- إنضم
- 3 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 8,454
- نقاط التفاعل
- 62
- النقاط
- 317
كل هذه النقول ولو كانت طويلة تبين حقيقة المتصوفة وكذب وزيف ما يدعونه وأنهم ليسوا سوى انتهازيين لتحقيق أهدافهم الخبيثة من هدم الإسلام وقتل أهله وتشويه سمعة وصورة السلف ولم يجدوا من يتعاونون معهم في تحقيق مآربهم مثل النصارى على مدى الدهور والعصور والآن الغرب ممثلا في امريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول أوربا ومن غير المستبعد أن يكون هناك تعاونا صهيونا وسوف أضع المزيد عن هذا التحالف الخبيث بين الفريقين ضد الإسلام وأهله
إن شاء الله
منقول
التصوف الفرنكو أمريكي الجديد في المغرب جذور وحقيقة
بقلم نوفل بن إبراهيم
تنشر الراصد هذه الدراسة كاملة مع هوامشها، حيث سبق أن نشرت غير كاملة.
عند تفحص المكتبة العربية أو التجول في مواقع الشبكة العنكبوتية للبحث عن الدراسات و البحوث العلمية عن الطرق الصوفية يجد الباحث ركاما هائلا من الكتب والبحوث والمقالات عن الطرق الصوفية و عقائدها و تاريخها و شعائرها بيد أنه لن يجد شيئا بالعربية تقريبا عن فئة جديدة من الصوفية برزت بقوة في السنوات الأخيرة في المغرب و التي يمكن نعتها بالصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة [1] فهي جديدة لما تتسم به من خصائص "عصرانية" مخالفة للمعهود من الصوفية بمختلف طرقهم المشرقة و المغربة وهي فرنكو أمريكية لأن القائمين عليها فرنكفونيين مشبعين بالثقافة الفرنسية ولكنها تشبه حركات"العهد الجديد"النصرانية [2] في الولايات المتحدة الأمريكية كما أنها تستجيب للمواصفات الأمريكية المطلوبة وتوصيات مراكز البحث الأمريكية المهمة المتكررة بدعم التصوف وتكوين دعاته وتدريبهم حتى يكونوا في مستوى مواجهة ما يسمونه بالأصولية الإسلامية مثل مؤسسة راند وتصريحات أمريكية متعددة في هذا الصدد وقد اعترف المستشرق الشهير برنارد لويس المعروف بصهيونيته وعداوته الشديدة للإسلام والمسلمين بأن الغرب يسعى إلى مصالحة (التصوف الإسلامي) ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط (فصل الدين عن الحياة)، وإقصاء الإسلام نهائيًا عن قضايا السياسة والاقتصاد، بنفس الطريقة التي استخدمت في تهميش النصرانية في أوروبا والولايات المتحدة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد أن يذكر توصية للجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي بضرورة تشجيع "حركات الإسلام التقليدي والصوفي: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي".
التخريف و التغريب أو عندما ترتدي الخرافة ثوب الحداثة:
الثوب الجديد الذي يبرز به التصوف في المغرب هذه السنوات الأخيرة غريب و ملفت جدا للنظر فهو يزاوج بين قمة الخرافة فكرا وممارسة وخطابا والخطاب العقلاني والحداثي العلماني في نفس الوقت! وذلك حسب مقام الخطاب! فإذا كان كلنا أو أغلبنا على الأقل قد تعود على أن الطرق الصوفية هي ظاهرة تقتصر أو تكاد على أوساط العوام الأميين وأشباه الأميين حيث ينحصر الخطاب الصوفي في ترديد الخرافات عن كرامات شيوخهم ومجاذيبهم وينحصر نشاطهم الصوفي على الموالد و الحضرات والشعوذة والسحر ويغلب على رموزهم السمت التقليدي في الهيئات واللباس والتظاهر بالتدين، فإن المغرب يشهد منذ سنوات حركة تصوف نشطة تخالف ذلك النمط التقليدي مخالفة شديدة في ظاهرها و إن كانت تتفق معه في أصوله، فالقائمون على هذا التصوف الجديد مثقفون فرنكفونيون وأكاديميون في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية وغيرها والعمل جار على قدم وساق منذ تعيين أحمد توفيق [3] أحد مريدي الطريقة البوتشيشية المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف على اكتساح المجتمع و خاصة نخبه المثقفة والمتعلمة وإعادة تصويفه من جديد بعد أن تراجعت الظاهرة الطرقية في المغرب تراجعا كبيرا نسبيا منذ أيام الجهاد والكفاح ضد المستعمر الفرنسي والإسباني بسبب خذلان أغلب رموزها للجهاد وعمالتها للمستعمر، مما ترك المجال واسعا للصحوة الإسلامية والجماعات والحركات الإسلامية، وفي الواقع إن دعم المخزن {النظام} في المغرب للتصوف ليس بجديد وإنما نشهده هو تكثيف شديد للدعم، فقد ظل التصوف المدجن دوما مدعوما من المخزن عبر الهبات والذبائح الملكية الموسمية التي توزع على مشايخ الطرق وسدنة الأضرحة التي يحرص على تقديمها بحضور الحاجب الملكي وعامل الإقليم الذي توجد الزاوية في مجال نفوذه، ذلك الدعم الملكي الذي يشمل حتى تلك الطرق المجمع على انحرافها وزيغها حتى بين غيرها من الصوفية أنفسهم بسبب إيغالها في الشعوذة المفضوحة والطقوس الوحشية، مثل عيساوة أصحاب الطقوس الهمجية الذين يفترسون في موسمهم السنوي أضحيات المعز التي يلقيها إليهم الأغمار من الرجال و النساء من فوق السطوح وهي حية ترزق دون ذبح شرعي، بعد أن يعملوا فيها أظافرهم الحديدية و أنيابهم، فيما الدماء تسيل على وجوهم و ثيابهم، و يستوي في ذلك الرجال و النساء منهم في مشهد همجي ووحشي يفوق الخيال! أو حمادشة الذين يضربون رؤوسهم بالشواقير المهندة أو القضبان الغليظة الرأس أو الهراوات المطوقة بالمسامير!! و الذين صار موسمهم المدعوم بالهبات والأضحيات الملكية فرصة لتوافد الشاذين جنسيا في أعداد غفيرة من مختلف أنحاء المغرب ليرتكبوا جرائمهم الفاحشة و المخزية في حماية العرافات اللاتي يزعمن بأن حضورهم لا بد منه لنزول البركة وقضاء الحاجات! وللتعرف أكثر على أنشطة الطرق الصوفية في المغرب و طقوسها التي تكرس الجهل و عبودية البشر للبشر والخرافة وما تلقاه من دعم من المخزن ومن أحزاب اليمين واليسار حتى حزب "الاتحاد الاشتراكي" التقدمي العتيد يمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور محمد وراضي " عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية" [4] الذي صدر في الآونة الأخيرة الذي يعد من أروع ما كتب عن هذه الظاهرة في المغرب وتطوراتها في السنوات الأخيرة، لما بذله مؤلفه من جهد في البحث الميداني وتتبع الظاهرة والاطلاع على كتب القوم ولما اتسم به أسلوبه من طرافة وجرأة على تسمية الأمور بمسمياتها و كشف المسكوت عنه بعد أن جبن الكثيرون أو انساقوا مع المخزن ومنهم وعاظ السلطان ومثقفون مرتزقة و غيرهم.
إلا أن الدعم تكثف تكثفا شديدا وصعد صعودا مذهلا منذ قرار محمد السادس انتهاج سياسة ما يسمى بإعادة تشكيل الحقل الديني التي من أهم دعاماتها دعم التصوف تحت شعار " عقد الأشعري و مذهب مالك و تصوف الجنيد السالك"! والحرب على السلفية، حيث لم تسلم حتى جمعية دور القرآن التي كان يشرف عليها الشيخ محمد المغراوي فأغلقت السلطات كل فروعها، ولم يشفع له منهجه الذي عرف به من ولاء للمخزن و بعد عن السياسة إلا عند مهاجمته لمعارضي المخزن!
ومن مظاهر هذا الدعم وخاصة منذ تعيين أحمد توفيق على رأس وزارة الأوقاف وشروع المخزن في سياسة التصويف المكثف الذي اكتسح كل المجالات هو" تكثيف عقد و تنظيم ندوات تعنى بالتصوف و الزوايا بعضها يتم تحت الرعاية الملكية بحيث لا يمر شهر دون الحديث عن تنظيم ندوة أو تظاهرة عن التصوف مع ترويج واسع لموضوع التصوف والزوايا من قبل مختلف وسائل الإعلام الوطنية أو المكتوبة و المرئية" [5] إضافة إلى تنظيم عديد المهرجانات الصوفية التي تتجند وسائل الإعلام للترويج لها مثل مهرجان سيدي شقير في أصيلة ومهرجان الموسيقى الروحية ومهرجان الثقافة الروحية في فاس وكلا الأخيرين في الواقع مهرجانان للغناء والطرب واللهو يشارك فيهما إلى جانب فرق السماع الصوفي الموسيقية وغيرها مطربون ومطربات بعضهم لا علاقة لهم بالتصوف من قريب و لا من بعيد حتى ولو بالادعاء وبعض المطربات متبرجات وكاشفات الشعور لا يختلفن عن غيرهن من المطربات مثل المطربة أمنية أبو أمل المتخصصة في تقليد أم كلثوم و المطربة عائشة رضوان وبعض المغنين والمغنيات من الكفار الأجانب الذين لا ينتسبون إلى ملة الإسلام حتى بالهوية مثل إحدى المطربات الزنجيات الأمريكيات، هذا بالإضافة إلى ورشة موسيقية أشرفت عليها في مهرجان الثقافة الصوفية الأخير، الموسيقية الفرنسية ناتالي شاتو أرتو والموسيقي الفرنسي فريديرك كالمس ....
وفي إطار هذه الخطة المحمومة التي ينتهجها المخزن المغربي لدعم التصوف في المغرب وإعادته إلى الحياة بعد أن كاد ينزوي و يذبل في الزوايا و بين ردهات الأضرحة وروائح البخور والجاوي و طقوس الشعوذة والسحر، فإذا به اليوم بقوة المخزن وإعلامه والممولين الداخليين والخارجيين يخترق الجامعات والندوات الفكرية ويتحدث عن قضايا التنمية والبيئة و السلام العالمي!!! كان المنتدى التي عقد في مدينتي طنجة و تطوان بين 25 يوليو و30 يوليو تحت عنوان براق ومخادع كما سوف يأتي بيانه ألا وهو " المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية"!!!، وقد تركزت المحاضرات على محور " الدور الصوفي تجاه قضايا المجتمع" مثل " التصوف و المواطنة" و " التصوف ووحدة المغرب العربي" و" التصوف وحوار الأديان" [6] و كأن التصوف صار ملح الطعام لا غنى عنه وهو الحل لكل مشاكل الإنسان والمجتمع والدولة! و الملاحظ دوما في كل هؤلاء المحاضرين المثقفين من الصوفية الجدد سواء في هذا الملتقى أو في محاضراتهم الأخرى التي يلقونها أمام المثقفين أنهم يمارسون التقية الشيعية، فهم يتجنبون كل التجنب ذكر الجانب المظلم والخرافي للتصوف رغم دعوتهم له في زواياهم و حضراتهم ولقاءاتهم الخاصة وطقوسهم، فتلك المحاضرات التي يتظاهر أصحابها بالحداثة و العقلانية تخفي ما يمارس في الزوايا مثل الزوايا البوتشيشية وحليفتها وأمها من الرضاع العليوية [7] من ممارسات تبلغ المدى في تكريس الجهل والخرافة و إهانة الكرامة الإنسانية وللعقل، من عبودية البشر للبشر وصراخ هستيري كلما ذكر اسم الشيخ [8] وترويج للخرافات التي تمثل انتكاسة للعقل المسلم و لكتب تنحط بالعقل الإنساني إلى هاوية سحيقة مثل كتاب" الإبريز" الذي أملاه الجاهل الأمي عبد العزيز الدباغ على أحد تلاميذه، الذي تكفي نظرة على محتواه ليدرك المرء الهاوية السحيقة والانتكاسة التي تراد بالمجتمع المغربي من جديد وخاصة طلائعه المثقفة، بما يحويه من الشرك بالله العظيم و الخرافات العجيبة و المذهلة [9] التي لا يكاد المرء يصدق أن يكون هناك مثقف يعرف دين الإسلام يمكن أن يصدق بها فضلا عن أن يدعو لها! وهو ما يعيد إلى الأذهان ما يؤكده الكثيرون ممن يعرفون القوم، ـ وقد سمعت هذا حتى من بعض رموز البوتشيشية أنفسهم ـ بأن نسبة كبيرة ممن يلتحقون بهذه الطريقة إنما هدفهم تحقيق المصالح الشخصية، و يكمن سبب ذلك في النفوذ الكبير الذي تتمتع به الزاوية في البلاد وفي الإدارة المغربية [10] مما يجعل الارتباط بها طريقا لتحقيق المصالح الدنيوية و الحصول على المناصب والامتيازات، و ليس إيمانا خالصا بمعتقدات الطريقة وشعائرها وكذلك كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" لابن الزيات الذي حققه أحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي، فالمحاضرات التي تلقى لا علاقة لها بالتصوف وممارساته وإنما هي شعارات براقة مواكبة لثقافة العصر السائدة يراد بها تلميع التصوف وإكسابه حلة عصرية و عقلانية وحداثية و لذلك فعندما سأل أحد الصحفيين الحاضرين أحد المحاضرين عن ماهية علاقة التصوف بالتنمية، بعد أن ظل العديد المحاضرين يكررون عن الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه التصوف في التنمية! لم يتلق جوابا، لأن الأمر مجرد شعار براق لا أكثر ولا أقل. أما الحديث عن الأخلاق وأن معنى التصوف هنا هو تركيزه على الجانب التربوي والأخلاقي أو ما يسميه بعضهم بالتخليق [11] الذي تهتم به الصوفية كما يزعمون، فهو شعار أجوف و مخادع، فكل من خالط هؤلاء القوم عرف أن أغلبهم بعيدون عن حسن الخلق و الاستقامة وهم أقل التزاما بالخلق الكريم وأحكام الشريعة بكثير من العاملين للإسلام بمختلف تياراتهم، حتى تلك المعروفة بآفة الجفاف الروحي و الضعف التربوي و طغيان التسيس، بل يفشو فيهم إضاعة الصلوات وتأخيرها عن وقتها والمجاهرة بالمحرمات مثل الاقتراض بالربا والاختلاط بالنساء وانعدام الأمانة، وفحش القول وفيهم من يشرب الخمر أو يتعامل بها ويغلب عليهم إلا قليل منهم التهالك على متاع الدنيا ويصدق فيهم قول د. محمد وراضي:"إن البودشيشيين انطلاقا من الأضواء التي تم تسليطها عليهم حتى الآن " لا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"! و سيماهم غير دالة على أنهم " لا يسألون الناس إلحافا"! وسلوكهم لا يدل على أنهم " يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله"! [12]
وقد حضر المنتدى وحاضر فيه عدد كبير من المثقفين و الرموز الصوفية من البلاد العربية والغربية، كان من أبرزهم الثنائي الصوفي فوزي الصقلي أهم مثقفي الطريقة البوتشيشية وزعيم التيارالفرنكفوني فيها، وخالد بن تونس شيخ الطريقة العليوية [13] اللذان يعتبران أهم رمزين من المغرب العربي لهذا النوع الجديد من التصوف الذي يمثل تطويرا وتجديدا للتيار الصوفي الذي عرف في فرنسا و البلاد الغربية منذ عشرات السنين باسم تيار " المدرسة التقليدية "، أو ما يسمى بالفرنسية بـ" لي تراديسيوناليست" و بالإنجليزية " تراديسويناليستس" [14]، الذين عروفوا بنقدهم الشديد للحداثة الغربية وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي ريني غينون {1886ـ 1951} الذي كان يؤمن بوحدة الأديان و تعمق في الهندوسية بعد خيبة أمله في قدرة الكاثوليكية على مواجهة الحداثة ثم اتصل بالشاذلية في مصر و أعلن اعتناق الإسلام وقد روج للمدرسة التقليدية التي تقوم على مبدأ وجود حكمة أزلية مشتركة بين الديانات الكبرى مثل النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية والإسلام التي رغم اختلافها الظاهري فهي تمثل طرقا صحيحة و جديرة بإيصال السالك إلى الحكمة الأزلية المطلقة الكامنة في الروح الباطنة لكل الأديان، و يؤكد البعض بأن اعتقاده الحقيقي كان مذهبا من المذاهب الهندوسية فمثلا في إحدى مراسلاته إلى أحد تلاميذه يقول له بأنه يعلم بأن الهندوسية هي أقرب إلى الحقيقة و لكنها بعيدة جدا عن عقلية الأوروبي و لكن التصوف الإسلامي هو أقرب إلى عقليته! ولذلك فهو يرشح التصوف الإسلامي طريقا للإنسان الأوروبي الباحث عن الحقيقة، و في فترة يبدو أنها سابقة لهذه الرسالة وصلته رسالة من إحدى قريباته في فرنسا وهو مقيم في القاهرة تخبره فيها برغبتها وزوجها في اعتناق الإسلام فنصحها بالتريث والانتظار لأنه كان له أمل في أن يصلح أمر الكاثوليكية، ومن أهم تلاميذه الذين روجوا لتياره" فريتيوف شوون" السويسري {1907ـ1998} الذي انضم إلى الطريقة العليوية على يد مؤسسها أحمد بن عليوة المستغانمي ثم أسس الطريقة المريمية بعد وفاة أحمد بن عليوة، و قد طفحت كتاباته بفكرة الدين الأزلي والحكمة المطلقة الكامنة في الأديان الكبرى التي كان يرى صلاحها كلها للوصول إلى الحقيقة المطلقة، و لا زالت طريقته المريمية تنشط إلى يومنا هذا في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما، وهي تضم مريدين ينتسبون إلى الإسلام واليهودية والنصرانية، لأن كل سالك يمكن أن يتربى على دينه حتى يصل إلى الحقيقة المطلقة، وقد عرفت الطريقة بالتهاون بأمر الشريعة فقد أباح شوون لأتباعه في الولايات المتحدة شرب البيرة و ترك الجمعة بدعوى أنهم يعيشون وسط ضغط المجتمع الأمريكي المعادي، كما أباح لهم تأخير صلاة الفجر لأنه في عصر الكهرباء يصبح وقت الشروق مع إشعال النور الكهربائي حسب قوله! وقد ربط طريقته بالعذراء مريم و جعل لها تمثالا في غرفته في أواخر الأربعينات، كما دعا إلى العري المقدس بعد أن زعم أن العذراء البتول عليها السلام قد تجلت له عارية في منامه سنة 1958 [15]! و قد أقام فترة بين إحدى قبائل الهنود الحمر التي اتبعت دعوته في الولايات المتحدة حيث رفعت ضده قضايا بتهمة التحرش الجنسي بالفتيات و انتهاك عرضهن [16]، ومن أهم مؤلفات شوون " الوحدة المستعلية للأديان" و" عين القلب" و" الأديان بين الجوهر والمظهر"، ويعد الفيلسوف الإيراني حسين نصر ـ أو رجل المناصب المتأله كما يسميه مهرزاد بروجردي ـ أبرز أتباع شوون في البلاد الإسلامية الذي كان شخصية ثقافية مرموقة في البلاط البهلوي وتقلد مناصب متعددة من بينها رئيس مكتب الشاهبانو الخاص {1978ـ1979} وسفير إيران المتجول للشؤون الثقافية {1975ـ1979} وقد غادر إيران بعد الثورة و يشغل اليوم منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن [17]، ومن أبرز تلاميذه أيضا البريطاني مارتن لينغس صاحب الكتاب الشهير في السيرة النبوية والفيلسوف الفاشي والمنظر العنصري الايطالي يوليوس إيفولا الذي استلهمت أفكاره العديد من تنظيمات أقصى اليمين الإرهابية في ايطاليا [18]، فإذا عرفنا هذه الجذور أدركنا سر التقارب الكبير بين التيار التجديدي للمدرسة التقليدية الذي ينتمي إليه فوزي الصقلي و خالد بن تونس والذي تصالح مع جانب كبير من مواضعات الحداثة والبوذيين و غيرهم من أهل الملل المخالفة لدين الإسلام وكذلك سبب تحللهما الكبير من أحكام الشريعة ولذلك فلا عجب أن عرف هذا الثنائي بتعاونهما الوثيق مع البوذيين وخاصة رفيق دربهما في فرنسا البوذي الفرنسي لاما دانيس وذلك ما يفسر دعوة أحد البوذيين إلى" منتدى المشيشية الشاذلية" المزعومة ليحاضر فيه!!
أما فوزي الصقلي فهو فرنكفوني حتى النخاع لغة و تفكيرا وهو لا يكتفي بالمحاضرة بالفرنسية بل يفضل الحديث بها في حياته اليومية وخاصة أن زوجته فرنسية وهي بالمناسبة ليست محجبة، لأن الحجاب والالتزام بأحكام الشريعة ليس له أهمية كبرى عند أغلب البوتشيشية [19] كما سوف نرى لاحقا بل يعد مسالة شخصية، رغم ما يرددونه من أن طريقتهم تهتم بأمر الشريعة، ولكن نكتفي هنا بالإشارة إلى أن زكية زوانات وهي الأكاديمية المغربية الفرنكفونية المقيمة في المغرب التي تعد أبرز مثقفة بوتشيشية وصاحبة عديد المؤلفات الصوفية بالفرنسية، هي امرأة متبرجة تحاضر عن التصوف و شعرها مكشوف ووجهها مطلي بالمساحيق! كما أن حفيدة حمزة بوتشيش شيخ الطريقة الذي يعتبره أتباعه الولي والشيخ المربي الوحيد الموجود على أرض البسيطة في أيامنا هذه، والمقيمة في الحي المحمدي في الدار البيضاء امرأة متبرجة أيضا وتلبس لباسا لا يزيد أو يكاد عن مستوى الركبة!، وهي رغم ذلك تعطي الإذن بأوراد الطريقة لأنها تنتمي إلى العائلة البوتشيشية المقدسة! وقد درس الصقلي في مدرسة فرنسية في فاس منذ نعومة أظفاره ثم واصل دراسته العليا في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة السربون ثم قاده تأثره بقراءاته لريني غينون إلى الاهتمام بالطاوية في البداية {فلسفة دينية صينية} التي كانت موضة في ذلك الوقت بين بعض الأوساط الفرنسية المهتمة بالروحانيات الشرقية، قبل أن يقرر البحث عن شيخ صوفي مغربي ليرشده وهو ما أوصله إلى اعتناق البوتشيشية [20]، ويعد الصقلي بعد تجميد طه عبد الرحمن لنشاطه مع الزاوية البوتشيشية احتجاجا على اختراق المخابرات المغربية لها حتى العظم حتى صاروا يتحكمون في كل مفاصلها وعلى توجهات فوزي الصقلي وأحمد توفيق وأضرابهما من المهيمين على الزاوية التي تهدف إلى مصالحة العلمانية مع التصوف [21]، أهم مثقفي هذه الطريقة التي صارت المفضلة عند المخزن في المغرب حتى قيل بأنها صارت دين الدولة الجديد!! [22] و يعرف الصقلي بمواقفه وتصريحاته العدائية لمن يسميهم بالأصوليين الذين يتهمهم بالدعوة إلى الهرطقة [23] و أنه لا لقاء بينهم وبين الصوفية، وقد لعب الصقلي دورا كبيرا في نشر البوتشيشية في فرنسا وخاصة أنه كان مقدم الطريقة في فرنسا، و من الذين اعتنقوها على يديه هناك مغني الراب الفرنسي ذو الأصل الكنغولي عبد المالك الذي يصرح في كتابه " فليبارك الله فرنسا! " [24] أنه كان من جماعة التبليغ ثم اختلف معهم لأنهم نهوه عن الاشتغال بالموسيقى ولأنهم وغيرهم من الجماعات الإسلامية التي تعرف عليها في فرنسا يعيشون ضمن ثنائية الحلال والحرام كما يذكر ذلك في كتابه الآنف الذكر، وذلك لم يرق له فوجد الحل مع البوتشيشية التي فتحت له المجال ليفعل ما يشاء وتحول من نقد الحضارة الغربية إلى نقد دعاة الإسلام وأحكام شريعة الإسلام عن جهل وهو المسلم الجديد الذي وقع فريسة للتصوف الفرنكو أمريكي الجديد! وقد كان سافر ضمن وفد يهودي نصراني إلى معكسر أشويتز النازي في ألمانيا استجابة لنداء وجهه القس العربي الإسرائيلي أميل شوفاني دعا فيه أن يلتقي يهود ومسلمون ونصارى في متحف" المحرقة النازية" في أشويتز في ألمانيا، وقد سانده فيه فوزي الصقلي وخالد بن تونس وذلك للمساهمة في السلام مع" إخوتنا اليهود" كما يقول ـ أي عبد المالك ـ[25] و يذكر في كتابه وهو ما تعلمه من الصقلي الذي يدعو إلى تقارب الأديان [26]،أنه عندما دخل إلى الكنيس اليهودي هناك شعر بنفس الخشوع الذي يشعر به عندما يدخل مسجدا [27]،ويضيف قائلا:" وأنا في طريق عودتي إلى الفندق كدت أبكي من الفرح وأنا أعيد التفكير في صورة قس وإمام وحاخام يمسكون بأيدي بعضهم داخل الكنيس و يدعون معا إلى التذكر [28] من أجل السلام"!! ثم يحاول التأكيد على القواسم المشتركة بين الإسلام واليهودية، ليصل بعد ذلك للقول بأنه بعد هذه الزيارة فوجئ بدعوته مع فرقة موسيقى الراب التي يقودها إلى إحياء حفل لاتحاد الطلبة اليهود في فرنسا وهو ما قبله بكل فرح و حبور كما يقول! [29]
كما أن الصقلي هو مؤسس مهرجان فاس للموسيقى الروحية الذي تخلى عنه لخلافات مع شركاءه فيه ليؤسس مهرجانا آخرا للموسيقى والغناء سواء منه السماع الصوفي أو الغناء المعتاد المقحم في التصوف وقد سماه مهرجان الثقافة الصوفية في فاس وإن كان أقحم فيه بعد أن اشتد الإنكار عليه محاضرات يلقيها الصوفية وأصدقاءهم من بوذيين وغيرهم عن قضايا لا علاقة لها بالتصوف في كثير من الأحيان كما أسلفنا، مثل الموسيقى! وهذا المهرجان كما توضح النشرة المعرفة به تساهم في تمويله إلى جانب وزارة الأوقاف "البوتشيشية" وجهات مغربية أخرى رسمية وسياحية، والسفارتين الأمريكية والإسبانية في المغرب إضافة إلى المعهد الفرنسي في فاس المرتبط بالسفارة الفرنسية في المغرب، وتشجيعا لمجهوداته في نحر عقيدة الولاء و البراء وتذويب الإسلام في العقائد الأخرى فقد أدرجت الأمم المتحدة الصقلي سنة 2001 ضمن 12 شخصية عالمية ساهمت في حوار الحضارت!! [30]
ولا شيء في فوزي الصقلي يوحي بمعنى من المعاني التي توحيها كلمة صوفي أو رمز صوفي في الذهن فهو حليق اللحية والشارب ويلبس أحدث الموديلات الفرنسية كما أنه يتصرف بكل أريحية على الطريقة الفرنسية فقد كان يتبادل" القبلات البريئة" ـ على الخدين طبعا ـ بكل أريحية فرنسية مع المريدات اللاتي كن يأتين للسلام عليه ويطوقهن بذراعه أمام أنظار الحاضرين! [31] و كذلك كان شأن رفيق دربه وحليفه" الولي الصالح" شيخ الطريقة العليوية خالد بن تونس المقيم في فرنسا منذ عقود، الذي لم يقل عنه في توزيع "القبلات البريئة" على الطريقة الفرنسية و تلقيها من المريدات و تطويقهن بذراعه أيضا! وآخر ما يمكن أن يخطر على بالك إذا ما رأيته أنك أمام شيخ طريقة صوفية يعتقد أتباعها الذين يوجد أغلبهم في فرنسا وبلاد الغرب [32] أنه و لي من أولياء الله و صاحب سر عظيم و بركات عظيمة، فهو حليق اللحية والشارب أيضا ويفضل لغة فولتير في التخاطب ولا شيء في سلوكه يذكر بالدين وبالصلاح و التقوى وهو من أقارب أحمد بن عليوة مؤسس الطريقة العليوية في مدينة مستغانم الجزائرية! ذات التاريخ الأسود الكالح في الجزائر بسبب عمالتها للاستعمار وعقائدها الحلولية واتصالاتها بالقاديانية في الهند وعداوتها لحركة الاصلاح حتى إن أحد مريديها حاول اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس مما زاد في تأليب الشعب الجزائري عليها " فقد كانت زاوية مستغانم أعظم مراكز الاستخبارات الفرنسية بالنسبة للمغرب وكان فقراؤها {أي مريدوها} العليويون من أمهر الجواسيس العاملين لحساب السياسة الفرنسية" [33] ولذلك صودرت أغلب أملاك الزاوية العميلة بعد استقلال الجزائر وتعرضت لنقمة الشعب مما اضطر خالد بن تونس إلى الهجرة إلى فرنسا حيث اشتغل في التجارة التي درت عليه أموالا طائلة وواصل أنشطته، و يعجب المرء من خالد بن تونس هذا ومن قدرته على إقناع أتباعه المبثوثين في أنحاء الأرض بولايته فبقطع النظر عن مظهره الخارجي وعن عقيدة العليوية الحلولية والاتحادية {الاعتقاد بوحدة الوجود} وعن اعتقاد الرجل بوحدة الأديان وعن موقفه من عقيدة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها رفاق دربه ودرب فوزي الصقلي من البوذيين و الهندوس التي يقول عنها:" إني لم أر قط في كتب التراث الإسلامي موضوعا يعالج مسألة التناسخ، كما أنني لم أسمع أبدا بأنها غير موجودة، فالنقاش يبقى مفتوحا"! [34]، فهو يمارس "إسلام آخر موضة" بامتياز وبدون حدود أو تحفظ فكل شيء مباح وسمه" إسلاما فرنسيا أو أمريكا" إن شئت، فزوجة "الولي الصالح" غير محجبة وكذلك ابنته اللتان تصافحان الضيوف بكل أريحية فرنكفونية بل الأدهي من ذلك و الأمر، أن ابنته كانت ترتدي لباسا يكشف عن جانب كبير من صدرها وكذلك مريداته وقريباته اللاتي جلبهن من الجزائر، فقد امتلأت قاعة المحاضرات بالصوفيات البوتشيشيات والعليويات اللاتي كن يرتدين ما خف وشف من ملابس تكشف الأفخاذ و جوانب كبيرة من الصدور والنهود أيضا وملأن القاعة بدخان سجائرهن الفاخرة حتى همس أحد الظرفاء الحاضرين قائلا:" لم نعد ندري هل عدد المدخنين أكثر أم المدخنات"! و عندما عبر أحد الحاضرين صهر بن تونس {زوج ابنته} عن استغرابه من لباس المريدات و كشفهن للصدور رد عليه بأن لا حرج في ذلك! وأن الحرام هو كشف مواضع الرائحة مثل ما تحت الإبطين ـ كذا! ـ
مع العلم أن علي جمعة مفتي النظام المصري كان ضمن الحضور ولم ينبس ببنت شفة عن هذه المهازل الصوفية المباركة! بل تجاوزها ليتحدث بعد ذلك لبعض الصحف مثل صحيفة" المساء" المغربية عن" نحن بحاجة إلى التصوف لمعرفة التعامل مع الآخر وتحقيق السلام العالمي" [35] فهل تعامل الصقلي وبن تونس مع المريدات هو جزء من هذا التعامل الذي نحن بحاجة إليه؟ و هل السلام العالمي يعني الحرب على دعاة الإسلام واتهامهم بالأصولية مقابل التودد إلى العلمانيين بل اعتناق العلمانية و التطبيع مع عبدة الأوثان والصليبيين واليهود؟! كما صرح المفتي بأن " عبد السلام بن مشيش خلق أممية كبيرة " [36]! فاللهم رحماك من هذه الأممية الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة المتحالفة مع عباد الصليب والأوثان التي تداعت على أمة الإسلام و دين الإسلام!
ومقابل دعوة البوذيين والعلمانيين وغيرهم إلى الندوات والملتقيات الفكرية التي ينظمونها فهم حريصون كل الحرص على تجنب دعوة للعاملين للإسلام {ما يعرف باسم الإسلاميين} أو التعامل معهم!
رغم أن بعض هؤلاء وخاصة من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة [37] و التنمية قد اجتهدوا في مد الجسور مع الطرق الصوفية والحوار معها وعدم تركها فريسة للأمركة كما قال بعضهم، ووصل الأمر إلى امتناع محمد اليتيم عن نشر مقال لصديقه الدكتور محمد وراضي في جريدة "التجديد" ينقد فيه محاضرة لأحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي افتتح بها "الدروس الحسنية" في رمضان وكانت بحضور الملك محمد السادس تحت عنوان" النسب الشريف والسند الصوفي" رأى فيها الدكتور محمد وراضي تزلفا غبيا وإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما استفسر عن سبب امتناعه عن نشرها قال له:" ما معناه: "إن سياسة حزبنا تحرص أشد الحرص على تجنب أي صدام مع جماعات إسلامية من أسرة واحدة! فضلا عن كونه يحرص على مواجهة العلمانيين كخصوم حقيقيين للدين! " [38]، بيد أن كل ذلك لم يثمر شيئا مع البوتشيشية، وذلك أن الحوار يكون مع من يملك زمام أمره أما عندما يكون المدعو إلى الحوار تتحكم فيه الدوائر الأمنية المشبوهة ويكون بعض عناصره هم مجرد موظفين دسوا داخل الزاوية للقيام بمهمة محددة، فيخشى أن يساهم دعاة التطبيع مع هؤلاء و عدم الرد عليهم، في دعم هذا التصوف الخرافي القبوري من حيث لا يشعرون ومن دون أن تستفيد الدعوة الإسلامية من ذلك شيئا بل قد تتضرر بتضرر عقائد الناس، ذلك أن المخزن حريص على لعبة التوازنات وهو لن يسمح باللقاء بين الإسلاميين والصوفية [39] الذين لا يدعمهم حبا في الصوفية وإيمانا بمعتقداتها ولكنه يهدف من وراء ذلك إلى العمل على التصدي للمد الإسلامي وإضعافه، بيد أن الحوار أو الانفتاح يكون أجدى مع الطرق التي تملك زمام أمرها أو تعمل على ذلك مثل الزاوية الريسونية و كذلك الطرق التي هي أقرب إلى السنة من غيرها مثل الناصرية التي تعد أقرب الطرق الصوفية المغربية إلى السنة و تعرف برفضها للكثير من البدع التي يعرف بها الصوفية.
ونعود إلى "الطريقة الشاذلية المشيشية" المزعومة التي عقد تحت يافطتها هذا المنتدى العالمي! لنؤكد بأنه لا وجود لهذه الطريقة المزعومة وأن جميع القائمين على هذا المنتدى يعلمون علم اليقين حقيقة اللعبة وأنه لا توجد طريقة اسمها "الطريقة المشيشية الشاذلية" في المغرب، وذلك ليس فقط لأن عبد السلام بن مشيش شيخ أبو الحسن الشاذلي لم يؤسس طريقة، ولكن لأنهم يعلمون جيدا أن هذه الطريقة طريقة وهمية لا وجود لها وليس لها أي مريدين، اللهم إلا شيخها المزعوم، وإنما هي لعبة تقف وراءها أطراف مشبوهة داخلية وقد يكون بعضها خارجي أيضا للوصول إلى أهداف معلومة، فالذي يزعم أنه شيخ الطريقة ويسمي نفسه نور الهدى واسمه الحقيقي نبيل الإبراهيمي هو رجل في بداية الأربعينات من عمره كان عضوا في الجماعة المعروفة باسم " جماعة العدل والإحسان" المعروفة بتوجهاتها الصوفية وكان يمارس ما يعرف بالرقية الشرعية واستخراج الجن ثم تمادى به الأمر فادعى المهدوية منذ سنوات قليلة وهو ما أدى إلى فصله من الجماعة ولكنه تمادى في طموحاته ليراسل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عارضا عليهم مهدويته أو ربما خدماته ليتحول في وقت وجيز إلى صاحب أموال، بعد أن كان متواضع الحال و يشتغل معلما في التعليم الابتدائي، وهو متهم بالاستيلاء على مبلغ مليون وأربعمائة ألف درهم مغربي عبر النصب والاحتيال في شكوى رفعت ضده لدى الشرطة، خاصة وأنه يمتهن الشعوذة واستخراج الجن، وقد افتتح موقعا على الانترنيت باسم طريقته المزعومة وكان مما زعم فيه قبل أن يحذف ذلك قرب إطلاق قناة فضائية مشيشية شاذلية! ويمتلأ الموقع الذي هو في شكل مدونة بالأكاذيب المضحكة والمبالغ فيها عن فضل الشيخ المزعوم وعن انتشار طريقته في مختلف الأصقاع وكذلك بالغلو الرافضي في الأئمة الذين يقدمهم الروافض بعد أن اعتنق التشيع ويؤكد البعض في مدينة تطوان بأنه يتلقى حوالات من جهة شيعية في بريطانيا عبر أحد المصارف في مدينة سبتة المحتلة، و الملفت للنظر أن تصوف هذا الدجال المحتال هو من التصوف التقليدي المعتاد سواء في سمته حيث أن الرجل يطلق لحية كثة وطويلة أو في لباسه التقليدي المغربي، كما أن لغة خطابه بعيدة كل البحث عن الخطاب الحداثي الذي يتبناه التيار التصوف الجديد، وهو يصف نفسه في مدونته بصفات عجيبة وغريبة، فهو على حسب زعمه" شيخ الشاذلية المشيشية مولانا القطب الغوث تاج العارفين قطب الدائرة الصمدانية صاحب الوقت والآن وارث المشربين ومفتي المذهبين [40] ومجمع البحرين نون الأسرار وصفوة الأنوار ساكن البر والبحر الصاحب بالجنب وابن السبيل فخر آل مولانا محمد وعلي والزهراء والحسن والحسين والأئمة عليهم الصلاة والسلام زينة العصر ومكرمة الأمم الإسم الأعظم الذي يمشي على رجلين النور المبين والجامع لشتات الدين قدس الله سره العظيم. كل الحقوق محفوظة له"!!! وكأنه يخشى أن يسطو أحدهم على ألقابه العجيبة! فيؤكد على حفظ حقوقه فيها ولكنه لا يكتفي بها بل يضيف إليها ألقابا أخرى مضحكة في مواضع أخرى يضيق عنها المجال. وهكذا نرى تحالف التصوف التقليدي الذي من رموزه المفتي علي جمعة وهذا الدجال المتشيع مع التصوف الفرنكو أمريكي البوذي الجديد في سبيل الأهداف المشتركة، و يبقى السؤال المطروح عن أية حداثة و تنمية يتحدثون! وإلى أين يسير" الإسلام البوذي الفرنكو أمريكي الجديد" في المغرب وهل سوف ينجح في التوسع إلى البلاد العربية والإسلامية كما يخطط القائمون عليه وخاصة وأن البوتشيشية مثلا قد تمكنت من اختراق بعض دول غرب إفريقيا و خاصة مالي التي حققت فيها نجاحا معتبرا، وبدأت طلائعها تنشط في تونس وخاصة في مدينة طبلبة [41] في فيلا يملكها أحد الأثرياء المنضمين إليها، أم أنها سوف تتعرض إلى عراقيل في البلاد العربية بسبب صعود الصحوة الإسلامية وخاصة السلفية وكذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالمخابرات المغربية مما قد يعرضها إلى مضايقات الأجهزة الرسمية في بعض البلاد العربية؟ وهل سوف يتحول هذا التيار الصوفي المعادي للصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي إلى ما يشبه جماعة الأحباش في المستقبل بعد أن يتنامى أكثر ويلجأ إلى العنف في مواجهتها {أي حركة الصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي} خاصة وأن العديد من مريديه يتميزون بالتعصب الشديد للشيخ وطريقته والعداء المكين للعاملين للإسلام من أبناء الصحوة الإسلامية الذين ينعتونهم بالوهابية وبعدم الإخلاص للملكية، بما فيهم المنتمون لحزب العدالة والتنمية كما أسلفنا!
كانت تلك لمحات عن ظاهرة التصوف الجديد بالمغرب، عسى الله أن يوفقنا لإخراج دراسة علمية وافية عن الموضوع.
إن شاء الله
منقول
التصوف الفرنكو أمريكي الجديد في المغرب جذور وحقيقة
بقلم نوفل بن إبراهيم
تنشر الراصد هذه الدراسة كاملة مع هوامشها، حيث سبق أن نشرت غير كاملة.
عند تفحص المكتبة العربية أو التجول في مواقع الشبكة العنكبوتية للبحث عن الدراسات و البحوث العلمية عن الطرق الصوفية يجد الباحث ركاما هائلا من الكتب والبحوث والمقالات عن الطرق الصوفية و عقائدها و تاريخها و شعائرها بيد أنه لن يجد شيئا بالعربية تقريبا عن فئة جديدة من الصوفية برزت بقوة في السنوات الأخيرة في المغرب و التي يمكن نعتها بالصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة [1] فهي جديدة لما تتسم به من خصائص "عصرانية" مخالفة للمعهود من الصوفية بمختلف طرقهم المشرقة و المغربة وهي فرنكو أمريكية لأن القائمين عليها فرنكفونيين مشبعين بالثقافة الفرنسية ولكنها تشبه حركات"العهد الجديد"النصرانية [2] في الولايات المتحدة الأمريكية كما أنها تستجيب للمواصفات الأمريكية المطلوبة وتوصيات مراكز البحث الأمريكية المهمة المتكررة بدعم التصوف وتكوين دعاته وتدريبهم حتى يكونوا في مستوى مواجهة ما يسمونه بالأصولية الإسلامية مثل مؤسسة راند وتصريحات أمريكية متعددة في هذا الصدد وقد اعترف المستشرق الشهير برنارد لويس المعروف بصهيونيته وعداوته الشديدة للإسلام والمسلمين بأن الغرب يسعى إلى مصالحة (التصوف الإسلامي) ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط (فصل الدين عن الحياة)، وإقصاء الإسلام نهائيًا عن قضايا السياسة والاقتصاد، بنفس الطريقة التي استخدمت في تهميش النصرانية في أوروبا والولايات المتحدة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد أن يذكر توصية للجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي بضرورة تشجيع "حركات الإسلام التقليدي والصوفي: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي".
التخريف و التغريب أو عندما ترتدي الخرافة ثوب الحداثة:
الثوب الجديد الذي يبرز به التصوف في المغرب هذه السنوات الأخيرة غريب و ملفت جدا للنظر فهو يزاوج بين قمة الخرافة فكرا وممارسة وخطابا والخطاب العقلاني والحداثي العلماني في نفس الوقت! وذلك حسب مقام الخطاب! فإذا كان كلنا أو أغلبنا على الأقل قد تعود على أن الطرق الصوفية هي ظاهرة تقتصر أو تكاد على أوساط العوام الأميين وأشباه الأميين حيث ينحصر الخطاب الصوفي في ترديد الخرافات عن كرامات شيوخهم ومجاذيبهم وينحصر نشاطهم الصوفي على الموالد و الحضرات والشعوذة والسحر ويغلب على رموزهم السمت التقليدي في الهيئات واللباس والتظاهر بالتدين، فإن المغرب يشهد منذ سنوات حركة تصوف نشطة تخالف ذلك النمط التقليدي مخالفة شديدة في ظاهرها و إن كانت تتفق معه في أصوله، فالقائمون على هذا التصوف الجديد مثقفون فرنكفونيون وأكاديميون في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية وغيرها والعمل جار على قدم وساق منذ تعيين أحمد توفيق [3] أحد مريدي الطريقة البوتشيشية المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف على اكتساح المجتمع و خاصة نخبه المثقفة والمتعلمة وإعادة تصويفه من جديد بعد أن تراجعت الظاهرة الطرقية في المغرب تراجعا كبيرا نسبيا منذ أيام الجهاد والكفاح ضد المستعمر الفرنسي والإسباني بسبب خذلان أغلب رموزها للجهاد وعمالتها للمستعمر، مما ترك المجال واسعا للصحوة الإسلامية والجماعات والحركات الإسلامية، وفي الواقع إن دعم المخزن {النظام} في المغرب للتصوف ليس بجديد وإنما نشهده هو تكثيف شديد للدعم، فقد ظل التصوف المدجن دوما مدعوما من المخزن عبر الهبات والذبائح الملكية الموسمية التي توزع على مشايخ الطرق وسدنة الأضرحة التي يحرص على تقديمها بحضور الحاجب الملكي وعامل الإقليم الذي توجد الزاوية في مجال نفوذه، ذلك الدعم الملكي الذي يشمل حتى تلك الطرق المجمع على انحرافها وزيغها حتى بين غيرها من الصوفية أنفسهم بسبب إيغالها في الشعوذة المفضوحة والطقوس الوحشية، مثل عيساوة أصحاب الطقوس الهمجية الذين يفترسون في موسمهم السنوي أضحيات المعز التي يلقيها إليهم الأغمار من الرجال و النساء من فوق السطوح وهي حية ترزق دون ذبح شرعي، بعد أن يعملوا فيها أظافرهم الحديدية و أنيابهم، فيما الدماء تسيل على وجوهم و ثيابهم، و يستوي في ذلك الرجال و النساء منهم في مشهد همجي ووحشي يفوق الخيال! أو حمادشة الذين يضربون رؤوسهم بالشواقير المهندة أو القضبان الغليظة الرأس أو الهراوات المطوقة بالمسامير!! و الذين صار موسمهم المدعوم بالهبات والأضحيات الملكية فرصة لتوافد الشاذين جنسيا في أعداد غفيرة من مختلف أنحاء المغرب ليرتكبوا جرائمهم الفاحشة و المخزية في حماية العرافات اللاتي يزعمن بأن حضورهم لا بد منه لنزول البركة وقضاء الحاجات! وللتعرف أكثر على أنشطة الطرق الصوفية في المغرب و طقوسها التي تكرس الجهل و عبودية البشر للبشر والخرافة وما تلقاه من دعم من المخزن ومن أحزاب اليمين واليسار حتى حزب "الاتحاد الاشتراكي" التقدمي العتيد يمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور محمد وراضي " عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية" [4] الذي صدر في الآونة الأخيرة الذي يعد من أروع ما كتب عن هذه الظاهرة في المغرب وتطوراتها في السنوات الأخيرة، لما بذله مؤلفه من جهد في البحث الميداني وتتبع الظاهرة والاطلاع على كتب القوم ولما اتسم به أسلوبه من طرافة وجرأة على تسمية الأمور بمسمياتها و كشف المسكوت عنه بعد أن جبن الكثيرون أو انساقوا مع المخزن ومنهم وعاظ السلطان ومثقفون مرتزقة و غيرهم.
إلا أن الدعم تكثف تكثفا شديدا وصعد صعودا مذهلا منذ قرار محمد السادس انتهاج سياسة ما يسمى بإعادة تشكيل الحقل الديني التي من أهم دعاماتها دعم التصوف تحت شعار " عقد الأشعري و مذهب مالك و تصوف الجنيد السالك"! والحرب على السلفية، حيث لم تسلم حتى جمعية دور القرآن التي كان يشرف عليها الشيخ محمد المغراوي فأغلقت السلطات كل فروعها، ولم يشفع له منهجه الذي عرف به من ولاء للمخزن و بعد عن السياسة إلا عند مهاجمته لمعارضي المخزن!
ومن مظاهر هذا الدعم وخاصة منذ تعيين أحمد توفيق على رأس وزارة الأوقاف وشروع المخزن في سياسة التصويف المكثف الذي اكتسح كل المجالات هو" تكثيف عقد و تنظيم ندوات تعنى بالتصوف و الزوايا بعضها يتم تحت الرعاية الملكية بحيث لا يمر شهر دون الحديث عن تنظيم ندوة أو تظاهرة عن التصوف مع ترويج واسع لموضوع التصوف والزوايا من قبل مختلف وسائل الإعلام الوطنية أو المكتوبة و المرئية" [5] إضافة إلى تنظيم عديد المهرجانات الصوفية التي تتجند وسائل الإعلام للترويج لها مثل مهرجان سيدي شقير في أصيلة ومهرجان الموسيقى الروحية ومهرجان الثقافة الروحية في فاس وكلا الأخيرين في الواقع مهرجانان للغناء والطرب واللهو يشارك فيهما إلى جانب فرق السماع الصوفي الموسيقية وغيرها مطربون ومطربات بعضهم لا علاقة لهم بالتصوف من قريب و لا من بعيد حتى ولو بالادعاء وبعض المطربات متبرجات وكاشفات الشعور لا يختلفن عن غيرهن من المطربات مثل المطربة أمنية أبو أمل المتخصصة في تقليد أم كلثوم و المطربة عائشة رضوان وبعض المغنين والمغنيات من الكفار الأجانب الذين لا ينتسبون إلى ملة الإسلام حتى بالهوية مثل إحدى المطربات الزنجيات الأمريكيات، هذا بالإضافة إلى ورشة موسيقية أشرفت عليها في مهرجان الثقافة الصوفية الأخير، الموسيقية الفرنسية ناتالي شاتو أرتو والموسيقي الفرنسي فريديرك كالمس ....
وفي إطار هذه الخطة المحمومة التي ينتهجها المخزن المغربي لدعم التصوف في المغرب وإعادته إلى الحياة بعد أن كاد ينزوي و يذبل في الزوايا و بين ردهات الأضرحة وروائح البخور والجاوي و طقوس الشعوذة والسحر، فإذا به اليوم بقوة المخزن وإعلامه والممولين الداخليين والخارجيين يخترق الجامعات والندوات الفكرية ويتحدث عن قضايا التنمية والبيئة و السلام العالمي!!! كان المنتدى التي عقد في مدينتي طنجة و تطوان بين 25 يوليو و30 يوليو تحت عنوان براق ومخادع كما سوف يأتي بيانه ألا وهو " المنتدى العالمي الأول للطريقة المشيشية الشاذلية"!!!، وقد تركزت المحاضرات على محور " الدور الصوفي تجاه قضايا المجتمع" مثل " التصوف و المواطنة" و " التصوف ووحدة المغرب العربي" و" التصوف وحوار الأديان" [6] و كأن التصوف صار ملح الطعام لا غنى عنه وهو الحل لكل مشاكل الإنسان والمجتمع والدولة! و الملاحظ دوما في كل هؤلاء المحاضرين المثقفين من الصوفية الجدد سواء في هذا الملتقى أو في محاضراتهم الأخرى التي يلقونها أمام المثقفين أنهم يمارسون التقية الشيعية، فهم يتجنبون كل التجنب ذكر الجانب المظلم والخرافي للتصوف رغم دعوتهم له في زواياهم و حضراتهم ولقاءاتهم الخاصة وطقوسهم، فتلك المحاضرات التي يتظاهر أصحابها بالحداثة و العقلانية تخفي ما يمارس في الزوايا مثل الزوايا البوتشيشية وحليفتها وأمها من الرضاع العليوية [7] من ممارسات تبلغ المدى في تكريس الجهل والخرافة و إهانة الكرامة الإنسانية وللعقل، من عبودية البشر للبشر وصراخ هستيري كلما ذكر اسم الشيخ [8] وترويج للخرافات التي تمثل انتكاسة للعقل المسلم و لكتب تنحط بالعقل الإنساني إلى هاوية سحيقة مثل كتاب" الإبريز" الذي أملاه الجاهل الأمي عبد العزيز الدباغ على أحد تلاميذه، الذي تكفي نظرة على محتواه ليدرك المرء الهاوية السحيقة والانتكاسة التي تراد بالمجتمع المغربي من جديد وخاصة طلائعه المثقفة، بما يحويه من الشرك بالله العظيم و الخرافات العجيبة و المذهلة [9] التي لا يكاد المرء يصدق أن يكون هناك مثقف يعرف دين الإسلام يمكن أن يصدق بها فضلا عن أن يدعو لها! وهو ما يعيد إلى الأذهان ما يؤكده الكثيرون ممن يعرفون القوم، ـ وقد سمعت هذا حتى من بعض رموز البوتشيشية أنفسهم ـ بأن نسبة كبيرة ممن يلتحقون بهذه الطريقة إنما هدفهم تحقيق المصالح الشخصية، و يكمن سبب ذلك في النفوذ الكبير الذي تتمتع به الزاوية في البلاد وفي الإدارة المغربية [10] مما يجعل الارتباط بها طريقا لتحقيق المصالح الدنيوية و الحصول على المناصب والامتيازات، و ليس إيمانا خالصا بمعتقدات الطريقة وشعائرها وكذلك كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" لابن الزيات الذي حققه أحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي، فالمحاضرات التي تلقى لا علاقة لها بالتصوف وممارساته وإنما هي شعارات براقة مواكبة لثقافة العصر السائدة يراد بها تلميع التصوف وإكسابه حلة عصرية و عقلانية وحداثية و لذلك فعندما سأل أحد الصحفيين الحاضرين أحد المحاضرين عن ماهية علاقة التصوف بالتنمية، بعد أن ظل العديد المحاضرين يكررون عن الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه التصوف في التنمية! لم يتلق جوابا، لأن الأمر مجرد شعار براق لا أكثر ولا أقل. أما الحديث عن الأخلاق وأن معنى التصوف هنا هو تركيزه على الجانب التربوي والأخلاقي أو ما يسميه بعضهم بالتخليق [11] الذي تهتم به الصوفية كما يزعمون، فهو شعار أجوف و مخادع، فكل من خالط هؤلاء القوم عرف أن أغلبهم بعيدون عن حسن الخلق و الاستقامة وهم أقل التزاما بالخلق الكريم وأحكام الشريعة بكثير من العاملين للإسلام بمختلف تياراتهم، حتى تلك المعروفة بآفة الجفاف الروحي و الضعف التربوي و طغيان التسيس، بل يفشو فيهم إضاعة الصلوات وتأخيرها عن وقتها والمجاهرة بالمحرمات مثل الاقتراض بالربا والاختلاط بالنساء وانعدام الأمانة، وفحش القول وفيهم من يشرب الخمر أو يتعامل بها ويغلب عليهم إلا قليل منهم التهالك على متاع الدنيا ويصدق فيهم قول د. محمد وراضي:"إن البودشيشيين انطلاقا من الأضواء التي تم تسليطها عليهم حتى الآن " لا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"! و سيماهم غير دالة على أنهم " لا يسألون الناس إلحافا"! وسلوكهم لا يدل على أنهم " يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله"! [12]
وقد حضر المنتدى وحاضر فيه عدد كبير من المثقفين و الرموز الصوفية من البلاد العربية والغربية، كان من أبرزهم الثنائي الصوفي فوزي الصقلي أهم مثقفي الطريقة البوتشيشية وزعيم التيارالفرنكفوني فيها، وخالد بن تونس شيخ الطريقة العليوية [13] اللذان يعتبران أهم رمزين من المغرب العربي لهذا النوع الجديد من التصوف الذي يمثل تطويرا وتجديدا للتيار الصوفي الذي عرف في فرنسا و البلاد الغربية منذ عشرات السنين باسم تيار " المدرسة التقليدية "، أو ما يسمى بالفرنسية بـ" لي تراديسيوناليست" و بالإنجليزية " تراديسويناليستس" [14]، الذين عروفوا بنقدهم الشديد للحداثة الغربية وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي ريني غينون {1886ـ 1951} الذي كان يؤمن بوحدة الأديان و تعمق في الهندوسية بعد خيبة أمله في قدرة الكاثوليكية على مواجهة الحداثة ثم اتصل بالشاذلية في مصر و أعلن اعتناق الإسلام وقد روج للمدرسة التقليدية التي تقوم على مبدأ وجود حكمة أزلية مشتركة بين الديانات الكبرى مثل النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية والإسلام التي رغم اختلافها الظاهري فهي تمثل طرقا صحيحة و جديرة بإيصال السالك إلى الحكمة الأزلية المطلقة الكامنة في الروح الباطنة لكل الأديان، و يؤكد البعض بأن اعتقاده الحقيقي كان مذهبا من المذاهب الهندوسية فمثلا في إحدى مراسلاته إلى أحد تلاميذه يقول له بأنه يعلم بأن الهندوسية هي أقرب إلى الحقيقة و لكنها بعيدة جدا عن عقلية الأوروبي و لكن التصوف الإسلامي هو أقرب إلى عقليته! ولذلك فهو يرشح التصوف الإسلامي طريقا للإنسان الأوروبي الباحث عن الحقيقة، و في فترة يبدو أنها سابقة لهذه الرسالة وصلته رسالة من إحدى قريباته في فرنسا وهو مقيم في القاهرة تخبره فيها برغبتها وزوجها في اعتناق الإسلام فنصحها بالتريث والانتظار لأنه كان له أمل في أن يصلح أمر الكاثوليكية، ومن أهم تلاميذه الذين روجوا لتياره" فريتيوف شوون" السويسري {1907ـ1998} الذي انضم إلى الطريقة العليوية على يد مؤسسها أحمد بن عليوة المستغانمي ثم أسس الطريقة المريمية بعد وفاة أحمد بن عليوة، و قد طفحت كتاباته بفكرة الدين الأزلي والحكمة المطلقة الكامنة في الأديان الكبرى التي كان يرى صلاحها كلها للوصول إلى الحقيقة المطلقة، و لا زالت طريقته المريمية تنشط إلى يومنا هذا في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما، وهي تضم مريدين ينتسبون إلى الإسلام واليهودية والنصرانية، لأن كل سالك يمكن أن يتربى على دينه حتى يصل إلى الحقيقة المطلقة، وقد عرفت الطريقة بالتهاون بأمر الشريعة فقد أباح شوون لأتباعه في الولايات المتحدة شرب البيرة و ترك الجمعة بدعوى أنهم يعيشون وسط ضغط المجتمع الأمريكي المعادي، كما أباح لهم تأخير صلاة الفجر لأنه في عصر الكهرباء يصبح وقت الشروق مع إشعال النور الكهربائي حسب قوله! وقد ربط طريقته بالعذراء مريم و جعل لها تمثالا في غرفته في أواخر الأربعينات، كما دعا إلى العري المقدس بعد أن زعم أن العذراء البتول عليها السلام قد تجلت له عارية في منامه سنة 1958 [15]! و قد أقام فترة بين إحدى قبائل الهنود الحمر التي اتبعت دعوته في الولايات المتحدة حيث رفعت ضده قضايا بتهمة التحرش الجنسي بالفتيات و انتهاك عرضهن [16]، ومن أهم مؤلفات شوون " الوحدة المستعلية للأديان" و" عين القلب" و" الأديان بين الجوهر والمظهر"، ويعد الفيلسوف الإيراني حسين نصر ـ أو رجل المناصب المتأله كما يسميه مهرزاد بروجردي ـ أبرز أتباع شوون في البلاد الإسلامية الذي كان شخصية ثقافية مرموقة في البلاط البهلوي وتقلد مناصب متعددة من بينها رئيس مكتب الشاهبانو الخاص {1978ـ1979} وسفير إيران المتجول للشؤون الثقافية {1975ـ1979} وقد غادر إيران بعد الثورة و يشغل اليوم منصب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن [17]، ومن أبرز تلاميذه أيضا البريطاني مارتن لينغس صاحب الكتاب الشهير في السيرة النبوية والفيلسوف الفاشي والمنظر العنصري الايطالي يوليوس إيفولا الذي استلهمت أفكاره العديد من تنظيمات أقصى اليمين الإرهابية في ايطاليا [18]، فإذا عرفنا هذه الجذور أدركنا سر التقارب الكبير بين التيار التجديدي للمدرسة التقليدية الذي ينتمي إليه فوزي الصقلي و خالد بن تونس والذي تصالح مع جانب كبير من مواضعات الحداثة والبوذيين و غيرهم من أهل الملل المخالفة لدين الإسلام وكذلك سبب تحللهما الكبير من أحكام الشريعة ولذلك فلا عجب أن عرف هذا الثنائي بتعاونهما الوثيق مع البوذيين وخاصة رفيق دربهما في فرنسا البوذي الفرنسي لاما دانيس وذلك ما يفسر دعوة أحد البوذيين إلى" منتدى المشيشية الشاذلية" المزعومة ليحاضر فيه!!
أما فوزي الصقلي فهو فرنكفوني حتى النخاع لغة و تفكيرا وهو لا يكتفي بالمحاضرة بالفرنسية بل يفضل الحديث بها في حياته اليومية وخاصة أن زوجته فرنسية وهي بالمناسبة ليست محجبة، لأن الحجاب والالتزام بأحكام الشريعة ليس له أهمية كبرى عند أغلب البوتشيشية [19] كما سوف نرى لاحقا بل يعد مسالة شخصية، رغم ما يرددونه من أن طريقتهم تهتم بأمر الشريعة، ولكن نكتفي هنا بالإشارة إلى أن زكية زوانات وهي الأكاديمية المغربية الفرنكفونية المقيمة في المغرب التي تعد أبرز مثقفة بوتشيشية وصاحبة عديد المؤلفات الصوفية بالفرنسية، هي امرأة متبرجة تحاضر عن التصوف و شعرها مكشوف ووجهها مطلي بالمساحيق! كما أن حفيدة حمزة بوتشيش شيخ الطريقة الذي يعتبره أتباعه الولي والشيخ المربي الوحيد الموجود على أرض البسيطة في أيامنا هذه، والمقيمة في الحي المحمدي في الدار البيضاء امرأة متبرجة أيضا وتلبس لباسا لا يزيد أو يكاد عن مستوى الركبة!، وهي رغم ذلك تعطي الإذن بأوراد الطريقة لأنها تنتمي إلى العائلة البوتشيشية المقدسة! وقد درس الصقلي في مدرسة فرنسية في فاس منذ نعومة أظفاره ثم واصل دراسته العليا في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة السربون ثم قاده تأثره بقراءاته لريني غينون إلى الاهتمام بالطاوية في البداية {فلسفة دينية صينية} التي كانت موضة في ذلك الوقت بين بعض الأوساط الفرنسية المهتمة بالروحانيات الشرقية، قبل أن يقرر البحث عن شيخ صوفي مغربي ليرشده وهو ما أوصله إلى اعتناق البوتشيشية [20]، ويعد الصقلي بعد تجميد طه عبد الرحمن لنشاطه مع الزاوية البوتشيشية احتجاجا على اختراق المخابرات المغربية لها حتى العظم حتى صاروا يتحكمون في كل مفاصلها وعلى توجهات فوزي الصقلي وأحمد توفيق وأضرابهما من المهيمين على الزاوية التي تهدف إلى مصالحة العلمانية مع التصوف [21]، أهم مثقفي هذه الطريقة التي صارت المفضلة عند المخزن في المغرب حتى قيل بأنها صارت دين الدولة الجديد!! [22] و يعرف الصقلي بمواقفه وتصريحاته العدائية لمن يسميهم بالأصوليين الذين يتهمهم بالدعوة إلى الهرطقة [23] و أنه لا لقاء بينهم وبين الصوفية، وقد لعب الصقلي دورا كبيرا في نشر البوتشيشية في فرنسا وخاصة أنه كان مقدم الطريقة في فرنسا، و من الذين اعتنقوها على يديه هناك مغني الراب الفرنسي ذو الأصل الكنغولي عبد المالك الذي يصرح في كتابه " فليبارك الله فرنسا! " [24] أنه كان من جماعة التبليغ ثم اختلف معهم لأنهم نهوه عن الاشتغال بالموسيقى ولأنهم وغيرهم من الجماعات الإسلامية التي تعرف عليها في فرنسا يعيشون ضمن ثنائية الحلال والحرام كما يذكر ذلك في كتابه الآنف الذكر، وذلك لم يرق له فوجد الحل مع البوتشيشية التي فتحت له المجال ليفعل ما يشاء وتحول من نقد الحضارة الغربية إلى نقد دعاة الإسلام وأحكام شريعة الإسلام عن جهل وهو المسلم الجديد الذي وقع فريسة للتصوف الفرنكو أمريكي الجديد! وقد كان سافر ضمن وفد يهودي نصراني إلى معكسر أشويتز النازي في ألمانيا استجابة لنداء وجهه القس العربي الإسرائيلي أميل شوفاني دعا فيه أن يلتقي يهود ومسلمون ونصارى في متحف" المحرقة النازية" في أشويتز في ألمانيا، وقد سانده فيه فوزي الصقلي وخالد بن تونس وذلك للمساهمة في السلام مع" إخوتنا اليهود" كما يقول ـ أي عبد المالك ـ[25] و يذكر في كتابه وهو ما تعلمه من الصقلي الذي يدعو إلى تقارب الأديان [26]،أنه عندما دخل إلى الكنيس اليهودي هناك شعر بنفس الخشوع الذي يشعر به عندما يدخل مسجدا [27]،ويضيف قائلا:" وأنا في طريق عودتي إلى الفندق كدت أبكي من الفرح وأنا أعيد التفكير في صورة قس وإمام وحاخام يمسكون بأيدي بعضهم داخل الكنيس و يدعون معا إلى التذكر [28] من أجل السلام"!! ثم يحاول التأكيد على القواسم المشتركة بين الإسلام واليهودية، ليصل بعد ذلك للقول بأنه بعد هذه الزيارة فوجئ بدعوته مع فرقة موسيقى الراب التي يقودها إلى إحياء حفل لاتحاد الطلبة اليهود في فرنسا وهو ما قبله بكل فرح و حبور كما يقول! [29]
كما أن الصقلي هو مؤسس مهرجان فاس للموسيقى الروحية الذي تخلى عنه لخلافات مع شركاءه فيه ليؤسس مهرجانا آخرا للموسيقى والغناء سواء منه السماع الصوفي أو الغناء المعتاد المقحم في التصوف وقد سماه مهرجان الثقافة الصوفية في فاس وإن كان أقحم فيه بعد أن اشتد الإنكار عليه محاضرات يلقيها الصوفية وأصدقاءهم من بوذيين وغيرهم عن قضايا لا علاقة لها بالتصوف في كثير من الأحيان كما أسلفنا، مثل الموسيقى! وهذا المهرجان كما توضح النشرة المعرفة به تساهم في تمويله إلى جانب وزارة الأوقاف "البوتشيشية" وجهات مغربية أخرى رسمية وسياحية، والسفارتين الأمريكية والإسبانية في المغرب إضافة إلى المعهد الفرنسي في فاس المرتبط بالسفارة الفرنسية في المغرب، وتشجيعا لمجهوداته في نحر عقيدة الولاء و البراء وتذويب الإسلام في العقائد الأخرى فقد أدرجت الأمم المتحدة الصقلي سنة 2001 ضمن 12 شخصية عالمية ساهمت في حوار الحضارت!! [30]
ولا شيء في فوزي الصقلي يوحي بمعنى من المعاني التي توحيها كلمة صوفي أو رمز صوفي في الذهن فهو حليق اللحية والشارب ويلبس أحدث الموديلات الفرنسية كما أنه يتصرف بكل أريحية على الطريقة الفرنسية فقد كان يتبادل" القبلات البريئة" ـ على الخدين طبعا ـ بكل أريحية فرنسية مع المريدات اللاتي كن يأتين للسلام عليه ويطوقهن بذراعه أمام أنظار الحاضرين! [31] و كذلك كان شأن رفيق دربه وحليفه" الولي الصالح" شيخ الطريقة العليوية خالد بن تونس المقيم في فرنسا منذ عقود، الذي لم يقل عنه في توزيع "القبلات البريئة" على الطريقة الفرنسية و تلقيها من المريدات و تطويقهن بذراعه أيضا! وآخر ما يمكن أن يخطر على بالك إذا ما رأيته أنك أمام شيخ طريقة صوفية يعتقد أتباعها الذين يوجد أغلبهم في فرنسا وبلاد الغرب [32] أنه و لي من أولياء الله و صاحب سر عظيم و بركات عظيمة، فهو حليق اللحية والشارب أيضا ويفضل لغة فولتير في التخاطب ولا شيء في سلوكه يذكر بالدين وبالصلاح و التقوى وهو من أقارب أحمد بن عليوة مؤسس الطريقة العليوية في مدينة مستغانم الجزائرية! ذات التاريخ الأسود الكالح في الجزائر بسبب عمالتها للاستعمار وعقائدها الحلولية واتصالاتها بالقاديانية في الهند وعداوتها لحركة الاصلاح حتى إن أحد مريديها حاول اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس مما زاد في تأليب الشعب الجزائري عليها " فقد كانت زاوية مستغانم أعظم مراكز الاستخبارات الفرنسية بالنسبة للمغرب وكان فقراؤها {أي مريدوها} العليويون من أمهر الجواسيس العاملين لحساب السياسة الفرنسية" [33] ولذلك صودرت أغلب أملاك الزاوية العميلة بعد استقلال الجزائر وتعرضت لنقمة الشعب مما اضطر خالد بن تونس إلى الهجرة إلى فرنسا حيث اشتغل في التجارة التي درت عليه أموالا طائلة وواصل أنشطته، و يعجب المرء من خالد بن تونس هذا ومن قدرته على إقناع أتباعه المبثوثين في أنحاء الأرض بولايته فبقطع النظر عن مظهره الخارجي وعن عقيدة العليوية الحلولية والاتحادية {الاعتقاد بوحدة الوجود} وعن اعتقاد الرجل بوحدة الأديان وعن موقفه من عقيدة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها رفاق دربه ودرب فوزي الصقلي من البوذيين و الهندوس التي يقول عنها:" إني لم أر قط في كتب التراث الإسلامي موضوعا يعالج مسألة التناسخ، كما أنني لم أسمع أبدا بأنها غير موجودة، فالنقاش يبقى مفتوحا"! [34]، فهو يمارس "إسلام آخر موضة" بامتياز وبدون حدود أو تحفظ فكل شيء مباح وسمه" إسلاما فرنسيا أو أمريكا" إن شئت، فزوجة "الولي الصالح" غير محجبة وكذلك ابنته اللتان تصافحان الضيوف بكل أريحية فرنكفونية بل الأدهي من ذلك و الأمر، أن ابنته كانت ترتدي لباسا يكشف عن جانب كبير من صدرها وكذلك مريداته وقريباته اللاتي جلبهن من الجزائر، فقد امتلأت قاعة المحاضرات بالصوفيات البوتشيشيات والعليويات اللاتي كن يرتدين ما خف وشف من ملابس تكشف الأفخاذ و جوانب كبيرة من الصدور والنهود أيضا وملأن القاعة بدخان سجائرهن الفاخرة حتى همس أحد الظرفاء الحاضرين قائلا:" لم نعد ندري هل عدد المدخنين أكثر أم المدخنات"! و عندما عبر أحد الحاضرين صهر بن تونس {زوج ابنته} عن استغرابه من لباس المريدات و كشفهن للصدور رد عليه بأن لا حرج في ذلك! وأن الحرام هو كشف مواضع الرائحة مثل ما تحت الإبطين ـ كذا! ـ
مع العلم أن علي جمعة مفتي النظام المصري كان ضمن الحضور ولم ينبس ببنت شفة عن هذه المهازل الصوفية المباركة! بل تجاوزها ليتحدث بعد ذلك لبعض الصحف مثل صحيفة" المساء" المغربية عن" نحن بحاجة إلى التصوف لمعرفة التعامل مع الآخر وتحقيق السلام العالمي" [35] فهل تعامل الصقلي وبن تونس مع المريدات هو جزء من هذا التعامل الذي نحن بحاجة إليه؟ و هل السلام العالمي يعني الحرب على دعاة الإسلام واتهامهم بالأصولية مقابل التودد إلى العلمانيين بل اعتناق العلمانية و التطبيع مع عبدة الأوثان والصليبيين واليهود؟! كما صرح المفتي بأن " عبد السلام بن مشيش خلق أممية كبيرة " [36]! فاللهم رحماك من هذه الأممية الصوفية الفرنكوأمريكية الجديدة المتحالفة مع عباد الصليب والأوثان التي تداعت على أمة الإسلام و دين الإسلام!
ومقابل دعوة البوذيين والعلمانيين وغيرهم إلى الندوات والملتقيات الفكرية التي ينظمونها فهم حريصون كل الحرص على تجنب دعوة للعاملين للإسلام {ما يعرف باسم الإسلاميين} أو التعامل معهم!
رغم أن بعض هؤلاء وخاصة من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة [37] و التنمية قد اجتهدوا في مد الجسور مع الطرق الصوفية والحوار معها وعدم تركها فريسة للأمركة كما قال بعضهم، ووصل الأمر إلى امتناع محمد اليتيم عن نشر مقال لصديقه الدكتور محمد وراضي في جريدة "التجديد" ينقد فيه محاضرة لأحمد توفيق وزير الأوقاف البوتشيشي افتتح بها "الدروس الحسنية" في رمضان وكانت بحضور الملك محمد السادس تحت عنوان" النسب الشريف والسند الصوفي" رأى فيها الدكتور محمد وراضي تزلفا غبيا وإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما استفسر عن سبب امتناعه عن نشرها قال له:" ما معناه: "إن سياسة حزبنا تحرص أشد الحرص على تجنب أي صدام مع جماعات إسلامية من أسرة واحدة! فضلا عن كونه يحرص على مواجهة العلمانيين كخصوم حقيقيين للدين! " [38]، بيد أن كل ذلك لم يثمر شيئا مع البوتشيشية، وذلك أن الحوار يكون مع من يملك زمام أمره أما عندما يكون المدعو إلى الحوار تتحكم فيه الدوائر الأمنية المشبوهة ويكون بعض عناصره هم مجرد موظفين دسوا داخل الزاوية للقيام بمهمة محددة، فيخشى أن يساهم دعاة التطبيع مع هؤلاء و عدم الرد عليهم، في دعم هذا التصوف الخرافي القبوري من حيث لا يشعرون ومن دون أن تستفيد الدعوة الإسلامية من ذلك شيئا بل قد تتضرر بتضرر عقائد الناس، ذلك أن المخزن حريص على لعبة التوازنات وهو لن يسمح باللقاء بين الإسلاميين والصوفية [39] الذين لا يدعمهم حبا في الصوفية وإيمانا بمعتقداتها ولكنه يهدف من وراء ذلك إلى العمل على التصدي للمد الإسلامي وإضعافه، بيد أن الحوار أو الانفتاح يكون أجدى مع الطرق التي تملك زمام أمرها أو تعمل على ذلك مثل الزاوية الريسونية و كذلك الطرق التي هي أقرب إلى السنة من غيرها مثل الناصرية التي تعد أقرب الطرق الصوفية المغربية إلى السنة و تعرف برفضها للكثير من البدع التي يعرف بها الصوفية.
ونعود إلى "الطريقة الشاذلية المشيشية" المزعومة التي عقد تحت يافطتها هذا المنتدى العالمي! لنؤكد بأنه لا وجود لهذه الطريقة المزعومة وأن جميع القائمين على هذا المنتدى يعلمون علم اليقين حقيقة اللعبة وأنه لا توجد طريقة اسمها "الطريقة المشيشية الشاذلية" في المغرب، وذلك ليس فقط لأن عبد السلام بن مشيش شيخ أبو الحسن الشاذلي لم يؤسس طريقة، ولكن لأنهم يعلمون جيدا أن هذه الطريقة طريقة وهمية لا وجود لها وليس لها أي مريدين، اللهم إلا شيخها المزعوم، وإنما هي لعبة تقف وراءها أطراف مشبوهة داخلية وقد يكون بعضها خارجي أيضا للوصول إلى أهداف معلومة، فالذي يزعم أنه شيخ الطريقة ويسمي نفسه نور الهدى واسمه الحقيقي نبيل الإبراهيمي هو رجل في بداية الأربعينات من عمره كان عضوا في الجماعة المعروفة باسم " جماعة العدل والإحسان" المعروفة بتوجهاتها الصوفية وكان يمارس ما يعرف بالرقية الشرعية واستخراج الجن ثم تمادى به الأمر فادعى المهدوية منذ سنوات قليلة وهو ما أدى إلى فصله من الجماعة ولكنه تمادى في طموحاته ليراسل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عارضا عليهم مهدويته أو ربما خدماته ليتحول في وقت وجيز إلى صاحب أموال، بعد أن كان متواضع الحال و يشتغل معلما في التعليم الابتدائي، وهو متهم بالاستيلاء على مبلغ مليون وأربعمائة ألف درهم مغربي عبر النصب والاحتيال في شكوى رفعت ضده لدى الشرطة، خاصة وأنه يمتهن الشعوذة واستخراج الجن، وقد افتتح موقعا على الانترنيت باسم طريقته المزعومة وكان مما زعم فيه قبل أن يحذف ذلك قرب إطلاق قناة فضائية مشيشية شاذلية! ويمتلأ الموقع الذي هو في شكل مدونة بالأكاذيب المضحكة والمبالغ فيها عن فضل الشيخ المزعوم وعن انتشار طريقته في مختلف الأصقاع وكذلك بالغلو الرافضي في الأئمة الذين يقدمهم الروافض بعد أن اعتنق التشيع ويؤكد البعض في مدينة تطوان بأنه يتلقى حوالات من جهة شيعية في بريطانيا عبر أحد المصارف في مدينة سبتة المحتلة، و الملفت للنظر أن تصوف هذا الدجال المحتال هو من التصوف التقليدي المعتاد سواء في سمته حيث أن الرجل يطلق لحية كثة وطويلة أو في لباسه التقليدي المغربي، كما أن لغة خطابه بعيدة كل البحث عن الخطاب الحداثي الذي يتبناه التيار التصوف الجديد، وهو يصف نفسه في مدونته بصفات عجيبة وغريبة، فهو على حسب زعمه" شيخ الشاذلية المشيشية مولانا القطب الغوث تاج العارفين قطب الدائرة الصمدانية صاحب الوقت والآن وارث المشربين ومفتي المذهبين [40] ومجمع البحرين نون الأسرار وصفوة الأنوار ساكن البر والبحر الصاحب بالجنب وابن السبيل فخر آل مولانا محمد وعلي والزهراء والحسن والحسين والأئمة عليهم الصلاة والسلام زينة العصر ومكرمة الأمم الإسم الأعظم الذي يمشي على رجلين النور المبين والجامع لشتات الدين قدس الله سره العظيم. كل الحقوق محفوظة له"!!! وكأنه يخشى أن يسطو أحدهم على ألقابه العجيبة! فيؤكد على حفظ حقوقه فيها ولكنه لا يكتفي بها بل يضيف إليها ألقابا أخرى مضحكة في مواضع أخرى يضيق عنها المجال. وهكذا نرى تحالف التصوف التقليدي الذي من رموزه المفتي علي جمعة وهذا الدجال المتشيع مع التصوف الفرنكو أمريكي البوذي الجديد في سبيل الأهداف المشتركة، و يبقى السؤال المطروح عن أية حداثة و تنمية يتحدثون! وإلى أين يسير" الإسلام البوذي الفرنكو أمريكي الجديد" في المغرب وهل سوف ينجح في التوسع إلى البلاد العربية والإسلامية كما يخطط القائمون عليه وخاصة وأن البوتشيشية مثلا قد تمكنت من اختراق بعض دول غرب إفريقيا و خاصة مالي التي حققت فيها نجاحا معتبرا، وبدأت طلائعها تنشط في تونس وخاصة في مدينة طبلبة [41] في فيلا يملكها أحد الأثرياء المنضمين إليها، أم أنها سوف تتعرض إلى عراقيل في البلاد العربية بسبب صعود الصحوة الإسلامية وخاصة السلفية وكذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالمخابرات المغربية مما قد يعرضها إلى مضايقات الأجهزة الرسمية في بعض البلاد العربية؟ وهل سوف يتحول هذا التيار الصوفي المعادي للصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي إلى ما يشبه جماعة الأحباش في المستقبل بعد أن يتنامى أكثر ويلجأ إلى العنف في مواجهتها {أي حركة الصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي} خاصة وأن العديد من مريديه يتميزون بالتعصب الشديد للشيخ وطريقته والعداء المكين للعاملين للإسلام من أبناء الصحوة الإسلامية الذين ينعتونهم بالوهابية وبعدم الإخلاص للملكية، بما فيهم المنتمون لحزب العدالة والتنمية كما أسلفنا!
كانت تلك لمحات عن ظاهرة التصوف الجديد بالمغرب، عسى الله أن يوفقنا لإخراج دراسة علمية وافية عن الموضوع.