غض الطرف في بني نمير
مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها،
فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين:
لا بقول اللّه جل وعلا : " قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم "
ولا بقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ ** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وغض الطرف في بني نمير قد يكون لاعتبارات كثيرة
فقد يكون من خجل ، وقد يكون من ذلة ، وقد يكون بأمر من سلطة أعلى
ولغض الطرف في أوطاننا حكاية عجيبة ، ففي منتصف الثمانينات كانت قوافل المقاتلين العرب الذين اصطلح على تسميتهم فيما بعد بالأفغان العرب ، تتدفق بشكل ملفت للانتباه على ساحات القتال في أفغانستان ، ولقد لعبت تلك القوافل دورا بارزا في سقوط السرطان الأحمر أو المعسكر الشرقي بالاصطلاح السياسي ، ولم يكن يخجل ولا يخشى من أي شيء ذلك الشاب العربي وهو ينزل في أي مطار عربي بلباس أفغاني.. ، حتى أصبح ذلك الزي يشكل رمزا من رموز العزة والأنفة في تصور أبناء الحركة السلامية الفاعلة
في الوطن العربي والإسلامي على حد سواء ..
ولم يكن غض الطرف عن تلك الجموع من المقاتلين والمثقفين والمفكرين مجرد صدفة بل كان في تصوري بأمر من الحاكم بأمره في البيت الأبيض ، قائم على مفهوم تقاطع المصالح ..
وكانت دوائر الاستعلامات الأمريكية تراقب الوضع عن كثب ..وبشيء من حذر شديد
وبإيعاز منها كان ذلك الصمت العربي عن تلك الكتائب التي كانت تتنقل بحرية مطلقة
من ....... والى معسكرات القتال في أفغانستان ...
قلت في كثير من المرات أننا في بلاد العرب اليوم ، نحتاج لنصرة القضية الفلسطينية شيئا
من غض الطرف يشبه إلى حد قريب ذلك الذي عرفته الساحة العربية في التعامل مع القضية الأفغانية ..
نحتاج إلى أنظمة عربية من بني نمير ، نحتاج إلى حكام ومسؤولين يجيدون غض الطرف بنفس الشكل ونفس الصورة ...
القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى تلك الجيوش العربية التي لا تصلح إلا للاستعراض أو مطاردة الشرفاء في أوطاننا
لا تحتاج إلى تلك الأموال التي ينفقها الأمراء والسفهاء تحت أقدام الغانيات والراقصات ، في ملاهي بيروت ولندن وباريس ،
لا تحتاج إلى تلك الأسلحة المكدسة والتي أصبحت ملاذا آمنا للجرذان ،
القضية الفلسطينية تحتاج إلى غض الطرف من هذه الأنظمة العربية المفلسة
وتحتاجه بشكل كبير من دول الطوق خاصة
لا تزال شعوبنا العربية بخير ، ولا تزال العقيدة تحركهم وتجمعهم وتوحدهم
إن من المفارقات العجيبة أن هذه الأنظمة تغض الطرف عن كل شيء إلا على
أن يشاطر ذلك البدوي في صحرائنا الكبرى رغيف خبزه اليابس أخاه في الضفة الأخرى ..، فيحفر نفقا تحت الأرض ليصافحه بيمينه ويسلم بيساره نصف رغيفه اليابس
من الحماقة أن تعتقد بعض الأنظمة التي تعيش بالتقطير والحفاظات أن جدران الحديد يمكن أن تعزل العربي المسلم عن أخيه المحاصر في ارض فلسطين
ستبقى سواعد الرجال تحفر الأرض والأنفاق ... وتنقل حفنة البارود إلى بنادق الرجال في الخنادق حتى يأتي نصر الله وسيبقى خط برليف الجديد وجدران العار... المسمار الأخير في نعش الأسر الحاكمة في البلاد العربية التي تسبح بحمد آلهة البيت الأبيض
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا
والى أن نلقاكم على خير بعد شهر إن شاء الله
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كتبه سراي علي / الجلفة
** ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ **
هوامش : سبق نشر هذه الكلمات على غير هذا المنتدى وهي عبارة عن مقدمة لسلسلة من الحلقات تصور بعض الأحداث في أوطاننا العربية بعنوان
صراع الطربوش والقبعة
وربما سندرجها تباعا إن شاء الله