قبح وجمال قصة على حلقات

ملاك بين البشر

:: عضو مُشارك ::
إنضم
6 أوت 2010
المشاركات
146
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
العمر
31

نقلت لكم هذه القصة وستكون على حلقات ان شاء الله تعجبكم وللامانة هي للكاتبة المبدعة رشا الصغير التي تقول:

هناك فكرة تراودنى منذ فترة طويلة

تمنيت أن أكتب عنها
فهى قضية هامة لكل إمرأة ولكنها أيضا شائكة جدا
عن الجمال .. تكلمنا
عن الرقة والجاذبية والأنوثة .. تحدثنا
عن المرأة التى هى فى الأصل وردة أو فراشة أو زجاجة عطر فواحة .. حلمنا
عن الشعور الحريرية والعيون الغزلانية والبشرة الصافية .. وصفنا
ولكن
كفانا اهمالا لها
هى بيننا
حولنا
قريبة منا
او بعيدة عنا
لكنها موجودة
كفى ان نعاملها على انها طيف لا وجود له
ليس لها ذنب حتى نتحاشاها كالمرض
ونهرب بعيوننا منها حتى لا نؤذى نظرنا
هى تستحق بعض الحنان
ليعوضها عن قسوة واقعها
والذى لا ذنب لها فيه على الإطلاق
لا ذنب لها أبدا
هنا بعض كلمات من أجلها
تكلم القلم بعد ما صمت طويلا
ليقل لها أن الأمل موجود
وما زالت الأحلام تنتظرها
لتحلق بها فى عالم تستحقه
هلمى معنا إلى آفاق السعادة
تعلمى أن تحبى نفسك
حتى يحبك الآخرون
تعلمى أن ترى فيها الجمال الحقيقى
ولا يخدعكِ الزائف الذى هو إلى زوال
تعالى معنى
لتكونى أنثى حقا

قصتى ما زالت فى مهدها
أتمنى أن تتابعوها معى وتفيدوننى بأرائكن بشأنها
لقد اخترت لها اسم
قبــــــــح وجمـــــــال
ربما قمت بتغييره وربما ابقيته

الآن نبدأ
اعذروا لى تلك السخرية اللاذعة بين السطور
فتلك هى الطريقة التى تخفف قسوة الواقع فوق الورق
تابعوا معى

بانتظاركن

****************
انه صباح جميل ، أنت تعرف الصباح الجميل حين تراه كما تعرف كل شىء جميل آخر .. أنت ترى الجمال وتسمعه وتشمه وتتذوقه وأيضا تلمسه .. فالجمال هو الصفة التى تجتمع عليها كل حواسك ولا تختلف بشأنها أبدا ، تعرف أنت كل هذا جيدا ولكن ليس مثلما أعرفه أنا .. أسألنى أنا عن الجمال .. فأنا خير من يحدثك عنه هل تتساءل بينك وبين نفسك عنى؟ .. خبيرة الجمال هذه .. لابد أنها تحمل قدرا لابأس به أبدا منه ..
حقا !!!
لا بد أنك تمزح أو ربما كنت ضريرا
فاعلم يا سيدى أن خير من يتحدث عن شىء ما هو من يفتقده .. وبشدة
أسأل طفل يتيم عن حنان الأم .. أسأل ضريرا عن نعمة البصر
عندها ستعلم أننى فتاة قبيحة
وستعلم أن ما من فتاة على وجه الأرض يمكنها الاعتراف بتلك الجريمة النكراء سواى
القبح ، ياله من جريمة .. والويل لمن يرتكبها رغم كونه لم يتعمد ذلك أبدا
ولكنه يظل يُعاقب عليها طوال حياته
أسألنى أنا عن القبح أيضا
ربما لو كنت ثرية بعض الشىء لكنت وجدت حلا سحريا مما تصنعه الثروة لأصحابها وتجعلهم يتألقون كنجوم السماء
ولكن أن يجتمع القبح والفقر عليك .. فيالك من تعس
لا تحاول حتى الحلم بتغيير الواقع الكئيب الذى ينتطرك
منذ وقعت عينا أمك عليك بعد ولادتك ، ومع أول شهقة استنكار من هذا المخلوق العجيب الذى يؤكدون لها انه من أنجبته , تعرف وقتها أن الحياة لن تكون باسمة وأن عليك الاستعداد لما هو أسوأ
مؤلم أن تكون قبيح
لكنك رجل والمجتمع يتقبل الرجل القبيح ولا يقف أمامه كثيرا ليخضعه لمعايير الجمال القياسية
ولكنه لا يغفر أبدا للفتاة القبيحة والتى تضعها عشرات العيون يوميا تحت المجهروتتفحصها بمزيج من الدهشة والاستنكار
فكيف ستمضى تلك الفتاة حياتها فى مسارها التقليدى
حسنا إن كنت من الفضوليين بهذا الشأن

تفضل معى لتعش فى عالمى بعض الوقت
 
اسمى هيام
وليت أمى انتقت لى اسما اقل إثارة للخيال وجلبا للسخرية
أعيش مع أمى وشيطانين صغيرين هما خالد وخلود
أخواى التوأم الصغيرين المشاغبين كثيرا
نعيش معا فى شقة صغيرة بحى قديم لا يميزه شىء
والدى متوفى منذ فترة وترك على عاتق أمى مسؤولياتنا نحن العاهات الثلاثة
لكِ الله يا أمى
لنقل أننى حاولت التكيف بشكل ما مع الحياة والبشر
لم أحاول التفوق فى الدراسة
فقط حافظت على مستوى عادى لا يجلب السخط ولا يثير الإعجاب
مؤهل متوسط هو ما أصررت على الحصول عليه رغم أنه كان بإمكانى الإلتحاق بالجامعة ، ولكنها آخر مكان أتمنى أن أوجد فيه بين الطالبات المتأنقات والطلاب الأوغاد الذين يلاحقون الفتيات كنوع من أداء الواجب نحو رجولتهم المزعومة , سأكون وقتها مادة التندر فى مقرر العام دون شك
فمازلنا فى مجتمع لا يغفر قبح المرأة حتى لو ارتقت أعلى درجات العلم
لذلك تجدنى قد عملت بوظيفة لا بأس بها أبدا بالنسبة لمؤهلاتى المتواضعة
سكرتيرة فى مكتب محامى متوسط الشهرة ، لقد كان للمحامى وجهة نظر حين قرر تعيينى بمكتبه فهو لا يرغب فى سكرتيرة حسناء تشتت انتباه محاميه الشبان عن عملهم ، ولكم كان موفقا فى اختياره فكل منهم على استعداد لانتزاع عينيه بدلا من أن يؤذيها بالنظر لسحنتى البهيجة
لا أنكر أننى أحيانا ما أشعر بما تشعر به كل فتاة
أحيانا أتمنى أن يعجب بى أحدهم
ليس بجمالى طبعا
ربما لشخصيتى الجذابة .. حسنا لا توجد واحدة
إذن لذكائى الفطرى ......... امممم ما علينا
حسنا لطيبتى العفوية .. ربما لو تغاضى عن لسانى اللاذع وسخريتى المريرة من كل شىء التى أحاول أن أجعل منها ستارا يحمينى من الآخرين ربما وقتها سيجد شىء ما يجذبه إلىّ
غارقة فى أفكارى الخيالية فى طريقى للعمل حين دوت القنبلة!!
لا ليست فوق رأسى بل فى أذنى
فجرها بعض الشباب المتحمسين لواجبهم الرجولى
إنها ويا للمفاجأة عبارت شهيرة ومحكمة مما توجه للحسناوات فى الطرقات
ترى هل هؤلاء فى كامل قواهم العقلية؟!
لقد عرفت الجواب حين اكتشفت انهم خلفى تماما ولم ينالوا شرف النظر لوجهى بعد
لا أدرى لم يعتقد هؤلاء أن كل من ترتدى فستان لا بد وأنها كائن أسطورى فاتن؟!
حسنا ، لن أطيل عليكم فى وصف الصدمة التى حاقت بهم بعد اكتشاف الحقيقة المرة للكائن الذى يرتدى فستان متظاهرا بكونه فتاة ما
يا إلهى لكم يجرح هذا مشاعرى فأنا أملك كل مقومات الأنوثة الداخلية وأفتقر للخارجية تماما
هذا ليس عدلا
******************
حسنا يجب أن أحاول على الأقل إضفاء بعض الأنوثة على ملامحى الخشنة
يجب أن أخوض حربى الخاصة ضد القبح
يجب
******************

