الغيبة

رد: الغيبة

maxresdefault.jpg
 
رد: الغيبة

الآيات المتشابهات في القرآن الكريم

هناك بعض الآيات المتشابهات في القرآن الكريم التي تبدو للوهلة الأولى كأنها نفس الآية التي ذكرت في سورة قبلها، إلاّ أنّ المدقّق قليلا يجد فرقا في أحرف بسيطة ربّما (فـ)، بدل (واو) أو اختلاف في الفعل (انفجرت) بدل (انبجست) أو ربّما تطابقا تامّا في الآية، إلاّ أنّ هذا التّطابق لا يعني التّطابق في المعنى، لهذا كانت بعض دراسات أهل اللّغة تهتمّ بهذه الجزئيّّة من الذّكر الحكيم، وهذه بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر على اتّفاق اللّفظ واختلاف المعنى.
جاء في كتاب (أسرار التكرار في القرآن) لصاحبه (محمود بن حمزة الكرماني الشافعي)

(( جاء في قوله تعالى، (اسْكُن أنتَ وزوجُكَ الجنة وكُلاَ) البقرة/35 بالواو وفي الأعراف (فكُلا) الأعراف/19 بالفاء، (اسكُن) في الآيتين ليس بأمر بالسّكون الذي هو ضدّ الحركة وإنّما الذي في البقرة من السّكون الذي معناه الإقامة (وذلك يستدعي زمانا ممتدّا) فلم يصحّ إلاّ بالواو، لأنّ المعنى: اجمع بين الإقامة فيها والأكل من ثمارها، ولو كان (الفاء) مكان (الواو) لوجب تأخير الأكل إلى الفراغ من الإقامة، لأنّ الفاء للتعقيب والتّرتيب، والذي في الأعراف من السّكنى الذي معناها: (اتخاذ الموضع مسكنا)، لأنّ الله تعالى أخرج إبليس من الجنّة بقوله (اخرُج منهَا مذءُوما) الأعراف/18 وخاطب آدام فقال (ويا آدم اسُكن أنتَ وزوجُكَ الجنَّة) الأعراف/19 أي اتّخاذها لأنفسكما مسكنا (فكُلا من حيث شئتمَا) فكانت الفاء أولى، لأنّ اتخاذ المسكن لا يستدعي زمانا ممتدّا، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه، بل يقع الاكل عقيبه، وزاد في البقرة (رغدا) لمّا زاد في الخبر تعظيما، بقوله، (وقلنا) بخلاف سورة الأعراف، فإنّ فيها (قال)، والخطيب (درة التنزيل وغرة التأويل) ذهب إلى أنّ ما في الأعراف خطاب لهما قبل الدّخول، وما في البقرة بعد الدّخول.
قوله تعالى: (( وإذ قُلنا ادخُلوا هذه القريةَ فَكُلوا))البقرة/58، بالفاء، وفي الأعراف/161 بالواو، لأنّ الدخول سريع الانقضاء، فيتبعه الأكل، وفي الأعراف: (وإذا قيل لهم اسكُنوا) المعنى أقيموا فيها، وذلك ممتد فذكر الواو، أي اجمعوا بين الأكل والسّكون، وزاد في البقرة (رغدًا) لأنّه سبحانه أسنده إليه بلفظ التعظّم وقوله: (وإذ قلنا) خلاف ما في الأعراف، فإنّ فيه: ( وإذ قيلَ)، وقدّم (وادخُلوا الباب سجّدا) على قوله و(قولُوا حطّة) في هذه السورة، وأخّرها في الأعراف، لأنّ السابق في هذه السّورة (ادخلُوا) فبيّن كيفية الدّخول، وفي هذه السورة (خطاياكم)بالإجماع، وفي الأعراف (خطيئاتكم) مختلف لأنّ الخطايا صيغة الجمع الكثير ومغفرتها أليق في الآية بإسناد الفعل إلى نفسه سبحانه.
وفي هذه السورة (وسنزيد) وفي الأعراف (سنزيد) بغير واو، لأنّ اتصالها في هذه السورة أشد لاتفاق اللفظين واختلفا في الإعراب لأنّ اللائق (سنزيد) محذوف الواو ليكون استئناف للكلام، وفي هذه السورة (فبدّل الذين ظلموا قولا)، وفي الأعراف (ظُلموا منهم) لأنّ في الأعراف (ومِن قومِ مُوسى)ولقوله (منهُم الصالحون ومنهُم دونَ ذلك)
وفي هذه السورة (فأنزلنا علَى الذِين ظَلمُوا) وفي الأعراف (فأرسلنا) لأنّ لفظ الرّسول والرّسالة كثرت في الأعراف، فجاء وفقا لما قبله، وليس كذلك في سورة البقرة.
و كذلك قوله عزّ وجل (( فَتَمنوا الموتَ إن كُنتم صَادقينَ، ولن يتمنَّوه) البقرة/95، وفي الجمعة (ولا يتمنَّونه)/7، لأنّ دعواهم في هذه السورة بالغة قاطعة، وهي كون الجنّة لهم بصفة الخلوص، فبالغ في الردّ عليهم بـ(لن)، وهو أبلغ ألفاظ النفي، ودعواهم في الجمعة قاصرة مترددة، وهي زعمهم أنهم أولياء الله، فاقتصر على (لا).
وقوله عز وجل (رسالات ربي) الأعراف، في جميع القصص، إلاّ في قصّة "صالح" ـ عليه السلام ـ، فإن فيها (رسالة) على الواحدة، لأنّه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمَروا قومهم بها، إلاّ في قصة "صالح"، فإن فيها ذكر الناقة كأنها رسالة واحدة.
وقوله تعالى (ذلكُم وصاكم به لعلَّكم تَعقلون) الأنعام/151، وفي الثانية (لعلكم تذكّرون) 152،وفي الثالثة (لعلكم تتقون)، لأن الآية الأولى: مشتملة على خمسة أشياء كلّها عظام جسام، فكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا، فختم الآية الأولى بما في الإنسان من أشرف السجايا وهو العقل، الذي امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان، والآية الثانية: مشتملة على خمسة أشياء يقبح تعاطي ضدها وارتكابها، وكانت الوصية بها تجري مجرى الزجر والوعظ، فختم الآية بقوله، (تذكَّرون)، أي تتعظون بمواعظ الله، وفي الآية الثالة: مشتملة على ذكر الصراط المستقيم والتحريض على اتباعه، واجتناب مناهيه، فختم الآية بالتقوى التي هي ملاك العمل وخير الزّاد.))
هذه بعض الأمثلة اليسيرة في هذا الباب، وهناك بقيّة إن شاء الله
 
