- إنضم
- 13 أفريل 2013
- المشاركات
- 14,618
- نقاط التفاعل
- 54,537
- النقاط
- 1,756
- العمر
- 31
- محل الإقامة
- قسنطينة
- الجنس
- أنثى
تذآكِرُ مِن سينمآ الحيـــآة
التذكرة الأولى
فيلم { خلف قُضبــان الندّم }
[FONT="]{السجن ليس للرجال كما يقال .. بل هو مكانٌ للمجرمين .. الخَونة .. وكل من ليس له أخلاق .. }، هذا ما كان يدور في ذهن شابٍ يبلغ من العمر خمساً وعشرين سنة، وفجأة قُطعت حبال أفكاره بسبب ضغطة قوية من أحد الممرضين على جرحه جعلته يتألم بصوت مسموع، نظر إليه الممرض بنظرة غضب ثم قام من مكانه وهو يتمتم بين شفتيه {يقومون بارتكاب أبشع الجرائم دون ان يرف لهم جفن .. والآن يدّعون الألم بسبب جرح بسيط .. حقاً منافقون}، سكت ذلك الشاب دون أن يضيف حرفاً واحداً وقد ظهر حُزنٌ شديد على وجهه.[/FONT]
اقترب منه فجأة الطبيب وابتسامة ودودة على وجهه وهو يقول { لا تهتم بما قاله لك ذلك الممرض فهو دائما هكذا .. سأواصل تضميد جرحك بدلاً منه }، بقي الشاب محافظا على سكوته وهدوئه ولكن بداخله كان هناك حوار قاسٍ يدور بينه وبين نفسه ، { جراحُك بليغة .. ولكنها ستشفى بسرعة شرط أن لا تبذل جهداً كبيراً } استيقظ الشاب من شروده بسبب كلام الطبيب المفاجئ ثم حرّك رأسه موافقاً دون إضافة كلمة، ابتعد الطبيب بعدما انتهى من تضميد جراح الشاب وأخذ يرتب أدواته الطبية بهدوء ثم قال { كم من الوقت ستظلّ هنا ؟ أقصد في السجن }، بقي الشاب ساكتا لبعض الوقت ثم أجاب بسخرية وهو يبتسم { ربما إلى الأبد } ، أجاب الطبيب بسرعة وهو مستغرب {إلى الأبد؟؟ .. هل حكموا عليك بالمؤبد ؟؟ .. هل قتلت أحدهم؟ } ، أنزل الشاب رأسه وهو يفكر ثم أجاب { لقد ضربت أحدهم ضرباً مبرحاً ولا أدري إن كان حياًّ أو ميتاً ... ولكن بما أنهم لم يقوموا بمحاكمتي بعد فهذا يعني أنه لا يزال على قيد الحياة} ، ارسل الطبيب نظرات حيرة وفضول وهو يحدق بذل الشاب ثم قال{ هل من ضربته صديقك؟؟ } ، { لا .. لم يسبق لي رؤيته } أجاب الشاب وهو يحرك رأسه يمينا ويساراً ، فقال الطبيب{ لا تعرفه ؟؟ .. إذن هل يمكن أنك كنت ثملاً ؟ } أجاب الشاب{ بل كنت في كامل قواي العقلية }، ازدادت حيرة الطبيب بعد ما سمعه من ذلك الشاب ثم قال{ إذن لماذا ضربته ؟}، سكت الشاب دون أن يجيب بكلمة مما جعل الطبيب يدرك أنه لا يريد مواصلة الحديث، فابتسم الطبيب وقال{ لا بأس إن احتفظت ببعض الأسرار فأنا لن أجبرك على مواصلة الحديث .. ولكن ما جعلني اصرّ على سؤالك هو هيأتك وتصرفاتك .. فهي لا توحي بأنّك مجرم خطير .. ولكن إن أردت يوماً الحديث معي فستجدني جاهزاً للاستماع إليك }، عاد الطبيب لترتيب أدواته بينما بقي ذلك الشاب يحدق به وهو يحاور نفسه قائلا {لقد مرّ شهران منذ دخولي السجن ولم يزرني أحد .. تركني أهلي .. أصدقائي .. وكل من أعرفهم .. وكيف لا وقد صرت مجرماً ورجل سجن؟ ..فلا أحد يرغب بمصاحبتي ولا حتى بسماع ما يختلج صدري .. هل محاورة هذا الطبيب لن تضرني؟؟ .. يبدو شخصاً طيباً } ، وبينما كان الطبيب يرتب أغراض خزانته حتى صدر صوت من ذلك الشاب{ لقد ضربته لأنه كان يحاول الاعتداء على زميلة لي في العمل} ، استدار الطبيب متفاجئاً ثم ترك ما بيده واقترب من الشاب بسرعة وهو يسحب كرسياً ليجلس عليه وقال{أعد ما قلته}، أجاب الشاب { بالرغم من أنني لا أعرف ذلك الشاب إلاّ أنني ضربته ضرباً مبرحاً .. وذلك لأنه كان يحاول الاعتداء على زميلة لي في العمل} ، انعقد لسان الطبيب من دهشته ثم قال{ هل اخبرتهم بهذا الأمر عند الاستجواب؟ }، فأجاب الشاب{ لا .. ولا يمكنني فعل ذلك }، ازداد استغراب الطبيب بعد ما سمعه وقبل أن يطرح سؤاله أجابه الشاب{ أنت مستغرب لأنني أرفض الإفصاح عن هذا الأمر أليس كذلك ؟ ولكنني مضطر لذلك .. فالشاب الذي ضربته يكون صديقاً سابقاً لزميلتي في العمل .. ولأنها هجرته وقررت الارتباط بغيره أراد الانتقام منها .. واذا اخبرت الشرطة انني كنت انقذ شابة من الاعتداء فسيقومون بالبحث عن هذه الشابة والتحقيق معها .. عندها سيسبب ذلك ضرراً لها وقد تنفصل عن خطيبها بسببي } سكت الشاب قليلا ثم ابتسم وقال { لقد سبق وأن مثلت دور البطل وحميت شرفها .. فهل تريدني ان استسلم واخسر المعركة بسبب اعتراف صغير؟؟ } ، بقي الطبيب ساكتا يتأمل الشاب جيداً ّ{ شابٌ في مقتبل العمر .. دخل السجن بسبب شهامته ورجولته .. ولكن هل يوجد في هذا الوقت من يقدر مثل هذه التضحية ؟ .. قصته غريبة جداًّ ولا أكاد اصدقها } هذا ما كان يحاور به الطبيب نفسه ثم تنهد وقال{ لو كنت مكانك لما تدخلت وانقذت هذه الفتاة ولكن ... لا تقلق ستفرج عن قريب .. أما الآن عليك الإسراع فالحارس ينتظرك أمام الباب } ، ابتسم الشاب وشكر الطبيب لأنه استمع إليه بعد شهرين من الكتمان وبينما كان متجها نحو الباب قال{ أرجو أن يبقى حديثنا سراً بيننا } فحرك الطبيب رأسه موافقا ، فابتسم الشاب وخرج من الغرفة تاركاً الطبيب غارقاً في بحر من التفكير.
سحب الحارس الشاب من ذراعه بقوّة وقال له باستهزاء { اسرع فغرفتك تنتظرك }، وبعدما أوصله لزنزانته الانفرادية دفعه بقوّة للداخل وأغلق الباب.
{ غرفة ؟؟ .. وهل يحقّ لهذا المكان الموحش أن يلقّب بغرفة ؟؟ .. أوجه التشابه بينه وبين الغرفة هو وجود باب وحيطان وسقف فقط } هذا ماقاله الشاب فور دخوله، ثم جلس بهدوء في أحد زوايا ذلك المكان البارد ورفع رأسه باتجاه تلك النافذة الصغيرة التي تعانقها القضبان الحديدية فلمح القمر مضيئاً بأنواره الفضية وقال:{لقد حل الظّلام إذاً ؟ }، ثم أخذ يمرّر ناظريه على زوايا تلك الزنزانة الموحشة والخالية من أي أثاث .. كلّ ما يميزها هو ذلك الباب الحديدي الكبير وتلك النافذة التي ترسل أشعة الشمس الدافئة كل صباح وضوء القمر الهادئ كل ليلة .. ولكن .. لا مشاعر ولا صديق ولا أهل .. سوى حيطان باردة قاسية مظلمة، تنهد الشاب بيأس وأسند رأسه المثقل بالهموم على الحائط وشرد بفكره لبعض الوقت مما جعله يرسل ابتسامة هادئة، فقد كان يحاور نفسه قائلاً { في هذا الوقت .. يجلس والدي عند التلفاز ليشاهد آخر أخبار العالم .. أخي الصغير يراجع دروسه بهدوء وهو يقلب قلمه يمينا ويساراً مفكراً في حلّ لتلك المسائل المبهمة .. أختاي الصغيرتان تجلسان بجانب المدفأة تلعبان وتتشاجران على تلك الدمية صاحبة الشعر الأشقر والفستان الأحمر .. و أمي .. ترتب الطعام على الطاولة ثم تنادي بصوتها الحنون " هيا إلى الأكل" .. ضحكاتهم تملأ زوايا ذلك البيت الصغير .. ودفئ مشاعرهم يعبّق حيطانه .. اشتقت حقا لذلك البيت }، اختفت الابتسامة فجأة من وجه ذلك الشاب وظهرت مكانها دموع حزن حارقة .. لم يستطع الشاب التحكم فيها بعدما مرّ على ذاكرته سربٌ من الذكريات الجميلة .. ولكنه في النهاية مسح دموعه واستسلم لواقعه المؤلم، وفجأة صدر صوت من الباب .. التفت الشاب ليلمح صحن الطعام ينسحب من تحت الباب يتبعه صوت الحارس " لقد حان وقت الأكل" ، حدّق الشاب بالصحن طويلا ثم قال{ نفس الطعام مجددا .. ذلك الخبز البالي المتحجر وذلك الحساء المصنوع من بقايا الخضار المعفنة .. سأعدّل جملتي .. "السجن ليس للرجال كما يقال .. بل هو مكانٌ للمجرمين .. الخَونة .. ومكان لأسوء الطباخين "} ، ابتسم الشاب للحظة وقد ادرك أنه لا داعي للحزن .. فلا مكان لليأس مادام يتنفس فربما قد يحمل له الغد من الخير ما لا يعلمه، عندها نزع سترته واستلقى على تلك الأرضية المتجمدة .. واستخدم تلك السترة كغطاء دافئ .. ووضع يده تحت خده مستخدما إياها كوسادة .. ثم أغمض عينيه آملاً في غدٍ جديد ومشرق.
يتبع ...
يتبع ...
بقلمي لؤلؤة قسنطينة
ملاحظة: انتظر ردودكم مهما كانت، فانتقاداتكم تهمني
آخر تعديل بواسطة المشرف: