- إنضم
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- نقاط التفاعل
- 10,287
- نقاط الجوائز
- 1,055
- محل الإقامة
- الجزائر
- آخر نشاط
جليس السوء
الجليس السوء تأثير على الدين والسلوك والآداب والأخلاق والطموحات، يقول عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل». (رواه أبو داود).
ومضرة قرناء السوء ظاهرة، ولضررها على الإنسان حذَّر الإسلام من مصاحبتهم، وحرم المكث معهم، وأوجب الهجرة إلى مجتمع صالح، قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97].
وطبيعة البشر سرعة تأثرهم بمن يخالطون فيتأثرون حتى من البهيمة يقول النبي (عليه الصلاة والسلام): «الفخر والخيلاء في الفدَّادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم». (متفق عليه).
فأخبر النبي (صلى الله عليه و سلم) أن في رعاة الإبل الكبر والفخر والخيلاء، وفي رعاة الغنم السكينة والتواضع، فإذا كان الإنسان يتأثر ببهيمة لا عقل لها، ولا تفقه أنت مراد صوتها مع الاختلاف في المأكل والمشرب، فما ظنك بالإنسان الذي يبادلك الأحاديث، وتفقه قوله، بل قد يؤزُّك إلى هواه، ويزين لك الشهوات، أليس حقيقياً بأن تتأثر به؟!!
جليس السوء يبعدك عن ربك ويتتبع عثراتك، قريب منك في السراء، بعيد عنك في الضراء، يلهث خلف ملذاته فإذا حُلت بينه وبين ما يشتهي نبذك.
جليس السوء يضرك إلى آخر رمق في حياتك، وإذا أردت أن تعرف حقيقة ذلك، فتأمل قصة عم النبي (صلى الله عليه و سلم)أبي طالب وهو يحتضر وبجانبه رفيقا السوء عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فإنه لما حضرت الوفاة أبا طالب جاءه رسول الله (صلى الله عليه و سلم) وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له النبي (عليه الصلاة والسلام): «يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ـ أي لا تسلم، بل استمر على الكفر ـ فأعاد النبي (عليه الصلاة والسلام)، فأعادا عليه، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله» (متفق عليه).
فانظر إلى حرص الناصح المشفق على عمه، وهو على فراش الموت، يتمنى نجاته من النار، ورفيقا السوء لم يرحما ضعف المحتضر، بل جلسا عنده يلقنانه الكفر حتى فارق الحياة، وأيقنا أنه دخل النار مع علمهما أنه لو تركاه يموت على الإسلام، لم يضرهما، لأنه سيموت، ولكن هذا شأن رفيق السوء.
جليس السوء ضرره متجدد في صور شتى، لذا شبهه النبي (صلى الله عليه و سلم) بنافخ الكير الذي ينالك أذاه على كل حال، يقول النبي (عليه الصلاة والسلام): «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ـ أي يعطيك ـ وإما أن تبتاع منه ـ أي تشتري منه ـ وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» (متفق عليه).
رفيق السوء ضرره ظاهر للجميع، يدعوك للكسل عن العبادة وفضائل الأعمال، والفتور عن أداء واجبات حياتك، يدني همتك العالية، لا للمعالي يعليك، ولا عن الدنايا يجافيك.
جليس السوء يقف أمام همتك العالية وطموحاتك السعيدة، بل إن له تأثيراً حتى على مظهرك الخارجي فيسيء إلى سمعتك ومكانتك في المجتمع.
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
فاحذر رفيق السوء قبل أن تندم في الآخرة على مصاحبته {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27-29]. واعمل بوصية النبي (صلى الله عليه و سلم)في اختيار الصحبة: «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي». (رواه أبو داود).
الجليس الصالح
المرء يتأثر بجليسه، ويعرف بمجالسه، والمسلم بمفرده يضعف عن عبادة ربه، لذا لابد له من جليس يقوي عضده للسير إلى ربه. والصحبة لها شأن كبير في الإسلام، فالأنبياء بل أولوا العزم من الرسل اتخذوا لهم أصحاباً فعيسى عليه السلام يقول: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14]. أي من يعينني في الدعوة إلى الله، ونبينا محمد (صلى الله عليه و سلم)اتخذ له صاحباً في حياته قال سبحانه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]. فأخبر الله عز وجل بأن لنبينا صاحباً ويقول عليه الصلاة والسلام: «لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي» متفق عليه. وقد كان النبي (صلى الله عليه و سلم)يزور صاحبه أبا بكر في داره في كل يوم مرتين، تقول عائشة رضي الله عنها: " لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشياً". (رواه البخاري).
الجليس الصالح يحفظك في الغيب، ويظهر ودك إذا حضرت، يدنيك من ربك، يهديك للخير، يذكرك إذا نسيت، ويحضك إذا غفلت، لا تسمع منه إلا قولاً طيباً وفعلاً حسناً، فاختر في طريقك ناصحاً مخلصاً في صحبتك، يعينك إذا انثنيت، ويقوي همتك إذا ضعفت، وأكثر من مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب.
آخر تعديل: