سأنزل القصة على شكل حلقات
الحلقة-1-
[font="]تسارعت الأشجار على سرعة القطار، فيخيل لمن يراها كأنها تتسابق فيما بينها، وبإحدى عرباته ومن بين المسافرين، جلستا الفتاتان سمراء وزهراء لا تتجاوزان الثالثة والعشرون من العمر، لحظات ويعلن عن اقتراب المحطة، توقف القطار فنزل من نزل وركب من ركب ليتابع سيره إلى محطات مقبلة … من بين الركاب عائلة مكونة من الوالدان وصبي عمره حوالي الأربع سنوات وصبية عمرها حوالي تسع سنوات هذه الأخيرة جلست مقابلة للفتاة سمراء وهي تبتسم، ابتسامتها أخذت سمراء إلى الماضي البعيد… فأغمضت عيناها وراحت تتذكر يوم كانت في نفس سن تلك الصبية وعلى نفس المقعد جلست دامعة العينان بيد مسكت حقيبة صغيرة وبالأخرى ترتكز على عكاز وعلى مقربة منها شيخ في بداية العقد السادس من عمره، ملامح وجهه توحي إلى طيبة قلبه حيث كان يراقبها بعيون مبتسمة كلها حب وحنان، وما إن توقف القطار، نزل الشيخ فنزلت خلفه، وبعد إقلاع القطار وانصراف الركاب اقترب منها الشيخ متسائلا:[/font]
[font="]- ابنتي[/font]![font="] … هل من مساعدة؟[/font]
[font="]لم ترد عليه لكنه فهم من إشارة بيدها أنها بكماء.[/font]
[font="]تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الو[/font][font="]ا[/font][font="]قع على صوت صديقتها زهراء:[/font]
[font="]- سمراء[/font]![font="] … سمراء[/font]![font="] … يا لله وصلنا إلى بلدتنا.[/font]
[font="]تستقعد سمراء وتتهيأ للوقوف وهي تستند على العكاز تاركة زهراء لتحمل الحقائب.[/font]
[font="]وما إن نزلتا حتى أبصرت زهراء من بعيد شابا مقبلا نحوهما فقالت وهي تبتسم:[/font]
[font="]- سمراء أنظري[/font]![font="] … مختار في انتظارنا …[/font]
[font="]توقفت لحظة وابتسمت وتابعت تقول:[/font]
[font="]- أقصد في انتظارك.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- آه منك. [/font]
[font="]- وهل تنكري أنه مجنون بحبك.[/font]
[font="]- أرجوك اصمتي إنه يقترب.[/font]
[font="]- المسكين لا يعرف أن القلب وما يريد.[/font]
[font="]وما إن اقترب منهما حتى قال:[/font]
[font="]- حمدا لله على وصولكما بالسلامة.[/font]
[font="]ثم راح يتناول حقيبتيهما بكل لطف واحترام. [/font]
[font="]يصلوا أولا إلى حيث إقامة زهراء … والد زهراء كان أمام الباب سعد جدا لرؤيتهما، رحب هو وزهراء بسمراء بالدخول إلى المنزل لكنها اعتذرت بلطف ووعدتهما بأن تمر فيما بعد.[/font]
[font="]تابعت سمراء طريقها مع مختار الذي فاجأها بدون مقدمات وبكل أدب وهدوء قائلا لها:[/font]
[font="]- سمراء … لماذا ترفضين حبي لك؟[/font]
[font="]وبعد فترة صمت ردت عليه:[/font]
[font="]- مختار تعرف جيدا كم أعزك … فأنا لم أرفض حبك لكن …[/font]
[font="]توقفت وشعرت بإحراج فنطق هو قائلا:[/font]
[font="]- لأنني لم أكمل دراستي الجامعية واخترت الفلاحة[/font]![font="][/font]
[font="]فقاطعته قائلة:[/font]
[font="]- لا أرجوك لا تقل هذا … وصدقني ليس هذا السبب فأنت إنسان متعلم ومثقف ومعك الثانوية وبإمكانك دخول الجامعة متى تريد، وإن كنت فلاح، فلاح بأرضك، وأي واحدة تتمناك.[/font]
[font="]- إذا مادام هذا هو رأيك فيّ، فلماذا ترفضين؟ [/font]
[font="]وبنوع من الإحراج والتردد استجمعت كل قواها وردت على تساؤله:[/font]
[font="]- مختار هل تزعجك صراحتي لو قلتها لك؟[/font]
[font="]- لا أبدا … فأنا وإن لم يكن لي معك نصيب سأظل دائما أخا وصديقا لك إن لم يكن لديك مانع.[/font]
[font="]شعرت لحظتها بارتياح وقد أدركت مدى سعة قلبه وعقله فبادرت قائلة:[/font]
[font="]- كلامك هذا أراحني ولهذا سأقول لك الحقيقة، أنا يا مختار مرتبطة بشاب يدرس معي بالجامعة، واتفقنا أن نحدد موعدا للخطوبة بمجرد تخرجنا، وصدقني لو قلت لك بأنني تعرفت عليه قبل أن أدرك اهتمامك بي.[/font]
[font="]لم ينطق ولا بكلمة … تابعا طريقيهما وكان الصمت سيد الموقف ولما وصلا إلى حيث إقامة سمراء غادرها قائلا بكل لطف وأدب:[/font]
[font="]- مثلما قلت لك، سأظل الأخ والصديق الذي تحتاجينه في أي وقت ومن كل قلب أتمنى لك السعادة والتوفيق مع من اختاره قلبك.[/font]
[font="]ولأنها أدركت صدق كلامه ونبرة حزنه فاكتفت بكلمة شكر له.[/font]
[font="]ودخلت إلى المنزل بعد انصرافه، وهي تعبر فناء المنزل أبصرت والدتها مجالسة أم مختار، فهرعت لترتمي في حضنها وهي في أشد الشوق لها، نطقت أم مختار في سعادة:[/font]
[font="]- ربنا ما يحرمكما من بعض.[/font]
[font="]بعدها سلمت سمراء على أم مختار وقالت لها: [/font]
[font="]- ولا يحرمنا منك، فأنا كلما يختلجني القلق في غيابي عنها فبمجرد ما أتذكرك بأنك لا تتركينها ولو لحظة لوحدها أشعر بالاطمئنان. [/font]
[font="]وردت أم مختار:[/font]
[font="]- ولو[/font]![font="] … يا ابنتي لا تنسي أننا ليس فقط بنات خالات، بل أكثر من الأخوات فنحن ولدنا وتربينا في بيت واحد.[/font]
[font="]تبتسم سمراء ثم توجه نظرها نحو أمها التي ما زالت تحيطها بذراعيها بكل حنان قائلة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إليك، وبصراحة لولا إصرارك بأن أكمل دراستي الجامعية ما كنت فعلت واكتفيت بالثانوية وطلبت من أبي زهراء أن يجد لي عملا بالمدرسة حتى لا أبتعد عنك ولو لحظة من عمري. [/font]
[font="]لحظتها تقوم أم مختار لتستأذن بالانصراف، وبعد خروجها تابعت سمراء قائلة: [/font]
[font="]- على كل هانت، كلها كم شهر وأعود حاملة الشهادة.[/font]
[font="]بعدها فاجأتها الأم قائلة:[/font]
[font="]- هل التقيت مختار؟[/font]
[font="] تنهدت وردت:[/font]
[font="]- نعم، وقلت له الحقيقة، هي صحيح حقيقة مرة لكن أنا متأكدة أنه إنسان مثقف ومتفهم.[/font]
[font="]وتحاول سمراء تغيير الموضوع حتى تبتعد عن الجو الحزين الذي اكتسحاهما وهما تتكلمان عن مختار قائلة بنبرة فرح وبهجة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إلى فنجان قهوتك.[/font]
[font="]وراحت الأم تسكب لابنتها فنجان القهوة من الإبريق الذي أمامها وهي في كامل سعادتها قائلة:[/font]
[font="]- حاضر … حاضر من عيني يا أحلام.[/font]
[font="]وردت سمراء باندهاش:[/font]
[font="]- أحلام؟!![/font]
[font="]الوالدة الحنون ودون إدراك منها تعيدها إلى الجو الحزين … وراحت سمراء تتذكر الماضي البعيد الذي مر عليه أكثر من أربعة عشر سنة، يوم نزلت من القطار وأحضرها ذلك الشيخ الطيب إلى منزله، وبعد أن استقبلها هو وزوجته بكل حب وحنان وناولنها بعض المأكولات، وراحت زوجته تسألها برقة وحنان واطمئنان باستعمال إشارة اليد:[/font]
[font="]- بنيتي ما اسمك؟ … أكيد لديك اسم وعائلة[/font]![font="][/font]
[font="]ويظهر على الصبية الذعر والخوف فنطق الزوج:[/font]
[font="]- دعيها الآن يا أم محمد والصباح رباح إن شاء الله.[/font]
[font="]بعدها راحت أم محمد تحتضن الصبية بكل حنان قائلة:[/font]
[font="]- اطمئني يا صبية لن نتخلى عنك إلا بعدما نعرف طريق أهلك، وريثما يتم ذلك، ما رأيك سأناديك سمراء، تعرفين لماذا؟ … لأنك تحملين سمرة جميلة وأنت حقا سمراء جميلة.[/font]
[font="]ابتسمت الصبية، ويظهر أنها شعرت بالاطمئنان وهي في حضن أم محمد.[/font]
[font="]تعود سمراء من الماضي إلى الواقع وبابتسامة حزينة قالت:[/font]
[font="]- من ذكرك بهذا الاسم يا أم محمد؟ يا أمي التي ليس لي أما غيرها.[/font]
[font="]وردت الوالدة بكل حب وحنان:[/font]
[font="]- لأنه اسمك الحقيقي.[/font]
[font="]وراحت الأم تتذكر بدورها ذلك الماضي … بالضبط يوم رجع أبو محمد مطأطأ الرأس حزينا وكان رده لما سألته أم محمد بلهفة:[/font]
[font="]- هل تأكدت؟[/font]
[font="]- مع الأسف نعم، اسمها الكامل أحلام حجازي والأب واحد من أكبر أثرياء البلد له في كل مدينة أملاك وعقارات، أكاد لا أصدق أنه أبوها، تصوري يعترف بأبوته لها ويمنحها شهادة ميلادها وفي نفس الوقت ينكر وجودها، مستعد أن يدفع أي مبلغ لمن يتبناها بعيدا عنه … يا إله؟ ما هذه القسوة !؟[/font]
[font="]لحظتها تظهر سمراء لما سمعت حوارهما وراحت تقدم ورقة لأبي محمد وكان المكتوب: هل تأكدت الآن من حقيقتي المرة؟" وكان رد أبو محمد وهو يحضنها.[/font]
[font="]-إذا كان هو باعك فأنا اشتريتك … طبعا ليس بماله بل بقلبي وحناني يا ابنتي. [/font]
[font="]ابتسمت سمراء وراحت تخطط بقلمها على الورقة قائلة فيها "والآن بعدما تأكدتما عن طريق من لا يستحق مع الأسف بنوتي له، هل ما زلتما مصران تسليمي إلى الشرطة لتبحث في أمري!؟".[/font]
[font="]وما إن قرأ الأب ما أرادت قوله سمراء على مسمع أم محمد، فإذا بأم محمد تحتضنها قائلة:[/font]
[font="]- أعذريني يا سمراء فنحن ما كنا نريد التخلي عنك حين أردنا تسليمك للشرطة، فقط لأننا كنا نظن أنك تائهة، لكن الآن وقد اتضحت الأمور فأنا يشرفني أن أعتبرك من اليوم ابنتي الصغيرة أخت محمد ومصطفى.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وراحت تخط بقلمها حيث قرأ أبا محمد "إذن من اليوم اسمي سمراء".[/font]
[font="]ونطق أبا محمد:[/font]
[font="]- وستدخلين المدرسة باسم أحلام حجازي، لكن لن نناديك إلا باسم سمراء، ولو كان الشرع يحلل تغيير الاسم أثناء التبني لفعلت ذلك من أجلك. [/font]
[font="]تعود أم محمد إلى الواقع حيث أبصرت سمراء تائهة النظرات وقد أرسلت بنظراتها نحو خضرة المزرعة من خلال النافذة، اقتربت الأم فإذا بها تكشف دموعها الحزينة فقالت برقة:[/font]
[font="]- سمراء ابنتي، الحياة الآن تغيرت، وأصبحت الآن على أبواب التخرج، ونور الدين الذي كلمتني عنه المفروض سيتقدم لخطبتك بعد التخرج وبالتالي يجب أن …[/font]
[font="]وتقاطعها قائلة: [/font]
[font="]- أرجوك للمرة الأولى والأخيرة إذا كنت فعلا تعتبرينني ابنتك إنسي الماضي، فأنا خلاص شطبت عليه إلى الأبد.[/font]
[font="]- لكن يا حبيبتي …[/font]
[font="]- أرجوك يا أمي.[/font]
[font="]وبسماعها لدقات الباب وضعا حدا لذلك الحوار، وراحت سمراء تفتح الباب فكان الطارق زهراء التي دخلت لتسلم على أم محمد وفي الوقت نفسه تلوم سمراء على تأخرها. [/font]
[font="]بالمزرعة … سمراء وزهراء … جلستا تتمتعان بخضرة الطبيعة الخلابة … وراحت سمراء تداعب ريشتها وهي تتفنن برسم الطبيعة، لحظتها راحت تتذكر حبها للرسم من أيام الصبا. [/font]
[font="]تذكرت يوم كانت ما زلت صبية ترافق أبو محمد إلى المزرعة وكيف كان يشجعها على الرسم هو وأبو زهراء باعتباره مدرسا.[/font]
[font="]بعد نهاية عطلة الربيع تودع سمراء والدتها وكالعادة تطلب من أم مختار أن لا تفارقها أبدا.[/font]
[font="]تصل سمراء بصحبة زهراء إلى الحي الجامعي … وبالضبط إلى غرفتها، وما هي إلا لحظات من بعد وصولهما وتصل مجموعة من الطالبات لتسلمن عليهما وفي الوقت نفسه ليتسلمن لوحاتهن من سمراء، فهناك من رسمت لها صورتها الشخصية أو صورة للطبيعة، وكن سعيدات بتلك اللوحات ورغم محاولتهن دفع ثمنها لكن سمراء رفضت ذلك بلباقة، وبعد خروجهن قالت زهراء:[/font][font="][/font]
[font="]- [/font][font="]هل يعقل هذا يا سمراء[/font]![font="]؟ …على الأقل خذي ثمن التكلفة.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- صدقيني يا زهراء، إعجابهن باللوحات ولهفتهن عليها هو بالنسبة لي الثمن الحقيقي، ثم لا تنسي إنهن طالبات مازلن تأخذن مصروفهن من العائلة.[/font]
[font="]- سمراء أنت فعلا فنانة، فنانة في الرسم، في أدبك، ونبلك، وأخلاقك، وطيبتك.[/font]
[font="]- يا لله … يا لله نغير ملابسنا.[/font]
[font="]وقالت زهراء باسمة:[/font]
[font="]- ونذهب للقاء حبيب القلب.[/font]
[font="]وأدركت سمراء كلام زهراء فراحت تجري خلفها لتعاقبها على كلامها، وما إن مسكت بها حتى راحت زهراء تتوسلها وتطلب منها العفو، ولم يكن كلام زهراء إلا مزاح، وعقاب سمراء لها سوى دعابة ومرح بين الصديقتين.[/font]
[font="]بالجامعة [/font][font="]...[/font][font="] سمراء بصحبة صديقتها زهراء تمشيان فإذا بسيارة بها مجموعة من الطالبات ما أن اقتربت منهما حتى راحت دلال وهي صاحبة [/font][font="]السيارة ترفع من صوت المسجل فانبعث صوت المطرب جورج وسوف على أغنية "هاي قالوا ... هاي قالوا ... الأسمر شايف حالو ... يا عيني ويا روحي يا غربة دلالو" ... زهراء وسمراء تبادلتا نظرات مفهومة وتابعتا طريقهما دون الرد على استفزازات صاحبة السيارة وصديقاتها، توقفت السيارة بعيدا ونطقت دلال موجهة كلامها إلى سليمة التي تجلس إلى جوارها:[/font]
[font="]- بصراحة أكاد أجن ما الذي أعجبه أخوك في هذه السمراء الريفية المعوقة؟[/font]
[font="]وردت صديقة أخرى جالسة مع اثنتان إلى الخلف بنوع من الاستعلاء والاستهزاء:[/font]
[font="]- طبعا سمرتها الريفية وإعاقتها[/font]![font="][/font]
[font="]ضحك الجميع من استهزاء نادية، وردت دلال بعد أن تنهدت:[/font]
[font="]- يا صديقتي سليمة أعترف أنني مغرمة بأخيك.[/font]
[font="]وردت سليمة وهي جد فرحة باعتبار دلال ابنة أكابر:[/font]
[font="]- وأخي لن يجد أحلى ولا أحسن منك.[/font]
[font="]- لكنه هو وجد ...[/font]
[font="]- هو صحيح حدّث العائلة عنها، لكن لم ترد عليه لا بالموافقة ولا بالرفض، لكن أنا شخصيا قلت رأي بصراحة وبصوت مسموع، فأنا لا يشرفني أن تكون زوجة أخي تلك الريفية المعوقة، صحيح إعاقتها بالرجل اليسرى تبدو بسيطة لكنها لا تستطيع أن تستغني عن العكاز.[/font]
[font="]توقفت سليمة عن الكلام وألقت نظرة حقد وغضب إلى حيث تجالس سمراء صديقتها ثم تابعت تقول مشجعة دلال:[/font]
[font="]- أنا لو مكانك يا دلال لن أستسلم وسأعمل المستحيل من أجل انتزاعه منها مهما كان الثمن.[/font]
[font="]وردت صديقة موجهة كلامها لدلال وكان يظهر عليها عدم رضاها على تصرفاتها:[/font]
[font="]- ألم تجدين إلا نور الدين لتقعين في حبه[/font]![font="][/font]
[font="]تشعر سليمة لحظتها بأن كرامتها جرحت فقالت بغضب مدافعة عن أخيها:[/font]
[font="]- وما عيبه أخي؟ هل تنكري وسامته وتفوقه في الدراسة؟ والأكثر من هذا لا أحد ينكر وقوع الكثيرات في حبه والإعجاب به[/font]![font="][/font]
[font="]أدركت نادية أن سليمة فهمتها خطأ فقاطعتها قائلة:[/font]
[font="]- لا يا سليمة لا تفهميني خطأ، فقط أردت أن لا أجامل دلال بكلامي، فقصة حب سمراء ونور الدين قصة تمتد إلى أيام الثانوية، وأنت نفسك قلت الكثيرات وقعت في حبه لكنه هو ظل يحب واحدة فقط هي سمراء، فلا داعي إذن أن تتعلق دلال بالسراب.[/font]
[font="]وردت سليمة:[/font]
[font="]- بغض النظر عن كونه أخي، فأنا أرى أن الشبان كلهم من طينة واحدة، وبإمكان دلال إن أرادت أن تنتزع نور الدين من الفتاة التي لا تستحق[/font]![font="]؟[/font]
[font="]فترة صمت ثم تبادلت دلال وسليمة نظرات مفهومة وبعدها انطلقت بسيارتها بسرعة جنونية ... مما أثار سخط بعض الطالبات الراجلات حيث قالت إحداهن بغضب:[/font]
[font="]- طبعا إنها ابنة محدثي نعمة.[/font]
[font="]كانت سمراء تنظر إلى الساعة بقلق ثم قالت لزهراء:[/font]
[font="]- لقد تأخر[/font].[font="][/font]
[font="]- أنظري إنه مقبل نحونا.[/font]
[font="]شعرت لحظتها سمراء بسعادة وهي توجه نظرها نحو نور الدين المقبل نحوهما وهو في كامل سعادته وأناقته، وما إن اقترب حتى استعدت زهراء بالانصراف قائلة لسمراء:[/font]
[font="]- إذن أتركك الآن ولنلتقي بالمدرج.[/font]
[font="]- لتبقي معنا.[/font]
[font="]- ومن سيحجز لكما الكراسي إن تأخرتما.[/font]
[font="]تبتسم سمراء ... زهراء تحيي نور الدين في طريقها، يقترب نور الدين من سمراء، يتوقف يتبادل معها نظرات مملوءة بالحب والحنان ثم ينطق برقة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إليك.[/font]
[font="]وردت سمراء في حياء مبتسمة:[/font]
[font="]- وأنا أيضا.[/font]
[font="]واختارا ركنا من أركان كافتريا الجامعة وما إن جلسا جلسة حميمة بريئة فإذا بالطالبة دلال تقاطع حديثيهما قائلة لنور الدين بنوع من الإغراء:[/font]
[font="]- أهلا بالصديق الغالي ... أكيد قضيت عطلة مريحة. [/font]
[font="]ويرد عليها نور الدين بأدب يخلو من المجاملة والترحيب:[/font]
[font="]- الحمد لله ... [/font]
[font="]وراحت تنحني بجواره فكانت رائحة عطرها المغري وهي تقول بدلال وإغراء:[/font]
[font="]- ممكن تعيرني دفتر المحاضرة؟[/font]
[font="]يشعر لحظتها نور الدين بإحراج، بينما سمراء قامت لتستأذن بالانصراف فأوقفها نور الدين قائلا بعد أن أدرك المغزى من تصرف دلال:[/font]
[font="]- لحظة يا سمراء.[/font]
[font="]ثم راح يقدم الدفتر لدلال قائلا:[/font]
[font="]- تفضلي وبإمكانك أن تبعثيه مع أختي سليمة.[/font]
[font="]وأمسك بيد سمراء بكل حنان وانصرفا دون أن ينتظر ولو لحظة لرد دلال، بينما دلال تشعر بإهانة وهي ترى نور الدين ينصرف بصحبة سمراء تاركًا إياها في أوج غضبها الذي لم تظهره لهما بل بلعته رغما عنها، لحظتها تحضر صديقتها نادية التي أدركت الحالة التي عليها دلال فقالت:[/font]
[font="]- لا تتعبي نفسك إن قصة حبهما مثل وقدوة لكل الطلاب والطالبات.[/font]
[font="]- لا ... أنا وراءوهما ... طال الزمن أو قصر.[/font]
[font="]- التخرج على الأبواب ولا داعي.[/font]
[font="]- لا ... لن أستسلم فأنا ما تعودت التجاهل من طرف أي شاب مهما كان.[/font]
[font="]واستمرت دلال في مطاردة نور الدين في كل مكان، تريد إغراءه بشتى الطرق لكنها لم تفلح ومع ذلك لم تستسلم، سليمة بدورها تحاول من جهتها إبعاد أخيها من طريق سمراء ... ذات مرة وهما على مائدة الغذاء مع والديها قالت بصوت منخفض موجهة كلامها لنور الدين:[/font]
[font="]- دلال تحبك. [/font]
[font="]ورد عليها بصوت خافت:[/font]
[font="]- وأنا أحب سمراء لا غير.[/font]
[font="]وصرخت في غضب وقد انفلتت منها أعصابها قائلة:[/font]
[font="]-أكاد أجن، ماذا أعجبك في واحدة ريفية معوّقة؟[/font]
[font="]ونطق الأب قائلا:[/font]
[font="]- ماذا يا أولاد؟ ما بكما؟[/font]
[font="]- أبي[/font]![font="] أمي يجب أن تتدخلا[/font]![font="] ... بصراحة أصبحت لا أطيق نظرات الطالبات وهن يتغامزن ويشاورن علي، على أنني حماة المعوقة.[/font]
[font="]ورغم قمة غضب نور الدين إلا أنه تمالك أعصابه وقام بهدوء وفضل الانصراف نحو غرفته على أن يتعارك مع أخته أمام والديه، يلتحق به والده، فوجده جالسا على السرير واضعا رأسه بين كفيه ... اقترب منه وبكل رقه وحنان قال: [/font]
[font="]- أرجو يا بني أن لا تغضب من كلام أختك فهي من وجهة نظرها تريد مصلحتك وسعادتك.[/font]
[font="]وأنا مصلحتي وسعادتي مع من اخترتها.[/font]
[font="]- على كل حال يا بني أنا شخصيا لست معترضا على سمراء.[/font]
[font="]كلام والده أراحه وجعله يبتسم في سعادة، فراح يقبل أباه ويشكره.[/font]
[font="]بالحي الجامعي ... حيث البناية التي تقطنها سمراء، كانت متجهة نحو غرفتها فإذا بموظفة الاستقبال تنادي عليها لتسلمها رسالة، فكانت الرسالة من والدتها، تسلمتها بلهفة وما إن دخلت ووجدت بالغرفة صديقتها زهراء فراحت تقرأ الرسالة بصوت مرتفع لكن ما أن أنهت الرسالة حتى اكتشفت زهراء دموعها فقالت باندهاش:[/font]
[font="]- سمراء[/font]![font="] [/font][font="]... ما بك ماذا حدث؟[/font]
[font="]- بقية الرسالة تقول بأن أمي باعت البيت والمزرعة.[/font]
[font="]- لا هذا غير ممكن[/font]![font="][/font]
[font="]- مع الأسف هذا ما حدث، محمد ومصطفى ظلا وراءها لغاية ما أقنعاها بالبيع.[/font]
[font="]تعود سمراء على الفور إلى المزرعة حيث الاستعداد للرحيل إلى المدينة، قبل الرحيل ذهبت سمراء إلى المزرعة تجولت بين حقولها وقلبها يعتصر حزنا على فراقها الأبدي، جلست صامتة تائهة بعيون حزينة وقد حز في نفسها مغادرة هذه الخضرة الريفية الخلابة، دمعت عيناها وهي تتذكر الماضي ... تذكرت يوما كان من أسعد وأتعس أيامها ... في ذلك اليوم تقرر إدارة المدرسة الابتدائية قبولها كتلميذة رغم إعاقتها بالبكم كونها نجحت بتفوق في اختبار خاص أدهش جميع مدرسي المدرسة وعلى رأسهم المدير، وكان الوالد عند وعده فأقام لها حفلة دعي فيها كل أهالي القرية، وصادف حضور ولديه من المدينة وهما محمد شاب في حوالي السادسة والعشرين من عمره ومصطفى أقل منه سنا في حوالي الثانية والعشرين من عمره، بعد التحية على الوالدين والضيوف، جلس يراقبان سمراء وهي سعيدة بصحبة أطفال من سنها وأولهم الصبية زهراء والصبي مختار، بعدها يتقدم الوالد ليقدم لها هدية كانت عبارة عن مجموعة لأدوات الرسم قائلا للحاضرين: [/font]
[font="]- لعلمكم أن ابنتي فنانة في الرسم.[/font]
[font="]مصطفى ومحمد يراقبان من بعيد والديهما وهما مهتمان بالصبية سمراء ... ويظهر عليهما عدم رضاهما بدليل أنهما لم يكلفا نفساهما بتهنئة سمراء ولو من باب المجاملة، وبعد انصراف المدعوين فاتح محمد والده في موضوع بيع المزرعة للانتقال إلى المدينة، لكن الأب أبدى غضبه ورفضه قائلا:[/font]
[font="]- قلت لكما لا تحاولا معي، فأنا لن أفرط ولو في شبر من أرضي، ولن أرحل إلى المدينة.[/font]
[font="]ويرد مصطفى بغضب:[/font]
[font="]- لكن سعيد بأن تبعثر الفلوس على هذه الغريبة.[/font]
[font="]ويصرخ الأب قائلا:[/font]
[font="]- أسكت، أدخلتك أنت وأخوك الجامعة ليتخرج على الأقل واحد منكما من كلية الزراعة ليعود ويهتم بالأرض، لكن يظهر أن المدينة أغرتكما.[/font]
[font="]يخرج محمد صارخا وغاضبا ليلتحق به مصطفى، الوالد يتعجب ويتحسر لتصرفيهما فقام ليلتحق بهما قائلا بغضب:[/font]
[font="]- لقد دلعتهما أكثر من اللازم، سأنزع لهما السيارة، وأضع حدا لدلعهما.[/font]
[font="]تحاول أم محمد أن تهدئه، لكنه يصر على اللحاق بهما، سمراء بدورها تلحق به وهي خائفة على الحالة التي عليها والدها المتبني، وما إن همّ بقطع الطريق حتى كان ولديه قد أقلعا بسيارتهما وقبل أن يصل إلى الرصيف المقابل داسته سيارة على غفلة، كان صاحبها يسوقها بسرعة جنونية ومن شدة الاصطدام المفاجئ، أوقف الشاب السيارة ثم نزل وهرب، بينما سمراء التي رأت الحادثة صرخت بكل قواها وهي ترى أبوها يتهاوى أرضا:[/font]
[font="]- أبـــــــي ......[/font]
[font="]وتجري نحوه ... وراحت ترفع له رأسه بهدوء ودموعها على خديها ونطقت بصوت مخنوق وبصعوبة: [/font]
[font="]- أ ... أ... أبي...[/font]
[font="]راح يمد يده بكل حنان ويمسح لها دموعها قائلا بصعوبة ومبتسما:[/font]
[font="]- أنت تتكلمين[/font]![font="]؟ ... لقد نطقت بأحلى كلمة[/font]![font="] ... آه لو كنت أعلم بأنك ستنطقين يوما ما ... ما كنت لأتأخر ... كنت سأعمل حادثة حتى لو ...[/font]
[font="]قاطعته الكلام وهي تضع يدها على فمه بكل رقة وحنان قائلة:[/font]
[font="]- أ... أرجوك ... لا ... لا تقول ... شيئا ...[/font]
[font="]ولما أدرك سكرات الموت تقترب قال بقلب يملأه الإيمان والشجاعة:[/font]
[font="]- سمراء أوصيك بثلاث، أولا دراستك لأنها ستكون سلاحك الوحيد، وبأم محمد فهي من غيرك ستكون وحيدة، وبالأرض ... الأرض يا سمراء ... الأرض ...[/font]
[font="]وأغمض عيناه وقد فارق الحياة وهو يردد أغلى شيء بالنسبة له ... الأرض ... لحظتها سمراء صرخت بأعلى صوتها ... [/font]
[font="]- لا .........[/font]
[font="]تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الواقع ودموعها على خديها وهي تردد في صمت " لا ...لا..." ... لحظتها يقترب منها مختار، وبصوت كله رقة اخترق صمتها وحزنها قائلا:[/font]
[font="]- سمراء ليكن في علمك، أنني لما اشتريت الأرض والبيت لم أفعل ذلك إلا لأنني متأكد من مدى معزتك وحبك الكبير لهما، خصوصا الأرض لا أريد أن تذهب لأحد غريب، لقد اقترضت مبلغا من البنك وسأرده بالتقسيط ... المهم الأرض والبيت، لو في يوم غير محمد ومصطفى رأييهما سأكون جاهزا لأردهما إليهما.[/font]
[font="]اعتدلت في الوقوف وابتسمت ابتسامة حزينة وقالت وهي تغادره:[/font]
[font="]- معدنك أصيل وأنت تستحقها.[/font]
[font="]بالجامعة ... سمراء بصحبة نور الدين بكافتريا الجامعة، لما أدرك سرحنها قال وهو يرتشف القهوة:[/font]
[font="]- سمراء حبيبتي إلى متى وأنت على هذه الحالة؟ [/font]
[font="]لحظتها تصل زهراء فردت عليه:[/font]
[font="]- أعذرها يا نور الدين فأنت لا تعرف مدى تعلق سمراء بالمزرعة وبالريف عموما.[/font]
[font="]يتقدم منهم مجموعة من الطلبة وهم زملاء نور الدين، فقام ليصطحبهم، وهو ينصرف قال: [/font]
[font="]- سأذهب لإجراء مقابلة في كرة القدم، إذا تأخرت عن المحاضرة فلا تنسى حجز مكاني معكما.[/font]
[font="]بقيت زهراء بصحبة سمراء تحاول التخفيف عنها ...[/font]
[font="]بعد الخروج من المحاضرة ... على باب الجامعة نور الدين يودعها على أمل اللقاء بها غدا قائلا: [/font]
[font="]- أرجو أن أراك غدا وقد نزعت ثوب الحزن من على وجهك ...[/font]
[font="]حاولت أن تبتسم وهي تودعه ... بعدها قالت زهراء وهي تقترب منها:[/font]
[font="]- و كيف حال أم محمد الآن؟.[/font]
[font="]- بيني وبينك أنا حاسة أن روحها هناك بالريف.[/font]
[font="]- مسكينة باعت أرضها وبيتها، كل هذا من أجل أن ترضنهما.[/font]
[font="]- بالرغم أنهما عوضاها بشقة مؤثثة أحسن تأثيث، لكن أبدا لن تكون أغلى وأجمل من بساطة بيتها الريفي.[/font]
[font="]تصل سمراء إلى المنزل، تدخل البيت، فتجد الأم بالمطبخ وقالت لها بلوم: [/font]
[font="]- من قال لك أدخل المطبخ؟ أنت مكانك السرير أو على الأقل الجلوس بالصالون.[/font]
[font="]- أنا خلاص خفيت.[/font]
[font="]- لكن الطبيب يؤكد على راحتك الدائمة[/font]![font="] [/font][font="]يا لله ... يا لله إلى السرير وإلى معاد الدواء. [/font]
[font="]بالصالون راحت سمراء تناول والدتها الدواء بكل حنان، وفجأة سألت أمها قائلة:[/font]
[font="]- أمي بعد إذنك ... هل أنت راضية على بيع البيت والمزرعة؟ [/font]
[font="]وردت الأم بعد فترة صمت قصيرة وبعد أن تنهدت بعمق:[/font]
[font="]- لا أكذب عليك، لم أتمنى يوما أن أفرط في أرض من مات من أجلها، لكن ماذا أفعل إنهما ولداي ولا أستطيع أن أتأخر في تقديم أية مساعدة أرى أنها بمقدوري وفي مصلحتهما.[/font]
[font="]وترد سمراء في صمت "آه لو يدركان مدى تضحيتك وحبك لهما".[/font]
[font="]تحاول الأم أن تغير الجو الحزين وهي تبتسم قائلة:[/font]
[font="]- ومع ذلك أنا سعيدة، تعرفين يا حبيبتي لماذا؟[/font]
[font="]ولم تنتظر رد سمراء وتابعت تقول:[/font]
[font="]- أولا لأنني التحقت بك لأكون إلى جانبك بدل غربتك بالحي الجامعي، ثانيا بعد التخرج ستعملين بشهادتك هنا بالمدينة، ثالثا وهو الأهم سأكون سعيدة وأنا أستقبل نور الدين وأهله هنا بدل الريف ليخطبك...[/font]
[font="]ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة قائلة: [/font]
[font="]- أولا ... كنت سأعمل بالريف كمدرسة وقد اتفقت مع نور الدين على ذلك، خاصة وأن العمل بالمدينة بعد التخرج من رابع المستحيلات العثور عليه بسهولة. [/font]
[font="]وتقاطعها الأم قائلة:[/font]
[font="]- لا ... أنت مهندسة وبإذن الله ستكونين مهندسة كبيرة تتمنى أكبر الشركات الانتساب إليها، كيف لا وأنت فنانة حتى في الرسم ...[/font]
[font="]توقفت ثم تابعت وكأنها تذكرت شيئا مهما:[/font]
[font="]- لكن قولي لي يا ابنتي متى سيحضر نور الدين ليخطبك رسميا؟[/font]
[font="]- بمجرد ما نتخرج سيحضر وبعد أن نشتغل ونكون أنفسنا سنتزوج بإذن الله ولو أنني ...[/font]
[font="]وتوقفت وقد غابت ابتسامتها فنطقت الأم قائلة بقلب يخفق قلقا:[/font]
[font="]- ولو ماذا يا حبيبتي؟.[/font]
[font="]وردت سمراء بابتسامة حزينة:[/font]
[font="]- وأنت هناك بالريف ببيتك وبمزرعتك كنت بعيدة عنك لكن كنت أشعر بالاطمئنان عليك، وأنت في وسط الناس الطيبين مثل أم مختار وأم زهراء، لكن اليوم بالرغم أننا مع بعض لا أخفي عنك حقيقة مشاعري، إنني لا أحس بالاطمئنان عليك خصوصا إذا فكرت في الزواج، لهذا أنا لن أتزوج إلا إذا وجدت منزلا بجوار شقتك.[/font]
[font="]- ومن قال لك حين تتزوجين ستعيشين بعيدة عني، ليكن في علمك أنت ونور الدين شرطي الوحيد لهذا الزواج هو أن تقبلا العيش معي.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة وردت في صمت : "أتمنى ذلك لكن لا أظن محمد ومصطفى سيوافقان. [/font]
[font="]بمنزل مصطفى ... وبغرفة النوم راحت زوجته تحرضه قائلة:[/font]
[font="]- إذا أبقيت على الشقة باسم والدتكما فليس بعيدا عليها أن تكتبها باسم سمراء وخطيبها الذي سيصبح زوجها عن قريب.[/font]
[font="]ويرد مصطفى:[/font]
[font="]- ماذا تقولين؟.[/font]
[font="]- أكيد قد تكون فعلتها قبل أن تودع، أعذرني يا حبيبي على قول كلمة حق، فأمك صاحبة مرض ثم ألا يكفي أنكم صرفتم عنها بجميع مراحل دراستها.[/font]
[font="]- لا ... هي كانت ...[/font]
[font="]وتقاطعه قائلة:[/font]
[font="]- أعرف ماذا ستقول ... بأنها كانت تصرف على نفسها من خلال بيعها للوحات ترسمها، هل يعقل هذا؟.[/font]
[font="]توقفت ثم قامت لتنصرف وتابعت تقول:[/font]
[font="]- هل بيع اللوحات اليوم أصبح مصدر عيش؟ على كل أنا حذرتك وإذا حدث ما أراه غير مستبعد حدوثه، فلا داعي للندم بعدها.[/font]
[font="]خرجت وتركته تائها وقد تذكر يوما زار أمه، ولما قدم لها النقود كمصروف شهري قالت له بعد أن رمقت المبلغ بطرفة عين:[/font]
[font="]- ألا ترى أن المبلغ لا يكفي؟.[/font]
[font="]ورد عليها متلعثما:[/font]
[font="]- تعرفين نحن في بداية المشروع وما زال بعد المشوار طويلا.[/font]
[font="]- لكن أختك بحاجة إلى مصروف.[/font]
[font="]ويرد محتجا:[/font]
[font="]- ما هذا يا أمي، فهل نحن من أنجبناها حتى نصرف عليها؟[/font]
[font="]- إنها ابنتي أمام الله ولن أجعلها تحتاج إلى أي شيء ما دمت حية ترزق، وهذا كان شرطي الوحيد لما وافقت على بيع البيت والمزرعة.[/font]
[font="]يعود مصطفى من الخيال إلى الواقع بعدها يستعد لحمل محفظته، وهو يفتح الباب الخارجي أوقفته زوجته وهي تقول بصوت متعجرف:[/font]
[font="]- اذهب إلى وظيفة الحكومة فأنت لا تصلح للتجارة مثل محمد أخوك.[/font]
[font="]بإحدى الأحياء الراقية يتواجد المكتب الإداري الفخم الخاص بشركة محمد عبد الرحمن "شركة للبناء الجاهز" ... ومن مكتبه يهتف لزوجته، لحظتها تستأذن السكرتيرة بالدخول لتعلمه بحضور صديقه مصطفى وما إن أمرها بالسماح له بالدخول حتى راح يضع سماعة الهاتف بعد أن ودع زوجته، ولم يكن مصطفى الذي استقبله بمكتبه سوى أخوه مصطفى.[/font]
[font="]بالجامعة … بعد خروج سمراء مع خطيبها نور الدين، ومن بعيد ترقبهن مجموعة من الطالبات إحداهن وجهت سؤالها لسليمة قائلة:[/font]
[font="]- هل صحيح يا سليمة أخوك نور الدين سيتزوج سمراء قريبا؟[/font]
[font="]وردت أخرى بسرعة:[/font]
[font="]- بل قولي متى يتزوج قيس بليلى؟.[/font]
[font="]أدركت سليمة استهزاء الصديقة فقالت:[/font]
[font="]- لا اطمئني الذي بينهما ليس حب لينتهي إلى زواج فهو مجرد عطف وشفقة على واحدة معوقة ريفية.[/font]
[font="]وتركت بعد ذلك سليمة الصديقتان في تجاه أخيها وما إن اقتربت منه حتى استوقفته قائلة متجاهلة وجود سمراء:[/font]
[font="]- هل ستعود الآن إلى المنزل؟[/font]
[font="]- لا بعد ساعة ... فإذا أردت انتظاري ...[/font]
[font="]فقاطعته وهي تنصرف قائلة:[/font]
[font="]- لا شكرا ... بالمناسبة دلال تشكرك على زيارتك لها.[/font]
[font="]أدرك لحظتها نور الدين الإحراج الذي أوقعته فيه سليمة متعمدة ذلك مما اضطره للتوضيح قائلا لسمراء:[/font]
[font="]- أرجوك يا سمراء لا تهتمي لكلام أختي فهي تقول أي شيء، فأنا فعلا زرت دلال، لكن ليس كما قصدت أن تفهمك لقد أوصلت سليمة إلى بيت دلال لأنها كانت مريضة وأرادت الاطمئنان عليها، وبقيت أنتظرها بالخارج، لكن أخوها فاجأني بدعوته لي بالدخول، وهذه هي كل القصة.[/font]
[font="]وهو ينتظر رد سمراء وكله قلق فإذا بعد فترة صمت تبتسم لتريحه قائلة: [/font]
[font="]- أيها الغالي لست بحاجة إلى توضيح وتفسير، الذي بيننا أقوى من أي مبادرة من طرف أي كان للإيقاع بيننا، وسليمة أنا خلاص تعودت على كل ما يصدر منها وإن شاء الله الأيام ستثبت لها من فعلا صديقاتها ...[/font]
[font="]توقفت للحظة ثم تابعت بنظرة تساؤل قائلة:[/font]
[font="]- قل لي يا نور الدين هل فعلا تحبني أم تشفق علي؟[/font]
[font="]اندهش من تساؤلها الذي أدرك بسرعة خلفيته فقال:[/font]
[font="]- من حقك يا حبيبتي أن تشكي في حبك لي.[/font]
[font="]وقاطعته قائلة:[/font]
[font="]- بصراحة أنا لا أشك في حبك، لكن بصراحة أكثر ساعات أشعر بالإحراج أمام الطالبات حين أقدمك كخطيب.[/font]
[font="]ورد عليها قائلا:[/font]
[font="]- ومن حقك أيضا أن لا تقتنعي بخطوبتي الفردية، حين زرت والدتك لوحدي لأطلب يدك منها، لكن تأكدي يا حبيبتي أنا عند وعدي فبمجرد التخرج سأحضر مع عائلتي لنعلن الخطوبة رسميا.[/font]
[font="]بعدها مد يده بكل حنان ليتناول يدها وتابع قائلا:[/font]
[font="]- تأكدي يا حياتي أنك أول وآخر حب في حياتي.[/font]
[font="]تشعر لحظتها سمراء بالسعادة والأمان وهي تستمع إليه ...[/font]
[font="]بشركة محمد ... كان في زيارته أخيه مصطفى، ودار الحديث بينهما في شتى الأمور ... قال محمد باعتزاز وفخر:[/font]
[font="]- الحمد لله وفقت إلى حد كبير في إدارة هذه الشركة.[/font]
[font="]ويرد عليه مصطفى متحسرا على نفسه وسعيدا في نفس الوقت لأخيه:[/font]
[font="]- طبعا البركة في حماك فهو رجل أعمال معروف وتمكنت أن تأخذ منه الخبرة والمساعدة المادية والمعنوية، ليس مثلي ربنا وضع في طريقي زوجة هي وأهلها ظنوا أنني بئر.[/font]
[font="]ويرد عليه محمد وهو يضحك:[/font]
[font="]- لا يا محمد، القضية هي شطارة وذكاء وتفرغ وإرادة، كلانا أخذ نفس النصيب بعد بيع الأرض والبيت، أنا تركت وظيفة الحكومة نهائيا وقررت التفرغ للتجارة ... أما زواجي من بنت رجل الأعمال كان زواج من حوالي أربع سنين فقط، لكن أنت تزوجت مبكرا فخلفت فريقا كما أنك أردت أن تدخل التجارة من باب، وفي الوقت نفسه احتفظت بوظيفة الحكومة ولأن التجارة تحتاج إلى شطارة وتفرغ فكانت النتيجة طبعا الفشل، فاضطررت إلى أن تصرف ما بالبنك على المحل وبدل ما يصرف عليك المحل كنت أنت من يصرف عليه لأن بكل بساطة الابن البكر لكما لم يحسن التجارة في غيابك فخسرت في بضعة شهور كل نصيبك تقريبا.[/font]
[font="]ونطق مصطفى بعد أن تنهد بعمق:[/font]
[font="]- فعلا هذا ما حدث، المهم الآن ما رأيك في الفكرة التي اقترحتها عليك هل تساعدني وتتركها لي أم ستشاركني فيها؟[/font]
[font="]- لا ... إذا نجاحها مضمون فهي حلال عليك، المهم الوالدة ترضى بأن تسكنوا معها.[/font]
[font="]- طبعا سترضى، فكيف ترضى بالغريبة معها ولا ترضى بأحفادها[/font]![font="]؟[/font]
[font="]بالجامعة ... تلتحق زهراء بسمراء بالمكتبة، ولما وصلت، أدركت مسحة حزن على وجهها فسألتها بقلق:[/font]
[font="]- ماذا يا سمراء؟ ... هل سألت عني؟[/font]
[font="]وردت سمراء بدون مقدمات وبصوت حزين:[/font]
[font="]- مصطفى باع الشقة فعلا.[/font]
[font="]- هل أم محمد على علم؟[/font]
[font="]- وهل يعقل أن أخبرها وهي صاحبة مرض ... أقول لها بأن ابنك معك بالشقة ليس مؤقتا كما أفهمك ريثما يعيد تجهيز شقته، ولو قلت هذا، معناه أنني أتدخل فيما بينهما.[/font]
[font="]- أنا من رأي تعلم بالحقيقة، فمن يدري ما يدبره هو وزوجته الخبيثة لقد أقنعوها ببيع أرضها وبيتها وليس بعيدا تكرار نفس السيناريو فأطماعهم ليس لها حد.[/font]
[font="]- أفضل أن لا أتسرع برغم اقتناعي بكلامك لا ربما يعيد شراء شقة أخرى وبالتالي يرحل هو وأولاده.[/font]
[font="]- كل ما أتمناه لك وللخالة أم محمد أن يكون الله في عونكما من تصرفات زوجته وأولاده. [/font]
[font="]وحتى تغير سمراء الجو الحزين الذي يسيطر على حديثيهما قالت وهي تبتسم:[/font]
[font="]- لقد مر عليك مدة ولم تحضر لي زبائن ... أم خلاص رسمي ما عاد يعجب أحد.[/font]
[font="]وردت زهراء:[/font]
[font="]- ما رأيك لو تجمعين لوحاتك وتقومين بمعرض بدل بيعها بثمن بخس لأصحاب المحلات.[/font]
[font="]وردت سمراء باندهاش ونبرة بلا حماس:[/font]
[font="]- أنا أقوم بمعرض[/font]![font="][/font]
[font="]- نعم أنت ولم لا؟ ... فأنت يا عزيزتي فنانة موهوبة وكل الأساتذة وبجميع مراحل الدراسة كان يدهشهم عملك.[/font]
[font="]وتنهدت سمراء بعمق وقالت بصوت مهدود يحلم بالأمل والأمنية البعيدة المنال:[/font]
[font="]- لا أخفي عليك لو قلت لك إقامة معرض سيبقى أمنية وحلم حياتي، فأنت تعلمين أن مراكز الشباب ودور الثقافة هي الأماكن الوحيدة التي بإمكانها أن تساعد المواهب الشابة، لكن مع الأسف بيروقراطية الإدارة تحيل بيننا وبينها، وحتى أن وفقت في الوصول إليها فمساعدتها تتوقف عند عرضك للمعرض بعدها لا تتابع خطواتك وتتبناك، وهذا إما لقلة إمكانياتها ومحدوديتها أو كما قلت لبيروقراطية الإدارة مع الأسف.[/font]
[font="]- ما رأيك لو تكلمي محمد فهو رجل أعمال معروف وبإمكانه مساعدتك فأكيد له معارف في مستوى أعلى.[/font]
[font="]- محمد فين ونحن فين، فهو لا يزور أمه إلا مرة في الشهر ليحضر لها مبلغا من المال وكأن أمه بحاجة للفلوس أكثر من حاجتها إلى حبه وحنانه كابن أو كأن ما يقوم به اتجاهها عمل مفروض عليه وليس واجب، يدخل كالغريب ويخرج كالغريب، أما أنا ولا مرة لا هو ولا أخوه حسسوني أنني أختهم أو على الأقل واحدة من العائلة.[/font]
[font="]لحظتها تبصران نور الدين فراحت تغيران مجرى الحديث، بعدها بلحظات تقوم زهراء لتستأذن بالانصراف، يصل نور الدين وقبل أن يجلس رمقها بكل حب وحنان قائلا:[/font]
[font="]- ممكن رفيقة عمري تقبل دعوتي على الغذاء؟[/font]
[font="]- لا شكرا أنا مضطرة أن أعود إلى البيت حالا.[/font]
[font="]- وأنا مصر أن أدعوك، خصوصا وأنا أرى بعيونك وبصوتك نبرة حزن وإصرارك على العودة إلى البيت حالا معناه تتهربين من مشاركتي ما يتعبك ويحزنك.[/font]
[font="]لحظتها سمراء أدركت إحساس نور الدين بها فابتسمت وقالت:[/font]
[font="]- ما دام مصر ... فحاضر.[/font]
[font="]واختار نور الدين تناول الغذاء بأفخم مطعم بالمدينة، وأثناء دخولهما يقترب منهما النادل، همس نور الدين في أذنه، فهز النادل رأسه بالإيجاب وبكل احترام راح يتقدمهما نحو أحسن مكان شاعري بالمطعم، وبعد جلوسهما قالت سمراء باستغراب وسعادة:[/font]
[font="]- من أين لك فلوس هذا المطعم وأنت مازلت طالبا؟[/font]
[font="]- طالبا وموظفا.[/font]
[font="]- ولو يا نور الدين[/font]![font="] ... فما تتقاضاه من ذلك العمل هو من أجل مصروف الجامعة.[/font]
[font="]وما إن حضر النادل وترك أمامهما صينية مغطاة ثم انصرف حتى قال نور الدين بكل رقة:[/font]
[font="]- اليوم يا حياتي هو يوم عيد ميلادك، ففكرت في هدية مناسبة، وفي الأخير قررت أن أدعوك إلى هذا المكان الشاعري، أولا لأنسيك ولو لساعة الجو الحزين الذي أصبح ثوب وجهك البريء، وثانيا لنكون بعيدين عن أنظار وألسن الفضوليين.[/font]
[font="]ثم راح يزيح الغطاء على تلك الحلوى التي توسطتها شمعة فأشعلها ثم أطفآها معا وهو يقول:[/font]
[font="]- كل سنة وأنت بألف خير يا حياتي.[/font]
[font="]وهما يتناولان قطعة الحلوى قال نور الدين مازحا:[/font]
[font="]- لا تأكلي كثيرا منها، فالغذاء مازال بعد، فأنا فضلت الحلوى قبل الغذاء حتى أفتح شهيتك للحديث بفرح. [/font]
[font="]ضحكت سمراء بسعادة، ومن أعماق قلبها من تصرف نور الدين المحب لها فعلا ...[/font]
[font="]نهاية السنة الدراسية ... تحضر سمراء إلى البيت وهي في منتهى السعادة لتبلغ والدتها خبر نجاحها بتفوق كالعادة ونيلها الشهادة، أم محمد تلقت الخبر وهي جد سعيدة قائلة:[/font]
[font="]- عقبال الوظيفة يا حياتي.[/font]
[font="]بينما زوجة مصطفى تجاهلت فرحة سمراء ولم تهنئها، بل انصرفت باتجاه غرفتها.[/font]
[font="] بعد أسبوع ... بالجامعة سمراء بصحبة نور الدين خارجان من الإدارة والفرحة تعلو وجهيهما وقد تسلما الشهادة، فجأة تتوقف أمامهما سيارة ... فكان السائق مصطفى نزل واقترب منهما، حضوره أدهش سمراء مما جعلها تبادر بالسؤال بسرعة:[/font]
[font="]- مصطفى هل حدث لأمي شيء؟[/font]
[font="]ابتسم ورد قائلا وهو ينظر إلى الشهادة التي تحملها:[/font]
[font="]- لا ...أبدا... آه مبروك عليك الشهادة يا ... يا أختي العزيزة.[/font]
[font="]شكرته وراحت تقدم له نور الدين ... اكتفى مصطفى بالنظر إلى نور الدين بنوع من الاعتلاء ثم قال موجها كلامه لسمراء:[/font]
[font="]- أريدك في موضوع مهم.[/font]
[font="]فما كان على نور الدين سوى الانصراف قائلا بكل أدب واحترام لمصطفى:[/font]
[font="]- سعيد برؤيتك ومعرفتك .[/font]
[font="]ركبت سمراء السيارة إلى جوار مصطفى، وذهبا إلى إحدى النوادي حيث بدأ الحديث بمقدمات أدركت سمراء من خلالها أن مجيئه لغاية الجامعة ثم مرافقته لها بالسيارة لغاية النادي يخفي أمرا ليس سهلا عليها حيث بدأ قائلا:[/font]
[font="]- سمراء اسمعيني جيدا ... مثلما لم أحرجك أمام خطيبك، وتركتك تقدميني على أساس أنني أخوك، فأرجو أن لا تحرجيني في الموضوع الذي سأكلمك فيه. [/font]
[font="]وراح يصطنع الجدية في كلامه ... بينما سمراء حافظت على هدوءها ولم تقاطعه الحديث بل راحت تسمع لعرضه:[/font]
[font="]- الحقيقة أنني بعت شقتي وكنت أتمنى الحصول على سكن وظيفي لكن مع الأسف بعد التحريات اكتشفوا ملكيتي لسكني الذي بعته فحرمتني اللجنة من السكن الوظيفي ... لكن المصيبة أن مبلغ السكن دخلت به صفقة تجارية خاسرة والآن أصبحت مضطر البقاء بشقة الوالدة وأنت تعلمين نحن والأولاد والسكن لا يتسع كما ترين ...[/font]
[font="]ولما وجدته سمراء قد طال في الحديث قاطعته قائلة:[/font]
[font="]- أدخل في الموضوع مباشرة وقل ما تريده مني.[/font]
[font="]وفاجأها قائلا:[/font]
[font="]- أريدك أن تخلي لنا غرفتك.[/font]
[font="]وبدموع تحجرت وبصوت هادئ قالت:[/font]
[font="]- قصدك أغادر البيت ...[/font]
[font="]-لا تقلقي، أنا سأدبر الأمر سأجد لك غرفة ببيت المغتربات بل وسأقنع محمد أخي أن يجد لك عملا محترما بشركته أو بأي شركة المهم أن يكون رحيلك من البيت في نظر أمي برغبة منك.[/font]
الحلقة-1-
[font="]بسم الله الرحمن الرحيم[/font]
[font="]قصة "بين مخالب الزمن"[/font]
[font="]óóó[/font][font="][/font]
[font="]- ابنتي[/font]![font="] … هل من مساعدة؟[/font]
[font="]لم ترد عليه لكنه فهم من إشارة بيدها أنها بكماء.[/font]
[font="]تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الو[/font][font="]ا[/font][font="]قع على صوت صديقتها زهراء:[/font]
[font="]- سمراء[/font]![font="] … سمراء[/font]![font="] … يا لله وصلنا إلى بلدتنا.[/font]
[font="]تستقعد سمراء وتتهيأ للوقوف وهي تستند على العكاز تاركة زهراء لتحمل الحقائب.[/font]
[font="]وما إن نزلتا حتى أبصرت زهراء من بعيد شابا مقبلا نحوهما فقالت وهي تبتسم:[/font]
[font="]- سمراء أنظري[/font]![font="] … مختار في انتظارنا …[/font]
[font="]توقفت لحظة وابتسمت وتابعت تقول:[/font]
[font="]- أقصد في انتظارك.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- آه منك. [/font]
[font="]- وهل تنكري أنه مجنون بحبك.[/font]
[font="]- أرجوك اصمتي إنه يقترب.[/font]
[font="]- المسكين لا يعرف أن القلب وما يريد.[/font]
[font="]وما إن اقترب منهما حتى قال:[/font]
[font="]- حمدا لله على وصولكما بالسلامة.[/font]
[font="]ثم راح يتناول حقيبتيهما بكل لطف واحترام. [/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- سمراء … لماذا ترفضين حبي لك؟[/font]
[font="]وبعد فترة صمت ردت عليه:[/font]
[font="]- مختار تعرف جيدا كم أعزك … فأنا لم أرفض حبك لكن …[/font]
[font="]توقفت وشعرت بإحراج فنطق هو قائلا:[/font]
[font="]- لأنني لم أكمل دراستي الجامعية واخترت الفلاحة[/font]![font="][/font]
[font="]فقاطعته قائلة:[/font]
[font="]- لا أرجوك لا تقل هذا … وصدقني ليس هذا السبب فأنت إنسان متعلم ومثقف ومعك الثانوية وبإمكانك دخول الجامعة متى تريد، وإن كنت فلاح، فلاح بأرضك، وأي واحدة تتمناك.[/font]
[font="]- إذا مادام هذا هو رأيك فيّ، فلماذا ترفضين؟ [/font]
[font="]وبنوع من الإحراج والتردد استجمعت كل قواها وردت على تساؤله:[/font]
[font="]- مختار هل تزعجك صراحتي لو قلتها لك؟[/font]
[font="]- لا أبدا … فأنا وإن لم يكن لي معك نصيب سأظل دائما أخا وصديقا لك إن لم يكن لديك مانع.[/font]
[font="]شعرت لحظتها بارتياح وقد أدركت مدى سعة قلبه وعقله فبادرت قائلة:[/font]
[font="]- كلامك هذا أراحني ولهذا سأقول لك الحقيقة، أنا يا مختار مرتبطة بشاب يدرس معي بالجامعة، واتفقنا أن نحدد موعدا للخطوبة بمجرد تخرجنا، وصدقني لو قلت لك بأنني تعرفت عليه قبل أن أدرك اهتمامك بي.[/font]
[font="]لم ينطق ولا بكلمة … تابعا طريقيهما وكان الصمت سيد الموقف ولما وصلا إلى حيث إقامة سمراء غادرها قائلا بكل لطف وأدب:[/font]
[font="]- مثلما قلت لك، سأظل الأخ والصديق الذي تحتاجينه في أي وقت ومن كل قلب أتمنى لك السعادة والتوفيق مع من اختاره قلبك.[/font]
[font="]ولأنها أدركت صدق كلامه ونبرة حزنه فاكتفت بكلمة شكر له.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- ربنا ما يحرمكما من بعض.[/font]
[font="]بعدها سلمت سمراء على أم مختار وقالت لها: [/font]
[font="]- ولا يحرمنا منك، فأنا كلما يختلجني القلق في غيابي عنها فبمجرد ما أتذكرك بأنك لا تتركينها ولو لحظة لوحدها أشعر بالاطمئنان. [/font]
[font="]وردت أم مختار:[/font]
[font="]- ولو[/font]![font="] … يا ابنتي لا تنسي أننا ليس فقط بنات خالات، بل أكثر من الأخوات فنحن ولدنا وتربينا في بيت واحد.[/font]
[font="]تبتسم سمراء ثم توجه نظرها نحو أمها التي ما زالت تحيطها بذراعيها بكل حنان قائلة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إليك، وبصراحة لولا إصرارك بأن أكمل دراستي الجامعية ما كنت فعلت واكتفيت بالثانوية وطلبت من أبي زهراء أن يجد لي عملا بالمدرسة حتى لا أبتعد عنك ولو لحظة من عمري. [/font]
[font="]لحظتها تقوم أم مختار لتستأذن بالانصراف، وبعد خروجها تابعت سمراء قائلة: [/font]
[font="]- على كل هانت، كلها كم شهر وأعود حاملة الشهادة.[/font]
[font="]بعدها فاجأتها الأم قائلة:[/font]
[font="]- هل التقيت مختار؟[/font]
[font="] تنهدت وردت:[/font]
[font="]- نعم، وقلت له الحقيقة، هي صحيح حقيقة مرة لكن أنا متأكدة أنه إنسان مثقف ومتفهم.[/font]
[font="]وتحاول سمراء تغيير الموضوع حتى تبتعد عن الجو الحزين الذي اكتسحاهما وهما تتكلمان عن مختار قائلة بنبرة فرح وبهجة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إلى فنجان قهوتك.[/font]
[font="]وراحت الأم تسكب لابنتها فنجان القهوة من الإبريق الذي أمامها وهي في كامل سعادتها قائلة:[/font]
[font="]- حاضر … حاضر من عيني يا أحلام.[/font]
[font="]وردت سمراء باندهاش:[/font]
[font="]- أحلام؟!![/font]
[font="]الوالدة الحنون ودون إدراك منها تعيدها إلى الجو الحزين … وراحت سمراء تتذكر الماضي البعيد الذي مر عليه أكثر من أربعة عشر سنة، يوم نزلت من القطار وأحضرها ذلك الشيخ الطيب إلى منزله، وبعد أن استقبلها هو وزوجته بكل حب وحنان وناولنها بعض المأكولات، وراحت زوجته تسألها برقة وحنان واطمئنان باستعمال إشارة اليد:[/font]
[font="]- بنيتي ما اسمك؟ … أكيد لديك اسم وعائلة[/font]![font="][/font]
[font="]ويظهر على الصبية الذعر والخوف فنطق الزوج:[/font]
[font="]- دعيها الآن يا أم محمد والصباح رباح إن شاء الله.[/font]
[font="]بعدها راحت أم محمد تحتضن الصبية بكل حنان قائلة:[/font]
[font="]- اطمئني يا صبية لن نتخلى عنك إلا بعدما نعرف طريق أهلك، وريثما يتم ذلك، ما رأيك سأناديك سمراء، تعرفين لماذا؟ … لأنك تحملين سمرة جميلة وأنت حقا سمراء جميلة.[/font]
[font="]ابتسمت الصبية، ويظهر أنها شعرت بالاطمئنان وهي في حضن أم محمد.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- من ذكرك بهذا الاسم يا أم محمد؟ يا أمي التي ليس لي أما غيرها.[/font]
[font="]وردت الوالدة بكل حب وحنان:[/font]
[font="]- لأنه اسمك الحقيقي.[/font]
[font="]وراحت الأم تتذكر بدورها ذلك الماضي … بالضبط يوم رجع أبو محمد مطأطأ الرأس حزينا وكان رده لما سألته أم محمد بلهفة:[/font]
[font="]- هل تأكدت؟[/font]
[font="]- مع الأسف نعم، اسمها الكامل أحلام حجازي والأب واحد من أكبر أثرياء البلد له في كل مدينة أملاك وعقارات، أكاد لا أصدق أنه أبوها، تصوري يعترف بأبوته لها ويمنحها شهادة ميلادها وفي نفس الوقت ينكر وجودها، مستعد أن يدفع أي مبلغ لمن يتبناها بعيدا عنه … يا إله؟ ما هذه القسوة !؟[/font]
[font="]لحظتها تظهر سمراء لما سمعت حوارهما وراحت تقدم ورقة لأبي محمد وكان المكتوب: هل تأكدت الآن من حقيقتي المرة؟" وكان رد أبو محمد وهو يحضنها.[/font]
[font="]-إذا كان هو باعك فأنا اشتريتك … طبعا ليس بماله بل بقلبي وحناني يا ابنتي. [/font]
[font="]ابتسمت سمراء وراحت تخطط بقلمها على الورقة قائلة فيها "والآن بعدما تأكدتما عن طريق من لا يستحق مع الأسف بنوتي له، هل ما زلتما مصران تسليمي إلى الشرطة لتبحث في أمري!؟".[/font]
[font="]وما إن قرأ الأب ما أرادت قوله سمراء على مسمع أم محمد، فإذا بأم محمد تحتضنها قائلة:[/font]
[font="]- أعذريني يا سمراء فنحن ما كنا نريد التخلي عنك حين أردنا تسليمك للشرطة، فقط لأننا كنا نظن أنك تائهة، لكن الآن وقد اتضحت الأمور فأنا يشرفني أن أعتبرك من اليوم ابنتي الصغيرة أخت محمد ومصطفى.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وراحت تخط بقلمها حيث قرأ أبا محمد "إذن من اليوم اسمي سمراء".[/font]
[font="]ونطق أبا محمد:[/font]
[font="]- وستدخلين المدرسة باسم أحلام حجازي، لكن لن نناديك إلا باسم سمراء، ولو كان الشرع يحلل تغيير الاسم أثناء التبني لفعلت ذلك من أجلك. [/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- سمراء ابنتي، الحياة الآن تغيرت، وأصبحت الآن على أبواب التخرج، ونور الدين الذي كلمتني عنه المفروض سيتقدم لخطبتك بعد التخرج وبالتالي يجب أن …[/font]
[font="]وتقاطعها قائلة: [/font]
[font="]- أرجوك للمرة الأولى والأخيرة إذا كنت فعلا تعتبرينني ابنتك إنسي الماضي، فأنا خلاص شطبت عليه إلى الأبد.[/font]
[font="]- لكن يا حبيبتي …[/font]
[font="]- أرجوك يا أمي.[/font]
[font="]وبسماعها لدقات الباب وضعا حدا لذلك الحوار، وراحت سمراء تفتح الباب فكان الطارق زهراء التي دخلت لتسلم على أم محمد وفي الوقت نفسه تلوم سمراء على تأخرها. [/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]تذكرت يوم كانت ما زلت صبية ترافق أبو محمد إلى المزرعة وكيف كان يشجعها على الرسم هو وأبو زهراء باعتباره مدرسا.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- [/font][font="]هل يعقل هذا يا سمراء[/font]![font="]؟ …على الأقل خذي ثمن التكلفة.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- صدقيني يا زهراء، إعجابهن باللوحات ولهفتهن عليها هو بالنسبة لي الثمن الحقيقي، ثم لا تنسي إنهن طالبات مازلن تأخذن مصروفهن من العائلة.[/font]
[font="]- سمراء أنت فعلا فنانة، فنانة في الرسم، في أدبك، ونبلك، وأخلاقك، وطيبتك.[/font]
[font="]- يا لله … يا لله نغير ملابسنا.[/font]
[font="]وقالت زهراء باسمة:[/font]
[font="]- ونذهب للقاء حبيب القلب.[/font]
[font="]وأدركت سمراء كلام زهراء فراحت تجري خلفها لتعاقبها على كلامها، وما إن مسكت بها حتى راحت زهراء تتوسلها وتطلب منها العفو، ولم يكن كلام زهراء إلا مزاح، وعقاب سمراء لها سوى دعابة ومرح بين الصديقتين.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- بصراحة أكاد أجن ما الذي أعجبه أخوك في هذه السمراء الريفية المعوقة؟[/font]
[font="]وردت صديقة أخرى جالسة مع اثنتان إلى الخلف بنوع من الاستعلاء والاستهزاء:[/font]
[font="]- طبعا سمرتها الريفية وإعاقتها[/font]![font="][/font]
[font="]ضحك الجميع من استهزاء نادية، وردت دلال بعد أن تنهدت:[/font]
[font="]- يا صديقتي سليمة أعترف أنني مغرمة بأخيك.[/font]
[font="]وردت سليمة وهي جد فرحة باعتبار دلال ابنة أكابر:[/font]
[font="]- وأخي لن يجد أحلى ولا أحسن منك.[/font]
[font="]- لكنه هو وجد ...[/font]
[font="]- هو صحيح حدّث العائلة عنها، لكن لم ترد عليه لا بالموافقة ولا بالرفض، لكن أنا شخصيا قلت رأي بصراحة وبصوت مسموع، فأنا لا يشرفني أن تكون زوجة أخي تلك الريفية المعوقة، صحيح إعاقتها بالرجل اليسرى تبدو بسيطة لكنها لا تستطيع أن تستغني عن العكاز.[/font]
[font="]توقفت سليمة عن الكلام وألقت نظرة حقد وغضب إلى حيث تجالس سمراء صديقتها ثم تابعت تقول مشجعة دلال:[/font]
[font="]- أنا لو مكانك يا دلال لن أستسلم وسأعمل المستحيل من أجل انتزاعه منها مهما كان الثمن.[/font]
[font="]وردت صديقة موجهة كلامها لدلال وكان يظهر عليها عدم رضاها على تصرفاتها:[/font]
[font="]- ألم تجدين إلا نور الدين لتقعين في حبه[/font]![font="][/font]
[font="]تشعر سليمة لحظتها بأن كرامتها جرحت فقالت بغضب مدافعة عن أخيها:[/font]
[font="]- وما عيبه أخي؟ هل تنكري وسامته وتفوقه في الدراسة؟ والأكثر من هذا لا أحد ينكر وقوع الكثيرات في حبه والإعجاب به[/font]![font="][/font]
[font="]أدركت نادية أن سليمة فهمتها خطأ فقاطعتها قائلة:[/font]
[font="]- لا يا سليمة لا تفهميني خطأ، فقط أردت أن لا أجامل دلال بكلامي، فقصة حب سمراء ونور الدين قصة تمتد إلى أيام الثانوية، وأنت نفسك قلت الكثيرات وقعت في حبه لكنه هو ظل يحب واحدة فقط هي سمراء، فلا داعي إذن أن تتعلق دلال بالسراب.[/font]
[font="]وردت سليمة:[/font]
[font="]- بغض النظر عن كونه أخي، فأنا أرى أن الشبان كلهم من طينة واحدة، وبإمكان دلال إن أرادت أن تنتزع نور الدين من الفتاة التي لا تستحق[/font]![font="]؟[/font]
[font="]فترة صمت ثم تبادلت دلال وسليمة نظرات مفهومة وبعدها انطلقت بسيارتها بسرعة جنونية ... مما أثار سخط بعض الطالبات الراجلات حيث قالت إحداهن بغضب:[/font]
[font="]- طبعا إنها ابنة محدثي نعمة.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- لقد تأخر[/font].[font="][/font]
[font="]- أنظري إنه مقبل نحونا.[/font]
[font="]شعرت لحظتها سمراء بسعادة وهي توجه نظرها نحو نور الدين المقبل نحوهما وهو في كامل سعادته وأناقته، وما إن اقترب حتى استعدت زهراء بالانصراف قائلة لسمراء:[/font]
[font="]- إذن أتركك الآن ولنلتقي بالمدرج.[/font]
[font="]- لتبقي معنا.[/font]
[font="]- ومن سيحجز لكما الكراسي إن تأخرتما.[/font]
[font="]تبتسم سمراء ... زهراء تحيي نور الدين في طريقها، يقترب نور الدين من سمراء، يتوقف يتبادل معها نظرات مملوءة بالحب والحنان ثم ينطق برقة:[/font]
[font="]- كم اشتقت إليك.[/font]
[font="]وردت سمراء في حياء مبتسمة:[/font]
[font="]- وأنا أيضا.[/font]
[font="]واختارا ركنا من أركان كافتريا الجامعة وما إن جلسا جلسة حميمة بريئة فإذا بالطالبة دلال تقاطع حديثيهما قائلة لنور الدين بنوع من الإغراء:[/font]
[font="]- أهلا بالصديق الغالي ... أكيد قضيت عطلة مريحة. [/font]
[font="]ويرد عليها نور الدين بأدب يخلو من المجاملة والترحيب:[/font]
[font="]- الحمد لله ... [/font]
[font="]وراحت تنحني بجواره فكانت رائحة عطرها المغري وهي تقول بدلال وإغراء:[/font]
[font="]- ممكن تعيرني دفتر المحاضرة؟[/font]
[font="]يشعر لحظتها نور الدين بإحراج، بينما سمراء قامت لتستأذن بالانصراف فأوقفها نور الدين قائلا بعد أن أدرك المغزى من تصرف دلال:[/font]
[font="]- لحظة يا سمراء.[/font]
[font="]ثم راح يقدم الدفتر لدلال قائلا:[/font]
[font="]- تفضلي وبإمكانك أن تبعثيه مع أختي سليمة.[/font]
[font="]وأمسك بيد سمراء بكل حنان وانصرفا دون أن ينتظر ولو لحظة لرد دلال، بينما دلال تشعر بإهانة وهي ترى نور الدين ينصرف بصحبة سمراء تاركًا إياها في أوج غضبها الذي لم تظهره لهما بل بلعته رغما عنها، لحظتها تحضر صديقتها نادية التي أدركت الحالة التي عليها دلال فقالت:[/font]
[font="]- لا تتعبي نفسك إن قصة حبهما مثل وقدوة لكل الطلاب والطالبات.[/font]
[font="]- لا ... أنا وراءوهما ... طال الزمن أو قصر.[/font]
[font="]- التخرج على الأبواب ولا داعي.[/font]
[font="]- لا ... لن أستسلم فأنا ما تعودت التجاهل من طرف أي شاب مهما كان.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- دلال تحبك. [/font]
[font="]ورد عليها بصوت خافت:[/font]
[font="]- وأنا أحب سمراء لا غير.[/font]
[font="]وصرخت في غضب وقد انفلتت منها أعصابها قائلة:[/font]
[font="]-أكاد أجن، ماذا أعجبك في واحدة ريفية معوّقة؟[/font]
[font="]ونطق الأب قائلا:[/font]
[font="]- ماذا يا أولاد؟ ما بكما؟[/font]
[font="]- أبي[/font]![font="] أمي يجب أن تتدخلا[/font]![font="] ... بصراحة أصبحت لا أطيق نظرات الطالبات وهن يتغامزن ويشاورن علي، على أنني حماة المعوقة.[/font]
[font="]ورغم قمة غضب نور الدين إلا أنه تمالك أعصابه وقام بهدوء وفضل الانصراف نحو غرفته على أن يتعارك مع أخته أمام والديه، يلتحق به والده، فوجده جالسا على السرير واضعا رأسه بين كفيه ... اقترب منه وبكل رقه وحنان قال: [/font]
[font="]- أرجو يا بني أن لا تغضب من كلام أختك فهي من وجهة نظرها تريد مصلحتك وسعادتك.[/font]
[font="]وأنا مصلحتي وسعادتي مع من اخترتها.[/font]
[font="]- على كل حال يا بني أنا شخصيا لست معترضا على سمراء.[/font]
[font="]كلام والده أراحه وجعله يبتسم في سعادة، فراح يقبل أباه ويشكره.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- سمراء[/font]![font="] [/font][font="]... ما بك ماذا حدث؟[/font]
[font="]- بقية الرسالة تقول بأن أمي باعت البيت والمزرعة.[/font]
[font="]- لا هذا غير ممكن[/font]![font="][/font]
[font="]- مع الأسف هذا ما حدث، محمد ومصطفى ظلا وراءها لغاية ما أقنعاها بالبيع.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- لعلمكم أن ابنتي فنانة في الرسم.[/font]
[font="]مصطفى ومحمد يراقبان من بعيد والديهما وهما مهتمان بالصبية سمراء ... ويظهر عليهما عدم رضاهما بدليل أنهما لم يكلفا نفساهما بتهنئة سمراء ولو من باب المجاملة، وبعد انصراف المدعوين فاتح محمد والده في موضوع بيع المزرعة للانتقال إلى المدينة، لكن الأب أبدى غضبه ورفضه قائلا:[/font]
[font="]- قلت لكما لا تحاولا معي، فأنا لن أفرط ولو في شبر من أرضي، ولن أرحل إلى المدينة.[/font]
[font="]ويرد مصطفى بغضب:[/font]
[font="]- لكن سعيد بأن تبعثر الفلوس على هذه الغريبة.[/font]
[font="]ويصرخ الأب قائلا:[/font]
[font="]- أسكت، أدخلتك أنت وأخوك الجامعة ليتخرج على الأقل واحد منكما من كلية الزراعة ليعود ويهتم بالأرض، لكن يظهر أن المدينة أغرتكما.[/font]
[font="]يخرج محمد صارخا وغاضبا ليلتحق به مصطفى، الوالد يتعجب ويتحسر لتصرفيهما فقام ليلتحق بهما قائلا بغضب:[/font]
[font="]- لقد دلعتهما أكثر من اللازم، سأنزع لهما السيارة، وأضع حدا لدلعهما.[/font]
[font="]تحاول أم محمد أن تهدئه، لكنه يصر على اللحاق بهما، سمراء بدورها تلحق به وهي خائفة على الحالة التي عليها والدها المتبني، وما إن همّ بقطع الطريق حتى كان ولديه قد أقلعا بسيارتهما وقبل أن يصل إلى الرصيف المقابل داسته سيارة على غفلة، كان صاحبها يسوقها بسرعة جنونية ومن شدة الاصطدام المفاجئ، أوقف الشاب السيارة ثم نزل وهرب، بينما سمراء التي رأت الحادثة صرخت بكل قواها وهي ترى أبوها يتهاوى أرضا:[/font]
[font="]- أبـــــــي ......[/font]
[font="]وتجري نحوه ... وراحت ترفع له رأسه بهدوء ودموعها على خديها ونطقت بصوت مخنوق وبصعوبة: [/font]
[font="]- أ ... أ... أبي...[/font]
[font="]راح يمد يده بكل حنان ويمسح لها دموعها قائلا بصعوبة ومبتسما:[/font]
[font="]- أنت تتكلمين[/font]![font="]؟ ... لقد نطقت بأحلى كلمة[/font]![font="] ... آه لو كنت أعلم بأنك ستنطقين يوما ما ... ما كنت لأتأخر ... كنت سأعمل حادثة حتى لو ...[/font]
[font="]قاطعته الكلام وهي تضع يدها على فمه بكل رقة وحنان قائلة:[/font]
[font="]- أ... أرجوك ... لا ... لا تقول ... شيئا ...[/font]
[font="]ولما أدرك سكرات الموت تقترب قال بقلب يملأه الإيمان والشجاعة:[/font]
[font="]- سمراء أوصيك بثلاث، أولا دراستك لأنها ستكون سلاحك الوحيد، وبأم محمد فهي من غيرك ستكون وحيدة، وبالأرض ... الأرض يا سمراء ... الأرض ...[/font]
[font="]وأغمض عيناه وقد فارق الحياة وهو يردد أغلى شيء بالنسبة له ... الأرض ... لحظتها سمراء صرخت بأعلى صوتها ... [/font]
[font="]- لا .........[/font]
[font="]تعود سمراء من الماضي البعيد إلى الواقع ودموعها على خديها وهي تردد في صمت " لا ...لا..." ... لحظتها يقترب منها مختار، وبصوت كله رقة اخترق صمتها وحزنها قائلا:[/font]
[font="]- سمراء ليكن في علمك، أنني لما اشتريت الأرض والبيت لم أفعل ذلك إلا لأنني متأكد من مدى معزتك وحبك الكبير لهما، خصوصا الأرض لا أريد أن تذهب لأحد غريب، لقد اقترضت مبلغا من البنك وسأرده بالتقسيط ... المهم الأرض والبيت، لو في يوم غير محمد ومصطفى رأييهما سأكون جاهزا لأردهما إليهما.[/font]
[font="]اعتدلت في الوقوف وابتسمت ابتسامة حزينة وقالت وهي تغادره:[/font]
[font="]- معدنك أصيل وأنت تستحقها.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- سمراء حبيبتي إلى متى وأنت على هذه الحالة؟ [/font]
[font="]لحظتها تصل زهراء فردت عليه:[/font]
[font="]- أعذرها يا نور الدين فأنت لا تعرف مدى تعلق سمراء بالمزرعة وبالريف عموما.[/font]
[font="]يتقدم منهم مجموعة من الطلبة وهم زملاء نور الدين، فقام ليصطحبهم، وهو ينصرف قال: [/font]
[font="]- سأذهب لإجراء مقابلة في كرة القدم، إذا تأخرت عن المحاضرة فلا تنسى حجز مكاني معكما.[/font]
[font="]بقيت زهراء بصحبة سمراء تحاول التخفيف عنها ...[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- أرجو أن أراك غدا وقد نزعت ثوب الحزن من على وجهك ...[/font]
[font="]حاولت أن تبتسم وهي تودعه ... بعدها قالت زهراء وهي تقترب منها:[/font]
[font="]- و كيف حال أم محمد الآن؟.[/font]
[font="]- بيني وبينك أنا حاسة أن روحها هناك بالريف.[/font]
[font="]- مسكينة باعت أرضها وبيتها، كل هذا من أجل أن ترضنهما.[/font]
[font="]- بالرغم أنهما عوضاها بشقة مؤثثة أحسن تأثيث، لكن أبدا لن تكون أغلى وأجمل من بساطة بيتها الريفي.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- من قال لك أدخل المطبخ؟ أنت مكانك السرير أو على الأقل الجلوس بالصالون.[/font]
[font="]- أنا خلاص خفيت.[/font]
[font="]- لكن الطبيب يؤكد على راحتك الدائمة[/font]![font="] [/font][font="]يا لله ... يا لله إلى السرير وإلى معاد الدواء. [/font]
[font="]بالصالون راحت سمراء تناول والدتها الدواء بكل حنان، وفجأة سألت أمها قائلة:[/font]
[font="]- أمي بعد إذنك ... هل أنت راضية على بيع البيت والمزرعة؟ [/font]
[font="]وردت الأم بعد فترة صمت قصيرة وبعد أن تنهدت بعمق:[/font]
[font="]- لا أكذب عليك، لم أتمنى يوما أن أفرط في أرض من مات من أجلها، لكن ماذا أفعل إنهما ولداي ولا أستطيع أن أتأخر في تقديم أية مساعدة أرى أنها بمقدوري وفي مصلحتهما.[/font]
[font="]وترد سمراء في صمت "آه لو يدركان مدى تضحيتك وحبك لهما".[/font]
[font="]تحاول الأم أن تغير الجو الحزين وهي تبتسم قائلة:[/font]
[font="]- ومع ذلك أنا سعيدة، تعرفين يا حبيبتي لماذا؟[/font]
[font="]ولم تنتظر رد سمراء وتابعت تقول:[/font]
[font="]- أولا لأنني التحقت بك لأكون إلى جانبك بدل غربتك بالحي الجامعي، ثانيا بعد التخرج ستعملين بشهادتك هنا بالمدينة، ثالثا وهو الأهم سأكون سعيدة وأنا أستقبل نور الدين وأهله هنا بدل الريف ليخطبك...[/font]
[font="]ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة قائلة: [/font]
[font="]- أولا ... كنت سأعمل بالريف كمدرسة وقد اتفقت مع نور الدين على ذلك، خاصة وأن العمل بالمدينة بعد التخرج من رابع المستحيلات العثور عليه بسهولة. [/font]
[font="]وتقاطعها الأم قائلة:[/font]
[font="]- لا ... أنت مهندسة وبإذن الله ستكونين مهندسة كبيرة تتمنى أكبر الشركات الانتساب إليها، كيف لا وأنت فنانة حتى في الرسم ...[/font]
[font="]توقفت ثم تابعت وكأنها تذكرت شيئا مهما:[/font]
[font="]- لكن قولي لي يا ابنتي متى سيحضر نور الدين ليخطبك رسميا؟[/font]
[font="]- بمجرد ما نتخرج سيحضر وبعد أن نشتغل ونكون أنفسنا سنتزوج بإذن الله ولو أنني ...[/font]
[font="]وتوقفت وقد غابت ابتسامتها فنطقت الأم قائلة بقلب يخفق قلقا:[/font]
[font="]- ولو ماذا يا حبيبتي؟.[/font]
[font="]وردت سمراء بابتسامة حزينة:[/font]
[font="]- وأنت هناك بالريف ببيتك وبمزرعتك كنت بعيدة عنك لكن كنت أشعر بالاطمئنان عليك، وأنت في وسط الناس الطيبين مثل أم مختار وأم زهراء، لكن اليوم بالرغم أننا مع بعض لا أخفي عنك حقيقة مشاعري، إنني لا أحس بالاطمئنان عليك خصوصا إذا فكرت في الزواج، لهذا أنا لن أتزوج إلا إذا وجدت منزلا بجوار شقتك.[/font]
[font="]- ومن قال لك حين تتزوجين ستعيشين بعيدة عني، ليكن في علمك أنت ونور الدين شرطي الوحيد لهذا الزواج هو أن تقبلا العيش معي.[/font]
[font="]ابتسمت سمراء ابتسامة حزينة وردت في صمت : "أتمنى ذلك لكن لا أظن محمد ومصطفى سيوافقان. [/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- إذا أبقيت على الشقة باسم والدتكما فليس بعيدا عليها أن تكتبها باسم سمراء وخطيبها الذي سيصبح زوجها عن قريب.[/font]
[font="]ويرد مصطفى:[/font]
[font="]- ماذا تقولين؟.[/font]
[font="]- أكيد قد تكون فعلتها قبل أن تودع، أعذرني يا حبيبي على قول كلمة حق، فأمك صاحبة مرض ثم ألا يكفي أنكم صرفتم عنها بجميع مراحل دراستها.[/font]
[font="]- لا ... هي كانت ...[/font]
[font="]وتقاطعه قائلة:[/font]
[font="]- أعرف ماذا ستقول ... بأنها كانت تصرف على نفسها من خلال بيعها للوحات ترسمها، هل يعقل هذا؟.[/font]
[font="]توقفت ثم قامت لتنصرف وتابعت تقول:[/font]
[font="]- هل بيع اللوحات اليوم أصبح مصدر عيش؟ على كل أنا حذرتك وإذا حدث ما أراه غير مستبعد حدوثه، فلا داعي للندم بعدها.[/font]
[font="]خرجت وتركته تائها وقد تذكر يوما زار أمه، ولما قدم لها النقود كمصروف شهري قالت له بعد أن رمقت المبلغ بطرفة عين:[/font]
[font="]- ألا ترى أن المبلغ لا يكفي؟.[/font]
[font="]ورد عليها متلعثما:[/font]
[font="]- تعرفين نحن في بداية المشروع وما زال بعد المشوار طويلا.[/font]
[font="]- لكن أختك بحاجة إلى مصروف.[/font]
[font="]ويرد محتجا:[/font]
[font="]- ما هذا يا أمي، فهل نحن من أنجبناها حتى نصرف عليها؟[/font]
[font="]- إنها ابنتي أمام الله ولن أجعلها تحتاج إلى أي شيء ما دمت حية ترزق، وهذا كان شرطي الوحيد لما وافقت على بيع البيت والمزرعة.[/font]
[font="]يعود مصطفى من الخيال إلى الواقع بعدها يستعد لحمل محفظته، وهو يفتح الباب الخارجي أوقفته زوجته وهي تقول بصوت متعجرف:[/font]
[font="]- اذهب إلى وظيفة الحكومة فأنت لا تصلح للتجارة مثل محمد أخوك.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- هل صحيح يا سليمة أخوك نور الدين سيتزوج سمراء قريبا؟[/font]
[font="]وردت أخرى بسرعة:[/font]
[font="]- بل قولي متى يتزوج قيس بليلى؟.[/font]
[font="]أدركت سليمة استهزاء الصديقة فقالت:[/font]
[font="]- لا اطمئني الذي بينهما ليس حب لينتهي إلى زواج فهو مجرد عطف وشفقة على واحدة معوقة ريفية.[/font]
[font="]وتركت بعد ذلك سليمة الصديقتان في تجاه أخيها وما إن اقتربت منه حتى استوقفته قائلة متجاهلة وجود سمراء:[/font]
[font="]- هل ستعود الآن إلى المنزل؟[/font]
[font="]- لا بعد ساعة ... فإذا أردت انتظاري ...[/font]
[font="]فقاطعته وهي تنصرف قائلة:[/font]
[font="]- لا شكرا ... بالمناسبة دلال تشكرك على زيارتك لها.[/font]
[font="]أدرك لحظتها نور الدين الإحراج الذي أوقعته فيه سليمة متعمدة ذلك مما اضطره للتوضيح قائلا لسمراء:[/font]
[font="]- أرجوك يا سمراء لا تهتمي لكلام أختي فهي تقول أي شيء، فأنا فعلا زرت دلال، لكن ليس كما قصدت أن تفهمك لقد أوصلت سليمة إلى بيت دلال لأنها كانت مريضة وأرادت الاطمئنان عليها، وبقيت أنتظرها بالخارج، لكن أخوها فاجأني بدعوته لي بالدخول، وهذه هي كل القصة.[/font]
[font="]وهو ينتظر رد سمراء وكله قلق فإذا بعد فترة صمت تبتسم لتريحه قائلة: [/font]
[font="]- أيها الغالي لست بحاجة إلى توضيح وتفسير، الذي بيننا أقوى من أي مبادرة من طرف أي كان للإيقاع بيننا، وسليمة أنا خلاص تعودت على كل ما يصدر منها وإن شاء الله الأيام ستثبت لها من فعلا صديقاتها ...[/font]
[font="]توقفت للحظة ثم تابعت بنظرة تساؤل قائلة:[/font]
[font="]- قل لي يا نور الدين هل فعلا تحبني أم تشفق علي؟[/font]
[font="]اندهش من تساؤلها الذي أدرك بسرعة خلفيته فقال:[/font]
[font="]- من حقك يا حبيبتي أن تشكي في حبك لي.[/font]
[font="]وقاطعته قائلة:[/font]
[font="]- بصراحة أنا لا أشك في حبك، لكن بصراحة أكثر ساعات أشعر بالإحراج أمام الطالبات حين أقدمك كخطيب.[/font]
[font="]ورد عليها قائلا:[/font]
[font="]- ومن حقك أيضا أن لا تقتنعي بخطوبتي الفردية، حين زرت والدتك لوحدي لأطلب يدك منها، لكن تأكدي يا حبيبتي أنا عند وعدي فبمجرد التخرج سأحضر مع عائلتي لنعلن الخطوبة رسميا.[/font]
[font="]بعدها مد يده بكل حنان ليتناول يدها وتابع قائلا:[/font]
[font="]- تأكدي يا حياتي أنك أول وآخر حب في حياتي.[/font]
[font="]تشعر لحظتها سمراء بالسعادة والأمان وهي تستمع إليه ...[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- الحمد لله وفقت إلى حد كبير في إدارة هذه الشركة.[/font]
[font="]ويرد عليه مصطفى متحسرا على نفسه وسعيدا في نفس الوقت لأخيه:[/font]
[font="]- طبعا البركة في حماك فهو رجل أعمال معروف وتمكنت أن تأخذ منه الخبرة والمساعدة المادية والمعنوية، ليس مثلي ربنا وضع في طريقي زوجة هي وأهلها ظنوا أنني بئر.[/font]
[font="]ويرد عليه محمد وهو يضحك:[/font]
[font="]- لا يا محمد، القضية هي شطارة وذكاء وتفرغ وإرادة، كلانا أخذ نفس النصيب بعد بيع الأرض والبيت، أنا تركت وظيفة الحكومة نهائيا وقررت التفرغ للتجارة ... أما زواجي من بنت رجل الأعمال كان زواج من حوالي أربع سنين فقط، لكن أنت تزوجت مبكرا فخلفت فريقا كما أنك أردت أن تدخل التجارة من باب، وفي الوقت نفسه احتفظت بوظيفة الحكومة ولأن التجارة تحتاج إلى شطارة وتفرغ فكانت النتيجة طبعا الفشل، فاضطررت إلى أن تصرف ما بالبنك على المحل وبدل ما يصرف عليك المحل كنت أنت من يصرف عليه لأن بكل بساطة الابن البكر لكما لم يحسن التجارة في غيابك فخسرت في بضعة شهور كل نصيبك تقريبا.[/font]
[font="]ونطق مصطفى بعد أن تنهد بعمق:[/font]
[font="]- فعلا هذا ما حدث، المهم الآن ما رأيك في الفكرة التي اقترحتها عليك هل تساعدني وتتركها لي أم ستشاركني فيها؟[/font]
[font="]- لا ... إذا نجاحها مضمون فهي حلال عليك، المهم الوالدة ترضى بأن تسكنوا معها.[/font]
[font="]- طبعا سترضى، فكيف ترضى بالغريبة معها ولا ترضى بأحفادها[/font]![font="]؟[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- ماذا يا سمراء؟ ... هل سألت عني؟[/font]
[font="]وردت سمراء بدون مقدمات وبصوت حزين:[/font]
[font="]- مصطفى باع الشقة فعلا.[/font]
[font="]- هل أم محمد على علم؟[/font]
[font="]- وهل يعقل أن أخبرها وهي صاحبة مرض ... أقول لها بأن ابنك معك بالشقة ليس مؤقتا كما أفهمك ريثما يعيد تجهيز شقته، ولو قلت هذا، معناه أنني أتدخل فيما بينهما.[/font]
[font="]- أنا من رأي تعلم بالحقيقة، فمن يدري ما يدبره هو وزوجته الخبيثة لقد أقنعوها ببيع أرضها وبيتها وليس بعيدا تكرار نفس السيناريو فأطماعهم ليس لها حد.[/font]
[font="]- أفضل أن لا أتسرع برغم اقتناعي بكلامك لا ربما يعيد شراء شقة أخرى وبالتالي يرحل هو وأولاده.[/font]
[font="]- كل ما أتمناه لك وللخالة أم محمد أن يكون الله في عونكما من تصرفات زوجته وأولاده. [/font]
[font="]وحتى تغير سمراء الجو الحزين الذي يسيطر على حديثيهما قالت وهي تبتسم:[/font]
[font="]- لقد مر عليك مدة ولم تحضر لي زبائن ... أم خلاص رسمي ما عاد يعجب أحد.[/font]
[font="]وردت زهراء:[/font]
[font="]- ما رأيك لو تجمعين لوحاتك وتقومين بمعرض بدل بيعها بثمن بخس لأصحاب المحلات.[/font]
[font="]وردت سمراء باندهاش ونبرة بلا حماس:[/font]
[font="]- أنا أقوم بمعرض[/font]![font="][/font]
[font="]- نعم أنت ولم لا؟ ... فأنت يا عزيزتي فنانة موهوبة وكل الأساتذة وبجميع مراحل الدراسة كان يدهشهم عملك.[/font]
[font="]وتنهدت سمراء بعمق وقالت بصوت مهدود يحلم بالأمل والأمنية البعيدة المنال:[/font]
[font="]- لا أخفي عليك لو قلت لك إقامة معرض سيبقى أمنية وحلم حياتي، فأنت تعلمين أن مراكز الشباب ودور الثقافة هي الأماكن الوحيدة التي بإمكانها أن تساعد المواهب الشابة، لكن مع الأسف بيروقراطية الإدارة تحيل بيننا وبينها، وحتى أن وفقت في الوصول إليها فمساعدتها تتوقف عند عرضك للمعرض بعدها لا تتابع خطواتك وتتبناك، وهذا إما لقلة إمكانياتها ومحدوديتها أو كما قلت لبيروقراطية الإدارة مع الأسف.[/font]
[font="]- ما رأيك لو تكلمي محمد فهو رجل أعمال معروف وبإمكانه مساعدتك فأكيد له معارف في مستوى أعلى.[/font]
[font="]- محمد فين ونحن فين، فهو لا يزور أمه إلا مرة في الشهر ليحضر لها مبلغا من المال وكأن أمه بحاجة للفلوس أكثر من حاجتها إلى حبه وحنانه كابن أو كأن ما يقوم به اتجاهها عمل مفروض عليه وليس واجب، يدخل كالغريب ويخرج كالغريب، أما أنا ولا مرة لا هو ولا أخوه حسسوني أنني أختهم أو على الأقل واحدة من العائلة.[/font]
[font="]لحظتها تبصران نور الدين فراحت تغيران مجرى الحديث، بعدها بلحظات تقوم زهراء لتستأذن بالانصراف، يصل نور الدين وقبل أن يجلس رمقها بكل حب وحنان قائلا:[/font]
[font="]- ممكن رفيقة عمري تقبل دعوتي على الغذاء؟[/font]
[font="]- لا شكرا أنا مضطرة أن أعود إلى البيت حالا.[/font]
[font="]- وأنا مصر أن أدعوك، خصوصا وأنا أرى بعيونك وبصوتك نبرة حزن وإصرارك على العودة إلى البيت حالا معناه تتهربين من مشاركتي ما يتعبك ويحزنك.[/font]
[font="]لحظتها سمراء أدركت إحساس نور الدين بها فابتسمت وقالت:[/font]
[font="]- ما دام مصر ... فحاضر.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- من أين لك فلوس هذا المطعم وأنت مازلت طالبا؟[/font]
[font="]- طالبا وموظفا.[/font]
[font="]- ولو يا نور الدين[/font]![font="] ... فما تتقاضاه من ذلك العمل هو من أجل مصروف الجامعة.[/font]
[font="]وما إن حضر النادل وترك أمامهما صينية مغطاة ثم انصرف حتى قال نور الدين بكل رقة:[/font]
[font="]- اليوم يا حياتي هو يوم عيد ميلادك، ففكرت في هدية مناسبة، وفي الأخير قررت أن أدعوك إلى هذا المكان الشاعري، أولا لأنسيك ولو لساعة الجو الحزين الذي أصبح ثوب وجهك البريء، وثانيا لنكون بعيدين عن أنظار وألسن الفضوليين.[/font]
[font="]ثم راح يزيح الغطاء على تلك الحلوى التي توسطتها شمعة فأشعلها ثم أطفآها معا وهو يقول:[/font]
[font="]- كل سنة وأنت بألف خير يا حياتي.[/font]
[font="]وهما يتناولان قطعة الحلوى قال نور الدين مازحا:[/font]
[font="]- لا تأكلي كثيرا منها، فالغذاء مازال بعد، فأنا فضلت الحلوى قبل الغذاء حتى أفتح شهيتك للحديث بفرح. [/font]
[font="]ضحكت سمراء بسعادة، ومن أعماق قلبها من تصرف نور الدين المحب لها فعلا ...[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- عقبال الوظيفة يا حياتي.[/font]
[font="]بينما زوجة مصطفى تجاهلت فرحة سمراء ولم تهنئها، بل انصرفت باتجاه غرفتها.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- مصطفى هل حدث لأمي شيء؟[/font]
[font="]ابتسم ورد قائلا وهو ينظر إلى الشهادة التي تحملها:[/font]
[font="]- لا ...أبدا... آه مبروك عليك الشهادة يا ... يا أختي العزيزة.[/font]
[font="]شكرته وراحت تقدم له نور الدين ... اكتفى مصطفى بالنظر إلى نور الدين بنوع من الاعتلاء ثم قال موجها كلامه لسمراء:[/font]
[font="]- أريدك في موضوع مهم.[/font]
[font="]فما كان على نور الدين سوى الانصراف قائلا بكل أدب واحترام لمصطفى:[/font]
[font="]- سعيد برؤيتك ومعرفتك .[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- سمراء اسمعيني جيدا ... مثلما لم أحرجك أمام خطيبك، وتركتك تقدميني على أساس أنني أخوك، فأرجو أن لا تحرجيني في الموضوع الذي سأكلمك فيه. [/font]
[font="]وراح يصطنع الجدية في كلامه ... بينما سمراء حافظت على هدوءها ولم تقاطعه الحديث بل راحت تسمع لعرضه:[/font]
[font="]- الحقيقة أنني بعت شقتي وكنت أتمنى الحصول على سكن وظيفي لكن مع الأسف بعد التحريات اكتشفوا ملكيتي لسكني الذي بعته فحرمتني اللجنة من السكن الوظيفي ... لكن المصيبة أن مبلغ السكن دخلت به صفقة تجارية خاسرة والآن أصبحت مضطر البقاء بشقة الوالدة وأنت تعلمين نحن والأولاد والسكن لا يتسع كما ترين ...[/font]
[font="]ولما وجدته سمراء قد طال في الحديث قاطعته قائلة:[/font]
[font="]- أدخل في الموضوع مباشرة وقل ما تريده مني.[/font]
[font="]وفاجأها قائلا:[/font]
[font="]- أريدك أن تخلي لنا غرفتك.[/font]
[font="]وبدموع تحجرت وبصوت هادئ قالت:[/font]
[font="]- قصدك أغادر البيت ...[/font]
[font="]-لا تقلقي، أنا سأدبر الأمر سأجد لك غرفة ببيت المغتربات بل وسأقنع محمد أخي أن يجد لك عملا محترما بشركته أو بأي شركة المهم أن يكون رحيلك من البيت في نظر أمي برغبة منك.[/font]