لقد هجرت السيدة فاطمة بنت محمدٍ الطفولة منذ صغرها فقد عاشت أماً لأبيها بعد موت أمها خديجة - رضى الله عنها وأرضاها - وكانت تخفف عنه الأحزان وترد عنه أذى مشركى قريش فقد أخرج البخارى :أن عقبة بن أبى معيط جاء بسلا جزورٍ فوضعه على ظهر رسول الله فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة - رضى الله عنها - فرفعته ودعت على من صنع ذلك عند ذلك رفع النبى رأسه وقال : " اللهم عليك بأبى جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأبىّ بن خلف "
ولما هاجر رسول الله أرسل رسول الله من يأتى بأهله فخرجت السيدة فاطمة وأختها أم كلثوم ومعهما سودة بنت زمعة وفى طريق الهجرة إلى المدينة نخس الحويرث القرشى الدابة التى كانت تحمل السيدة فاطمة وأختها أم كلثوم فرمت بها الدابة فى طريق الصحراء بين مكة والمدينة وأثرت على ساقيها فلما علم رسول الله بذلك حزن حزنا شديدا ، فلما كان يوم فتح مكة أشار إلى أصحابه بقتل الحويرث حتى ولو تعلق بأستار الكعبة ولم يعتذر الحويرث من فعلته فبحث عنه الإمام علي بن أبى طالب حتى وجده فقتله
وفي المدينة المنورة تزوجت فاطمة من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وكان زواجا بسيطا؛ فعن عائشة واُمّ سلمة، قالتا: أمرَنا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نجهّزَ فاطمة حتّى نُدخِلها على عليّ، فعمدنا إلى البيت، ففرشناهُ تراباً ليّناً من أعراض البطحاء، ثمّ حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بأيدينا، ثمّ أطعمنا تمراً و زبيباً، و سقينا ماءً عذباً، وعمدنا إلى عود، فعرضناه في جانب البيت ليُلقى عليه الثّوبُ، و يُعلَّق عليه السّقاءُ، فما رأينا عرساً أحسنَ من عُرسِ فاطمة" (رواه ابن ماجة). وكان علي رضي الله عنه يقول: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه، وتعجن فاطمة على ناحية.
وكانت وليمة علي رضي الله عنه في عرسه كبشا، ثم قدم له بعض الأنصار آصعا (جمع صاع) من ذرة. وكانت هذه هي وليمة العروسين المبشرين بالجنة "علي وفاطمة".
وبنى بها فى بيت أمه فاطمة بنت أسد وكان ذلك بعيدا عن بيت رسول الله وكانت تتمنى أن تكون من السكن بقرب أبيها وسرعان ما تحقق أملها فقد جاءها النبى قائلا : " إنى أريد أن أحولك إلىّ "
فقالت لرسول الله : فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول وأكون إلى جوارك .
فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبى فقال : يا رسول الله إنه بلغنى أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلى وهى أقرب بيوت بنى النجار بك وإنما أنا ومالى لله ولرسوله والله يا رسول الله المال الذى تأخذ منى أحب إلىّ من الذى تدع .
فقال له الرسول: " صدقت بارك الله عليك " فحولها رسول الله إلى بيت حارثة
قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فَدَعَتْ بجرائد رطبة ، فَحَنَتْها ، ثم طرحت عليها ثوباً . فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد عليّ .
قال ابن عبد البر : هي أول من غُطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .
تقدّم ما لها من أبناء في ترجمة عليّ رضي الله عنه وكان لها من البنات :
أم كلثوم ، وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما .
وإذا ضاقت عليهم المذاهب أنكروا زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم !
توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها ، وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعا وعشرين سنة .
فرضي الله عن فاطمة البتول وأرضاها .
هي من النساء العربيات المسلمات اللواتي ارتبطت أسماؤهن بالشجاعة و الفروسية و الشهامة، و سجل التاريخ أسماءهن بحروف بارزة لا تزال الأجيال تقرؤها و تذكرها جيلا بعد جيل، إنها خولة بنت الأزور "الكندي"
تنتمي خولة إلى أسرة اشتهرت بالفروسية و العزة و الإباء، فقد استشهد والدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم في إحدى معاركه، و كان حينئذ مدافعا عن رسول الله، مقاتلا أهل الكفر الذين كانوا يريدون إطفاء نور الحق و الإيمان، و قد أخزاهم الله و نصر رسوله و جنده.
و انتقل الرسول صلى الله عليه و سلم إلى الرفيق الأعلى، و تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة فوقف وقفة عز و إباء ضد المرتدين عن الإسلام من القبائل العربية التي لم يكن الإسلام قد استقر في قلوبها بعد، و ضد الكفار و المشركين عامة.
و حين استتب له الأمر و انتهى من أمر أولئك المرتدين و المنافقين، أعلن حربه المقدسة ضد الكفر و أهل الشرك كافة فدعا إلى الجهاد في سبيل الله لنشر دينه، دين الحق و النور.
و هكذا خرجت الجيوش الإسلامية من المدينة المنورة رافعة رايات الإسلام متوجهة إلى الجهات الأربع لتعلي كلمة الله و لتزيل الطغيان و الشرك.
و خرجت خولة مع أخيها ضرار في الجيش الذي توجه إلى بلاد الشام، و راحت تخوض القتال هناك إلى جانب أخيها و باقي الجند الإسلامي ببسالة و شجاعة.
و في معركة طاحنة من المعارك التي دارت بين الطرفين، اخترق ضرار بن الأزور صفوف الأعداء و هو يطيح برؤوس أبطالهم بسيفه البتار حتى وصل إلى ابن ملكهم و طعنه برمحه طعنة اخترقت صدره و ألقته على الأرض جثة هامدة.
و سمع ملك الروم الذي كان معسكرا في حمص يومها بمقتل ولده على يد فارس عربي مسلم، فثار و قتل قائد جنده، ثم عنف الجند الذين كانوا يحرسونه و هددهم و توعدهم إن لم يثأروا له، ثم شكل فرقة جديدة انتقاها من رجاله الشجعان و أقسم عليهم أن يأتوه بذلك الذي قتل ابنه حيا عريانا مقيدا لينتقم منه شر انتقام.
و جاءت تلك الفرقة المختارة من فرسان الروم إلى جنوب بلاد الشام و عسكرت في أرض اليرموك حيث كانت المعارك دائرة بين الإسلام و الكفر.
و هناك راحوا يبحثون عن قاتل ابن مليكهم و يتحينون الفرصة للإيقاع به و أسره.
كان ضرار بن الأزور في ذلك الوقت يقاتل الأعداء يوميا من الصباح إلى المساء، يكر على صفوففهم دون خوف أو وجل يطعن فرسانهم و يطيح برؤوس جنودهم و هو يقتحم صفوفهم في مقدمة الجند الإسلامي المهاجم، و شاهده فرسان الفرقة المكلفة بأسره فرسموا خطة للإيقاع به ثم استدرجوه إلى كمين أعدوه بعيدا عن صفوف المسلمين، و تم لهم ما أرادوا حين أظهروا الهروب أمامه، فتبعهم يعمل سيفه بظهورهم حتى صار في وسط الكمين، فهبوا دفعة واحدة و أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، و طعنوا جواده برماحهم حتى سقط و سقط ضرار، فانقضوا عليه و كتفوه بحبال ثخينة و هم غير مصدقين أنهم أوقعوا به، و هو الفارس المغوار الذي أذاق جندهم الويل و سقاهم كؤوس الموت و أردى الكثيرين من أبطالهم ، و ساعدهم في أسره قوات رومية كثيرة حالت بينهم و بين المسلمين.
و جاء المساء و حل الظلام و انفك الاشتباك بين الجيشين و رجع الجند كل إلى معسكره، و جاءت خولة بنت الأزور إلى خيمتها متعبة من الضرب و الطعان، و هي تظن أنا أخاها ضرار قد سبقها إليها، و لكن لم تجده حين دخلت فجلست ترتاح قليلا تنتظره و هي تمني نفسها بعودته.
و طال الانتظار بخولة كثيرا، فدخلتها الوساوس و راودتها الهواجس و دفعها قلقها للخروج و السؤال عن أخيها، فأخبرها بعض الجند بأنه أسر، و أن الروم ما أسروه إلا بعدما تكاثروا عليه و وقفوا سدا بينه و بين الجند الإسلامي الذين لم يستطيعوا الوصول إليه و تخليصه.
و شعرت خولة بحزن شديد و هاجت نفسها و جاشت و سالت الدموع من عينيها، لكنها كتمت حزنها مبدية جلدا و تصبرا مصممة في نفسها على الانتقام و تخليص أخيها من بيم أيدي أعداء الله و الدين، و باتت تنتظر الصباح بفارغ الصبر لتنتقم و تثأر و تنقذ.
و جاء الصباح و وقف خالد بن الوليد قائد الجند الإسلامي يرقب المعركة الناشبة و يديرها معطيا تعليماته لجنده الشجعان.
كان خالد يرقب المعركة بعين يقظة و عقل مدبر مخطط حين استرعى انتباهه فارس مسلم طويل ملثم لا يظهر منه إلا حدق عينيه، كان يرتدي ثيابا سوداء و قد حزم وسطه بعمامة خضراء سحبها على صدره و تركها من خلفه، و هو يتقدم الصفوف كالنار الملتهبة يبرق سيفه كالبرق و هو يلوح و ينهال به على الأعداء و يرفعه و الدم يقطر منه.
سأل خالد من حوله من رجاله:
- من هذا الفارس الشجاع، و الله إنه لفارس شجاع قل نظيره.
و سكت من كان حول القائد خالد، لم يجبه أحدهم، فالجميع كان لا يعرف حقيقة الفارس الملثم.
و استمر خالد يرقبه و هو يهجم و يكر على عساكر الروم كالصاعقة المحرقة فيبعثر كتائبهم و يطيح برؤوسهم و يمزق شملهم حتى باتوا يفرون من أمامه كالخراف المذعورة حين يهاجمها ذئب مفترس.
و قد لفت هذا الفارس الملثم أنظار لجند الإسلامي و رفع من معنوياتهم فانطلقوا يكرون خلفه على صفوف الروم يعملون فيهم السيوف ضربا و الرماح طعنا بلا خوف و لا رهبة.
و نظر قائد من قواد خالد اسمه رافع بن عميرة إلى ذلك الفارسس المقاتل الشجاع و هو يفعل الأفاعيل بجند الأعداء فقال لمن حوله :
- ليس هذا الفارس إلا خالد بن الوليد !
و لكن و بعد برهة قصيرة رأى رافع خالدا يجول بين الصفوف قربه، فتقدم منه متعجبا و سأله :
- إذا لم تكن أنت ذلك الفارس الأسود المغوار ؟ فمن يكون هذا الذي يبذل نفسه و جهده و روحه غير هياب و لا خائف ؟
فقال خالد :
- و الله إني أشد إنكارا منكم له، و لقد أعجبني ما ظهر منه و من شمائله.
فقال رافع و هو يشير إليه :
- انظر إليه أيها الأمير، إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يمينا و شمالا.
و نادى خالد رجاله و قال :
- يا معشر المسلمين احملوا بأجمعكم و ساعدوا هذا المدافع عن دين الله.
و كر خالد على جند الأعداء كالصاعقة المحرقة و خلفه جنوده كرة ملتهبة من نار راحت تحرق و تفني كل من يقف في طريقها.
و اقترب المسلمون من الفارس الملثم الذي كان يجول بين صفوف الأعداء كشعلة من نار، و كان الروم قد تضايقوا منه فأرسلوا له خيلا و جندا كثيرين للقضاء عليه، و لكنه ظل صامدا أمامهم كجدار صلب متين و ظل يقتل منهم و يطعن فيهم غير هياب و لا خائف و ظل كذلك إلى أن وصل خالد و رجاله إليه و أعملوا السيف في صفوف الروم فأزاحوهم عنه و بعثروهم من حوله و طردوهم بعيدا بعد أن قتلوا منهم كثيرين و جرحوا منهم أكثر ممن قتلوا ثم رجعوا ظافرين منتصرين.
و حين عادوا جميعا إلى صفوف المسلمين، كانت الدماء قد خضبت ثياب ذلك الفارس الملثم، و كان سيفه محمرا من دماء أعداء الله.
نظر إليه خالد أمير الجند و صاح به فرحا مشجعا قائلا :
- لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله، و أظهر شجاعته على الأعداء، اكشف لنا عن لثامك.
لكن الفارس ظل صامتا، كانت عيناه تنطقان بحزن عميق لم يلحظه أحد، و لوى عنان فرسه و ابتعد دون أن يرد على خالد بن الوليد و و هو أمير الجند و قائده.