هذه سلسلة موسوعة أعلام الجزائر سأدرجها في هذا القسم الطيب الخاص برجالات الجزائر و أبطالها وعلماءها و أئمتها ممن حملوا على أكتافهم مشعل نور العلم وساهموا في إثراء رصيد الجزائر الفكري و الثقافي والعلمي ليتسنى لأعزاءنا القراء سواء كانوا أعضاءا أو زوارا أن يعرفوا مزيدا من أعلام الجزائر العظماء. أخوكم : كمال المدعو : جبران
الحلقة الأولى
1 - العلامة الجزائري شيخ النحو و رائد النظم فيه يحي بن عبد المعطي
هذه ترجمة لأحد علماء الجزائر الأفذاذ ، إمام عصره في النحو واللغة، ورائد نظم المسائل اللغوية و النحوية، تُعد ألفيته " الدرة الألفية " أول مؤلف في النحو صيغ بقالب شعري، أشتهر بغزارة العلم و سعة المعرفة ، فقد ألف وحقق الكثير من الكتب ، ولم يقتصر على علم واحد أو نهج معين كما تدل على ذلك مصنفاته الكثيرة ، وقد شهد له العلماء و الأدباء بأصالته و عمق فكره ، ويكفيه فخرا ما وصفه به مؤرخ الإسلام الإمام الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ج 22 ص 324) بأنه العلامة وشيخ النحو و الفقيه ، فيقول عنه حرفيا في الترجمة رقم 196: " العلامة شيخ النحو زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربي النحوي الفقيه الحنفي مولده سنة أربع وستين وخمس مئة وسمع من القاسم بن عساكر وصنف الألفية والفصول وله النظم والنثر وتخرج به أئمة بمصر وبدمشق".
كنيته و نسبه و مولده:
يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي ،زين الدين، يكنى بأبي الحسين، و بأبي زكريا ، أما شهرته في المشرق و المغرب فهي " ابن المعطي و ابن معط".
ويقال أنه لقب بزين الدين لقوله:
قالوا تلقب زين الدين فهو له *** نعت جميل به قد زين الأمنا
فقلت لا تعذلوه إن ذا لقب *** وقف على كل بخس والدليل أنا
و ينتسب ابن المعطي إلى منطقة زواوة التابعة لمدينة بجاية الناصرية (الشرق الجزائري)، حيث ولد بظاهرة بجاية سنة 564 هـ.
عصره:
عاصرابن معطي بداية ظهور الدولة الموحدية، و ما صاحبها من اضطرابات سياسية و حروب عسكرية لتثبيت أركان الدولة ، ولم تؤثر هذه الاضطرابات على النواحي العلمية و الفكرية ، فقد شهدت دولة الموحدين نهضة علمية كبيرة، فيلاحظ الاهتمام الكبير بالعلم و الأدب و الفكر و الثقافة، ولذلك ازدهرت العلوم الشرعية وعلوم العربية من نحو و لغة و عروض وتاريخ و سير، كما شهد المشرق العربي انتصارات صلاح الدين الأيوبي و خلفاؤه ، و سحقهم للصّليبين، و تطهيرهم للأراضي الإسلامية من دنسهم، وإخراجهم مدحورين مهزومين، يجرون ذيول الخيبة و العار، وكذلك بقضائهم على الدولة الفاطمية الرافضية فقد شجعوا بطريقة مباشرة و غير مباشرة النشاط العلمي، و برزت نتائجه في كتب نفيسة أثرت المكتبة العربية في كل فن، وبرز علماء أجلاء في العالم الاسلامي ، كالإمام المحدث الفقيه الأديب أبو محمد عبد الله الاشيري، والعلامة المحدث محمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن سليمان التجيبي التلمساني ، في الجزائر و المغرب ، أما في المشرق فقد برز الإمام الحافظ ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق و غيرهم ، أما في علوم العربية فقد طلع فيها نجم علماء عباقرة منهم الجزولي و السهيلى و الشلوبين وابن خروف و ابن عصفور و ابن مضاء و غيرهم، فأصبح كل عالم من هؤلاء مدرسة قائمة برأسها فانتشرت انتشرت المدارس النحوية، وصار الطلاب ينتقلون بين المدارس يطلبون علوم العربية من بلاغة و نحو و صرف التي عمت و انتشرت ، و تشعبت موضوعاتها و أبوابها.
رحلاته في طلب العلم وشيوخه:
لمّا أضحى المغرب العربي معجبًا بالمشرق خطر لابن معط أن يرحل إلى المشرق. وذهب إلى دمشق حيث الدولة الأيوبية التي كانت مهتمة بالعلم والأدب، وبإعداد الجيوش للدفاع عن أرض الإسلام والمسلمين. جاء ابن معط إلى هذا الجو الجديد ونشأ فيه، وأقام بدمشق واستقبله سلطانها استقبال عالم لعالم؛ فقد كان الملك عيسى بن محمد الأيوبي محبا للعلم، عالما بفقه الحنفية وبالعربية، ولذا، فقد عرف قدر ابن معط، وأكرم وفادته وولاّه النظر في مصالح المساجد. وجلس يقرئ الناس اللغة والأدب. وعندما توفي الملك عيسى الأيوبي سنة 624هـ، تولى الحكم الملك الكامل الذي كان، كسابقه، محبًا للعلم والأدب، فولاه إقراء الناس الأدب والنحو بجامع عمرو بن العاص، عندما سافر مع الملك الكامل إلى مصر. وجلس يؤدي واجبه في نشر العلم و تدريس النحو و الصرف الى وفاته رحمه الله بمصر ، وقد أخذ العلوم الشرعية من تفسير و علوم الحديث الشريف و الفقه، و العربية على يد علماء أجلاء اشتهروا بسعة العلم و التبحر كل في ميدان اختصاصه و سأقتصر على ذكر ترجمة قصيرة لأربعة منهم، كان لهم الأثر القوي في تكوينه و هم: 1- الجزولي: الامام النحوي ، عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت بن عيسى أبو موسى ( ت 616 أو 617 هـ) الجزولي نسبة إلى جُزُولة ، و هي بطن من اليزدكتن في مراكش الجنوبية.
" الامام الخطيب النحوي ، العالم بالقراءات، بعد أن أتم دراسته الأولى في مراكش ، لزم دروس الفقيه القاضي اللغوي المشهور أبي محمد عبد الله بن بري بمصر لما حج وعاد ، الذي قيد عنه الجزولية في العربية، كما درس هناك صحيح البخاري على أبي محمد بن عبيد الله، و بعد مصر رجع إلى المغرب ، و أقام ببجاية زمنا انصرف فيه إلى تدريس النحو[ و قد استفاد من هذه الدروس مترجمنا]،كما ألف أثناءها المقدمة المشهورة بالجزولية، وهي حواش على الجمل للزجاجي، و تسمى ب: "رسالة القانون" أيضا.
ثم تصدر للإقراء بالمرية ( الأندلس ) ،ودرس فيها النحو مدة من الزمن ثم رجع إلى مراكش حيث عيّن خطيبا بمسجدها الجامع، و توفي بازمور من ناحية بمراكش سنة ست أو سبع عشرة وستمائة.
و من أهم مصنفاته:
- المقدمة التي ذكرتها سابقا
- شرح أصول ابن السراج
- مختصر لشرح ابن جني أبو موسى عيسى بن عبد العزيز لديوان المتنبي.
- آمال في النحو . و من أشهر تلامذته ابن المعطي، و أبو على الشلوبين". 2- ابن عساكر: " الإمام المحدث الحافظ العالم الرئيس بهاء الدين أبو محمد القاسم بن الحافظ الكبير محدث العصر ثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي المعروف بإبن عساكر ( ت سنة 600 هـ ) أجاز له الفراوي وزاهر وقاضي المارستان والحسين بن عبد الملك وعبد المنعم بن القشيري وابن السمر قندي وهبة الله بن الطبر ومحمد بن إسماعيل الفارسي... و قد سمع من أبيه الكثير و شاركه في أكثر مشايخه سماعا فأجازه، و صنّف عدة مصنفات و خلف أباه في إسماع الحديث في الجامع الأموي و دار الحديث النورية ،وكتب ما لا يوصف كثرة بخطه العديم الجودة وأملى وصنف ونعت بالحفظ والفهم".
ومن أهم مصنفاته:
- تاريخ دمشق.
- الجامع المستقصي في فضائل الأقصى.
- فضل المدينة.
- الموافقات.
- الأطراف الأربعة.
- الجهاد.
-مجالس إملاء و قد سمع عنه ابن معطي الحديث، و رحل إلى الحجاز ومصر و أسمع بهما و كانت وفاته يوم الخميس ثامن صفر و دفن بعد العصر". 3- زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن [ تكرار اسم الحسن و زيد ثلاث مرات ] ابن سعيد ابن عصمة بن حمير بن الحارث الأصغر، تاج الدين أبو اليمن الكندي النحوي اللغوي الحافظ المحدّث ( ت سنة 597 هـ ): " حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأكمل القراآت العشر وهو ابن عشر، وكان أعلى أهل الأرض إسناداً في القرآات، قال الشيخ شمس الدين: فإنّي لا أعلم أحداً من الأمّة عاش بعد ما قرأ القرآن ثلاثاً وثمانين سنةً غيرَه، هذا مع أنّه قرأ على أسند شيوخ العصر بالعراق، وقرأ النحو على ابن الشجري وابن الخشّاب وشيخِه أبي محمّد سبط الخيّاط، وأخذ اللغة عن موهوب الجواليقي. وقدم دمشق في شبيبة وسمع بها من المشائخ وبمصره، وسكن دمشق حيث كان يدرس في مسجدها الجامع و يحضر مجلسه فيه جميع المتصدرين من العلماء أمثال أبى الحسن السخاوي و يحيى بن معطي ثم سافر بصحبته إلى مصر أين أكرمه الملك الكامل و أغدق عليه.ونال بها الحشمة الوافرة والتقدّم، وازدحم الطلبةُ عليه"
و كانت له خزانة كتب جليلة في جامع بني أمية، له مشيخة في أربعة أجزاء خرّجها له أبو القاسم ابن عساكر،و له تعليقات على ديوان المتنبي
" ولمّا مات خامس ساعة يوم الاثنين سادس شوّال في التأريخ المقدّم صلىّ عليه العصر بجامع دمشق، ودُفن بتربته بسفح قاسيون، وعقد العزاء له تحت النسر يومين، وانقطع بموته إسناد عظيم." 4 - مملوك الكندي: إياس، هو أبو الجود وأبو الفتح، مولى الشيخ تاج الدين الكندي ( ت 656 هـ) مشرف الجامع الأموي المتكلم في بسطه وحصره. ، حدث عن معتقه وروى عنه الدمياطي.
تلامذته:
تصدّر الإمام ابن معطي للإقراء بالجامع الكبير في دمشق، وكذا في الجامع العتيق و في جامع عمرو بن العاص في القاهرة، كما جلس محاضرا و مقرءا في مجالس الأمراء و الحكام ، وقد أستفاد من علمه و أدبه جمع غفير من الناس ، وسأذكر بعضا من أشهر تلامذته الذين لازموه و أجازهم و منهم: 1- أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الإمام رضي الدين القسنطيني النحوي ( ت سنة 695هـ). قال الصلاح الصفدي : " ولد سنة سبع وستمائة ، ونشأ بالقدس ، وأخذ العربية عن ابن معط وابن الحاجب بالقاهرة ، وتزوج ابنة معط ، وكان من كبار أئمة العربية بالقاهرة . سمع الحديث من ابن عوف الزهري وجماعة . وكان له معرفة تامة بالفقه ومشاركة في الحديث ، صالحا خيرا دينا متواضعا ساكنا ناسكا . سمع من جماعة كثيرة ، وأضر بآخر عمره، أخذ عنه أبو حيان وغيره". 2- إبراهيم بن محمد بن طرخان الحكيم عز الدين أبو إسحاق الأنصاري، الشهير ب:" السويدي الحكيم " ( ت سنة 695 هـ)، وهو من ولد سعد بن معاذ الأوسي رضي الله عنه، " ولد سنة ست مائة بدمشق وسمع من ابن ملاعب وأحمد بن عبد الله السلمي وعلي بن عبد الوهاب ،والحسين بن إبراهيم بن سلمة وزين الأمناء الحافظ ابن عساكر، وقرأ لولده البدر محمد على مكي بن علان والرشيد العراقي واستنسخ له الأجزاء، وقرأ المقامات سنة تسع عشرة على التقي خزعل النحوي وأخبره بها ، وقرأ كتباً في الأدب والنحو على ابن معط وعلى النجيب يعقوب الكندي، وأخذ الطب عن الدخوار وغيره وبرع في الطب وصنف فيه ونظر في علم الطب وله شعر وفضائل وكتب بخطه الكثير وكان مليح الكتابة كتب القانون لابن سينا ثلاث مرات وكان أبوه تاجراً من السويداء بحران"، قال عنه ابن أبي أصيبعة في طبقاته : " وهو أسرع الناس بديهةً في قول الشعر وأحسنهم إنشاداً وكنت أنا وهو في المكتب، وله الباهر في الجواهر. والتذكرة الهادية في الطب، روى عنه ابن الخباز والبرزالي وطائفة، ومات سنة تسعين وست مائة ودفن بتربته إلى جانب الخانقاه الشبلية". 3- إبراهيم بن أبي عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن يوسف أبو إسحاق الأنصاري الإسكندري الكاتب ( ت 649 هـ ) ،عرف بابن العطار " ولد سنة خمس وتسعين وخمس مائة وتأدب على أبي زكريا يحيى بن معطي النحوي جال فى بلاد الهند واليمن والشام والعراق والروم قال منصور بن سليم فى تاريخ الإسكندرية مات سنة تسع وأربعين وست مائة فيما بلغني بالقاهرة رحمه الله تعالى قال منصور ورأيته بالموصل وبغداد ". 4- تاج الدين الصرخدي ( ت سنة 674 هـ) ، جمال الدين محمود بن عابد بن حسين بن محمد بن علي تاج الدين أبو الثناء التميمي الصرخدي الفقيه الخطيب ،النحوي الشاعر، ترجم له محمد بن شاكر الكتبي في ( فوات الوفيات 4 / 121 ) فقال عنه : " ...ولد بصرخد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ، وكان فقيهاً صالحاً، نحوياً بارعاً، شاعراً محسناً ماهراً، متففاً خيراً متواضعاً دمث الأخلاق، كبير القدر وافر الحرمة. وكان سكنه بالمدرسة النورية." مات ليلة الخميس خامس عشرى ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وستمائة .
من مؤلفاته: " تشنيف الاسماع باحكام السماع"
إجازة ابن معطي لتاج الدين الصرخدي:
هذه صورة إجازة إقراء منحها ابن معطي لتلميذه و صديقه تاج الدين الصرخدي:
" { الله الموفق لما يحبه و يرضاه }
استخرت الله تعالى و أذنت لسيدنا الفقيه العالم تاج الدين أبي محمد محمود ابن عابدين بن حسين التميمي الصرخدي، أمده الله و سدده أن يقرأ هذا القسم الملقب بالمشترك من كتاب "المفصّل" لأبي القاسم محمود فخر خوارزم، ثقة مني بعلمه و تنقيبه عن التحقيق و نهج الصواب حسب ما سمعه مني وقت قراءته إياه على، مستسرحا و باحثا عن النكت التصريفية و اللطائف الموزعة فيه، والجوالة في تحري الصواب على ذهنه الثاقب و رأيه الصائب، إن شاء الله تعالى. و كتب يحيى بن عبد المعطي النحوي الحنفي، بالقاهرة المحروسة، أدام الله أيام ملك مالكها، و ذلك في شهر ربيع الآخر سنة سبع و عشرين و ستمائة ".
مؤلفاته و آثاره:
ذكرت المصادر التي ترجمت لابن معطي عددا كبيرا من مؤلفاته، مما يدل على غزارة علمه ، وقوة فهمه، وجودة طبعه، وفصاحة نظمه ، وعبقريته، و مما وقفت عليه من مؤلفاته وآثاره: 1- الألفية في النحو: و هي منظومة جمعت علم النحو والصرف من بحرين هما السريع و الرجز وقد سماها " بالدرة الالفية" و طبعت باعتناء المستشرق زترتشين زمعها ترجمة هولندية وتعليقات سنة 1317 هـ / 1900م ، تحت عنوان " " الدرة الالفية في علم العربية " أولها:
يقول راجى ربه الغفور *** يحيى بن معط بن عبد النور
كما قام بتحقيقها و شرحها الدكتور علي موسى الشوملي - الرياض : مكتبة الخريجي - الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م.
بدأ ابن معطي في تأليفها سنة 593 هـ وأتمها سنة 595 هـ ، وقد نسج على منواله الإمام محمد بن عبد الله بن مالك المتوفى سنة 672 علامة النحو واللغة في تأليفه لمنظومته الألفية الشهيرة في علم النحو " ألفية ابن مالك " قال المقري في (نفح الطيب ج1 ص432) : " تبع فيها ابن معطي قالوا: ونظمه اجمع وأوعب، ونظم ابن معطي أسلس وأعذب"
وقد أهتم بها العلماء، و المختصين في اللغة و النحو، فكثرت شروحهم عليها و اختصاراتهم و النظم على شاكلتها ، و من شروحها:
- شرح محمد ابن احمد [بن محمد الاندلسي البكري] الشريشى المتوفى سنة 685 هـ في مجلدين ، سماه " بالتعليقات الوفية".
- شرح شمس الدين احمد بن الحسين ابن الخباز الاربلي المتوفى سنة 673 هـ سماه " الغرة المخفية في شرح الدرة الالفية".
- شرح بدر الدين محمد بن يعقوب الدمشقي المتوفى سنة 718 هـ.
- شرح شهاب الدين احمد بن محمد القدسي الحنبلى المتوفى سنة 728 هـ.
- شرح عبدالمطلب بن المرتضى الجزرى المتوفى سنة 735 هـ. و سماه " ضوء الدرر في شرح الفية ابن معطي في النحو".
- شرح الشيخ زين الدين عمر بن مظفر ابن الوردى المتوفى سنة 749 هـ، وسماه " ضوء الدرة على ألفية ابن معطى"
- شرح الشيخ محمد بن محمود بن أحمد البابرتي الشيخ أكمل الدين الحنفي المتوفي سنة 752 هـ ، ألفه سنة 741 هـ وسماه " بالصدفة الملية بالدرة الالفية"
- شرح الشيخ محمد بن أحمد بن علي بن جابر الاندلسي الهواري، المالكي، الضرير، ويعرف بشمس الدين بن جابر، المتوفى سنة 780 هـ في ثمانى مجلدات.
- يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن ابن مسعود بن علي بن عبد الله الحموي، الشافعي، ويعرف بابن خطيب المنصورية ( ت 809 هـ).
وغيرها من الشروح التي لا تعد و لا تحصى.
2 -كتاب الفصول: وهو كتاب حسن وتعليقات على أبواب الجزولية وأمثله لمسائلها وغير ذلك مسائل متفرقة في أبواب العربية . 3 - شرح المقدمة الجزولية: لشيخه الجزولي في النحو وقد سبق ذكرها في ترجمتهن وهي مقدمة " لا يفهم حقيقتها إلا أفاضل البلغاء وأكثر النحاة يعترفون بقصور أفهامهم عن إدراك مراد مؤلفها منها فإنها رموز وإشارات " ولما رأى ابن معطى بأنها عسيرة المنال ، غامضة الكلام ، يصعب فهمها، لدقة معانيها وغرابة تعاريفها ، قام بشرحها و تبسيطها، و قد نقل عن هذا الشرح السيوطي في كتابه: الأشباه و النظائر. 4 - البديع في علم البديع: منظومة في البلاغة وصناعة الشعر، وقد اشتمل على واحد و خمسين محسنا بديعا، بدأه بعد حمد الله و الصلاة و التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هكذا:
يقول ابن معطي قلت لا متعاطيا*** مقالة من يرجو الرضى و التعاطيا
بدأت بحمد الله نظمي مسلمــا *** على أحمد الهادي إلى الله داعيا
و بعد فإني ذاكر لمن ارتضـي *** بنظمي العروض المجتلي والقوافيا
أتيت بأبيات البديع شواهـدا *** أضم إليها في نظمي الأساميا
5- شرح الجمل في النحو للزجاجي.
6- نظم كتاب الجمهرة لابن دريد.
7- المثلث في النحو.
8- شرح أبيات سيبويه ـ (نَظْم ). 9- حواشي: على أصول ابن السراج في النحو. 10- ديوان خطب.
11- ديوان شعر.
12- العقود و القوانين في النحو .
13- قصيدة في العروض. 14- أرجوزة في القراءات السبع. 15- نظم كتاب الصحاح للجوهري: توفى قبل إتمامه. 16- الفصول الخمسون: طبع ونشر في القاهرة سنة 1977م، بتحقيق الأستاذ محمود الطناحي.
و غيرها مما لم أقف عليه، و نحن نتأسف لضياع أكثر مؤلفاته، و ما بقي منها فهو حبيس المكتبات، لم ينشر ولم يحقق ما عدا الألفية و الفصول الخمسين و البديع في علم البديع.
وفاته:
توفي رحمه الله بمصر يوم الاثنين سنة 628 هـ ، وقد أخطأ ابن كثير وابن العماد الحنبلي رحمهما الله عندما أرخا لوفاته بسنة 629 هـ و الصحيح ما ذهب إليه أبو شامة المؤرخ - و هو أصدق لأنه شهد جنازته بمصر- فهو يذكر وفاته و جنازته في حوادث سنة 628 هـ: " و فيها أي سنة 628 هـ في مستهل ذي الحجة توفي الزين النحوي يحيى بن معطي الزواوي رحمه الله بالقاهرة، و صلّى عليه بجنب القلعة عند سوق الدوابّ، و حضر الصلاة عليه السلطان الكامل ابن العادل، و دفن بالقرافة في طريق قبة الشافعي رحمه الله على يسار المار إليها على حافة الطريق، محاذيا لقبر ابي إبراهيم المزني رحمه الله، حضرت دفنه و الصلاة عليه، و كان آية في حفظ كلام النحويين ".
المصادر:
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - الناشر المكتبة العصرية - صيدا / لبنان.
- كشف الظنون عن اسامى الكتب والفنون لحاجي خليفة، الطبعة الثالثة طهران ( إيران ) سنة 1378هـ..
- سير أعلام النبلاء الامام الذهبي. تحقيق شعيب الأرناؤوط , محمد نعيم العرقسوسي - نشر مؤسسة الرسالة - الطبعة التاسعة 1413 هـ.
- فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي. تحقيق : إحسان عباس - دار صادر / بيروت ،الطبعة الأولى سنة 1973 م.
- البداية و النهاية لابن كثير تحقيق وتدقيق علي شيري - دار إحياء التراث العربي - الطبعة الاولى 1408 هـ/ 1988 م.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لابن عماد الحنبلي، دار المسرية، بيروت، طبعة ثانية سنة 1979م.
- الجواهر المضية في طبقات الحنفية لعبد القادر بن أبي الوفاء ، تحقيق الناشر مير محمد كتب خانه كراتشي/باكستان ( بدون تاريخ ).
- طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة، تحقيق: د. الحافظ عبد العليم خان - الطبعة الأولى ، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1407 هـ.
- الاعلام لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين – بيروت/ لبنان الطبعة الخامسة أيار (مايو) 1980م.
- مقال بعنوان : " قراءة في مخطوطة البديع في علم البديع لابن معطي" للدكتور عبد الرحمن خربوش أستاذ بجامعة تلمسان / الجزائر.
الشيخ عبد الحليم بن سماية المتوفى في 4 جانفي 1933 هو علم من أعلام الجزائر الذين كانت لهم بصمات في الحياة الثقافية وتأثيرات عميقة في بعث الحركة الإصلاحية في الجزائر في الثلث الأول من القرن العشرين. ويشكل مع مجموعة من العلماء أمثال عبد القادر المجاوي، مصطفى بن الخوجة، أبو القاسم الحفناوي، صالح بن مهنا ، المولود بن الموهوب، حمدان الونيسي الصفحة الأولى في سجل الحركة الإصلاحية الجزائرية. فكان لهم فضل السبق في شق الدرب الذي سار عليه الشيخ عبد الحميد بن باديس وأصحابه وتلامذته. مساره: ولد الشيخ عبد الحليم بن سماية في عام 1866 بالجزائر. وكانت هذه المدينة تضم عددا كبيرا من المساجد، وكانت ساحة الشهداء بالخصوص زاخرة بالجوامع التي تقدم فيها الدروس في مختلف العلوم الشرعية، يشرف عليها نخبة من العلماء. ففي هذه البيئة تربى وعاش عبد الحليم بن سماية طفولته وشبابه؛ فتلقى تعليمه الأساسي على يد والده الشيخ علي بن سماية بجامع سفير. ودرس اللغة العربية والعلوم الشرعية على الشيخ السعيد بن زكري، وعلم الفلك والتاريخ على الشيخ أبي القاسم الحفناوي صاحب الكتاب المفيد "تعريف الخلف برجال السلف". ثم انتقل إلى تونس لدراسة الفلسفة على يد الشيخ محمد بن عيسى الجزائري. و في عام 1896 عيّن مدرسا بالمدرسة الرسمية الثعالبية، ثم استخلف والده بالجامع الكبير في عام 1900 في تعليم القرآن والعلوم الشرعية واللغوية. فدرّس "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني، و"المفصل" للزمخشري، و"البصائر النصيرية في المنطق" لابن سهلان، و"الاقتصاد في الاعتقاد" لأبي حامد الغزالي، و"تلخيص المفتاح" للقزويني. وكان من أبرز تلاميذه والملازمين لدروسه العالم والمحقق الدكتور محمد بن أبي شنب، الدكتور محمد بن العربي أول جزائري تحصل على شهادة الدكتوراه في الطب، والشيخ عبد الرحمان الجيلالي المؤرخ والفقيه المعروف. تراثه العلمي: نشر الشيخ بن سماية رسالة عن الربا في سنة 1911 بعنوان: "اهتزاز الأطواد والربى في مسألة تحريم الربا"، لكن لم يبقى لها أثر. ولحسن الحظ اطلع عليها تلميذه الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، وقال عنها: " هي رسالة غزيرة المادة في موضوعها. استوعب فيها المؤلف أصول هذا الباب، دعا فيها علماء الإسلام قاطبة إلى تحمل مسؤولياتهم أمام هذا الموضوع الهام". ونشر كتابا آخر في سنة 1913 بعنوان: "الكنز المكنون". واهتم بالفلسفة والمنطق حتى صار ملما بمداخل هذا العلم وعارفا بأسراره. وقال في هذا الشأن الأستاذ أحمد توفيق المدني الذي سأله أن يحدثه في المنطق، فأجاب: " خذ ورقة واكتب: وسرعان ما أهذت الورقة والقلم، وأخذ يملي عليّ بلهجة علمية قاسية وفصاحة عربية نادرة وصوت جهوري تناسقت نبراته كما تناسقت عباراته، خلاصة وافية لعلم المنطق، بتعريفاته، وكلياته، وأقسامه وأمثاله، وأطال الإملاء وأطلت الكتابة إلى أن ملأت عشر ورقات، وكلت يدي من الكتابة، وقلت بعد ساعة: يكفي هذا الدرس الأول ولنترك الدرس الثاني إلى فرصة أخرى." وشارك الشيخ ابن سماية في المؤتمر الدولي الرابع عشر للمستشرقين في عام 1905 بالجزائر، وقدم بحثا بعنوان: "الحضارة الإسلامية والفلسفة". وكان مهتما أيضا–على غير عادة علماء عصره- بمقارنة الأديان، فكان يقرأ الإنجيل والتوراة ويجادل علماءها. وكتب الشيخ عبد الحليم بن سماية في بعض الصحف العربية الجزائرية: المغرب (1903-1904)، كوكب إفريقيا (1907 -1914)، الإقدام (1920-1923) باسمه الحقيقي وبأسماء مستعارة. ولا ندري إن كتب في الجرائد التونسية: "الوزير" و"المشير" و"الحاضرة" التي نشر فيها المثقفون الجزائريون مقالاتهم وأشعارهم خاصة في بدايات القرن العشرين قبل بروز جرائد عربية حرة بالجزائر. وقد وعد الشيخ عبد الحليم بن سماية صديقه الشيخ محمد الخضر حسين (1873-1958) بالكتابة في مجلة هذا الأخير التي تسمى "السعادة العظمى" حينما دعاه هذا الأخير للمساهمة في هذه المجلة بمقالات وبحوث. فقد أعجب بأفكار ابن سماية ودروسه وتمنى أن يدوّنها حتى لا تضيع ويحرم منها كثير من الناس. فأفكار الشيخ بن سماية التجديدية ومعارفه العلمية الواسعة جديرة بأن يطلع عليها القراء في الجزائر وفي البلدان الإسلامية الأخرى. ولا ندري بالضبط إن كاتبه أم لا. وسنتحقق من ذلك حينما يعاد نشر هذه المجلة في المستقبل القريب كما وعدنا بذلك الأستاذ القدير علي الرضا الحسيني ناشر موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين. لقد قمنا من جانبنا بالبحث في الصحافة العربية الجزائرية لعلنا نعثر على مقالاته المختلفة في الدين والحياة. لكن للأسف لم نجد إلا مقالات قليلة في جريدة "المغرب" و "كوكب إفريقيا". لقد أحصينا له 7 مقالات في جريدة "المغرب" خصصها لموضوع الجاذبية. كما نشر في جريدة كوكب إفريقيا" 3 مقالات عن التصوف، حاول من خلالها الجواب عن الفرق بين التصوف والصوفية. ونوّد أن نؤكد هنا أن هذه المقالات لا تعبر بدقة وشمولية عن الحجم الحقيقي لهذا العالم الجزائري الكبير، خاصة ما تعلق بأفكاره في مجال الفلسفة. مكانته العلمية: كان الشيخ عبد الحليم بن سماية يشد إليه الرحال. فزاره العلماء الذين كانوا يوفدون على الجزائر العاصمة من المناطق الداخلية أو من خارج البلاد. فقد استقبل الإمام محمد عبده خلال زيارته إلى الجزائر عام 1903. ونملك اليوم صورة التقطت للرجلين مع بعض علماء وأعيان العاصمة. ويرى الباحث الدكتور علي مراد أن بن سماية هو أكبر المتأثرين بأفكار محمد عبده وسعى من خلال منصبه بالمدرسة الثعالبية إلى الترويج لها بين طلبته الموجهين نحو الوظائف الإدارية والقضائية والدينية. كما راسل الإمام عبده بعد رجوعه إلى مصر. ونشر الشيخ محمد رشيد رضا هذه الرسالة مع قصيدة في كتابه "تاريخ الإمام". وقال فيها الشيخ بن سماية عن الشيخ محمد عبده: " هذا الرجل الجليل رجل حنكته تجارب الزمان، واستقصى أحوال الأمم حتى ميّز منها ما زان وما شان، وتطلع من الفنون على اختلاف أنواعها، ومواضيعها، وأعمل فكره أعمق تفكر وتدبر في الحبل المتين والقرآن المبين." وزاره أيضا العالم الزيتوني الشيخ محمد الخضر حسين في سنة 1904 في رحلته إلى الجزائر. وكتب عند عودته إلى تونس عن إعجابه بشخصية الشيخ ابن سماية وعلمه. وقال في هذا الصدد: "التقينا بالشيخ عبد الحليم بن سماية، فغمرنا بنفحات خلقه الناضر، واختلى ألبابنا بفصاحة لسانه الساحر"، وجالسه في بيته في مسامرة دامت 6 ساعات. ويقول الشيخ الخضر بعد هذه المجالسة: "كلام يشهد لصاحبه بسلامة الذوق والولوع بالكشف عن أسرار المسائل دون الاكتفاء بتصوراته المجردة." مواقفه السياسية: يشكل الشيخ عبد الحليم بن سماية مع مجموعة من العلماء والمثقفين كالشيخ عبد القادر المجاوي والشيخ المولود بن الموهوب وعمر بن قدور وعمر راسم... كتلة المحافظين التي تعاطفت مع فكرة الجامعة الإسلامية التي نادى بها الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده. وتعاونوا مع مجموعة من السياسيين المتنورين أمثال محمد بن رحال وأحمد بوضربة والشريف بن حبيلس للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والتعليمية والسياسة للجزائريين؛ فطالبوا بإلغاء قانون الأهالي وإعادة نظام القضاء الإسلامي، واحترام التقاليد الجزائرية، والسماح لهم بحرية التنقل والسفر خاصة إلى المشرق العربي. تزعم الشيخ عبد الحليم بن سماية حركة المعارضة لقانون التجنيد الإجباري.فترأس جلسة يوم 25 جويلية 1911 بقاعة المجلس البلدي بالعاصمة، وحضرها أعيان المسلمين وتحدث باسم الوفد معربا عن رفضهم الجميع لمشروع التجنيد الإجباري. ونملك اليوم معلومات دقيقة عن هذه الجلسة ومداخلة الشيخ بن سماية بفضل المقال الذي نشره الصحافي والمصلح الجزائري المعروف عمر بن قدور في جريدة "الحضارة"الصادرة في آستانة بتركيا. وقد عثر عليه الدكتور صالح خرفي وأعاد نشره ضمن كتابه: "عمر بن قدور الجزائري" الصادر في عام 1984 عن المؤسسة الوطنية للكتاب. ونذكر هنا هذه الفقرة من هذا النص وهي تكشف عن وقائع هذه الجلسة التاريخية: « تقدم واستدل بآيات قرآنية على أن المسلمين إذا أدوا الخدمة العسكرية للدولة الفرنسية لا يكونون مسلمين بجميع معاني الكلمة، ولا نالوا من الحرية ما يخول نبغاءهم التربع في دست رئاسة الجمهورية ودعا جنابه أن الحرية والحقوق السياسية إذا منحت للمسلمين مقابل تجنيدهم تكون هناك الضربة القاضية على القومية الدينية والسياسية إذ يقع اندماجهم بالأمة الفرنسوية نهائيا». وفي هذا الاجتماع أبدى الشيخ بن سماية معارضته للتجنيد الإجباري للاعتبارات الدينية والاجتماعية التالية: - عدم قدرة المجندين المسلمين على ممارسة شعائرهم الدينية بإجبارهم على الإفطار في رمضان وتأخير الصلاة. - محاربة إخوانهم المسلمين وهذا ما يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي. - تحويل المجتمع الجزائري إلى مجتمع مكون من طبقتين متمايزتين: المجندون وغيرهم. ونذكر أيضا من مواقفه الجريئة: إصداره لفتوى بعدم جواز محاربة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى لأنها مسلمة ويرتبط بها الجزائري برابطة دينية وولاء روحي بحكمها تمثل الخلافة الإسلامية. ويرى المؤرخ الفرنسي شارل روبير أجرون أن الحملة التي خاضها زعماء الأهالي على اختلاف منطلقاتهم وأهدافهم لم تحقق إلا مطالب قليلة تمثلت في سن الالتحاق بالجيش، وإعطاء بعض الصلاحيات للجماعة الفيلق المتقطع من عشائرها. وفاته: وتعرض الشيخ عبد الحليم بن سماية لمضايقات واضطهاد سلطات الاستعمار وأصيب جراء ذلك بمرض عقلي لازمه حتى وفاته في7رمضان1351هـ الموافق لـ:4 جانفي 1933م، ودفن في مقبرة الشيخ عبد الرحمان الثعالبي. وخصصت له مجلة "التلميذ" التي كانت تصدرها الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين بإفريقيا الشمالية عدة صفحات. وكتب عنه تلميذه الشيخ أبو عبد الله محمد الحسن الحجوي مقالا طويلا ذكر فيه جوانب من حياته وأعماله. وقد وصفه بأنه كان «حسن المحاضر، فكه المجالسة، متين الدين...» ونقلت مجلة "الشهاب" الإصلاحية خبر وفاته. كما وصفته بما يليق بمقامه الكبير وعلمه الغزير ونضاله المستميت في سبيل دينه ووطنه. فهو في نظر الشيخ إبن باديس: «عالم عامل، غيور على دينه ووطنه مخلص لهما قضى حياته مدرسا بالمدرسة الثعالبية فبث روحا طيبة فيمن اتصلوا به من تلامذتها معظما محترما عند زملائه فيها وعند رؤسائها». ثم أضاف: «رحمه الله وجازاه عن العلم وخدمته واحترامه والاعتزاز به خيرا وعزى أهله وأهل العلم فيه خير العزاء.» وعلى الرغم من كل هذا التاريخ الحافل بالعطاء العلمي والنضال الوطني لم ينل بعد الشيخ عبد الحليم بن سماية حقه من الدرس والبحث. فليس في حدود علمي كتاب خاص أو رسالة جامعية خاصة عنه. وهذا حال العديد من رواد الإصلاح الديني في الجزائر المعاصرة. ورجاؤنا أن تحل علينا بعد سنتين الذكرى الثمانون لوفاته والباحثون الجزائريون قد أعدوا لهذا الرجل ما يستحق من الاهتمام والبحث والدراسة. ونلتقي لنرتقي في الحلقة 51من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى. فانتظــــــــــرونا
الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الحسين بن موسى الصمعوني (أو السمعوني)، رائد النهضة العلمية في بلاد الشام. كان أبوه فقيهاً، هاجر من الجزائر سنة 1263هـ/1847م، فأقام في دمشق واشتهر في علم الفلك والفقه والتاريخ. وفي دمشق ولد طاهر الجزائري، وتعلَّم في مدرسة الجقمقية، ثم درس على الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، وتأثر به في التمسك بجوهر الشريعة ولبابها والبعد عن البدع.
كان الشيخ طاهر على درجة كبيرة من التفتح والوعي والذكاء وبعد النظر وسرعة البديهة، أحبَّ المطالعة فانكبَّ على قراءة كتب الدين واللغة والتاريخ والأدب والفلك والرياضيات والطبيعة، يقول محمد كرد علي عن أستاذه الشيخ طاهر أنَّه «قرأ الكتب العربية التي طبعت في الشرق أو الغرب أو ترجمت عن اللغات الأوربية، أمَّا المخطوطات التي طالعها فتقرب من المطبوعات إن لم تكن أكثر». وأتقن الشيخ طاهر من اللُّغات إلى جانب العربية، التركية والفارسية والسريانية والعبرية والحبشية والفرنسية والأمازيغية (وهي لغة البربر في الجزائر). عُرف الشيخ طاهر بعزَّة نفسه، وجرأته بالحق، وتواضعه، وعدم اهتمامه بالمظاهر، وإخلاصه في عمله. وكان عصبي المزاج يكره النفاق والتعصّب والجمود، قوي الحجة، فصيح اللسان، لم يتزوج في حياته بل ملأ أوقاته بالقراءة ومجالس العلم والحوار حول المسائل الدينية والعلمية. أُعجب بالشيخ طاهر الوالي العثماني مدحة باشا (1238-1301هـ/ 1822-1883م) المعروف بحبه للإصلاح، فعهد إليه مهمَّة تأسيس المدارس والتفتيش عليها والاهتمام بالتعليم؛ فأسَّس في دمشق عدداً منها مدرستان لتعليم البنات، ووضع المناهج لها وألَّف بعض الكتب المدرسية.
كان للشيخ طاهر ولع شديد بالكتب، فاهتم بجمعها ولاسيما المخطوطات، فأسَّس في دمشق المكتبة الظاهرية، وأسهم في تأسيس المكتبة الخالدية في القدس. وبعد عزل الوالي مدحة باشا خسر الشيخ طاهر سنداً قوياً، وكانت السلطات التركية في تلك الفترة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني تتخوف من حركات الوعي ونشاط العناصر المتعلمة وتجمعاتها، فبدأت مضايقاتها للشيخ طاهر ولنشاطه واجتماعاته الكثيرة مع المثقفين؛ وكان له تأثير كبير في أولئك الشباب الذين يلتفون حوله، ومن هؤلاء الشباب محمد كرد علي الذي يقول: «كان العامل في توجيه إرادتي نحو الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي، والإقدام على التأليف والنشر، وإشرابي محبة الأجداد، والتناغي بآثارهم والحرص على تراث حضارتهم أستاذي الشيخ طاهر الجزائري، فما زلت ألزمه منذ اتصلت به إلى أن ذهب إلى ربه»، ويقول عنَّه أيضاً: «وإنَّه أشرب قلبي حب العرب وهداني إلى البحث في كتبهم». فمن الطبيعي إذن أن يتخوف الأتراك من نشاطه ولهذا داهمت الشرطة داره وفتشوها مما دفع به للهجرة إلى مصر سنة 1325هـ/1907م وعاش في القاهرة عيشة زهد وتقشف، ورفض ما عرضه عليه بعض أصدقائه من العلماء الأثرياء من مساعدة مادية لعزة في نفسه، فكان يبيع من كتبه ليعيش بثمنها. وكان لا يبيع كتبه إلا لمن يحفظها ويفيد منها، مفضِّلاً بقاءها في بلاد عربية وإسلامية على بيعها إلى بلاد أجنبية، ولو أدَّى به الأمر إلى بيعها بثمن أقل مع شدة حاجته لثمنها. وباع معظم كتبه إلى دور الكتب مثل: دار الكتب، والخزانة التيمورية، والخزانة الزكية. وكان من أشهر أدباء مصر الذين عاشرهم وأثّر بهم وأعجبوا به أحمد تيمور باشا وأحمد زكي باشا.
بقي الشيخ طاهر في مصر نحو ثلاث عشرة سنة لم يبارحها غير مرتين، الأولى لتأدية فريضة الحج، والثانية إلى باريس لحضور مؤتمر المستشرقين.
عاد الشيخ طاهر إلى دمشق بعد تحرُّرها من الحكم التركي سنة 1337هـ/1919م حيث اختير عضواً في المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم)، وعُيّن مديراً للمكتبة الظاهرية. وبعد أشهر قليلة من عودته توفي ودفن في سفح جبل قاسيون.
ترك الشيخ طاهر من المؤلفات عدة كتب منها: «إرشاد الألباء إلى طريق ألف باء» و«أشهر الأمثال» و«التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن عن طريق الإتقان» و«تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز» و«تمهيد العروض إلى فن العروض» و«الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية» و«الكافي في اللغة» وهو معجم لم يتمه أو ضاع أكثره، وله أيضاً «مد الراحة لأخذ المساحة» و«منية الأذكياء في قصص الأنبياء».
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 52 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
سيدي محمد بلقايد و ابنه و وارثه سيدي محمد عبد اللطيف و هو كهل قدّس الله سرهما
نبدا بنسبه : هو سيدي محمد بلقائد عن سيدي محمد الهبري عن والده سيدي الحاج الهبري أبن سيدي أحمد العزوي الإدريسي الحسني عن سيدي أبي عزة المهاجي عن القطب الأكبر سيدي مولاي العربي الدرقاوي ، و أخذ أيضاً سيدي محمد الهبري عن سيدي محمد قدور الواكيلاني الكركري عن سيدي مولاي العربي الدرقاوي عن سيدي علي الجمل بن سيدي عبد الرحمن العمراني عن كعبة السرّ سيدي العربي بن عبدالله عن سيدي أحمد بن عبدالله عن سيدي قاسم الخصاصي عن بحر الجود سيدي محمد بن عبدالله عن سيدي عبدالرحمن الفاسي عن سيدي يوسف الفاسي عن سيدي عبدالرحمن المجذوب عن سيدي علي الصنهاجي عن سيدي إبراهيم أفحام الزرهوني عن سيدي أحمد زروق عن سيدي أحمد بن عقبة الخضرمي عن سيدي يحيى القادري عن سيدي علي وفا عن والده سيدي محمد بحر الصفا عن سيدي داود الباخلي عن تاج العارفين سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري عن سيدي أحمد أبي العباس المرسي عن القطب الأشهر سيدي ومولاي علي أبي الحسن الشاذلي عن القطب الكبير سيدي عبد السلام ابن مشيش عن سيدي عبد الرحمن المدني عن سيدي تقي الدين الفقير عن سيدي فخر الدين عن سيدي نور الدين أبو الحسن عن سيدي تاج الدين عن سيدي شمس الدين القزويني عن سيدي إبراهيم البصري عن سيدي أحمد المرواني عن سيدي سعيد عن سيدي سعد عن سيدي فتح السعود عن سيدي سعيد الغزواني عن سيدي أبو محمد جابر عن سيدي أبي الحارث المحاسبي عن سيدي مفلس السقطي عن أبي القاسم الجنيد البغدادي عن سيدي السري السقطي عن سيدي معروف الكرخي عن سيدي داوود الطائي أبن محفوظ المعروف بابن فيروز الكرخي عن سيدي حبيب العجمي عن سيدي الحسن البصري عن سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه عن عين الرحمة و مظهر العلوم و الحكمة سيدنا و مولانا محـــمد صلى الله عليه و آله وسلم عن رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته.
عن حياته :
ولد في تلمسان سنة 1911 في عائلة من آل البيت اشتهرت بالعلم و الكرم... وحفظ القرآن وتتلمد على كبار علماء تلمسان و منهم سيدي بوعروق و سيدي حسين النجار و غيرهم ثم سافر الى خارج الوطن ليتلقى العلم عن صدور الرجال و ممن أجازه في العلوم الدينية الشيخ عبد الحي الكتاني و العلامة أحمد بن يلس الدمشقي و غيرهم كثير... و أما طريق القوم فقد أخدها و هو لايتجاوز الثالثة عشر عن سيدي محمد الهبري قدس الله روحه في الجنة..و لم ينشر ولايته حتى توفي أبناء الشيخ و كان دلك تادبا منه معهم...وفي أثناء الاحتلال الفرنسي كانت داره معقلا للثورة قبل و بعد سنة 54 ثم بعد الاستقلال برز بحقيقته فبدأ بعض الشباب يتوافد عليه في السبعينيات من القرن الماضي..
ثم ازدهرت الطريق و عمت ربوع الوطن والان لاتخلو ولاية من زاوية بلقائدية...بل انتشرت الزوايا في الخارج كمصر و الاردن و فرنسا و المغرب ويتواجد الفقراء في كل بقاع الارض و دلك من فضل الله وحده.واما أسس طريقته فهي التقوى و أكل الحلال و دكر الله آناء الليل و أطراف النهار و قد انفرد رحمه الله بتلقين الاسم الاعظم الدي هو منتهى آمال العارفين...و من شروط الطريق أن يكون الفقير نافعا في أمته...محبا لوطنه صادقا في عمله...و لاتظهر عليه مظاهر الدعوى بل يكون سره لله و لا يلتفت الى رياء أو عجب بل يمحو صورة نفسه و لا يرى ألا المنة لله...و يطول الحديث في هذا و لكننا نختصر...كان رحمه الله يحب الفقراء و الموؤمنين..و كان يكرمهم على قدم سواء فيفرح بالزائرين الاميين كما يفرح بعالم الدنيا تلميذه الشهير سيدي محمد متولي الشعراوي صاحب القصيدة الشهيرة و التي منها :
نور القلوب ورى روح الوارد ... هبرية تدنى الوصول لعابد
تزهو بسلسلة لها ذهبية... من شاهد للمصطفى عن شاهد
طوفت فى شرق البلاد وغربها ... وبحثت جهدى عن إمام رائد
أشفى به لغيب حقيقة ... وأهيم منه فى جلال مشاهد
فهدانى الوهاب جل جلاله ... حتى وجدت بتلمسان مقاصدى
واليوم أخذ نورها عن شيخنا ... محى الطريق محمد بالقائد
ذقنا مواجيد الحقيقة عنده ... وبه عرجنا فى صفاء مصاعد
عن شيخه الهبرى در كنوزه ... فاغنم لألئه وجد وجاهد
وهناك تكشف كل سر غامض... وتشاهد الملكوت مشهد راشد
وإذ البصائر أينعت ثمراتها ... نالت بها الأبصار كل شوارد
لا تلق بالا للعزول فإنه ... لا رأى قط لفاقد فى واجد
لو ذاق كان أحر منك صبابة ... لكنه الحرمان لج بجاحد
سر فى طريقك يا مريد ولا تعر ... أذنا لصيحة منكر ومعاند
لا يستوى عند العقول مجاهد ... فى الله قوام الدجى بالراقد
الله قصدك والرسول وسيلة ... وخطاك خلف محمد بالقائد
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 53 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
الحلقة 53 / فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن الجيلالي – رحمه الله -
موسوعة أعلام الجزائر
الحلقة الثالثة والخمسون
من أعلام الجزائر
فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن الجيلالي – رحمه الله -
1908م ..... 2010م
1326هـ .... 1431هـ اسمه ومولده: عبد الرحمن بن محمد بن بوعلام الجيلالي. ولد سنة 1326هـ/ 1908م، في بولوغين الجزائر العاصمة. والده كان تاجرا، لكن حياته كانت القرآن، فقد كان محبا للعلم والقرآن. يعود نسبه إلى سيدي سعيد بوسبع حجاج دفين مدينة البليدة، وهو من ذرية الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه كما أخبر بذلك هو شخصيا. أما من جهة أمه فإنها تنحدر من عائلة إبراهيم بني جيار الذي كان إماما بالجامع الأعظم بالجزائر العاصمة، وجدها هو مصطفى القادري مفتي العاصمة في وقته. دراسته وشيوخه: تلقى العلم في مساجد العاصمة كالجامع الكبير، وجامع سيدي رمضان، ومسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي. وواضب على تحصيل العلم والمعرفة حتى تعددت معارفه، واتسعت مداركه، وصار من أعلام الجزائر في العصر الحديث، وجمع بين علوم القرآن والتفسير والفقه والتاريخ وتولى تدريسها. ومن أهم شيوخه: ـ الشيخ عبد الحليم بن سماية الذي كان من منتقدي النظام الاستعماري رغم أنه كان أستاذا في إحدى المدارس الرسمية. ـ الشيخ المولود الزريبي الأزهري الذي كان مصلحا ثائرا، وكان (الزريبي) قد تخرج من الأزهر وعاد إلى الجزائر ليدعو إلى النهضة والإصلاح ولكنه واجه العقوق والركود. الشيخ أبو القاسم الحفناوي صاحب كتاب (تعريف الخلف برجال السلف)، مفتي العاصمة في وقته، ومن الصحفيين الذين عملوا في جريدة المبشر الرسمية طويلا، وكانت علاقته به وطيدة حتى كان الناس يظنون أن الحفناوي هو أبو عبد الرحمن الجيلالي، توفي الحفناوي في ذي الحجة 1360هـ الموافق جانفي 1942م. الشيخ محمد بن أبي شنب أيضا. ومهما كان الأمر فإن ثقافة الجيلالي كانت عصامية، وشملت التعمق في القرآن والحديث والأدب والتاريخ والفقه. نشاطه التعليمي: تولى التدريس بدوره في مدرسة الشبيبة الإسلامية أثناء إدارة الشاعر محمد العيد لها خلال الثلاثينات. وفي مدرسة "التربية والتعليم" التي أسسها عبد الرحمن ديدوش ودعا الشيخ الجيلالي للتدريس فيها، وكان الشهيد ديدوش مراد من تلاميذه فيها. وقد درّس الشيخ عبد الرحمان الجيلالي في المساجد الآتية بالعاصمة: الكبير والجديد وسيدي رمضان والسفير (صفر). وكذلك في مدرسة الإحسان ومدرسة الهداية. تآليفه: ساهم الشيخ عبد الرحمان الجيلالي بقلمه في الصحف والمجلات الجزائرية، كما ساهم في تزويد المكتبة الجزائرية بالعديد من العناوين الهامة، منها: - "تاريخ الجزائر العام" الذي يعتبر مرجعا لا يمكن لدارسي تاريخ الجزائر الاستغناء عنه، وقد طبع مرات عديدة. - كتاب حول المساجد في الجزائر. - تاريخ المدن الثلاث: الجزائر، المدية، مليانة. - محمد بن أبي شنب، حياته وآثاره. - العملة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر. - ابن خلدون في الجزائر. - مسرحية المولد والهجرة. وله مؤلفات كثيرة في الفقه، واللغة والأدب، والتاريخ، والحديث، والاستشراق، والفنون، تقارب 100 مصنف، والكثير منها ينتظر الطبع. ومن تآليفه المخطوطة: - فن التصوير والرسم عبر العصور الاسلامية. - المستشرقون الفرنسيون والحضارة الإسلامية. - وفنون الطلاسم. - الربع المجيب. الفتاوى والمقالات: - وله فتاوى مكتوبة كثيرة ما تزال مخطوطة. ومقالات كثيرة نشرتها الصحف والمجلات المختلفة ومنها: جريدة الشعب الثقافي، مجلة الجزائر الأحداث، مجلة الثقافة، مجلة الأصالة، مجلة هنا الجزائر، وغير ذلك من المجلات القديمة والحديثة... نشاط الشيخ الجيلالي الإذاعي: التحق الشيخ عبد الرحمان الجيلالي بالإذاعة الوطنية التي قدم فيها برامجه المجيبة على تساؤلات المستمعين الدينية، فاشتهر ببرنامج "لكل سؤال جواب" الذي كان ركز فيه على مفاخر التاريخ القومي الإسلامي، فاستحسنته الجماهير ونال رضاها. وبسبب نجاحه قررت إدارة الإذاعة إنتاج برنامج آخر هو "رأي الدين في أسئلة المستمعين" الذي أدّى دورا كبيرا في توعية الناس بحكم اعتماده على نهج الإصلاح الديني. ثم تحولت أحاديثه إلى دروس ونشريات دقيقة مباشرة، مكتوبة بأسلوب متميز سهل الفهم بعيد عن التعقيد. ومع الأيام تحولت الإذاعة بفضل الشيخ الجيلالي إلى مدرسة للتربية والتوجيه، تصلها يوميا عشرات الرسائل، حتى أصبحت برامجه أسبوعية قارة يجد فيها المستمعون الإجابة عن تساؤلاتهم الدينية والدنيوية على أساس شرعي معتدل. وقد ابتدأت برامجه تلك منذ سنة 1940، واستمرت إلى الثمانينيات من القرن العشرين، ويحتفظ أرشيف الإذاعة بكمية هائلة من تسجيلات تلك البرامج إلى اليوم. رصيد زاخر من النشاط العلمي والديني: تمكن الشيخ عبد الرحمان الجيلالي من إنتاج عشرات الأعمال في مختلف الميادين الدينية، الأدبية، الفنية والتاريخية، جعلته يتحصل على أوسمة استحقاق من مؤسسات علمية متخصصة. كما حاز عضوية المجلس الإسلامي الأعلى غداة الاستقلال في لجنة الفتوى التي كان يشرف عليها الشيخ أحمد حماني رحمه الله. وقد عمل الشيخ عبد الرحمان الجيلالي مع نخبة من العلماء على إنشاء وتنظيم نِظَارات الشؤون الدينية بمختلف ولايات القطر. كما ساهم في تأسيس مجلة الأصالة الصادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى التي ساهمت مساهمة فعالة في الترويج لملتقى الفكر الإسلامي، كما كانت منبرا هاما للمناقشة الهادفة. للإشارة، فإن الشيخ الجيلالي قدم محاضرات في 14 طبعة من مؤتمر الفكر الإسلامي. كما كان عضوا فعالا في الديوان الوطني لحقوق التأليف. كلمة الشيخ عبد الرحمن شيبان:
هو شخصية متعددة الفضائل والكمالات في شتى المجالات: فهو من الناحية الثقافية: أديب، مؤرخ، وفقيه. وهو من الناحية الاجتماعية: معلم، وواعظ مرشد. وهو من الناحية الدينية: متق لله تعالى، عامل بكتابه وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، نصوح للأمة، صالح مصلح، يؤيد الحق، وينبه إلى الخطإ أيا كان مصدره. أما الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، من الناحية السلوكية، فهو لطيف المعشر، يألف ويؤلف، يقدر أهل العلم والفضل، على عكس ما عليه الحال في كثير من الأحيان، حيث يكرم الخاذلون ويهمش العاملون. فالله تعالى نسأل أن يرزقه الدرجات العلى مع الصدّقين والشهداء والأبرار ويجعل أعماله منارة للمعرفة، وزهرة للمجالس، ومجدا للوطن، والعروبة، والإسلام. منحته جامعة الجزائر دكتوراه شرفية: كرمت جامعة الجزائر الشيخ عبد الرحمان الجيلالي بمنحه شهادة دكتوراه فخرية، وقد عبر عن غبطته وابتهاجه الكبير بهذا التكريم الذي اعتبره من أهم المحطات في حياته في سلسلة عمره الطويل. وفاته:
توفي رحمه الله صبيحة يوم الجمعة 6 ذي الحجة 1431هـ الموافق 12 نوفمبر 2010 بالجزائر العاصمة في مستشفى عين طاية، ودفن في مقبرة سيدي امحمد، وصلى عليه الأستاذ الدكتور عمار طالبي في مسجد النجاح بالمحمدية في جمع غفير من الناس.
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 54 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
الحلقة 54 / فضيلة الشيخ أبو إسحاق إبراهيم اطفيش– رحمه الله -
موسوعة أعلام الجزائر
الحلقة الرابعة والخمسون
من أعلام الجزائر
فضيلة الشيخ أبو إسحاق إبراهيم اطفيش– رحمه الله -
1888م ..... 1965م
1308هـ .... 1385هـ
نشأته:
ولد ببني يزقن عام 1888م.حفظ كتاب الله وقد جمعه وهو ابن إحدى عشرة سنة على شيخه عمر بن أحمد الزروال، ثم اشتغل بدرس العلوم في الفنون المختلفة على الشيخ الحاج إسماعيل بن الحاج إبراهيم زرقون، ومنه إنتقل إلى القطب، ثم اشتغل بالتجارة. وحوالي1910م، اتجه إلى الجزائر العاصمة، حيث تتلمذ على يد شيخ الجماعة عبد القادر المجاوي، ثم عاد إلى بن يزقن لينقطع إلى الدراسة والتعليم على يد عمّه القطب. وفي سنة 1917، توجه أبو إسحاق إلى تونس، وحضر دروس الشيخ الإسلام الحنفي ابن يوسف والشيخ الإسلام المالكي الطاهر بن عاشور، وتحمل مع زميليه أبي اليقظان ومحمد الثميني مسؤولية الإشراف على أفراد البعثة المزابية بتونس.
دخل معترك النضال السياسي تحت لواء الحزب الحر الدستوري، وكان همزة وصل بين الشيخ عبد العزيز الثعالبي بتونس وبين الأمير خالد في الجزائر، وما لبث أن أبلغه المقيم العام بتونس أن الحكومة الفرنسية تدعوك إلى الكف عن كل حركة عدائية، واختر لنفسك أي بلد شئت خارج هذا التراب، فامتطى الباخرة إلى مصر يوم 3 فيفري1923. في شهر أفريل الموالي، تم جمع التبرعات ببني يزقن، بلغت سبعة آلاف فرنك، أرسلت إلى الشيخ أبي إسحاق للتخفيف عنه من متاعب الغربة.
تزعم في القاهرة الحركات الإصلاحية الإسلامية بمعية محب الدين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، وأصدر بها مجلة المنهاج من أول محرم 1344هـ/ أوت1925م إلى1350هـ/1930م، أغلب مقالاتها ومواضيعها إسلامية. وكان يهاجم فيها الاستعمار في العالم الإسلامي عموما، والاستعمار الفرنسي في الجزائر خصوصها.وكان الشيخ أبو إسحاق طفيش من الثلاثة الأولين القائمين بالدعاية لتأسيس الجامعة العربية، مع الشيخ الأمير الحسيني والشيخ عبد العزيز الثعالبي.
مثل الجزائريين في مؤتمر القدس، الذي انعقد في ديسمبر 1930م.
يقول الدكتور محمد ناصر:. ويمضي الدكتور محمد ناصر قائلا (62). ثم يضيف: (63). وفي جوان من سنة 1940م، التحق بقسم التصحيح بدار الكتب المصرية .ومن أجل أعماله فيها انكبابه على تصحيح وتحقيق (الجامع لأحكام القران)في التفسير للقرطبي. كما شارك أيضا في تصحيح كتاب محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم)، كما شارك في تصحيح الطبعة الأخيرة من مصحف (الملك). وكان إلى جانب هذا مرجعا للفتوى في الشريعة الإسلامية، شارك مشاركة فعالة في تحرير مادة الموسوعة الفقهية، ولاسيما فيما يتعلق بالمذهب الإباضي. وكان المرجع لكثير من المشاكل اللغوية و المفردات التي أدمجت في متن اللغة بواسطة المجتمع اللغوي، الذي أنشئ بمصر.
أهم المؤلفات التي قام بتحقيقها وبنشرها:
ـ الأجزاء الثلاثة الأخيرة من شرح النيل، طبعها عام 1343هـ.
ـالذهب الخالص، علق عليه وطبعه في نفس السنة.
ـ شامل الأصل والفرع، طبعه عام1348هـ /1930.
ـ شرح عقيدة توحيد العزابة.
ـ كتاب الرسم.
كما حقق وطبع لغير القطب عدة مؤلفات أخرى، نذكر منها:
ـ الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب.
ـ الوضع للشيخ أبي زكرياء يحي الجناوني .
ـ جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام لعبد الله بن حميد السالمي (64).
ـ تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان لنفس المؤلف.
ـ جامع أركان الإسلام لشيخ سيف بن ناصر الخروصي.
وحقق متن عقيدة التوحيد لأبي حفص عمرو بن جميع وشرحها لأبي العباس أحمد الشماخي، وطبعهما مع شرح أبي سليمان التلاتي عام 1353هـ/1934م استفاد تلميذه سالم بن يعقوب(65)كثيرا من دروسه ومكتبته في القاهرة، بدار الطلبة الإباضية، وهناك أخذ عنه كثير من العمانيين والنفوسيين.
مؤلفاته:
من مؤلفاته:
ـ الدعوة إلى سبيل المؤمنين، طبعه بالقاهرة عام1923م.
ـ لنقد الجليل على العتب الجميل،عام1342هـ/1924م.
ـ رسالة الصوم بالتلفون والتلغراف، عام1355هـ.
ـ تاريخ الإباضية.
ـ مدونة أبي غانم.
ـ تأويل المتشابه.
ـ صلاة السفر.
ـ عصمة الأنبياء والرسل.
ـ ذكرى أبي الشعثاء.
ـ منهاج السلامة فيما عليه أهل الإستقامة.
ـ تفسير سورة الفاتحة.
ـ الفنون الحربية في الكتاب والسنة.
ـ شرح الملاحن.
ـ مختصر الأصول والفقه للمدارس.
ـ مسألة قراءة القران بالأجرة.
ـ رسالة عمان الإمامية.
ـ ترجمة الشيخ الحاج محمد طفيش.
ـ رسالة الفرق بين الإباضية والخوارج.
له فتاوى عديدة منها فتواه في ترجمة القران،وفي التجنيس،وفي استعمال الكحول في المداواة.
وفي سنة 1952م،راح يبذل الجهد الجهيد يطلب من الإمام غالب بن علي لتعترف الجامعة العربية بعمان ضمن أعضائها. وفي سنة 1955م، كلفته الجامعة العربية للالتقاء بالإمام والسلطان داخل عمان، فرد على أعقابه بعد أن إلى صحار. ولقد لاقى في هذه الرحلة التي دامت حوالي ثلاثة أشهر أهوالا وعقبات شديدة، وكان الإنجليز له بالمرصاد، فمنعوه من أن يتصل بالسلطان أو بالإمام، وأصدر حاكم الخليج قرار بالقبض عليه حيا أو ميتا. ثم إن الإمام عينه سفيرا لعمان الإمامية لدى الجامعة العربية. وفي بداية سنة 1961م، كلفه بعرض قضية عمان على هيئة الأمم المتحدة، فسافر إلى نيويورك رفقة الأمير حمير بن سليمان، ممثلا لدولة إمامة عمان، واجتهد في مقابلة الوزراء والسفراء يكشف لهم عن عمان الإمامية واعتداء بريطانيا على الإمامة، منتهكة حرمة استقلال عمان، رغم وجود معاهدة السيب لعام 1920م. عرضت القضية في الجلسة الأولى لدى اللجنة السياسية، ثم في الجلسة الثانية، فحازت القبول بالإجماع. عقد الشيخ ابو اسحاق رحلة إلى زنجبار سنة 1947م واعظا مرشدا، دامت نحو أربعين يوما، ورحلة ثانية إليها في الستينات، وأخرى إلى نفوسة، وأخرى إلى القدس في رجب 1350هـ/1931م حيث انعقد هناك المؤتمر الإسلامي، ممثلا لإباضية المشرق. رافق الشيخ حمير بن سليمان أمير الجبل الأخضر بدولة إمامة عمان، في زيارته إلى ميزاب عام 1964م. تزوج ثانية سبعية بنت قاسم الشماخي، فأنجبت له جميع أبنائه الخمسة وأختا لهم، وتزوج ثالثة سعاد الزنجبارية ولم تنجب له. وفاته:
توفي يوم 20 شعبان 1385هـ/ 26 ديسمبر 1965م، ودفن بمقبرة آل الشماخي بالقبة في القاهرة. أقيم في مسجد بني يزقن يوم 28 جانفي 1966م حفل تأبين للمرحوم، حضره من القرى السبع جميع الهيئات الدينية وجمع من الأدباء.
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 55 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
الحلقة 55 / الدكتور رابح تركي عمامرة – رحمه الله -
موسوعة أعلام الجزائر
الحلقة الخامسة والخمسون
من أعلام الجزائر
الدكتور رابح تركي عمامرة – رحمه الله -
في الحادي عشر من شهر مارس من السنة الماضية (2014م)، انتقل إلى رحمة الله أحدُ العلماء الجزائريين المعاصرين، الذين عُرفوا بتفانيهم في البحث العلمي والتدريس الجامعي والتأليف الأكاديمي والثقافي.. إنه الأستاذ الدكتور تركي رابح عمامرة، أستاذ علوم التربية بجامعة الجزائر على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ومؤلف عدة كتب في التعريف بأعلام الجزائر وفي علوم ومناهج التربية الحديثة، وكاتب عشرات البحوث والمقالات في الدوريات الأكاديمية والصحف والمجلات الثقافية الجزائرية والعربية.
