التفاعل
10.3K
الجوائز
2.5K
- تاريخ التسجيل
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- آخر نشاط
- الوظيفة
- تاجر
1/2

مكارم الأخلاق في ضوء الكتاب والسنة
وقيمتها عند العرب في كل زمان
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وقيمتها عند العرب في كل زمان
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
تعريف الأخلاق:
الأخلاق جمع خُلُق - بضم اللام وسكونها -: الدين والطبع والسجية، وحقيقته - كما يقول ابن منظور -: "أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخَلقِ لصورته الظاهرة".
و عرفه بعضهم بقوله: "الخلقُ عبارة عن هيئةٍ في النَّفس راسخة، عنها تصدر الأفعالُ بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر ورويَّة".
ومن هنا نعلمُ أنَّ الإنسان إنما يمدح على الأخلاقِ النابعة من نفسٍ طيبة، وإرادة خالصة، أمَّا الأفعال التي تصدر عن تكلفٍ، فلا خير فيها.
قال بعض العلماء: "ما أسر عبدٌ سريرةَ خيرٍ، إلا ألبسه الله رداءها، ولا أسرَّ سريرةَ شرٍّ قط، إلا ألبسه الله رداءها".
ويقول الشاعر العرجي:
يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ

وَمِنْ خَلاَئِقِهِ الْإِقْصَارُ وَالْمَلَقُ

ارْجِعْ إِلَى الْحَقِّ إِمَّا كُنْتَ فَاعِلَهُ

إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ

ويقول آخر:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ

وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ

ولذا فإنَّ من تكلف خلقًا، وتصنع للآخرين، سرعان ما يعودُ إلى سابقِ خلقه وطبيعته، كما يقول المتنبي:
وَأَسْرَعُ مَفْعُولٍ فَعَلْتَ تَغَيُّرًا

