أيّها الإخوة الكرام : الحديث عن تزكية النّفس في ضوء دلالة الآيات و النصوص و الأحاديث المأثورة عن النبي صلى الله عليه الصلاة و سلم حديث واسع و له جوانب كثيرة جدا ، و في لقاءنا هذا سأقف وقفات مع جوانب مهمة و قواعد عظيمة مستمدة من كتاب الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم كلها تدور حول فقه تزكية النّفوس .
_ و نبدأ أولا بحديث مختصر عن النّفس ما هي ؟ و ما حقيقتها ؟النّفس البشرية ، وماهي صفاتها ؟نقف أيضا في هذا الباب على بعض الأمثلة أو الأمثال العظيمة التي ضربها أهل العلم ، التي توضح ما يتعلق بالـنَّـفس البشرية .
و كيف أنّ أمر تزكية النّفس يحتاج من العبد إلى معالجة مستمرة و عناية دائمة و رعاية لهذه النّفس لكي لا تَنْفلِت و تضيع و قد جاء في القرآن الكريم ذكر ثلاثة أوصاف للنّفس مشهورة معلومة ، فوصفت بالنّفس المطمئنة ، ووصفت بالنّفس الأمارة بالسوء ، ووصفت بالنّفس اللوامة ، و هي ثلاث صفات للنّفس مشهورة معلومة ، وهذه الصّفات ترجع إلى أحوال تتعلق بالنّفس ، ولها في كل حال من هذه الأحوال ما يُناسبها من وصف ، فإذا كانت نفس الإنسان اطمئنت بالإيمان و ذكر الله و عبادته و حسن الإقبال عليه استحقت هذا الوصف - النفس المطمئنة -( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) .
بينما إذا كانت هذه النّفس تستحِثُ صاحبها على فعل المحرمات و ارتكاب الآثام و تقُـوده إلى مواطن المنكرات و مواضع الرذيلة و تدفعه إلى فعل القبائح و الرذائل ، فإنّها في هذه الحال نفس أمارة بالسوء .
بينما إذا كانت النّفس تلوم صاحبها و هي النّفس اللّوامة ، تلوم صاحبها على فعله لخطأ أو تقصيره في واجب أو تفريطه في طاعة فهي نفس لوامة ، وهذه صفة له أي أنَّها تلوم صاحبها ، و لوم النفس لصاحبها أيضا على قسمين كما نبّه أهل العلم :
_ قد تكون نفساً أمارة بالسوء و تلوم صاحبها على عدم إزدياده مِن السُّوء ، و تماديه في الخطأ .
_ و قِسم و يتعلق بالنّفس المطمئنة تلوم نفسها أو تلوم صاحبها على تفريطه و تقصيره و عدم إزدياده من الخير .
فهذه الأوصاف الثلاثة للنّـفس المطمئنة و الأمارة للسُّوءو اللّوامة أحوال تتعلق بالنّفس و لها من هذه الأوصاف بحسب حالها ، و لهذا قد تكون النّفس في اليوم الواحد أو في السّاعة الواحدة مُتقلبة ، و كل انسان يعلم ذلك من نفسه ، و هذه التقلبات للنّفس راجعة الى الواردات التّي ترد على النّفس ، فالنّفس بتقلباتها بحسب الواردات التي ترد عليها .
أرأيتُم أنّ الإنسان عندما يُكرمه الله جلّ و علا بحضور مجلس ذكرٍ و حلقة علم و مكان وعظٍ و تذكيرٍ بالله سبحانه و تعالى كيف أنّ نفسه بسبب هذا الوارد ترتقي نحو الفضائل ، و كيف أنّ نفسه تطمئن حتى إنَّ كثيرا من الناس يحدث بذلك عن نفسه .
يقول : و الله إنّني لَدخلت المسجد و صليت و سمعت العلم و التذكير بالله ، أجد طمئنينة و أجد راحة و أجد كذا .. الخ ، يُخبر بذلك عن نفسه .
هذه الطمئنينة للنّفس حصلت بهذه الواردات المباركة التي هـيئَها الله سبحانه و تعالى لهذا الإنسان .
بينما إذا ذهب الإنسان إلى الأماكن التي تثير في قلبه المُحرم و الرّذيلة و الفاحشة و الفساد ، يجِد أنَّ نفسه انتقلت إلى نفس أمارة بالسُّوء .
و هذه المعالم تؤكد لنا أيُّها الإخوة الكرام أنَّ النفس تحتاج من العبد إلى محاسبة و إلى مجاهدة ، و هذه المُحاسبة و المُجاهدة و المُتابعة للنّفس هي نوع من الجهاد في سبيل الله .
و قد قال عليه الصلاة و السلام في خطبته في حجة الوداع قال : ( ألا أنبئكم بالمؤمن ؟ المؤمن من أمِنَه النّاس على دمائهم و أموالهم ، و المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ، و المهاجر من هجـر الخطايا و الذنوب ، و المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ).
و ثبت عنه عليه الصلاة و السلام في معجم الطبراني و غيره أنّه قال :( و أفضل الجهاد جهاد النفس في طاعة الله ).
و لا شك أنّ هذا جهاد ، و لا شك أنّ النّفس تحتاج إلى جهاد و تحتاج إلى مُتابعة ، و قد يجد الإنسان في بداية الأمر شيئ من المشقة و شيئ من الصعوبة ، و إذا مضى مستعينا بالله ، بلغ بإذنِ الله سبحانه و تعالى مبْلغا عظيما مباركا في تزكيتهِ لنفسه .[font="]
[/font]