رسالة إلى الشرفاء.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد..
فإن الغيرة على العرض والشرف ما تميز به العرب، حتى قبل أن تشرق الشمس بنور الرسالة المحمدية، فكان العرب يفخرون بذلك ويبذلون في سبيل الحفاظ على عرضهم الغالي والنفيس، حتى إن قائلهم كان يقول:
يهون علينا أن تصاب جسومنا.... وتسلم أعراضٌ لنـا وعقـول
ومدح رجل من أهل الجاهلية امرأته فقال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه .... فتنـاولتـه واتقتـنا باليــد
سقط النصيف (غطاء الوجه) من غير قصد ولا عمد، فغطت وجهها بيدها مخافة أن يُرى.
ويمدح رجل آخر (من أهل الجاهلية) قبل الإسلام!! يمدح امرأته فيقول:
لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها .... إذا ما مشت ولا بذات تلفتِ
فإن العرب الذين أنتم من سلالتهم، كانوا يتميزون بالخلق العالي وهو الغيرة على الشرف.
والغيرة على الشرف من أعظم المنازل، وهي دليل على الفحولة والرجولة، ومن أفلت زمام الأمر، عُدَّ من سقط المتاع فلا قيمة له ولا قدر.
ومن تأمل قصص الجاهلية ليرى من ذلك عجباً...!
فمما جاء من قصصهم، أن عقيل بن علفة: نزل في منتجع ماء، كعادة البدو الرحل الذين ينـزلون عند المياه لترده أنعامهم، فسمع ابنة له تضحك وقد شهقت في آخر ضحكتها حتى سمع الرجال الصوت، فحمل عليها بالسيف وهو يقول:
فَرَقْتُ إني رجل فَروقُ .... لضحكة آخرها شهيقُ
وجاء عن هند بنت عتبة ـ رضي الله عنها ـ قبل إسلامها أنها كانت متزوجة برجل يقال له الفاكه بن المغيرة، والفاكه هذا كان له مجلس يغشاه الرجال فيه، كعادة الرجال في كل زمن، وكان مجلسه مبرزاً عن منـزل نسائه ولا تأتيه النساء في العادة.
فزارته ذات مرة هند وجلست تسمر معه حتى غشيها النعاس، وغلب عينها النوم فنامت، وذهب الفاكه زوجها ليقضي حاجة، فجاء رجل على عادته يزور هذا المجلس فلما أقبل وجد المرأة نائمة فرجع، وصادف رجوعه أن رآه الفاكه وهو مقبل من مجلسه، فجاء الفاكه إلى مجلسه وأيقظ هنداً، وقال: من هذا الرجل الذي كان عندك؟ قالت: والله ما علمت ولا انتبهت حتى أيقظتني.
قال: الحقي بأبيك.
فلما جاءت لعتبة وأخبرته الخبر، قال للفاكه بن المغيرة: إنك اتهمت ابنتي، فإما أن تثبت وإما أن نذهب لأحد كهان اليمن.
(والكاهن رجل سوء يخبر بما مضى، يخاطب القرين فيخبره أنه فلان وأمه فلانة، وحدث له في يوم كذا، كذا وكذا).
فلما قفلوا إلى كاهن اليمن واقتربوا من منزله اسود وجه هند، فقال لها والدها: أما كان هذا قبل أن نأتي للكاهن؟
فقالت: والله يا أبتي ما ألممت بذنب، ولكنكم تأتون رجلاً يخطئ ويصيب، وخطؤه أكثر من صوابه، ولعله يصفني بصفة لا تزول مدى الدهر.
فلما جاءوا للكاهن جعلوها مع مجموعة من النساء وقالوا له: انظر في شأن هؤلاء النسوة، فجعل يمر على النساء واحدة واحدة، ويقول: قومي، قومي، حتى إذا بلغ هندا قال: قومي لا رقحاء ولا زانية.
فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها، فنترت يدها من يده، وطلقها فنكحت أبا سفيان رضي الله عنه..
هذا قبل الإسلام يا عباد الله!!
فلما أسلمت بايعها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عادته في مبايعة النساء أن يبايعهن على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن، فلما قال صلى الله عليه وسلم بايعي على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني، فلما بلغ ولا تزني، وضعت يدها على رأسها وصرخت: يا رسول الله أوَتزني الحرة..؟!!!
لا تزني الحرة!!
هذا وهي حديثة عهد بالإسلام ولكنها علمت منذ أيام الجاهلية أن الحرة لا تزني.
ففي أيام الجاهلية ما تزني الحرة، أما الآن فتزني الحرة، وقد تنام في أحضان كلب من الكلاب، تنام فاجرة وأهلها من رؤوس الشرف، لأنهم تركوا الخيل تمرح مع الحصن.
هذا في أيام الجاهلية تقول هند أوتزني الحرة؟ وضربت على رأسها حياءً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما جاء هذا الدين العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، يعني أنه كان لدى الناس أخلاقاً في السابق فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم هذه المحاسن، وهذه المكارم.
فحذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى أمته، ونبههم بتنبيه عظيم، فقال: "لا يدخل الجنة ديوث".
والديوث: ليس شرطا أن يقر أهله على الزنا، بل يدخل في ذلك أيضاً الذي لا يغار على محارمه بأي صورة كانت، كالخنزير، فالخنزير لا يغار، وأما الرجل الشريف فهو كالجمل، لأن هذا رمز العرب فهو يغار ومعروف من أخلاقه أنه لا يرضى على ناقته أن يأتيها جمل آخر، وأما الخنزير فهو يرضى بكل أحد أن يأتي بلمس أو ما زاد على ذلك.
واستمر الحال على الأخلاق الفاضلة حتى رأينا في هذه الأزمنة عجبا وقد رأيتم، ولكن المصيبة أن بعض الناس يرى البعيد عند الناس ولا يرى القريب في بيته، أعمى، وقد يكون الله سبحانه قد طمس على بصيرته فلا نجاح ولا فلاح.
أرى كل إنسان يرى عيب غيره .... ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفـى عليه عيوبه .... ويبدو له العيـب الذي لأخيه
إخواني لنتكلم بصراحة..
انظروا إلى العباءة المسماة زورا وبهتانا (بالعباءة الإسلامية)، هذه العباءة التي انتشرت بين فتيات كثيرات من بنات الشرف.
انظر إلى هذه العباءة حقيقة بعين المتأمل، ستوقن يقينا لا شك فيه أن حقيقة مسماها (العباءة الجنسية).
هذه العباءة التي تكون من مادة الكريب اللامعة، وتلتصق فتفصل جسم المرأة تفصيلاً، والله لو مشت بثوب مجرد، لهو خير من هذه العباءة، فهي ثوب لاصق لامع.
هل يرضى رجل أن يمشي مع أخته أو ابنته أو زوجته وهي لابسة هذه العباءة، تناظرها أعين الرجال وتلفت انتباههم؟!
لا يحس بهذا الكلام إلا الرجال فقط، وأما أشباه الرجال فلا يعرفون معناه!!
من يرضى أن تمشي معه أخته فيناظرها الشباب في الأسواق، وهي لابسة العباءة الجنسية، التي سميت زوراً وبهتانا (بالعباءة الإسلامية)، والإسلام بريء من كل خلق دنيء.
هذه عباءة للجنس يتخيلها بسببها الشباب الذين يمرون في الشوارع.
فراقبوا هذه الملابس، لا يغشاكم أهل الفساد بمسميات فاسدة لا تغير من الحقيقة شيئا.
فمرة عباءة إسلامية! ومرة تمثيل إسلامي! ومرة أغاني إسلامية! وكل هذا زور وبهتان.
هذه العباءة عباءة جنسية فاجرة تثير الجنس عند الشباب، خصوصا وأن بعض المفتونات تفصلها بطريقة متعمدة لتجسم تفصيلات جسمها لإثارة الغرائز.
فإن كان فيك إحساس الرجولة فلا تنسَ هذه الكلمة: (عباءة جنسية)، ومن مشت معه من تلبس هذه العباءة، خصوصا إن أعطاها الله حسن هيئة في جسمها، فليوقن أن كل الشباب يناظرون صاحبة هذه العباءة الفاجرة.
إن من شروط الحجاب الشرعي أن تلبس المرأة ثوبا فضفاضاً، وعباءة فضفاضة حتى لا يستبين الجسم، فإن كانت هي حقا صادقة تريد الستر، فلماذا لا تلبسه كما أراده الله من غير زور وبهتان؟!..
ومن ذلك أيضاً النقاب السافر الذي تقنعت به بعض الفتيات فتنةً وانحرافا.
نسأل سؤالا صريحا.. ذلك الرجل الذي يمشي مع أخته.. زوجته.. ابنته..، وهي لابسة النقاب الذي يجملها وليست بذاهبة إلى حفلة عرس، وقد ذهبت للسوق في هذا اللبس المتبرج، ماذا تريد؟!
اسأل نفسك!! التي تلبس هذا اللبس وهي ذاهبة للسوق، ماذا تريد؟!!
تريد أن تلفت الأنظار..!! كيف ترضى؟؟
هي تريد أن تلفت الأنظار!! فكيف ترضى؟
والأدهى منه كشف الوجه مع تجميله وزخرفته، وهذا لا يجوز باتفاق العلماء.
تحف الحواجب، وتجمل الوجه، ثم تذهب لتصطاد الشباب.
وبعض الناس يلوم الشباب..!
لا.. انظروا.. هي قائدة الفتنة، وهي داعية المصائب والرذائل.
وبعضهم تبلغ به الغفلة أن تخرج ابنته للدراسة صباحا بلبس مشين وهو لا يدري!!..انظر إلى ملابسها، انظر إلى البنطلون تحت العباءة.
اللهَ..اللهَ في العِرض والشرف.
الذي لا يغار على عرضه وشرفه فيه رجولة؟! لم يبق منها شيء.
ولا يقولن بعض الشباب: أبي يرفض تدخلي في شؤون أخواتي، لا.. لا تطعه في ذلك فإنه ليس لمخلوق طاعة في معصية الله.
أنت الرجل، فإن لبست الأخت اللباس المتبرج فلا تخرج، رضي الوالد أم لم يرض.
إنما الطاعة في المعروف، وما دام أنها أخت تعير بها، أو زوجة أو ابنة، فلا تخرج إلا محتشمة.
البواطن كلها موكولة إلى الله، وكم ستر الله لنا من ذنب وعيب، نحن نتكلم على الظاهر، وأنها تلبس ما يحجب الفتنة عن الناس.
فإذا كان عند الرجل غيرة، فلا يرض أن تخرج نساؤه بهذا اللباس الفاجر.
أيها الأفاضل:
ومما انتشر في الوقت الحالي الاختلاط في المطاعم، (أنا لا أتكلم عن وضع في أدغال أفريقيا، بل أتكلم عن وضع بدأنا نراه في مجتمعنا المحافظ يا أهل الشرف والعز)..
بدأت عندنا مطاعم اختلاطية، وقليل الحياء من الله، الذي يستحي من الناس إذا أراد ألا يعرفه أحد أنزل نساءه في المطعم الاختلاطي، ثم انسل للسيارة، أو ذهب ليصطاد الفتيات، ونسي أنه ترك الأرانب بين السباع الضارية.
يقول أسلافكم: "إذا صهل الحصان عطفت الفرس"، وهذا مثال دقيق، فتأملوا..!
الحصان إذا صهل عطفت عليه الفرس، ولذا كانوا في السابق يكرهون ركوب الفرس في المعارك مع أنها أسرع، مخافة أنها تعطف في المعركة على حصان العدو، فيُقتلُ صاحبها، وهذا المثال مطابق للواقع.
فإذا عطفت الفرس (الفتاة)، تسببت في قتل القائد وهو الأب أو الزوج أو الأخ المخدوعون المغرورون البلهاء الذين غشيتهم الغفلة..
فمجرد أن يصهل الحصان فإذا بالفرس تعطف عليه، فكيف تأخذ شرفك وعرضك فتضعه بين يدي الرجال، أو أنك تسمح لها بأن تدخل وظيفة اختلاطية، فتجلسها بين الرجال، وكم من حصان يصهل وكم من فرس عاطفة!!
لا تطلبوا المستحيل من النساء الضعيفات..
لا تطلبوا المستحيل من النساء الضعيفات..
فما دام الله سبحانه قد سلمك زمام الأمر فاحفظ هذه الأمانة.
كم من فتاة دخلت العمل الاختلاطي وهي لابسة اللباس الشرعي، ثم بدأ ينقص شيئاً فشيئاً، بترك العباءة الفضفاضة إلى عباية الكتف اللاصقة، والغطوة الساترة إلى نقاب موسع معطر مجمل، وبدأ التكسر في الكلام، والتغنج والضحك والجرأة. لِمَ…؟! هذا أثر المخالطة بالجنس الآخر.
وقد أعجبني أحد الفضلاء وهو يتحدث بقصة جرت معه فيقول: توظَّفَت في مكان عملي فتاةٌ ذاتُ نسب وشرف، والذي لفت الانتباه أنها فتاة متسترة تستراً شديداً، وقد وُضِعت في القسم الذي أديره، وكان كله من الرجال.
ومما غاظني أنها كانت من مجتمع محافظ مع الأسف الشديد، وقد رأيتها في كل يوم منكسة رأسها لا تتحدث مع أحد حتى نهاية الدوام وتنصرف.
فسألتها عن والدها وعنوان منزلها فأخبرتني، وقلت استقل الفرصة ما دام في الأمر مهلة، فذهبت إلى والدها في عصرية أحد الأيام، فلما جاءني بالقهوة وجلس معي، قلت: يبو فلان لو قلت لفلانة تجي تقهوى معنا؟!
قال: أنت مجنون؟! ما تستحي؟!
قلت: ليش؟ هي كل يوم تجلس معانا من الصبح للظهر وش اللي فيها؟!
فاستحيى وعرف خطأه، وانتبه لفعله المشين، وشكرني على مقصدي من النصيحة، ولما جاء صباح اليوم التالي فإذا هي جليسة البيت قد تركت العمل.
فليسأل نفسه من ترك نساءه في وظائف الاختلاط، لماذا تستحي أن تدعو ابنتك لتجلس مع أصحابك إذا غشوا منزلك، وأكثرهم تعرفه وتثق به، ولا يمنعك هذا الحياء المزيف أن تتركها بين صفوف الشباب الذين لا تعرفهم في الوظائف؟!!.
عجباً إننا في زمن المتناقضات.
إن العرق العربي يتمتع بالشهامة والحساسية المفرطة تجاه عرض المرأة، مما يشهد له التاريخ في كل عصر وزمن، ولما سادت الجزيرة العربية الفوضى خارج المدن في العهد العثماني، استدعى ذلك أن تسن القبائل قوانين لحفظ أنسابهم وشرفهم، وقد ذكر المؤرخ العثماني أيوب صبري باشا في كتابه: "مرآة الجزيرة العربية": أن العرب كانوا لا يعرفون معنى الفاحشة ولا توجد بينهم، ولا يعتدي عربي على امرأة، حتى لو كان لصا يستاقها مع أغنامها ليالي وأياما ليسلب الغنم، لكنه لا يخطر بباله أن يعتدي على شرفها.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد..
فإن الغيرة على العرض والشرف ما تميز به العرب، حتى قبل أن تشرق الشمس بنور الرسالة المحمدية، فكان العرب يفخرون بذلك ويبذلون في سبيل الحفاظ على عرضهم الغالي والنفيس، حتى إن قائلهم كان يقول:
يهون علينا أن تصاب جسومنا.... وتسلم أعراضٌ لنـا وعقـول
ومدح رجل من أهل الجاهلية امرأته فقال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه .... فتنـاولتـه واتقتـنا باليــد
سقط النصيف (غطاء الوجه) من غير قصد ولا عمد، فغطت وجهها بيدها مخافة أن يُرى.
ويمدح رجل آخر (من أهل الجاهلية) قبل الإسلام!! يمدح امرأته فيقول:
لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها .... إذا ما مشت ولا بذات تلفتِ
فإن العرب الذين أنتم من سلالتهم، كانوا يتميزون بالخلق العالي وهو الغيرة على الشرف.
والغيرة على الشرف من أعظم المنازل، وهي دليل على الفحولة والرجولة، ومن أفلت زمام الأمر، عُدَّ من سقط المتاع فلا قيمة له ولا قدر.
ومن تأمل قصص الجاهلية ليرى من ذلك عجباً...!
فمما جاء من قصصهم، أن عقيل بن علفة: نزل في منتجع ماء، كعادة البدو الرحل الذين ينـزلون عند المياه لترده أنعامهم، فسمع ابنة له تضحك وقد شهقت في آخر ضحكتها حتى سمع الرجال الصوت، فحمل عليها بالسيف وهو يقول:
فَرَقْتُ إني رجل فَروقُ .... لضحكة آخرها شهيقُ
وجاء عن هند بنت عتبة ـ رضي الله عنها ـ قبل إسلامها أنها كانت متزوجة برجل يقال له الفاكه بن المغيرة، والفاكه هذا كان له مجلس يغشاه الرجال فيه، كعادة الرجال في كل زمن، وكان مجلسه مبرزاً عن منـزل نسائه ولا تأتيه النساء في العادة.
فزارته ذات مرة هند وجلست تسمر معه حتى غشيها النعاس، وغلب عينها النوم فنامت، وذهب الفاكه زوجها ليقضي حاجة، فجاء رجل على عادته يزور هذا المجلس فلما أقبل وجد المرأة نائمة فرجع، وصادف رجوعه أن رآه الفاكه وهو مقبل من مجلسه، فجاء الفاكه إلى مجلسه وأيقظ هنداً، وقال: من هذا الرجل الذي كان عندك؟ قالت: والله ما علمت ولا انتبهت حتى أيقظتني.
قال: الحقي بأبيك.
فلما جاءت لعتبة وأخبرته الخبر، قال للفاكه بن المغيرة: إنك اتهمت ابنتي، فإما أن تثبت وإما أن نذهب لأحد كهان اليمن.
(والكاهن رجل سوء يخبر بما مضى، يخاطب القرين فيخبره أنه فلان وأمه فلانة، وحدث له في يوم كذا، كذا وكذا).
فلما قفلوا إلى كاهن اليمن واقتربوا من منزله اسود وجه هند، فقال لها والدها: أما كان هذا قبل أن نأتي للكاهن؟
فقالت: والله يا أبتي ما ألممت بذنب، ولكنكم تأتون رجلاً يخطئ ويصيب، وخطؤه أكثر من صوابه، ولعله يصفني بصفة لا تزول مدى الدهر.
فلما جاءوا للكاهن جعلوها مع مجموعة من النساء وقالوا له: انظر في شأن هؤلاء النسوة، فجعل يمر على النساء واحدة واحدة، ويقول: قومي، قومي، حتى إذا بلغ هندا قال: قومي لا رقحاء ولا زانية.
فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها، فنترت يدها من يده، وطلقها فنكحت أبا سفيان رضي الله عنه..
هذا قبل الإسلام يا عباد الله!!
فلما أسلمت بايعها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عادته في مبايعة النساء أن يبايعهن على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن، فلما قال صلى الله عليه وسلم بايعي على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني، فلما بلغ ولا تزني، وضعت يدها على رأسها وصرخت: يا رسول الله أوَتزني الحرة..؟!!!
لا تزني الحرة!!
هذا وهي حديثة عهد بالإسلام ولكنها علمت منذ أيام الجاهلية أن الحرة لا تزني.
ففي أيام الجاهلية ما تزني الحرة، أما الآن فتزني الحرة، وقد تنام في أحضان كلب من الكلاب، تنام فاجرة وأهلها من رؤوس الشرف، لأنهم تركوا الخيل تمرح مع الحصن.
هذا في أيام الجاهلية تقول هند أوتزني الحرة؟ وضربت على رأسها حياءً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما جاء هذا الدين العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، يعني أنه كان لدى الناس أخلاقاً في السابق فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم هذه المحاسن، وهذه المكارم.
فحذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى أمته، ونبههم بتنبيه عظيم، فقال: "لا يدخل الجنة ديوث".
والديوث: ليس شرطا أن يقر أهله على الزنا، بل يدخل في ذلك أيضاً الذي لا يغار على محارمه بأي صورة كانت، كالخنزير، فالخنزير لا يغار، وأما الرجل الشريف فهو كالجمل، لأن هذا رمز العرب فهو يغار ومعروف من أخلاقه أنه لا يرضى على ناقته أن يأتيها جمل آخر، وأما الخنزير فهو يرضى بكل أحد أن يأتي بلمس أو ما زاد على ذلك.
واستمر الحال على الأخلاق الفاضلة حتى رأينا في هذه الأزمنة عجبا وقد رأيتم، ولكن المصيبة أن بعض الناس يرى البعيد عند الناس ولا يرى القريب في بيته، أعمى، وقد يكون الله سبحانه قد طمس على بصيرته فلا نجاح ولا فلاح.
أرى كل إنسان يرى عيب غيره .... ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفـى عليه عيوبه .... ويبدو له العيـب الذي لأخيه
إخواني لنتكلم بصراحة..
انظروا إلى العباءة المسماة زورا وبهتانا (بالعباءة الإسلامية)، هذه العباءة التي انتشرت بين فتيات كثيرات من بنات الشرف.
انظر إلى هذه العباءة حقيقة بعين المتأمل، ستوقن يقينا لا شك فيه أن حقيقة مسماها (العباءة الجنسية).
هذه العباءة التي تكون من مادة الكريب اللامعة، وتلتصق فتفصل جسم المرأة تفصيلاً، والله لو مشت بثوب مجرد، لهو خير من هذه العباءة، فهي ثوب لاصق لامع.
هل يرضى رجل أن يمشي مع أخته أو ابنته أو زوجته وهي لابسة هذه العباءة، تناظرها أعين الرجال وتلفت انتباههم؟!
لا يحس بهذا الكلام إلا الرجال فقط، وأما أشباه الرجال فلا يعرفون معناه!!
من يرضى أن تمشي معه أخته فيناظرها الشباب في الأسواق، وهي لابسة العباءة الجنسية، التي سميت زوراً وبهتانا (بالعباءة الإسلامية)، والإسلام بريء من كل خلق دنيء.
هذه عباءة للجنس يتخيلها بسببها الشباب الذين يمرون في الشوارع.
فراقبوا هذه الملابس، لا يغشاكم أهل الفساد بمسميات فاسدة لا تغير من الحقيقة شيئا.
فمرة عباءة إسلامية! ومرة تمثيل إسلامي! ومرة أغاني إسلامية! وكل هذا زور وبهتان.
هذه العباءة عباءة جنسية فاجرة تثير الجنس عند الشباب، خصوصا وأن بعض المفتونات تفصلها بطريقة متعمدة لتجسم تفصيلات جسمها لإثارة الغرائز.
فإن كان فيك إحساس الرجولة فلا تنسَ هذه الكلمة: (عباءة جنسية)، ومن مشت معه من تلبس هذه العباءة، خصوصا إن أعطاها الله حسن هيئة في جسمها، فليوقن أن كل الشباب يناظرون صاحبة هذه العباءة الفاجرة.
إن من شروط الحجاب الشرعي أن تلبس المرأة ثوبا فضفاضاً، وعباءة فضفاضة حتى لا يستبين الجسم، فإن كانت هي حقا صادقة تريد الستر، فلماذا لا تلبسه كما أراده الله من غير زور وبهتان؟!..
ومن ذلك أيضاً النقاب السافر الذي تقنعت به بعض الفتيات فتنةً وانحرافا.
نسأل سؤالا صريحا.. ذلك الرجل الذي يمشي مع أخته.. زوجته.. ابنته..، وهي لابسة النقاب الذي يجملها وليست بذاهبة إلى حفلة عرس، وقد ذهبت للسوق في هذا اللبس المتبرج، ماذا تريد؟!
اسأل نفسك!! التي تلبس هذا اللبس وهي ذاهبة للسوق، ماذا تريد؟!!
تريد أن تلفت الأنظار..!! كيف ترضى؟؟
هي تريد أن تلفت الأنظار!! فكيف ترضى؟
والأدهى منه كشف الوجه مع تجميله وزخرفته، وهذا لا يجوز باتفاق العلماء.
تحف الحواجب، وتجمل الوجه، ثم تذهب لتصطاد الشباب.
وبعض الناس يلوم الشباب..!
لا.. انظروا.. هي قائدة الفتنة، وهي داعية المصائب والرذائل.
وبعضهم تبلغ به الغفلة أن تخرج ابنته للدراسة صباحا بلبس مشين وهو لا يدري!!..انظر إلى ملابسها، انظر إلى البنطلون تحت العباءة.
اللهَ..اللهَ في العِرض والشرف.
الذي لا يغار على عرضه وشرفه فيه رجولة؟! لم يبق منها شيء.
ولا يقولن بعض الشباب: أبي يرفض تدخلي في شؤون أخواتي، لا.. لا تطعه في ذلك فإنه ليس لمخلوق طاعة في معصية الله.
أنت الرجل، فإن لبست الأخت اللباس المتبرج فلا تخرج، رضي الوالد أم لم يرض.
إنما الطاعة في المعروف، وما دام أنها أخت تعير بها، أو زوجة أو ابنة، فلا تخرج إلا محتشمة.
البواطن كلها موكولة إلى الله، وكم ستر الله لنا من ذنب وعيب، نحن نتكلم على الظاهر، وأنها تلبس ما يحجب الفتنة عن الناس.
فإذا كان عند الرجل غيرة، فلا يرض أن تخرج نساؤه بهذا اللباس الفاجر.
أيها الأفاضل:
ومما انتشر في الوقت الحالي الاختلاط في المطاعم، (أنا لا أتكلم عن وضع في أدغال أفريقيا، بل أتكلم عن وضع بدأنا نراه في مجتمعنا المحافظ يا أهل الشرف والعز)..
بدأت عندنا مطاعم اختلاطية، وقليل الحياء من الله، الذي يستحي من الناس إذا أراد ألا يعرفه أحد أنزل نساءه في المطعم الاختلاطي، ثم انسل للسيارة، أو ذهب ليصطاد الفتيات، ونسي أنه ترك الأرانب بين السباع الضارية.
يقول أسلافكم: "إذا صهل الحصان عطفت الفرس"، وهذا مثال دقيق، فتأملوا..!
الحصان إذا صهل عطفت عليه الفرس، ولذا كانوا في السابق يكرهون ركوب الفرس في المعارك مع أنها أسرع، مخافة أنها تعطف في المعركة على حصان العدو، فيُقتلُ صاحبها، وهذا المثال مطابق للواقع.
فإذا عطفت الفرس (الفتاة)، تسببت في قتل القائد وهو الأب أو الزوج أو الأخ المخدوعون المغرورون البلهاء الذين غشيتهم الغفلة..
فمجرد أن يصهل الحصان فإذا بالفرس تعطف عليه، فكيف تأخذ شرفك وعرضك فتضعه بين يدي الرجال، أو أنك تسمح لها بأن تدخل وظيفة اختلاطية، فتجلسها بين الرجال، وكم من حصان يصهل وكم من فرس عاطفة!!
لا تطلبوا المستحيل من النساء الضعيفات..
لا تطلبوا المستحيل من النساء الضعيفات..
فما دام الله سبحانه قد سلمك زمام الأمر فاحفظ هذه الأمانة.
كم من فتاة دخلت العمل الاختلاطي وهي لابسة اللباس الشرعي، ثم بدأ ينقص شيئاً فشيئاً، بترك العباءة الفضفاضة إلى عباية الكتف اللاصقة، والغطوة الساترة إلى نقاب موسع معطر مجمل، وبدأ التكسر في الكلام، والتغنج والضحك والجرأة. لِمَ…؟! هذا أثر المخالطة بالجنس الآخر.
وقد أعجبني أحد الفضلاء وهو يتحدث بقصة جرت معه فيقول: توظَّفَت في مكان عملي فتاةٌ ذاتُ نسب وشرف، والذي لفت الانتباه أنها فتاة متسترة تستراً شديداً، وقد وُضِعت في القسم الذي أديره، وكان كله من الرجال.
ومما غاظني أنها كانت من مجتمع محافظ مع الأسف الشديد، وقد رأيتها في كل يوم منكسة رأسها لا تتحدث مع أحد حتى نهاية الدوام وتنصرف.
فسألتها عن والدها وعنوان منزلها فأخبرتني، وقلت استقل الفرصة ما دام في الأمر مهلة، فذهبت إلى والدها في عصرية أحد الأيام، فلما جاءني بالقهوة وجلس معي، قلت: يبو فلان لو قلت لفلانة تجي تقهوى معنا؟!
قال: أنت مجنون؟! ما تستحي؟!
قلت: ليش؟ هي كل يوم تجلس معانا من الصبح للظهر وش اللي فيها؟!
فاستحيى وعرف خطأه، وانتبه لفعله المشين، وشكرني على مقصدي من النصيحة، ولما جاء صباح اليوم التالي فإذا هي جليسة البيت قد تركت العمل.
فليسأل نفسه من ترك نساءه في وظائف الاختلاط، لماذا تستحي أن تدعو ابنتك لتجلس مع أصحابك إذا غشوا منزلك، وأكثرهم تعرفه وتثق به، ولا يمنعك هذا الحياء المزيف أن تتركها بين صفوف الشباب الذين لا تعرفهم في الوظائف؟!!.
عجباً إننا في زمن المتناقضات.
إن العرق العربي يتمتع بالشهامة والحساسية المفرطة تجاه عرض المرأة، مما يشهد له التاريخ في كل عصر وزمن، ولما سادت الجزيرة العربية الفوضى خارج المدن في العهد العثماني، استدعى ذلك أن تسن القبائل قوانين لحفظ أنسابهم وشرفهم، وقد ذكر المؤرخ العثماني أيوب صبري باشا في كتابه: "مرآة الجزيرة العربية": أن العرب كانوا لا يعرفون معنى الفاحشة ولا توجد بينهم، ولا يعتدي عربي على امرأة، حتى لو كان لصا يستاقها مع أغنامها ليالي وأياما ليسلب الغنم، لكنه لا يخطر بباله أن يعتدي على شرفها.
آخر تعديل: