(16) :
* المزدكية :
وأتباعها منسوبون إلى مزدك الذي ظهر ، كداعية إلى مذهبه ، بعهد قباذ في العام 478م ، وذلك في نيسابور بفارس ، داعياً إلى " الإلحاد " و " الإباحية " عبر التحرر من " الأخلاق والدين " .
تظاهرَ الرجل ، في أول دعوته ، بقبول ما كانت عليه عقيدة الفُرس الأولى ، فتبنّى نظرة زرادشت القائلة بوجود إلهين اثنين : أحدهما للنور ، والآخر للظُلمة . لكن الشاهد أن الرجل قال ما قاله على سبيل " التمويه والخداع " ليتمكن من نشر مبادئه التي هي أقرب إلى الإباحية من الدعوة إلى فكر ، وديانة ، زرادشت .
زعم مزدك أنه جاء داعياً لـ " العدالة التامة " بين أفراد الإنسانية ، لكن هذا الطرح ينقضه دعوتُه بأن جميع القوانين الدينية والأخلاقية " هدفها ليس العدل ، بل تقرير الظلم وجعله أمراً مشروعاً " .
وليمرر مزدك دعوته تلك أشاع ، وأتباعُه ، أنما هم يأخذون من الأغنياء ليعطوا الفقراء . ثم صاروا يطالبون أن من معه فضل من " مال " أو " نساء " فعليه أن يردها لغيره ممن ليس هو كذلك ، وصار الأمر أن هؤلاء كانوا " يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله " .
زعم مزدك أن " عقائد العامة " مضادة للمقتضيات " الطبيعة المقدسة " ، تلك الطبيعة التي هي متأصلة في " الفطرة السليمة " للإنسان !!! ويفسر الرجل " الفطرة السليمة " بأنها " فطرة الحيوان " تأسيساً على نظرته في أن الطبيعة وضعت شريعةً مقدسةً لا يجوز ، ولا يمكن ، تجاوزها ، فالطبيعة " اقتضت أن تكون خيراتها من حق الجميع " . إلا أن الحاصل أن بعض الناس سعوا لإلغاء قوانين الطبيعة الـ مقدسة ، التي تبيح المأكل والمشرب والنساء لكل فرد ، بأن وضع قوانين تحرم " نكاح المحرمات من أمهات وأخوات وبنات " فيما يعرف بالشريعة أو الأخلاق ، وهذا ، بعرف الرجل ، لا يجوز . ويسأل مزدك : " أي وجه حق لمن يحجر على امرأة دخلت في عقده ويحظر على الناس نيْلها ، وقد خُلق الذكر للأنثى والأنثى للذكر " ؟ ( !!! ) . وأيضاً : " ماذا يوجد من العدل في قانون يحكم بأن المال الشائع إذا تناولتْه يدُ مغتصب بما يسمونه بيعاً أو شراءً أو إرثاً ، ويكون مختصاً بذلك المغتصب ، ثم يحكم على الفقير المحروم ، إذا احتال لأخذ شيء من حقه والتمتع به ، بأنه خائن أو غاصب " ؟ !!! وهذا الطرح انتهى بمزدك إلى أن يرى في القوانين الدينية والاجتماعية مجرد إجراءات " جائرة " ، ثم يقرر أنه من الخير للإنسان ، حال يريد أن يحيا حياةً سعيدة ، أن يبعد هذه القوانين عن أن تنظم صياغتَها ، على حد تعبير مزدك ، " عقول قاصرة " ، فيستمع لنداء الطبيعة ليرى أن السعادة الحقيقية هي تَحرر النفس البشرية من أي قيد ، وهذا لن يتم إلا إذا : " قاوم الإنسان الجور في مدينته ، وحارب المغتصبين ، وجعل المال والنساء قسمةً عادلةً بينه وبين الآخرين " .
شاع هذا الطرح بين الفرس ، فخلع كثير منهم فضيلة الحياء ، ومارس حياته عبر الغدر والخيانة اللذين أصبحا شريعةً وقانوناً يحكمان تصرفات الناس وتعاملاتهم ، ما أزعج الملك الفارسي قباذاً الذي أمر بقتل مزدك ، وتم له ذلك العام 523م بعد أن سرى كثير من فساد آرائه إلى الجمهور فأنكر القيم والعقائد التي تمثل جُدر حماية للمجتمع فكرياً وسياسياً واجتماعياً ، ما جعل قضاء العرب على هذه الأمة أسهل بكثير مما حدث بشأن الرومان .
لكن تاريخ العقائد يبين لنا أن مثل هكذا أفكار ليس سهلاً انتهاؤها من فضاء الفكر ، فقام فكر مزدك مرة أخرى بين المسلمين عبر فرق كلامية ذات توجهات سياسية ... كان من أهمها الباطنية .
يُتْبع ...
* المزدكية :
وأتباعها منسوبون إلى مزدك الذي ظهر ، كداعية إلى مذهبه ، بعهد قباذ في العام 478م ، وذلك في نيسابور بفارس ، داعياً إلى " الإلحاد " و " الإباحية " عبر التحرر من " الأخلاق والدين " .
تظاهرَ الرجل ، في أول دعوته ، بقبول ما كانت عليه عقيدة الفُرس الأولى ، فتبنّى نظرة زرادشت القائلة بوجود إلهين اثنين : أحدهما للنور ، والآخر للظُلمة . لكن الشاهد أن الرجل قال ما قاله على سبيل " التمويه والخداع " ليتمكن من نشر مبادئه التي هي أقرب إلى الإباحية من الدعوة إلى فكر ، وديانة ، زرادشت .
زعم مزدك أنه جاء داعياً لـ " العدالة التامة " بين أفراد الإنسانية ، لكن هذا الطرح ينقضه دعوتُه بأن جميع القوانين الدينية والأخلاقية " هدفها ليس العدل ، بل تقرير الظلم وجعله أمراً مشروعاً " .
وليمرر مزدك دعوته تلك أشاع ، وأتباعُه ، أنما هم يأخذون من الأغنياء ليعطوا الفقراء . ثم صاروا يطالبون أن من معه فضل من " مال " أو " نساء " فعليه أن يردها لغيره ممن ليس هو كذلك ، وصار الأمر أن هؤلاء كانوا " يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله " .
زعم مزدك أن " عقائد العامة " مضادة للمقتضيات " الطبيعة المقدسة " ، تلك الطبيعة التي هي متأصلة في " الفطرة السليمة " للإنسان !!! ويفسر الرجل " الفطرة السليمة " بأنها " فطرة الحيوان " تأسيساً على نظرته في أن الطبيعة وضعت شريعةً مقدسةً لا يجوز ، ولا يمكن ، تجاوزها ، فالطبيعة " اقتضت أن تكون خيراتها من حق الجميع " . إلا أن الحاصل أن بعض الناس سعوا لإلغاء قوانين الطبيعة الـ مقدسة ، التي تبيح المأكل والمشرب والنساء لكل فرد ، بأن وضع قوانين تحرم " نكاح المحرمات من أمهات وأخوات وبنات " فيما يعرف بالشريعة أو الأخلاق ، وهذا ، بعرف الرجل ، لا يجوز . ويسأل مزدك : " أي وجه حق لمن يحجر على امرأة دخلت في عقده ويحظر على الناس نيْلها ، وقد خُلق الذكر للأنثى والأنثى للذكر " ؟ ( !!! ) . وأيضاً : " ماذا يوجد من العدل في قانون يحكم بأن المال الشائع إذا تناولتْه يدُ مغتصب بما يسمونه بيعاً أو شراءً أو إرثاً ، ويكون مختصاً بذلك المغتصب ، ثم يحكم على الفقير المحروم ، إذا احتال لأخذ شيء من حقه والتمتع به ، بأنه خائن أو غاصب " ؟ !!! وهذا الطرح انتهى بمزدك إلى أن يرى في القوانين الدينية والاجتماعية مجرد إجراءات " جائرة " ، ثم يقرر أنه من الخير للإنسان ، حال يريد أن يحيا حياةً سعيدة ، أن يبعد هذه القوانين عن أن تنظم صياغتَها ، على حد تعبير مزدك ، " عقول قاصرة " ، فيستمع لنداء الطبيعة ليرى أن السعادة الحقيقية هي تَحرر النفس البشرية من أي قيد ، وهذا لن يتم إلا إذا : " قاوم الإنسان الجور في مدينته ، وحارب المغتصبين ، وجعل المال والنساء قسمةً عادلةً بينه وبين الآخرين " .
شاع هذا الطرح بين الفرس ، فخلع كثير منهم فضيلة الحياء ، ومارس حياته عبر الغدر والخيانة اللذين أصبحا شريعةً وقانوناً يحكمان تصرفات الناس وتعاملاتهم ، ما أزعج الملك الفارسي قباذاً الذي أمر بقتل مزدك ، وتم له ذلك العام 523م بعد أن سرى كثير من فساد آرائه إلى الجمهور فأنكر القيم والعقائد التي تمثل جُدر حماية للمجتمع فكرياً وسياسياً واجتماعياً ، ما جعل قضاء العرب على هذه الأمة أسهل بكثير مما حدث بشأن الرومان .
لكن تاريخ العقائد يبين لنا أن مثل هكذا أفكار ليس سهلاً انتهاؤها من فضاء الفكر ، فقام فكر مزدك مرة أخرى بين المسلمين عبر فرق كلامية ذات توجهات سياسية ... كان من أهمها الباطنية .
يُتْبع ...