حملة صيفي طاعة....متجدد بإذن الله

**أم البراء**

:: عضو مثابر ::
إنضم
26 جوان 2010
المشاركات
788
نقاط التفاعل
126
نقاط الجوائز
59
الإجازة الصيفيّة فرصة ذهبيّة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. وبعد:



فما أن تنتهي الامتحانات في المدارس والجامعات، وتبدأ الإجازة الصيفية، حتى تبدأ الشكوى من الطلاب والآباء من أوقات الفراغ التي تمثل عند الشباب مشكلة حقيقية.

ومن أعراض هذه المشكلة: الملل، والحيرة، كما تعني الإجازة عند الآباء هاجساً آخر يجسده الخوف على الأبناء من أصحاب السوء.


أيها الشباب:

إن حقكم في الترويح عن نفوسكم بعد إرهاق العام الدراسي أمر لا نزاع فيه، وإنما الكلام في أوجه النشاط الترفيهي غير الضارة التي يمكن أن تعين على تحقيق التوازن أو الاسترخاء للإنسان في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية.



ففي ديننا العظيم، وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فسحة من الترويح، تمثلها حياة النبي مع أهله وأصحابه وأطفالهم، فقد حفظت لنا السنة في هذا الجانب سجلاً مشرقاً من التربية المتزنة، وإنك تجد فيها مزاحه صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، فقد كان يمزح ولا يقول إلا صدقاً، كما ترى مداعبته لبعض الأطفال، ومسابقته لعائشة -رضي الله عنها- ومشاهدته الحبشة يلعبون بحرابهم في مسجده، وإذنه للجواري أن يغنين بكلام حسن معبرين عن ابتهاجهن بالعيد.



وإذا أقبل الشاب المسلم على الترفيه بنية صالحة، ليحقق الاستجمام الذي يعيد إليه نشاطه، ويهيئه لاستقبال عمله بهمة ونشاط، فإنه بهذا يحقق عبوديته لله حتى وهو يلهو لهواً مباحاً بضوابطه الشرعية، ومن هذه الضوابط أن يدرك أن الترويح عن النفس إنما هو وسيلة لا غاية، وأن الأصل هو الجد، والفرع هو الترويح، فلا يطغى اهتمامه بالترفيه على همه، ويستولي على معظم وقته، أو يعطله عن أعماله الجادة أو يشغله عن الصلاة أو غيرها من واجبات الدين، أو يخالطه محرم كسماع المعازف والغناء، أو تصوير ما له روح، أو كثرة الضحك التي تميت القلب.



أو السخرية على سبيل المزاح، والتي قد تجلب العداوة والخصام، أو اختلاط الرجال مع النساء الأجانب، والذي يفضي في الغالب إلى النظر المحرم، وتعلق القلب بما لا يحل، وما يسببه من القلق والتوتر، أو غير ذلك مما ألفه كثير من الناس في مرحهم ورحلاتهم، حيث تمتلئ الأجواء بالميوعة والترف والغفلة، وهي الأجواء التي يجد فيها الشيطان فرصته الكبيرة في الإغواء والإفساد.



إن الشباب الصالح يشتهون غداً أفضل ومستقبلاً أجمل لأنفسهم وأمتهم وأوطانهم، والأمة التي يدرك شبابها قيمة العمل، فيقبلون عليه بجد وإخلاص وإتقان لن تجني بفضل الله تعالى إلا مجداً باهراً، ونجاحاً يرفع رأسها بين الأمم.



إن الترويح عند الشاب المسلم الواعي يعني استرخاء عارضاً مباحاً، ومثاقفة ماتعة مع صحبة خيرة عاقلة تتبسط بغير إسفاف، وتمرح بغير كذب أو استخفاف، بل تلهو في أدب وحياء ومودة صادقة، وتتبادل من الأفكار والمعارف ما يفتح لها أبواباً من النجاح والإبداع والأمل.



والمنهج التربوي في الإسلام يتميز بأنه يرعى سائر الجوانب في النمو الإنساني: الروحية منها، والأخلاقية، والطبيعية، والعلمية.

إن هناك ألواناً من النشاط، وأنواعاً من التعاون على البر والتقوى تشيع في جوها المحبة والأنس والبركة، فليس الترفيه عند الأخيار انفلاتاً من الفضيلة، وابتعاداً عن ضوابط الأخلاق، والإسراف في الضحك، والتوسع في حكايات سخيفة، أو عبث طائش.



إن الشبان الجادين يفهمون أن جو الترفيه إنما هو استمرار لأوقات الجد والنفع، واستكمال لساعات البذل والعطاء، فينبغي أن يكون جو نصح، وفرصة لتداول الرأي فيما يمكن أن يعين على بناء الشخصية المسلمة، أو يفتح الذهن على خطة رشد تعين فيها أخاً لك على الخلاص من أزمة طاحنة، أو تقدم فيها دوراً نافعاً في قضية من قضايا أمتك، فإن مجرد المباحثة في مثل تلك المعاني حريّ أن يباركه الله، ويسلك صاحبه في الصالحين.


الصحبة الصالحة:

وهذه أيها الشاب المسلم وصايا تعينك على الانتفاع من وقت الفراغ، أولها: لا تصحبْ إلا صالحاً؛ يحافظ على الصلاة، ويتخلق بأخلاق الإسلام، ويتحلى بصفات الرجولة من الصدق والعفاف والأمانة، واعلم أن صديقاً من هذا الطراز كنز نفيس، فإن يسّره الله لصحبتك فاحمد الله وحافظ عليه، واجتهد في تنمية أُخوتك معه بالصدق والوضوح والمروءة والنصح، فإنه لا خير في صحبة الغافلين المفرطين المضيعين للصلاة، الغارقين في اللهو، الشاردين عن الجد، وإن كان لك رفقة من هذا النوع الأخير، فابذل لهم النصح وانسحب من عالمهم بحزم وعزم، واصنع لنفسك جو النجاح، فإن الأجواء الموبوءة تصيب بالأمراض، وتنهك القوى وتعرض من يعيش فيها للخطر.



جدد حياتك:

إن حياة الشاب الغافل، راكدة آسنة، وتحتاج أن تتجدد، فجددْ حياتك بإيمان واعٍ، وثقافة أصيلة، واهتمام صادق بقضايا أمتك، فاقرأ وتعلم وتابع، وتلمَّس قلبك عند الفرح بانتصارات الأمة، والهم والحزن لمصابها وجراحها، فإن وجدت قلبك على هذا فأبشر بالخير، واعلم أنك على الجادة، واسأل ربك المزيد، وشد العزم على المضي، فإن الطريق طويل، ولابد له من همم الرجال.



أخي الشاب المسلم.

لتكن الإجازة الصيفية لك فرصة ذهبية في تحقيق نقلة كبيرة في عالم الإيمان والعمل، لا تدع الشيطان أو وساوس النفس تقنعك أن الأمر مستحيل، بل عليك أن تفعم نفسك بالأمل في الله، وبالثقة في نفسك، فكم من العلماء والنابهين كانت بداية الصعود والتفوق عندهم عزيمة ناهضة واستعانة بالله صادقة.



الإخلاص:

للنية الصالحة، والصحبة الطيبة أحسن الأثر في الاستفادة من الوقت، وإليك بعض الأفكار التي تساعدك على تفعيل نشاطك بالنافع المفيد.



حفظ القرآن:

إن الحياة مع القرآن الكريم تلاوة وتدبراً وحفظاً نعمة عظيمة، فلا يفوتنك هذا الخير في إجازتك الصيفية، وإن المراكز التي تقوم على هذا العمل الرائع كثيرة، ومتواجدة في كل حي، وستجد من المشرفين والمعلمين والزملاء من الطلاب خير عون لك على النجاح والتقدم.



دروس العلم:

حلقات العلم هي رياض الجنة، والعاقل الموفق يحرص على حظه الوفير منها، فليس أضر على الإنسان من الجهل، لا سيما الجهل بما لا يسع المسلم جهله، من مسائل التوحيد ومعرفة صور الشرك، وتعلم العبادات على السنة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح، وتعلم أحكام الشرع، عسى أن يشرح الله صدرك، ويحبب إليك العلم وييسر لك طلبه، فتكون من الدعاة إلى الله على بصيرة، وتنتفع بك أمتك.



الدورات العلمية والمهارات الفنية:

من الأمور التي يمكن أن تنفق فيها جزءاً من وقتك في الإجازة الصيفية اكتساب مهارات فنية علمية كدورات الحاسوب التخصصية التي يحتاج إليها المسلمون في وسائل التعليم والإعلام، وتوسيع طرائق الدعوة إلى الله، وكذلك كل علم تحتاجه في الدراسة التي ترغب أن تتخصص فيها، على أن تكون أوقاتك مشغولة ببرامج متّزنة تراعي الأولويات، فالأهم قبل المهم.



الأعمال الخيرية:

يكتشف الإنسان في نفسه استعدادات عقلية ونفسية لم تكن في حسبانه، وذلك حين ينهمك في عمل جماعي خيري، فيختار من الأدوار ما يميل إليه، فربما آنس في نفسه مقدرة على الإبداع في هذا المجال الخيري، فينجح وينفع الله به، ويكون قد حقق قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).



فاقترب من إخوانك الذين وقفوا أوقات فراغهم على العمل الخيري، في خدمة دورات القرآن أو الدروس والمحاضرات، أو العمل الدعوي والإعلامي، أو العمل الإغاثي في جمع التبرعات لمشروع تتبناه جمعية خيرية، أو هيئة من الهيئات الإسلامية.



الأنشطة الرياضية:

من المفيد كذلك أن تحرص على بناء جسمك بالرياضة المباحة في جو مناسب مع إخوانك، وأن يكون ذلك النشاط الرياضي بمثابة الترفيه من جانب، والمحافظة على النشاط والحيوية واللياقة البدنية من جانب آخر، ودع عنك ألوان الرياضة الفارغة التي لا فائدة منها ككرة القدم والسلة وما شابهها، واختر من الرياضة ما يليق بالشاب العاقل الطموح، كالفروسية، وألعاب القوى البدنية.



واحذر أن تُستخف إلى التعصب الرياضي، فإن الفارغين هم الذين يغلب عليهم اللهو، فيفرحون ويحزنون ويملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً لفوز فريق وهزيمة آخر، فكن مع العقلاء الذين ترجو أمتهم فيهم الخير والصلاح.


 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
المخيمات الشبابية والطلابية:

تحرص الجمعيات الخيرية الدعوية على إقامة المخيمات الشبابية والطلابية في الصيف؛ وتتبنى هذه المخيمات برامج جيدة وأنشطة نافعة، وقد تأكد دورها الكبير في إيجاد المحاضن التربوية التي تربي الشباب على الصالح النافع من الأخلاق، وتنشر الوعي الإسلامي في صفوفهم، من خلال الدروس الشرعية والمحاضرات التي يُدعى إليها أهل العلم والدعاة، وتُوزّع فيها الأشرطة النافعة، والكتيبات والرسائل المفيدة.



كما تجد في برامجها من وسائل الترفيه المباح من قضاء أوقات في برك السباحة، وركوب الخيل، وساعات من السمر الهادف التي تُلقى فيها بعض النماذج من الإنتاج الأدبي الشعري والنثري، لبعض الناشئة من شباب المخيم، وكذا التدرب على الخطابة والوعظ، فتكون فرصة لاكتشاف مواهب كانت مخبأة، فتظهر في تلك الأجواء الطيبة.



كما سيجد في تلك المخيمات التربوية وسائل ممتعة لعرض بعض المواد المعرفية الهادفة من أفلام وثائقية علمية تعرفه بقضايا المسلمين، فينمو لديه الشعور الطبيعي بحب أمته والاهتمام بشؤونها، وسيجد فيها أيضاً فرصة للمنافسة على الخير في صورة مسابقات علمية مناسبة، ومساجلات ثقافية نافعة، ومباريات رياضية ممتعة، وبإمكان الشاب الصالح أن يشترك في تلك المخيمات، التي تملأ وقته بالبهجة والمرح، وتزود عقله بالمعرفة والخبرة، وتمكنه من تكوين علاقات أخوية طيبة.



احذر الفراغ.. فإنه خطر:

يتفق الحكماء على أن الفراغ يدمر الكفايات والمواهب، ويهدر أغلى ما يملك الإنسان وهو الوقت، ولقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته لأهمية الوقت فقال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ " رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".



ومن أقوال الحكماء: من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجد أثّله، أو حمد حصّله، أو خير أسّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومَه، وظلَم نفسَه!.



ونذكّرك بأمور هامة.. قد تنساها:

وذلك أن الشاب قد ينشغل ببرامج علمية وعملية وترفيهية في الإجازة فيغفل عن بعض الواجبات، فاحرص أخي على أن تكون باراً بوالديك قائماً بما يجب عليك تجاههما في البيت وخارج البيت، وحسِّن خلقك للناس، وعسى أن تكون هذه الإجازة نقطة تحوّل في حياتك نحو الأصلح والأرشد، وبالله توفيقنا وتوفيقك، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.





د. صفاء العدوي
 
إجازة جديدة... حياة جديدة


إجازة جديدة... حياة جديدة

الشيخ: محمود متولي


سألت صاحبي في يوم ما أثناء امتحانات آخر العام: ماذا ستفعل هذا الصيف؟ وماذا تفعل كل صيف؟
فرد صاحبي علىّ بلا مبالاة: لا أفعل شيئًا، كل صيف كالذي قبله، لا تغيير: أتنقل بين قنوات الأفلام والأغاني والرياضة، فإذا مللت تصفحت بعض مواقع الإنترنت وتحادثت مع أصحابي في غرف الدردشة، وأحيانًا أخرج مع أصحابي لنسير في الأسواق أو على الكورنيش أو نجلس في أحد النوادي أو المقاهي، وعند الفجر أنام نومًا عميقًا فلا أستيقظ إلا عصرًا... وهكذا.
قلت لصاحبي: هل هذا كل ما تفعله في الإجازة؟!!

قال: نعم، وماذا أفعل غير ذلك؟ أحيانًا أشعر بالملل، فإني لا اجد جديدًا أفعله، فأضيع وقتي بين النت والقنوات والفسح والنوم.
قلت لصاحبي والحزن يملأ قلبي: تضيع وقتك؟! وهل الوقت ملكك؟ وهل لك حق التصرف فيه؟ أم هو ملك لله الذي خلقك وخلقه؟
أجاب صاحبي: بل الله خالق كل شيء.

قلت: حبيبي إنما خلقت في هذه الدنيا من أجل هدف محدد تعمل له طيلة حياتك، قال الله الذي خلقك:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فهو -سبحانه- ماخلقك لغير ذلك، وجعل ثوابك الجنة إن أنت قمت بما طلبه منك... الجنة حيث لا تعب، ولا قلق، ولا مرض، ولا هم، ولا غم، ولا ملل... هل تحب أن تدخلها؟
قال: نعم، ومن لا يحب ذلك؟!
قلت له: إن كنت تحب أن تدخلها فهل عندك من الوقت ما تضيعه؟ أضمنت الجنة؟!
أخي لا تقل: أضيع وقتي؛ بل قل: أضيع عمري، أضيع حياتي، أضيع ديني، أضيع جنة ربي.

أتعلم أخي الفاضل أن الله –عز وجل- قد خلق ملكين لا عمل لهما إلا تسجيل كل ما تقوله وكل ما تفعله: قال -تعالى-:
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 53]، نعم فخروجك وجلوسك وكلامك وضحكك ونظراتك وسماعك حتى نومك مكتوب عند الله في كتاب: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، وستحاسب عليه يوم تقف بين يديه.

فنظر إلي صاحبي متعجبًا مما قلته وقال: أيعني ذلك أن كل هذه الفسح وجلسات السمر والدردشة على النت مكتوبة عند الله وسيسألني ربي عنها يوم ألقاه؟!
أجبته: نعم، إنه ما من نفس من أنفاسك إلا وستحاسب عليه هل خرج لله وفي رضاه أم كان في غضب الله وسخطه؟
لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟...» [الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: الألباني، حسن].

أخي الحبيب: إنك بعد موتك معروضة عليك أعمالك وسنوات ضياعك ولن تستطيع أن تنكر منها شيئًا، وأنّى لك الإنكار والأرض تشهد والسماء تشهد والملائكة تشهد، والإنس والجن يشهدون، والجوارح تشهد: قال -تعالى-:
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، والله خير الشاهدين.

قال أخي وهو شارد الذهن وكأنه قد تخيل نفسه في هذا الموقف: كل هؤلاء شهود على أعمالي... يا الله رحمتك!!
قلت لصاحبي: فكر أخي هل لو مت هذه اللحظة أتكون في رضوان الله أم سخطه؟
ماذا قدمت لنفسك؟ ماذا قدمت لأمتك؟ ما قيمتك في هذه الدنيا؟ وما أهدافك وآمالك التي ترجو تحقيقها؟
طأطأ صاحبي رأسه فترة... وبعد طول صمت، قال: الحقيقة أن لا أذكر لي أعمال خير نفعت بها نفسي، أو قدمتها لأمتي، والحقيقة كذلك أني ما فكرت أصلا في هذا الذي قلته.

قلت لصاحبي: يا الله... أخي الحبيب أتفهم ما تقول؟ ألقاء فتاة تحبها أو صديق تحبه لا يُنسى!! ولقاء الله الذي خلقك وسواك وشق سمعك وبصرك يُنسى، ألم تسمع قول ربك -عز وجل-:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

أخي والله أحب لك النجاة، أسمعت ما قاله ربك؟ إن نسيان الله وآياته ولقائه يعني الهلاك والنار يوم القيامة.

قال صاحبي والدموع تملأ عينيه: أنا ضعيف، أهدافي في الحياة حقيرة، وآمالي كلها سخيفة، ولا أستطيع الثبات على طاعة ربي، ولا أظن مثلي يقدر على تغيير نفسه فضلًا عن تغيير غيره.
قلت له: لا يا أخي... إياك واليأس، واعلم أن هذا هو الشيطان يريد أن يقعدك عن كل خير، وهي كذلك نفسك الأمارة بالسوء تهوى أن تستمر على ما هي عليه من متع الدنيا وشهواتها: شرب، أغاني، بنات، شات، أفلام، سهرات...

اعلم حبيبي أنك قوي بالله، فاطلب من الله الهداية يهدك، وارجع إليه معترفا نادما يقبلك، واطرق بابه يفتح لك، ويغفر لك كل ذنب، بل ويبدل سيئاتك حسنات.
ثم اعلم أنك لن تنجو مما أنت فيه -بعد التذلل لله والاستعانة به أن يثبتك- إلا إذا قتلت هذا الفراغ بالعمل الجاد النافع الذي يرضي الله، فالفراغ هو الدافع لكل معصية؛ وأقصد بالفراغ: فراغ الجوارح عن عمل الخير، وفراغ القلب عن هم لقاء الله -تعالى-، وفراغ العقل عن التفكير لدين الله.

اعلم أن من لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فلا تترك ساعة فارغة في حياتك؛ حتى لا يدخل منها الشيطان فإنه لك بالمرصاد.

ظهر على صاحبي الاقتناع بما أقول، وقال: أتعلم كلامك كله صحيح؛ ولكن يا أخي أقول لك بصراحة: إنني لن أجد من يساعدني على تغيير حياتي والسعي في أعمال الخير، فإن أصحابي لا هم لهم إلا إشباع رغباتهم.

قلت: حبيبي "الصاحب ساحب" و
«الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل» [الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، حسن]، وكل صاحب يوم القيامة يتبرأ من صاحبه إلا المتقين الخائفين من الله، الذين يتعاونون على الخير، ويبتعدون عن الحرام، قال الله -تعالى-: {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
فكم من صاحب كان سببًا في هلاك صاحبه؟! فإياك أن تستسلم لكلامهم ومغرياتهم، وإياك أن تتأثر بسخريتهم واستهزائهم، فإما أن تغيرهم وتؤثر فيهم، وإما أن تنجو بنفسك وتصاحب الشباب الصالحين الذين إذا ذكرت الله أعانوك، وإن نسيته ذكروك.
قال صاحبي: كلام جميل ومقنع... ولكن قل لي الآن كيف أقضي الإجازة كما يحب ربنا؟

قلت لصاحبي: إليك أخي الحبيب بعض سبل الخير التي أنصحك بها في هذه الإجازة لتكون بداية جديدة لحياة جديدة مفيدة ترضي الله -تعالى-:

القرآن: أنزله الله هداية لك، فعد إليه وافتحه وتعلم قراءته واحفظه وافهم معانيه في حلقات التحفيظ الصيفية المقامة بالمساجد أودور التحفيظ.

تعلم دينك: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» [الراوي: أنس بن مالك، المحدث: الألباني، صحيح]، ففرض على كل مسلم أن يتعلم أوامر الله التي من أجلها خلق، وعلى رأس ذلك العقيدة: أصول الدين من أركان الإسلام والإسمان وغيرها، وفقه العبادات، وسيرة النبي، وأحاديثه -صلى الله عليه وسلم-.

وتعلم ذلك من خلال: دروس المساجد، والقنوات الدينية، والإنترنت، وليكن لك شيخ أو أخ ملتزم ناصح لك، يدلك على الطريق الصحيح، ومن أين تبدأ في طلب العلم.

دورات علمية: في مجال تخصصك، فالمسلم لابد أن يكون متفوقًا في مجال عمله، حريصًا على ألا يتقدمه أحد؛ لينفع بهذ العلم أمته.

عمل حلال: تتكسب به مالًا تساعد به نفسك وأهلك، وتكتسب منه خبرة، وإياك والعمل الحرام وإن حصدت الآلاف منه؛ فإن ملايين الدنيا لا تساوي نظرة غضب من الله -تعالى-، والله لن يبارك في الحرام فاحذر: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» [الراوي: أبو بكر الصديق و جابر بن عبدالله، المحدث: الألباني، صحيح]، فاسأل عن العمل الذي تريده: أحلال هو أم حرام؟

الذكر: لا يتوقف لسانك أبدًا عن ذكر الله الذي لا ينساك بنعمه وخيره، فرطب لسانك، ونوِر قلبك، واحفظ لسانك بذكر الله.

السنن: كثيرًا ما قصرت في السنن، وأوهمك الشيطان أنك مشغول، فها أنت الآن قد فرغت؛ فأكثر من السنن: سواء سنن الصلاة وصلاة الضحى والوتر، وداوم على صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع.
وسافر لعمرة إن تيسر، وإلا فجلسة في المسجد تذكر فيها الله من صلاة الفجر إلى شروق الشمس، ثم تصلي ركعتين تساوي أجر حجة وعمرة.

الزيارات: خاصة للوالدين والأقارب ثم للجيران والأصحاب، وأبشر فإن الله يكتب لك حبه لك من أجل زيارتك لأخيك زيارة تبتغي بها وجه الله -تعالى-.

خدمة المسلمين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر؛ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا؛ ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [الراوي: أبو هريرة، المحدث: مسلم، صحيح]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «... وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم...» [الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث: الألباني، صحيح]، فاحرص على إسعاد إخوانك المحتاجين من فقير أو يتيم أو مسكين أو مريض، اذهب لهم وتصدق عليهم واجلس معهم وانصحهم، ووالله ستجد سعادة في قلبك ما وجدت مثلها قط.

الدعوة إلى الله: إن كان الله قد هداك؛ فعليك أن تحمل هم غيرك، أرشده لطريق الحق برحمة وبأجمل الكلمات وبالمعاملة الحسنة والشريط المؤثر والاسطوانة الهادفة وقبل ذلك وبعده الدعاء له بالهداية.

من أيسر وأعظم القربات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام» [الراوي: عبدالله بن سلام، المحدث: الألباني، صحيح].

أجمل بشرى... رمضان في الصيف!!!

يا طامعين في الجنات، يا خطاب الحور العين، شمروا واجتهدوا، وإياكم أن يضيع منكم الشيطان هذه الفرصة العظيمة، فرصة العتق من النار.

الصيام والقيام والصدقة والقرآن والاعتكاف في العشر الأواخر

اعتكف ليطهر قلبك، اعتكف لتسمو روحك، لتخلو بربك، ليغفر ذنبك، ولتزيح هم الدنيا من عقلك وقلبك.

فكر وابتكر: حدد وقتًا في اليوم تفكر فيه لدين الله، فهناك الكثير من المشاريع التي يمكن إنجازها في الصيف وطوال العام مع إخوانك من أجل النمو مع المجتمع المسلم من جميع نواحيه، وكن واثقًا بالله أنه سيوفقك لكثير من الخير، إن أنت جلست وفكرت له -سبحانه-.

اللهو المباح: النفس لاشك تحتاج بين الحين والآخر إلى الترويح والترفيه، والمسلم لا يغضب الله ولا يخالف أمره في جد ولا في لعب، بل هو يتقرب إلى الله بلعبه كما يتقرب إليه بجده... ومن اللهو المباح:

الرياضات بأنواعها: وخاصة السباحة والرماية وركوب الخيل، وأي لعبة تقوي الجسم ولا تضره طالما لم يكن فيها محرم ولم تشغل عن فريضة فهي حلال.

الرحلات: إلى الراغبين في السفر لأماكن السياحة واللهو والفتن، الله يراكم ويسمعكم {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26]، من الجميل أن يسافر المرء مع أسرته أو صحبته الصالحة لمكان ما يستمتعون فيه بملكوت الله وعجيب صنعه، ويرفهون فيه عن أنفسهم بالألعاب والمسابقات وجلسات السمر الخالية من الغيبة والنميمة، ولكي تكون الرحلة ممتعة ومثمرة لابد فيها من التنظيم وتحديد مشرفين عليها، وعلى المسافرين أن يتعلموا أحكام السفر وآدابه.

جلسات السمر: مع الأهل والأصحاب، وينبغي أن يتخللها بجانب المرح والفكاهة، موعظة وتذكير بالله -تعالى- لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من قوم اجتمعوا في مجلس، فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة» [الراوي: عبدالله بن مغفل، المحدث: السيوطي، صحيح]، ويمكن أن تكون في البيت، أو على سطح المنزل، أو في الحديقة، بشرط ألا يتخللها كلام محرم، ولا تشغل عن الصلوات خاصة الفجر.

المصيف: الاستمتاع بالماء والهواء حلال، ولكن إن وجد في أي مكان ما يغضب الله -تعالى-: كالأغاني، ظهور عورات النساء والرجال، تواجد أهل الفسق فيه...، فإن هذا المكان في هذه الحالة لا يجوز الذهاب إليه أو الجلوس فيه.

وعليه فلا يجوز لمسلم غيور على دينه وعرضه أن يذهب إلى هذه الأماكن في حالة ازدحامها بالناس، وإن لم تنزل النساء البحر، فإنه لا يجوز أن تنظر النساء إلى الرجال كما لا يجوز العكس.

ونصيحتي: أن يذهب الأصحاب أو الأسرة إلى شواطىء ليس فيها أحد، أو في وقت لا يكون فيه أحد، وهذا خلال العام كثير، فإن ذهب فلابد أن يكون لك وقت للتدبر والتفكر في آيات الله ونعمه، وإن خلا الشاطىء من الناس جاز للرجل أن يلعب مع زوجته على الشاطىء كأن يتسابق معها ونحو ذلك، وبهذا يحصل الثواب والمتعة الحقيقية البعيدة عن كل ما يغضب الله.

انتبه: أخي... أختي حتى نستطيع أن نفعل كل هذا الخير لابد من تنظيم وتخطيط لليوم قبل بدايته، فيجلس الواحد منا مع نفسه أو مع أصحابه ليقرر ماذا سيفعل غدًا.

وأخيرًا: لديك الكثير من الوقت في غير الإجازة فلا تضيعه، وإنما يوهمك الشيطان أنه لا وقت لديك مع أنك تضيع الكثير من الوقت فيما لا فائدة فيه، فاحرص أخي على اغتنام كل فرصة، والأمر يسير إن أردت ذلك وحملت الهم ونظمت وقتك.

وأختم نصيحتي لك أخي بوصية غالية من النبي -صلى الله عليه وسلم- لو عملها كل فرد في الأمة؛ لتغير الأفراد ولتغيرت الأمة:
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» [الراوي: أبو هريرة، المحدث: مسلم، صحيح].

أخي تذكر: هذا صيف جديد على عملك شهيد
 
بارك الله فيكِ اختي ام انس الجزائرية
فالشباب هو امل المستقبل فمن الضروي
ان ينتفع بما كتبتي ..
في حفظ المولى اتركك

 
آخر تعديل:
بارك الله فيكي يا رب كل صيف نتغير الى الاحسن فيما يفيدنا ويفيد امتنا
 
جزيت خيرا أختي أم أنس على الموضوع ، و جعلها الله في ميزان حسناتك ...
ندعو الله أن يهدي الشباب و أن يسدد خطاهم إلى الطريق الصواب ...
 
العودة
Top