، لأنه إذا وافق الرسول (ص) المجتمعين، فالحجة هو قوله (ص)، وإن خالفهم فلا عبرة بما أجمعوا عليه، لأنه صاحب التشريع، وعليه لا ينعقد في عهد الرسول (ص).
ثم إن الرسول (ص) إذا وافق الصحابة على حكم كان الحكم ثابتا بالسنة لا بالإجماع، وإن خالفهم سقط إتفاقهم، ولا يكون حينئذ حكما شرعيا .
رابعا: إتفاق المجتهدين في عصر من العصور.
ليس المراد بداهة جميع مجتهدي الأمة في جميع العصور إلى يوم القيامة، وإلا أدى إلى عدم تحقق الإجماع أصلا، والمراد بالعصر: هو عصر من كان من أهل الإجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة الجديدة التي تتطلب حكما شرعيا فيها وعليه فلا يعقد الإجماع بمن صار مجتهدا بعد حدوث تلك المسألة، حتى ولو كان المجتهدون الذين أصدروا حكما فيها مازالوا على قيد الحياة، وإنما متى إتفق المجتهدون في عصر من العصور على حكم حادثة، إنعقد الإجماع وصار واجب الإتباع، في اللحظة التي صدر فيها الحكم.
خامسا: أن يقع الإجماع على حكم شرعي.
ينبغي أن يكون موضوع الإتفاق هو حكم الشريعة الإسلامية في المسألة المعروضة فلا يعتبر إجماعا بهذا المعنى إتفاق علماء اللغة أو المنطق أو غيرهم على قاعدة من القواعد ككون الفاء للتعقيب، أو القضايا العقلية كحدوث العالم، قال إمام الحرمين في البرهان: «ولا أثر للإجماع في العقليات، فإن المشجع فيها الأدلة القطعية، فإذا إنتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضدها وفاق».
المطلب الثاني: أنواع الإجماع وحجيته.
الفقرة الأولى: أنواع الإجماع.
الإجماع بحسب طريقة تكوينه نوعان: إجماع صريح وآخر سكوتي.
أولا: الإجماع الصريح.
ويطلق عليه أيضا الإجماع النطقي أو الإجماع القولي، وهو أن ينفق جميع مجتهدي العصر على حكم واقعة، بإبداء كل منهم رأيه صراحة بفتوى أو قضاء، وهذا قد يكون بإجتماعهم في مكان واحد، ثم بحثهم للواقعة أو النازلة المعروضة وتصريح كل مجتهد برأيه فيها، كما قد يتحقق الإجماع الصريح عند عدم تيسر تواجد كل المجتهدين المسلمين في مكان واحد، بأن يعبر كل منهم عن رأيه صراحة في المسألة محل الإجتهاد بأية طريقة من الطرق، ثم تجمع هذه الآراء المتفرقة، ويتكون من إتفاقها إجماعا.
ويعتبر الإجماع الصريح، عند الجمهور، حجة قطعية في ثبوت الأحكام الشرعية.
ثانيا: الإجماع السكوتي أو الضمني.
وهو أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في مسألة ويعلم بها الباقون فيسكتون ولا يصدر عنهم صراحة إعتراف ولا إنكار ، ومثاله ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنه أفتى بوجوب الزكاة عن الأموال المدينة على الدائن، وسمع بهذه الفتوى الصحابة رضوان الله عليهم، وسكتوا، فإن سكوتهم هذا يعد من قبيل الموافقة، وبالتالي يعتبر أن هناك إجماعا سكوتيا على الحكم القاضي بوجوب الزكاة على الأموال المدينة.
وإذا كان الإجماع الصريح يعد بإتفاق الفقهاء حجة قطعية في ثبوت الأحكام الشرعية، فإن الإجماع السكوتي إختلف فيه، على إعتبار أن الساكت من المجتهدين لا جزم بأنه موافق، فلا جزم بتحقق الإتفاق وإنعقاد الإجماع، لذلك ذهب البعض إلى أنه ليس بحجة ، وأنه لا يخرج عن كونه رأي بعض الأفراد من المجتهدين، ذلك أنه من شروط الإجماع أن يتفق جميع المجتهدين على الحكم، وهذا الشرط لم يتحقق في الإجماع السكوتي، لأن بعض المجتهدين سكتوا ولم يدلوا برأي، ولا يصح أن يفسر سكوتهم على أنه موافقة منهم لما أبدي من رأي، إذ السكوت قد ينشأ في بعض الأحيان عن أسباب أخرى غير الموافقة، كالخوف من القائل أو المهابة منه، أو لأنه يرى عدم وجوب الإنكار على القائل، لأن كل مجتهد مصيب.
أما القائلون بحجية الإجماع السكوتي، وهم الحنفية والحنابلة، فقد إشترطوا في توافر هذا الإجماع:
1- أن يكون السكوت مجردا عن علامة الرضا أو الكراهة.
2- وأن ينتشر الرأي المقول به من مجتهد بين أهل العصر.
3- وتمضي مدة كافية للتأمل والبحث في المسألة.
4- وأن تكون المسألة إجتهادية.
5- وأن تنتفي الموانع التي تمنع من إعتبار هذا السكوت موافقة كالخوف من سلطان جائر، أو عدم مضي مدة تكفي للبحث، أو أن يكون الساكت ممن يرون أن كل مجتهد مصيب، فلا ينكر ما يقوله غيره، لأنه من مواضع الإجتهاد، أو يعلم أنه لو أنكر لا يلتفت إليه، ونحو ذلك.
الفقرة الثانية: حجية الإجماع.
الإجماع حجة قطعية لا يسع أحدا أن يجتهد على خلافه إذا تحققت بشروطه، فهو إذن يفيد الحكم قطعا، بعد أن كان هذا الحكم ظنيا قبل تحققه، وعلى المكلف أن يمتثل لهذا الحكم كما يمتثل للحكم الثابت بنص الكتاب والسنة ، وهذا سواء تعلق الأمر بالإجماع الصريح أو السكوتي، لأن هذا الأخير وإن كان محل إختلاف الفقهاء فإنه إذا توافرت له شروط الصحة المتطلبة يعتبر شرعية عند جمهور الفقهاء .
وقد إستدل الجمهور على حجية الإجماع بالكتاب والسنة وعمل الصحابة والعقل عند جمهور الفقهاء.
أولا: الدليل من الكتاب.
إن الأصل في حجية الإجماع من الكتاب قوله سبحانه وتعالى: «ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا» وهذه الآية التي تمسك بها الشافعي على حجية الإجماع في "الرسالة" ووجه الإستدلال بها أن سبيل المؤمنين هو ما يتفقون عليه، ويجمعون على الأخذ به، فمتى تحقق إجماعهم على حكم شرعي، فإن هذا الإجماع يحرم إتباع سبيل غيره فهذا الأخير كمشاقة الله ورسوله، إذ جعل سبحانه وتعالى، جزاءهما واحدا، وهو الوعيد حيث قال: «نوله ما تولى ونصله جهنم».
ثانيا: الدليل من السنة.
وهو أقوى الأدلة كما قال الغزالي، فقد وردت أحاديث عن رسول الله (ص) تدل على عصمة الأمة من الخطأ، وإشتهر ذلك على لسان جماعة من الصحابة المرموقين الموثوقين كعمر إبن مسعود وأبي هريرة وغيرهم ممن يطول ذكرهم، حتى إن كثرة الأحاديث بألفاظها المختلفة، وإن لم تتواثر آحادها، لكن القدر المشترك بينها، وهو عصمة الأمة من الخطأ متواثر لوجوده في هذه الأخبار الكثيرة.
هذه الأحاديث هي: «لا تجتمع أمتي على خطأ»، «يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار»، وقوله (ص): «من فارق الجماعة بثرا، فمات إلا مات ميتة جاهلية».
ثالثا: عمل الصحابة.
من الثابت أن الصحابة رضوان الله عليهم لجأوا إلى الإجماع في الكثير من الحوادث والمسائل التي لم يجدوا فيها حكما شرعيا من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن الأمثلة على ذلك إجماعهم على تولي أبي بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول (ص) وإجماعهم على جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، وإجماعهم على محاربة أهل الردة عند إمتناعهم عن إعطاء الزكاة إلى غير ذلك من الأمور التي حصل فيها إجماع الصحابة وإتفاقهم.​
 
العفو أختي واش تحتاجي راني هنا
 
السلام عليكم , ممكن طلب مساعدة وهي كمايلي: ماهي الاجراءات المتخذة قانونيا للطعن في قرار اداري بالنسبة لموظف حكومي احيل على مجلس تاديبي؟ مع الشكر الجزيل لكل من رد
 
حكم على 5أشخاص بالسجن في المحكمة فقام ذويهم بالإستئناف. ولماوصل ميعاد النضر في
الإستئناف كان الأشخاص قد قضو 4 سنوات من السجن .
و كان الحكم في المجلس كالتالي :4 منهم حكم لهم بتأييد الحكم .وبرأ الشخص الخامس.
وأخلي سبل الشخص المبرأمن طرف المجلس.
لكن النائب العام لم يعجبه الحكم وقام بالطعن في الحكم.
والسؤال هو:
هل يمكن للشخص الخامس المطالبة بالتعويض عن مدة الحبس.
في حالة النضر في الطعن من طرف المحكمة العليا وقامة بتأييد حكم المحكمة هل يعاد الشخص الخامس الى السجن.
 
السلام عليكم
هدي فكرة مليحة تاع اطرح سؤالك و نا نحاول نجاوب عليه ،بارك فيك
و هنا الاعضاء عاونوك يعطيهم الصحة تاني
انا حبيت نسقصيكم على موضوع تاع العلم و المعرفة سنة اولى جامعي شعبة حقوق
كشما كاين فيدونا من فضلكم خاوتي راني مستعجل بيه شوية.
و شكرا.
 
السلام عليكم
هدي فكرة مليحة تاع اطرح سؤالك و نا نحاول نجاوب عليه ،بارك فيك
و هنا الاعضاء عاونوك يعطيهم الصحة تاني
انا حبيت نسقصيكم على موضوع تاع العلم و المعرفة سنة اولى جامعي شعبة حقوق
كشما كاين فيدونا من فضلكم خاوتي راني مستعجل بيه شوية.
و شكرا.
merci bcp khou
و على موضوع العلم و المعرفة روح لكتاب فاضل ادريسي الوجيز في المنهجية تلقاه
ادا راك شعبة حقوق تلقا الكتاب في المكتبة
انا الموضوع الي درتو راه عند الاستادة كون هكداك نكتب هولك

و مرسي خو مرة ثانية و ربي معاك
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top