وقد مر رحيله في صمت مطبق، كأن الرجل ما عاش ولا عمل ولا أنتج شيئا، فلا تلاميذُه وأصدقاؤه رثوه، ولا من عرفوه وزاملوه كتبوا عنه.. وطيلة السنة التي مرت على رحيله لم نقف على ذكر له في جريدة من جرائدنا ولم نسمع أن ندوة أقيمت لدراسة أعماله وتذكر خِصاله، فهل هذا جزاء علمائنا وباحثينا وروادنا؟ وهل هذا ما يستحقون أن نكافئهم به نظير ما قدموه لوطننا وأبنائه؟.. ومع أني لم ألتق الدكتور تركي رابح رحمه الله سوى مرة أو مرتين، ولم أكن من تلامذته ولا من زملائه ولا من معارفه، إلا أني قرأت أغلب كتبه وبحوثه ومقالاته واستفدت منها استفادة جمة، لذلك رأيت من واجبي أن أتولى مهمة التعريف به والتذكير بأعماله، على قدر ما توفر لي من معلومات، وهي قليلة جدا إذا ما قيست إلى مكانة الرجل وما قام به من أعمال وما تركه من آثار. نشأته وتكوينه: اسمه الكامل تركي رابح عْمامرة، لكن ما اشتهر به وكان يوقع به كتبه مقالاته هو "تركي رابح". ولد بمدينة سطيف يوم الخميس 14جمادى الأولى سنة 1351هـ، الموافق 15 سبتمبر 1932م، وبها نشأ وترعرع. وعندما بلغ مبلغ التعلم ألحقه أهله بالكُتاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم. وفي الثامنة من عمره، التحق بمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وظل يزاول دراسته بها مدة عشر سنوات، أي من سنة 1940 إلى غاية سنة 1950. وأثناء دراسته بمعهد ابن باديس، عمل مرشدا في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية ما بين 1948و1950. بعد تخرجه من معهد الإمام ابن باديس، عينته جمعية العلماء معلما في بعض مدارسها، فقام بالمهمة التي أنيطت به خلال السنة الدراسية 1950-1951. انتقل بعد ذلك إلى تونس والتحق بجامعة الزيتونة، وفيها تلقى العلوم الشرعية والعربية على علمائها، وجد واجتهد في الطلب حتى نال شهادة التحصيل في العلوم. أرسل ضمن البعثة الأولى من طلاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى القاهرة في جمهورية مصر العربية، في نوفمبر 1951، والتي كانت تضم 16 طالبا، كان من بينهم: عثمان سعدي، سعد الدين نويوات، محيي الدين عميمور، محمد الهادي حمدادو، وغيرهم ممن أصبحوا إطارات عليا في الدولة الجزائرية بعد الاستقلال.. في القاهرة أكمل دراسته الجامعية، وحصل على شهادة الليسانس في الأدب والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة (1956). ثم واصل دراسته العليا، وحصل على دبلوم عام في التربية وعلم النفس من كلية التربية جامعة عين شمس بالقاهرة (1958)، وعلى دبلوم خاص في نفس التخصص (1959)، وظل دائبا في البحث والتنقيب وتحرير رسالته العلمية حتى حصل على شهادة الماجستير في التربية وعلم النفس من كلية التربية جامعة عين شمس (1962). ومما هو جدير بالذكر؛ أنه وأثناء وجوده في القاهرة، لازم بصفة مستمرة الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي كان يرأس مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ويشرف على أنشطتها في مصر والمشرق العربي، وقد أفادته هذه الملازمة الاستفادة الجمة من علم الشيخ وأدبه، وربطته أكثر فأكثر بالحركة الإصلاحية الجزائرية وجهود رجالها وتراثهم الفكري. لم يكتف تركي رابح بالحصول على شهادة الماجستير التي مكنته من الحصول على وظيفة في قطاع الصحافة في الجزائر بعد الاستقلال، ثم في قطاع التعليم العالي بعد ذلك، بل واصل رحلة البحث العلمي الجامعي حتى حصل على شهادة دكتوراه الفلسفة في التربية، تخصص أصول التربية من كلية التربية بجامعة المنصورة في جمهورية مصر العربية، عام 1973. وكان موضوع رسالته (التعليم القومي في الجزائر 1931-1956: دراسة تربوية للشخصية الجزائرية). وقد تمت المناقشة يوم السبت 18 ذو الحجة 1393هـ، الموافق 12 يناير 1974م، من قبل اللجنة المكونة من: الأستاذ الدكتور محمد لبيب النجيحي عميد الكلية والمشرف على الرسالة، والأستاذ الدكتور عبد العزيز السيد إبراهيم مدير عام منظمة اليونسكو العربية حينئذ، والأستاذ الدكتور يوسف صلاح الدين قطب رئيس جامعة عين شمس الأسبق. جهوده الوطنية وأعماله العلمية: لم يمنع حرصُ تركي رابح عمامرة على الدراسة والتحصيل من المشاركة في العمل الوطني لتحرير الجزائر من الاستدمار الفرنسي، حيث انخرط في صفوف العاملين في ثورة نوفمبر التحريرية وعمل بدون انقطاع بصفة مدنية من سنة 1954 إلى سنة 1962. فأثناء دراسته في القاهرة، التحق بتكوين عسكري في أحد معسكرات الفدائيين الجزائريين التابعة للجيش المصري سنة 1955، بقصد الالتحاق بالثورة داخل الجزائر والقتال في صفوف المجاهدين الجزائريين، إلا أن قيادة جبهة التحرير في الخارج رأت استبقاءه في القاهرة، فألحقته بمكتبها للصحافة والإعلام هناك، وكلفته بالعمل محررا لدى إذاعة صوت العرب، معدا لبعض البرامج المتعلقة بالثورة الجزائرية والتعريف بكفاح المجاهدين الجزائريين. بعد استقلال الجزائر، انخرط في حقل الصحافة، حيث شارك في تأسيس جريدة الشعب باللغة العربية في 11 ديسمبر 1962، وظل يكتب على صفحاتها، إلى غاية سنة 1965 تاريخ تعيينه في رئاسة تحرير جريدة المجاهد الأسبوعية لسان حال جبهة التحرير الوطني. إلا أن رغبته في الالتحاق بالتدريس والتعليم كانت أغلب، فتقدم بطلب الالتحاق بسلك التدريس في المدرسة العليا للأساتذة، وقد حظي طلبه بالقبول من مجلس جامعة الجزائر بتاريخ 12 أكتوبر 1965، وعين بقرار وزاري معيدا بالمدرسة المذكورة بتاريخ 18 مارس 1966. ثم تمت ترقيته إلى درجة أستاذ مساعد بقرار وزاري بتاريخ 5 جوان 1966. كان من مؤسسي اللجنة الوطنية للتعريب الشامل في الجزائر سنة 1971، وهي اللجنة التي قامت بدور هام في تعريب التعليم بمختلف مراحله، وتعريب الإدارة والمحيط الاجتماعي. بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، رقي إلى درجة أستاذ محاضر بقرار وزاري بتاريخ 9 سبتمبر 1975، ونُقل بهذه الصفة من المدرسة العليا للأساتذة إلى كلية الآداب دائرة العلوم الاجتماعية. ثم رقي إلى درجة أستاذ بقرار وزاري بتاريخ 30 جوان 1978، مدرسا لمادة علوم التربية بمعهد العلوم الاجتماعية جامعة الجزائر. وإلى جانب عمله في التدريس، تولى إدارة قسم العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر مدة ثمان سنوات. كما تولى رئاسة مجلس البحث العلمي في علوم التربية وعلم النفس بجامعة الجزائر (1980-1991). أشرف على عشرات الرسائل الجامعية في علوم التربية والمناهج التربوية، كما ناقش عددا كبيرا أيضا من الرسائل في نفس التخصص العلمي. كما كان عضوا في هيئة تحرير حوليات جامعة الجزائر منذ تأسيسها. شارك بصفته محاضرا ومعقبا في عدد كبير الملتقيات العلمية حول تاريخ الجزائر وأعلامها وعلوم التربية ومواضيع علمية وثقافية أخرى داخل الجزائر وخارجها، خاصة في الدول العربية: الكويت، السعودية، قطر، لبنان، سوريا، المغرب، تونس، العراق، مصر، السودان، ليبيا. واعتبارا لمكانته العلمية وجهوده الأكاديمية الفاعلة، تم اختياره كخبير تربوي في عدد من المنظمات العربية والدولية: اليونسكو، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو). كما تم اختياره عضوا في اتحاد المؤرخين العرب، وتولى منصب أمين عام مساعد اتحاد التربويين العرب سنة 1981. عين عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر لسنوات عديدة خلال الثمانينيات من القرن الماضي. تكريمه على جهوده وأعماله: نظرا لإسهام الدكتور تركي رابح إسهاما فاعلا ومشاركته القوية في حركة الإبداع الثقافي ومواصلة إنتاجه العلمي، كرم من قبل رئيس الجمهورية السيد الشاذلي بن جديد رحمه الله، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للاستقلال الوطني، في شهر جويلية 1987. وتقديرا لمكانته وإسهاماته العلمية في مجال البحث والتأليف والتدريس، تم تكريمه من قبل إدارة جامعة الجزائر، بتاريخ 18 ماي 1991. كما كرم مرة ثانية من قبل إدارة جامعة الجزائر في 11 ماي 1999. وفي خارج الجزائر تم تكريمه في عدد من البلدان العربية، فقد كرم من قبل جامعتي عين شمس والمنصورة بجمهورية مصر العربية، ومن قبل جمعية المقاصد الإسلامية في لبنان. وعندما عمل أستاذا زائرا في بعض الجامعات السعودية، تم تكريمه هناك من قبل كل من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. كما لم تفوت بعض الجامعات العراقية فرصة تكريمه، فقد كرم في جامعة بغداد عندما كان عضوا في اتحاد التربويين العرب الذي كان مقره في بغداد. وفي المغرب العربي، كرم من قبل كل من الجامعة الليبية في طرابلس وجامعة تونس وجامعة فاس في المغرب. وقبل وفاته كرم من قبل مدير المكتبة الوطنية السابق الدكتور أمين الزاوي بوسام العمداء للثقافة بمناسبة يوم العلم. وفاته: بعد معاناة مع المرض، توفي الأستاذ الدكتور تركي رابح عمامرة بالمستشفى العسكري عين نعجة في الجزائر العاصمة يوم الثلاثاء 9 جمادى الأولى 1435هـ، الموافق 11 مارس 2014، ودفن عند صلاة العصر من اليوم نفسه بمقبرة بن عكنون. لقد فقدت الجزائر عامة والجامعة الجزائرية خاصة، بوفاة الدكتور تركي رابح، أحد أعلامها الرواد وباحثيها الكبار الذين أرسوا قواعدها وأقاموا بنيانها ورعوا نشأتها وتطورها ورفدوها بالمؤلفات القيمة والأبحاث المتميزة، وشاركوا في الحياة الثقافية العامة مشاركة فاعلة وأسهموا فيها بكل ما أوتوا من جهد وطاقة، من أمثال: عبد الله شريط، عبد المجيد مزيان، عبد الله ركيبي، مولاي بلحميسي، موسى لقبال، عبد القادر زبادية، أحمد عروة، يحيى بوعزيز، أبو القاسم سعد الله، وغيرهم. رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته. مؤلفاته المطبوعة: ألف الأستاذ الدكتور تركي رابح رحمه الله عددا من الكتب القيمة والمتميزة في مضامينها وأسلوب تأليفها، والتي تُعتبر مراجع رائدة في موضوعاتها، وقد قدم بها خدمات جليلة لطلاب العلم وباحثي الدراسات العليا، نُشر منها عشرون كتابا، هي بحسب ترتيبها الزمني في النشر، كما يلي: 1- الشيخ عبد الحميد بن باديس: فلسفته وجهوده في التربية والتعليم، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1390هـ، 1969م، 384ص. 2- التعليم القومي والشخصية الوطنية (1931-1956): دراسة تربوية للشخصية الجزائرية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1975م، 444ص. 3- المعوقون في الجزائر وواجب المجتمع والدولة نحوهم، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1982، 135ص. 4- دراسات في التربية الإسلامية والشخصية الوطنية، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1402هـ، 1982م، 288ص. 5- مبادئ التخطيط التربوي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982، 126ص. 6- مشكلة الأمية في الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1982، 95ص. 7- النظريات التربوية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982، 172ص. 8- التكوين المستمر للمعلمين في الجزائر، منظمة اليونسكو، 1982. 9- المعاهد التكنولوجية في الجزائر، منظمة اليونسكو، 1982. 10- مناهج البحث في علوم التربية وعلم النفس، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984م، 205ص. 11- جهود الجزائر في تحقيق التعريب الشامل (1962-1984)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م. 12- صوت الجزائر من إذاعة العرب في القاهرة من عام 1956م إلى عام 1962: الإعلام ومهامه أثناء الثورة، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، الجزائر، 1988م. 13- أصول التربية والتعليم، ط2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990، 531ص. 14- التكوين العلمي والتربوي للمعلم في التعليم العام وفي التربية، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 1993م، 54ص. 15- الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر: مرجع شامل عن حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس وأعماله العلمية والتربوية والإسلامية والثقافية والوطنية، المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، الجزائر، 2001، 543ص. 16- الشيخ عبد الحميد بن باديس باعث النهضة الإسلامية العربية في الجزائر المعاصرة، موفم للنشر، الجزائر، ط2، 2003م، 307ص. 17- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التاريخية (1931-1956) ورؤساؤها الثلاثة، موفم للنشر، الجزائر، 2004، 437ص. 18- التعليم القومي العربي الإسلامي والشخصية الجزائرية (من عام 1830 الى عام 1962): دراسة تربوية للهوية الجزائرية، ط3، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007م، 559ص. 19- اللغة العربية وثقافتها من المحلية إلى العالمية، ط1، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007م، 377ص. 20- الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عبد الوهاب في طريق الإصلاح والسلفية، دراسة مقارنة. كتب مخطوطة: إضافة إلى هذه المؤلفات المنشورة، ذكر الدكتور تركي رابح رحمه الله في آخر كتابه (جمعية العلماء ورؤساؤها الثلاثة) أنه أتم تأليف عدة كتب أخرى ما زالت مخطوطة تنتظر النشر، وعناوينها: 1- محو الأمية وتعليم الكبار (500 صفحة). 2- دراسات في المجتمع الجزائري (700 صفحة). 3- الصراع اللغوي والديني والحضاري في الجزائر خلال مرحلة الاحتلال (1830-1962). 4- التعريب: قضاياه ومشاكله في الجزائر خلال مرحلة الاستقلال الوطني (1962-2000). 5- دراسات في التكوين العلمي والتربوي للمعلمين في المنظومة التربوية الجزائرية (1962-2002). 6- الغزو الثقافي والاستعمار الفكري وأخطارهما على الشبيبة الجزائرية. 7- الجامعات الجزائرية أمام مواجهة مشاكل المجتمع والبحث العلمي وتنمية المعرفة وتحديات العولمة. نرجو أن تسعى أسرة الفقيد رحمه الله في نشر هذه المؤلفات، لدى بعض دور النشر الجادة، وإتاحتها للقارئ الجزائري والعربي، حتى تبقى محفوظة ولا تتعرض للضياع والإهمال كما تعرض كثير من الإنتاج العلمي الجزائري القديم والمعاصر، بسبب غياب الاهتمام به وعدم الحرص على طباعته ونشره. أبحاثه ومقالاته: كتب الدكتور تركي رابح رحمه الله ونشر مقالات وأبحاثا كثيرة في مجلات جزائرية وعربية، ثقافية وأكاديمية، أحصيت منها ما يزيد على الخمسين بحثا ومقالا، وما كتبه ـ بلا شك ـ يزيد على ذلك بكثير، وقد تناول فيها بالدراسة والتحليل والعرض موضوعات مختلفة مما يتصل بتاريخ الجزائر وحاضرها وواقع التربية والتعليم فيها، والتعريف بأعلامها وعلمائها. وكذا موضوعات تتصل بالتربية الإسلامية والثقافة الإسلامية بوجه عام، وأخطار الغزو الثقافي على الشباب المسلم. إن هذه الكتب والبحوث والمقالات التي أنجزها الأستاذ الدكتور تركي رابح رحمه الله تكشف عن ثقافة عميقة واطلاع واسع وخبرة كبيرة في المجالات العلمية والثقافية والتربوية المختلفة كان يتصف بها الرجل وينهل منها. وهو ما يجعل هذه الأعمال مراجع لا غنى عنها في بحث أي قضية تتصل بموضوع من موضوعاتها، فبحوث الدكتور تركي رابح رحمه الله لها فضل الريادة والسبق، وأي تجاوز لها أو إعراض عن الاستفادة منها سيجعل البحث الذي يتناول أي موضوع قريب منها ناقصا ومبتورا وغير ذي جدوى. شهادات: شهد للدكتور تركي رابح بالنبوغ والجد والدقة والنظام الصارم في الحياة كثيرون ممن درسوا على يديه أو زاملوه في عمله أو عاشروه وعرفوه عن قرب. وأورد فيما يلي بعض الشهادات التي أمكنني الحصول عليها: 1- الشيخ أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر سابقا رحمه الله: "الدكتور رابح التركي... رافق زمنا طويلا الشيخ البشير الإبراهيمي، وأصدر كتبا نفيسة عن التربية والمنهج الذي سلكه فيها رجال جمعية العلماء". 2ـ الأستاذ لمين بشيشي وزير الثقافة والاتصال السابق: تحدث عن الصداقة التي جمعته بالدكتور تركي رابح عمامرة، وقال إنهما في 1950 درسا معا في الزيتونة، وأنهما التقيا فيما بعد في القاهرة وعملا في مكتب تحرير صوت العرب. 3ـ الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني: قال في رسالة التعزية التي بعث بها إلى أسرة الدكتور تركي رابح: "إن مجمع العلماء فقد شخصية متميزة من أعلام المدرسة الباديسية في النهضة و التنوير وأحد حواريي الشيخ البشير الابراهيمي رفيق الامام ومن أقطاب جمعية العلماء البارزين". 4- الدكتور الطاهر حجار مدير جامعة الجزائر: "يكفي أن أقول إنه أول دكتور جزائري في علم النفس، ورائد من كوكبة الرواد الأوائل على غرار عبد الله شريط، دودو، زهير إحدادن، سيف الإسلام، عبد المجيد مزيان... الذين أسسوا الجامعة الجزائرية المستقلة وسمحوا بتكوين مجموعة من الأساتذة. خلف بصمات خالدة عبر مكتبة زاخرة في التربية في الجزائر، وأسلوبا ومنهجية خاصة جد دقيقة في التدريس". 5- الأستاذ عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية: "المرحوم تركي رابح يعتبر واحدا من الأقلام الدسمة والسيالة التي خدمت اللغة العربية والهوية الثقافية الحضارية الوطنية وكذا المدرسة الجزائرية بامتياز بعيدا عن الأضواء". 6- الدكتور أمين الزاوي المدير الأسبق للمكتبة الوطنية: "تركي رابح عمامرة هو أحد أعمدة المدرسة الجزائرية، وهو باحث ومرب ومجاهد، حمل في قلبه حب اللغة العربية والجزائر والمدرسة الجزائرية، أثرى المكتبة الوطنية بأزيد من ثلاثين مؤلفا". 7ـ الأستاذ محمد الصغير داسة: "هذا الرجل الكريم الذي تعلمنا منه، في دار المعلمين في ستينات القرن الماضي، كان وفيا لمهنة التربية، يحبها حد التفاني، كان مخلصا في أداء الرسالة، كثير العطاء، جادا في أداء الواجب، يرغب في تنوير الفكر التربوي". 8- الدكتور بومدين جلالي من جامعة سعيدة: "حضرتُ عنده حصة واحدة في جامعة وهران وأنا طالب في الماجستير، خصص لنا تلك الحصة بطلب من إدارة المعهد. كان الرجل باحثا حصيفا يتقن طرق البحث وأساليبه، كما كان هادئا يسمع بدقة ويتكلم بدقة ويقدم الشاهد على ما يقول. وقبل ذلك، كنت قد قرأت له كتابه عن ابن باديس رحمه الله، وبسبب الأثر الطيب الذي تركته زيارته وجهت بعض طلبتي بعد ذلك الوقت كذا مرة للقراءة له.. نِعْمَ الباحث كان، ونعم الوفي للتيار الإصلاحي الوطني فيما قرأت له أو سمعت عنه بعد أن تعرفت عليه تعرفا شخصيا.. رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء وكتبه في عباده الصالحين".
رحم الله العلامة الأستاذ الدكتور تركي رابح عمامرة وأسكنه فسيح جناته.
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 56 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
تكريم الدكتور رابح تركي عمامرة – رحمه الله -بالمكتبة الوطنية.
موسوعة أعلام الجزائر
الحلقة الخامسة والخمسون
من أعلام الجزائر
تكريم الدكتور رابح تركي عمامرة – رحمه الله -بالمكتبة الوطنية.
كرم أمين الزاوي مدير المكتبة الوطنية الأستاذ الدكتور تركي رابح عمامرة بوسام العمداء للثقافة في نهاية الأسبوع الماضي بقاعة الأخضر السائحي بمناسبة يوم العلم. أشار أمين الزاوي إلى أن الأستاذ تركي رابح عمامرة هو أحد أعمدة المدرسة الجزائرية وهو باحث ومربٍ ومجاهد، حمل في قلبه حب اللغة العربية والجزائر والمدرسة الجزائرية، مؤكدا أنه أثرى المكتبة الوطنية بأزيد من ثلاثين مؤلفا. تحدث وزير الثقافة والاتصال السابق لمين بشيشي عن الصداقة التي جمعته بتركي رابح عمامرة وقال إنهما في 1950 درسا معا في الزيتونة وأنهما التقيا فيما بعد في القاهرة وعملا في مكتب تحرير صوت العرب. أكد المجاهد سيد علي عبد الحميد أنه تعرف على الأستاذ تركي رابح عمامرة بعد الاستقلال واعتبر أن صداقته به ظلت متواصلة، وأشار إلى الدور الإيجابي الذي يجب أن يلعبه المثقف في المجتمع واستاء المجاهد والمناضل سيدعلي عبدالحميد من غياب الأستاذين عبدالله شريط ولعبودي صالح عن الاحتفالية. استعرض الأستاذ تركي رابح عمامرة مسيرته النضالية، وأكد على ضرورة الاهتمام بالمرأة ومحاربة الأمية، وقال تركي رابح عمامرة إنه من منطقة سطيف وأنه كانت فيها مدرستان أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر: الأولى تابعة لحزب الشعب الجزائري والثانية لجمعية العلماء المسلمين. وذكر أنه كانت بينهما حزازات عمل الاستعمار الفرنسي على استغلالها. وتحدث عن ظروف التعليم في تلك الفترة وقال: "كنا نتعلم الوطنية والعلم البسيط فكانت هناك أخلاق وتوجه سليم، فهذه المدارس تخرجت منها أجيال ناضلت من أجل تحرير الجزائر"، وتحدث عن الدور الكبير لجمعية العلماء المسلمين فابن باديس كان يؤكد على أن الجزائر عربية مسلمة وأنها ستبقى كذلك رغم محاولات فرنسا الرامية آنذاك لجعلها فرنسية. وأشار تركي رابح عمامرة إلى أن فرنسا حاولت إثارة النعرات بين الجزائريين بتقسيمهم حسب المناطق لكن محاولاتها باءت بالفشل، ذلك أن حزب الشعب الجزائري كان يرفض الاندماج وجمعية العلماء المسلمين أيضا والتي كانت ترى أن الجزائر جزء لا يتجزأ من الدول العربية وأنها ليست فرنسية، ثم تحدث تركي رابح عمامرة عن فترة التحاقه للتعلم بالزيتونة ثم بمصر.
ونلتقي لنرتقي في الحلقة 56 من سلسلة أعلام الجزائر إن شاء الله تعالى.
فانتظــــــــــرونا
مسيرة قرن من العلـم والجهــاد
.........................................
العلاّمة الشّيخ محمّد الطّاهر بن مقران بن محمّد الطّاهر آيت علجت
...................................................................................
قال الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}.. والشّيخ محمّد الطّاهر آيت علجت، حفظه الله وأطال عمره، يُعدّ أحد أبرز علماء الجزائر خاصة والعالم الإسلامي ككلّ، قضى قرنًا من الزّمن ومازال ليومنا هذا في خدمة العِلم وأهله، طالبًا ومعلّمًا ومُصلحًا وموجّهًا ومجاهدًا مع إخوانه بالعِلم والسّلاح لتحرير الجزائر والوطن العربي والإسلامي من الاستعمار الغاشم.. ومتابعًا مسيرته بعد الاستقلال في تعليم وتكوين جيل الاستقلال في المدارس الجزائرية ومساجد القطر، دون كلل أو ملل.
ولد العلاّمة الشّيخ محمّد الطّاهر بن مقران بن محمّد الطّاهر آيت علجت يوم 5 محرم 1334هـ الموافق لـ7 فيفري 1916م ببني عيدل في بلدية ثامقرة ولاية بجاية. حفظ القرآن الكريم على يد والده، وهو في الحادية عشر من عمره، ثمّ أوكله إلى ثلاثة من شيوخ ثامقرة، أوّلهم الشّيخ الصّالح أوقاسي (المتخصّص في القراءات العشر) تلقّى شيئًا منه إلى جانب مبادئ العلوم الشّرعية والنّحوية، وثانيهم الشّيخ محند وعلي والطيب، أمّا ثالثهم فهو الشّيخ الطيّب اليتورغي. بعد ذلك ومثلما يؤكّد تلميذه محمّد الصّغير بن لعلام، ألحقه والده بزاوية سيدي أحمد أويحيى بأمالو، وهي لا تبعد عن ثامقرة، وعمره 12 سنة، فدرس على شيخين جليلين من كبار علماء المنطقة، بل من كبار علماء الجزائر، مدّة 4 سنوات، أوّلهم الشّيخ لحلو الخياري (كان حجّة في الفقه المالكي وفي القراءات)، والثاني هو العلاّمة الشّيخ السّعيد اليجري (أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) مختلف فنون العلم كالفقه واللغّة والصرف والبلاغة والفلك والحساب، ثمّ شدّ الرِّحال إلى زاوية سيدي الشّيخ بلحملاوي بوادي العثمانية قرب قسنطينة، حيث أتمّ هناك دراسته الشّرعية من فقه ولغة، كما تعدّاها إلى غيرها من العلوم كالحساب والفلك، بالإضافة إلى العلوم الإنسانية كالتاريخ والجغرافية وغيرها، على يد خمسة شيوخ كلّهم زيتونيون، ثلاثة منهم تونسيون هم: الشّيخ مصباح الحويدق والشّيخ محمد والشّيخ محمود قريبع، وجزائريان: الشّيخ السّعيد اليعلاوي والشّيخ أحمد البسكري.
تدريسه لمختلف العلوم
وعاد إلى قريته ثامقرة وهو في العشرين من عمره، عالمًا متكاملاً أُهِّلَ لأن يتبوّأ مقعد الأستاذية ويعتلي كرسي المشيخة للتّدريس، وأوّل ما قام به هو العمل على إحياء زاوية جدّه الّتي هدّمها الاستدمار، وكان له ما أراد بالتّعاون مع سكان ثامقرة، ووقع ذلك –يضيف الأستاذ بن لعلام- في 1937م، فاستأنف هذا المعهد العتيق الّذي أسّسه العالم الربّاني الوليّ الصّالح سيدي يحيى العيدلي في القرن التاسع الهجري، نشاطه في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشّرعية واللّغوية والقراءات والحساب.. ففاضت شهرته العلمية وحسنت سمعته، فأقبل عليه الطلبة زرافات ووحدانًا، ليس من أهل المنطقة فحسب، بل من المناطق المجاورة مثل المسيلة والبرج وسطيف وتيزي وزو وضواحيها. وأنشأ الشّيخ الطّاهر نظامًا خاصًا بزاويته شبيهًا بنظم المعاهد الإسلامية الكبرى، وكان تلامذته يلتحقون بالزيتونة بزاد من العلم والأدب يشرف زاويتهم والقائم عليها.
زاويته ملاذ للمجاهدين
بعد السّمعة الطيّبة الّتي تركها الشّيخ في نفسية الطلبة، تحوّلت زاوية جدّه سيدي يحيى العيدلي إلى ملاذ وملجأ لكثير ممّن تبحث عنهم السّلطات الاستعمارية، حيث كانوا يتوافدون على الزاوية الّتي أضحت مؤسسة دينية واجتماعية وخيرية مفتوحة لكلّ للطّلبة والزوار.
نفي الشّيخ
وفي هذه الأثناء، كانت فرنسا تراقبه من خلال عيونها وأعوانها وأذنابها، فقرّرت نفي الشّيخ الطّاهر من ثامقرة سنة 1948، بينما حاول طلبته ومريدوه إبطال هذا القرار، فكوّنوا –بحسب الأستاذ بن لعلام الّذي كان واحدًا منهم- وفدًا للاتصال بقائد الدوار، لكن القائد تبرّأ من المسؤولية وأجابهم "ليس في يدي شيء.. اذهبوا إلى بن علي الشيف (الحاكم بأمره في المنطقة)"، وذهبوا إليه في قصره في لعزيب، فلم ينزل من برجه العاجي حتّى لاستقبال ممثّل عنهم.
لكن الشّيخ استقبل قرار نفيه بابتسامته المعهودة، وبصبر جميل ونفس مطمئنة، فلحق بمنفاه في زاوية سيّدي سعيد بضواحي صدوق، ومكث فيها سنة واحدة معزّزًا مكرّمًا، إذ اعتبر طلاّب هذه الزّاوية وسكان القرية نزول الشّيخ الطّاهر في ضيافتهم بركة من الله عليهم.
تدمير المستعمر الفرنسي للزّاوية
بعدما رجع الشّيخ الطّاهر آيت علجت إلى مسقط رأسه سنة 1937، تولّى التّدريس والتّعليم بزاوية سيّدي أحمد بن يحيى بأمالو، وكان يقدّم فيها دروس تعليم القرآن واللّغة العربية والشّرعية، إلى غاية سنة 1956م حين أحرق الجيش الفرنسي الزّاوية.
التحاقه وطلبته بثورة التّحرير
شارك الشّيخ آيت علجت في الثورة الجزائرية هو وسائر طلبة الزّاوية الّذين التحقوا كلّهم بركب المجاهدين بعد تفجير الاحتلال الفرنسي لزاويتهم (الّتي تأسّست في القرن التاسع الهجري) في 1956، لأنّها كانت تدعو للثّورة ضدّها منذ الاحتلال الأوّل للجزائر. وقد وصف الشّيخ تلك الحقبة بالذهبية لأنّها كانت تمتاز بالأخوة والتّعاون والتّضحيات.
القاضي الشّرعي لجيش التحرير
كانت بداية الشّيخ آيت علجت خلال انضمامه لصفوف جيش التّحرير كقاضٍ شرعي، حيث كان ينتقل مع مجموعة من الجنود بين الكتائب في القرى والمداشر للنّظر في مختلف القضايا الّتي كانت تطرح على المواطنين وعلى الثّورة المباركة، فيحكم بما وفّقه الله في ذلك.
انتقاله إلى تونس ثمّ ليبيا
سافر إلى تونس في أواخر 1957 بإشارة من الشّهيد العقيد عميروش الّذي كان الشيخ يتولّى منصب القضاء في كتيبة جيشه، كما كان يتولّى فصل الخصومات، حيث كلّفه العقيد عميروش بالسّفر إلى تونس والإشراف على النشاط التعليمي للطلاب الجزائريين هناك، ثمّ انتقل إلى طرابلس الغرب بليبيا حيث عُيّن عضوًا في مكتب جبهة التحرير هناك، فبذل الشّيخ قصارى جهده إلى أن استقلّت الجزائر.
شهداء الزّاوية
شارك طلاب الزاوية بأمر من شيّخهم العلاّمة الطّاهر آيت علجت في الثورة التحريرية الكبرى، ثورة أوّل نوفمبر 1954م، وانتقل منها إلى الرّفيق الأعلى ما يربو على 100 شهيد، وعلى رأسهم 4 ضباط من جيش التحرير الوطني وهم: سي عبد الرّحمن بن الموفق، وسي جمعة أويخلف (كان أوّل مساعد للشّيخ في التّدريس)، وسي سليمان أنتوال، وكذلك إسماعيل أنتوال وغيرهم.
بعد الاستقلال وفي سنة 1963 عاد إلى الجزائر، وعيّن أستاذا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة، ثم بثانوية عمارة رشيد في بن عكنون، إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1978م.
أبرز تلاميذه
يعد تلاميذ الشّيخ آيت علجت، كما يحصي تلميذه الأستاذ محمّد الصغير بن لعلام، بالعشرات، بل بالمئات من كلّ أرجاء الوطن، لأنّ الشّيخ مكث في الزّاوية 20 سنة، ثمّ في الثانويتين (عقبة وعمارة) ثمّ وهو متنقل من مسجد إلى آخر منذ أن أحيل إلى التّقاعد.
وتخرّج على يدي العلاّمة المئات من الطّلبة المتمكّنين، من أبرزهم المفكّر الجزائري والعلاّمة الموسوعي مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله، والعلاّمة الشّيخ محمّد الشّريف قاهر عضو المجلس الإسلامي الأعلى وأستاذ التشريع الإسلامي بالمعهد العالي للقضاء، والأستاذ محمّد الصّغير بن لعلام، والشّيخ أبو عبد السلام، واثنان من المجاهدين وضباط جيش التحرير: محمّد الطّاهر بوزغوب، ومحمّد الطّاهر زقرور..
مولود قاسم يرجعه لوزارة الشّؤون الدّينية
وبطلب من وزارة الشّؤون الدّينية أيّام الوزير المثقف الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله الذي قال للشيخ، عاد الشّيخ الطّاهر إلى نشاطه المسجدي، ليُمارس دروس الوعظ والإرشاد بمسجدي القدس والإمام الغزالي في حيدرة، وغيرهما من مساجد القطر، وهو إلى اليوم يعقد دروسًا في الفقه والنّحو وعلم القراءات والمواريث وغيرها من العلوم الشّرعية بمسجد بوزريعة مكان إقامته، متّعه الله بالصحّة والعافية وأطال عمره في طاعته سبحانه وتعالى ونفع به الأمّة قاطبة.
وكان للشّيخ الطّاهر دور كبير في تأسيس رابطة الدّعوة الإسلامية سنة 1989 بهدف توحيد الأحزاب والجماعات، وتوجيه العمل الدّعوي واجتناب التّناحر والفرقة، لجعلها متآخية متعاونة على المصلحة العامة ومصلحة الإسلام والوطن.
آثار الشّيخ الطّاهر
للشّيخ آيت علجت مؤلّفات في فنون كثيرة، منها شرحه لرسالة ابن أبي زيد القيراوني، وكذلك له شرح لمختصر خليل، وشرح لكتاب المواريث للعلامة الجزائري سيّدي عبد الرّحمن الأخضري، وله أيضًا شرح لألفية ابن مالك، وكذلك شرح لامية الأفعال لابن مالك، إضافة لشرح الجوهر المكنون في البلاغة لسيدي الأخضري. كما أنّ ابن الشّيخ الطّاهر بصدد كتابة مذكّرات تروي تاريخه وتاريخ الثّورة التّحريرية المباركة، وتقييمه للأحداث ومواقفه عبر مسيرته الرّائدة.
الأستاذ محمّد الصغير بلعلام تلميذ الإمام آيت علجت
"لولا الشّيخ الطّاهر ما كنتُ!"
قضى الإمام الصّالح المُصلح المفتي، التقي النّقي، المنفرد في الأخلاق، والسّلوك وعزّة النّفس، والصّمود، ونكران الذّات، الغيور على دينه ووطنه، أطال الله في عمره ونفعنا بعلمه وبركته، ما يقرب من 80 سنة في التّعليم والإقراء، في زاوية جدّه الشّيخ القطب الوليّ الصّالح سيدي يحيى العيدلي في ثامقرة الّتي بعثها من جديد في سنة 1937، بعد أن خرّبها الاستدمار الفرنسي عندما احتلّ المنطقة، وفي الثانويات بعد استعادة السّيادة الوطنية في 1962.
وإلى يوم النّاس هذا، ما يزال يبث العِلم في نفوس الشّباب، في مختلف المعاهد والزّوايا والمساجد، وفي بيته في أحيان كثيرة، فلا يعرف راحة ولا يرفض طلبًا رغم سنه الّتي تجاوزت المائة، والّتي يئن تحت وطئتها ظهرُه، فالشّيخوخة الّتي يتّخذها بعضهم عصًا يتّكِئ عليها للتخلّص من الواجب الّذي فرضه الله على أهل العلم، واجب إرشاد الأمّة وتنويرها، ونشر العلم والأخلاق الحسنة، فهو إلى يوم النّاس يؤم المؤمنين في صلاة الجمعة كلّ أسبوع، ولا يتخلّف عنها إلاّ للضّرورة القصوى.
وشيخنا مثل جدّه سيدي يحيى العيدلي العالم القطب الربّاني، ابن منطقته في التعلّم والقراءة، فكانت مدرسته الأولى مسجد ثامقرة، حيث كان والده هو شيخه الأوّل وعلى يديه حفظ القرآن الكريم، وهو في الـ11 من عمره.
والشّيخ الطّاهر ليس ككلّ الشّيوخ، شيخا للعلم والسّلوك والأخلاق فحسب، وإنّما كان قبل كلّ ذلك وبعد كلّ ذلك شيخًا للوطنية، بل كان منارة للوطنية في المنطقة، وكانت زاويته ملجئا لكثير ممّن تبحث عنهم السلطات الاستدمارية الفرنسية، وقد كان هؤلاء المبحوث عنهم يتوافدون إلى الزّاوية بين الفينة والأخرى بصفات مختلفة، فمنهم من قيل إنّه مريض، وآخر عابر السّبيل، وثالث ألجأته الحاجة، والزّاوية كمؤسسة دينية واجتماعية وخيرية مفتوحة لكلّ أولئك. وما كانت عيون فرنسا وأعوانها وأذنابها لتغفل عن كلّ ذلك، وما كانت لتسكت عن الشّيخ ونشاطاته تلك، فدفع ثمنًا غاليًا، إذ قرّرت السّلطات نفيه من ثامقرة سنة 1948، وقد حاول الطلبة إبطال هذا القرار فكوّنوا وفدًا للاتصال بقائد الدوار، وكنتُ أحد أعضاء هذا الوفد، ولكن القائد تبرّأ من المسؤولية، وأجابنا بجملة واحدة: ليس بيدي شيء، اذهبوا إلى بن عليّ الشّيف (الحاكم بأمره في المنطقة) فذهبنا إليه في قصره في لعزيب، فلم يتنازل من برجه العاجي حتّى لاستقبال ممثلين أو ممثل عنّا.
وبقي الشّيخ في الزّاوية معلّمًا ومدرّسًا ومفتيًا ومصلحًا إلى غاية 1956، حيث تفرّغ للعمل في صفوف الثّورة مع العقيد عميروش رحمه الله كقائد ومرشد، وفي سنة 1956م أمره قائد الولاية الثالثة الشّهيد العقيد عميروش رحمه الله بالالتحاق بتونس، حيث كُلّف بالإشراف على الطلبة الّذين ترسلهم الولاية إلى تونس لإتمام دراستهم، وفي سنة 1958 كلّف بالإشراف على التّعليم في دور الطفولة الّتي أنشأتها الحكومة المؤقتة في تونس، ثمّ أُمر بالالتحاق بمكتب جبهة التحرير في ليبيا، وأسندت له مهمّة الملحق الثقافي، تحت إمرة المناضل والمجاهد أحمد بودة رحمه، ثمّ البشير القاضي رحمه الله.
وقد عاد إلى الوطن في 1963م، فالتحق بسلك التعليم مباشرة، حيث عُيّن أستاذًا في متوسطة الأبيار، ثمّ أستاذًا للغة العربية في ثانوية عقبة، ثمّ في ثانوية عمارة رشيد، إلى أن أحيل على التقاعد في سنة 1978، فدعاه تلميذه مولود قاسم رحمه الله الّذي كان آنذاك وزيرًا للتعليم الأصلي والشّؤون الدّينية، فقال له: "بلغني أنّك أصبحت متقاعدًا، فلا ينبغي لك أن تبقى قاعدًا، ولتكن معنا متعاقدًا"، ومنذ ذلك الوقت والشّيخ في المساجد والمعاهد والزّوايا يُدرِّس ويرشد ويوجّه ويفتي، إلى يوم النّاس هذا، ابتغاء مرضاة ربّه، ولا يرجو من وراء كلّ ذلك جزاء ولا شكورًا من أحد.
مجاهد وإطار سابق في الدولة وباحث في التاريخ والإسلاميات
الشّيخ محمّد المأمون مصطفى القاسمي الحسني
"الشّيخ آيت علجت من حملة ميراث النُّبوّة"
❊ عرفتُ الشّيخ الطّاهر آيت علجت بعد استعادة الاستقلال؛ وعرفتُ فيه العالم المتواضع، ووجدتُه من أولئك المجاهدين المرابطين في الزّوايا، الّذين سجّل التّاريخ أنّهم مَن ذادوا عن عقيدة الأمّة وقيمها الرّوحية والوطنية؛ ونافحوا عن ثوابتها ومقوّمات شخصيتها الإسلامية، وما نسمّيه "المقاومة الرّوحية الفكرية" للاحتلال الفرنسي.
كان الشّيخ من خيار الرّجال الأحرار الفاعلين فيها؛ وهو مَن كان يحمل معهم عبء رسالة عظيمة تمتزج فيها الرّوح الوطنية بالرّوح الدّينية الإسلامية.
الشّيح من حملة إرث النّبوّة؛ تلكم الوراثة العظيمة الّتي تتمثّل في العِلم والعمل، وتمثّل المنهج الوسط للأمّة الوسط. وأحسبه إن شاء الله من العلماء الهادين المهديين الّذين جاء وصفهم في الحديث الشّريف "يَحمِل هذا العِلم من كلّ خَلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبطِلين، وتأويل الجاهلين".
لقد قلتُ في منبر سابق: إنّ من الواجب على الأمّة أن تحفَظ له مكانته، وتقدره حقّ قدره، وتعرّف النّاس بمآثره، لتهتدي الأجيال بسيرته وأعماله. فالأمّة الواعية هي الّتي تعرف للعلماء فضلهم، وتحفظ عهدهم. ولا كرامة للأمّة إذا لم تحفظ حقوق علمائها الّذين يخدمونها في أقدس مقدّساتها، ألاَ وهو دينها، مصدر عزّتها وضامن وحدتها وقوّتها.
حفظ الله الشّيخ الطّاهر، ومدّ في عمره، وبارك في حياته، وجزاه عن أمّته خير ما يجزي به عباده المحسنين.
خادم العلم الشّريف في المقام القاسمي
4 محطات في حياة العلامة المجاهد المربي آيت علجت
من الصّعب بمكان أن يُدلي الإنسان بشهادته حول جبل من جبال الكفاح العلمي والتربوي والدّعوي والنّضال الثوري.. وذلك لرصيدهم الكبير في العلم والتّعليم والتّربية والجهاد، وتاريخهم، وضخامة الأعمال الّتي قدّموها، والجهود الّتي بذلوها.
فمن يستطيع أن يوفّي بحقّهم ومقامهم؟ مهما سطّرت الأقلام، ودبجت يراع الكُتَّاب من المقالات والشّهادات، ولكن حسبنا أن نشارك ولو بالقليل في التّنويه بجهادهم والإشادة بمواقفهم، وتلك لعمري من شيم الأوفياء وأخلاق الكرام، وطهارة المحتد كما قال الإمام الشافعي رحمه الله "الحُرُّ من حفظ وِداد لحظة، ومَن أفاده لفظة".
وإذا لم ننوّه بعلمائنا وصُنَّاع مجدنا، وأصحاب الفضل علينا، ومَن حافظ على ديننا ولغتنا وهويتنا، فبِمَن ننوّه!؟
أليس رسولنا صلّى الله عليه وسلّم تبرَّأ من أولئك الّذين لا يعرفون أقدار علمائهم، فقال "ليس منّا مَن لم يُجِلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقّه".
وهذه ثلاث محطات سريعة أقف فيها مع القارئ الكريم في مسيرة شيخنا العامرة بالجهاد والكفاح، لعلّها تكون نبراسًا للشّباب، ودروسًا بليغة للنّاشئة الجزائرية.
المحطة الأولى: الجهاد لتحرير الوطن
عندما التحق الشّيخ بنداء الجهاد واستجاب لصوت الثورة التحريرية، فصال وجال مع قائده ورفيق دربه الشّهيد عميروش رحمه الله، ضرب المثل والقدوة للعالم الواعي بواجباته نحو وطنه، رغم موقعه العلمي ودوره في التعليم في الزّاوية، ولكنّه فضَّل أن يخوض ساحات الوغى ليقوم بواجب الجهاد ويعزّز الثورة المظفّرة بالعلم والتعليم والإرشاد الدّيني والقضاء الشّرعي، تحصينًا للثورة، وتعميقًا لمفهومها الشّامل، أي أنّها ثورة شاملة عسكريًا وعلميًا واجتماعيًا، فكان الشّيخ يقوم بواجباته الجهادية والإشراف على القضاء الشّرعي والفتوى.
المحطة الثانية: أمانة العلم والتعليم
فقد قام الشّيخ بهذه الأمانة، بل كافح وناضل وجاهد وجالد في سبيلها طيلة 70 عامًا، لم تضعف إرادته رغم ما عاشه من ظروف صعبة وأحوال عسيرة لا تشجّع على المضي في هذا الطّريق الشّاق. لكن إيمانه العميق بوجوب التعليم ونشر حقائق الدّين واللّغة العربية، ووعيه بالجهاد العلمي وضرورته في الوقوف أمام التّغريب والسّلخ الثقافي، كل ذلك جعله لا يفتر ولا يضعف في سبيل أداء هذه المهمّة النّبيلة الشّاقة.
المحطة الرابعة: نور الإيمان
أمّا نور الإيمان النّابع من وجهه الكريم فهو الدّرس البليغ لكلّ مَن يُريد أن يتظاهر بالمظهريات الزّائفة للمجتمع، والّتي مهما حاول أن يُزخرفها فلن يستطيع إلى ذلك سبيلاً.
فقد وهب الله شيخنا نورًا يدلّ على الخشية والإيمان الصّادق، كما قال الله عزّ وجلّ {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر:28.
حفظ الله شيخنا فهو العالم الربّاني والمجاهد المربّي المعلّم والإمام الخطيب والوطني الصّادق.
الشّيخ يحيى صاري
إمام مسجد الأبرار بوزريعة
الجانب الاجتماعي
في أسرة الشّيخ آيت علجت
كان الوالد الشّيخ محمّد الطّاهر الابن الأوّل للجدّ، وقد ظهرت عليه سمات النّجابة والخُلق منذ صغره، نتيجة تربية والده له تربية حسنة، في أسرة محافظة على الخُلق والدّين والاستقامة ومحبّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقد سمَّت البنين والبنات بأسماء الأنبياء وزوجات الرّسول وبناته رضوان الله عليهنّ.
والوالد عطوف خلوق محافظ، يحرص على تربيتنا كما ورثها عن أبيه، من تحفيظ أبنائه للقرآن الكريم واللغة العربية، وكان كذلك أبًا محافظًا على تربية أبنائه على محبّة النبي وعلى حفظ القرآن الكريم وتعلُّمه وتعليمه.
وكان جدّي رحمه الله يُعَيَّر من قِبل أقرانه وزملائه وأصدقائه لأنّه كان يُنفق أمواله على تعليم أبنائه، ولم يكن ينفقها في شراء الأراضي، كان يوجّه أبناءه لطلب العلم والتعلُّم ولم يكن يوجّههم لخدمة الأرض والفلاحة. ثمّ انتقلنا إلى الأب كزوج، فلم أعرِف يومًا واحدًا من أيّام عمري صراعًا بينه وبين أفراد الأسرة، سواء كان أخًا أو زوجًا أو أبًا، ولم يحدث إلى يومنا هذا صراع عائلي وخلافات بين الزّوج والزّوجة، أو بين الأب وابنه، أو بين أحد من أفراد العائلة. وكانت المحبّة والاحترام والتّعاون سلوكًا متبادلاً بين أفراد هذه الأسرة.
وإنّ نجاح الوالد حفظه الله يكمن في أمرين اثنين: الأول الوسطية والاعتدال، فلا تطرّف ولا غلو، والثاني اتّباعه لنهج القرآن {وَقُولُوا للنّاسِ حُسنًا}، وكان يُردّد دائمًا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُخَالِطْ شَيْئًا إِلّا زَانَهُ، وَلَمْ يُفَارِقْ شَيْئًا إِلّا شَانَهُ".
وباختصار شديد، كانت أسرة مثالية، أسرة هادئة مطمئنة، يتّجه اهتمامه كلّه إلى التّربية والتّعليم وحُسن الخُلق.
ابن الشيخ: الأستاذ محمّد الصّالح آيت علجت
الأستاذ الزوبير طوالبي
"الشّيخ آيت علجت من أركان العلم والإصلاح"
كرّمني الله بأن تتلمذتُ عليه في الأربعينيات، وعلى يديه حفظتُ القرآن الكريم ومبادئ العلوم المختلفة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، وتخرّج على يديه عشرات العلماء الّذين تمنطقوا بنطاقه وأخذوا سبيل دعوته.
الشّيخ آيت علجت خلقهُ خُلق الأنبياء والأولياء، يمتاز بالتّواضع النّبويّ، وبالإخلاص في إيصال علمه ومعارفه إلى طلبته، ويأخذ بأيدي تلامذته دون استثناء، ولم نعرف عنه غضبًا قطّ، ولم يتصرّف مع أحد منّا تصرّفًا عقابيًا أبدًا. ويحترم كلّ إنسان. في بيته وأنتَ تزوره يخدمك بنفسه، ويضع نعلك أمامك لتلبسه.
والشّيخ آيت علجت من الأولياء الصّالحين، لا يعرف إلاّ البسمة يستقبل بها زوّاره، يطفح البشر في قسمات وجهه البشوش دائمًا. وما قال "لا" قطّ إلاّ في تشهّده. عالم ربّاني يُصلح بين النّاس ويقرّب بينهم وينصحهم، وهو الّذي يسبقُك ليَسأل عن أخبارك وأحوالك، ويعرض عليك خدماته.
والشّيخ نورٌ بعِلمه وتواضعه وأدبه وأخلاقه وحبِّه للنّاس. تأكّدتُ منذ عرفته أنّه يحمل في جنباته أعظم وأنبل قلب، سخّره لخدمة أمّته ودينه وقضيته. يُدافع باللّسان والعلم والعقل والوجدان عن الإسلام ولغة الإسلام وقيم الإسلام والإنسان بصفة عامة. كلّ هذا جعله ينال إعجاب النّاس واحترامهم وتقديرهم.
تمنّيتُ مرّة أن يهدي لي هدية أحتفظ بها لنفسي، عزيزة عندي من طرف أستاذي، ولم أتمكّن من طلب ذلك لحيائي وخجلي منه. فلم أتمالك نفسي من الفرح حينما أهدى لي عباءة كنتُ أتمنّاها، وأعتبرها أعظم هدية في حياتي.
وعاش الشّيخ حفظه الله في خدمة العِلم، ولم ينقطع تفكيره في قضايا أمّته.. أخذ السّلاح مع رفاقه المجاهدين ضدّ المستعمر.. علّم ووجّه وأرشد، فكان نعم المعلّم والموجّه والمرشد.. وأحبّ الله في سِرِّه وعلانيته فأحبّه الله، تواضع له فرفعه، خدم النّاس فتمنّوا أن يخدموه، كره المناصب وقد عُرِضَت عليه ولم يختر منها إلاّ خدمة الله والوطن والنّاس.. حفظه الله ورعاه.
تلميذه وعضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
نبذة تاريخية عن حياة العلامة الشهيد الطاهر طويل
ولد العلامة الطاهر الطويل بتاريخ:01 سبتمبر 1924 بشيدي ابوه احمد بن بلقاسم و امه حدة زمورة ابنة امحمد تربى و ترعرع في احضان والديه بسهول بلزمة بلدية مروانة ادخله والده إلى كتاب القرية التي يقطن بها في سن مبكرة لحفظ كتاب الله و تعلم مبادئ اللغة العربية فحفظ القرآن في سن الثالثة عشر من عمره حفظا جيدا وهذا على يد مشايخ المنطقة و منهم الشيخ:مسعودي السعيد - كرشوش سعيد - هروس المحفوظ – بكيرعملر و هذا على نفقة أبيه الخاصة ببيتهم التي كانت بها مدرسة قرآنية ومن هناك نقله أبوه إلى الزاوية بترشوين التي كان يديرها العلامة الشيخ عمر بلمسوس و الشيخ بلميهوبي بتينيباوين – تاكسلانت – ليتعلم اللغة العربية -النحو- الأدب و التاريخ ولثلاثة سنوات حيث تمكن و تفرس في العلم على يد الشيخ .
وكان يقيم عند عائلة بلعيد المجاهدة بتينيباوين . و بعدها نقل إلى مدينة مروانة و أكمل دراسته الدينية و التاريخية حيث تتلمذ على يد مشايخ مروانة الشيخ عبة محمد - معمر بروال و كذلك كان يتعلم من مشايخة كيف يغرس فيه حبه للوطن و كرهه للمستعمر الفرنسي فكبر معه حبه للجزائر و كرهه للعدو كرها شديدا و إذ كان يقوم بالتراويح في مسجد مروانة لمدة ثلاثة سنوات و هو صغير إذ كان يحفظ كتاب الله حفظا جيدا و يرتله أحسن ترتيل و قد أسندت إليه صلاة الجماعة و صلاة القيام بمسجد مروانة و عندما تفرس في العلم على يد مشايخ منطقة مروانة نقله أبوه إلى مدينة العلم قسنطينة معهد ابن باديس لمدة سبع سنوات على يد الشيوخ البشير الإبراهيمي العربي التبسي الشيخ المبارك توفيق المداني ابن عباس الميلي الشيخ العقبي الشيخ حوحو و عند حصوله على شهادة التحصيل من معهد ابن باديس إلتحق بجامعة الزيتونة بتونس لمدة ستة سنوات تحصل على شهادة التطويع أما المهمة التي كلف بها بالجامعة بتونس هي ممثل الطلبة الجزائريين لجمعية العلماء الجزائريين أما نشاطه السياسي فكان مناضل سريا للحركات التحريرية الجزائرية و كاتب في جريدة البصائر و كذلك ناشطا في تهيئة اندلاع الثورة لتحرير الوطن مع زملائه الطلبة الجزائريين و أبناء بلده عندما يعود إلى الجزائر في 1954 عندما أكمل دراسته الجامعية عاد إلى أٍرض الوطن أين كانت الثورة المباركة اندلعت فالتحق مباشرة بجبهة التحرير الوطنية و أول عمل قام به هو شراء قطعة أرض مع إخوانه المجاهدين بمروانة و فتح أول مدرسة باللغة العربية تسمى مدرسة النشأ التقديمية – الفلاح –الأولى بالأوراس مع إخوانه المشايخ و منهم الشيخ الشهيد محمد علاوة و الأستاذ المجاهد وزاني بلقاسم و الهدف من فتح هاته المدرسة في منطقة مروانة هو التمركز بالمدينة التي كانت محصنة عسكريا و مسيجة خارجيا بالأسلاك الشائكة يصعب الإقتراب منها فما بالك بالدخول إليها و كانت قطاع عسكري يقودها جنرال اما مغزى أو معنى هاته المدرسة ظاهريا مدرسة لتعليم العربية فقط أما سريا فكانت أكاديمية عسكرية لجيش التحرير وجبهة التحرير نهارا مع رفاقه مدرسة و مدير المدرسة وليلا لإدارة شؤون الثورة التجنيد للإلتحاق للجهاد جمع الأموال لشراء الألبسة و الأسلحة و الأدوية و الاستعلامات عن تحركات العدو و عن عدد عملائه و كان مكلف بالقضاء الشرعي في منطقة مروانة و خاطبا في القرى و الجبال و مكلف بالفدائيين داخل مروانة لتنفيذ العمليات و تخريب المنشآت القاعدية للعدو و كان يحب الجزائر حبا جما يقول الحرية أو الاستشهاد في سبيل الجزائر وكان من أيام أوائل سنة 1956 يلقي الدروس و من بين تلاميذه أبناء القياد منهم بنت كانت تدرس عند الشهيدة زيزة مسيكة تغني تقول تحيا باريس و مرساي فوبخها و قال لها لماذا لا تقولي * تحيا الجزائر و مصرو تونس و سألها عن نسبها و من هو مدرسها عند المعمر فقالت أدرس عند جاك فيراري و عند أستاذة تسمى زيزة مسيكة فقال لتلك التلميذة أريد ان تبلغي بوصية لأستاذتك زيزة مسيكة بلغيها بما يلي: يقول لكي أستاذك الطاهر طويل أحشمي على روحك و كوني جزائرية حرة لأنه رآها ترتدي لباس مثل الفرنسيين و مصاحبة المعمرين ولا تصاحب الجزائريين و ظن أنها خارجة عن دين الله و عميلة لفرنسا لأنها كانت معلمة باللغة الفرنسية و أبوها يقطن مع الفرنسيين و موظف عند الحاكم فلما أخبرتها تلك الطالبة بالوصية ردت عليها و قالت لها قولي للشيخ الطاهر الطويل الأيام بيننا يا شيخ العربية و بعد أسبوع ذهبت إلى سطيف ومن هناك إلى الولاية الثانية التاريخية سكيكدة فتجندت هناك و نالت الشهادة في سبيل الله فلما سمع و هو بمدرسته صلى ركعتين لله و كان بجانبه الأستاذ الشهيد محمد علاوة و الأستاذ المجاهد بلقاسم وزاني فسأله سي محمد علاوة ماذا يقومك اليوم فقال كان ظني في مسيكة ظنا و لكني الآن عرفت أنها إبنة الجزائر حقا و ها هي في الجبل مع إخوانها المجاهدين فقال له زميله الأستاذ الشهيد محمد علاوة أنت متهور متهور متهور لا تخاف من إبنة القايد فتخبر أباها فيد مرنا و يدمر المدرسة التي هي كل شيء لنا فقال مقالته المشهورة يا سي محمد كيف لا أكون متهور من أجل الوطن الجزائر و الجزائر تحتاج الكثير من المتهورين ضد المستعمر فمن أجل الجزائر أتهور و أتهور و أجن و أنتحر ..........الخ.
وقال له يا أخي الشيخ لقد تركنا الدنيا و الدراسات العليا والمناصب من أجل أن تحيا الجزائر مستقلة حرة أو نموت كلنا و هذا من رواية أخيه المجاهد الأستاذ بلقاسم وزاني الذي مازال على قيد الحياة يرزق.
أما العدو فكان يترصد تحركاته في مروانة وخارجها عن طريق العملاء و الخونة و في شهر جوان سنة1957 وشي به من طرف العملاء السريين المحبين لفرنسا والكارهين للثورة .
فهجمت عليه على الساعة الصفر فرقة مظلية واقتحمت المدرسة التي كان يوجد بها فنزلوا ببهو المدرسة وقال قائدهم نقيب مظلي باللغة الفرنسية أين الطاهر الطويل فقال له إني هنا فهجموا عليه مثل الوحوش على الفريسة فتكلم النقيب بهاتف لاسلكي إلى قائده و قال له جئنا للقبض على واحد فربحنا أربعة منهم الشهيد محمد علاوة و المجاهد وزاني بلقاسم فاقتادوهم إلى سجن مروانة و هو معتقل للتعذيب والاستنطاق يسمى حمام العربات بمروانة و هو موجود إلى يومنا هذا و بدأ الاستنطاق من طرف جلادي العدو و لم يدلي بشيء فسلط عليه أشد العذاب كقلع الأظافر و صواعق كهربائية في الأماكن الحساسة من جسده و أخذ إلى زنزانة للوحدة و عذب أشد العذاب وكانت كلمته لا إلاه إلا الله محمد رسول الله الله أكبر تحيا الجزائر و عرض على المحكمة العسكرية بقسنطينة فحكم عليه بالموت و في يوم 17 جويلية 1957 نقل على متن ثلاثة شاحنات عسكرية و سيارة من نوع جيب إلى مقر سكناه حيث تم تفتيش منزله كاملا فلم يجدوا ما أرادو فعادوا به إلى مكان يسمى طريق بئر لمسيلي في أرض المسمى زرافي مبروك المجاورة لفوحال الصالح أوقمزان بتراب مشتلة مركوندة بلدية لمسان حاليا دائرة أولاد سيدي سليمان المجاورة لبلدية مروانة غربا يوم الجمعة على الساعة التاسعة صباحا بالتقدير و أعدموه رميا بالرصاص و كان هذا يوم سوق أسبوعي للمدينة و المنطقة كلها و لحاجة في نفسية الاستعمار وهي ترهيب المارة من المتسوقين لكن كان عكس مبتغى الاستعمار و كان تحدي للمواطنين و المجاهدين للمواصلة الجهاد من أجل الحرية و الاستقلال
كان مسؤول للجنة الخماسية مروانة التاريخية و سياسيا و قاضيها
حياته الزوجية: تزوج من المسمات فاطمة زمورة أخت الشهيدين محمد و عمر أنجب منها بنتين وولد و عشرون حفيد معظمهم يحملون شهادات جامعية
و من رفاقه المجاهدين و الشهداء الذين كانو يجاهدون معه إلى أن نال الشهادة سي بوحة . سي معراف . أحمد معاشي . عيسى بخوش . محمد حجار . الحاج مراح . ومن قياده الحاج لخضر . مصطفى بن نوي . يوسف بعلاوي ...الخ
التحق برفاقه الشهداء وكان شعاره يفني الجسد و توسع المبادىء و تتلاحق قوافل الشهداء و يشتعل لهيب الثورة و يكشر العدو أنيابه فتقتلعها كلاليب الثائرين .
رحم الله شهداء الوطن
نبذة تاريخية عن حياة العلامة الشهيد الطاهر طويل
ولد العلامة الطاهر الطويل بتاريخ:01 سبتمبر 1924 بشيدي ابوه احمد بن بلقاسم و امه حدة زمورة ابنة امحمد تربى و ترعرع في احضان والديه بسهول بلزمة بلدية مروانة ادخله والده إلى كتاب القرية التي يقطن بها في سن مبكرة لحفظ كتاب الله و تعلم مبادئ اللغة العربية فحفظ القرآن في سن الثالثة عشر من عمره حفظا جيدا وهذا على يد مشايخ المنطقة و منهم الشيخ:مسعودي السعيد - كرشوش سعيد - هروس المحفوظ – بكيرعملر و هذا على نفقة أبيه الخاصة ببيتهم التي كانت بها مدرسة قرآنية ومن هناك نقله أبوه إلى الزاوية بترشوين التي كان يديرها العلامة الشيخ عمر بلمسوس و الشيخ بلميهوبي بتينيباوين – تاكسلانت – ليتعلم اللغة العربية -النحو- الأدب و التاريخ ولثلاثة سنوات حيث تمكن و تفرس في العلم على يد الشيخ .
وكان يقيم عند عائلة بلعيد المجاهدة بتينيباوين . و بعدها نقل إلى مدينة مروانة و أكمل دراسته الدينية و التاريخية حيث تتلمذ على يد مشايخ مروانة الشيخ عبة محمد - معمر بروال و كذلك كان يتعلم من مشايخة كيف يغرس فيه حبه للوطن و كرهه للمستعمر الفرنسي فكبر معه حبه للجزائر و كرهه للعدو كرها شديدا و إذ كان يقوم بالتراويح في مسجد مروانة لمدة ثلاثة سنوات و هو صغير إذ كان يحفظ كتاب الله حفظا جيدا و يرتله أحسن ترتيل و قد أسندت إليه صلاة الجماعة و صلاة القيام بمسجد مروانة و عندما تفرس في العلم على يد مشايخ منطقة مروانة نقله أبوه إلى مدينة العلم قسنطينة معهد ابن باديس لمدة سبع سنوات على يد الشيوخ البشير الإبراهيمي العربي التبسي الشيخ المبارك توفيق المداني ابن عباس الميلي الشيخ العقبي الشيخ حوحو و عند حصوله على شهادة التحصيل من معهد ابن باديس إلتحق بجامعة الزيتونة بتونس لمدة ستة سنوات تحصل على شهادة التطويع أما المهمة التي كلف بها بالجامعة بتونس هي ممثل الطلبة الجزائريين لجمعية العلماء الجزائريين أما نشاطه السياسي فكان مناضل سريا للحركات التحريرية الجزائرية و كاتب في جريدة البصائر و كذلك ناشطا في تهيئة اندلاع الثورة لتحرير الوطن مع زملائه الطلبة الجزائريين و أبناء بلده عندما يعود إلى الجزائر في 1954 عندما أكمل دراسته الجامعية عاد إلى أٍرض الوطن أين كانت الثورة المباركة اندلعت فالتحق مباشرة بجبهة التحرير الوطنية و أول عمل قام به هو شراء قطعة أرض مع إخوانه المجاهدين بمروانة و فتح أول مدرسة باللغة العربية تسمى مدرسة النشأ التقديمية – الفلاح –الأولى بالأوراس مع إخوانه المشايخ و منهم الشيخ الشهيد محمد علاوة و الأستاذ المجاهد وزاني بلقاسم و الهدف من فتح هاته المدرسة في منطقة مروانة هو التمركز بالمدينة التي كانت محصنة عسكريا و مسيجة خارجيا بالأسلاك الشائكة يصعب الإقتراب منها فما بالك بالدخول إليها و كانت قطاع عسكري يقودها جنرال اما مغزى أو معنى هاته المدرسة ظاهريا مدرسة لتعليم العربية فقط أما سريا فكانت أكاديمية عسكرية لجيش التحرير وجبهة التحرير نهارا مع رفاقه مدرسة و مدير المدرسة وليلا لإدارة شؤون الثورة التجنيد للإلتحاق للجهاد جمع الأموال لشراء الألبسة و الأسلحة و الأدوية و الاستعلامات عن تحركات العدو و عن عدد عملائه و كان مكلف بالقضاء الشرعي في منطقة مروانة و خاطبا في القرى و الجبال و مكلف بالفدائيين داخل مروانة لتنفيذ العمليات و تخريب المنشآت القاعدية للعدو و كان يحب الجزائر حبا جما يقول الحرية أو الاستشهاد في سبيل الجزائر وكان من أيام أوائل سنة 1956 يلقي الدروس و من بين تلاميذه أبناء القياد منهم بنت كانت تدرس عند الشهيدة زيزة مسيكة تغني تقول تحيا باريس و مرساي فوبخها و قال لها لماذا لا تقولي * تحيا الجزائر و مصرو تونس و سألها عن نسبها و من هو مدرسها عند المعمر فقالت أدرس عند جاك فيراري و عند أستاذة تسمى زيزة مسيكة فقال لتلك التلميذة أريد ان تبلغي بوصية لأستاذتك زيزة مسيكة بلغيها بما يلي: يقول لكي أستاذك الطاهر طويل أحشمي على روحك و كوني جزائرية حرة لأنه رآها ترتدي لباس مثل الفرنسيين و مصاحبة المعمرين ولا تصاحب الجزائريين و ظن أنها خارجة عن دين الله و عميلة لفرنسا لأنها كانت معلمة باللغة الفرنسية و أبوها يقطن مع الفرنسيين و موظف عند الحاكم فلما أخبرتها تلك الطالبة بالوصية ردت عليها و قالت لها قولي للشيخ الطاهر الطويل الأيام بيننا يا شيخ العربية و بعد أسبوع ذهبت إلى سطيف ومن هناك إلى الولاية الثانية التاريخية سكيكدة فتجندت هناك و نالت الشهادة في سبيل الله فلما سمع و هو بمدرسته صلى ركعتين لله و كان بجانبه الأستاذ الشهيد محمد علاوة و الأستاذ المجاهد بلقاسم وزاني فسأله سي محمد علاوة ماذا يقومك اليوم فقال كان ظني في مسيكة ظنا و لكني الآن عرفت أنها إبنة الجزائر حقا و ها هي في الجبل مع إخوانها المجاهدين فقال له زميله الأستاذ الشهيد محمد علاوة أنت متهور متهور متهور لا تخاف من إبنة القايد فتخبر أباها فيد مرنا و يدمر المدرسة التي هي كل شيء لنا فقال مقالته المشهورة يا سي محمد كيف لا أكون متهور من أجل الوطن الجزائر و الجزائر تحتاج الكثير من المتهورين ضد المستعمر فمن أجل الجزائر أتهور و أتهور و أجن و أنتحر ..........الخ.
وقال له يا أخي الشيخ لقد تركنا الدنيا و الدراسات العليا والمناصب من أجل أن تحيا الجزائر مستقلة حرة أو نموت كلنا و هذا من رواية أخيه المجاهد الأستاذ بلقاسم وزاني الذي مازال على قيد الحياة يرزق.
أما العدو فكان يترصد تحركاته في مروانة وخارجها عن طريق العملاء و الخونة و في شهر جوان سنة1957 وشي به من طرف العملاء السريين المحبين لفرنسا والكارهين للثورة .
فهجمت عليه على الساعة الصفر فرقة مظلية واقتحمت المدرسة التي كان يوجد بها فنزلوا ببهو المدرسة وقال قائدهم نقيب مظلي باللغة الفرنسية أين الطاهر الطويل فقال له إني هنا فهجموا عليه مثل الوحوش على الفريسة فتكلم النقيب بهاتف لاسلكي إلى قائده و قال له جئنا للقبض على واحد فربحنا أربعة منهم الشهيد محمد علاوة و المجاهد وزاني بلقاسم فاقتادوهم إلى سجن مروانة و هو معتقل للتعذيب والاستنطاق يسمى حمام العربات بمروانة و هو موجود إلى يومنا هذا و بدأ الاستنطاق من طرف جلادي العدو و لم يدلي بشيء فسلط عليه أشد العذاب كقلع الأظافر و صواعق كهربائية في الأماكن الحساسة من جسده و أخذ إلى زنزانة للوحدة و عذب أشد العذاب وكانت كلمته لا إلاه إلا الله محمد رسول الله الله أكبر تحيا الجزائر و عرض على المحكمة العسكرية بقسنطينة فحكم عليه بالموت و في يوم 17 جويلية 1957 نقل على متن ثلاثة شاحنات عسكرية و سيارة من نوع جيب إلى مقر سكناه حيث تم تفتيش منزله كاملا فلم يجدوا ما أرادو فعادوا به إلى مكان يسمى طريق بئر لمسيلي في أرض المسمى زرافي مبروك المجاورة لفوحال الصالح أوقمزان بتراب مشتلة مركوندة بلدية لمسان حاليا دائرة أولاد سيدي سليمان المجاورة لبلدية مروانة غربا يوم الجمعة على الساعة التاسعة صباحا بالتقدير و أعدموه رميا بالرصاص و كان هذا يوم سوق أسبوعي للمدينة و المنطقة كلها و لحاجة في نفسية الاستعمار وهي ترهيب المارة من المتسوقين لكن كان عكس مبتغى الاستعمار و كان تحدي للمواطنين و المجاهدين للمواصلة الجهاد من أجل الحرية و الاستقلال
كان مسؤول للجنة الخماسية مروانة التاريخية و سياسيا و قاضيها
حياته الزوجية: تزوج من المسمات فاطمة زمورة أخت الشهيدين محمد و عمر أنجب منها بنتين وولد و عشرون حفيد معظمهم يحملون شهادات جامعية
و من رفاقه المجاهدين و الشهداء الذين كانو يجاهدون معه إلى أن نال الشهادة سي بوحة . سي معراف . أحمد معاشي . عيسى بخوش . محمد حجار . الحاج مراح . ومن قياده الحاج لخضر . مصطفى بن نوي . يوسف بعلاوي ...الخ
التحق برفاقه الشهداء وكان شعاره يفني الجسد و توسع المبادىء و تتلاحق قوافل الشهداء و يشتعل لهيب الثورة و يكشر العدو أنيابه فتقتلعها كلاليب الثائرين .
رحم الله شهداء الوطن
فضيلة الشيخ العَلاَّمَة العارف بالله العالم الجليل الفقيه سيدي الحاج الحسان ولاية البيض
......................................................................................................
نبذة مختصرة عن حياة فضيلة الشيخ العَلاَّمَة العارف بالله العالم الجليل الفقيه سيدي الحاج الحسان الجامع بين الحقيقة والشريعة مؤسس وشيخ أول مدرسة دينية علمية §المدرسة اليوسفية § بمدينة البيض (جريفيل سابقا) ومن أعيان وأعمدة ولاية البيض
قبل سنوات العشرينيات(من خلال مصدر موثوق وما سمعناه من الشيخ نفسه)في الجنوب الغربي من الجزائر بمنطقة توات(أدرار)ولد الشيخ بن مداحي حسان والمعروف بالحاج الحسان بقصر تينيلان ولاية أدرار( يبعد عن الولاية ب05كم)ولد من أسرة شريفة القدر أسرة علمية عريقة معروفة بالعلم والعلماء منذ مئات السنين مشهورة بالعلم والكرم تنحدر من سلالة ثالث الخلفاء الراشدين، سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه. نشأ في أحضان عائلة تنتمي للعلم، حيث أن قصر تينيلان هو أول قصر عرف بالعلم والعلماء ،ومنه انتشر العلم الى باقي القصور الأخرى. حفظ القرآن الكريم على يديّ والده وخاله ، وأخذ عنهما بعض المبادئ الأولية في متون الفقه. وبعد مناهزة البلوغ انتقل به والده سي الحاج الطيب رحمه الله الى عاصمة العلم في توات آنذاك(تمنطيط)لأخذ العلم على يد العلاّمة الشيخ سيدي أحمد ديدي عالم وقته ومصباح زمانه رضي الله عنه، حيث مكث عنده سنوات، تلقى فيها ما قدر له من العلوم الشرعية والعربية، من توحيد وفقه وحديث وتصوف وتفسير وآداب ونحو وعلوم اللغة. حيث إلتقى هناك بالمدرسة بزميلة الشيخ العلامة سيدي محمد بالكبير رحمه الله ودرسا سويا وعندما جاء الشيخ سيدي مولاي أحمد الإدريسي الطاهري رحمه الله من المغرب الى قصر( سالي) بنفس المنطقة (يعني منطقة توات) وفتح المدرسة المعروفة بالمدرسة الطاهرية بحي العلوشية انتقل به والده أيضا لأخذ العلم حيث أن والده رحمه الله كان حريصا عليه لأخذ العلم. فمكث عند الشيخ سيدي مولاى أحمد سنوات تلقى فيها بعض من التفسير والحديث والفقه والنحو واللغة وغيرها مما يحتاجه المتعلم. و أجازه في نشر العلم والتدريس. رحلاته: كانت له رحلات كثيرة خارج الوطن. كتونس والمغرب وتركيا . وارتحل كثيرا بين معظم ولايات الوطن أثناء وقت الاستعمار الفرنسي .__ فتح المدرسة والإشتغال بالتعليم: وبعد أن سكنت الحرب وارتفعت راية الحرية عام(1962)أسس مدرسته المسماة بالمدرسة اليوسفية نسبة الى الجد الذي أسس زاوية تينيلان (الشيخ سيدي أحمد بن يوسف في القرن11الهجري1058ه) وتعتبر المدرسة اليوسفية أول مدرسة دينية علمية بمدينة البيض أسسها الشيخ الحاج الحسان رحمه الله ونظرا لقلة المئوونة بدأ التدريس ببعض المحلات بمساعدة بعض المحسنين رحمهم الله وأسكنهم الجنة.ووسع المدرسة شيئا فشيئا على حسابه ومعاونة بعض المحسنين جزاهم الله خيرا .والمدرسة حاليا موجودة بولاية البيض دولة الجزائر طريق آفلو. ويمكن حصر أهم وظائفه بإعتباره شيخ مدرسة في الآتي :الصلوات الخمس، القيام بالدروس في المجلس،قيام رمضان، قراءة صحيح البخاري في ليالي ونهار رمضان ،إحياء المناسبات الدينية، إستقبال الضوف، وإطعام الطعام، وإيواء الغرباء، قراءة الحزب الراتب والختمات الأسبوعية.* ومنبع نشر المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية الصحيحة الخالية من التجسيم والتشبيه مذهب عامة جمهور علماء أهل السنة والجماعة، والتصوف السني البعيد عن التواكل والطمع والشطحات والشعوذة والجري وراء حطام الدنيا.* وحصنا تكسرت عليه سهام البدعة الطائشة وخوارج العصر.
تخرج على يديه العديد من الطلبة منهم الامام والأستاذ والمعلم وصاحب الادارة ومن له الآن شهادات عليا. وله من الاولاد أربعة:أحمد،أدريس،محمد، وبنت أعلن عن وفاته يوم الأحد السابع من شهر رمضان المعظم 1432 ه الموافق ل
07 أوت 2011م وصلى عليه نجله سيدي الحاج محمد .كما حضر الجنازة الكثير من أحبابه وتلامذته الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وأتوا من كل فج ، ليشهدوا جنازته، في يوم مهيب، موقف عصيب، وحشد عظيم غصة بهم الساحة المجاورة للزاوية والشوارع المتصلة بها. وظهرت لحظة جنازته كرامة .وقبر بمقر مدرسته يوم الإثنين بعد صلاة العصر من شهر مضان.
وهكذا ودّع شيخنا رضي الله عنه الدنيا إلى العليا.
ومن الطبيعي أن يحدث صدى نبأ وفاته -حينئذ- هزة قوية بين الأوساط، وأسى عميقا في النفوس، نفوس تلاميذه وأتباعه ومحبيه، وفراغا بيّنا في حياتنا اليوم. فلقد كان الشيخ سيدي الحاج الحسان قدس الله روحه الطاهرة من أولئك القلة الذين لا يجود بهم الدهر إلا نادرا.
لقد إرتحل ذالكم القطب العالم الرباني العظيم إلى جوار ربه، بعد أن سار طويلا على طريق الحق، وبعد أن خلّف وراءه أثرا عظيما يتحدث بنفسه عن نفسه، ولا ريب أن إرتحاله أعقب فراغا جسيما في بلادنا، ولكن عزاءنا الوحيد هو وجود بقية صالحة من تلامذته ومحبيه من أهل العلم والفضل يسيرون على نهج وخطى الشيخ الجليل.. وستظل بلادنا ترفع الرأس فخارا بهم.هذا بإختصار
فرحم الله شيخنا وجزاه عنا كل خير، ورضي الله عن شيوخنا قدوتنا إلى ربنا، ونفعنا ببركاتهم آمين...رحم الله الشيخ سيدي الحاج محمد الحسن نور الله ضريحه وجعله روضة من رياض
الجنة .(اللَّهُمَّ اُغْفِرْ لَه وَاُرْحَمْه، وَاُعْفُ عَنْه وَعَافِه،
وَأَكْرِمْ نُزُلَه، وَوَسِّعْ مَدْخَلَه، وَاغْسِلْه بِمَاءٍ وَثَلْجٍ
وَبَرَدٍ، وَنَقِّه مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ
مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْه دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِه، وَأَهْلاً
خَيْراً مِنْ أَهْلِه، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِه، وَقِه فِتْنَةَ
الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ)رحمه الله.هذا بإختصار .
نبـذة عن حيـاة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى
هو الإمام المصلح المجدّد الشيخ عبد الحميد بن محمّد بن المصطفى بن المكّي بن باديس القسنطيني الجزائري، رئيس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، ورائد النهضة الفكرية والإصلاحية والقدوة الروحية لحرب التحرير الجزائرية.
وُلد بقسنطينة سنة: (1308ﻫ ـ 1889م)، وسط أسرة من أكبر الأسر القسنطينية، مشهورة بالعلم والفضل والثراء والجاه، عريقة في التاريخ، يمتدّ نسبها إلى المعزّ بن باديس الصنهاجي، فهو في مقابل اعتزازه بالعروبة والإسلام لم يُخْفِ أصله الأمازيغي، بل كان يُبدِيه ويُعْلِنُهُ، ولعلّ من دواعي الافتخار به قيام سلفه بما يحفظ الدينَ ويصون الشريعةَ، فقد كان جدُّه الأوّل يناضل الإسماعيليةَ الباطنيةَ، وبِدَعِ الشيعة في إفريقيةَ، فصار خَلَفًا له في مقاومة التقليد والبدع والحوادث، ومحاربة الضلال والشركيَّات.
وقد أتمّ حفظ القرآن الكريم في أوّل مراحل تعلّمه بقسنطينة في السنة الثالثة عشر من عمره، على يد الشيخ «محمّد المدّاسي» وقُدم لصلاة التراويح بالناس على صغره، وأخذ مبادئ العربية ومبادئ الإسلام على يد شيخه «حَمدان لُونِيسي»، وقد أثّر فيه القرآن الكريم وهزّ كيانه ليكرّس فيه بعد ذلك ربع قرن من حياته في محاولة إرجاع الأمّة الجزائرية إلى هذا المصدر والنبع الرباني بما يحمله من حقيقة توحيدية وهداية أخلاقية، وهو طريق الإصلاح والنهوض الحضاري.
وفي سنة (1327ﻫ - 1908م) التحق الشيخ عبد الحميد بمجامع الزيتونة بتونس، فأخذ عن جماعة من كبار علمائها الأجلاّء، وفي طليعتهم زعيم النهضة الفكرية والإصلاحية في الحاضرة التونسية العلاّمة «محمّد النخلي القيرواني» المتوفى سنة: (1342ﻫ - 1923م)، والشيخ محمّد الطاهر بن عاشور المتوفى سنة: (1393ﻫ - 1973م)، فضلاً عن مربين آخرين من المشايخ الذين كان لهم تأثير في نمو استعداده، وتعهّدوه بالتوجيه والتكوين، كالبشير صفر، وسعد العياض السطايفي، ومحمّد بن القاضي وغيرهم، وقد سمحت له هذه الفترة بالاطلاع على العلوم الحديثة وعلى ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من إصلاحات دينية وسياسية، في مصر وفي الشام وغيرهم، ممّا كان لهذا المحيط العلمي والبيئة الاجتماعية، والملازمات المستمرّة لرجال العلم والإصلاح الأثر البالغ في تكوين شخصيته ومنهاجه في الحياة.
وبعد تخرّجه وتأهيله بشهادة التطويع (سنة 1330ﻫ-1912م) عاد من تونس متأهّبًا بطموح قويٍّ للتفرّغ للتدريس الممثّل في بدايته بعقد حلقات دراسية بالجامع الكبير، غير أنّ صعوبات واجهته في بداية نشاطه العلمي حالت دون تحقيق طموحه وآماله، وبعد طول تأمّل رأى من المفيد تزامنًا مع موسم الحجّ أن يؤدّي الفريضة مغتنمًا الفرصة في رحلته المشرقية للاتصال بجماعة العلماء والمفكّرين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، الأمر الذي يسمح له بالاحتكاك المباشر وتبادل الرأي معهم، والتعرّف على مواقع الفكر الإصلاحي، فضلاً عن الاطلاع على حقيقة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في المشرق العربي. وفي أثناء تواجده بالحجاز حضر لدروس العلماء من مختلف البلدان الوافدين إلى هذه البقاع المقدّسة كالشيخ السلفي «حسين الهندي» الذي نصحه بالعودة إلى بلاده لاحتياجها إلى علمه وفكره، وقد حظي بإلقاء دروس بالمسجد النبوي من بعض الشيوخ الذين كانوا يعرفون مستواه، وقد تعرّف على كثير من شباب العائلات الجزائرية المهاجرة مثل «محمّد البشير الإبرهيمي» (المتوفى 1382ﻫ ـ 1965م)، وقد استفاد الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله تعالى ـ من التيارات الفكرية ومدارس الإصلاح الديني بالمشرق التي ظهرت في العالم الإسلامي على يد الشيخ «محمّد بن عبد الوهاب» (المتوفى سنة 1206ﻫ ـ 1791م)، والإمام «محمّد بن علي الشوكاني» (المتوفى سنة 1250ﻫ ـ 1834م)، و«محمّد رشيد رضا» (المتوفى سنة 1354ﻫ ـ 1935م)، وغيرهم، وليس الفكر الإصلاحي وليد العصر الحديث فحسب، وإنما يضرب بجذوره في أغوار الماضي الإسلامي في عهد «أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية» (المتوفى سنة 728ﻫ ـ 1327م)، و«ابن قيم الجوزية» (المتوفى سنة 751ﻫ ـ 1350م) رحمهم الله جميعًا.
وبعد عودته إلى قسنطينة (سنة 1332ﻫ ـ 1913م) ساهم في بلورة الفكر الإصلاحي ميدانيًّا وتطبيق مناهجه التربوية عمليًّا، ساعده زملاؤه الأفاضل من العلماء الذين شَدُّوا عَضُدَه وَقَوَّوْا زناده، فكان تعاونهم معه في هذه المهمّة الملقاة على عاتق الدعاة إلى الله تعالى منذ فجر النهضة دافعًا قويًّا وعاملاً في انتشار دعوته سطع نجمه، وذيع صيته، ومن أمثال هؤلاء الذين آزروه وساندوه الشيخ العربي التَّبَسِّي، والشيخ محمّد البشير الإبراهيمي، والشيخ الطيّب العُقبي، والشيخ مبارك الميلي وغيرهم، كما ساعده أيضًا الواقع الذي كانت تمرّ به الجزائر بين الحربين العالميتين.
وقد شرع الإمام ابن باديس رحمه الله تعالى في العمل التربوي، وانتهج في دعوته منهجًا يوافق الفكر الإصلاحي في البعد والغاية، وإن كان له طابع خاص في السلوك والعمل يقوم على ثلاثة محاور أساسية، يظهر أعلاها في إصلاح عقيدة الجزائريين بالدرجة الأولى، ببيان التوحيد الذي يمثّل عمود الدعوة السلفية، وما يضادّه من الشرك، ذلك لأنّ التوحيد هو غاية إيجاد الخلق، وإرسال الرسل، ودعوة المجدّدين في كلّ العصور والأزمان، لذلك كانت دعوته قائمة على أخذ العقيدة من الوحيين وعلى فهم الأوَّلين، والتحذير من الشرك ومظاهره، ومن بدعة التقليد الأعمى، ومن علم الكلام وجنايته على الأمّة، ذلك لأنّ من أهمّ أسباب ضياع التوحيد ابتعاد الناس عن الوحي وفُشُوّ علم الكلام والخوض فيه واتباع طرقهم الضالة عن سواء السبيل، ومرض الجمود الفكري والركون إلى التقليد والزعم بأنّ باب الاجتهاد قد أغلق في نهاية القرن الرابع حيث قال رحمه الله: «كما أُدخِلت على مذهب أهل العلم بدعة التقليد العامّ الجامد التي أماتت الأفكار، وحالت بين طلاّب العلم وبين السنّة والكتاب، وصيّرتها -في زعم قومٍ- غير محتاج إليهما من نهاية القرن الرابع إلى قيام الساعة، لا في فقه ولا في استنباط ولا تشريع، استغناءً عنهما زعموا بكتب الفروع من المتون والمختصرات، فأعرض الطلاّب عن التفقّه في الكتاب والسنّة وكتب الأئمّة، وصارت معانيها الظاهرة، بَلْهَ الخفية مجهولة حتى عند كبار المتصدّرين»(٢)، وقال في معرض ذكر منهاج الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمين والمتصوّفة وغيرهم: «قلوبنا معرّضة لخطرات الوسواس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبّتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، وقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم، ومُماحكات المتكلمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلاّ شكًّا وما ازدادت قلوبهم إلاّ مرضًا، حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن وأدلّة القرآن، فشفوا بعدما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي»(٣)، وفي مقام آخر حال ترجمته للعلامة محمّد رشيد رضا يقول رحمه الله تعالى: «دعاه شغفه بكتاب "الإحياء" إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضي الحسيني، فلما طالعه ورأى طريقته الأثرية في تخريج أحاديث "الإحياء" فتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث وكتب السنّة، وتخلّص مما في كتاب "الإحياء" من الخطأ الضار -وهو قليل-، ولا سيما عقيدة الجبر والتأويلات الأشعرية والصوفية، والغلو في الزهد وبعض العبادات المبتدعة»(٤)، وقال أيضًا: «نحن معشر المسلمين قد كان منّا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل، وإن كنّا به مؤمنين، بَسَط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرناها وقلنا تلك أدلة سمعية لا تُحَصِّل اليقين، فأخذنا في الطرائق الكلامية المعقّدة، وإشكالاتها المتعدّدة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمرها على الطلبة فضلاً عن العامّة»(٥).
لذلك ظهرت عنايته الأكيدة بتربية الجيل على القرآن وتعليم أصول الدين وعقائده من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إذ كان همّه تكوين رجال قرآنيين يوجّهون التاريخ ويُغيّرون الأمّة، وقد تجلّى ذلك في بعض مقالاته حيث يقول رحمه الله: «فإنّنا والحمد لله نربي تلامذتنا على القرآن من أول يوم، ونوجّه نفوسهم إلى القرآن في كلّ يوم…». - أمّا المحور الثاني فيتمثّل في إصلاح عقلية الجزائريين، وذلك بإصلاح العقول بالتربية والتعليم، بتكوين أجيال قائدة في الجزائر، تعمل على بعث نهضة شاملة تخرج بها من حالة الجمود والركود إلى الحيوية والنشاط، وقد كان يرى أنّ تحقيق هذه النهضة المنشودة يتوقّف بالدرجة الأولى على إصلاح الفرد الجزائري وتكوينه من الناحية الفكرية والنفسية.
- والمحور الثالث يظهر في إصلاح أخلاق الجزائريين، وهذا ميدان الذي تدهور كثيرًا نتيجة لفساد العقول وفساد العقيدة الدينية، وقد كانت عنايته به بالغة من داخل الفرد بتطهير الباطن الذي هو أساس الظاهر، وتهذيب النفوس وتزكيتها وإنارة العقول وتقويم الأعمال، وإصلاح العقيدة حتى يعمل الفرد على تغيير ما بنفسه لكي يغيّر الله ما به من سوء وانحطاط، عملاً بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾(٦). هذا، وقد اعتبر الشيخ عبد الحميد بن باديس أنّ سبيل النجاة والنهوض يكمن في الرجوع إلى فقه الكتاب والسنّة وعلى فهم السلف الصالح، ذلك لأنّ علماء السلف إن اتفقوا فاتفاقهم حجّة قاطعة، وإن اختلفوا فلا يجوز لأحد أن يخرج عن أقوالهم، وفي المضمون يقول الشيخ ابن باديس رحمه الله: «لا نجاة لنا من هذا التِّيه الذي نحن فيه، والعذاب المنوّع الذي نذوقه ونقاسيه، إلاّ بالرجوع إلى القرآن إلى علمه وهديه، وبناء العقائد والأحكام والآداب عليه، والتفقه فيه، وفي السنّة النبوية شرحه وبيانه، والاستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحّة الفهم والاعتضاد بأنظار العلماء الراسخين والاهتداء بهديهم في الفهم عن رب العالمين»(٧). وفي نصيحة نافعة ووصية جامعة يقول رحمه الله تعالى: «اعلموا جعلكم الله من وعاة العلم ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمّلكم بعزّة الاتباع، وجنّبكم ذلّة الابتداع أنّ الواجب على كلّ مسلم في كلّ مكان وزمان أن يعتقد عقدًا يتشربه قلبه، وتسكن له نفسه، وينشرح له صدره، ويلهج به لسانه، وتنبني عليه أعماله، أنّ دين الله تعالى من عقائد الإيمان، وقواعد الإسلام وطرائق الإحسان إنما هو في القرآن والسنّة المثبتة الصحيحة وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وإنّ كلّ ما خرج عن هذه الأصول، ولم يحظ لديها بالقبول -قولاً كان أو احتمالاً- فإنه باطل من أصله، مردود على صاحبه، كائنًا من كان في كلّ زمان ومكان، فاحفظها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا إن شاء الله تعالى»(٨).
ولما رأى رحمه الله تعالى أنّ الحلقات العلمية في المؤسّسات التربوية والدروس المسجدية لا تفي بنشر دعوته على نطاق واسع وشامل، ولا تحقّق غاياتها السامية المسطّرة لها، إلاّ بتعزيزها بالعمل الصحفي مع توفير شروط نجاحه بتأمين مطبعة خاصة له على وجه الامتلاك، أقبل على تطبيق فكرته في سبيل الإصلاح وتجديد الدين بتأسيس أول صحيفة جزائرية بالعربية وسُميت ﺑ«المنتقد» كمرحلة معضدة قصد الدخول في التطبيق العملي لمقاومة المناهج العقدية والسلوكية التي كان ينشرها رجال التصوّف(٩) وأرباب الطُّرُق من الزوايا وأماكن الأضرحة والقبور، وقد تَغَلْغَلَ كثير من تلك الضلالات والمعتقدات الفاسدة في صفوف الدهماء والعوامّ وعند بعض الأواسط المثقّفة، وتجسّد شعارها في عبارة «اعتقد ولا تنتقد»، وقد كان اختياره لعنوان صحيفته يهدف إلى القضاء على هذا الشعار أوّلاً، وإزالة فحواه كدعوة ثانيًا، أي: تحذير الناس ممّا يحتويه الشعار من ضلالات ومفاسد مبنًى ومعنًى، وإرادة التغيير مع الالتزام بالنقد الهادف ببيان الحقيقة بِنَزاهة وصدق وإخلاص، غير أنّ هذه الصحيفة لم تعمّر طويلاً وتوقّفت بسبب المنع الصادر من قبل الحكومة الفرنسية بإيذاء خصوم الدعوة والحقّ.
لكن هذا التوقف لم يُثْنِ عزيمة الشيخ العلامة ابن باديس -رحمه الله- في السعي إلى إصدار مجلة «الشهاب» خلفًا «للمنتقد» تعمل على نفس المبدأ والغاية، وتؤدّي رسالتها النبيلة بكلّ صمود، مصدّرة في الغالب بآيات مفسرة وأحاديث مشروحة إلى غاية سنة: (1358ﻫ-1939م).
وقد أخذ الشيخ العلامة -رحمه الله- يكثّف عمله، ويوسّع نشاطه، ويعمّق فكرته، من منبر المسجد والدروس المسجدية إلى منبر المجلّة إلى دعوة الأوساط السياسية المختلفة إلى الاتحاد والتغيير، مجسّدًا طموحه بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة: (1351ﻫ - 5 ماي 1332م) برئاسته، ظهر دورها الفعال في الإصلاح الديني والاجتماعي على نطاق واسع، تبلور نهجه في الإصلاح بالقضاء على التخلّف ومظاهره، وتحذير الأمّة من الشرك بمختلف أنواعه، وإزالة الجمود الفكري ومحاربة التقاليد والبدع المنكرة، والعادات الشركية المستحكمة، ومقاومة الأباطيل والخرافات المتمكّنة من المتنكّرين للتوحيد من الصوفيِّين والقبوريِّين والطرقية وغيرهم، وذلك بتعريف الأمّة بدينها الحقّ، والعمل بتعاليمه وأحكامه، والتحلي بفضائله وآدابه، والدعوة إلى النهضة والحضارة في إطار إصلاح الدين والمجتمع، وذلك بواسطة نشاطات مختلفة، كان للنشاط الصحفي دور بارز كوسيلة للسياسة والتهذيب بتكوين القادة وتوجيه الطاقات والجهود مسلحة بالعلم والمعرفة، وبثّ الوعي بين الأوساط الشعبية، فأسّست: - صحيفة أسبوعية «السنة المحمّدية» الصادرة بتاريخ: (8 ذي الحجّة 1351ﻫ - 1932م)، ثمّ خلفتها: - جريدة «الشريعة المطهّرة» الصادرة بتاريخ: (24 ربيع الأول 1352ﻫ - 1933م)، ثمّ تلتها بعد منعها: - صحيفة «الصراط السوي» الصادرة بتاريخ: (21 جمادى الأولى 1352ﻫ - 1933م)، وهذه الأخيرة أيضًا منعتها الحكومة الفرنسية أسوة بأخواتها، ولكن جمعية العلماء لم تلبث أن أسّست جريدة «البصائر» الصادرة بتاريخ: (أوّل شوّال سنة 1354ﻫ ـ 1935م) حيث بقيت هذه الجريدة كلسان حال الجمعية مستمرة في أداء رسالتها بالموازاة مع مجلّة «الشهاب» التي ظلت مِلكًا له ومستقلة عن الجمعية، حيث كان ينطق فيها باسمه الشخصي لا بوصفه رئيسًا للجمعية حفاظًا على مصير جمعية العلماء وجريدتها التي استمرت بعد وفاته إلى غاية سنة: (1376ﻫ - 6 أفريل 1956م)، وإن تخلّل انقطاع في سلسلتها الأولى عند اقتراب الحرب العالمية الثانية.
وفي هذه المرحلة اتخذ الشيخ عبد الحميد بن باديس شعار «الحقّ، والعدل، والمؤاخاة في إعطاء جميع الحقوق الذين قاموا بجميع الواجبات»، رجاء تحقيق مطالب الشعب الجزائري بطريق سلمي، ولكنّه بعد عودة وفد المؤتمر من باريس سنة: (1355ﻫ - 1936م)، اقتضت طبيعة المرحلة الجديدة إزاحته واستبداله بشعار آخر وهو: «لنعتمد على أنفسنا، ولنتكل على الله»، تعبيرًا على الحزم على الكفاح وغلق القلوب على فرنسا إلى الأبد والاستعداد للدخول في معركة ضارية، كما عبّر ذلك بقوله رحمه الله مخاطبًا الشعب الجزائري: «…وإن ضيّعت فرنسا فرصتها هذه، فإننا نقبض أيدينا ونغلق قلوبنا إلى الأبد… واعلم أنّ عملك هذا على جلالته ما هو إلاّ خطوة ووثبة، وراءها خطوات ووثبات، وبعدها إمّا الحياة أو الممات»، وهذه الحقيقة عبّر عنها أيضًا في مقال آخر سنة: (1356ﻫ - 1937) بلفظ «المغامرة والتضحية»وهي طريق الكفاح والحرب للخلاص من فرنسا، وظلّ ابن باديس وفيًّا لهذا المسلك الشمولي في مواجهته للاستعمار خلال كلّ سنوات نشاطه السياسي المندرج في نشاطه العامّ إلى أن توفّي مساء الثلاثاء: 8 ربيع الأول 1359ﻫ الموافق 16 أفريل 1940م، ودفن بقسنطينة. تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه.
هذا وقد عمل ابن باديس خلال فترات حياته على تقريب القرآن الكريم بين يدي الأمّة مفسّرًا له تفسيرًا سلفيًّا، سالكًا طريق رُوّاد التفسير بالمأثور، معتمدًا على بيان القرآن للقرآن، وبيان السنّة له، آخذًا في الاعتبار أصول البيان العربي، كما كانت عنايته فائقة بالسنّة المطهرة وبالعقيدة الصحيحة التي تخدم دعوته الإصلاحية، فوضع كتابه «العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية»، على نهج طريق القرآن في الاستدلال المتلائم مع الفطرة الإنسانية، بعيدًا عن مسلك الفلاسفة ومنهج المتكلّمين، وحارب البدع والتقليد والشرك ومظاهره والتخلّف ودعا إلى النهضة والحضارة في إطار إصلاح الدين والمجتمع سانده علماء أفاضل في دعوته ومهمّته النبيلة، كما ساعدته خبرته بالعلوم العربية -آدابها وقواعدها- لذلك جاء أسلوبه في مختلف كتاباته سهلاً مُمتنعًا، بعيدًا عن التعقيد اللفظي، وكذا شعره الفيّاض، هذا بغضّ النظر عمّا كان عليه من اطلاع على المذاهب الفقهية المختلفة كما هو ملموس في فتاويه المتعدّدة، فضلاً عن مذهب مالك ـ رحمه الله ـ، ومن علم بالأصول متمرّسًا بأسلوبه ومتزوّدًا بقواعده مع الإدراك الصحيح والفهم التامّ.
تلك هي بعض جوانب من سيرة حياته وشخصيته مختصرة، فرغم الفترة الزمنية القصيرة نسبيًّا التي عاشها ابن باديس رحمه الله إلاّ أنّ ما خلّفه من كتابات هامّة في الصحف والمجلاّت وكتب قيّمة، ممّا له أثر بالغ، لا تزال هذه الكتابات والمقالات تؤخذ منها دروس وعظات للمتأمّل، وهي حاليًّا مصدر اهتمام الباحثين داخل القطر الجزائري وخارجه. كلّ هذه الآثار أحيت ذِكْرَهُ، وخلّدت اسمه، وأكّدت عظمة شخصيته الفكرية وريادته في النهضة والتجديد والإصلاح.
1- مصادر ترجمته: مجلة اللغة العربية (21/140) سنة 1966، «مذكرات توفيق المدني» (2/11)، «مجالس التذكير وآثار الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى»، «الشيخ عبد الحميد بن باديس والحركة الإصلاحية السلفية في الجزائر في العصر الحديث» للدكتور تركي رابح، «الأعلام» للزركلي (4/60)، «ابن باديس حياته وآثاره» للدكتور عمار طالبي (1/72)، «معجم أعلام الجزائر» للنويهض (82)، «معجم المفسرين» للنويهض (1/259)، «ابن باديس وعروبة الجزائر» للميلي (9 وما بعدها) 2- الآثار (5/38). 3- مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير (257). 4- الآثار (3/85). 5- مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير (250). 6- جزء من آية 11 سورة الرعد. 7- المصدر السابق (252). 8- الآثار (3/222). 9- قد كان أوائل الصوفية ملتزمين بالكتاب والسنّة، غير أنّ كثيرًا منهم حادوا عن الطريق السوي وغلوا في البدع والمنكرات والانحرافات في الفكر والسلوك. (انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي: 211 وما بعدها، مجموع الفتاوى لابن تيمية: 11/18، مدارج السالكين لابن القيم: 1/138).
المخرج الجزائري الكبير أحمد راشدي
..............................................
مولده
أحمد راشدي (1938 في تبسة، الجزائر) هو منتج وسيناريست ومخرج أفلام جزائري. أنتج عدداً من الأفلام الشهيرة التي تتناول الأحداث التي شهدتها الثورة الجزائرية مثل فيلم الأفيون والعصا، وفجر المعذبين عام 1965 والذي نال عنه جائزة مهرجان كارلو فيفاري.
حياته
ولد أحمد راشدي عام 1938 في مدينة تبسة الواقعة في شرق الجزائر، عند بلوغه السادسة عشرة من عمره شارك في حركة التحرير عام 1954 التي فجرت واحدة من أقوى الثورات التحريرية في العالم.[1] . درس الأدب الفرنسي والتاريخ والسينما. بدأ العمل في السينما مع المخرج الفرنسي رينيه فوتييه الذي كان يعمل لصالح جبهة التحرير الوطني الجزائرية [2]. بعد استقلال الجزائر عام 1962 ترأس أول مركز للسمعيات والبصريات. شارك عام 1962 في إنتاج فيلم جماعي عنوانه مسيرة شعب. في عام 1964 أصبح مسؤولا في قسم السينما الشعبية في المركز القومي للسينما الجزائرية، ثم مسؤولا في قسم الإنتاج في المؤسسة القومية لتجارة وصناعة السينما بين عامي 1967 و1973. قام بإخراج أكثر من 20 فيلماً روائياً وتسجيلياً إلى جانب مشاركته في إنتاج العديد من الأفلام الجزائرية، كما شارك أيضاً في إنتاج الفيلم المصري العصفور لمخرجه يوسف شاهين، إلى جانب مشاركته في إنتاج الفيلم العالمي (زد) للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس.
فيلموغرافيا
مسيرة شعب، 1963.
فجر المعذبين، 1965.
الأفيون والعصا، 1969.
تحيا الجزائر، 1972.
طاحونة السيد فابر، 1973.
حليم في باريس.
علي في بلاد السراب، 1979.
الطاحونة، 1986.
كانت الحرب، 1993.
مصطفى بن بولعيد، 2009.
الجديد
أحمد راشدي: أستعد لتصوير "أصوار القلعة السبعة" وأفكر في عمل حول الجزائر ما بعد الاستقلال
كشف المخرج الجزائري، أحمد راشدي للنصر، بأنه يحضر لمشروع فيلم تاريخي ثوري جديد بعنوان" أسوار القلعة السبعة" و هو الآن بصدد العمل على ضبط السيناريو الخاص به، حيث ينتظر أن يكون الفيلم بمثابة ملحمة جديدة تروي بعض تفاصيل الثورة التحريرية المجيدة و تنقل تصورا دراميا لأحداثها و لمسار أبرز رموزها.
أحمد راشدي أوضح في اتصال بالنصر، عقب العرض الشرفي لفيلمه الأخير» كريم بلقاسم»، الذي عرض أول أمس بالعاصمة، بأن « أسوار المدينة السبعة» ملحمة أخرى ستضاف إلى رصيده من الأفلام التاريخية، على اعتبار أن توثيق تاريخ الثورة التحريرية و سرد قصص نضال الشعب الجزائري ضد المستعمر، تعد من بين أهم أولوياته، بالرغم من صعوبة الأمر ،نظرا لنقص المصادر التاريخية الموثوقة، ما يجعل صناعة السينما الثورية مهمة معقدة.
و استشهد المخرج بتجربته في فيلم « كريم بلقاسم»، مشيرا إلى توفر كتاب واحد حول حياة البطل، و نضاله، أما خلاف ذلك فقد أكد المتحدث، بأن ضبط سيناريو العمل، اضطره للتنقل إلى مدن كثيرة على غرار الدار البيضاء المغربية، للبحث عن بعض التفاصيل التي لها علاقة بشخصيات الفيلم، ويتعلق الأمر أساسا بقضية استشهاد عبان رمضان، رفيق كريم بلقاسم في النضال ،و أحد قادة و منظري الثورة التحريرية.
صاحب رائعة « الأفيون و العصا»، تحدث بإسهاب عن مشكل غياب المصادر التاريخية، كون الأمر يتعلق كما بين، بمصداقية العمل، و القدرة على إبراز التاريخ بشكل صحيح غير محرف، فضلا عن سرد حقائق و خبايا تساهم في توضيح طبيعة بعض الأحداث، و تبين وجهة نظر صناعها. ما من شأنه عرض صورة قريبة للواقع، لأن دور السينما الثورية لا يقتصر على التصوير فقط، بل على الـتأريخ بالدرجة الأولى.
أما بخصوص الفيلم، و مدته ساعتين و نصف الذي شارك فيه الممثلون مصطفى لعريبي، و كمال رويني، و الممثل أحمد رزاق، فقد أكد أحمد راشدي بأنه ركز من خلال أحداثه على تقديم الوجه الإنساني للثورة التحريرية، و لرموزها على غرار العقيد عميروش، العربي بن مهيدي و عبد الحفيظ بوالصوف، وهو البعد الذي لم تعهده السينما الجزائرية، حسبه.
كما سعى من خلال تداخل الأحداث التي تناولت مواضيع حساسة، كالخلافات بين القادة حول تفضيل السياسي عن العسكري أو العكس، إضافة إلى طرح مسألة الخلافات حول العمل في داخل البلاد و في الخارج، عرض صورة واقعية عن المجاهد الإنسان، بمبادئه وطموحاته وأيضا بأخطائه.
من جهة ثانية، أشار المخرج الجزائري الذي اختار مشهد التوقيع على اتفاقية «إيفيان» كنهاية لفيلم «كريم بلقاسم «، إلى أهمية مرحلة ما بعد الاستقلال، بالنظر إلى أن كريم بلقاسم اغتيل بألمانيا، بعد ثمان سنوات من الاستقلال، معتبرا بأن هذه المرحلة لا تقل أهمية عن مراحل حرب التحرير، كونها عرفت تفاصيل كثيرة و مهمة، وهو ما يجعلها بحاجة إلى عمل إضافي يسلط الضوء عليها .
و أوضح المخرج بأنه بصدد التفكير في مشروع سيناريو، يتناول بعض الأحداث التي سجلت بعد 5 جويلية 1962.
هو علي بن ولي ...المعروف بابن حمزة المغربي، عالم رياضي اشتهر في (القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي). وهو مؤسس علم اللوغاريتمات. ولد بالجزائر من أب جزائري king وأم تركية queen حيث أحسن أبوه تأديبه وتعليمه طوال فترة تنشئته.
تعلم ابن حمزة في صباه القرآن وحفظ الحديث ، وأظهر موهبة كبيرة في علم الرياضيات. فلما وصل العشرين من عمره لم يكن بالجزائر معلم أهل له فعزم الأب أن يرسله إلى إستانبول عند أهل أمه ليتعلم هناك العلم على يد علماء عاصمة الدولة العثمانية.
عرف ابن حمزة خلال فترة دراسته بحسن السيرة والسلوك وجودة القريحة، ولقد وصل ابن حمزة مرتبة عالية في إستانبول حتى ألحق بعمل كخبير في الحسابات بديوان المال في قصر السلطان العثماني. كما هيأه إتقانه اللغتين العربية والتركية أن يدرس علوم الرياضيات لأبناء إستانبول والوافدين عليها من أبناء الدولة العثمانية.
وأثناء تدريسه عرف ابن حمزة كأحد العلماء الذين يتحرون الدقة والصدق في الكتابة والأمانة في النقل ولقد لقب بالنساب لأنه كان ينسب كل مقالة أو بحث إلى صاحبه بل فوق ذلك ينوه بفضله. فقد نوه عن العلماء الذين نقل عنهم فكان يقدم الشكر والعرفان لكل من نقل عنهم مثل سنان بن الفتح، و ابن يونس ، و ابن الهائم ، وأبو عبد الله بن غازي المكانسي المغربي، و الكاشي ، و نصير الدين الطوسي ، و النسوي وغيرهم.
مكث ابن حمزة في منصبه حتى بلغه وفاة أبيه، فاستقال من عمله رغبة في أن يرعى أمه التي أصبحت وحيدة. وفي الجزائر عمل ابن حمزة في حوانيت أبيه التي كان يؤجرها لتجار صغار فترة من الزمن. لكنه ما لبث أن باعها، كما باع البيت أيضا، وذلك بعد أن قرر أن ينتقل هو وأمه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج والإقامة بجوار البيت الحرام .
وفي مكة جلس ابن حمزة لتدريس علم الحساب للحجاج فكان من المدرسين المتميزين في هذا المجال. وكان ابن حمزة يركز في تدريسه المسائل الحسابية التي يستعملها الناس كل يوم، وكذلك المسائل التي تدور حول أمور الإرث.
وفي ذات يوم سأله أحد الحجاج الهنود عن مسألة في الإرث احت ار الرياضيون الهنود فيها. فقام ابن حمزة بمهارة فائقة لم يسبقه إليها أحد من قبل برسم جدول سلمي أوضح فيه نصيب كل من الورثة، وقد عرفت هذه المسألة بالمكية.
ولما بلغ الوالي العثماني بمكة حل هذه المسألة، طلب منه أن يعمل في ديوان المال، king فمكث فيه نحو خمسة عشر عاما. وخلال تلك الفترة عكف ابن حمزة على دراسة المتواليات العددية والهندسية والتوافقية دراسة عميقة study قادته في نهاية المطاف إلى وضع أسس علم اللوغاريتمات وهو العلم الذي خدم العلوم التطبيقية خدمة عظيمة. وقد وضع ابن حمزة أفكاره هذه في كتابه المشهور تحفة الأعداد لذوي الرشد والسداد.