بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي افترض على القادرين حج بيته الحرام، وجعل حجه أحد أركان الإسلام، وغفر لمن حجه ولم يرفث ولم يفسق جميع الذنوب والآثام، فهو الكريم الذي إذا دعا إلى بيته أفاض على الموحد جزيل الإكرام، خلق فقدر وشرع فيسر، فسبحانه من إله وفق من شاء لمراضيه ويسر له أسبابها بالتمام، وقضى على من شاء بالحرمان، فلم ينفع فيه ترغيب ولا ترهيب ولا ملام.
أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أتقى من وقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام.
والحج قصد البيت الحرام لأعمال مخصوصة في زمن مخصوص.
وللحج مواقيت زمانية ومكانية:
فالزمانية: أشهر الحج، شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
والمكانية: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل المسمى بالسيل الكبير، ويلملم، وذات عرق.
جعلت هذه الحدود مواقيت، تعظيمًا للبيت الحرام وتكريمًا. ليأتي إليه الحجاج والمعتمرون من هذه الحدود معظمين، خاضعين، خاشعين.
واعلموا أن الحج يجب على كل مكلف من ذكر وأنثى، مستطيع، مرةً واحدةً في العمر. إلا أن المرأة لا يجب عليها إلا إذا وجدت محرمًا يسافر معها، لقوله عز وجل: [FONT="]]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[FONT="][[/FONT] [آل عمران: 97].[/FONT]
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس ـ وذكر فيها ـ وحج البيت» متفق عليه.
ومن الناس من يؤخر أداء الحج بعد وجوبه عليه بدون عذر شرعي، أو لم يأذن لأولاده من بنين وبنات.
ومن مات ولم يحج حجة الإسلام مع القدرة، فهو آثم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» رواه مسلم.
والأمر يقتضي الفورية: فتجب المبادرة إلى أداء فريضة الحج والعمرة.
ولا يجب الحج في العمر إلا مرةً واحدةً، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس كتب عليكم الحج» قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع» رواه أحمد وغيره. وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويسن الحج كل عام لمن استطاع، ولا ضرر عليه ولا على من يعول بذلك، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة، وما من مؤمن يظل يومه محرمًا إلا غابت الشمس بذنوبه» رواه الترمذي بهذا اللفظ وهو حديث صحيح بشواهده.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، قال: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور». وفي رواية: «لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور». قالت عائشة: «فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عام حجة الوداع: «هذه ثم ظهور الحصر».
فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد.
وقوله صلى الله عليه وسلم لنسائه: «هذه ثم ظهور الحصر»، أي: عليكن لزوم البيت ولا يجب عليكن الحج مرة أخرى بعد هذه الحجة، فيفهم من ذلك جواز الترك لهن، لا النهي عن الحج بعد حجة الوداع، لما روى البخاري أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.
وأخرج ابن سعد من حديث أبي هريرة فكن - نساء النبي صلى الله عليه وسلم - يحججن إلا سودة وزينب فقالتا، لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر متوقفًا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن لهن وتبعه على ذلك من في عصره من غير نكير.
وروى أحمد والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة، الحج والعمرة» سنده جيد.
والمعنى: أن الحج والعمرة يقومان مقام الجهاد لمن منعه عنه كبر، أو ضعف بدن، أو صغرن أو أنوثة، ويؤجرون عليهما كأجر الجهاد. والله تعالى أعلم.
وتتأكد سنية الحج بعد أربعة أعوام، أو خمسة أعوام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: إن عبدًا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام، لا يفد إلي، لمحروم» رواه ابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى، والبيهقي.
ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ: «إن الله يقول: إن عبدًا صححت له بدنه، وأوسعت عليه في الرزق، لم يفد إلي في كل أربعة أعوام، لمحروم» قال: في مجمع الزوائد: ورجال الجميع رجال الصحيح.