رد: الغيبة

قوله تعالى ((وَلئن اتّتبَعتَ أهواءهُم بعدَ الذي جَاءكَ من العلمِ)) البقرة/120 وفيها أيضا من ((مِن بَعد مَا جَاءكَ مِن العِلم)) البقرة/145، فجعل مكان قول (الذي) (ما) وزاد في أوله (من) لأنّ العلم في الآية الأولى علم بالكمال، وليس وراءه علم، لأنّ معناه: بعد الذي جاءك من العلم بالله وصفاته، وبأن الهدى هدى الله، ومعناه بأنّ دين الله الاسلام، وأنّ القرآن كلام الله، فكان لفظ (الذي) أليق به من لفظ (ما)، لأنه في التعريف أبلغ وفي الوصف أقعد، لأن (الذي) تعرفه صلته فلا يتنكر قط، وتتقدّمه أسماء الإشارة، نحو قوله تعالى(أمّن هذا الذي هو جند لكم) الملك/20، (أمَّن هذا الذي يرزقُكم) الملك/21، فيكتنف (الذي) بيانان: هما الإشارة قبلها والصلة بعدها، ويلزمه الألف واللام، ويثنى ويجمع، وليس لما شيئ من ذلك، لأنه يتنكّر مرة ويتعرف، أخرى، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة، ولا تدخله الألف واللام، ولا يثنى ولا يجمع.
وخصّ الثّاني (بما) لأنّ المعنى: من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة (الله) هي الكعبة، وذلك قليل من كثير من العلم، وزيدت معه (من) التي لابتداء الغاية، لأنّ تقديره: من الوقت الذي جاءك فيه العلم بالقبلة، لأنّ القبلة الأولى نسخت بهذه الآية، وليست الأولى مؤقتة بوقت.
وقال في سورة الرعد، ((بَعدَ مَا جاءكَ)/37، فعبّر بلفظ (ما) ولم يزد(من) لأنّ العلم هنا هو: الحكم العربي، أي: القرآن، فكان بعضا من الأول، ولم يزد فيه (من) لأنّه غير مؤقت، وقريب من معنى القبلة ما في آل عمران (من بَعد ما جاءكَ من العلم)، فهذا جاء بلفظ (ما) وزيدت فيه (من).

قوله تعالى: (( وَما أُهلَّ بِهِ لِغير الله)) البقرة/173، وقدّم (به) في هذه السورة، وأخرها في المائدة/3، والأنعام/145، والنحل/115، لأنّ تقديم الباء الأصل، فإنها تجري مجرى الهمزة والتشديد في التعدّي، فكانت كحرف من الفعل، فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل، ليعلم ما يقتضيه اللفظ، ثم قدّم فيما سواها ما هو المستنكر وهو الذّبح لغير الله، وتقديم ما هو الغرض أولى، ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل، والحال على ذي الحال، والظّرف على العامل فيه، إذا كان ذلك أكثر للغرض في الإخبار.
قوله تعالى(( لاَ أعبدُ مَا تعبدون)) في تكراره أقوال جمّة ومعان كثيرة ذكرت في موضعها، إنّ هذا التكرار اختصار وهو إعجاز، لأنّ الله نفى عن نبيّه عبادة الأصنام في الماضي والحال والاستقبال، ونفى عن الكفار المذكورين عبادة الله في الأزمنة الثلاثة أيضا، فاقتضى القياس تكرار هذه اللفظة ست مرات فذكر لفظ الحال، لأنّ الحال هو: الزمان الموجود، واسم الفاعل واقع موقع الحال، وهو صالح للأزمنة الثلاثة، واقتصر الماضي على المسند إليهم فقال ((وَلاَ أنا عابدٌ مَا عبدتم))، ولأنّ اسم الفاعل بمعنى الماضي، فعمل على مذهب الكوفيين، واقتصر من المستقبل على (لفظ) المسند إليه، فقال ((ولا أنتُم عابدون)) وكأنّ أسماء الفاعلين بمعنى المستقبل
 
رد: الغيبة

المحكم والمتشابه في القرآن الكريمس ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم ، ولمَ لم يكن القرآن كله مُحْكمًا حتى لا يتأوّل الناس منه إلا الحق ؟

اعلم أن القرآن وصفه الله عز وجل بثلاثة أوصاف ؛ فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله تعالى { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } .
وفي قوله {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ } .
ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } .
وهذا عام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به ، ومعنى كونه متشابهًا أن بعضه يشبه بعضًا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة ، فلا نجد في القرآن أحكامًا متناقضة أو أخبارًا متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً ، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } .
أما الوصف الثالث للقرآن ، أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } .
والمحكم هنا ما كان معناه بيّنًا ظاهرًا لأن الله تعالى قابله بقوله { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } .
وتفسير الكلمة يعلم بذكر ما يقابلها ، وهذه قاعدة من قواعد التفسير ينبغي للمفسر أن ينتبه لها ، وهي أن الكلمة قد يظهر معناها بما قوبلت به ؛ وانظر إلى قوله تعالى { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } .
فإن كلمة ثُبات قد تبدو مشكلة للإنسان ، ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها ، فإن معنى قوله { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } .
أي متفرقين فُرادى .
{ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } .
أي مجتمعين .
هكذا قوله تعالى { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } .
نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحًا غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم ، مثل قوله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } .
وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى .
ومنه آيات متشابهات ، متشابهات يخفى معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، كما قال تعالى { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } .
على قراءة من قرأها بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان أحدهما الوقف على قوله { إِلَّا اللَّهُ } , والثاني الوصل .
ولكل قراءة وجه .
وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكمًا بل جعل منه شيئًا متشابهاً ؟ فالجواب عليه من وجهتين أولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام ، كما ذكرنا في أول الجواب ، وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، فإننا إذا رددنا المتشابه إلى المحكم صار معناه واضحًا بينًا ، وصار الجميع كله محكمًا .
أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم ، أوجده لحكمة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، حيث إن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقًا إلى الفتنة ، وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه وليكون بهذا ابتلاء وامتحانًا من الله سبحانه وتعالى له ، وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن ، يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية ، فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحانًا للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته , وانظر إلى ما ابتلي به الله أهل السبت حين حرّم عليهم الحيتان في يوم السبت ، ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرَّعًا على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم ، لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركًا في يوم الجمعة ، لتقع فيه الحيتان ، فيأخذونها يوم الأحد ، فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة .
وانظر كذلك إلى ما ابتلي الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } .
فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم مُحْرمون وصبروا - رضي الله عنهم - فلم يفعلوا شيئًا مما حرم الله عليهم ، هكذا أيضًا الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض وتكذيب بعضها أيضًا .
لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف
 
رد: الغيبة

الآيات المحكمات والمتشابهات

سورة آل عمران(3)

قال الله تعالى: {هوَ الَّذي أَنزلَ عليكَ الكتابَ منهُ آياتٌ محكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فأمَّا الَّذين في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وابتِغَاءَ تأويلِهِ وما يَعلَمُ تأويلَهُ إلاَّ الله والرَّاسِخونَ في العِلمِ يَقولونَ آمَنَّا به كُلٌّ من عند ربِّنا وما يَذَّكَّرُ إلاَّ أُولُوا الأَلبَابِ(7)}

ومضات:

ـ بُنِيَ الإسلام على أركان واضحة ومحكمة، وامتدَّت أحكامه لتشمل آفاقاً لم يدركها عامَّة الناس في زمانهم، وتعرَّضت في تأويلها إلى عبث العابثين، وانتحال المضلِّين، بغية التخريب الاجتماعي، وتحقيق مصالح معيَّنة أو غايات خبيثة.

ـ إذا أردنا فهم جميع آيات الله وأحكامه، والَّتي من هدفها تلبية حاجات الناس في كلِّ زمان ومكان، فعلينا أن نلجأ دائماً إلى العلماء الراسخين في العلم، الوارثين من فكر رسول الله عليه السَّلام ومن علمه، أصحاب القلوب المزكَّاة، والعقول المستنيرة، المدركة للعلوم الكونية والروحية.

ـ الحكمة من وجود المتشابه في كتاب الله؛ تحريك الفكر الإسلامي، وتمييز صادق الإيمان من ضعيفه.

في رحاب الآيات:

أنزل الله تعالى القرآن العظيم على رسوله الكريم، وفيه آيات بيِّنات واضحات الدلالة، لا لَبْسَ فيها ولا غموض (كآيات العقيدة، وآيات الأحكام) وهي أصل الكتاب وأساسه وتسمَّى المحكمات، وعليها بنيت أسس الشريعة الإسلامية. كما أنَّ فيه آياتٍ متشابهات حجب الله تعالى توضيحها، لعدم تمكُّن العقل البشري من فهمها في حينه، وكان أغلبُها مبنيّاً على دلائل علمية تتعلَّق بأصل الخلق، ونشأة الكون واستمراريته، ودلائل روحية تتعلَّق بعالم الغيب، وبالعالم غير المنظور.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن القرآن لم ينزل لِيُكَذِّبَ بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به» (أخرجه الحاكم والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ) ولم يقل الرسول عليه السَّلام أن لا نُعمل تفكيرنا به، فالمسألة لا تحمل ألغازاً حُرِّم البحث فيها، ولكنَّها الشفقة؛ فقد أشفق عليه السَّلام على أصحابه، وخاف عليهم أن يدخلوا في متاهات بعيدة عن مستوى العلم المعروف آنذاك، وتَرَكَ الباب مفتوحاً للأجيال القادمة، لتتفهَّم وتتبيَّن أكثر فأكثر إلى قيام الساعة.

والآية تؤكِّد على دور العلماء الأتقياء الراسخين في قوَّة علمهم، حيث لا يخلو منهم جيل ولا أمَّة، وكثيراً ما كان يُسأَل السلف الصالح عن أمور لم تحصل، فيجيبون أنْ دَعُوها لعالِمِ زمانها. والعالِم هنا لا يعنى به عالِم الفقه والأمور الشرعية فحسب، بل هو عالِم الأمور المادية والرياضية أيضاً بدليل قوله تعالى: {هوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمسَ ضياءً والقمرَ نُوراً وقدَّرهُ مَنازِلَ لِتَعلموا عَدَدَ السِّنينَ والحسابَ ما خَلَقَ الله ذلك إلاَّ بالحقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لقومٍ يعلمون} (10 يونس آية 5). فالآية تؤكِّد على ضرورة وجود علماء متخصِّصين في علوم الفلك ودورته، والحساب القائم على الرياضيات، حيث أن مثل هذه العلوم لا يمكن لكلِّ الناس إتقانها، ولابدَّ من وجود قوم يتعلمونها بالبحث والمتابعة، ويدرِّسونها لمن أراد الاستزادة منها.

وكمثال على فهم المتشابه نقدِّم الآية التالية: {وكُلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ ونُخرجُ له يومَ القيامةِ كتاباً يلقاهُ مَنشوراً * اقرأ كتابَكَ كَفَى بِنَفسكَ اليومَ عليك حَسِيباً} (17 الإسراء آية 13ـ14) فإذا عدنا لكتب التفسير وما قاله المفسرون القدماء عن هذه الآية، ثمَّ طلبنا من علماء عصرنا إعادة تفسيرها، بعد ظهور آلات التصوير والفيديو، وأقمار التجسُّس الصناعية والميكروفيلم، لأذهلنا الاختلاف العميق في التفسير بين مرحلة وأخرى من مراحل التطوُّر العلمي، وما رافقها من اكتشافات جديدة، إلا أنه مع هذا الاختلاف، نجد انسجاماً بين الآيات ومضمون التفاسير، إذ أن كلاً منها يصلح لأوانه.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم من الآيات المتشابهات المتعلِّقة بصفات الله تعالى، وتذكر له بعض الصفات الَّتي ظاهرها يتشابه مع صفات المخلوقات، ومن بعض هذه الآيات قوله تعالى:

{وجاء ربُّكَ والملك صفّاً صفّاً} (89 الفجر آية 22).

{ الرحمن على العرش استوى } (20طه آية 5).

{ إن الَّذين يُبايعونكَ إنَّما يُبايِعونَ الله يدُ الله فوقَ أَيديهم... } (48 الفتح آية10).

وبما أن الله لا يشبه أحداً من خلقه في صفاته بدليل قوله تعالى: { ليس كمثله شيء.. } (42 الشورى آية 118). لذلك تبقى معاني هذه الآيات في حكم المتشابه. وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الإيمان بهذه الآيات والتسليم بها، وتفويض معرفتها إلى الله تعالى، دون محاولة تأويلها بما يتنافى مع كمال الله تعالى وكمال صفاته. وفسَّرها جيل آخر من العلماء بما يليق بذاته تعالى من معان مجازية تسوغ في اللغة العربية وتناسـب المعنى، فذهبوا إلى أن مجيء الله والملك صفّاً صفّاً،كناية عن مجيء أمره وقضاءه. والاستواء على العرش يعني تمام القوَّة والسلطان والتصرُّف بالكون. ويد الله فوق أيديهم تعني التأييد والدعم الإلهي للمبايعة. وكلُّ هذه التشابهات تكرُّمٌ من حضرة الله، في التودُّد لعباده، وتقريب القدرة الإلهية من أفهامهم، ليكون ذلك حافزاً لهم للتعمُّق في فهم آياته، وقراءتها بتدبُّرِ معانيها، وخشوع لجلال قائلها.

ويظهر دور المغرضين في كلِّ زمان ومكان، من خلال تأويل الآيات المتشابهات؛ بهدف الحصول على مآرب معينة، كالسيطرة على السذَّج من الناس، والتأثير عليهم فكرياً، أو عاطفياً، أو للحصول على مكاسب مادية أو نفوذ معيَّن، ووراء ذلك كلِّه لإحداث بلبلة في الأفكار، وإثارة الفتنة في صفوف الناس، وزرع الشكِّ في صدورهم.

وطالما أنَّ علم الله محيط بكلِّ شأن من شؤون هذا الكون الواسع، فقد ضمَّ القرآن من علم الله تعالى، ما له صلة بالإنسان، في حاضره ومستقبله، أمَّا شؤون الكون الأخرى، والَّتي لا صلة لها بذلك، فلم يعلمنا الله سبحانه شيئاً عنها، لكنه تعالى حثَّنا في آيات القرآن الكريم على إعمال الفكر والعقل والتدبُّر، لنستزيد من علومه، ونرشف من بحار عطائه الروحي والفكري اللامتناهي.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top