قبح وجمال قصة على حلقات

ما أجمل رائحة الشمس


ما أروع صوت الزهور


ما أحلى لون النسيم





كلا لم أجن بعد





ولكن حواسى تغيرت كما تغير كل شىء فى حياتى


لقد غمرت السعادة كيانى لتحملنى معى لعالمها الذى لم أره قط


عالم يبتسم فيه الأمل وتتحقق فيه الأحلام ويرفرف فوقه الحب


فُتحت أمامى بوابته الوردية


ودعتنى للدخول


وقد أوصدت خلفى ألف باب ألم ودموع وإخفاقات ومقت للكيان الذى يحتوينى


وقد بدأت حقا أحب نفسى كما أحبها الأمير




تعلمت كيف يصير الكون أكثر جمالا إذا أردت ذلك


تعلمت كيف أجلب الربيع إلى كل مكان أذهب إليه


تعلمت كيف تتفتح الأزهار من بين يدى


وكيف تشرق الشمس من ابتسامتى


ويطل القمر من عينى


تعلمت الكثير والكثير





محوت سنوات من القسوة على ذاتى ببضعة أيام من الحب والتقدير لها


أعتذر لكِ يا نفسى .. فقد كنت أكبر عدو لكِ .. كنت أكرهكِ فكيف تمنيت أن يحبك أحد؟ .. كنت الجلاد الذى آلمكِ بسياط الكره والنفور وعدم الثقة


فاغفرى لى أرجوكِ





بتلات الورد تتساقط عن وجه الزمن تحمل أيام مضت


وما بقى الكثير


لقد اقترب الموعد


ودنت السعادة


وقلبى لم يستعد بعد لحمل كل هذا القدر منها


رفقا بى يا دواء القلوب


فقلبى الصغير قد اعتاد الألم واستكان للجراح


ولسوف يؤلمه مذاقك الجميل إذ أخذه دفعة واحدة


رفقا بى أيتها السعادة





هل ترون حجرتى الصغيرة الضيقة


لقد صارت أكثر ضيقا من فرط ما احتشدت بها هدايا الأمير


حقائب ملونة كثيرة تحوى كل ما تتمناه فتاة على وجه الأرض


أضعاف أضعاف ما جلبته الجنية الطيبة لسندريلا


إن أميرى أكثر كرما منها


فساتين حريرية فاتنة.. أحذية لم أكن أجرؤ على تأملها فى واجهات المحلات


ترافقها حقائب لا تقل عنها أناقة وتألق


عطور لا تعرف من أى زهور سحرية صنعوها


ومساحيق تجميل تفوق فى روعتها ما رأيت فى ذلك المحل الشهير


الآن بامكانى التهام طلاء الشفاه اللذيذ دون خوف




مــــــــــا أجمــــــــــل الحيــــــــــــــــاة


مــــــــــا أجملهـــــــــــــــا
 



جاء الموعد


الذى كُتب فى القدر قبل أن أوجد




جاء الموعد


الذى كان بانتظارى سنوات عمرى الماضية




جاء الموعد


الذى ظننته لن يأتى قط





تبدل الكون حولى


كل شىء يبتسم لى .. يهنأنى .. يشاركنى سعادتى


الزغاريد تنطلق دون انقطاع من كل بيت فى حيّنا


وأكواب الشراب الأحمر تدور لتروى كل من يمر بنا


وفتيات الحى تحلقن حولى يقبلننى ويسرقن (قرصة فى ركبتى) كما هى العادة




وأنا لا أكف عن الابتسام فى وجوه الجميع


والبكاء فى الحمام أو فى غرفتى أو فى أى مكان لا يحتوى سواى


لا .. ليس حزنا أبدا

إنها دموع الفرح كما وصفوها


وربما هى دموع من رحمة حلت بى بعد قنوط شديد استغفرت ربى عليه كثيرا





هيام القبيحة كما كنت أراها دوما


هيام التى لم تجرؤ على الحلم بالزواج حتى من كواء الحى


هيام التى عاشت ألعن سنوات طفولة حيث تجنبتها الفتيات


وعانت أفظع سنوات مراهقة حيث تحاشاها الفتيان


وقررت ابتلاع ما بقى لها من عمر فوق وجه الحياة كدواء مر


وأيقنت أن لا حياة تنتظرها خارج جدران غرفتها






بعد كل هذا


يأتى الأمير الجميل الذى عشقته فى كل الحواديت


يتوجه نحوها متجاوزا كل الجميلات والفاتنات والمتأنقات


يمد يديه لها ويدعوها لمشاركته حياته


يدخلها عالمه السحرى ويهديها حبه ويتعهدها برعايته





هيام التى لا تملك الجمال ولا المال


التى لا تملك جاذبية خاصة ولا أسرة عريقة ولا مؤهل محترم


هيام التى لا تملك شىء


ماذا فعلت هيام لتستحق كل هذا؟





يا لرحمتك بى يا إلهى


كيف أشكركِ على نعمتكِ؟

كيف؟






فى المساء


سطعت الأنوار وغمرت شارعنا بألوانها البهيجة


وجلست أمام مرآتى أتأمل الصورة التى بداخلها


عروس كأجمل ما يكون




هل تروننى .. لا .. كيف .. هل تغيرت إلى هذا الحد؟


بالتأكيد


هذه ليست هيام


لقد ولدت من جديد .. وهى الآن أميرة


أميرة ترتدى ثوب أبيض فاتن يحبس الأنفاس انبهارا



ويعلو التاج رأسها يتلألأ كنور الشمس


وينافسه تألقا قرطين رائعين وقلادة جميلة


وتزين الابتسامة وجهها المشرق


لقد كان حفل من البريق يلهو هنالك







هل هذه أنا حقا؟ّ


أقول لكم سر


أنا من زينت نفسى هذه المرة


ألا تصدقونى؟


نعم أعترف أن المساحيق التى أهداها أميرى لى سحرية فعلا


ولكن ما هو أكثر سحرا أننى زينت نفسى التى أحبها هذه المرة فبدوت فاتنة


بينما حين حاولت تزيين نفسى التى أكرهها جعلت منها مسخا مضحكا


كم يغيرنا ما بداخلنا ويرسم نفسه على ملامحنا


لكنى تعلمت كيف أجعل نفسى جميلة من أجل عيون أميرى





الصخب خارج الحجرة يزداد وقد احتشد الجيران فى منزلنا الصغير


خالد وخلود ملاكىّ الصغيرين يبدوان فى أجمل صورة


بينما أمى لم تكف عن إطلاق البخور والتمتمة بكل ما بإمكانه أن يبعد الحسد والحاسدين





وهنا تنفست عبق الياسمين


وأرسل السوسن تحية


وابتسمت الجاردينيا مهنئة



فقد جاء الأمير


وكف قلبى عن الخفقان للحظة


حين رأيته أمامى وقد ابتسمت الشمس على شفتيه لتضىء المكان حولى


وتقدم نحوى وعينيه تلمع بإعجاب وسعادة


ابتسمت له وذاب كفى فى راحته وارتجف كيانى كله وأنا أخطو معه للخارج


حيث تعلقت العيون بنا وجلسنا على عرشين من الزهور




دارت عيناى فيمن حولى


ألف ابتسامة .. وألف تهنئة .. وألف زغرودة


كلها من الخارج رائعة ولكنى أعلم تماما


أن هناك كذلك


ألف نظرة حاسدة .. وألف مصمصة شفاه متحسرة .. وألف شهقة مستنكرة


أعرف أن الجميع يستكثرك علىّ يا أمير




أعلم أن جارتنا تلك تتمناك لإحدى بناتها اللاتى تصر على أنهن فاتنات الحى


وأعلم أن جارتنا هذه تتساءل عن سر رغبتكِ الانتحارية فى الزواج بى؟


وتلك هناك التى لم تكف عن معايرة أمى بى فى كل مشاجرة تفتعلها معها دون سبب


وأعلم أن هذه الفتاة تقتلها الغيرة وتتمنى أن تدفعنى من هنا لتحتل مكانى إلى جوارك


وتلك الفتاة هناك كانت تسعى لصداقتى لغرض واحد هو أن تبدو فاتنة إذا ما سارت إلى جوارى فى مكان ما تأكيدا لمقولة (وبضدها تتميز الأشياء)




أعلم كل هذا يا أمير


ولكنى أسامحهم جميعا


لم يعد بى ضغينة لأحد ولم يعد هناك مكان فى قلبى للكراهية


لقد احتلنى الحب بالكامل وطرد منى كل ما هو دونه



(صالحت بيك أيامى .. سامحت بيك الزمن)


كما تنشد كوكب الشرق


لقد سامحت بك الكون كله يا أمير


فلتشهد يا رب







 
(20)



الآن وجدت لى مكان فى كتاب الحواديت


وأفسحت لى الأميرات الطريق لتمضى خطواتى نحو القصر الأنيق


كان كل مابه ينطق بالجمال والذوق الرفيع


قصر يليق بأميرى النبيل




واستقبلتنى حاشيته بإيماءة احترام لأميرتهم الجديدة


ولم تخف عنى بعض نظرات الدهشة المهذبة


حقا الفارق يثير الدهشة بينى وبين الأميرة السابقة


لكنى ابتسمت فى وجوههم بمودة أكدت لهم أن العهد الجديد سيكون سعيدا




وصعدت نحو غرفتى


وما أن خطوت بداخلها حتى حبست شهقة انبهار كادت تفلت منى


ياللروعــــــــــــــــة


دارت عيناى فى أرجـــــــــــــاء الحجـــــــــرة التى لم أتمكن من استيعاب حدودها


يا إلهى يمكننى بسهولة أن أضل الطريق فيها إذا ما قررت الذهاب لخزانة الثياب مثلا


بخطوات مرتعشة تفقدت أرجاءها وشعور بالتضاؤل يتزايد بداخلى حتى صرت أحد الأقزام السبعة الشهيرة


وتوقفت أمام المرآة الكبيرة اللامعة التى تقف بشموخ وكبرياء ولعلى سمعتها تشهق باستنكار حين هوت صورتى على صفحتها البراقة التى لم ترتسم بداخلها إلا أجمل الوجوه وأكثرها سحرا وفتنة




تذكرت حجرتى الصغيرة فى بيتنا القديم


كانت ضيقة لكنها كانت مريحة فهى مثلى فقيرة لكن هذا القصر يبدو شاهقا بالنسبة لى .. لا أتخيل أننى سأمضى عمرى بين جدرانه العالية الباردة التى تثير الرعشة فى أوصالى .. الحق أن ثقتى بنفسى التى ما زالت فى مهدها قد بدأت فى الانسكاب من روحى لتسقط فوق السجاد الفاخر قطرة قطرة




نظرت حولى لم أجد مكان أختبئ فيه .. لم أجد مقعد يناسبنى لأتكوم فيه على نفسى وأمارس هوايتى المفضلة فى البكاء .. كل شىء هنا يرفع أنفه فى كبرياء وينظر لى بتعالى .. كل ما حولى يرفضنى .. شعور يغمرنى بأننى طفلة قد أضاعت أمها فى الزحام .. أين أنتِ يا أمى؟


كدت أنفجر فى نوبة هيستيرية قبل أن تهب علىّ النسمات العطرة وينفتح الباب عن الأمير




وقف يرمقنى للحظات قبل أن يقول


- هيــــــــام .. ما بكِ يا حبيبتى؟


واصلت طقوس ذعرى وأنا أرتجف ولا أقو على الكلام


اقترب منى أكثر وأحاطنى بذراعيه وهو يقول بقلق


- لماذا ترتجفين هكذا؟ .. ماذا حدث؟ .. كفى عن قضم أظافركِ .. ماذا بكِ؟


جاهدت حتى لا أبدو كالبلهاء وأنا أقول


- هل .. هل سنعيش هنا؟


- نعم


- .............


- ألم يعجبكِ بيتكِ الجديد؟


- أهذا بيت حقا؟


- وماذا يكون إذن؟


- إنه قصر يا أمير


ابتسم برقة وقال


- انه ما يليق بالأميرة


- لكنى لا أليق به


- لماذا؟


- ألا ترى ما حولك؟ .. حقا لقد وُلدت لتجد كل هذا عادى جدا ولا يثير الإعجاب لكنى وُلدت فى عالم آخر .. عالم لم أر فيه القصور ولم أحلم بذلك قط


- لكن القصر كان بانتظاركِ وها أنتِ قد جئتِ فى موعدكِ


- أنا خائفة يا أمير


- امنحى نفسكِ بعض الوقت وستعتادى كل شىء هنا وستجعلين كل ما فى القصر وكل من فيه يحبونكِ كما أحببتكِ


- هل تحبنى حقا؟


- هل ما زلتى تتساءلين؟


- ما زالت لا أصدق .. كل هذا كثير علىّ .. كثير جدا .. أشعر أننى فى حلم جميل سأفيق منه حتما


- أعدكِ ألا تفيقى منه أبدا


- حقا


- نعم




وأخذنى من يدى نحو نافذة كبيرة تطل على الحديقة الرائعة وأزاح ستائرها الحريرية ليغمرنا ضوء الشمس معا وتغرد العصافير الصغيرة أغنية الحياة فوق أغصانها وتتفتح الورود لتلقى التحية علينا .. مكان ساحر خلاب يليق بأمير فنان .. نظرت نحو الكيان الأسطورى الذى يجاورنى .. كانت عيناه قد رحلتا مع الطبيعة ليمتزج بها .. إنها جزء منه .. بعض من نفسه الرقيقة الشفافة كصفحة المياه .. رفعت عينى نحو السماء ودعوت الله أن يعيننى على حفظ نعمته التى أنعم علىّ بها وأن يهدينى السبيل لإسعاد أميرى النبيل
 
(21)


أيام وأيام انقضت وما زلت أتحسس طريقى فى القصر كطفلة خائفة تتصنع الشجاعة .. لقد ضللت الطريق فى البهو عشرات المرات .. وضعت بين الحجرات الكثيرة مئات المرات .. لماذا لا يضعون بعض اللافتات للطرق المؤدية للأماكن ها هنا ويوفرون علىّ ضياع نصف يومى فى تلك المتاهات




إن القصور لا تناسبنى حتما


لقد طلبت من الأمير بيتا صغيرا يحتوينا معا ويشعرنى بالدفء والطمأنينة


لكنه أخبرنى بتهذيب أن السقف القريب والجدران المتلاصقة تطبق على روحه وتشعره بالاختناق .. حقا روح كتلك اعتادت التحليق فى الفضاء الفسيح لن تتمكن فى البقاء فى تلك الأكواخ العجيبة التى يسكنها البشر


حقا لم أرد أن أضايق الأمير وحاولت التكيف مع حياتى الجديدة وبيتى الجديد




أجمل ما فى القصر هو مرسم الأمير


يا للجمال الذى تصتعه أنامله الساحرة


لوحات تحبس الأنفاس لا يرسمها سوى فنان ساحر


طبيعة تخلب الألباب لا يدركها سوى قلب رقيق شفاف كقلبه


أكل هذا الجمال فى الكون وتتجاوزه عيوننا التعبة التى لا تلتقط سوى ما يضايقها ويبعث فيها النفور؟!


لماذا لا نتأمل خلق الله عز وجل لتسمو نفوسنا عن الفتات الزائل؟


لماذا لا نحلق فى سماوات الجمال ونزيل الأثقال التى تربطنا بالأرض منذ وجدنا عليها؟


لماذا لا نتنفس الحب والخير والجمال والرقة والشفافية ونريح صدورنا من دخان الكراهية وعوادم القسوة وأبخرة الحقد والطمع والغيرة؟


ما أحمق هؤلاء البشر إذ يتركون ما سخره الله لهم ويتنازعون على ما لا يملكون منه إلا أقل القليل




الآن أنا أتحدث بلسان الأمير


وأرى بعينى الأمير


الآن أعرف سر ولاء كل ما هو جميل وساحر للأمير


فقد عشقهم فعشقوه


وامتزج بهم فمنحوه سحرهم وجاذبيتهم الطاغية


إن حبى للأمير يتضاعف فى كل ثانية


حتى فاض من قلبى وبدا يسيل كشلال هادر لا يمكن إيقافه .. كبحر هائج فى ليلة عاصفة .. كإعصار يجتاح كل ما فى طريقه .. كزلزال مدمر تتشقق له طبقات الأرض كلها .. كحمم بركان تنصهر لها كل جوارحى .. ويذوب معها كل كيانى


وتدفعنى للبكاء حبا وعشقا وخوفا على لحظة قد تأتى لتأخذه منى إلى حيث لا أراه أبدا




لقد أنهكنى حبك أيها الأمير


ومعه يزداد رعبى من فكرة ضياعك منى التى تكبر داخلى كل يوم


يبدو أننى اشتقت لتعذيب نفسى ثانية


يبدو أننى استكثرك عليها وأخشى اليوم التى تفكر فيه أميرة أخرى فى أن تستميلك إليها وتسلبنى قلبى الذى ينبض داخلى معلنا أننى على قيد الحياة


وبدأت فى ممارسة طقوس البكاء كل ليلة متمنية ألا تلحظ أنت عيونى المتورمة فى الصباح بعينيك اللتين تنفذان لأعماق روحى




كم أحبك يا أمير


وكم يوشك هذا الحب أن يقتلنى


رحماك بى يا أرحم الراحمين
 
- هيام
أسرعت نحو فراشه فور نداءه الواهن المنهك
- نعم يا أمير
اعتدل ونظر نحوى بقلق وهو يقول
- ما هذا؟ .. لماذا تبكين؟
مسحت دموعى الغزيرة بكفى وأنا أردد
- لا .. لم أكن أبكى أبدا
رفع ذقنى بإصبعيه باعثا زلزالا صغيرا فى كيانى وهو يقول
- لا أنتِ تبكين فعلا .. ماذا بكِ؟
- لقد .. إنك ... كنت تتألم كثيرا .. لم أحتمل أن أراك هكذا
انبعثت أرق ضحكة يمكن سماعها منه وهو يقول
- وهل تعتبرين الشعور ببعض الصداع من الأعراض الخطرة؟!
رفعت له عينىّ الدامعتين وأنا أردد
- إن حياتى ذاتها فداء لحظة ألم واحدة تشعر بها .. ليتها حلت بى أنا وليس أنت يا نبض قلبى
ابتسم برقة وقال
- يالرقتكِ يا حبيبتى .. لم أكن أعرف أننى عزيز على نفسكِ لهذه الدرجة
- بل أنت نفسى وكل ذرة يحتويها كيانى هى ملك لك
- يا حبيبتى الطيبة .. رفقا بى
- وهل رفق بى حبك قط؟
- حقا
- إننى أوشك على الموت حبا يا أمير
- لا تقولى ذلك يا حبيبتى فقد تعرفت طعم الحياة للتو معكِ
- وماذا أقول أنا وقد تعرفت الحياة ذاتها على يديك
- أنتِ تبالغى كثيرا
- هذه بعض الحقيقة فقط
- وماذا عن الباقى إذن؟
- لا تعبر عنه الكلمات
- هيام
- نعم يا أمير
- أنا أحبكِ
- كفى أرجوك.. لن أحتمل المزيد ما لم ترغب فى أن أنهار أمامك الآن
ضحك بمرح وهو يقول
- حسنا سأقاوم نفسى حتى لا أقولها لكِ مائة مرة كل دقيقة
- يا إلهى
- أحبكِ يا هيام
وهنا انفجر الشلال من قلبى وعينى معا ولم تكفى مناشف الكون كلها فى تجفيفه قط .. لقد كانت ورطة بحق للأمير الذى جاء بكل ما يمكنه ابتلاع بعض الشلال دون جدوى .. أظنه قد تعلم الدرس جيدا وسيعمل جيدا على الرفق بى من الآن فصاعدا
 
(23)

صباح رائع الجمال .. تنقلت كفراشة بين زهور حديقة القصر الباهرة والتى تعجز عن حصر أنواع زهورها وورودها البديعة التى تصطف فى خيلاء بين الخضرة اليانعة .. جذبتنى وردة حمراء عطرة الرائحة بديعة المنظر .. سحرتنى تماما ولم أفق إلا ووجدتها بين أناملى .. وضعتها فى شعرى على غرار الفتيات الرومانسيات فى الأفلام القديمة لا شك أنها ستهبنى بعض جاذبيتها .. أسرعت نحو القصر لألحق بالأمير قبل أن يغادر لعمله .. وجدته هناك على مائدة الإفطار الأنيقة وما أن رآنى حتى ابتسم لتشرق الشمس الثانية على الكون .. ابتسمت له بدورى وجلست جواره وما أن نظرت له لألقى عليه تحية الصباح حتى وجدت الابتسامة تلاشت من فوق وجهه وغابت الشمس بين غيوم ضبابية حزينة
تواثب قلبى فى صدرى قلقا عليه وأنا أقول
- ما بك يا أمير؟
- ما هذا الذى فى شعركِ؟
تحسست شعرى بغباء وأنا أردد
- عن أى شىء تتحدث؟
أشار بيده وهو يقول بحزن
- تلك الوردة.. أظنها لم تنبت فى شعركِ هذا الصباح
نظرت له فى حيرة ولم أفهم سر ذلك الحزن فى كلماته
أمسكت الوردة وأفلتها من بين خصلات شعرى وتأملتها للحظات قبل أن أسأله
- ألا تعجبكِ ؟ .. ظننتها رائعة
أجاب بمرارة
- كانت رائعة فى مكانها هناك قبل أن تنتزعيها منه
شهقت بفزع من كلماته وشعرت بشعور المجرم بعد ارتكاب جريمته
حقا كيف لم أفهم هذا؟ .. هذا القصر الضخم لا يحوى مزهرية واحدة ولم يهبنى الأمير باقة ورد واحدة منذ ارتباطنا .. كيف لم أفهم أنه لا يطيق قتل الورود الجميلة وأسرها داخل المزهريات والباقات التى سرعان ما تذبل وتدوسها الأقدام فى قسوة؟ .. إن هذا لا يناسب طبيعته المرهفة أبدا .. نظرت للوردة بهلع ولم أدر ما ينبغى أن أقول؟ .. وكيف أعتذر للأمير عن تصرفى الأحمق وقد قمت للتو بخرق قوانين مملكته .. كان حزين .. حزينا كأب فقد إحدى بناته.. ودون تفكير أسرعت إلى غرفتى وغمرت الكوب المجاور للفراش بالماء ووضعت فيه الوردة وأنا أدعو الله ألا تذبل .. وأصبحت هى شاغلى كل يوم أرعاها وأتوسلها أن تتمسك بالحياة ثم ما لبثت أن رقت لحالى وعادت للحياة من جديد ونقلتها لأصيص صغير قرب نافذتى .. كانت أول ما يلقى علىّ تحية الصباح .. وأول ما ابتسم له فى صباحى .. طبعا استعبت الدرس جيدا ولم أكرر فعلتى قط .. يجب أن أحيا هنا بإحساس عصفور رقيق وأن أنسى كل ما تعلمته من الأفلام الرديئة .. كم من ورود قتلوا ليقسموا لفتياتهم أنهم يهيمون بهن حبا .. يا لحفنة الأوغاد القتلة .. عذرا منك يا أمير .. يا ذا القلب الرقيق .. الطفلة الصغيرة ستجلس فى محرابك لتتعلم أبجدية جديدة للحياة
الحياة كما ينبغى لها أن تكون
 




الأيام تمضى بى


وقد تعلمت ألا أحسب الوقت


ألا أنظر لعقارب الزمن التى تزحف دون انقطاع


ألا أسأل الأيام عن اسمها والشهور عن ترتيبها والفصول عن دورتها الأبدية





لا أريد التفكير بشىء آخر سوى أننى مع الأمير


نتنفس ذات الهواء


ونحيا فى ذات المملكة


وقد بدأت أؤمن بأبدية السعادة التى لا يعكر صفوها شىء


وقوة الحب الذى يجمع بين روحين بعيدا عن قسوة الواقع خارجهما





وقد وبخت الطفلة المذعورة داخلى والتى تصر على أن مكروها ما يتربص بنا


وأن تلك الغريزة بداخلنا التى ترفض فكرة الهناء الأزلى تعلن عن صحتها دوما حين لا نتوقع ذلك




وقد سألت الله كثيرا ألا يحدث شىء ينغص حياتى ويجعل هواجسى السوداء واقعا يمرر سعادتى الوليدة


لكن جرس إنذار قد بدأ يدوى فى كيانى ويصيبنى بالذعر ويطيح بسلام نفسى ويهدم كل أمل .. وكل حلم .. وكل حياة





كان ذلك حين دخلت حجرتى ليلا .. كان الأمير قد جاء لتوه من الخارج وجلس على طرف الفراش منهكا ولم يبدل ثيابه بعد .. كدت أندفع نحوه قبل أن ألاحظ الهاتف الذى فى يده .. كان يتحدث بخفوت كعادته ولم يكن ذلك يثير ريبتى من قبل فنبرته الهادئة فى الحديث قد ألفتها تماما .. لكنى لم أعرف سر ذلك الوجيب فى قلبى الذى أخذ فى الخفقان كالطبل حتى خشيت أن يسمعه .. تواريت بعيدا عنه وأنا أحاول منع قلبى من الخفق .. منع أنفاسى من اللهاث .. منع أذنىّ من الاستراق لحديثه .. لكنى لم أستطع لفرط التعب البادى على ملامحه النبيلة .. ترى أى شىء قادر على جعله يحمل كل هذا الحزن المرتسم على وجهه؟ .. خوفى عليه سبق فضولى لكنى لم أسمع من حديثه سوى كلمات قليلة جدا .. ميزت منها اسم واحد .. اسم أعرفه جيدا .. اسم ظننته قد اختفى من حياتى وحياة الأمير للأبد .. لكنى كنت واهمة وساذجة كعادتى .. اسم اخترق أذنى حرفا حرفا .. ومزق قلبى قطعا قطعا .. وبعثر كيانى ذرة ذرة .. وأرسلنى إلى الجحيم دفعة واحدة .. اسم امرأة توعدتنى ذات يوم أننى سأدفع الثمن غاليا .. وبدا أن وقت السداد قد حان .. اسم واحد قادر على أن يبعث الرجفة فى أوصالى .. وأن يجفف الدماء فى عروقى .. وأن ينزع الهواء عن رئتى .. وأن يلقى بأحلامى إلى الهاوية .. وأن يهدم جدران هذا القصر فوق رأسى حجرا حجر




اسمكِ يا ناديـــــــــــــــــن
 


لا أدرى كم بقيت متكومة فى مكانى أبكى وأرتجف بعد رحيل الأمير .. كل شىء ينهار من حولى .. الكون كله يتصدع .. الأرض تتشقق من تحتى .. والسماء تنزف .. لقد تهاوى عالمى بالكامل فى بضع دقائق فحسب .. ضممت نفسى بأطرافى الأربع المرتعشة ودفنتها فى الجدار الشاهق الذى أشعر بشفقته علىّ الآن .. وقد تقافزت الهواجس السوداء من رأسى كشياطين جهنم .. تتسلق الجدران .. تزحف على السقف .. تنبت من باطن الأرض .. وتلف كل ما حولى بلونها القاتم .. معلنة الحداد علىّ .. كيف عدتِ يا ناديــــــــــن؟ .. هل فررتِ من أعماق البراكين .. أم حملتكِ إلينا الصواعق؟ .. أم جئتِ من قلب الجحيم؟ .. ماذا تريدين من الأمير؟ .. كيف يمكنكِ خداعه من جديد؟ .. حقا مثلك لن تعدم الحيلة لذلك .. من تتعلم منها الشياطين




هل أسدلتِ شعرك الأشقر الجميل فوق عينيكِ الزرقاوين ورسمت فيهما الضعف والانكسار والحنين؟


هل ذكرته بحب السنين؟


هل ذرفتِ أمامه دموع التماسيح ومارستى طقوس الألم والأنين؟




أخبرينى يا ناديـــــــن




ومن أعماق قلبى انطلقت صرخة مدوية مزقت ستائر الليل وأفزعت الطيور من أعشاشها وأجفلت الرضع على صدور أمهاتهم وهزت أرجاء مملكة النور التى لن تعود أبدا كما كانت


لن تعود




************




أطلال متهدمة.. بقايا ورود ذابلة .. جذور أشجار مقطوعة .. سماء ضبابية حزينة قد هجرتها البلابل لتفسح المكان للبوم والغربان وقد صمت كل شىء استعدادا للهول القادم .. تلك هى مملكتى الآن .. مملكة النور قد تهدمت .. لم يبق منها أثر وهى الآن تليق بمأساتى بحق .. كيف جرؤت على الحلم بالسعادة الأبدية .. أى أبدية على الأرض الفانية أيتها الحمقاء .. كل شىء يفنى ويزول حتى الحلم .. لقد طال حلمكِ أكثر مما ينبغى .. لقد انتصف الليل منذ زمن .. وسندريلا قد نست نفسها مع الأمير .. وها هى تعود لمظهرها القديم ولحياتها التعسة من جديد .. لقد طمعتِ كثيرا يا حمقاء .. ذلك كله لم يكن لكِ من البداية .. فلترحلى الآن واتركى القصور لأهلها .. عودى لحجرتكِ الضيقة وتكومى فوق فراشكِ القديم وادفنى فيه أحلامكِ الوقحة التى تعدت حدودها كثيرا




عودى لعالمكِ يا هيام .. فقد انتهت الأحلام
 

زحفت نحو الفراش .. نحو البقعة التى كانت تحتويه منذ قليل .. تحسست مكانه وأنا أبحث عن أى شىء منه .. أمسكت بذرات الهواء أعتصرها بين يدى بحثا عن رائحته فيها .. ضممت قبضتى على الفراغ وأنا أهتف باسمه واستحلفه أن يعود لى




أنا أبكى يا أمير .. هل ترانى؟



أن أصرخ يا أمير .. هل تسمعنى؟



أنا أتمزق يا أمير .. هل تشعر بى؟



أنا أموت يا أمير .. هل ترضى لى هذا؟




لطالما مسحت عبراتى بأناملك .. ومحوت خوفى بحنانك .. وأزحت ألمى برعايتك




لمن تتركنى الآن يا أمير؟


أحتاجك لأتنفس

أحتاجك لينبض قلبى


أحتاجك لأعيش



عد إلىّ الآن .. أو عد لجثتى بعد قليل



ودفعت بى صرخة أخيرة إلى خارج حدود الوعى أو علها خارج حدود الحياة





استفقت فجأة وأنا أرجو الله أن يكون كل هذا كابوس طويل سأصحو منه الآن .. وانتفض لأجدنى غارقة فى تعاستى .. فى ضياعى .. فى ألمى .. حيث كل شىء كما هو .. مددت يدى أبحث عن مقبض هذا السكين الذى ينغمد نصله فى صدرى ممزقا ضلوعى مخترقا قلبى الذى ينزف دما .. ينزف حبا .. ينزف عشقا باتساع السماء وعمق مياه البحر .. الظلام يغلف كل شىء .. فقد رحل النور مع الأمير .. أين أنت يا أمير؟ .. أين أنت؟




اخذت ارتجف وارتجف وقلبى يتمتم بكل ما يجلب السكينة فى ارتعاشته حتى برز أول خيوط النهار فى السماء .. جريت نحو النافذة أعب من هواء الصبح النقى وأنظر بأمل للنهار الذى يبدد الظلمة والخوف واليأس وانتظر فى صبر شروق الشمس لتهدى لى أول شعاع لها فوق الأرض .. عجبا ظننتها لن تأتى قط .. ظننتها ذهبت مع الأمير لتتركنى فى ظلام أبدى كالذى يجثم على روحى الآن .. ترى هل يحمل لى النهار أمل جديد؟ .. هل ستعود مملكة النور كعهدها؟ .. هل سيعود لى الأمير؟





جاءنى الجواب حين هب النسيم وغمرتنى رائحة الياسمين وفُتح الباب عن الأمير .. تسمرت فى مكانى لحظات .. كان مازال منهكا .. كان التعب البادى على ملامحه يشى بليلة مرهقة .. حتى وريقات الياسمين تبدو فى طريقها للذبول حزنا .. طارت عيناى نحوه وأفزعت عصفور جريح يحوم حوله .. تجمد السؤال على شفتى .. أين كنت يا أمير؟ .. أخبرنى أرجوك .. قل لى ما الذى يثقل نفسك الشفافة إلى تلك الدرجة؟ .. قل لى ماذا يمكننى فعله لأمسح عنك هذا الألم؟ .. سأفعله فورا حتى لو كان فيه موتى .. حتى لو سألتنى الرحيل عن مملكتك لأفسح المكان لأميرتك السابقة من جديد




سأفعل أى شىء .. لن تأخذنى الأنانية .. لن تأكلنى الغيرة .. لن أحقد عليك يا أمير .. فقد منحتنى الكثير .. أكثر مما أستحق .. سأرحل بهدوء فقط أخبرنى الحقيقة .. ولا تحاول أن تشفق علىّ .. لا تحاول إخفاء الحقيقة .. فمثلك لا يخدع .. لا يكذب .. ولا يخون .. أتوسلك يا أمير .. أخبرنى الحقيقة




بعثرت نظراتى فوقه .. بحثت عنها خلف العينين .. بين الشفتين .. فوق الجبين .. بحثت عنها خلف الضلوع .. بين الأوردة والشرايين .. فتشت بين كريات دمه البيضاء والحمراء عن نادين .. بالله عليكِ أين تختبئين؟ .. أعلم أنكِ هناك .. أسمعكِ تضحكين .. أشم رائحة عطركِ الخانق الثمين .. أرى نظرة شامتة فى عينيكِ الزرقاوين .. أعلم أنكِ منى تسخرين .. فقد استرددتِ ما كنتِ تملكين



أتعلمين؟


أنا لا أشعر بالحقد .. أتتعجبين؟



أنا لا أشعر بالغيرة .. أتندهشين؟



أنا لا أشعر بالكره .. أتُصدمين؟



لقد عشت ألف ألف حياة مع الأمير



وتذوقت ألف ألف سعادة مع الأمير



وتعلمت ألف ألف درس من الأمير



أخذت ما يكفينى لمئات السنين



وإن مت فلن أموت مرتين



أتغارين؟



فلتموتى بغيظكِ يا ناديـــــــــن
 


تقدم نحوى وعينيه ترحلان للسماء ثم ما لبثتا أن عادتا لتمسحان وجهى برقة وهو يقول


- تبدين مرهقة يا هيام .. ألم تنامى جيدا؟



تهدج صوتى وأنا أجيب


- وهل يمكننى النوم فى غيابك؟


- أعتذر لكِ .. فقد كان على الخروج سريعا


- ترى .. هل .. هل هناك شىء؟


- لا عليكِ .. سأذهب لأبدل ثيابى



أوقفته بيد مرتعشة وعيناى تحاول النفاذ لأعماقه وأنا أقول


- هناك ما تخفيه عنى يا أمير



نظر لى بصمت


- ألن تقوله لى؟


- ما الذى تريدين معرفته؟


- الذى يجعلك تخرج من بيتك فى منتصف الليل وتبيت ليلتك خارجه وتعود مرهقا تعبا حزينا هكذا




بعثر نظراته بعيدا وهو يقول


- هل يمكننى الاحتفاظ بهذا لنفسى؟




نظرت له فى ذهول .. هكذا ببساطة تنحينى جانبا .. تنفينى من حدودك .. تبعدنى عن مساحاتك .. تقتلعنى منك



- لا


قلتها بقسوة .. قلتها بغلظة .. قلتها بقلب أنثى جريح .. ونهر من حمم يصب فى أعصابى مخلفا شعورا لا يمكن وصفه



- هيام ............



الآن تتدفق الحمم لتصهر الكلمات على لسانى وأنا أهتف به


- أخبرنى الآن الحقيقة



- لماذا تنظرين لى باتهام هكذا؟


- أوليس يوجد واحدا؟


- ما هو؟



ضغطت على أسنانى .. على حروفى .. وعلى أعصابى وأنا أردد


- الخيانــــــــة




نظر نحوى بفزع .. بينما نظرت له بثبات أنثى على وشك خسارة كل شىء ولم يعد هناك ما تخشى عليه الضياع



- هيام .. ماذا تقولى .. أى خيانة تلك؟


- أنا سمعت كل شىء وإن لم أقصد ذلك


- سمعتى ماذا؟


- سمعت حديثك معها


- معها؟


- نعم لقد اخترق اسمها أذنى كالطلقة وهوى على قلبى كالصاعقة


- هيام أنتِ ............



نزعت نظراتى من فوقه وصفعت بها الجدار بكل ما يعتمل فى نفسى ولعله تصدع من جراءها وأنا أقول


- لا تحاول يا أمير أنا متأكدة مما سمعته ولست فى حاجة للدفاع عن نفسك أمامى .. تلك حياتك ولك مطلق الحرية فى أن تحياها كما تحب ومع من تحب



دخل هو مجال رؤيتى من جديد وهو يتساءل


- ماذا تقصدين؟


- أنا راحلة من هنا فلم يعد لى مكان فى دنياك



تراجع خطوة للوراء ونظر لى بذهول وهو يقول


- هل تتخلين عنى يا هيام؟



واريت دمعة بكبرياء وأنا أجيب


- بل أعفيك من الشعور بالحرج



هز رأسه وهو يردد


- أنا لا أفهمكِ أبدا


- أنا لا أتمنى سوى سعادتك حتى لو كانت مع غيرى


- لا سعادة لى دونك


- أنا لا أملك لك شىء سوى قلبى وقد تنازلت لك عنه منذ عرفتك واعلم أن لا أحد يمكنه احتلال مكانك فيه


- إذن لم تريدين هدم كل شىء؟


- لتبنيه من جديد مع حبيبتك


- أنتِ حبيبتى الوحيدة ولا أرى سواكِ


- كفى يا أمير


- لم لا تصدقين؟


صرخت بقوة الألم .. بحرارة كل براكين الأرض .. باندفاع شلالات الكون

- لأن هناك ناديــــــــن


- نادين؟!



مزقنى كل حرف نطقه من اسمها .. كل حرف منه .. نار .. ألم .. دموع .. يأس .. ندم .. هذا هو اسمكِ يا نادين .. كتمت آه كادت تفلت منى وأنا أجيب


- نعم يا أمير .. لذا علىّ الرحيل


- أنتِ لا تفهمين


- ليتنى لم أفهم


- أنا أحبكِ أنتِ .. أنتِ وحدكِ

تعلقت بعينيه أبحث عن أمل يعيدنى للحياة من جديد قبل أن أقول بتردد


- وناديـــن؟



مسح دموعى الغزيرة وابتسم لى بحنان وهو يقول


- لقد طويت صفحة الماضى من حياتى .. لكنى سأخبركِ عن ما تريدين


- حسنا أنا أسمعك



أطلق تنهيدة وأغمض عينيه فى ألم قبل أن يقول


- يجب أن ترى بنفسكِ .. تعالى معى




وأخذنى من يدى وأنا لا أفهم شيئا حتى وجدتنى جواره فى السيارة وهى تنطلق بنا إلى حيث لا أدرى .. لم أفتح فمى بكلمة وأنا أفكر في هذا الذى يريدنى أن أراه وقلبى يتوجس خيفة وشعور بالغثيان يغمرنى ونيران حارقة تتأجج فى معدتى .. يا إلهى ما هذا الألم؟ .. شعرت بأننى أركب سفينة تتقاذفها الأمواج حتى أصابنى دوار البحر ومنعت نفسى من التقيؤ بصعوبة حتى توقفت السيارة أخيرا أمام فيلا أنيقة .. نزلت من السيارة وتبعت الأمير إلى الداخل .. كانت هناك حديقة فسيحة تناثرت فيها المقاعد وكان هناك بعض الناس ينتشرون فى الحديقة وقد استرعى انتباهى أنهم يرتدون جميعا زيا أبيض موحد مما يوحى بأننا فى مستشفى ما .. تعلقت بذراع الأمير وأنا أقاوم الدوار الذى يلفنى ويجاهد لينزع عنى وعيى .. حاولت سؤال الأمير عما نفعله هنا .. لكنى لم أستطع الكلام .. واصلت السير بصمت وأنا أشعر بشعور من يمشى على وسادات هوائية .. فأعلوا معها ثم أنخفض ويواصل كل شىء الرقص من حولى حتى توقف كل شىء .. حتى الهواء كف عن الصفير فى أذنى وكفت الطيور عن رفرفة أجنحتها ووقفت تتابع ذلك المشهد المذهل




كانت هناك على أحد المقاعد بثوب أبيض ناصع وقد أسدلت خصلاتها الشقراء على كتفيها بينما تحلق عيناها الزرقاون فى الفراغ



توقف قلبى للحظات وأنا أنظر لها فى بلاهة .. قبل أن أجر قدمى جرا لأقف أمامها .. كانت مازالت تحدق فى لا شىء .. ويبدو كما لو أنها لم تعد تنتمى لعالمنا قط .. مددت يدى نحوها متوقعة أن تنقض عليها فجأة .. ولكن شيئا لم يحدث .. حركتها يمينا ويسارا أمام عينيها الزجاجيتين اللتين طالما أطلقتا شرارتهما فى وجهى .. وصوبتا سهامهما النارية إلى كيانى لتصهرانى خجلا وألما .. بدت أمامى كطيف لا وجود له أو لعلى أنا تحولت لشبح غير مرئى ..



تلفت حولى .. هل ترونها أنتم أيضا أم أن هذا بعض هذيان .. بعض جنون


بعض أى شىء آخر خلاف الحقيقة



من أنتِ؟ .. أين نادين؟ .. أأنتِ نادين؟


هل أضحك؟ .. هل أبكى؟ .. هل أجن؟


ماذا أفعل يا أنتِ؟



أشرت نحوها وعقلى يصرخ فلم يعد لسانى فى نطاق الخدمة



أنتِ .. أنتِ يا من أحلتِ حياتى جحيما لا يطاق


يا من زلزلتِ الكون من حولى


يا من ألقيتِ بى إلى الكوابيس لتتقاذفنى فيما بينها


يا من جعلتنى على وشك هدم حياتى ووأد سعادتى الوليدة فى رمال الشك



لم تجلسين هكذا؟ .. لم تتظاهرين بالوهن والضعف وانعدام الحيلة؟ .. قومى من مكانكِ أيتها الحية الرقطاء وواجهينى .. أيقظى النمرة الشرسة التى تعيش تحت جلدكِ الناعم واجعليها تنشب مخالبها كما اعتادت .. لا تقولى لى أنكِ قد تحولتِ لحمل وديع مسالم بعدما ضاع منكِ الأمير .. لا تقولى لى أنكِ قد استدررتِ عطفه وشفقته عليكِ بإدعائكِ المرض ..



أن كان ابتعاده عنك يصيبكِ بالمرض .. فابتعاده عنى يصيبنى بالموت


وإن كان ابتعادكِ عنه يرسلكِ للجنون .. فابتعادى عنه يرسلنى للقبر



لا تقولى أنكِ تحاولى أن تسلبيه منى دون حرب عادلة معى


لا أيتها الأفعى أنا لن أسمح لكِ أبدا .. لن أسمح .........




وهنا بدا أننى استنفذت طاقتى بالكامل وبدأ وعيى يتسرب منى كحبات الرمال وسقطت أرضا وآخر ما علق بعينى نظرتها الخاوية من أى معنى وأى حياة
 


- لم؟


- ظننتنى فقدتك للأبد


- يا لطفلتى المذعورة الطائشة!


- كنت على وشك الموت يا أمير


- لا تقولى هذا .. لا طعم لحياتى دونكِ .. كم أتمنى أن تعلمى هذا دون أن أذكركِ به كل يوم


- هل أنت غاضب منى؟


- لم؟


- لقد جرحتك بكلامى المتهور واتهمتك بالــــ ......


عضضت شفتى ندما



ابتسم وهو يقول


- وهل أغضب لأن حبيبتى تغار علىّ؟


- أنا أغار عليك من نفسى


- وأنا أيضا


- أنت تغار؟! .. مستحيل


- ولم لا؟


- لأن لا يوجد من يمكنه أن يجعلك تغار


- بل يوجد


- لا أحد فى حياتى سواك أنت وأمى وخالد وخلود .. أنتم تحتلون حجرات قلبى الأربعة ولا يوجد مكان لسواكم


- إذن يجب أن تجدى حجرة شاغرة الآن


- لمن؟


- لمن سأغار منه


- وتريدنى أن أجد له مكان فى قلبى؟!


- نعم


- لا أفهم


- أعتقد أنه الوحيد الذى يمكننى الغيرة منه وحبه فى الوقت نفسه


- ما هذا اللغز؟ .. أنا لا أفهم شيئا



- هل ما زلتِ تشعرين بالدوار؟


- نعم


- والغثيان


- نعم .. ولكن ما علاقة ذلك بـــــ ...........


- باقى أن تشتهى شيئا ما لا يمكن إيجاده أبدا وسأذهب لآخر الدنيا لأجلب لكِ بعض منه


- ..........................


- يا إلهى ظننت النساء جميعا يفهمن فى تلك الأمور ولكن طفلتى الصغيرة لا تستطيع استيعاب ذلك


- ......................


- هيام .. ستصبحين أم بمشيئة الله وستهبينى أجمل هدية فى الوجود .. هدية صغيرة لا تكف عن البكاء وإفساد الثياب لكنها تعطى الحياة مذاق أجمل


- .....................


- هيام كفى عن التحديق بى كقطة مذعورة .. وأغلقى فمكِ هذا قليلا .. لا أريد أن يعرف طفلى بأن له أم بلهاء




هنا لم أحتمل المزيد وفعلت الشىء الوحيد الذى أجيده هذه الأيام واندفعت فى نوبة بكاء هستيرية من النوع القادر على عمل بحيرة صغيرة وسط الغرفة وفعل الأمير واجبه فى جلب كل مناشف الأرض لابتلاع بعضها دون جدوى




هل سأصبح أما حقا .. هل سيأتى أمير صغير يملأ حياتى صخبا وسعادة .. هل ستستقبل مملكة النور ولى عهدها؟ هل ستنبت جذورى فى أرضك يا أمير بعدما ظننت أنها أُقتلعت منها للأبد .. لا أصدق .. حقا لا أصدق



حمدا لك يا أرحم الراحمين



*************




غادرت المكان الذى علمت أنه مصحة نفسية تاركة ورائى الهواجس والشك ونيران الغيرة التى تحولت لرماد بعد انسحاب غريمتى الوحيدة من حياتى ومن الحياة ذاتها

وعلمت فيما بعد القصة كلها حيث وقعت نادين فى شراك نصاب بارع أوهمها بأنه شاب فاحش الثراء وأنه غرق فى حبها منذ الوهلة الأولى وقد أحكم شباكه حولها بشدة حين ظنت أنها من أوقعته بجمالها الصارخ

وما لبث أن أقنعها بمشاركته فى مشاريع وهمية ستدر عليهما أرباحا خيالية وبدأ فى إغراء غريزتها الطامعة فى المزيد من كل شىء

وقد كان أن سلبها كل ما تملك ومن ثم تبخر كليا ولم تعثر له على أثر قط وقد جن جنونها وهى لم تصدق أن تنال صفعتين متتاليتين على وجه غرورها وبدأ عقلها فى التهاوى إثر صدمتها المروعة

وفى نهاية الأمر حُملت إلى تلك المصحة النفسية وقد تحولت لنبات لا تتكلم .. لا تنفعل .. لا يصدر عنها ما يوحى بأنها على قيد الحياة وقد قام الطبيب الذى هو صديق للأمير بإبلاغه بالأمر فى تلك الليلة التى خرج فيها مسرعا بدافع من واجبه الإنسانى نحو مطلقته وقام بما يلزم وبما يليق بنبل أخلاقه وتكفل بنفقات إقامتها للعلاج بالمصحة رغم تأكيد الطبيب بأنها ستبقى على جمودها هذا ما بقى من حياتها .. ولم يكن الأمير يرغب فى معرفتى بالأمر لولا إصرارى على ذلك فى لحظات جنونى

ترى هل ستصدقونى لو أخبرتكم أننى أشفق عليها حقا .. تلك القابعة هناك بثوبها الأبيض وملامحها الجامدة وقد ذهب عنها غرورها وتسرب منها كبريائها وهجرتها شراستها للأبد

لا يمكننى أن أحمل لها ضغينة .. لقد نالت عقابها من العزيز الجبار .. وليس لنا سوى أن نتعظ وندرك حقيقة ضعفنا البشرى ونكف عن التجبر فى الأرض التى لا تعرف لها سوى ملك واحد وكل ما دونه لا يعدو أن يكون سوى طعام ديدانها حين تبتلعه داخلها ليدرك حقيقته بعد فوات الأوان



نحن الضعفاء إليك يا قوى .. نحن الفقراء إليك يا غنى .. نحن الأذلاء إليك يا عزيز .. نرجو عفوك .. نبتغى مرضاتك .. نتطلع لجنتك .. فاقبلنا يا الله وأدخلنا فى رحمتك




كان قلبى يتمتم وعيناى تدمع ويداى تتحسس القطعة الدافئة الرابضة بين أحشائى ومزيج من الرهبة والخوف والسعادة والأمل والرضا والقلق يفعم نفسى والسيارة تنطلق بنا نحو مملكة النور التى تفتح ذراعيها لتحتوى ثلاثتنا بكل الحب
 
ألم .. ألم .. ألم



يا إلهى أشعر أننى أوشك على الموت .. ما تلك التقلصات البشعة؟ .. ما هذا الألم الشنيع؟ .. قبضات الألم تعتصرنى .. تنتزعنى من مكانى وتلطمنى بالسقف .. بالجدران .. تتقاذفنى فيما بينها ككرة مطاطية .. تنزع روحى منى .. ما أصعب خروج الروح من الجسد .. لكنها ليست روحى أنا .. هى روح أخرى .. غُرست فى أحشائى منذ شهور .. ورافقتنى بضع شهور .. وأسعدتنى بضع شهور .. وآلمتنى بضع شهور .. والآن تريد الخروج فى بضع لحظات فحسب .. مصطحبة معها ثلاثة كيلوجرامات من اللحم البشرى.. يا إلهى لم أعرف أن الأمر بهذا القدر من الألم القادر على تفتيت جبل .. كيف تحتمل النساء هذا .. ويجرؤن على تكراره أيضا .. أنا لا أفهم .. ليتنى سألت جارتنا تلك التى تملك سبعة أطفال .. يا إلهى كيف هى على قيد الحياة الآن .. وأمى .. آه يا أمى .. هل تحملتِ من أجلى وأجل الوغدين الصغيرين كل هذا الألم .. أكاد أتلاشى يا أمى .. أشعر أننى بضعة خربشات بقلم رصاص على وجه الحياة .. وهناك ممحاة عملاقة تتقدم نحوى.. أبعديها عنى يا أمى أرجوكِ .. ذلك المشاغب الصغير يلهو بها وسيمحونى تماما




رفقا بى يا صغيرى .. لا أحتمل كل هذا .. أعرف أن موعد خروجك للحياة قد آن .. ربما تكون قد مللت تكورك داخلى طيلة الشهور الماضية .. ربما وددت الخروج من ظلمات أحشائى إلى حيث النور .. ربما تشتاقنى والأمير كما اشتقنا لك .. ولكن على رسلك لست فى حاجة لكل هذا الصخب لأعرف .. أعدك أن نعمل على إخراجك بأمان إلى بيتك الجديد .. حيث سنلهو معا ونرعاك جيدا أنا والأمير وسأجلب لك لعبا كثيرة وسأحكى لك حكايات جميلة و ...........آآآآآه مهلا ماذا بك؟ لماذا تتعجل الأمور؟ .. حسنا سأحاول الآن لكنى لا أستطيع وحدى ساعدنى أرجوك





كان العرق يغمرنى ولا أكاد أرى أحدا ممن حولى الذين يرتدون الأبيض ويتكلمون دون انقطاع ويحاولون باستماتة إقناع صغيرى المشاغب هذا بالخروج ويسألونى أن أساعدهم .. يالحفنة الحمقى .. أنا لا أقو حتى على الصراخ .. ولا يمكننى فعل شىء لنفسى فكيف سأساعدكم بالله عليكم




وهنا وصل الألم لذروته وأطلقت صرخة من أعماق قلبى عصفت بما بقى من وعيى قبل أن يتناهى لسمعى صوت صغيرى وهو يحتج على انتزاعه بتلك الطريقة ويوبخ كل من حولى بصراخه المتصل فى وجوههم .. أحسنت يا صغيرى .. أحسنــــ ...............


وهنا غاب كل من حولى عنى أو لعلى غبت أنا عنهم







حين أفقت كنت ممدة على الفراش وبجوارى الأمير يحمل أجمل ابتسامة فوق شفتيه


- حمد لله على سلامتك


- سلمك الله


نظرت حولى ووجدت المهد الصغير حيث يغفو عليه صغيرى فى سلام أشرت نحوه وسألت الأمير


- هل هو بخير؟


- بل هى بخير


- هى؟ .. هل هى أنثى؟


- نعم


- حقا وكيف تبدو


- رائعة وتشبهكِ كثيرا


- ياللمصيبة



أشار بسبابته أمام وجهى كمن يوبخ طفلة صغيرة وهو يقول


- اممم هل عدنا من جديد؟



ابتسمت بخجل وأنا أجيب


- لا .. أعنى .. يا لفرحتى



ونظرت نحوها باشفاق وأنا أردد


- هل جاءت للدنيا هيام أخرى


- لا يوجد سوى هيام واحدة وكانت من نصيبى أنا لحسن حظى


- إذن هى من تكون؟


- اختارى لها اسم


- سندريلا



انسابت ضحكة جميلة منه وهو يقول


- وهل سنبحث لها عن أمير



فكرت قليلا قبل أن أجيب


- لا .. قد لا تجد أمير آخر .. ربما كان حظ أمها أفضل بكثير


- إذن فلنجعلها هى الأميرة


- أميرة


- ما رأيك؟


- اسم جميل .. أنت الأمير وهى الأميرة فمن أكون أنا؟



- أنتِ ملكتى ومولاتى وحبيبة قلبى


- كفى أرجوك لا قوة بى للبكاء الآن


- حسنا لا داعى لذلك


- أريد أن أراها



توجه نحو المهد الصغير وحمل الصغيرة بين يديه وقربها منى .. نظرت نحوها ولم أصدق أن ذلك المخلوق الرقيق كان بداخلى أحمله معى أينما ذهبت والآن وقد انفصل عنى وأصبح له كيانه الخاص



كانت تبدو جميلة حقا وقد أسبلت عيونها وراحت فى نوم عميق بعد عناء طويل مع هؤلاء المزعجين الذين ضايقوها بشدة اليوم وتذكرت صراخها فى وجوههم وابتسمت لها



مرحبا بكِ يا أميرتى الصغيرة .. تبدين قوية يا صغيرتى .. هكذا أريدكِ دوما .. سأمنحكِ كل ما حرمت نفسى منه .. سأجعلكِ تحبين نفسكِ كما أحبها خالقكِ الذى منحكِ نعمة الحياة .. سأعلمكِ كيف تواجهين الحياة ولا تتوارى عن عيون البشر .. سأعلمكِ كيف تثقين بنفسكِ وبقدراتكِ وبعقلكِ وبأحلامكِ .. سأعلمكِ كيف تطغى روحكِ الجميلة على ملامحكِ لتجعلكِ أجمل فتيات الكون .. ويوما ما ستقابلين أميركِ النبيل .. وستبنيان معا مملكة نور جديدة بحب وسعادة وإيمان




قبلت الجبين الوردى الناعم بشفتين مرتعشتين .. وشعور جديد لم أجرؤ على الحلم به يوما يدغدغ كيانى


ما أجمل إحساس الأمومة


حمد لك يا إلهى
 
كــــــــــــان يا مـــــــــا كـــــــــــان


فى هـــــــذا العصـــــــــر والآوان


عاشـــــــــــت سندريــــــــــلا


سندريــــــــلا .. كانت فقيــرة


سندريــــــــلا .. لم تكن جميلة


أو هكذا تراها العينــــــــــان




1275984639.jpg




سندريــــــــلا .. لم ينقصهــــا الحنـــان


سندريــــــــلا .. لم تفتقــــــد الأمـــــــان


وعليهـــــــا لم يقسُ الزمــــــــــــــــــــان




لكنهـــــــــا لم تطلق لأحلامهــــا العنان


لم تحلم يوما بحذاء أو فســــــــتان




1275985198.jpg




ولم تجرؤ على الذهاب لحفل الأمير


لم ترتدى فستـــــــــان من حريـــــــر


ولم تفقد حذاء البلور فى القصر الكبير




1275984727.jpg




لكن الأميــــر عرف إلى بيتها الطريــق


وعشق قلبهـــــــــا الطيب الرقيــــــق


ودعـــــــــاها لتكون الأميــــــــرة




1275983940.jpg




سندريــــــــلا .. الجميــــــــــــلة


هكذا تراها مرآتـــــها الأثيــــــرة


وهكذا يراهــــــــا الأميــــــــــر




1275984793.jpg




وهكذا تحكى الأساطيـــــــــــــر


عن سندريــــــــلا والأميــــــــر



أو عن


هيــــــــــــــــام ونبيـــــــــــــــل






أغلقت كتاب الحواديت ونظرت لأميرتى النائمة فى سلام



وضع كفه على كتفى وهو يسألنى بخفوت


- هل حكيتِ لها حدوتة قبل النوم؟



التفت له وأجبته


- نعم يا نبيل


- نبيل؟!


- نعم


- وأين ذهب الأمير؟


- ذهب ليلحق بسندريلا


ابتسم وهو يسأل


- وماذا عن هيام؟




نظرت له فى امتنان وأنا أجيب


- هيام شُفيت من عقدة الأساطير لأن واقعها بات أجمل بكثير




أحاطنى بذراعيه ونظر لعينى وهو يهمس


- هيام .. أنا أهيم بكِ حقا




التمعت دمعة فى عينى وأنا أهمس بدورى


- وأنا أعشقك يا نبيل .. يا أنبل نبلاء الكون





خطوت معه نحو الشرفة وتأملنا المملكة الناعسة حيث تغفو الطيور فى أعشاشها .. وتضم الورود بتلاتها الناعمة .. ويطل القمر من فوق عرشه على مملكته السوداء وقد تراصت رعاياه من النجوم حوله تتلألأ على سبيل التحية


وقد سرت فى نفسى طمأنينة وخشوع لمالك هذا الملكوت الذى يغمرنا بنعمه التى لا حصر لها




أسندت رأسى على كتف أغلى نعمه علىّ .. وأسبلت عينى وشعور بالأمان يتغلل فىّ ليحتل كل ذرة فى كيانى للأبــــــــــد




**************


تمت بحمد الله


**************
 
قصة رائعة،تعابير جميلة، احاث مثيرة و مشوقة ........... فالجمال الحقيقي جمال الروح وليس الجمال الخارجي......شكرا جزيلا على القصة........
 
قصة رائعة،تعابير جميلة، احاث مثيرة و مشوقة ........... فالجمال الحقيقي جمال الروح وليس الجمال الخارجي......شكرا جزيلا على القصة........

بارك الله فيك على مرورك الطيب

لك اجمل تحية

سلاام
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top