قصة بين مخالب الزمن
الحلقة-13-
[font="]سمراء ورندا وسامي بإحدى النوادي .... وعلى طاولة الشاي راح سامي يحكي ورندا تتبادل معه الحديث حيث قالت:[/font]
[font="]- خمسة شهور وهو بغرفة الإنعاش يأكل ويتنفس عن طريق الأجهزة، حالته كان ميئوس منها كنت سأبعث لك رسالة لأخبرك، لكن حين فكرت قلت لنفسي يا ترى ماذا سأقول لها؟ ... وسمراء إنسانة حساسة جدا، لو سامي لم يكتب له أن يعيش أكيد سأزود عذابها أكثر ظنا منها أنه فارق الحياة بسببها.[/font]
[font="]ويتابع سامي قائلا:[/font]
[font="]- وفضلت التضحية بصداقتها وأن تظني بنا كل الظنون على أن تزود ذرة حزن بقلبك الكبير.[/font]
[font="]وتنهدت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- بصراحة لم أتصور ولو لحظة أن أحدكما مسه أذى، كم كنت غبية في ظنوني، وكم أنا بشوق لرؤية هذا الشخص الذي اسمه سيف الدين والذي كان السبب في عودتك إلى رشدك.[/font]
[font="]ورد سامي وهو يتذكر ذلك الشخص بكثير من الإعجاب:[/font]
[font="]- كان أصغر مني بعشر سنوات، لما علم بإعاقته لرجليه الاثنان إلى الأبد، استقبل ذلك الخبر من الطبيب المعالج بقلب وإيمان قوي وبابتسامة عريضة، وهو يحمد الله أنه ترك له عقلا قادرا أن يستغله أكثر من رجليه، كيف لا وقد كانت له قدرة على جمع كل المرضى حوله ليبث بقلوبهم الرحمة والإيمان والمحبة والتشبث بالأمل والحياة إلى آخر لحظة، وأن تكون لهم قدرة العطاء لمن حولنا بلا حساب ولا مقابل، كان يصلي كل أوقاته في وقتها وحين يسأل من أين لك هذا الإيمان وقوة الصبر، كان رده الله والقرآن نور لقلبي وعقلي ومما زاد في تأثري به ذلك الشاب الأوربي الذي دخل الإسلام على يديه، كم كان مستعجلا ومتلهفا على معرفة كل شيء مرة واحدة عن الإسلام، وقتها كم احتقرت واستصغرت نفسي كيف لا وأنا المسلم بالكلام فقط.[/font]
[font="]بعدها تقوم رندا لتستأذن قائلة:[/font]
[font="]- ما رأيكم لو نطوي صفحة الحزن؟[/font]
[font="]وردت سمراء:[/font]
[font="]- الحق معك ... لكن إلى أين ذاهبة؟[/font]
[font="]- سأنصرف لا أريد أن أكون عزولا بين اثنان.[/font]
[font="]ضحكت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- ومن قال لك ذلك؟[/font]
[font="]ونطق سامي:[/font]
[font="]- سمراء حبيبتي كم اشتقت إليك وكدت أجن لما علمت بخطوبتك وأنا أصل.[/font]
[font="]لحظتها تتبادل سمراء الابتسامة مع رندا التي هزت رأسها ضاحكة وهي تغادرهما، وراح سامي يمسك يدي سمراء بكل حنان وتابع يقول وهو ينظر إلى رندا وهي تنصرف لتبتعد عنهما باتجاه بحيرة السمك:[/font]
[font="]- أختي رندا أكثر من أخت وصديقة بالنسبة لي.[/font]
[font="]وردت سمراء بكل حنان:[/font]
[font="]- هي تستحق لقب الأخت الصديقة الرائعة.[/font]
[font="]- كانت أمنيتي أن ألتقي بشريكة حياتي إما عن طريقها وتكون صديقتها أو أن أجدها أنا مباشرة وتكون تحمل صفات الأخت الصديقة ... أول يوم رأيتك فيه قلت لنفسي لن تكوني لغيري.[/font]
[font="]بعد لحظات صمت حيث تركا الحديث للغة العيون ... بعدها نطق سامي:[/font]
[font="]- ما رأيك حفلة الخطوبة ببلدك أما حفلة الزفاف ببلدي.[/font]
[font="]- طبعا ليس لدي مانع لكن ...أنا... [/font]
[font="]وقاطعها قائلا لما أدرك نبرتها الحزينة وهي تنطق متلعثمة ومترددة:[/font]
[font="]- أعرف ما يقلقك، أولا تريدين معرفة مصير محل الملهى وثانيا محل إقامتنا.[/font]
[font="]سعدت واستغربت في نفس الوقت قدرته في فهمها دون أن تنطق وتفسر في حين تابع هو يقول:[/font]
[font="]- أنا خلاص قمت بتصفية الملهى، وسوف أفتح فرع لبيع السيارات هنا ببلدك وفرع ثاني ببلدي ويبقى المكتب الرئيسي بباريس وبالتالي ستكون إقامتنا متبادلة بين باريس وبلدينا فما رأيك؟[/font]
[font="]وردت بابتسامة وسعادة:[/font]
[font="]- سعيدة جدا جدا.[/font]
[font="]وكانت حفلة الخطوبة، حفلة كبيرة حضرها كل الأهل والأقارب ومعارف مصطفى ومحمد، كانت سمراء وهي بجوار سامي في منتهى الأناقة والجمال، سمراء رغم سعادتها في ذلك اليوم إلا أنها شعرت لبعض الوقت بنوع من القلق وهي تفتش بعيونها عن شخص ما ... بعدها تستأذن من خطيبها لتغيب لحظات، وما إن انصرفت بهدوء دون أن يعبأ بها أحد إلا من أم محمد، خطت بخطوات نحو الرواق المؤدي إلى المطبخ، توقفت وأرسلت بنظراتها إلى كل الاتجاهات، ثم تراجعت إلى الخلف لتدخل غرفة المرسم، تقترب بهدوء من صورة عيون البحر، جلست أمامها تنظر إليها بحنان بعدها مسكت بالريشة والألوان وراحت تضيف شيئا للعيون لحظتها كانت أم محمد ترقبها من النافذة وما إن انصرفت دخلت هي غرفة الرسم وراحت تنظر إلى الصورة وقالت وهي تبتسم في سعادة:[/font]
[font="]- طبعا أضفت لها دموع الفرح، يا له من إحساس غريب إنه فعلا شعور والدتك في هذه اللحظات.[/font]
[font="]سمراء لم تجد أم عمر بالمطبخ، سألت عليها فعرفت أنها بالحديقة فراحت تقترب منها وما إن رفعت لها رأسها فإذا بها تكتشف دموعها ... أدركت أم عمر نفسها فابتسمت وراحت تمسح دموعها وهي تقول: [/font]
[font="]- إنها دموع الفرح يا ... يا ابنتي.[/font]
[font="]وما كادت سمراء تجالس أم عمر حتى حضرت زهراء ومسكتها من يدها وهي تقول:[/font]
[font="]- يا لله أين أنت والكل يسأل عنك.[/font]
[font="]سمراء وهي تعود إلى الصالون بصحبة زهراء، كانت عيناها معلقتان بأم عمر، وفي نفس اللحظة كانت عيون أم محمد معلقة بالنظر إلى سمراء ونظراتها إلى أم عمر.[/font]
[font="]سمراء بالمطار الدولي تودع سامي وأخته رندا ... قال سامي:[/font]
[font="]- بمجرد ما ننهي ترتيبات الزفاف سأحضر لأطير بك إلى باريس لتصميم فستان الزفاف.[/font]
[font="] [/font]
[font="]تعود سمراء مباشرة إلى مكتبها وبمجرد وصولها راحت تدير أرقام الهاتف لتتصل بوالدتها وما إن رفعت السماعة حتى قالت:[/font]
[font="]- ألو ... ألو ... ألو ...[/font]
[font="]انتابها القلق حيث أن الطرف الثاني كان صوت أمها الذي يبدو لها ضعيفا وغير مسموع جدا فرددت بقلق: [/font]
[font="]- أمي ... أمي ما بك ... أمي تكلمي أين أم عمر ... [/font]
[font="]تسقط سماعة الهاتف من يد الأم دون أن تتمكن من محادثة سمراء وهي في حالة ضيق تنفسي، سمراء تترك سماعة الهاتف وهي تخرج طلبت من السكرتيرة الاتصال بدكتور العائلة وحضوره فورا إلى القرية، تصل سمراء إلى الفيلا في نفس الوقت مع وصول الدكتور، وكانت المفاجأة لما وجدت أمها بغرفتها وهي مستلقية بجوار السرير في غيبوبة ودون أثر لأم عمر معها، الدكتور يطمئنها بعد أن جس نبضها ويطلب منها البقاء بالخارج، بينما سمراء في حالة قلق أمام غرفة والدتها فإذا بأم عمر تدخل من الخارج التقت نظرات سمراء المملوءة حزنا وغضبا بنظراتها المملوءة بالتساؤل والاندهاش، لحظتها أم عمر أدركت ثمة شيء مؤلم حدث فراحت تبلع ريقها لتسأل، لكنها لم تتجرأ أن تنطق بكلمة وعيون سمراء المتحجرة دموعا تحدق فيها وهي تكاد تنفجر غضبا فلم يكن أمام أم عمر إلا أن تتمالك أعصابها وهي ترى سمراء تقترب منها لتنطق بصوت مخنوق وبنبرة هادئة:[/font]
[font="]- من فضلك خذي كل ما لديك بالمنزل وغادري حالا.[/font]
[font="]حاولت أم عمر أن تنطق لتفهم شيئا لكن سمراء قاطعتها بنفس الهدوء:[/font]
[font="]- أرجوك لا تضطريني لطردك ... تذكري جيدا، كان أول وأهم شرط لقبولك العمل هنا هو أنك لن تتركيها ولو لحظة لوحدها أثناء غيابي، مهما حصل.[/font]
[font="]ثم راحت تفتح حقيبتها لتقدم مبلغا من المال قائلة:[/font]
[font="]- خذي مرتبك وارحلي من فضلك.[/font]
[font="]أم عمر لم تجرأ أن تمد يدها لتتناول المبلغ من يد سمراء، اكتفت بالقول وبنبرة حزينة:[/font]
[font="]- ما دام لم أحافظ على الشرط رغما عني، فلا أظن أنني أستحق هذا المرتب، ثم أنا لم أعمل إلا أيام معدودة من هذا الشهر.[/font]
[font="]وهي تغادر أوقفتها سمراء قائلة:[/font]
[font="]- ألا تأخذي حاجياتك؟[/font]
[font="]تحاول أم عمر أن تحبس دموعها لتخفيها وهي تنصرف قائلة:[/font]
[font="]- خذي بالك من الحاجة ... ومن نفسك.[/font]
[font="]لحظتها يظهر خروج الدكتور ... فتتجه سمراء نحوه بسرعة قائلة بلهفة:[/font]
[font="]- كيف حالها ... طمئني من فضلك ... هل أفاقت؟[/font]
[font="]- اطمئني هي بخير ... الحمد لله وصلنا في الوقت المناسب.[/font]
[font="]- هل يمكنني أن أراها وأكلمها.[/font]
[font="]- نعم يمكنك رؤيتها لكنها نائمة.[/font]
[font="]وهو يغادرها قال:[/font]
[font="]- سأحضر غدا للاطمئنان عليها.[/font]
[font="]سمراء بغرفة أمها، جلست بالقرب منها، بدأت الأم تستيقظ وما إن أبصرت سمراء حتى قالت:[/font]
[font="]- أين أم عمر؟ ... لقد طلبت منها أن تحضر لي الفستق والفول السوداني.[/font]
[font="]- ما كان عليها أن تتركك لوحدك من أجل ...[/font]
[font="]وتقاطعها الأم مبتسمة:[/font]
[font="]- ماذا أفعل؟ ... لقد خطر ببالي، وطلبت منها أن تذهب حالا إلى السوق، رغم أنها لم ترضى إلا بصعوبة وإلحاح مني ...[/font]
[font="]توقفت للحظة ثم تابعت تقول حين أدركت أن سمراء على غير عادتها:[/font]
[font="]- أين أم عمر؟ ... ألم تحضر بعد من السوق؟[/font]
[font="]تشعر لحظتها سمراء بإحراج فقامت لتتجه نحو النافذة المطلة على المزرعة وبصوت متلعثم نطقت:[/font]
[font="]- هي في الحقيقة ... ارتكبت أكبر خطأ، لما تركتك لوحدك لقد كنت ستضعين مني، لولا أنني وصلت مع الطبيب في الوقت المناسب ... ولهذا أنا ... أنا ...[/font]
[font="]وأدركت الأم ما تخفيه سمراء فقاطعتها بنبرة تساؤل:[/font]
[font="]- سمراء!... أين أم عمر؟[/font]
[font="]نظرت سمراء إلى أمها ثم طأطأت رأسها وجلست على الكنبة وقالت:[/font]
[font="]- مع الأسف، لقد أعفيتها من العمل بالمنزل نهائيا.[/font]
[font="]وبصوت متألم ردت الحاجة:[/font]
[font="]- تقصدين طردتنها[/font]![font="] ...[/font]
[font="]لم ترد سمراء ... وفضلت الصمت ... فكان ذلك تأكيدا لظنون الأم ... تشعر لحظتها الأم بقلق شديد وحزن عميق وإذا فجأة تزيح غطاءها لتغادر السرير على رجليها نحو سمراء ونطقت بصوت مخنوق:[/font]
[font="]- سمراء يجب أن تلتحقي بها حالا ...[/font]
[font="]اندهشت سمراء وهي ترى والدتها تقف أمامها على رجليها ... تكاد لا تصدق ما تراه عيناها ... فنطقت وهي تكاد من الفرحة تطير:[/font]
[font="]- أمي ... أمي أنت ...[/font]
[font="]تدرك الأم نفسها فتنظر إلى رجليها ثم نطقت بنبرة حزينة ودموع متحجرة قائلة: [/font]
[font="]- سمراء ... ما حدث لي من أكثر من ثماني سنين وأفقدني حركة رجلي لا أريده أن يتكرر مع أم عمر ... التي هي في الحقيقة أم أحلام ... أمك الحقيقية يا حبيبتي ...[/font]
[font="]ومن المفاجأة نزلت دموع سمراء كالوديان وردت بصوت مخنوق:[/font]
[font="]- أمي[/font]![font="]... تقولين أمي[/font]![font="] ...[/font]
[font="]- نعم أم عمر هي في الحقيقة السيدة صفاء حجازي.[/font]
[font="]تصل أم عمر إلى شقتها المتواضعة ... وما إن دخلت المطبخ حتى وجدت ابنتها سحر تحضر الغذاء ... سحر ما أن أبصرتها حتى نطقت متسائلة:[/font]
[font="]- ألم تذهبي بعد؟[/font]
[font="]تحاول الأم أن تبتسم قائلة:[/font]
[font="]- بل ذهبت وعدت، السيدة قررت فجأة أن تأخذ والدتها في رحلة وربما ستطول الرحلة.[/font]
[font="]لحظتها يظهر عمر وكان يظهر أنه استيقظ من النوم فقال:[/font]
[font="]- يا ريت يا أمي تتركين هذا العمل للأبد وتسمحين لي بالعمل.[/font]
[font="]- لا ... لا يا ابني أنت يجب أن تنال شهادة الماجستير والدكتوراه قبل أن تفكر في العمل.[/font]
[font="]ونطقت سحر:[/font]
[font="]- لكن يا أمي أن تتركي عمل الحكومة لتعملي بالبيوت وأنت إنسانة متعلمة هذا لا يليق بك أنت.[/font]
[font="]وتقاطعها الأم قائلة:[/font]
[font="]- مستعدة أن أعمل أي شيء من أجل الوصول إلى أحلام.[/font]
[font="]ونطق عمر.[/font]
[font="]- لكن يا أمي مرت شهور على عملك بالقرية ولحد الآن لم تصلي إلى خيط يقودك إلى أحلام ... فأرجوك توقفي واتركي لي الأمر.[/font]
[font="]اغرورقت عيناها بالدموع ونطقت بنفسية منحطة:[/font]
[font="]- خلاص يا ابني يظهر أن أحلام اختفت إلى الأبد.[/font]
[font="]ورد عليها عمر.[/font]
[font="]- لا ... لا يا أمي لا تقولي هذا ... أعدك أنني لن انتظر لغاية حصولي على الدكتوراه أنا قررت أن أبدأ البحث عنها بنفسي بمجرد ما أنال الماجستير وسأؤجل الدكتوراه لغاية ما أصل إليها.[/font]
[font="]بالقرية ... يظهر أن أم محمد حكت لسمراء كل شيء بالتفصيل عن أم عمر وكانت سمراء تستمع إليها ودموعها تكاد لا تتوقف ... الأم تمد يديها لتتناول يدي سمراء قائلة لها:[/font]
[font="]- قومي والتحقي بها حالا ... لا أريدك أن تصلي إليها متأخرة.[/font]
[font="]سمراء وهي في كامل حيرتها وحزنها لم تنطق ولا بكلمة وراحت الأم تقدم لها بطاقة قائلة:[/font]
[font="]- عنوانها الحقيقي مدون على هذه البطاقة.[/font]
[font="]تتقدم سمراء نحو الباب ... تفتحه وقبل أن تغلقه خلفها استدارت نحو أمها ونظرت إليها بكل حنان ثم ركزت نظرها على رجليها ... لحظتها تنطق الأم برقة لما أدركت تردد سمراء في الذهاب وتركها لوحدها:[/font]
[font="]- لا تقلقي علي اذهبي فهي في هذه اللحظة بالذات بحاجة إليك أكثر مني واطمئني سأتصل بأم مختار حالا...[/font]
[font="]بصوت مخنوق قالت سمراء:[/font]
[font="]- سأذهب لكن ليس قبل أن أطمئن عليك، سأحضر خالتي أم مختار حالا.[/font]
[font="]وراحت تتقدم نحو الباب الخارجي فصادفت دخول محمد ومصطفى وكلاهما لهفة وقلق، حيث نطقا بلسان واحد:[/font]
[font="]- ما بها أمي؟ ... كيف حالها؟[/font]
***الحلقة المقبلة هي الحلقة الأخيرة لحظة لقاء الأم بإبنتها***
الحلقة-13-
[font="]سمراء ورندا وسامي بإحدى النوادي .... وعلى طاولة الشاي راح سامي يحكي ورندا تتبادل معه الحديث حيث قالت:[/font]
[font="]- خمسة شهور وهو بغرفة الإنعاش يأكل ويتنفس عن طريق الأجهزة، حالته كان ميئوس منها كنت سأبعث لك رسالة لأخبرك، لكن حين فكرت قلت لنفسي يا ترى ماذا سأقول لها؟ ... وسمراء إنسانة حساسة جدا، لو سامي لم يكتب له أن يعيش أكيد سأزود عذابها أكثر ظنا منها أنه فارق الحياة بسببها.[/font]
[font="]ويتابع سامي قائلا:[/font]
[font="]- وفضلت التضحية بصداقتها وأن تظني بنا كل الظنون على أن تزود ذرة حزن بقلبك الكبير.[/font]
[font="]وتنهدت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- بصراحة لم أتصور ولو لحظة أن أحدكما مسه أذى، كم كنت غبية في ظنوني، وكم أنا بشوق لرؤية هذا الشخص الذي اسمه سيف الدين والذي كان السبب في عودتك إلى رشدك.[/font]
[font="]ورد سامي وهو يتذكر ذلك الشخص بكثير من الإعجاب:[/font]
[font="]- كان أصغر مني بعشر سنوات، لما علم بإعاقته لرجليه الاثنان إلى الأبد، استقبل ذلك الخبر من الطبيب المعالج بقلب وإيمان قوي وبابتسامة عريضة، وهو يحمد الله أنه ترك له عقلا قادرا أن يستغله أكثر من رجليه، كيف لا وقد كانت له قدرة على جمع كل المرضى حوله ليبث بقلوبهم الرحمة والإيمان والمحبة والتشبث بالأمل والحياة إلى آخر لحظة، وأن تكون لهم قدرة العطاء لمن حولنا بلا حساب ولا مقابل، كان يصلي كل أوقاته في وقتها وحين يسأل من أين لك هذا الإيمان وقوة الصبر، كان رده الله والقرآن نور لقلبي وعقلي ومما زاد في تأثري به ذلك الشاب الأوربي الذي دخل الإسلام على يديه، كم كان مستعجلا ومتلهفا على معرفة كل شيء مرة واحدة عن الإسلام، وقتها كم احتقرت واستصغرت نفسي كيف لا وأنا المسلم بالكلام فقط.[/font]
[font="]بعدها تقوم رندا لتستأذن قائلة:[/font]
[font="]- ما رأيكم لو نطوي صفحة الحزن؟[/font]
[font="]وردت سمراء:[/font]
[font="]- الحق معك ... لكن إلى أين ذاهبة؟[/font]
[font="]- سأنصرف لا أريد أن أكون عزولا بين اثنان.[/font]
[font="]ضحكت سمراء وقالت:[/font]
[font="]- ومن قال لك ذلك؟[/font]
[font="]ونطق سامي:[/font]
[font="]- سمراء حبيبتي كم اشتقت إليك وكدت أجن لما علمت بخطوبتك وأنا أصل.[/font]
[font="]لحظتها تتبادل سمراء الابتسامة مع رندا التي هزت رأسها ضاحكة وهي تغادرهما، وراح سامي يمسك يدي سمراء بكل حنان وتابع يقول وهو ينظر إلى رندا وهي تنصرف لتبتعد عنهما باتجاه بحيرة السمك:[/font]
[font="]- أختي رندا أكثر من أخت وصديقة بالنسبة لي.[/font]
[font="]وردت سمراء بكل حنان:[/font]
[font="]- هي تستحق لقب الأخت الصديقة الرائعة.[/font]
[font="]- كانت أمنيتي أن ألتقي بشريكة حياتي إما عن طريقها وتكون صديقتها أو أن أجدها أنا مباشرة وتكون تحمل صفات الأخت الصديقة ... أول يوم رأيتك فيه قلت لنفسي لن تكوني لغيري.[/font]
[font="]بعد لحظات صمت حيث تركا الحديث للغة العيون ... بعدها نطق سامي:[/font]
[font="]- ما رأيك حفلة الخطوبة ببلدك أما حفلة الزفاف ببلدي.[/font]
[font="]- طبعا ليس لدي مانع لكن ...أنا... [/font]
[font="]وقاطعها قائلا لما أدرك نبرتها الحزينة وهي تنطق متلعثمة ومترددة:[/font]
[font="]- أعرف ما يقلقك، أولا تريدين معرفة مصير محل الملهى وثانيا محل إقامتنا.[/font]
[font="]سعدت واستغربت في نفس الوقت قدرته في فهمها دون أن تنطق وتفسر في حين تابع هو يقول:[/font]
[font="]- أنا خلاص قمت بتصفية الملهى، وسوف أفتح فرع لبيع السيارات هنا ببلدك وفرع ثاني ببلدي ويبقى المكتب الرئيسي بباريس وبالتالي ستكون إقامتنا متبادلة بين باريس وبلدينا فما رأيك؟[/font]
[font="]وردت بابتسامة وسعادة:[/font]
[font="]- سعيدة جدا جدا.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- طبعا أضفت لها دموع الفرح، يا له من إحساس غريب إنه فعلا شعور والدتك في هذه اللحظات.[/font]
[font="]سمراء لم تجد أم عمر بالمطبخ، سألت عليها فعرفت أنها بالحديقة فراحت تقترب منها وما إن رفعت لها رأسها فإذا بها تكتشف دموعها ... أدركت أم عمر نفسها فابتسمت وراحت تمسح دموعها وهي تقول: [/font]
[font="]- إنها دموع الفرح يا ... يا ابنتي.[/font]
[font="]وما كادت سمراء تجالس أم عمر حتى حضرت زهراء ومسكتها من يدها وهي تقول:[/font]
[font="]- يا لله أين أنت والكل يسأل عنك.[/font]
[font="]سمراء وهي تعود إلى الصالون بصحبة زهراء، كانت عيناها معلقتان بأم عمر، وفي نفس اللحظة كانت عيون أم محمد معلقة بالنظر إلى سمراء ونظراتها إلى أم عمر.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- بمجرد ما ننهي ترتيبات الزفاف سأحضر لأطير بك إلى باريس لتصميم فستان الزفاف.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]تعود سمراء مباشرة إلى مكتبها وبمجرد وصولها راحت تدير أرقام الهاتف لتتصل بوالدتها وما إن رفعت السماعة حتى قالت:[/font]
[font="]- ألو ... ألو ... ألو ...[/font]
[font="]انتابها القلق حيث أن الطرف الثاني كان صوت أمها الذي يبدو لها ضعيفا وغير مسموع جدا فرددت بقلق: [/font]
[font="]- أمي ... أمي ما بك ... أمي تكلمي أين أم عمر ... [/font]
[font="]تسقط سماعة الهاتف من يد الأم دون أن تتمكن من محادثة سمراء وهي في حالة ضيق تنفسي، سمراء تترك سماعة الهاتف وهي تخرج طلبت من السكرتيرة الاتصال بدكتور العائلة وحضوره فورا إلى القرية، تصل سمراء إلى الفيلا في نفس الوقت مع وصول الدكتور، وكانت المفاجأة لما وجدت أمها بغرفتها وهي مستلقية بجوار السرير في غيبوبة ودون أثر لأم عمر معها، الدكتور يطمئنها بعد أن جس نبضها ويطلب منها البقاء بالخارج، بينما سمراء في حالة قلق أمام غرفة والدتها فإذا بأم عمر تدخل من الخارج التقت نظرات سمراء المملوءة حزنا وغضبا بنظراتها المملوءة بالتساؤل والاندهاش، لحظتها أم عمر أدركت ثمة شيء مؤلم حدث فراحت تبلع ريقها لتسأل، لكنها لم تتجرأ أن تنطق بكلمة وعيون سمراء المتحجرة دموعا تحدق فيها وهي تكاد تنفجر غضبا فلم يكن أمام أم عمر إلا أن تتمالك أعصابها وهي ترى سمراء تقترب منها لتنطق بصوت مخنوق وبنبرة هادئة:[/font]
[font="]- من فضلك خذي كل ما لديك بالمنزل وغادري حالا.[/font]
[font="]حاولت أم عمر أن تنطق لتفهم شيئا لكن سمراء قاطعتها بنفس الهدوء:[/font]
[font="]- أرجوك لا تضطريني لطردك ... تذكري جيدا، كان أول وأهم شرط لقبولك العمل هنا هو أنك لن تتركيها ولو لحظة لوحدها أثناء غيابي، مهما حصل.[/font]
[font="]ثم راحت تفتح حقيبتها لتقدم مبلغا من المال قائلة:[/font]
[font="]- خذي مرتبك وارحلي من فضلك.[/font]
[font="]أم عمر لم تجرأ أن تمد يدها لتتناول المبلغ من يد سمراء، اكتفت بالقول وبنبرة حزينة:[/font]
[font="]- ما دام لم أحافظ على الشرط رغما عني، فلا أظن أنني أستحق هذا المرتب، ثم أنا لم أعمل إلا أيام معدودة من هذا الشهر.[/font]
[font="]وهي تغادر أوقفتها سمراء قائلة:[/font]
[font="]- ألا تأخذي حاجياتك؟[/font]
[font="]تحاول أم عمر أن تحبس دموعها لتخفيها وهي تنصرف قائلة:[/font]
[font="]- خذي بالك من الحاجة ... ومن نفسك.[/font]
[font="]لحظتها يظهر خروج الدكتور ... فتتجه سمراء نحوه بسرعة قائلة بلهفة:[/font]
[font="]- كيف حالها ... طمئني من فضلك ... هل أفاقت؟[/font]
[font="]- اطمئني هي بخير ... الحمد لله وصلنا في الوقت المناسب.[/font]
[font="]- هل يمكنني أن أراها وأكلمها.[/font]
[font="]- نعم يمكنك رؤيتها لكنها نائمة.[/font]
[font="]وهو يغادرها قال:[/font]
[font="]- سأحضر غدا للاطمئنان عليها.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- أين أم عمر؟ ... لقد طلبت منها أن تحضر لي الفستق والفول السوداني.[/font]
[font="]- ما كان عليها أن تتركك لوحدك من أجل ...[/font]
[font="]وتقاطعها الأم مبتسمة:[/font]
[font="]- ماذا أفعل؟ ... لقد خطر ببالي، وطلبت منها أن تذهب حالا إلى السوق، رغم أنها لم ترضى إلا بصعوبة وإلحاح مني ...[/font]
[font="]توقفت للحظة ثم تابعت تقول حين أدركت أن سمراء على غير عادتها:[/font]
[font="]- أين أم عمر؟ ... ألم تحضر بعد من السوق؟[/font]
[font="]تشعر لحظتها سمراء بإحراج فقامت لتتجه نحو النافذة المطلة على المزرعة وبصوت متلعثم نطقت:[/font]
[font="]- هي في الحقيقة ... ارتكبت أكبر خطأ، لما تركتك لوحدك لقد كنت ستضعين مني، لولا أنني وصلت مع الطبيب في الوقت المناسب ... ولهذا أنا ... أنا ...[/font]
[font="]وأدركت الأم ما تخفيه سمراء فقاطعتها بنبرة تساؤل:[/font]
[font="]- سمراء!... أين أم عمر؟[/font]
[font="]نظرت سمراء إلى أمها ثم طأطأت رأسها وجلست على الكنبة وقالت:[/font]
[font="]- مع الأسف، لقد أعفيتها من العمل بالمنزل نهائيا.[/font]
[font="]وبصوت متألم ردت الحاجة:[/font]
[font="]- تقصدين طردتنها[/font]![font="] ...[/font]
[font="]لم ترد سمراء ... وفضلت الصمت ... فكان ذلك تأكيدا لظنون الأم ... تشعر لحظتها الأم بقلق شديد وحزن عميق وإذا فجأة تزيح غطاءها لتغادر السرير على رجليها نحو سمراء ونطقت بصوت مخنوق:[/font]
[font="]- سمراء يجب أن تلتحقي بها حالا ...[/font]
[font="]اندهشت سمراء وهي ترى والدتها تقف أمامها على رجليها ... تكاد لا تصدق ما تراه عيناها ... فنطقت وهي تكاد من الفرحة تطير:[/font]
[font="]- أمي ... أمي أنت ...[/font]
[font="]تدرك الأم نفسها فتنظر إلى رجليها ثم نطقت بنبرة حزينة ودموع متحجرة قائلة: [/font]
[font="]- سمراء ... ما حدث لي من أكثر من ثماني سنين وأفقدني حركة رجلي لا أريده أن يتكرر مع أم عمر ... التي هي في الحقيقة أم أحلام ... أمك الحقيقية يا حبيبتي ...[/font]
[font="]ومن المفاجأة نزلت دموع سمراء كالوديان وردت بصوت مخنوق:[/font]
[font="]- أمي[/font]![font="]... تقولين أمي[/font]![font="] ...[/font]
[font="]- نعم أم عمر هي في الحقيقة السيدة صفاء حجازي.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- ألم تذهبي بعد؟[/font]
[font="]تحاول الأم أن تبتسم قائلة:[/font]
[font="]- بل ذهبت وعدت، السيدة قررت فجأة أن تأخذ والدتها في رحلة وربما ستطول الرحلة.[/font]
[font="]لحظتها يظهر عمر وكان يظهر أنه استيقظ من النوم فقال:[/font]
[font="]- يا ريت يا أمي تتركين هذا العمل للأبد وتسمحين لي بالعمل.[/font]
[font="]- لا ... لا يا ابني أنت يجب أن تنال شهادة الماجستير والدكتوراه قبل أن تفكر في العمل.[/font]
[font="]ونطقت سحر:[/font]
[font="]- لكن يا أمي أن تتركي عمل الحكومة لتعملي بالبيوت وأنت إنسانة متعلمة هذا لا يليق بك أنت.[/font]
[font="]وتقاطعها الأم قائلة:[/font]
[font="]- مستعدة أن أعمل أي شيء من أجل الوصول إلى أحلام.[/font]
[font="]ونطق عمر.[/font]
[font="]- لكن يا أمي مرت شهور على عملك بالقرية ولحد الآن لم تصلي إلى خيط يقودك إلى أحلام ... فأرجوك توقفي واتركي لي الأمر.[/font]
[font="]اغرورقت عيناها بالدموع ونطقت بنفسية منحطة:[/font]
[font="]- خلاص يا ابني يظهر أن أحلام اختفت إلى الأبد.[/font]
[font="]ورد عليها عمر.[/font]
[font="]- لا ... لا يا أمي لا تقولي هذا ... أعدك أنني لن انتظر لغاية حصولي على الدكتوراه أنا قررت أن أبدأ البحث عنها بنفسي بمجرد ما أنال الماجستير وسأؤجل الدكتوراه لغاية ما أصل إليها.[/font]
[font="]óóóó[/font][font="][/font]
[font="]- قومي والتحقي بها حالا ... لا أريدك أن تصلي إليها متأخرة.[/font]
[font="]سمراء وهي في كامل حيرتها وحزنها لم تنطق ولا بكلمة وراحت الأم تقدم لها بطاقة قائلة:[/font]
[font="]- عنوانها الحقيقي مدون على هذه البطاقة.[/font]
[font="]تتقدم سمراء نحو الباب ... تفتحه وقبل أن تغلقه خلفها استدارت نحو أمها ونظرت إليها بكل حنان ثم ركزت نظرها على رجليها ... لحظتها تنطق الأم برقة لما أدركت تردد سمراء في الذهاب وتركها لوحدها:[/font]
[font="]- لا تقلقي علي اذهبي فهي في هذه اللحظة بالذات بحاجة إليك أكثر مني واطمئني سأتصل بأم مختار حالا...[/font]
[font="]بصوت مخنوق قالت سمراء:[/font]
[font="]- سأذهب لكن ليس قبل أن أطمئن عليك، سأحضر خالتي أم مختار حالا.[/font]
[font="]وراحت تتقدم نحو الباب الخارجي فصادفت دخول محمد ومصطفى وكلاهما لهفة وقلق، حيث نطقا بلسان واحد:[/font]
[font="]- ما بها أمي؟ ... كيف حالها؟[/font]
***الحلقة المقبلة هي الحلقة الأخيرة لحظة لقاء الأم بإبنتها***