نبذة تاريخية عن نشأة علم المصطلح والأطوار التي مر بها
ففي هذا الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف مبدأ التثبت في أخذ الأخبار وكيفية ضبطها بالانتباه لها ووعيها والتدقيق في نقلها للآخرين.
وامتثالا لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يثبتون في نقل الأخبار وقبولها ، لا سيما إذا شكوا في صدق الناقل لها ، فظهر بناء على هذا موضوع الإسناد وقيمته في قبول الأخبار أوردها ، فقد جاء في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين : " قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم [4] وبناء على أن الخبر لا يقبل إلا بعد معرفة سنده فقد ظهر علم الجرح والتعديل ، والكلام على الرواة ، ومعرفة المتصل أو المنقطع من الأسانيد ، ومعرفة العلل الخفية ، وظهر الكلام في بعض الرواة لكن على قلة ، لقلة الرواة المجروحين في أول الأمر .
ثم توسع العلماء في ذلك حتى ظهر البحث في علوم كثيرة تتعلق بالحديث من ناحية ضبطه وكيفية تحمله وأدائه ، ومعرفة ناسخه من منسوخه وغريبه وغير ذلك ، إلا أن ذلك كان يتناقله العلماء شفوياً .
ثم تطور الأمر وصارت هذه العلوم تكتب وتسجل، لكن في أمكنة متفرقة من الكتب ممزوجة بغيرها من العلوم الأخرى كعلم الأصول وعلم الفقه وعلم الحديث ، مثل كتاب الرسالة وكتاب الأم للإمام الشافعي .
وأخيرا لما نضجت العلوم واستقر الاصطلاح ، واستقل كل فن عن غيره ، وذلك في القرن الرابع الهجري ، أفرد العلماء علم المصطلح في كتاب مستقل ، وكان من أول من أفرده بالتصنيف القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفي سنة 360هـ في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" : وسأذكر أشهر المصنفات في علم المصطلح من حين إفراده بالتصنيف إلى يومنا هذا .
[1] من سورة الحجرات ـ آية 6
[2] الترمذي ـ كتاب العلم ـ وقال عنه حسن صحيح .
[3] المصدر نفسه لكن قال عنه حسن ، وروي الحديث أبو داوود وابن ماجه .
[4] مقدمة صحيح مسلم
آخر تعديل: