- إنضم
- 13 أفريل 2013
- المشاركات
- 14,618
- نقاط التفاعل
- 54,537
- النقاط
- 1,756
- العمر
- 31
- محل الإقامة
- قسنطينة
- الجنس
- أنثى
تذآكِرُ مِن سينمآ الحيـــآة
التّذكرة الأولى: فيلم { خَلف قُضبآن النّدم }
التّذكرة الثانية: فيلم { آخِرُ أُمنية }
التذكرة الثالثة
فيلم { دُموعُ اليآسمين }
في ذلك الصباح الدافئ حيث أطلت الشمس من خلف الأفق في خجل معلنة بداية يوم جديد ..وفي أحد زوايا ذلك البيت .. وبالضبط في تلك الغرفة التي جلست عند حافتها العصافير تنشد ألحانها الشجية، تجلس تلك السيدة التي تبلغ من العمر خمساً وخمسين عاما على كرسي بجوار سرير زوجها طريح الفراش .. وهي تقلب بهدوء صفحات القرآن الكريم و تتلو آياته بصمت .. لقد ظلت طول الليل مستيقظة تجلس بجواره تسهر على راحته وتراقب حرارته المرتفعة، وما أن أنهت القراءة حتى أزاحت نظاراتها الطبية بهدوء عن وجهها ووضعتها جانبا وحملت المصحف بعناية بهدف وضعه فوق تلك الخزانة التي تجاور سرير زوجها بجانب ادويته .. وكيف لا تضعه قرب الأدوية وهو أفضل دواء ومنه الشفاء، وفجأة لمحت زوجها مستيقظا يراقب حركاتها، أرسلت ابتسامتها المعتادة المشرقة التي تغطي ذلك الوجه المرهق وقالت بصوت حنون {صباح النور ..إذن استيقظت؟ .. لم أنتبه لذلك}، بادلها زوجها الابتسامة ثم أجابها بصوت متعب {صباح الخير .. رايتكِ منغمسة في تلاوة القرآن فلم اشأ إزعاجكِ}، قامت الزوجة من مكانها وتحسست جبين زوجها الذي غادرته الحرارة بسبب الكمادات الباردة التي لم تفارق جبيه طوال الليل فظهرت ابتسامة جميلة على وجهها وأضافت قائلة {وأخيراً انخفضت حرارتك } ثم رفعت غطاء سريره بعناية حتى تمنع الهواء البارد من التسلسل لجسده الضعيف واتجهت نحو النافذة وهي تبعد الستائر عن واجهتها بهدف فتحها وتهوية الغرفة ثم اضافت في عجل{سأُحْضر لك الفطور حالاً} أجاب زوجها وهو يتمسك بغطاء سريره بسبب نسيم الصباح البارد الذي تسرب من النافذة {دعينا نتحدث لبعض الوقت ثم نتناول الفطور فيما بعد}، ردت زوجته وهي تغادر الغرفة {هل نسيت أن اليوم جمعة؟ .. إنه يوم عُطلة .. سيحضُر الأطفال بعد قليل}، تنهد زوجها بعدما تذكر أن اليوم هو الجمعة حيث يتجمع الأطفال في بيته للاستفادة من الدروس الخصوصية التي تقدمها زوجته، ثم شرد لبعض الوقت يتأمل النافذة وهو يراقب أغصان الأشجار المثمرة التي ارتفعت حتى صارت بمستوى نافذته وكيف تقفز العصافير بتناغم عليها وهي تفتتح صباحها بطعم الثمار الشهية {يبدو الإرهاق الشديد ظاهراً على وجهها .. ولم يبقى من ملامحها سوى تلك الابتسامة البريئة التي تشبه ابتسامة فتاة عشرينية .. فمنذ أن اصابني هذا المرض الجلدي اللعين قبل سبعة أعوامٍ وجعلني طريح الفراش وهي تقوم بدورِ الزوج والزوجة معاً .. تساعدني