سندويشات قلبية.. مع قصص حقيقية لحياة هنية..
الحلقة الثامنة من قصة سلمان :
دلفت إلى بيتنا وأنا تائه عن باب نفسي وأفكاري تزنُّ كالبعوضة المحبوسة في غرفة مظلمة، أشعر بشتات يسحب كل طاقتي، أصابني صداع الرأس، فخلدت إلى النوم، لعلي أمتطي جواد الهدوء فيريح فكري وقلبي... لكن أحلامي فضحت ما بي وشوشت ما بقي من باحات فكري..
مرت يومين واقترب موعدي مع أمين، ومشاعري على أحر من الجمر للتخلص مما أعانيه من شرذمة وتشتت..
أخيرا تلطف بي الزمن وحان وقت اللقاء، استقبلني صديقي بابتسامته المعتادة، وما إن جلست حتى خارت قواي، وانهرت بالبكاء كالطفل الوليد...لم أعد أفهم نفسي، هل أبكي لأني لا أفهم؟ أم أبكي من الكآبة والبؤس اللذان ألفاني فصاحبا قلبي على غير تشاور معي...أم ماذا؟؟
نظر إلى الدكتور أمين وكأنه يقرأ ما وراء وجهي ولغة عيناي وجسدي...
فقال لي مطمئنا: لا تقلق يا سلمان، الشتات لن يدوم طويلا بأمر الله..
اهدأ قليلا وتفضل أفرغ ما بجعبتك.. وثق أن الشتات مع الاستعداد للوصول إلى الحقيقة، هو البداية القوية لوصول جيد، وطالما عقلك يعمل، فلن تضل وستجد الطريق بقوة الله...
شربت كوب ماء قدمه لي أمين وشرعت أحكي له عن تفاصيل حياتي منذ صغري، وكيف عانيت الفقر والجوع والحرمان حتى من الاهتمام، كيف كان سلاحي الصمت لكي لا أبين لأحد أني أغلي من نظرات الطلبة لملابسي واحتقاري، للتعامل معي بدونية، لتملصي من استضافة زملائي في بيتنا، والكثير من الأحداث التي أفرزت تساؤلات من قبيل: أين الله، لماذا كتب علينا الفقر ولم يكتب علينا الغنى، لماذا يفرض علينا مشيئته... كيف أعبده وهو يميز بيني وبين غيري ويفضل بعضا عن بعض..
كل هذا والدكتور أمين يستمع إلي وينصت في هدوء ويسجل بين الفينة والأخرى نقاطا تهمه..
انتهيت بعد ساعة أو يزيد...وأنا مستغرب صبر هذا الرجل معي، وإتقانه عمله كأني أدفع له مالا وأكثر، وكيف يتعامل معي وكأني زبون من العيار الثقيل...
قطع خواطري بصوته الهادئ الرزين... وقال: دعنا نتعرف معا على سنن ومعادلات الكون التي وضعها الله تعالى بدقة، فإن كنت تطبقها وأنت في هذا الحال، فالخلل أكيد في العالم الخارجي، وإن لم تكن تطبقها، فلنتفق على السير فيها لتعلمها والخروج مما أنت فيه بحول الله...
وقبل التطرق للمعادلات، سأحكي لك قصة صغيرة نبني عليها القادم...
كان هناك رجل يبحث عن بيت للإيجار، وبعد بحث طويل وجد بيتا جميلا مرتبا مأثثا بأثاث جميل، كان سعره في المتناول لكن صاحب البيت كانت له شروط: أولها أن البيت أمانة وعليه الحفاظ عليه، ثانيا مقابل عنايته بالبيت سيتكلف هو بشراء الطعام وكل مستلزمات الحياة له... ثالنا أن يشكره كل يوم على ما يقدمه له، فإن لم يفعل، سحب اتفاقه وطلب منه الخروج من البيت وقطع عنه الطعام وكل شيء...
وافق الرجل وتعاقد مع صاحب البيت..واستمر على وعده شهرا، ثم بدأ يألف النعم هو وأسرته ونسي شكر الرجل وتبلد إحساسه، مرت الأيام وصاحب البيت على وعده لكن المستأجر أخلف وعده.. وفي يوم من الأيام عاد من عمله فوجد البيت بدون ماء أو كهرباء، ولا طعام ولا أي شيء مما وعده به صاحب البيت، نام من التعب ولم يركز رغم إصرار زوجته وأولاده وشكواهم...
مر أسبوع والرجل يستحي من أن يكلم صاحب البيت، فاتسخ البيت وعمته الفوضى وصار كئيبا...
في اليوم التالي، وصله قرار إفراغ من المحكمة، والسبب أنه أخل بالاتفاق..
غادر الرجل وأسرته وندم كثيرا لكن بعد فوات الأوان، فهل صاحب البيت ظالم؟
قلت في حماسة: لا طبعاـ بل المستأجر هو الظالم..
فقال أمين مبتسما: فلم تشتكي الظلم وأنت الظالم؟
اعتبرت كلامه إهانة، فقمت من مكاني دون أن أنبس ببنت شفة..
لم يمنعني.. ولكنه قال لي وأنا تارك غرفته ورائي: فكر في كلامي جيدا وأنا في انتظارك...
خرجت مغاضبا وقررت عدم العودة...
ملحوظة: لا أقصد الإطالة ولكن الأحداث فيها مفاتيح مهمة
يتبع بعون الله
بقلم: نزهة الفلاح