وعاد أبوعمار عودته الأولى في تموز يوليو 1994 وتعددت الاجتهادات في هذه العودة وحولها، ليحسم أبوعمار كل اجتهاد ويعود في نوفمبر – تشرين ثان – 2004 محمولاً على الأكف وفي المهج والضمائر ويحسم كل الاجتهادات.
يعود إلى كل فلسطين، ينزرع شهيداً عزيزاً وغالياً في أرضها، تملأ روحه سماء الوطن، وتتجاوز حدوده، لتغطى الأرض والسماء العربية.
ويظل زرع الشهادة يورق ويزهر، وتظل هذه الروح منارة تضيء لنا، ولأجيال قادمة بعدنا طريق الحق، طريق الحرية، طريق النصر، نهتف مع أبي عمار، ونهتف له دائماً:
ثورة، ثورة حتى النصر
منذ أواسط الخمسينات وحتى استشهاده، يطوي أبوعمار نصف قرن من الزمان، عاشها فلسطينياً حتى النخاع، وتوحد فيها بفلسطين حتى النفس الأخير.
كما هي فلسطين، مساحة صغيرة تختصر الدنيا والدين، بموقعها، بدياناتها السماوية، بكنسها وكنائسها وأقصاها، كما بكل الغزاة الذين مروا عليها، وتصارعوا على أرضها ومضوا.. وظلت فلسطين تشكل رمز التواصل بين الماضي والحاضر والخلود..
هو ياسر عرفات الذي جسد برمزيته وبرموزه من الكوفية وحتى علامة النصر التي لم تفارقه يوما، التواصل الفلسطيني مع فلسطين حتى النصر.
فلسطين، التي أرادها المستعمرون والغاصبون المكان الأخير الذي يدفن فيه حلم العرب في وحدة العرب وفي نهوض العرب وفي تقدم العرب.. هي ذاتها فلسطين التي ظلت عنواناً لوحدة العرب، ورافعة لنهوض العرب، وهي التي وقفت شامخة بعد 5حزيران 1967، والتي أرادها الصهاينة والإمبرياليون الفصل الأخير في هذا الحلم العربي، وقفت فلسطين شامخة بمقاومة باسلة، أصبحت العنوان الأهم الذي تجاوز ليل الهزيمة الحزيرانية وصخبها ليقول عنها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر:
ان المقاومة هي أنبل ظاهرة عربية في هذا العصر، وقد وجدت لتبقى..
ليضيف على ذلك شهيدنا وقائدنا أبوعمار، وتبقى وتنتصر..
ويتوحد أبوعمار مع فلسطين الكرامة والنهوض العربي، ويظل يردد في وصف فلسطين المقاومة، بأنها حجرة الصوان الصغيرة التي تسند الزير العربي كله.
فلسطين الثورة التي قادها أبوعمار، هي فلسطين التي تسلم لها وباسمها راية الثورة العالمية .. الثورة على الاستعمار والظلم والتمييز العنصري.
هي فلسطين التي رصدها الزمان لتظل آخر المناضلين للتحرر من الاستعمار والاحتلال الصهيوني ولتحمل شرف وضع النهاية الإنسانية المؤكدة لهذا القهر اللاإنساني.
أبوعمار كان قائدنا جميعاً، قائد كل الفلسطينيين الذين اتفقوا معه والذين اختلفوا.. سلمنا جميعاً، صرحنا بذلك أو لم نصرح، أن أبا عمار كان يقول الكلمة الأخيرة في المشهد الفلسطيني على تعدده وتنوعه، لم تكن كلمته دائماً هي أفضل الخيارات، ولم تكن سياسته دائماً أفضل السياسات من وجهة نظر المعارضين له على الأخص، ولكنها كانت دائماً الكلمة والقرار الذي يقرر السياسة والوضع الفلسطيني.
بعد 4 أعوام على رحيل زعيمنا وقائدنا وشهيدنا أبي عمار، لم تزل صرخته فينا، في كل العرب، في الإنسان كل الإنسان:
"يريدونني إما أسيراً، وإما طريداً، وإما قتيلاً.. وأنا أقول لهم، بل شهيداً شهيداً شهيداً.
واستشهد أبوعمار، وستظل هذه الصرخة تدق جدران الدنيا، وتعلمنا أن الشهداء لا يخلدون بالشهادة فقط ولكنهم يمكن ان يعلمونا باستشهادهم أضعاف ما علمونا إياه في حياتهم.
ليسمح لي إخوتي في المنتدى وأنا أعرف طبيعة العلاقة بين أبي عمار والدكتور جورج حبش، بكل ما في هذه العلاقة من عمق ومن تقدير ومن تعقيد أن أستعير من الحكيم في وداعه لأبي عمار هذه الكلمات:
"لقد رحل أبوعمار، غاب عن الدنيا وهو شاغلها، غاب عن فلسطين التي أحبها وأحبته، ولم يزل المسير نحوها لم يتوقف، ولم يزل شلال الدم الفلسطيني يتدفق على أرضها وأوديتها وهضابها.. ولم تزل المقاومة الفلسطينية تقاوم وتعاند إملاءات القوة والبطش والجبروت الأمريكي والصهيوني...
لقد عبر أبوعمار هذه التجربة الطويلة، بكل ما فيها من محطات سياسية وعسكرية.." دون أن تلين له قناة أو تضعف عزيمته".
أخواتى وإخوتى
كان أبوعمار يحب أن يذكرنا دائماً:
بأن الشهداء قد حققوا نصاب القيادة في الجنة..
وبعد استشهادك يا أباعمار فكأني أراك تقود اجتماع القيادة الفلسطينية الذي يضم الأمناء العامين:
أبوعلى مصطفى، والشيخ أحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، وأبوالعباس، وعبدالرحيم أحمد، وزهير محسن، وبشير البرغوثي.
ومعكم كوكبة القادة المؤسسين الأوائل وتقررون علينا نحن الأحياء، مشاريع الشهادة والنصر من بعدكم ..
أن واصلوا الثورة حتى النصر
ولكم علينا الانضباط لقراركم، والوفاء لكم ولعشرات آلاف الشهداء..
ان تستمر الثورة وان تنتصر الثورة، وان تعود فلسطين كما أردتموها، وكما كانت دائماً قلب هذا الوطن العربي ودرته.
السلام لك والسلام عليك يا أبا عمار