في كل ما يصعب علي فعله .. تغادر البيت في الصباح الباكر ثم تعود مثقلة بتلك المشتريات التي يعجز عن حملها شخص في ريعان شبابه .. بالإضافة إلى أنها تساعد الأطفال في دروسهم لكسب القليل من المال وشراء الطعام والأدوية لي .. كما أنها لا تنام ليلاً إلا لدقائق معدودة بسبب سهرها الدائم على راحتي .. آه لو لم تخذلني قدماي ويداي التي تحرمانني حتى من رفع كوب الحليب لمَا تركتها تتحمل العبء بمفردها} ثم أخذ يتأمل يديه العاجزتين وهو يحرك أصابعه الميتة بصعوبة .. تلك الأصابع التي لا يمكنها سوى الضغط على أحد أزرار جهاز التحكم أو التمسك بصعوبة بذلك الغطاء الدافئ، ثم فجأة قُطعت حبال أفكاره بسبب دخول زوجته وهي تحمل طبق الفطور بين يديها .. وضعته جانبا وقامت بمساعدة زوجها على الجلوس ووضعت منديلا على عنقه ثم قربت منه طبق الفطور لتطعمه كالعادة، تأمل الزوج طبق الفطور المغري وخاصة ذلك الكأس الذي به بعضٌ من زهور الياسمين الناصعة، ابتسم وخاطب زوجته قائلا {زهور الياسمين مجددا؟؟}، ابتسمت الزوجة وردت قائلة {لزهور الياسمين البيضاء اثر إيجابي على النفس .. مثلا تفتح شهيتك .. وتجبرك على التصديق بأنه لا يزال هنالك أمل في الحياة .. وكالعادة وضعت بعضاً منها في طبق فطورك والباقي وضعته هنا .. على طاولة الدواء .. على الأقل لن تنزع من منظر الغرفة الكئيب .. أما الآن افتح فمك لتتناول الفطور}، أشاح الزوج بوجهه رافضاً الأكل من يدها وأضاف قائلا {يمكنني فعل ذلك بمفردي .. تعلمين أنه يمكنني تحريك اصابعي على عكس ارجلي المتصلبة .. لذلك يمكنكِ الذهاب لترتيب البيت .. فسيصل الاطفال بعد قليل}، فردت عليه قائلة {كل شيء جاهز .. فقد استيقظت باكراً بعدما نمت تلك الساعات القليلة .. ورتبت البيت .. حتى الغذاء وقد تركتهُ يُطهى على نار هادئة .. لذلك ....} وفجأة رن جرس الباب، فأضاف زوجها قائلا {كما توقعت ..لقد وصل الأطفال }، قامت الزوجة من مكانها متثاقلة وقالت له وهي تغادر الغرفة { حسنا .. ولكن لا تتناول فطورك بمفردك وانتظرني ريثما انهي تدريس الصغار .. وان اردت مشاهدة التلفاز فجهاز التحكم أمامك .. وان احتجت لشيء لا تتردد في مناداتي}، حرك الزوج رأسه موافقا وهو يشير لزوجته بالذهاب فقد تأخرت على ضيوفها،، فتحت الزوجة الباب واستقبلت الأطفال كعادتها بابتسامة مشرقة وجميلة ولسانها يفوح عطراً بتلك الكلمات الأنيقة والدافئة .. بينما هم يقبلونها ويعانقونها ويركضون باتجاه غرفة التدريس فرحين بقدوم يوم الجمعة " اليوم الموعود" حيث يأتون للدراسة عندها .. وكيف لا؟ وهي تحبهم وتعاملهم كأمٍ حنون، وبعدما ودّعت الزوجة أولياء الأطفال أغلقت الباب وتوجهت نحو المطبخ لإعداد صحن الكعك والحلويات الذي تعده كل ليلة خميس كعادتها ثم حملته لغرفة التدريس.