 
آخر تعديل:
الجولة الأولى
---------
كنت أقف أمام واجهة أحد محلات أدوات التجميل الشهيرة .. كل هذه المنتجات الملونة البراقة تتلألأ ويبدو انعكاس وجهى الكئيب عليها متناقضا بشدة مع فتنتها
كل تلك المساحيق التى تجيد النساء طلاء وجوههن بها وتجعلهن فاتنات
بخطوات مترددة دخلت إلى داخل المحل الأنيق الذى تفوح منه روائح عطرة شديدة الجاذبية من المنتجات الأنيقة ، أمسكت بأحد الأصابع الملونة المسماة بطلاء الشفاة كانت له رائحة جميلة حتى وددت لو أكلته أكلا ولكنى وجدت البائعة فوق رأسى قبل أن أتم جريمتى النكراء والتهم طلاء الشفاة اللذيذ
تجمدت كتمثال من الشمع القبيح طبعا للحظات قبل أن أفتح فمى لأسأل عن شىء او اثنين من تلك الاختراعات العجيبة متجاهلة بكبرياء نظرة البائعة التى تمسح ملامحى متسائلة فى نفسها عن جدوى تلك المساحيق فى وجه كهذا
لم يطل الوقت كثيرا حين هوت الصاعقة على رأسى فور تفوه البائعة بأسعار تلك المساحيق الفلكية
لا أعرف هل قلت شيئا ما أم أننى أسلمت ساقاى للريح فورا كأنما تطاردنى الشياطين
ياللنساء الحمقاوات يدفعن تلك المبالغ الباهظة من أجل تلوين وجوههن .. تبا لهن من مبذرات


حسنا لنقل أن الحياة أرادت أن ترفق بى ، وذلك حين ظهرت فى حينا تلك العربة الصغيرة والتى تحوى بعض تلك المساحيق وإن كانت أقل تألقا بكثير ولكنها تفى بالغرض بالتأكيد حيث ابتعت بعضها بجنيهات قليلة وأخفيتها فى حقيبتى

فى المساء
أغلقت باب حجرتى وبدأت العمل كأى نقاش محترم وبدأت فى نثر الألوان هنا وهناك .. ياااه ما أجمل الألوان
طفلة تلهو بعلبة ألوان على صفحة بيضاء
ياللروعة
لقد تغير شكلى تماما
نفشت نفسى كطاووس وخرجت إلى أسرتى لأفاجئهم
كانوا يتحلقون أمام التلفاز يشاهدون المسلسل اليومى الممل
فكل البطلات جميلات وكل الأبطال يهيمون بهن ، يبكون لقسوتهن ، ينتحرون لهجرهن
حقا إن تلك العنصرية تقتلنى
وقفت أتابع المسلسل للحظات قبل أن تدوى أولى الشهقات فى أذنى كانت هذه من أخى الصغير والتى لفتت انتباه أمى وأختى لى وتذكرت دفعة واحدة
لابد أن المفاجأة كانت ساحقة
ابتسمت بثقة قبل أن ينفجرا الشيطانان الصغيران فى نوبة ضحك هستيرية
بينما رسمت أمى ابتسامة مترددة سرعان ما تلاشت تحت وطأة ضحكة مكتومة
يا إلهى لقد حولتنى المساحيق لمسخ آخر يثير السخرية لابد أننى بدوت لهم كأحد مهرجى السيرك
لم أحتمل أكثر وقد غسل عرق الخجل البارد وجهى لتسيل منه المساحيق الرخيصة وبقايا كرامتى الجريحة

لقد فشلت الجولة الأولى فشلا ذريعا
 
الجولة الثانية
---------
كانت حين قررت استبدال حذائى القديم الذى يلثم الأرض بآخر ذو كعب عالى كانت تقتنيه أمى منذ زمن وتعتز به كثيرا
وكان يبدو فى حالة جيدة
وكان الإغراء أقوى منى
لابد أنه سيجعلنى أكثر أنوثة بالتأكيد
وهكذا تجدونى وقدحشرت قدمى فى حذاء سندريلا هذا
لكم هى قدميكِ صغيرتين يا أمى
أرجو أن تسامحينى على استعارته من دون علمكِ
وبخطوات مترنحة جاهدة لتحافظ على توازنها مضيت فى طريقى بحذر
هنا دوت الصرخة من بوق سيارة تطالبنى بالإسراع قليلا
وحرصا على حياتى الغالية فقد عدوت عدوا من وجه السيارة ونسيت تماما أمر الحذاء اللعين و ......
سأعفى نفسى من الإحراج ولن أذكر تفاصيل السقوط الشنيع كجوال بطاطس محترم أمام حشد من الفضوليين ومثيرى الشغب وعاشقى التهكم على البشر الذين يسقطون أرضا فى الشارع
وقد عادت سندريلا – أرجو أن تسامحنى للتشبيه – إلى البيت
ببقايا حذاء كان فى حالة جيدة قبل أن يفقد كعبيه الجميلين
لا بد أن صدمة أمى كانت كبيرة
وقد دمعت عيناها من أجله فقد كان هدية من والدى و ...
لقد كانت ليلة الحزن والبكاء على الفقيد
أعتقد أن الجولة الثانية قد فشلت فشلا عظيما
 
الجولة الثالثة
---------
كانت حين قررت استعارة مكواة الشعر العجيبة من إحدى جاراتنا والتى أكدت لى أنها تحيل الشعر الشبيه (بسلك المواعين) إلى سلاسل من حرير
لذا قررت التجربة بنفسى
وهكذا تجدونى فى حجرتى الضيقة أمام المرآة التى ضاقت ذرعا بوجهى البائس والتى لو نطقت لتوسلتنى أن أرحمها منى قليلا
ولكنى تجاهلتها كالعادة وبدأت حربى الخاصة ضد خصلات شعرى المتمردة عديمة الذوق والتهذيب ، وقمت بتسخين المكواة على أعلى درجة ممكنة وبدأت أتلذذ بحرق خصلات شعرى اللعينة ، ورائحة الشواء تملأ الحجرة وموجات الدخان تجعل الرؤية مستحيلة
حسنا ربما بالغت قليلا فى تأديب شعرى حيث دوت الطرقات على باب الحجرة مع صراخ الجميع حين ظنوا أن الحجرة تحترق بمن فيها
وحين قمت أتحسس طريقى إلى الباب لأفتحه
انطلقت صرخات الرعب حين انفتح الباب عن وحش أسطورى يتصاعد الدخان من رأسه الشبيه بالمكنسة
ثم ما لبثوا أن تعرفونى وبدأت عمليات الإطفاء بدءا من صب الماء على رأسى وحتى تغطيتى بالبطاطين والقفز فوقها – تلك المهمة التى راقت للشيطانين الصغيرين كثيرا – المهم أننى قد تحولت فى النهاية لرغيف خبز محترق قد خرج لتوه من الفرن
لم يكن الموقف محببا أمام الجيران الذين تجمعوا للفرجة المجانية
لقد كانت فضيحة بحق
لا أدرى لم يحدث لى كل هذا ، رحماك يا رب
من المؤكد أن الجولة الثالثة قد فشلت فشل ساحق

******************
أعتقد أن ثلاث جولات كافية لأخسر الحرب
ولأرفع الراية البيضاء أمام القبح
عذرا منك فلم يمكننى تغيير الواقع أبدا
فالغراب لن يتحول لطاووس وإن حاول تقليده
لذا سأكف عن المحاولة
سأكف تماما
******************
 
هكذا عدت لمظهرى القديم وجه خال من المساحيق وثوب بسيط وحذاء يلثم الأرض وشىء مضموم فوق رأسى يصر على انه شعر وعادت الحياة على وتيرتها الواحدة


كفى يا نفس عن التذمر وارضى



تابعت عملى الرتيب فى مكتب المحامى .. قضايا هنا وهناك وأوراق لا حصر وبشر لا عمل لهم سوى التذمر من الآخرين والرغبة فى خراب بيوتهم ووجوه تعبة مكفهرة زادها الطقس الحار سخطا .. حقا إن الحر هنا لا يطاق لماذا لا يتكرم علينا الأستاذ بمروحة صغيرة ترحمنا قليلا مما نحن فيه؟!



غارقة فى العمل والعرق حين مرت تلك النسمة الخفيفة التى نشتهيها فى أيام القيظ ، إنها أجمل شىء تتمناه وقتها .. نسمة باردة عطرة لا تعلم من أين جاءت ولكنك تتأكد أنها ليست من عالمك أبدا


وتأكدت


حين رفعت عينى ووجدت مصدر تلك النسمة العطرة فى مكان لا تشم فيه سوى رائحة الحر والعرق


ووجدته


من هذا؟


بل ما هذا؟


لدقائق خُيل لى أننى أرى حلما أسطوريا مجسما


لابد وأنه ذلك الفارس على حصانه الأبيض حلم كل المراهقات


لابد وأنه أمير يستوى على عرش مملكة الجمال


ورعاياه ينحنون له احتراما وتقديرا


لابد وأن النسمات احتشدت لتهديه رقتها


والزهور تمايلت لتهبه شذاها


والشمس تنازلت له عن إشراقتها


والقمر غزل له ثوبا من النور


و ..................



وهنا أدركت أن النظر للشمس والقمر معا مؤذى للعين


مؤذى جدا


أغمضت عينى وحين فتحتها تأكدت أنى لم أكن أحلم


من هذا الكائن الأسطورى؟!


لابد وأن قد خرج لتوه من بين دفتى كتاب الحواديت


ما الذى جاء به إلى عالمنا؟!!



ما الذى جعله يترك عرشه بين السحاب


أو عله فى أعماق المحيط


وربما بين بتلات الورود


ليأتى لعالمنا هذا



أفقت على شعاع الشمس المنبعث من عينيه


والآخر الذى يطل من ابتسامته


هذا الرجل يجبرك أن تغلق عينيك أمامه



وحين عزفت القيثارة الرابضة فى حنجرته


وغرد البلبل الحزين أغنيته السرمدية


جاءت النغمات بشكل حروف وكلمات



- صباح الخير



( أى صباح أيها الأمير وقد توارت الشمس خجلا )



- يا آنسة



(يا لها من محظوظة تلك الآنسة)



- هل أنتِ بخير؟


( ياااه وتسأل عن صحتها أيضا .. ترى من هى؟!! )



- هيااااااام ماذا بكِ؟



أفقت على صرخة شبيهة بصرخة (كنج كونج) ذاته


كانت هذه من الأستاذ كامل المحامى


لابد أن شكلى كان مروعا وقد سقط فكى السفلى ببلاهة فى تلك الغيبوبة التى أصابتنى من أثر المفاجأة



قلت وأنا أعيد فكى لمكانه


- نعم يا أستاذ


- ماذا بكِ؟ الأستاذ يتحدث إليكِ منذ خمس دقائق


- عذرا يا أستاذ



ابتعد الأستاذ كامل آخذا معه ذلك الحلم المجسد وغاب معه فى مكتبه


ترى ما الذى جاء به هنا؟


لا يبدو عليه أنه من عينة زبائن مكتبنا


الساخطين دوما


متعكرى المزاج والوجوه



انه ..


انه لا ينتمى إلى هنا


لا ينتمى أبدا



تعلقت عينى بباب مكتب الأستاذ فى انتظار اللحظة التى يُفتح فيها


لتغمر الشمس المكان وتفوح الأزهار وتتمايل النسمات


لابد وأن مكتبه قد تحول لحديقة غناء الآن



هل حقا هناك بشر هكذا


يستحى الجمال منهم



طال انتظارى حتى ظننته لن يخرج أبدا


ولكن أجمل مما كنت أحلم به قد حدث


لقد دعانى الأستاذ كامل لمكتبه


وهرعت إلى هناك على الفور



كما ظننت تماما


لابد أننى اصطدمت بزهرة أو اثنتين


ولامست خدى بعض أوراق الشجر الناعسة


بينما يغرد الكروان فوق أخرى



وأخيرا وقفت أمام مكتبه أرتجف من فرط الانفعال


ألهث من فرط احساسى بجمال كل شىء حولى



لابد أن الأستاذ كامل قال شىء ما وربما طلب منى ملف ما أو أخبرنى أن أدون شيئا ما أو ربما طلب منى أن أستدعى شخص ما



كل ما أعرفه أننى لا أذكر حرفا


فمنذ دخلت الحديقة الباهرة لم أجد سوى الأمير يستوى على عرش من الزهور تغرد الطيور فوقه وتحط الفراشات عند قدميه



لابد أننى جننت حتما


أفقت على صرخة أخرى من (كنج كونج)


بعدها لملمت أشلائى وأسرعت بالهرب


وكل كيانى يرتجف


لقد كانت مواجهتى مع الجمال مرهقة


مرهقة جدا


فكيف يحتمل من يحمل كل هذا القدر منه نفسه


لا أدرى


حقا لا أدرى
****************
انتظروا الحلقات القادمة قريبا ان شاء الله
 

(7)


مرت عدة أيام زارنا فيها الأمير عدة مرات
وكل مرة يجلب الربيع إلى مكتبنا البائس
وعرفت ما جاء به إلى هنا
كان الأمير حزينا
فقد نشبت الخلافات بينه وبين أميرته
وبدا أن الفراق واقع لا محالة
ولابد من بعض التسوية لممتلكاتهما المشتركة
والتى يعمل عليها الأستاذ كامل الآن


كان الأمير حزينا
ولحزنه تبكى السماء
وتموت الزهور
وتعوى الرياح
ويلملم الربيع ثوبه من فوق وجه الأرض


كان الأمير حزينا
لكنه نبيلا
كان يخفى حزنه فى كبرياء
ترى من تلك الأميرة الحمقاء
التى تتخلى عن أمير مثله


يقولون أنها حقا حسناء
يقولون عينيها بلون السماء
وشعرها خصلات حرير شقراء
يقولون جمالها نادر بين النساء


تبا لها من حمقاء
كيف لم تقدر النعمة التى وهبها الله لها
تمنيت أن أراها
من ملكت قلب الأمير
ومن ثم طعنته بقسوة
وقد كان


فقد جاءت فى أحد الأيام ورأيتها
كانت كالعاصفة
تتحرك بعصبية
تتحدث بغرور
تنظر باحتقار
وكأننا لا نستحق هذا الشرف
ورغم ذلك حبس كل الأوغاد فى المكتب أنفاسهم انبهارا
حقا كانت تمثال جميل يحوى روحا بشعة
بل أكثر قبحا من وجهى


كيف خدعت الأمير الجميل
كيف؟


جاء الأمير فى نفس اليوم
حزينا .. نبيلا
طال اجتماعهما عند الأستاذ كامل
وقد حشدنا جميعا آذاننا علنا نتعرف ما يحدث بالداخل


رأيت بعين الخيال
أميرى الجميل وهو يزود عن مملكة النور والجمال
بينما سيدة العواصف تسلط عليها الرياح والرعد والبرق
وتحاول انتزاعها من الأمير
لقد كانت الحرب
كنت أشجع الأمير وتمنيت أن أكون جواره لندافع عن الجمال معا
ونقهر الشر الذى يرتدى قناع الجمال الزائف
كانت الحرب فى أوجها حين أفقت على صوت حاد ينبعث من المكتب
انتفضت من مكانى ولا إراديا اتجهت نحو المكتب لأطمئن على الأمير


حين انفتح الباب عن العاصفة البشرية
كانت تتكلم بانفعال شديد وتتوعد الأمير بخراب مملكته
كادت تصطدم بى ووقفت فجأة تنظر لى بعينين يتطاير الشرر منهما حتى كادت تحرقنى قبل أن تدفعنى بقوة وهى تندفع إلى الخارج فى جنون
تحسست كتفى الذى تألم كثيرا
تلك المرأة لها قوة الثيران
وشراستها


- هل أنتِ بخير؟
عاد البلبل يغرد أغنيته الحزينة
وتعزف القيثارة فوق قطعة سحاب بعدما هدأت العاصفة
نظرت فوجدت الأمير
بنظرة نبيلة هادئة وقف يرمقنى والقيثارة تعزف
- أعتذر لكِ يا آنسة
(أتعتذر لى يا أمير .. من أكون أنا)
- هل أنتِ بخير؟
هززت رأسى فى صمت
كاد يتابع طريقه للخارج قبل أن يتوقف ويسألنى بتهذيب
- هل لى أن أطلب كوب من الماء من فضلكِ؟
لابد أننى وقفت كالبلهاء ثانية قبل أن أندفع كالسهم لأجلب له الماء
جرع بعضه فى تهذيب ورقة لم أرها من قبل كأنما يخشى أن يهشم الكوب
أرسلت نظرة حسد للكوب المحظوظ الذى لم يعتد تلك المعاملة الرقيقة قط
جذب المقعد الذى أمامى وجلس بهدوء


كادت الدموع تفر من عينى حزنا عليه ثم سألته
- هل أنت بخير يا أمير بك؟
رفع عينيه النبيلتين لى وقال
- من أمير؟
- أنت يا سيدى
ابتسم لترسل الشمس شعاعها على وجهى
- اسمى نبيل
(حقا لو لم تكن نبيل فمن يكون إذن)
- أنا هيام
نظر بدهشة مهذبة فهو لم يطلب التشرف بمعرفة اسمى
غالبت خجلى وقلت
- اسم مضحك أليس كذلك؟
- لم تقولين هذا؟ .. اسمكِ جميل
- نعم اسم جميل لفتاة .......
وأطرقت برأسى إلى الأرض أفكر بسخافة موقفى
هنا تفحصنى باهتمام وجعلتنى نظرته أرتجف انفعالا
ثم ابتسم بهدوء وقال
- اسم جميل لروح جميلة
أسعدنى انه لم يجاملنى كثيرا
- ما الذى ... اقصد كيف تعرف أن .....
- أعرف الروح الجميلة حين أقابلها ربما هو إلهام الفنان
- هل أنت فنان أيضا؟
ابتسم برقة وأضاف
- نعم أهوى رسم الطبيعة، إنها تجعلكِ تندمجين بها وتحلق بكِ بعيدا عن البشر بأحقادهم وأطماعهم
كانت عينيه تلمع بالحزن وهى تحلق مع كلماته
لم يخدعنى حدسى هو ذاك الأمير فى مملكته النورانية
- معك حق يا أمير بك
انسابت ضحكة هادئة منه وهو يقول
- ما زلتِ مصرة على أننى أمير
- نعم
نظر لى فى صمت قبل أن يقول وعينيه تسافر بعيدا
- نعم أمير توشك مملكته على الانهيار
أطلق تنهيدة صغيرة قبل أن يقوم من مكانه ويقول بابتسامة
- شكرا لكِ يا آنسة هيام لقد أراحنى التحدث إليكِ .. بعد إذنكِ
ورحل الأمير .. ورحل الربيع .. ورحل النوم من عينى
وامتدت ليالى السهاد طويلا
ولحظات الغفوة هى بعض أحلام مستحيلة
أى جحيم هذا
أى جحيم
 
(8)


الأمور تزداد تعقيدا وبدا أن الأستاذ كامل قد فشل فى الوصول لحلول وسطى ترضى الأميرة المغرورة
كثرت الاجتماعات
وكثرت المعارك والتهديدات من قبل تلك العاصفة
ولم يكن الأمير فى أفضل حالاته
وكل مرة يخرج من مكتب الأستاذ أشد حزنا
ويغوص قلبى معه ألما
يا لها من بغيضة
كيف تجرؤ على فعل هذا بالأمير؟!


كان فى كل مرة يتبادل معى بعض الكلمات
بعد أن يجرع كوب الماء الذى استقبله به بعد كل معركة معها
وفى آخر زيارة كان يتحدث معى حين عادت العاصفة .. ربما نسيت شيئا ما فى مكتب الأستاذ قبل أن تغادره
وقفت أمامنا للحظة ثم بدأت تمسحنى بعينيها الناريتين
قبل أن ترتسم ابتسامة خبيثة على شفتيها وهو تقول
- يبدو أن ذوقكِ قد انحدر للحضيض يا عزيزى
هل أفقدتك الصدمة صوابك؟!
وأكملت وهى تقترب منى وتضغط على حروف كلماتها
- ونظرك أيضا


من المؤكد أننى تحولت لحبة طماطم ناضجة من فرط الخجل
وتسمرت مكانى لا أعرف ما ينبغى أن يقال ردا على إهانتها الصريحة
ابتعدت بوجهى عنها ورائحة عطرها القوى تجثم على أنفاسى وتكاد تخنقنى
تمنيت أن تبتلعنى الأرض لأهرب منها
قبل أن يبعدها الأمير عنى برفق يليق بتهذيبه وهو يقول
- كفى عن هذا من فضلكِ
ابعدت يده عنها بحدة وهى تصرخ بعصبية
- وتدافع عنها أيضا .. من تكون تلك الحشرة حتى .....
- أنا لا أسمح لكِ
كانت تلك منى قلتها بشجاعة منحنى إياها دفاع الأمير عنى
التفتت إلىّ ببطء غير مصدقة كون الحشرة تتكلم ورمتنى بنظرة تحمل حقد الكون وقالت من بين أسنانها
- ماذا تقولين أيتها الــ .......
قاطعتها بشجاعة أكبر
- قلت لن أسمح لكِ بإهانتى ولا إهانة هذا السيد الفاضل الذى لم يسىء لكِ فى شىء


ساد الصمت على المكان وقد وقف الجميع ينظرون للمشهد المهيب
سيدة العواصف بدت كما لو أن صعقتها كهرباء عالية الفولت
وأنا الأميرة جميلة الروح وقفت عاقدة ذراعى حول صدرى فى كبرياء
بينما يقف الأمير بيننا وقد ارتسمت ابتسامة رضا فى عينيه
كان المشهد يستحق أن يخلده رسام موهوب
كنت على استعداد لتلقين تلك الأفعى درسا لن تنساه وقد شعرت بقوة لم تكن بى يوما
ولكن يبدو أن أصواتنا قد جلبت الأستاذ كامل إلينا وقد قام بفض الشجار وإرسال كلا منا إلى طريقه
ولم أنس بعدها تلك النظرة المتوعدة التى قذفتنى بها العاصفة قبل أن تندفع إلى الخارج وخلفها الأمير وقد انتقلت الابتسامة من عينيه إلى شفتيه مشرقة كالشمس ذاتها وقد حيانى بإيماءة مهذبة قبل أن يخرج بهدوء


وفى تلك المرة ظل الربيع يسود المكان لساعات
وظل شعور بالسعادة يفعم نفسى
فقد تحقق الحلم وذودت مع الأمير عن مملكة النور
ما أجمل الحلم حين يتحقق
ما أجمله
 
(9)



دخلت أمى لحجرتى ولم أشعر بها كنت غارقة فى أحلامى الخاصة وقد ارتسمت ابتسامة على وجهى ، ذلك المشهد الغير مألوف لأمى أبدا


لابد وأنها وقفت مندهشة عدة دقائق قبل أن تنادينى لأصحو من أحلام اليقظة تلك


- هيام


- امممم


- هياااام


- نعم يا أمى


- ماذا بكِ يا ابنتى؟


- لا شىء أنا بخير يا أمى


- حقا


- نعم


- ولم أنتِ شاردة هكذا؟


- كنت أحلم


- ماذا؟!


انتبهت مجددا وابتسمت لها وأنا أجذبها لتجلس بجوارى .. جلست تمسحنى بعينيها الجميلتين .. كم أنتِ جميلة يا أمى .. لم لم تهبنى بعض جمالها لتريحنى مما أنا فيه؟ جرى السؤال على لسانى دون أن أدرى وانتبهت على تنهيدة صغيرة منها وعينيها تسافر بعيدا وتقول


- تشبهين والدكِ كثيرا .. لكم أحببته


- لم يكن والدى جميلا


- لكنه كان نبيلا


- نبيلا؟!


- نعم كان يحمل أنقى قلب فى الكون وكان يحبنى بشدة وكذلك أنا


- حقا


- نعم


- ولم تكترثى لملامحه الخشنة ولونه الداكن وشعره المجعد و ...


- لقد أحببت كل شىء فيه كما هو


- ونقلتيه لى بالكامل


- نعم


- هذا ليس عدلا


انسابت ضحكتها الرقيقة وهى تحيط وجهى بكفيها


- لقد أحببته جدا حتى تمنيت أن أرزق بطفل يشبهه


- لكنكِ رزقت بطفلة مسكينة هى أنا .. لم لم توفرى بعض هذا الحماس لخالد وخلود ؟!


- تلك مشيئة الله يا ابنتى .. نحن لا نختار ملامحنا


- نعم يا أمى معكِ حق ولكن ... أعنى أننى ....


أطرقت برأسى أغالب دموع تجاهد للقفز من عينى .. احتضنتنى أمى برقة وهى تربت على رأسى بحنان وتقول


- يا ابنتى كلا منا يأخذ نصيبه فى الحياة كما قدره الله له .. والله لا يظلم أحدا .. ثقى بذلك .. يوما ما ستقابلى من يرى جمالكِ الحقيقى وروحكِ الجميلة الطيبة


- ومن يعنيه الروح الجميلة التى يحويها كيان قبيح


-لا تقولى هذا .. هناك من يقدر الجمال الحقيقى .. ربما لم تقابليه بعد


- ربما لن أقابله أبدا


- استغفرى الله يا ابنتى .. ولا تعترضى على مشيئته .. هيا لقد تأخر الوقت .. نامى الآن ولا تفكرى بشىء .. تصبحين على خير


- وأنتِ بخير


أسلمت رأسى للوسادة واستغفرت الله كثيرا حتى غفوت


وجدتنى هناك


فوق سحب وردية عجيبة الشكل


يتوسطها قصر يحبس الأنفاس من فرط جماله


وهناك على باب القصر كان الأمير النبيل يقف مبتسما ويمد لى يده


لم أصدق نفسى وهرعت إليه أرفل فى فستان حريرى واسع جميل لابد أنه يخص إحدى أميرات الأساطير قبل أن اصطدم به .. ما هو؟ .. لا أدرى .. يبدو كما لو كان حاجزا عملاقا غير مرئى يفصلنى عن الأمير .. هويت بقبضتى عليه مرارا دون جدوى .. كان يزداد صلابة فى كل مرة .. نظرت للأمير وقد بدا عليه الحزن وقد أيقنت أن العبور إليه هو المستحيل ذاته .. انطلقت الدموع تغسل وجهى وأنا أناديه حين رنت ضحكة عالية ساخرة شريرة هزت المكان من حولى .. التفت وجدتها .. هى نفسها سيدة العواصف .. وقد وقفت فوق غيمة سوداء كبيرة ينطلق البرق منها ليضرب السحب الوردية الصغيرة فتذوب وتمتصها الغيمة فى جشع لتكبر أكثر .. بينما تعوى الرياح فتبعثر شعرها الأشقر الطويل كانت ما زالت تضحك فبدت كإحدى الساحرات الشريرة ومدت كفها باتجاهى فإذا بالصواعق تنطلق نحوى .. عدوت بعيدا وأنا أصرخ وهى تطاردنى وتضحك فى جنون .. كلما فررت إلى سحابة وردية أذابتها الصواعق والتهمتها الغيمة التى لم يعد يفصلنى عنها شىء .. سقطت وفجأة وجدتها أمامى مباشرة ترمقنى بعينين فى برودة الثلج وهى تقول " لا أحد يتحدانى أبدا .. ولا أحد يسلبنى ما أملك .. وإن فعل فمصيره الموت"


كنت أصرخ وأحمى وجهى بيدى بينما الشرر ينبعث من كفها وقد علمت أنها النهاية .. لاحت منى نظرة أخيرة للأمير الذى كان خلف الحاجز يدقه بقبضتيه فى جزع ويقول شىء ما قبل أن أغيب فى الظلام
 
(10)


منهكة .. مفككة الأوصال .. مشتتة الأفكار .. عالقة بتفاصيل الحلم الرهيب
ذاهبة فى طريقى للعمل
لا أعرف كيف احتل الأمير كل مساحاتى
لم يعد لأحد ما ولا لشىء ما مكان داخلى
كل ما بى يتلون بلونه
يتعطر برائحته
يتنفس بوجوده
لم أعد أرى نفسى خارج حدوده
لقد انفصلت عنى بالكامل
وصرت أحد جزيئاته

كلما حاولت أن أوقظ نفسى من أوهامها
كلما قلت لها أن أحلامها هى المستحيل ذاته
كلما شرحت لها أننا لن نملك أن نلمس نجوم السماء وإن أردنا ذلك بشدة
كل مرة كانت ترجونى أن أتركها تحلم
ألا أحرمها لذة الحلم وإن كان مستحيل
كنت أشفق عليها
ستصطدم بالواقع يوما ما
وستكون الصدمة مؤلمة تماما


وماذا عن الأمير
لابد أن ما يحدث فوق احتمال نفسه الشفافة
لا بد أنه قرر أن ينهى كل شىء
حتى لو خسر الحرب ضد العاصفة
سيتنازل عن كل شىء ويهرب ليتوحد مع الطبيعة التى يعشقها
ربما سيمتزج مع سحابة رقيقة
أو يذوب فى مياه البحر
أو يختفى بين وريقات الياسمين
المهم انه لن يعود لعالمنا القاسى أبدا



كان هذا قراره
وكم تألمت له
ليس من حق تلك الأفعى أن تسلبه ما يملك
ليس من حقها أن تنتزع مملكة النور من بين يديه لتحيلها لمملكة من الظلام
كيف يتنازل ببساطة ويحرمنى النور الذى بدد ظلمات حياتى


وجاء اليوم
وجاء الأمير
كان حزينا كما يحق له أن يكون
ولم يتمكن من إخفاء كل هذا القدر منه
كان ينساب من عينيه كالدموع
ألقى على التحية وهو يتقدم نحو مكتب الأستاذ كامل
لا أعرف متى ولا كيف وجدتنى أقطع عليه الطريق لأقف أمامه

نظر لى بعينين متسائلتين
- لا تفعل ذلك أرجوك


تحول التساؤل فى عينيه لدهشة
- لا تتنازل عن كل شىء لمن لا يستحق لابد أن تدافع عما تملك حتى لا ينهار كل ما بنيته فى لحظات يأس قد تندم عليها لاحقا

تحولت الدهشة فى عينيه لحيرة
- هل تعتقد أنها ستحافظ على ما فعلته وما حلمت به أن يكبر مع سنوات حياتك

تحولت الحيرة فى عينيه لقلق
- أؤكد لك أنها ستبدأ فورا فى هدم كل شىء حتى لا يبقى أثر منك فيه

تحول القلق فى عينيه إلى جزع
- لا تسمح لها بذلك أرجوك يا أمير بك

تحول الجزع فى عينيه إلى عزيمة
ورأيت الحزن يرتحل من عينيه وعادت الشمس تعتلى عرشها وترسل أشعتها على وجهى وهو يردد
- شكرا لكِ يا هيام .. سأفعل .. أعدكِ أننى سأفعل


وتركنى وغاب فى مكتب الأستاذ
وغبت أنا فى موجات من السعادة تلفنى لأرقص معها رقصتها الأبدية
وأخذت أدور وأدور حول نفسى حتى اصطدمت بها
من؟
العاصفة طبعا
رمقتنى بغل كما لو كنت زوجة أبيها القاسية وأزاحتنى عن طريقها كما تزيح أنت صرصور ألقيت عليه التحية بحذائك
لم يهمنى فى تلك المرة ما فعلت بل كانت هناك قوة تغمرنى وشعرت أن بإمكانى أن أسحقها ببساطة فداء رضا أميرى النبيل
 
(11)



دقائق واشتعلت النيران


وصبت السماء غضبها


وانطلقت الصواعق


واشتد هزيم الرعد


وعوت الرياح




وعلمت أنها غضبة العاصفة




فالأفعى لم تصدق أن الأمير المسالم قد تمرد وقرر عدم التنازل عن مملكته برغم أنه قد انتوى ذلك مسبقا


كانت ثورتها أعتى وأشد من كل مرة


وتوعدها ازداد قسوة وإيلاما


والقناع الجميل يسيل ويسيل ويكشف عن أبشع مسخ رأيته فى كوابيسك


وانفتح الباب عنها وهى تندفع منه كعادتها


قبل أن تتوقف أمامى وتنظر بحقد لابتسامة النصر التى ارتسمت على شفتى


أشارت باصبعها الرفيع الذى يعلوه اظفر طويل مطلى بلون الدم إلىّ وللحظة ظننت الصواعق ستنطلق منه نحوى وهى تقول


- أنتِ .. أنتِ من جعلته يفعل هذا


- عما تتحدثين بالضبط؟


- لا تتخابثي علىّ أيتها الحقيرة .. لا أعرف كيف فعلتى ذلك ولكنى متأكدة منه .. كنا سنسوى كل شىء اليوم فما الذى دفعه لتغيير رأيه فجأة فور دخوله إلى هنا؟


- أعتقد أن السيد يعرف مصلحته جيدا وليس فى حاجة لاستشارة أحد بشأنها


صرخت فى ثورة


- أنا أعرف ما أقول , وأنتِ لا يمكنك خداعى


- أنا لا أخدع أحد .. فطباع الأفاعى تلك لا تناسبنى


- أيتها الـــ ........


- ناديــــــــــن .. قلت لكِ كفى عن ذلك


التفت لأميرى النبيل وهو يقف بكبرياء أمامها وعينيه تحمل نذيرا بالويل


ألقت نظرة احتقار علىّ وهى تشير لى بإصبعها فى حركة ازدراء واضحة ومطت شفتها السفلى متخذة أقوى وضع اشمئزاز ممكن وهى تقول


- هذه .. تلك الحشرة القبيحة .. تفعل كل هذا من أجلها .. تتحدانى أنا وتدافع عنها .. لا بد وأنك قد جننت تماما


- أنا لا أسمح لكِ باهانتها .. إنها أكثر نبلا ووفاء منكِ


- ماذا تقول؟


- أقول الحقيقة .. كفاكِ تعاليا على البشر كما لو كنتِ لست منهم .. لقد ضقت ذرعا بكِ وبغروركِ ووقاحتكِ التى لا حد لها


شهقت فى ذهول وهى تردد


- نبيل .. ماذا تقول ..


أجابها فى انفعال


- أقول ما كان يجب أن يقال منذ زمن .. لقد تماديتِ كثيرا .. واستغللتِ حبى لكِ أبشع استغلال .. لكنى رأيت وجهكِ الحقيقى .. وهو قبيح بما يكفى لينزع كل ذرة حب لكِ فى قلبى .. لقد انتهى كل شىء


قالت فى ثورة


- قبيح .. وجهى أنا قبيح .. لابد وأن أصابك العمى ..


وأطلقت ضحكة عصبية وهى تشير لى قائلة


- فلتنظر هنا لترى القبح فى أكمل صوره


هنا التمع الغضب فى عينيه وهو يجذبها من ذراعها ويقول


- قلت لكِ ألا تحاولى إهانتها قط ولتعلمى أننى أفضل النظر لوجهها الذى هو لدى أجمل من وجهكِ هذا


أخرستها جملته وأخرستنى أيضا فلم أتوقع منه هذا الإطراء المبالغ فيه


صرخت هى فى ثورة


- كيف تجرؤ أن تقول لى هذا .. أنسيت أننى زوجتك


- لم تعودى كذلك


- ماذا تعنى؟


أطلق تنهيدة صغيرة وهو يقول


- لقد أنهيت كل شىء هذا الصباح ..


سقط فكها السفلى فى بلاهة وهى تردد


- مستحيل .. مستحيل أن تفعل هذا .. أنت تحبنى بجنون


- الجنون هو أن أستمر فى الحياة معكِ .. نادين أنتِ مريضة بحق .. ويجب أن تُعالجى من عشقكِ المفرط لذاتكِ .. أنا لم أعد قادرا على تحمل المزيد




وهنا بدا كما لو أنه قد استنفذ طاقته بالكامل فأسند كفيه إلى مكتبى وقد أطرق برأسه صامتا


بينما ظلت هى تنظر له بذهول للحظات .. قبل أن تستعيد طبيعتها المتنمرة وتوجه سهام عينيها إلىّ وهى تقول


- أنتِ .. ستدفعين الثمن .. ستدفعينه غاليا


واندفعت خارج المكتب


وظللت والأمير كتمثالين من الشمع


وكلا منا يدور فى عالمه الخاص تتقاذفه الأفكار


أفقت أنا أولا .. ونظرت له بامتنان وأن أردد بصوت مبحوح


- شكرا لك


نظر لى بعد فترة وقال


- بل أنا من أشكركِ .. لقد منعتينى من ارتكاب أكبر حماقة فى حياتى لم أكن لأسامح نفسى عليها .. يبدو أن الحزن قد سيطر علىّ حتى أفقدنى صوابى


- هل أنت حزين من أجلها


- لا لقد استنفدت رصيد مشاعرى لها منذ زمن .. لقد فعلت الصواب


- لم أكن أتمنى أن تصل الأمور إلى هذا التعقيد


- بالعكس لقد انحلت ببساطة ربما كنت بحاجة لمعونة صديق


- هل أنا هذا الصديق


- بل أكثر منه


- شكرا لك


- وداعا يا هيام


- وداعا





الوداع




بقيت الكلمة متجمدة فى سقف الحجرة بعد رحيله وظللت أنظر لها فى تعاسة وهى تتلاشىء ببطء


هل حقا لن أرى الأمير بعد اليوم؟


هل حُرمت الدخول لمملكة النور للأبد؟


تذكرت الحلم


وتذكرت الحاجز الذى كان يفصلنى عن الأمير


كنت حمقاء حين ظننت أن بامكانى العبور إليه


كنت حمقاء حين ظننت الحلم سيتحقق يوما


كنت حمقاء حين ظننت نفسى إحدى أميرات الأساطير


فلن تأتى الجنية الطيبة .. ولن تهبنى فستان حريرى ولا حذاء من بلور .. ولن تلحق سندريلا بحفل الأمير


ستبقى هنا


تبكى وترتجف


وترتجف وتبكى


وقد أُغلق كتاب الحواديت


الوداع أيها الأمير


الوداع يا حلمى الجميل
 
(12)


لملم الصيف حاجاته ورحل آخذا معه الحر والرطوبة وكل ما ينغص علينا حياتنا به .. وجاء الخريف ذلك الكهل الحزين الهادئ يمشى بتؤدة وقد سقطت أوراق الأشجار عند قدميه وهبت نسمات باردة لطيفة تطير عباءته من على كتفيه وهو يتفقد مملكته الرمادية الحزينة
لكم أحب الخريف انه يعزف أنشودة الحزن فى قلبى وأسمع ترانيمها فى السماء
ربما تراه كئيبا .. ولا ترى أن السماء الرمادية بهيجة المنظر
ربما تفضل الصيف .. ذلك الصاخب المشاغب الذى لا هم له سوى مضايقة البشر بحرارته ولزوجته وأنفاسه الثقيلة
أو الشتاء .. ذلك الجبار العاتى الذى يبعث الرجفة فى القلوب والأبدان
أو الربيع .. ذلك الرومانسى الحالم الذى يتوسد الزهور ويتنفس شذاها
لكن الخريف ذلك الصامت الهادئ أقربهم لى
فهو يشبهنى يمر بك مرور الكرام وقد لا تشعر به أبدا


أقول أن الحياة وكالعادة عادت لرتابتها
وقد نهرت نفسى مرارا إذ ضبطتها تحاول الحلم من جديد
وقد استعدت توازن نفسى بعد وقت طويل من فقدانى إياه
وبدا أن المياة الراكدة قد عادت لطبيعتها
أوراق وقضايا ووجوه تعسة

وبدا كما لو أن الكون يضيق بهؤلاء الحمقى الذين يتنازعون على الفتات
ويتقاتلون على كل ما هو زائل
حتى زملاء العمل الذين يبشون فى وجوه بعضهم البعض ثم ينسلون الواحد تلو الآخر ليدسون الدسائس لبعضهم عند الأستاذ كامل مدعين أنه التنافس الشريف
تبا لهم, والحق أن الأستاذ يعرف كيف يتصرف معهم كما يتصرف الأب مع حفنة من أبناءه المشاغبين
أما أنا فلم يعد يسرى عنى سوى كوب الماء
نعم كوب الماء الذى رشف منه الأمير مرات ومرات
لقد احتفظت به فى درج مكتبى ورفضت أن يشرب منه أحد هؤلاء الأوغاد
والحق أننى شعرت بامتنان الكوب لذلك فلم يعد يتعرض لأنفاسهم الكريهة وأصوات رشفهم المقززة
لن أحرم الكوب العزيز ذكرياته السعيدة مع الأمير النبيل


ترى أين هو الآن؟
ماذا يفعل؟
ماذا فعلت به العاصفة؟
هل هو بخير؟
تحسست كوب الماء العزيز نصف الممتلئ وعقلى يرحل بعيدا
حين سمعت عزف القيثارة وتغريد البلبل
غريب هذا الحلم الذى له صوت ورائحة
رائحة زهور تمايلت لتهبك شذاها
و ...........

يا إلهى
انتفضت من فوق مقعدى أنظر للكيان الماثل أمامى ويبتسم
 
(13)


يا إلهى
انتفضت من فوق مقعدى أنظر للكيان الماثل أمامى ويبتسم
- كيف حالكِ يا هيام؟
- .................
- هل أنتِ بخير؟
- ....................
- لم لا تردى علىّ؟


أفقت من ذهولى وكدت أمد يدى نحوه لألمسه وأتأكد من أنه ليس حلم مرئى
لكنه مد يده أولا إلى كوب الماء واستأذنى بعينيه قبل أن يرشفه بتهذيب كالعادة
خيل إلىّ أن الكوب يرقص فرحا
- شكرا لكِ أرى أنكِ دوما ما تروين عطشى قبل أن أطلب .. أنتِ سخية كحبات المطر
- شكرا لك يا أمير بك
انسابت ضحكة هادئة من بين شفتيه أطلقت ثلاث زهرات دارت حولى قبل أن تختفى
- لقد افتقدت اسمى الجديد
ابتسمت بارتباك قبل أن أقول
- كيف حالك؟
- الحمد لله .. كل شىء على ما يرام
- هل جئت للأستاذ كامل فى شىء .. أعنى هل هناك مشاكل ما؟
- لم آتى لمقابلة الأستاذ كامل
نظرت له فى حيرة
- لقد جئت لأراكِ
نظرت له فى غباء .. فأى أحمق هذا الذى يفتقد رؤيتى ويرغب بها
- ماذا؟
ابتسم بحرج وأضاف
- لقد أردت الاطمئنان عليكِ
- علىّ أنا؟!
- نعم
- شكرا لك .. لا أعرف ماذا أقول
- الحق أننى مدين لكِ
- لى أنا؟!
- نعم .. لقد رأيت فيكِ إخلاص لم أعهده فى أحد حولى وخاصة أن لا مصلحة لكِ فى ذلك
- لقد أديت واجبى
- أنا أرى خلاف ذلك
- لا عليك .. أنا متأكدة أنك كنت ستتخذ نفس القرار لو أنك أعطيت نفسك مهلة للتفكير
- لكنى كنت على شفا هاوية وقد أنقذتينى منها بشجاعة نادرة
ابتسمت بخجل لكلماته .. من أنا لأنقذ الأمير .. يا له من متواضع
نظر لى مباشرة وهو يقول
- هيام .. لقد فكرت طويلا .. وقد جئت اليوم لأعرض عليكِ عرضا أتمنى أن تقبليه
- لن أقبل أية مكافأة
- ليست مكافأة .. فلا توجد مكافأة تستحقكِ
- أنت تبالغ
- أبدا
- إذن لو كان عرضا للعمل .. فاسمح لى .. أنا لا يمكننى ترك الأستاذ كامل فى ذلك الوقت حيث القضايا متراكمة وضغط العمل كبير و .........
- أنتِ تثبتين لى أننى لم أكن على خطأ قط
- لا أحب أن أكون صائدة فرص وأتخلى عن اليد التى امتدت لمساعدتى فى وقت الحاجة
- وأنا كذلك لن أتخلى عن تلك اليد التى ساعدتنى
- ماذا تقصد؟
- هل نفذت اقتراحاتكِ؟
- كنت أحاول الاستنتاج فقط
- إذن لم توفقى فى ذلك
- لا أفهم يا أمير بك
نظر لى طويلا وكدت أغرق فى بحار عينيه السندبادية قبل أن يقول بهدوء
- هيام .. هل تقبلين الزواج بى؟
- ..........
- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- !!!!!!!!!!!!!!!!
- آسف لتسببى فى ارتباككِ هكذا .. أنا لا أطلب الرد الآن .. يمكنك التفكير دون ضغوط .. سأرحل الآن وأعود بعد فترة مناسبة وأتمنى من كل قلبى أن تقبلى عرضى
- هيام .. هل أنتِ بخير؟ .. لا تجعلينى أقلق عليكِ
- حسنا سأذهب الآن
- ............
- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
(14)


هل رأيت يوما دمية قد اُنتزعت أسلاكها أو فرغت بطاريتها وقد خرست للأبد
أعتقد أن حالى لم يكن أفضل منها
لقد أصابنى الخرس منذ وقعت الصاعقة علىّ
حتى فى الحلم لم أكن أجرؤ على الاقتراب من الأمير
كيف يأتى هو بتواضع يثير التعجب ليعرض علىّ الزواج؟
ماذا أصابه؟!

لابد أنه مازال تحت تأثير الصدمة التى حاقت به
وإصراره على كونى أنقذته مما كان يقدم على فعله دون تعقل
أتراه أراد مكافأتى على ذلك
أم أراد معاقبة نفسه عن ما انتوته فى لحظة يأس
ألم يجد لها وسيلة تعذيب أخف وطأ من هذه؟!


أفكار تلاحقنى وقد كففت عن كل نشاط إنسانى آخر
فقط أنا أفكر وأفكر ثم أفكر وأفكر ثم أعود للتفكير مرة أخرى
وبعدها لا أصل لأية نتيجة
لا يمكن أن يكون جاد فى طلبه هذه
لا يمكن أن يكون قد اتخذ قراره فى كامل وعيه وبكامل إرادته
إن قرارات الأمير انفعالية تماما
ولا يمكن قبولها أبدا
لا يمكن أبدا


وجاء الأمير
وطلب ردا لعرضه
وقدمته بتهذيب يليق به
ورفضته تماما


نظر لى وارتسمت ابتسامة فى عينيه قبل أن يرحل
لابد وأنه يشكرنى على إعفاءه من تلك الورطة
أطلق عقلى تنهيدة ارتياح وراح فى سبات عميق بعدما أجهدته طويلا
بينما وصل لمسامعى نحيب قلبى وهو يتمزق ألما


فى المساء
احتضنت وسادتى وأغرقتها بدموعى
لو أنه عرض علىّ أن أكون خادمة فى قصره لتفهمت ذلك
لكن كيف يعرض علىّ أن أكون أميرة هذا القصر
كيف يجرؤ؟!

قمت من فراشى وتوجهت نحو المرآة
تأملت صورة وجهى المتماوج من فرط الدموع
هذا الوجه الذى لا أطيق النظر إليه
تلك الملامح التى لا تليق بأنثى
فكيف بها لأميرة

لا توجد أميرة قبيحة قط
لم تُكتب الأساطير للقبيحات
قد تكون فقيرة .. لكنها جميلة
قد تكون مريضة .. لكنها جميلة
دوما هى جميلة
تليق بالأمير الوسيم
والقصر الجميل


أما أنا
أبدو نشازا وسط هذا كله
لم يُخلق شىء من هذا لمثلى
أنا قبيحة أيها الأمير الأحمق
ألا ترى؟
لا مكان لى فى كتاب الحواديت
لتذهب لعالمك واتركنى لعالمى
فلن يجمعنا عالم واحد أبدا
وعدت أدفن وجهى ودموعى فى وسادتى
وأغيب عن كل شىء
 
(15)



هل أنتِ بخير؟



تقولها أمى لى





هل أنتِ بخير؟



يقولها الأستاذ كامل لى





هل أنتِ بخير؟



يقولها المحامين الأوغاد لى





هل أنتِ بخير؟



يقولها كل البشر لى





لا أعلم سر هذا الحماس الجماعى للاطمئنان علىّ



لكنى أفضل أن يتركونى وشأنى قبل أن أنفجر فى وجوههم جميعا



لا لست بخير



أنا لست بخير أبدا



فاتركونى وشأنى أرجوكم





( دمية نُزعت منها أسلاكها أو فرغت بطاريتها)





عدت للبيت



وما أن خطوت للداخل



حتى استقبلنى الياسمين مبتسما



وحيتنى الوردات الجورية



ودار عصفوران حول رأسى



وهبت نسمات معطرة بشذى الزهور





خطوت بساقين من عجين وقلبى يتواثب فى صدرى



وبالطبع كان سيدهم بالداخل



كان الأمير يعتلى عرشه فى بيتنا المتواضع



وقد قام من فوقه فور رؤيتى وارتسمت أجمل ابتسامة على وجه الكون فوق شفتيه والقيثارة تعزف



- أهلا يا هيام .. كيف حالكِ؟



- ......................



- تعالى يا هيام



كانت هذه من أمى التى جلست أمام الأمير ووجهها يشرق بابتسامة غامضة




جررت قدمى إلى أقرب مقعد وجلست عليه فى صمت



هل يمكن أن يكون قد جاء ليعيد طلبه؟



جاءنى الجواب سريعا من بين شفتى أمى



ولم أصدق



رفعت عينين متسائلتين نحوه



أجابتنى عينيه النبيلتين أن نعم




- لماذا؟



قالها عقلى .. قالها قلبى .. قالتها عيناى .. وقالها لسانى




نظر لى بتساؤل




- لماذا أنا؟



- لأنكِ أنتِ



- هناك الكثيرات



- لا أرى سواكِ



- هناك الجميلات



- أنتِ أجملهن



- أنت تخدع نفسك



- كنت أخدعها والآن ...



- الآن تعاقبها



- بل أكافئها



- أى مكافأة يا أمير؟!



- بأن تقبلنى الأميرة



- كفى أرجوك



- هيام .. أنا أحبكِ



- .......................



- وأريد الزواج بكِ



- ..........................



- وأعدكِ أن أكرس حياتى لإسعادكِ





انسابت الدموع من عينى .. لا يمكننى احتمال المزيد .. قمت من مكانى وجاهدت لأخرج صوتى دون ارتعاش ودون ضعف ودون حب وأنا أردد



- أنا أرفض هذا العرض .. وأرجو منك ألا تكرره أبدا





وجريت نحو غرفتى وأغلقت بابها علىّ وارتميت على الأرض أغسلها بدموعى التى انهمرت كالسيل وكل كيانى يرتجف
 
(16)



هل جننتى؟



قالتها أمى لى






هل جننتى؟



قالها الأستاذ كامل لى






هل جننتى؟



قالها كل وغد فى المكتب لى






هل جننتى؟



قالتها كل جارة فى حيّنا لى






(أنتِ لازم مجنونة)



قالها الشيطانان الصغيران لى






وكل من يعرف من قريب أو بعيد يتحاكى عن الأمير الذى جاء من الأساطير ليخطب أقبح فتيات الحى .. ومصمصت النساء شفاههن وهن يتحسرن على الأمير عديم النظر والذوق ويندهشن من تلك الحمقاء التى رفضته ببساطة وتحدثن كثيرا عن (البطر ع النعمة) التى ستزول من وجهى بالتأكيد وأننى لن أجد مطلقا من فقد عقله ليختارنى زوجة له






الحق أننى أصبحت حديث المساء وكل مساء فى اجتماعات الجارات



وأخبارى تتصدر جدول أعمال نميمتهن كل ليلة



وكل منهن تقوم بتحليل الموقف للوصول إلى حل لغز رفضى للأمير






كانت الضغوط من حولى تتزايد



والحق أن الأمير كان مثابرا وكان مصرا على طلبه



وكنت مصرة على رفضى






وزادت الاجتماعات ومحاولات أمى لاقناعى بالنصيب الذى كتبه الله لى عنده



وأننى لو أضعته سأندم بقية عمرى



لكنى لم أقتنع






لا يمكن أن أشترى هنائى بتعاسة الأمير



لا يمكن أن يهبنى جماله فأهديه قبحى



لا يمكن أن يحاول إسعادى فأتسبب بعذابه





رغم كونه نبيل



فهو رجل أيضا



ولا يوجد رجل على وجه الأرض يرغب فى الزواج بامرأة قبيحة



لم يعذب نفسه بى؟ .. ويصر على ذلك بشدة






لا أفهم




حقا لا أفهم
 
coming-soon.gif



في الحلقات القريبة القاادمة
 
قصة رائعة، أنتظر بشوق النهاية السعيييييييدة شكرا
 
(17)

أفواه .. أفواه .. أفواه


تحول الكون حولى إلى أفواه كثيرة تتكلم دون انقطاع



أفواه .. أفواه

شفاه تعلوها الشوارب .. وشفاه تصطبغ بالأحمر

شفاه غليظة .. وشفاه رقيقة

شفاه كبيرة .. وشفاه صغيرة

وكلها تطلق الكلمات فى أذنىّ كالطلقات


حتى شعرت أن كلا منهما تزن عدة أطنان من فرط ما سمعته

لقد مارسوا سياسة (الزن ع الودان) باحترافية شديدة

والحق أننى أشفقت على أذناى المسكينتان

وقررت الاستسلام



كفى أرجوكم .. أريد بعض الصمت

بعضه فقط





هكذا تجدونى قد جلست فى حديقة بيتنا

أمام عرش الأمير

أداعب زهرة بنفسج بأنامل مرتعشة

والطيور قد كفت عن التغريد ووقفت تتابع سيدها فى صمت وقد قام من فوق عرشه وتوجه لى بخطى ثابتة وما لبثت القيثارة أن بدأت العزف

- لماذا؟

رفعت له عينين متسائلتين

- لماذا ترفضينى بهذا الإصرار؟

- من أنا لأرفضك يا أمير

- بم تسمى ما حدث إذن؟

- فقط أنا أحاول حمايتك

- حمايتى من ماذا؟

- من نفسك

- لا أفهم

- ألن تكف عن توريط نفسك بقرارت انفعالية دونما تفكير؟

- عما تتحدثين؟

- عن حقيقة ما فعلت

- هل تظنين أن ........



قمت من مكانى وقاطعته وأنا ابتعد بعض خطوات عنه لأتمكن من التنفس بصورة طبيعية

- بل أنا متأكدة من ذلك

تنهد فى صبر قبل أن يقول

- هيام .. قد لا تعرفيننى جيدا .. لكنى لست فتى مراهق يلقى بقلبه عن قدمى أول فتاة يقابلها .. أنا رجل ناضج بما يكفى لأحكم على مشاعرى وأعرف الحقيقى منها والزائف



قلت فى قسوة مقصودة

- عجبا .. لم لم تهديك عقلانيتك تلك قبل أن تقدم على تبديد كل شىء؟

عضضت شفتى بعدها ندما وأغمضت عينى حتى لا تفر الدموع منها

وحين فتحتها كان الأمير أمامى يبتسم بحنان ويقول

- أعرف أنكِ أخر من يستمتع بجرح الآخرين .. لم تحاولى ارتداء قناع القسوة؟ .. إنه لا يناسبكِ أبدا

- أنا آسفة حقا

- وأنا أحبك

- كفى أرجوك

- لم لا تصدقينى؟

- لأنى لست حمقاء

- أنا لا أخدعكِ

- بل تفعل



جذبته لنواجه سويا المرآة القديمة التى تحتل الحائط

وبيد مرتعشة وعينين لا تريان من فرط الدموع أشرت نحونا فى المرآة

كانت الشمس وكان الجمال حيث هو .. وكانت الظلمة وكان القبح حيث أنا


- انظر بنفسك .. هل ترانا جيدا .. هل ترى كم هى مخزية المقارنة بيننا؟
بل أن الضرير يمكنه بسهولة تبين ذلك .. أنتِ لم تُخلق لمثلى .. ومثلى لم تٌخلق لك .. لم تصر على تغيير قانون الكون الأزلى




جذبنى بعيدا عن المرآة وهو ينظر لى بثبات ويقول

- أنا لا أرى ما تصرين على رؤيته .. بل أرى أمامى روحا شفافة وقلب طيب وسريرة نقية وملامح ................

- قبيحة

- كفى عن هذا أرجوكِ .. لم أر فى حياتى أحد يصر على تعذيب نفسه بتلك الطريقة

- لأنى أرى الحقيقة

- بل لم تريها قط




وابتعد عنى متوجها نحو أحد المقاعد وجذب من فوقه لوحة اسطوانية صغيرة لم ألحظها من قبل وفردها أمام عينى وانطلقت شهقتى




لم أتمكن من النطق للحظات قبل أن أقول

- من هذه؟

- إنها أنتِ

- لا .. لا يمكن .. إنها جميلة .. أعنى ربما تشبهنى لكن .. لا إنها لا تشبهنى .. إنها جميلة

- هى أنتِ

- ليست أنا

- إنها هيام كما أراها

- هيام ليست جميلة

- بل هى كذلك .. لكنى لا تريد أن ترى الحقيقة




أخذت اللوحة وتأملتها .. هى ملامحى لكنها أكثر رقة .. والعينان تلمعان بسعادة وتشعان بريقا يضىء الوجه كله .. ياللروعة ..


- هل حقا ترانى هكذا؟

- نعم

- مستحيل

- صدقينى

- ليتنى أستطيع

- امنحينى الفرصة

- لأى شىء

- لترين نفسكِ بعيونى

- وهل يمكننى ذلك؟

- نعم

- كيف؟

- سأمنحكِ إياهما

- تمنحنى ماذا؟

- عيناى

- هل تمزح؟!

- أنتِ عندى أغلى منهما

- كفى أرجوك يا أمير

- هل تستسلمين الآن؟

- نعم

- سنتزوج يا هيام

- ألن تندم؟!

- سأندم فقط لو أضعتكِ منى

- هذا كثيرا جدا

- هذا بعض ما تستحقى



أطرقت برأسى لحظات كى أستوعب هذا كله ثم سألته وأنا أغالب خجلى ودموعى


- هل نحدد موعد الخطبة؟

- لا خطبة

- ماذا؟

- أنتِ متقلبة كالبحر يا حبيبتى ولن أمنحكِ الفرصة للهرب مجددا

- ماذا تعنى؟

- سأتزوجكِ الأسبوع القادم

- ماذا؟!! لن أتمكن من تجهيز شىء

- لا أريد سواكِ .. كل شىء سيكون معدا لاستقبالكِ

- أنا .. أنا لا أعرف ماذا أقول

- قولى نعم

- ..............

- قوليها

- ..... نــ ..... نعم






وهنا انطلقت زغرودة جميلة من أمى وتدافعت صيحات الفرح من خالد وخلود حيث انشقت الأرض عنهما فجأة و تعلقا بنا وهما يضحكان بمرح وأخذنا ندور بهما أنا والأمير وقد عادت الطيور للتغريد وحلقت فوقنا فى دوائر وتمايلت الزهور معنا وهبت النسمات تحمل شذاها ولاحت منى التفاتة نحو المرآة ولدهشتى طالعنى وجه جديد علىّ .. وجه تعرفته للتو من لوحة اسطوانية صغيرة رسمتها أنامل أميرى النبيل
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top