تَكَلُّفُ شَيْءٍ فِي طِبَاعِكَ ضِدُّهُ

وتعرف الأخلاق أنها الدستورُ الذي ينطوي على قواعدِ السلوك الذي يستندُ في تقييمه إلى الخير والشر.
فالحكم الأخلاقي هو حكم على سلوكِ الفرد والجماعة، والحكم هنا يستندُ على قيمتين؛ هما: الجمال والقبح، وهما مرهونان بالمصدرِ الذي يحكم عليهما، وفي الإسلام: "الجميلُ ما جمَّله الشرع، والقبيحُ ما لا يرضاه ولا يقرُّه الشرع".
والإنسان منذ قدم التاريخ وأطواره كان له تقييمٌ ثابت وواضح من بعضِ الصفات؛ مثل الكذب والنفاق، والسرقة والغش، وما إلى ذلك من صفاتٍ رفضها الإنسانُ بفطرته السليمة، وهذا يوضِّح أن للإنسان نزعةً أخلاقية؛ فُطِر عليها لا تتغير ولا تتبدل بمرور الزمن، فموقفُ النَّاس من الشجاعة والصبر والأمانة والعفة في القديم هو نفس موقفها الآن، وسيبقى كما هو مستقبلاً.
والمجتمعاتُ الإنسانية على مرِّ العصور قامت بحماية نفسها، والحفاظ على كيانها ممن يحاولون المساسَ بالمجتمع وكيانه، وذلك عن طريقِ وضع قوانين صارمة يسيرُ عليها النَّاس داخل المجتمع؛ لتكون هذه القوانين معيارًا أخلاقيًّا لهم في تصرفاتِهم وأفعالهم.
ولعلَّ قوانين "حمورابي" تُعد من أقدمِ القوانين الأخلاقية الوضعية، بل وأشهرها على الإطلاق، مما يؤكِّدُ نزعةَ الإنسان دائمًا وأبدًا نحو الأخلاقِ والحفاظ عليها والدفاع عنها، كما أدرك الإنسانُ أيضًا أنَّ أي مجتمع يقام لا بد له من قوانينَ تضعُ ضوابطَ له وتحكمه، وبغيرها لا يوجد مجتمع ولا صفة له، حتى إن أكثرَ القبائل بدائيةً لها من الضوابطِ والقوانين ما يكفي لحفظ النِّظام والأمن فيها.
ولعل المتأمل قولَه - تعالى -: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [طه : 121] يجد أنه منذ بدايةِ الخلق قد فُطر الإنسان على ما يجوز وما لا يجوز، فكان سترُ العورةِ أول ما فكَّر فيه أبونا آدم - عليه السلام - وزوجه.
والنزعة الأخلاقية شديدةُ الارتباط بالنزعةِ الدينية عند الإنسان، فلا دينَ بدون أخلاق، ولا أخلاقَ بدون دين، فالتلازم بينهما ضروري؛ لأنَّ كلاًّ منهما يكمِّل الآخر؛ لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق))، فكأنما الدين الأخلاق.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن البرِّ والإثم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهتَ أن يطلعَ النَّاس عليه)).
ولقد كان الإيمانُ مرتبطًا بالأخلاقِ ارتباطًا وثيقًا؛ فالمؤمن حسن الخلق؛ لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس المؤمنُ بطعَّانٍ ولا لعَّان، ولا فاحشٍ ولا بذيء))؛ رواه الترمذي والحاكم.
وروى الترمذي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من شيء أثقل في ميزانِ المؤمن يومَ القيامة من حسنِ الخلق، وإنَّ الله ليبغض الفاحشَ البذيء))، وقد امتدح الله نبيَّه الكريم بحسنِ خلقه؛ فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم : 4].
وحسن الخلق له مكانةٌ عظيمة ومنزلة رفيعة في دينِ الإسلام، قال ابن القيم: "الدين كله خلق؛ فمن زاد عليك في الخلقِ، زاد عليك في الدين".
وقد وردت النصوصُ الكثيرة في الكتابِ والسنة مبينة فضلَ حسن الخلق، مرغبةفي مكارمِ الأخلاق، مثنية على المتحلين بمحاسنِ الآداب، زاجرة عن الاتصاف بمساويها.
يقول الله - تعالى - مثنيًا على خيرِ خلقه وخاتم رسله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم : 4].
وهناك آياتٌ كثيرة تدعو إلى التحلِّي بمكارمِ الأخلاق؛ فمن ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف : 199]، وقد رُوي عن جعفر الصادق أنه قال: "ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها".
ومن ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة : 83]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات : 10]، وقوله - تعالى -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاس وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : 114]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
كما جاءت السنة مبينة الأجرَ العظيم لمن اتصف بمكارم الأخلاق؛ ومما ورد في ذلك قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البر حسن الخلق))؛ أخرجه مسلم.
ومن ذلك قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من شيء أثقل في ميزانِ المؤمن يومَ القيامة من حسن الخلق، وإنَّ الله ليبغضُ الفاحشَ البذيء)).
ومن ذلك قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد سئل عن أكثر ما يُدخل النَّاسَ الجنةَ، فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق)).
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ المؤمن لَيدركُ بحسنِ خلقه درجةَ الصائم القائم)).
هذا، والأخلاق الحسنة المحمودة التي دعا إليها الإسلامُ ورغَّب فيها، وحث على التخلق بها - كثيرة، ومن العلماء من أرجعَها إلى أصولٍ أربعة؛ وهي: الحكمة، والعفة، والشجاعة، والعدل.
ومن الأخلاقِ الإسلامية المحمودة:
الصبر والحلم والرفق، والكرم والحياء والتواضع، والشجاعة والعدل والإحسان، وقضاء الحوائج وغض البصر وكف الأذى، والأمانة والصدق، والرحمة والوفاء، وطلاقة الوجه وطيب الكلام، وحسن الاستماع وحسن الظَّن، وتوقير الكبير، وإجابة الدَّعوة والإصلاح بين النَّاس، وعلو الهمة والإيثار والهدية وقَبولها، وجبر الخواطر ومُراعاة المشاعر وغيرها.
ولقد ضرب المسلمون أروعَ الأمثال في جمالِ الخلق، وطيب المعشر، وحسن المعاملة؛ ولذلك كانوا سادةَ الأمم، ومحطَّ الأنظار، وموضعَ القدوة حين كانوا متمسكين بأخلاقِهم السامية، وإمامهم وقدوتهم في ذلك رسولهم الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم صحابته الكرام، والتابعون لهم بإحسان.
وحين نتحدثُ عن محاسنِ الأخلاق، نرى لزامًا علينا أن نتحدثَ عمن بُعث متممًا لمكارم الأخلاق الذي وصفه ربه - تعالى - بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم : 4]، فكان خلقه القرآن؛ يمتثلُ أوامرَه، ويجتنبُ نواهيَه، قد اجتمعت فيه الفضائلُ كلُّها، والمكارم أجمعها.
فَأَخْلاَقُ الرَّسُولِ لَنَا كِتَابٌ

وَجَدْنَا فِيهِ أَقْصَى مُبْتَغَانَا

وَعِزَّتُنَا بِغَيْرِ الدِّينِ ذُلٌّ

وَقُدْوَتُنَا شَمَائِلُ مُصْطَفَانَا

فعن أي شيءٍ من أخلاقه - صلَّى الله عليه وسلَّم - نتحدث؟ أنتحدث عن جودِه؟ فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ النَّاس، ما سُئل شيئًا قط فقال: لا، ولقد جاءه رجلٌ فأعطاه غَنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومِه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإنَّ محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقَة.
أم نتحدثُ عن رحمته بأمته ورأفته بها؟ فقد كان رحيمًا رفيقًا رقيقًا كما وصفه ربه - تعالى - بقوله: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران : 159]، وقوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة : 128].
أم نتحدث عن حلمِه وعفوه؟ فقد كان أحلمَ النَّاس، أم نتحدث عن شجاعته؟ فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشجع النَّاس، أم نتحدث عن حيائه؟ فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرِها، أم نتحدث عن تواضعِه؟ فقد كان مضربَ المثل في ذلك، مع أنه سيد البشر، أم نتحدثُ عن محبته لأصحابِه، وملاطفته لهم والبشاشة في وجوهِهم، والسؤال عن أحوالهم، وتطييب وخواطرهم؟
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب : 21].
منزلة الأخلاق في الإسلام:
الأخلاقُ الفاضلة لها منزلةٌ رفيعة في دين الله، ولهاارتباطٌ قوي بقوةِ الإيمان وحسنه، وتدين المرءِ وتمسكه بالشريعة، ولها أعظم الأثر في قوةِ الأمة ووحدة صفوفها، ولأنَّ الأخلاقَ يمكن اكتسابها؛ كان من المهمِّ الحديث عن وسائل اكتساب الأخلاق الفاضلة.
آخر تعديل: