التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي

سميةCR

:: عضو منتسِب ::
إنضم
21 أفريل 2010
المشاركات
37
نقاط التفاعل
0
نقاط الجوائز
1
نظريَّة التَّعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
تقدمة:
الفقه الإسلامي أظلت رايته بلاد المسلمين في أكبر بقعة عرفها التاريخ على وجه الأرض ثمانين سنة وثلاثمائة وألفًا - صان فيها حقوق الناس، وحفظ مصالحهم فنعموا بعدالة التشريع وعدالة القضاء: ذلك العدل الذي من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

جهد القضاء والمفتون من الفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر الشريعة كلما نزلت بهم قضية أو حزبهم أمر، فكانوا يحدثون للناس أقضية بقدر ما أحدثوا، ويصونون فيهم المصلحة التي أرادها الله من هذا الدين؛ كما يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فقامت بذلك الحجة البالغة على كمال هذا الدين، وعلى أنه شريعة الناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقامت بذلك الآية البينة على أن الفقه كائن حي ينمو ويؤتي أكله بإذن الله لتلبية حاجات الحياة ومطالبها على اختلاف ألوان المجتمعات في كل عصر ومصر، ونظرة واحدة إلى تطور الكتب الفقهية من زمن كبار الأئمة المجتهدين ترينا مبلغ الرقي المتزايد والنمو المُطَّرد الذي وصل إليه طالما كان يجلس مع القضاة على كراسي القضاء، ويقعد مع المفتين في المجامع والمساجد.

النظرية:ونظرية التعسف في استعمال الحق تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم.

ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب، ولا يقرؤون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الغرب على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه.

معنى التعسُّف في استعمال الحق:قسم علماء الشريعة الحقوق إلى ما هو حق العامَّة، وضابطه ما يتعلق به النفع العام للمجتمع من غير اختصاص بأحد؛ كالانتفاع بالطريق العام، والأنهار العامة، والمساجد، وهذا يثبت للناس جميعًا حق الانتفاع به والدفاع عنه، الثاني: الحق الخاص، وهو ما تتعلَّق به مصلحة خاصَّة للفرد؛ كحقِّه في ملكه، أو في ولايته على ولده، وميَّزوا بين الحقَّين: بأنَّ الأول: لا يمكن تمليكه ولا إسقاطُه، والثاني: يمكن تمليكه وإسقاطه.

وما دام التَّعسُّف في استعمال الحق شاملاً للقسمين يمكن إدماجهما في تعريف واحد نستخلصه من الاستعمالات المختلفة للفقهاء، وهو ما يثبت للإنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عامَّا أو خاصَّا، وسواء أكان حقَّا متعلقًا بالمال؛ كحق الملك في الأعيان، وحق الانتفاع بالعين المستأجرة أو المستعارة، وحق الحبس في المرهون، أم كان حقًّا غير مالي؛ كحق الولاية للشخص على أولاده، وحق الزَّوجية ومنه حق الطَّاعة لولي الأمر، وحق الشُّورى للأفراد الذين يتأهلون لذلك وغيرهما من الحقوق السياسية.

ولا يأبى الفقه الإسلامي تقسيم فقهاء القانون له إلى شخصي وعيني، فالأول: دين أو عمل أو امتناع عن عمل لشخص على آخر؛ كالثمن المؤجل، ومنفعة الأجير، والامتناع عن الانتفاع بالمرهون أو الوديعة، والحق العيني هو علاقة اختصاص لشخص على شيء في مواجهة الناس جميعًا؛ كحقِّ الملك، وحقِّ التَّصرُّف في المَملوك، وحقِّ الارتفاق بالشرب، والطريق، ووضع الجذوع على حائِطِ الجار.

وأسباب اكتساب هذه الحقوق إمَّا اختياريَّة، وإمَّا جَبْرِيَّة، فالأولى: العقد، والعلم النافع؛ كالفضالة، ومنها ما إذا أنفق على اللقيط بغَيْرِ إذْنِ القاضي عند المالكيَّة، والعمل الضَّار؛ كارتكاب الجرائم، والامتناع الضار.والسَّبب الجَبْرِي أمران: الأوَّل: أوامر الشارع؛ كالإنفاق على الأولاد، والضرائب من العشر، والخراج، والزكاة، والثاني: هو الإرث.

معنى التَّعسف:التَّعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقِيِّين الغربيين، فيجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي.فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع؛ كما سيتبين هذا فيما بعد.

وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع، أي ممنوع ومحرم من أول الأمر.
أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.
qatarw.com_370612981.gif


 
صح فطوركم===================
 
بارك الله فيك على المجهود
تقبل الله متا ومنكم
 
شكرا للرد :heh:
 
العودة
Top