أبو يوسف المسيلي
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 23 مارس 2013
- المشاركات
- 33
- نقاط التفاعل
- 79
- النقاط
- 3
اتفق الزوجين قبل السفر أن تمضي نصفُ العشرة أيام التي سيغيبها زوجها عند بيت أبيه بينما الخمس الأواخر فعند أمها, ضنا من المسكين أنها ستكون كافية لإصلاح الشرخ الغائر الذي حدث بينهم جاهداً لتقريبهم من بعض و جعلهم يعيشون تحت سقف بيت واحد علهم ينسون الماضي و يأسسوا لعلاقة جديدة ملئها الحب, الحنان و الود. قبلت الزوجة على مضض مُرْضِيَةٌ رغبة في نفس زوجها مع تيقنها أن لا شيء سيتغير, هي على علم اليقين أنها ستكون أطول خمسة أيام في حياتها........كيف لا ....و هي التي لم تستحمل سويعات معدودة ليلة المولد النبوي الشريف حينما تحولت السعادة في لحظات الى تعاسة, و رغم كل ذلك مجبرة هي على المضي لها ...... قررت بينها وبين نفسها على جعلها تمر بهدوء قدر المستطاع خاصة و أن زوجها غائب و هي لا تريد مشاكل في غيابه.
دقت الباب و انتظرت قليلا ليفتح الباب على وجه عبوس مقطب الجبين, انه وجه أم زوجها و التي جرت العادة على مناداتها بأمها كما هو الحال في كل الأسر, لكن بالنسبة لها فهي تلفظ الاسم بلسانها و قلبها يرفضه و لا يعترف بهذه الأمومة, فأصبح لفظ كلمة أمي في حالة أم زوجها عادة تقال باللسان و لا تعبر عن ما في القلب.
أهلا أمي......كيف حالك؟.
بشيء من النفور ردت الأم....هذه أنت!!!!! أهلا....
تقدمت الزوجة معانقةٌ الأم و لكنها أحست ببرودة و جمود حاولت أن تزيله بابتسامة مصطنعة علها تريح أعصابها المشدودة أصلا.
تفضلي بالدخول (بشيء من الفتور)....
هل سافر عمر ؟...
أجل توجه للمطار منذ حوالي الساعتين و من المقرر أن تقلع طائرته الخامسة مساءاً ان لم يكن هناك أي طارئ.
اه.....و لما تأخرت في القدوم؟؟؟....
أم أنك عرجت على أمك قبل القدوم هنا.......
وجدت نفسها أمام تهمة هي ليست في حاجة لتبرئتها و لكنها مجبرة في موقف كهذا أن تعيد الأحداث كما وقعت معها دون زيادة و لا نقصان, فهي لم تَتَعَوَد على الكذبْ و لنْ تجربه أبدا, فهي كالورقة البيضاء الناصعة البياض.....
لا يا أمي و الله لم أبرح جدران منزلي الا باتجاه بيتك غير أني قمت ببعض الأعمال المنزلية ما جعلني أتأخر, و قبل خروجي أحكمت غلق الأبواب و النوافذ و أتيت اليك مباشرة.....
كانت تُقْسِمُ و تُغْلِظُ الأيمان و كأنها أمام قاضي تحقيق, كانت تعلم رغم قَسَمِها أنها لا تزال متهمة في نظر أم زوجها.........
مرت دقائق الاستقبال ان صح ان نسميه كذلك بخير رغم نظرات الأم التي تشوبها الكثير من الغمزات و اللمزات من تحت نظاراتها الطبية العتيقة.....
أعذريني أمي...... سأذهب لغرفة الضيافة لأضع أغراضي, قالت الزوجة منهيةً حالة الركود بينهما........
حسناً...و لكن بسرعة....
همست الأم لنفسها و أخذت تكلمها......
سأجعل أيامك الخمسة معي تمر كخمس سنين.........
سأجعلك تندمين على يوم زواجك من أبني........
ستدفعين ثمن عدم حصولنا على أحفاد حتى اليوم........
سأجعلك تعملين في هذا البيت كثور في ساقية........
دخلت الزوجة غرفة الضيافة و هي تكاد تنفجر من الغيظ و لا يمنعها من الرد سوى خيال زوجها الذي لا يكاد يغيب عن خاطرها و هو يوصيها بوالديها خيراً, و بينما هي سارحت في خيال زوجها اذ بهاتفها المحمول يرن.
انه زوجي العزيز..........
الو....... السلام عليكم........مساء النور......
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...........
كيف حالك يا وردتي الفواحة.........
بألف خير الحمد لله..... هل وصلت .........
أجل....أنا الان في مطار هواري بومدين الدولي, حيث قمت بكل إجراءات السفر و أنا الان في قاعة الانتظار............
جميل.....و متى الاقلاع ؟؟؟؟
للأسف من المفروض أن يكون بعد ساعة و نصف من الأن......
و لما الأسف..؟؟؟!!!!!!!!!!..... هل هناك تأخير في المواعيد؟؟؟؟
ليس بالتأخير الكبير......هي فقط ثلاث ساعات تأخير عن الموعد المفترض, كنت دائما أعتقد أنها مجرد اشاعات, و تضخيم للأمور حينما كنت أقرأ في الجرائد لكن الان أستطيع أن أخبرك ان المعلومات المقدمة حول تأخر الرحلات هي حقيقة و ليست خيال.........
هَوِنْ عَلَيْكَ....بعد بضع ساعات ستكون في قارة اخرى....مع أناس اخرين....و بنات جميلات....
لكم أشتاق لرؤية الشقراوات............
أوروبا......ها ها ها ها ...... لا طبعاً أنا أمزح.....و هل هناك أجمل, أرق, و أَحَنْ من نساء الجزائر......... عزيزتي ألا زلتي في المنزل؟؟؟؟؟
لا أنا عند أمك وصلت مذ النصف ساعة تقريباً.
و كيف حال أمي و أبي...
أمك بألف خير...غير أن أبوك ليس بالمنزل لم أره بعد....
و كيف كان استقبال أمي؟؟؟؟
لم تكن تريد تكدير صفوه و هو على سفر........
كان استقبال جيدا جدا...........
سمعت صوت صراخ أم زوجها الذي كان يصدح في صالة الاستقبال......
أين أنت؟؟؟ لم كل هذا التأخير..............
عذراً عزيزي لكنها أمك تنادي مضطرة أنا لقطع الاتصال....
حسناً حبيبتي, سلامي الحار لك, و لأمي و أبي.....مع السلامة......
مع السلامة حبيبي..............
نعم أمي أنا قادمة.......
و ما أن همت بفتح الباب حتى وجدت الأم في وجهها كأنها بركان ثائر....و بدأت بنفث الحمم من فمها دون سابق انذار......
أين كل هذا الوقت........أم أنك جئت لتنامي و تخلدي للراحة و أقوم على خدمتك.......
لا يا أمي.... كنت أكلم عمر, لقد اتصل و هو يبلغك سلامه, يقول أن طائرته تأخرت لثلاث ساعات أخرى......
و لما لم يتصل على هاتفي أم جعلك مرسالاً بيني و بينه, أو ربما صرت أقرب له مني...........
لا.... ليست الأمور هكذا يا أمي...
و أصبحت مرة أخرى مجبرة على تقديم تبريرات هي في غنى عنها..............
و همت بالكلام..........
لكن الأم اسكتتها بإشارة من يدها معلنة عن نهاية الوقت المخصص لها و كأنها قاضي تحقيق ينهي مرافعة محامي لم تكد تبدأ.........
اسمعي ابني أنا أعرف كيف أتصرف معه لاحقاً, أما أنت فلا تظني نفسك هنا لتأخذي قسطا من الراحة, ألا ترين أن المنزل متسخ و يحتاج للكثير ليصبح نقي...
لا مشكلة يا أمي, سأفعل ما تشائين و لكن أحتاج لبعض الراحة اليوم فلقد قمت بالكثير من الأعمال في بيتي و أنا متعبة جداً, فأعذريني فقط اليوم و غداً أفعل ما تشائين انشاء الله............
غدا......حقا.........هل تظنين أن بيتي سيكون نزلاً أو فندقاً لراحتك......اسمعي انت هنا لخدمتي و ليس العكس..........
بدأت الغدة النخامية بأرسال الأوامر لغدة الأدر ينال التي تستجيب في حالات الغضب بسرعة افرازها للأدرينالين لكنها تمالكت نفسها في اخر لحظة مجنبة نفسها موجة غضب عارم, استغفرت ربها و استعاذة من الشيطان الرجيم تناست تعبها, مصطنعة ابتسامة أقرب للعبوس و قالت:
حسناً يا أمي......كما تشائين....أين هي أدوات التنظيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟........
بصوت فيه مزيج بين السخرية و التوبيخ........و أين توضع مواد التنظيف؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فهِمَتْ أنه يتوجب عليها التوجه للحمام, توجهت و هي تجر نفسها كجندي يرجع من معركة خاسرة, تناولت ما يستلزم للتنظيف و بدأت معركة تكاد تكون خاسرة فلقد كانت منهكة في تفاني جاهدة أن تعطي أفضل ما عندها فبالنسبة لها أيضا هو امتحان من الأم و يجب أن لا ترسب فيه...... استغرق تنظيف البيت الوقت الكثير و الجهد, و بين الفينة و الاخرى كانت تمر الأم من أمامها و تشير بأطراف يدها لأماكن مدعية أنها لم تنظف جيدا, على الرغم من أن الزوجة المسكين تفعل كل ما في وسعها..... كانت حالتها شبيهة بحالة العبيد السود حينما كانوا يعاملون دون الحيوانات (أكرمكم الله)...كانت تفكر بصوت يكاد يكون مسموعاً من البشر أمثالها لكن لا يمكن أن يسمع من أمثال أم زوجها, لماذا تفعل بي كل هذا؟؟؟؟..... الأولاد... لم تكن راضية بزواجي...... و ما دخلي بكل هذا....انا لم أكن أعلم بكل ما تقول من قصص....كانت تريد تزويجه غيري.... و لكنه هو من تقدم لي و لم أكن أعرفه أصلا.....لقائنا كان صدفة...و علاقتنا كانت سريعة...و حبنا كان مثالا للسعادة....لو لا.........
أين تسرحين.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!...........
ما هذا هنا..؟؟؟؟..... الا ترين هذه الاوساخ.....أم أنك عمياء.....اذا كنت كذلك فلأطلب من عمر عمل نظارات لك......
أمي لقد فعلت المستحيل لإزالة هذه البقع تبدوا قديمة جدا, ربما احتاج لنوع معين من مواد التنظيف لإزالتها فالماء لا يكفي......
انت من يحتاج لتنظيف لما بداخلك من غل و حقد تجاهي.....انا متأكدة انك لن تفعلي يوما شيء يرضيني لأنك تتعمدين إغاظتي و تفوير دمي.....
هيا....أسرعي فزوجي على وشك الوصول و يجب ان تنهي كل شيء سريعاً....
ألم تسمعي ما قلت لك.....أم أنه لا يروق لك..............
رجعت الزوجة للعمل و لم يُصَبِرهَا سوي خبر قدوم والد زوجها فرغم قسوته عليها الا أنه في كل الحالات أرحم من الأم.........ربما سينصفها أو ينتصر لها....أو عل حضوره يجبرها على تلطيف كلامها احتراما لوجوده........
أنهت عملها و لم يعد في مقدورها حمل حتى جسدها النحيل المثقل من كثرة الأشغال, و ما كادت تأخذ أنفاسها فوق الأريكة الرابضة وسط الصالون حتى سمعت الأم تقول لها.....ها هل ارتحت.......هيا قومي معي للمطبخ......
و قبل أن تقوم من مكانها كان جرس البيت يرن و ولج أب الزوج.....
السلام عليكم...........
عليكم السلام يا حاج...........
كيف حالك.......
بخير.........
أي.....أهلا زوجتي ابني .....مرحبا بك....كيف حالك؟؟
بخير يا حاج...
و بادرة لتقبيل يده و هي تشكره للسؤال عنها و في أعماقها لإنقاضه من زوجته..........
هل سافر عمر...
أجل يا حاج اتصل منذ ساعتين و أخبرني بتأخر طائرته عن موعدها المقرر, و لم أعاود الاتصال به....
حسناً, لا مشكلة سأتصل به في ما بعد لأطمئن عليه..............
ما هذا الذي تحمله يا حاج.؟؟؟؟؟
لقد أخبرني عمر قبل سفره عن قدوم زوجته للمكوث معنا خمسة أيام, لذلك أردت أن نستقبلها بطعام جاهز على شرفها, أنا أعلم أنها متعبة, فأرحتكم اليوم من الأكل و غسيل الصحون و غيره......سأذهب لغرفتي و أتصل بعمر لأطمئن عليه و أنصرف و تواري خلف باب غرفته.............
حمدة الزوجة الله على ما فعل الحاج, فقد أنقضها من دخول المطبخ و حالتها لم تكن تسمح بالدخول سوي لمكان واحد فقط, غرفة الضيافة و الخلود للنوم.....
هاي.....أين أنت احملي الأكياس و أتبعيني الى المطبخ..........
حاضر يا أمي.........
حضرت صفرة الأكل و كان الجو أكثر هدوء لحضور الحاج فمنع كل نوع من أنواع الاستفزاز, و أضفي جو من الرزانة في المكان..... أخبرهم عن مكالمته مع عمر و ركوبه الطائرة الى بلاد الضباب..........
اليوم هو اخر أيامها المظلام في هذا البيت , لم يكن فيه أي بصيص من النور, استحملت كل الاهانات ,الكلام الغير لائق و المضايقات لا لسبب الا لأنها تحب زوجها و تقدر الوعد الذي قطعته على نفسها أمامه أن تهتم لوالديه خلال غيابه, فأوفت بوعدها و قاربت على أنهاء فترة سجنها كان كبيت أشباح, لا علاقة له ببيوت البشر العاديين...... اليوم ربما سيكون أصعب الأيام الخمسة كلها, فهو اليوم الاخير و الأم ستستخدم اخر حيلها لإثارتها و دفعها لأن تفعل ما لا يغتفر, هي متيقنة أن ابنها أساء الاختيار و ما هي سوى حيَةِ في ثوب أنثي, و في مرات كثيرة تصبح حرباء تتلون حسب الظرف و المكان.......
هيا قومي......الحاج على وشك الرجوع من المسجد, قومي ايتها الكسولة و جهزي الفطور, أم تريديني أن أفعل ذلك بنفسي؟؟؟....
قامت و عيونها مليئة بالتعب و الاعياء لكن فيها قليل من البريق فهو يومها الاخير في هذا السجن......
حسنا أمي.... أنا قادمت........................
جهز الفطور و التف ثلاثتهم حول الطاولة, لكن الأم أرادة أن تبدأ معركة اليوم باكراً.......
اذا لقد كلمت عمر في الموضوع يا حاج؟؟؟؟؟؟؟
أي موضوع يا حاجة؟؟؟؟............
موضوع بنت عمه......
اه....أجل هو يقول أنه ليس لديه مانع في أن تكون معه, و سيهتم بها و يعمل على راحتها قدر المستطاع, فهي قبل كل شيء ابنت عمه.......
أجل يا حاج..... و هو لطالما كان يستلطفها و يميل اليها, و هي كذلك كانت معجبة به لدرجة الجنون............
أجل يا حاجة, فعلا.........
ضاعت الزوجة المسكينة و لم تعد تقدر على التفكير و لا التقدير, هل يعقل أن يكون عمر قد اتخذ قراراً بالزواج من ابنت عمه؟.......كيف لم يخبرها بذلك؟؟؟؟....كيف لم يلمح لها؟؟.........كيف يتخلى عنها و هي التي أحبته حتى الجنون........كيف يفعل هذا و يدعي انها حبه الأول و الأخير....ألم يعادها على عدم التخلي عنها مهما كانت الظروف......ما عيبي........هل أنا..........يا الهي........معقول.......ان أكون.............لا.........لا....لا يمكن يا الهي ألهمني الصبر ..............
أبو يوسف المسيلي........................................
دقت الباب و انتظرت قليلا ليفتح الباب على وجه عبوس مقطب الجبين, انه وجه أم زوجها و التي جرت العادة على مناداتها بأمها كما هو الحال في كل الأسر, لكن بالنسبة لها فهي تلفظ الاسم بلسانها و قلبها يرفضه و لا يعترف بهذه الأمومة, فأصبح لفظ كلمة أمي في حالة أم زوجها عادة تقال باللسان و لا تعبر عن ما في القلب.
أهلا أمي......كيف حالك؟.
بشيء من النفور ردت الأم....هذه أنت!!!!! أهلا....
تقدمت الزوجة معانقةٌ الأم و لكنها أحست ببرودة و جمود حاولت أن تزيله بابتسامة مصطنعة علها تريح أعصابها المشدودة أصلا.
تفضلي بالدخول (بشيء من الفتور)....
هل سافر عمر ؟...
أجل توجه للمطار منذ حوالي الساعتين و من المقرر أن تقلع طائرته الخامسة مساءاً ان لم يكن هناك أي طارئ.
اه.....و لما تأخرت في القدوم؟؟؟....
أم أنك عرجت على أمك قبل القدوم هنا.......
وجدت نفسها أمام تهمة هي ليست في حاجة لتبرئتها و لكنها مجبرة في موقف كهذا أن تعيد الأحداث كما وقعت معها دون زيادة و لا نقصان, فهي لم تَتَعَوَد على الكذبْ و لنْ تجربه أبدا, فهي كالورقة البيضاء الناصعة البياض.....
لا يا أمي و الله لم أبرح جدران منزلي الا باتجاه بيتك غير أني قمت ببعض الأعمال المنزلية ما جعلني أتأخر, و قبل خروجي أحكمت غلق الأبواب و النوافذ و أتيت اليك مباشرة.....
كانت تُقْسِمُ و تُغْلِظُ الأيمان و كأنها أمام قاضي تحقيق, كانت تعلم رغم قَسَمِها أنها لا تزال متهمة في نظر أم زوجها.........
مرت دقائق الاستقبال ان صح ان نسميه كذلك بخير رغم نظرات الأم التي تشوبها الكثير من الغمزات و اللمزات من تحت نظاراتها الطبية العتيقة.....
أعذريني أمي...... سأذهب لغرفة الضيافة لأضع أغراضي, قالت الزوجة منهيةً حالة الركود بينهما........
حسناً...و لكن بسرعة....
همست الأم لنفسها و أخذت تكلمها......
سأجعل أيامك الخمسة معي تمر كخمس سنين.........
سأجعلك تندمين على يوم زواجك من أبني........
ستدفعين ثمن عدم حصولنا على أحفاد حتى اليوم........
سأجعلك تعملين في هذا البيت كثور في ساقية........
دخلت الزوجة غرفة الضيافة و هي تكاد تنفجر من الغيظ و لا يمنعها من الرد سوى خيال زوجها الذي لا يكاد يغيب عن خاطرها و هو يوصيها بوالديها خيراً, و بينما هي سارحت في خيال زوجها اذ بهاتفها المحمول يرن.
انه زوجي العزيز..........
الو....... السلام عليكم........مساء النور......
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...........
كيف حالك يا وردتي الفواحة.........
بألف خير الحمد لله..... هل وصلت .........
أجل....أنا الان في مطار هواري بومدين الدولي, حيث قمت بكل إجراءات السفر و أنا الان في قاعة الانتظار............
جميل.....و متى الاقلاع ؟؟؟؟
للأسف من المفروض أن يكون بعد ساعة و نصف من الأن......
و لما الأسف..؟؟؟!!!!!!!!!!..... هل هناك تأخير في المواعيد؟؟؟؟
ليس بالتأخير الكبير......هي فقط ثلاث ساعات تأخير عن الموعد المفترض, كنت دائما أعتقد أنها مجرد اشاعات, و تضخيم للأمور حينما كنت أقرأ في الجرائد لكن الان أستطيع أن أخبرك ان المعلومات المقدمة حول تأخر الرحلات هي حقيقة و ليست خيال.........
هَوِنْ عَلَيْكَ....بعد بضع ساعات ستكون في قارة اخرى....مع أناس اخرين....و بنات جميلات....
لكم أشتاق لرؤية الشقراوات............
أوروبا......ها ها ها ها ...... لا طبعاً أنا أمزح.....و هل هناك أجمل, أرق, و أَحَنْ من نساء الجزائر......... عزيزتي ألا زلتي في المنزل؟؟؟؟؟
لا أنا عند أمك وصلت مذ النصف ساعة تقريباً.
و كيف حال أمي و أبي...
أمك بألف خير...غير أن أبوك ليس بالمنزل لم أره بعد....
و كيف كان استقبال أمي؟؟؟؟
لم تكن تريد تكدير صفوه و هو على سفر........
كان استقبال جيدا جدا...........
سمعت صوت صراخ أم زوجها الذي كان يصدح في صالة الاستقبال......
أين أنت؟؟؟ لم كل هذا التأخير..............
عذراً عزيزي لكنها أمك تنادي مضطرة أنا لقطع الاتصال....
حسناً حبيبتي, سلامي الحار لك, و لأمي و أبي.....مع السلامة......
مع السلامة حبيبي..............
نعم أمي أنا قادمة.......
و ما أن همت بفتح الباب حتى وجدت الأم في وجهها كأنها بركان ثائر....و بدأت بنفث الحمم من فمها دون سابق انذار......
أين كل هذا الوقت........أم أنك جئت لتنامي و تخلدي للراحة و أقوم على خدمتك.......
لا يا أمي.... كنت أكلم عمر, لقد اتصل و هو يبلغك سلامه, يقول أن طائرته تأخرت لثلاث ساعات أخرى......
و لما لم يتصل على هاتفي أم جعلك مرسالاً بيني و بينه, أو ربما صرت أقرب له مني...........
لا.... ليست الأمور هكذا يا أمي...
و أصبحت مرة أخرى مجبرة على تقديم تبريرات هي في غنى عنها..............
و همت بالكلام..........
لكن الأم اسكتتها بإشارة من يدها معلنة عن نهاية الوقت المخصص لها و كأنها قاضي تحقيق ينهي مرافعة محامي لم تكد تبدأ.........
اسمعي ابني أنا أعرف كيف أتصرف معه لاحقاً, أما أنت فلا تظني نفسك هنا لتأخذي قسطا من الراحة, ألا ترين أن المنزل متسخ و يحتاج للكثير ليصبح نقي...
لا مشكلة يا أمي, سأفعل ما تشائين و لكن أحتاج لبعض الراحة اليوم فلقد قمت بالكثير من الأعمال في بيتي و أنا متعبة جداً, فأعذريني فقط اليوم و غداً أفعل ما تشائين انشاء الله............
غدا......حقا.........هل تظنين أن بيتي سيكون نزلاً أو فندقاً لراحتك......اسمعي انت هنا لخدمتي و ليس العكس..........
بدأت الغدة النخامية بأرسال الأوامر لغدة الأدر ينال التي تستجيب في حالات الغضب بسرعة افرازها للأدرينالين لكنها تمالكت نفسها في اخر لحظة مجنبة نفسها موجة غضب عارم, استغفرت ربها و استعاذة من الشيطان الرجيم تناست تعبها, مصطنعة ابتسامة أقرب للعبوس و قالت:
حسناً يا أمي......كما تشائين....أين هي أدوات التنظيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟........
بصوت فيه مزيج بين السخرية و التوبيخ........و أين توضع مواد التنظيف؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فهِمَتْ أنه يتوجب عليها التوجه للحمام, توجهت و هي تجر نفسها كجندي يرجع من معركة خاسرة, تناولت ما يستلزم للتنظيف و بدأت معركة تكاد تكون خاسرة فلقد كانت منهكة في تفاني جاهدة أن تعطي أفضل ما عندها فبالنسبة لها أيضا هو امتحان من الأم و يجب أن لا ترسب فيه...... استغرق تنظيف البيت الوقت الكثير و الجهد, و بين الفينة و الاخرى كانت تمر الأم من أمامها و تشير بأطراف يدها لأماكن مدعية أنها لم تنظف جيدا, على الرغم من أن الزوجة المسكين تفعل كل ما في وسعها..... كانت حالتها شبيهة بحالة العبيد السود حينما كانوا يعاملون دون الحيوانات (أكرمكم الله)...كانت تفكر بصوت يكاد يكون مسموعاً من البشر أمثالها لكن لا يمكن أن يسمع من أمثال أم زوجها, لماذا تفعل بي كل هذا؟؟؟؟..... الأولاد... لم تكن راضية بزواجي...... و ما دخلي بكل هذا....انا لم أكن أعلم بكل ما تقول من قصص....كانت تريد تزويجه غيري.... و لكنه هو من تقدم لي و لم أكن أعرفه أصلا.....لقائنا كان صدفة...و علاقتنا كانت سريعة...و حبنا كان مثالا للسعادة....لو لا.........
أين تسرحين.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!...........
ما هذا هنا..؟؟؟؟..... الا ترين هذه الاوساخ.....أم أنك عمياء.....اذا كنت كذلك فلأطلب من عمر عمل نظارات لك......
أمي لقد فعلت المستحيل لإزالة هذه البقع تبدوا قديمة جدا, ربما احتاج لنوع معين من مواد التنظيف لإزالتها فالماء لا يكفي......
انت من يحتاج لتنظيف لما بداخلك من غل و حقد تجاهي.....انا متأكدة انك لن تفعلي يوما شيء يرضيني لأنك تتعمدين إغاظتي و تفوير دمي.....
هيا....أسرعي فزوجي على وشك الوصول و يجب ان تنهي كل شيء سريعاً....
ألم تسمعي ما قلت لك.....أم أنه لا يروق لك..............
رجعت الزوجة للعمل و لم يُصَبِرهَا سوي خبر قدوم والد زوجها فرغم قسوته عليها الا أنه في كل الحالات أرحم من الأم.........ربما سينصفها أو ينتصر لها....أو عل حضوره يجبرها على تلطيف كلامها احتراما لوجوده........
أنهت عملها و لم يعد في مقدورها حمل حتى جسدها النحيل المثقل من كثرة الأشغال, و ما كادت تأخذ أنفاسها فوق الأريكة الرابضة وسط الصالون حتى سمعت الأم تقول لها.....ها هل ارتحت.......هيا قومي معي للمطبخ......
و قبل أن تقوم من مكانها كان جرس البيت يرن و ولج أب الزوج.....
السلام عليكم...........
عليكم السلام يا حاج...........
كيف حالك.......
بخير.........
أي.....أهلا زوجتي ابني .....مرحبا بك....كيف حالك؟؟
بخير يا حاج...
و بادرة لتقبيل يده و هي تشكره للسؤال عنها و في أعماقها لإنقاضه من زوجته..........
هل سافر عمر...
أجل يا حاج اتصل منذ ساعتين و أخبرني بتأخر طائرته عن موعدها المقرر, و لم أعاود الاتصال به....
حسناً, لا مشكلة سأتصل به في ما بعد لأطمئن عليه..............
ما هذا الذي تحمله يا حاج.؟؟؟؟؟
لقد أخبرني عمر قبل سفره عن قدوم زوجته للمكوث معنا خمسة أيام, لذلك أردت أن نستقبلها بطعام جاهز على شرفها, أنا أعلم أنها متعبة, فأرحتكم اليوم من الأكل و غسيل الصحون و غيره......سأذهب لغرفتي و أتصل بعمر لأطمئن عليه و أنصرف و تواري خلف باب غرفته.............
حمدة الزوجة الله على ما فعل الحاج, فقد أنقضها من دخول المطبخ و حالتها لم تكن تسمح بالدخول سوي لمكان واحد فقط, غرفة الضيافة و الخلود للنوم.....
هاي.....أين أنت احملي الأكياس و أتبعيني الى المطبخ..........
حاضر يا أمي.........
حضرت صفرة الأكل و كان الجو أكثر هدوء لحضور الحاج فمنع كل نوع من أنواع الاستفزاز, و أضفي جو من الرزانة في المكان..... أخبرهم عن مكالمته مع عمر و ركوبه الطائرة الى بلاد الضباب..........
اليوم هو اخر أيامها المظلام في هذا البيت , لم يكن فيه أي بصيص من النور, استحملت كل الاهانات ,الكلام الغير لائق و المضايقات لا لسبب الا لأنها تحب زوجها و تقدر الوعد الذي قطعته على نفسها أمامه أن تهتم لوالديه خلال غيابه, فأوفت بوعدها و قاربت على أنهاء فترة سجنها كان كبيت أشباح, لا علاقة له ببيوت البشر العاديين...... اليوم ربما سيكون أصعب الأيام الخمسة كلها, فهو اليوم الاخير و الأم ستستخدم اخر حيلها لإثارتها و دفعها لأن تفعل ما لا يغتفر, هي متيقنة أن ابنها أساء الاختيار و ما هي سوى حيَةِ في ثوب أنثي, و في مرات كثيرة تصبح حرباء تتلون حسب الظرف و المكان.......
هيا قومي......الحاج على وشك الرجوع من المسجد, قومي ايتها الكسولة و جهزي الفطور, أم تريديني أن أفعل ذلك بنفسي؟؟؟....
قامت و عيونها مليئة بالتعب و الاعياء لكن فيها قليل من البريق فهو يومها الاخير في هذا السجن......
حسنا أمي.... أنا قادمت........................
جهز الفطور و التف ثلاثتهم حول الطاولة, لكن الأم أرادة أن تبدأ معركة اليوم باكراً.......
اذا لقد كلمت عمر في الموضوع يا حاج؟؟؟؟؟؟؟
أي موضوع يا حاجة؟؟؟؟............
موضوع بنت عمه......
اه....أجل هو يقول أنه ليس لديه مانع في أن تكون معه, و سيهتم بها و يعمل على راحتها قدر المستطاع, فهي قبل كل شيء ابنت عمه.......
أجل يا حاج..... و هو لطالما كان يستلطفها و يميل اليها, و هي كذلك كانت معجبة به لدرجة الجنون............
أجل يا حاجة, فعلا.........
ضاعت الزوجة المسكينة و لم تعد تقدر على التفكير و لا التقدير, هل يعقل أن يكون عمر قد اتخذ قراراً بالزواج من ابنت عمه؟.......كيف لم يخبرها بذلك؟؟؟؟....كيف لم يلمح لها؟؟.........كيف يتخلى عنها و هي التي أحبته حتى الجنون........كيف يفعل هذا و يدعي انها حبه الأول و الأخير....ألم يعادها على عدم التخلي عنها مهما كانت الظروف......ما عيبي........هل أنا..........يا الهي........معقول.......ان أكون.............لا.........لا....لا يمكن يا الهي ألهمني الصبر ..............
أبو يوسف المسيلي........................................