جلس أولئك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السبع والتّسع سنوات يتناولون الحلويات في سعادة بينما اكتفت الزوجة بمراقبتهم وقد خُتمت على وجهها ابتسامة جميلة {لم أتوقع يوماً أن اصل لهذا المستوى .. بعدما مرّت كلّ تلك السنوات المتعبة حيث كنت أتجول الشوارع بحثاً عن عمل أسدّ به جوع زوجي المريض وأسكت أنينه المتعب بعلب الدواء المسكنة ها قد وصلت لما يسمى بالاستقرار أو على الأقل أنا اقترب منه.. ها هي الغرفة مجهزة ببعض الطاولات والكراسي وسبورة وغيرها من المعدات التي يمكن ان تريح هؤلاء الصغار .. بالإضافة إلى أنني كسبت ثقة الأولياء .. فقد اضطررت سابقاً لتقديم الدروس في بيوت المعنيين بدلاً من قدومهم إلى هنا .. ولكن الحمدُ لله .. بعد سنوات من التعب وصلت للنتيجة التي كنت أتمناها} ثم استيقظت من شرودها بسبب أحد الأطفال وهو يسحب ثيابها بهدوء .. استدارت وسألته إن كان يحتاج مساعدة فأشار إلى يديه طالباً منها مساعدته في غسلهما بعدما اتسختا ببقايا ،ابتسمت بودّ وقد امتلأ قلبها فرحاً فكم تمنت طوال هذه السنين أن يرزقها الله بطفل جميل تلاعبه طول اليوم وتغسل ثيابه وتطعمه بيديها .. تنهدت للحظة بعدما مرّ أمام عينيها سرب من أحلام اليقظة، ثم قبّلت الصغير على جبينه بلطف وأمسكت بيده الصغيرة وأخذته باتجاه الحمام لتساعده على غسل يديه، ثم بعد ذلك عادت برفقته لغرفة التدريس وباشرت بتقديم الدرس.
مرّت الحصة هادئة كعادتها .. وفي نهايتها عاد الأولياء لاصطحاب أبنائهم ولم يبقى في البيت سوى ذلك الطفل الذي تأتي والدته متأخرة لاصطحابه كالعادة، جلست الزوجة بجانبه وأخذت تتأمل خجله الشديد بسبب بقائه وحيداً بينما غادر الجميع الغرفة .. فابتسمت وقالت بهدوء {هل ترغبُ في مشاهدة التلفاز؟ .. أم شرب كوب من العصير المنعش؟} أرسل الصغير نظرات الحيرة والاستغراب وقد اختفت ملامح الخجل والاضطراب من وجهه وأضاف قائلا {أريد الاثنين معاً} ضحكت الزوجة من كلامه ثم دعته للذهاب لغرفة زوجها فلا يوجد تلفاز إلا في تلك الغرفة، وبينما كانت الزوجة تضع أول خطواتها داخل غرفة زوجها وبصحبتها ذلك الطفل حتى تفاجأت بما رأته، كان كوب الحليب ملقاً على الأرض دون أن يُكسر فقد حمته تلك السجادة السميكة وكتمت حتى صوت سقوطه على الارض بينما لطخ الحليب الذي كان بداخله ملابس زوجها وغطاء سريره، قالت الزوجة في قلق{ هل أحرقك الحليب الساخن؟؟ .. هل تأذيت؟؟ .. ألم أطلب منك مناداتي إن احتجت لمساعدة؟؟} أجابها زوجها بهدوء بينما كان منغمسا مع الأخبار المعروضة على التلفاز وكأن شيئاً لم يكن{لا بأس .. لقد كنتِ مشغولة لذلك لم اشأ إزعاجكِ } اغرورقت عيناها للحظة بالدموع فهي تشعر بتلك الحروق التي تؤذي ذلك الجسد الهزيل الذي تكسوه تلك الندبات التي يخلفها ذلك المرض الجلدي اللعين ، مسحت عينيها بأطراف اصابعها ثم طلبت من الصغير الذهاب لغرفة الجلوس ريثما تنظف الغرفة.
يتبع ...
بقلمي لؤلؤة قسنطينة
ملاحظة: انتظر ردودكم مهما كانت، فانتقاداتكم تهمني
آخر تعديل بواسطة المشرف: