روائعنا- متجدد

angegardienretour

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
23 أكتوبر 2016
المشاركات
1,505
نقاط التفاعل
1,028
النقاط
71
محل الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
أنثى
كلنا اخوة​

السلام عليكم

روائع رسائل الرسول

http://islamstory.com/sites/default...lcontent_img/public/12/06/23/991_image002.jpg

رسالة الرسول إلى ملوك عمان

كتب إلى ملك عُمَانَ كتابًا وبعثه مع عمرو بن العاص :

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ إلَى جَيْفَرٍ وَعَبْدٍ ابْنَيِ الْجُلَنْدَى، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكُمَا بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ؛ أَسْلِمَا تَسْلَمَا، فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَإِنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالإِسْلاَمِ وَلَّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرَّا بِالإِسْلاَمِ فَإِنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلُّ بِسَاحَتِكُمَا، وَتَظْهَرُ نُبُوَّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا". وكتب أبيُّ بن كعب وختم رسول الله الكتاب[1].

رسالة الرسول إلى هرقل عظيم الروم

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ؛ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ[2]، وَ(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64]"[3].

رسالة الرسول إلى المقوقس عظيم القبط

"سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ؛ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْقِبْطِ، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64]"[4].

رسالة الرسول إلى النجاشي

أرسل رسول الله إلى النجاشي كتابًا وأرسله مع عمرو بن أمية الضَّمْرِيِّ ، فيه:

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، أَسْلِمْ أَنْتَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ، الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ، السَّلاَمَ الْمُؤْمِنَ الْمُهَيْمِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ[5]، فَحَمَلَتْ بِهِ، فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ، وَنَفَخَهُ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْمُوَالاَةِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِاَلَّذِي جَاءَنِي، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إلَى اللَّهِ ، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ، فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى"[6].

رسالة الرسول إلى كسرى

"مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، أَنْ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، مَنْ شَهِدَ شَهَادَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قَبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَلَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"[7].

رسالة الصلح بين الرسول وأهل نجران

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللَّهِ لأَهْلِ نَجْرَانَ - إِذْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ - أَنَّ فِي كُلِّ سَوْدَاءَ وَصَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ وَثَمَرَةٍ وَرَقِيقٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفَ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفَ حُلَّةٍ، عَلَى أَنْ لا يُحْشَرُوا وَلا يُعْشَرُوا، وَلا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمُ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ"[8].

رسالة الرسول إلى يهود خيبر

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدِّقِ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى: أَلاَ إنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّكُمْ لِتَجِدُونِ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفتح: 29] الآية، وَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ، وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْبَاطِكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لآبَائِكُمْ، حَتَّى أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إلاَّ أَخْبَرْتُمُونِي: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدِ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلاَ كُرْهَ عَلَيْكُمْ؛ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ"[9].

[1] ابن القيم: زاد المعاد 3/605، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/334.

[2] كانوا يقولون للمجوسي أَريسيٌّ، نسبوهم إِلى الأريس وهو الأَكَّار، أي: فعليك إثم الإِرِّيسيين الذين هم داخلون في طاعتك ويجيبونك إذا دعوتهم، ثم لم تَدْعُهُم إلى الإسلام، ولو دعوتهم لأَجابوك فعليك إثمهم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة أرس 6/4. وقيل: (الإريسيين) هم أتباع (أريوس) المصري، وهو مؤسس فرقة مسيحية كان لها دور كبير في تاريخ العقائد المسيحية والإصلاح الديني، وقد شغلت الدولة البيزنطية والكنيسة المسيحية زمنًا طويلاً، و(أريوس) هو الذي نادى بالتوحيد، والتمييز بين الخالق والمخلوق والأب والابن على حد تعبير المسيحيين، لعدة قرون. أبو الحسن الندوي: السيرة النبوية ص304، 305.

[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، (2782).

[4] أبو الربيع الأندلسي: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 2/313، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/331، وابن القيم: زاد المعاد 3/600.

[5] البتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج، ويقال: هي المنقطعة إلى الله عن الدنيا. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة بتل 11/42.

[6] الزيلعي: نصب الراية 4/500، والحاكم: المستدرك (4244).

[7] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/132، والمتقي الهندي: كنز العمال (11302).

[8] الزيلعي: نصب الراية 2/195، وابن القيم: زاد المعاد 3/549، وابن كثير: البداية والنهاية 5/66.

[9] السهيلي: الروض الأنف 2/402، وابن كثير: البداية والنهاية 2/396، والمتقي الهندي: كنز العمال (30131).

موقع قصة الاسلام
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
رد: روائعنا- متجدد

991_image002.jpg
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

منارة جامع إشبيلية .. الخيرالدا

http://islamstory.com/sites/default..._fullcontent_img/public/14/05/19/shapetye.jpg
منارة جامع إشبيلية .. الخيرالدا .. مئذنة الخيرالدا

من أهم الآثار الباقية إلى اليوم دليل على عظمة الحضارة الإسلامية في الأندلس منارة الجامع الكبير في إشبيلية، التي تعرف باسم "الخيرالدا".

بناء جامع إشبيلية
كان الموحدون قد اتَّخذوا في قصبة إشبيلية جامعًا صغيرًا، فضاق بهم عند استيطانِهم، وترادفِ وفودِ الموحدين عليهم [1]، وكان أيضًا جامع إشبيلية المعروف بجامع العَدَبَّس قد ضاق بأهلها [2]، فأمر السلطان أبو يعقوب ببناء الجامع الكبير الجديد بإشبيلية وصوْمعته سنة 572هـ/ 1176م، حسب صاحب كتاب "الحلل المَوشِيَّة" [3].

ولكن المؤرخ ابن صاحب الصَّلاة -وهو شاهد عيان ومعاصر للأحداث- يؤكِّد أنَّ أبا يعقوب ابتدأ "باختِطاط موضع هذا الجامع [4] ... وأنفذ أمره ببنائه في شهر رمضان من سنة 567هـ، فهدمت الديار في داخل القصبة له[5].

بناء منارة جامع إشبيلية
وأمَّا بناء منارة جامع إشبيلية فقد "أمر ببنائها عند وصوله إلى إشبيلية في غزوته إلى شَنْتَرِين [6] Santarén في الثالث من صفر من عام 580هـ/ 1184م" [7]، تكون في اتِّصال السور مع الجامع المذكور، تجاوز في ارتفاعها صومعة جامع قرطبة [8].

لقد أثار ابتكار منارة جامع قرطبة بتفافيحها [9] الثلاثة إعجاب مؤرخي الأندلس وغيرهم، فقد أطرى عليها كثيرًا ابن بَشْكُوال في القرن 12 الميلادي، وهي وإن كانت من اختراع عرفاء المهندسين المسلمين، لا تَخلو من مسحة رومانيَّة، ولكن لا يُمكن القول: إنَّها "هي عمل روماني أكثر منه إسلامي"، كما زعم [10] Ambrosio de Morales بعد ابن بشكوال بأربعة قرون في ثنائه عليْها.

فكانت خلال قرنين مصدرًا ومثالاً احتذاه مهندسو الموحِّدين في منارات إشبيلية ومراكش والرباط فيما بعد [11]، ولو أن المَرَّاكُشِي يؤكِّد أنَّ مئذنة مسجد حسَّان في الرباط "على هيئة منار الإسكندرية" [12].

أحمد بن باسه .. مهندس الجامع والمنارة
وقد كلف ببناء جامع إشبيلية الكبير وصومعته "شيخ العُرفاء [13] أحمد بن باسُه [14]، وأصحابه العُرفاء البنَّاؤون من أهل إشبيليَّة، وجميع عرفاء أهل الأندلس، ومعهم عرفاء البنَّائين من أهل مَرَّاكش ومدينة فاس وأهل العُدوة" [15].
ولما فتح ابن باسه أساس هذه المنارة، وافق بئرًا معينة للماء، فرَدَمَها بالأحجار والجيار، وبلط فوق الماء حتَّى أمن قعود الأساس، ثمَّ بناها "بالحجر المُسمَّى الطَّجُون [16] العادي المنقول من سور قصر ابن عَبَّاد" [17].

وقد توقَّف بناؤها بسبب وفاة أبي يعقوب على أثر جرحه في الغارة على شنترين، إلى أن وصل من مراكش أبو بكر بن زُهْر نائبًا عن الخليفة الجديد أبي يوسف يعقوب المنصور، في عام 584/ 1188م[18]، فأمر "بإعادة بناء الصَّومعة المذْكورة، وبناء ما اختلَّ في الجامع، فشرع فيها بعمل العريف علي الغُماري، بالآجرِّ الذي هو حدّ من بناء الحجر المذكور" [19].

ويظهر جليًّا أنَّ العريف عليًّا الغُماري قد ناب هذه المرَّة عن شيخ العرفاء ابن باسُه لوفاته [20]، وقد استمرَّ الغماري في ذلك أعوامًا، "يعمل في الصومعة أحيانًا، ويسافر عن إشبيلية إلى مراكش فيتعطَّل، ثم يعود البناء في الصومعة، وفيه لازم الجلوس بنفسِه على البنَّائين في المُدد التي كان يعاود فيها البناء" [21].

وصف منارة إشبيلية .. الخيرالدا
وقد أمر يعقوب المنصور الموحدي"بعمل التفافيح الغريبة الصنعة، العظيمة الرفعة، الكبيرة الجِرْم، المذهبة الرسم، الرفيعة الاسم والجسم" [23].

وكان وزن الذَّهب الذي طُليت به هذه التَّفافيح الثَّلاثة الكبار والرَّابعة الصغرى "سبعة آلاف مثقالاً كبارًا يعقوبيَّة" [27]، عمِلها المهندسون بين يدي أمين المخزن وحضوره، وقد ركبت في عمود عظيم من الحديد، أصله في بنيان أعلى صومعة الصَّومعة، زنة العمود -كما يقول ابن صاحب الصَّلاة- مائة وأربعون رُبعًا من حديد [28].

ويختلف الأمر كثيرًا عند ابن أبي زرع، حيث يقول: "وعمل التفافيح.. لا أعرف لها قدرًا، إلاَّ أنَّ الوسطى منها لم تدخل على باب المؤذن، حتَّى قلع الرخام من أسفله [29]، وزنة العمود الذي ركبت عليه أربعون رُبعًا من الحديد، وكان الَّذي صنعها ورفعها في أعلى المنار المعلم أبو الليث الصفار، مُوِّهَت تلك التفافيح بمائة ألف دينار ذهبًا" [30].

وقد بلغ وزن هذا الذهب وقيمته حدًّا كبيرًا، فاق ما أنفق في تفافيح جامور صوامع أخر، فالجامع الذي بناه السلطان أبو الحسن المريني حِذاءَ ضريح أبي مدين شُعيب بن الحسين [31]، في القرن الثامن الهجري، كانت له صومعة في غاية الحسن، "وقد ذُهِّبت -كما يقول ابن مرزوق- تفافيح جامورها بثلاثمائة وسبعين دينارًا ذهبًا" [32].

ولم يكن عمل التَّفافيح اختراعًا جديدًا، حاز فيه يعقوب المنصور القدح المعلَّى -وإن هلَّل له كثيرٌ من المؤرخين- فقد سبقه إلى ذلك عبد الرحمن الناصر [33]- عندما بنى صومعة جامع قرطبة في سنة 340هـ/ 951م، وبعده بأربع سنوات الأمير أحمد بن بكر الزناتي، عندما شرع في بناء صومعة القرويين، في يوم الاثنين غرة رجب من سنة 344 هـ، "حيث ركب على رأس المنار تفافيح صغارًا مموَّهة بالذهب، وركب في أعلاها سيف إدريس بن إدريس الذي بنى المدينة تبرُّكًا به" [34].

وقد استمرَّ هذا التقليد فيما بعد في أماكن عدَّة من بلدان المغْرب العربي، كالجامع الكبير في تِلِمْسان وجامع أبي مدين [35].

ولما كملت هذه التفافيح سُترت بالأغشية من شقاق الكتَّان، ثم رفعت بالهندسة إلى الصومعة، في احتفال بهيج، بمحضر الخليفة يعقوب المنصور وابنه ولي عهده النَّاصر لدين الله وبنيه، وأشياخ الموحِّدين وحاشيته، وقاضي إشبيلية وأهل الوجاهة فيها، وذلك في يوم الأرْبعاء، عقب ربيع الآخر سنة 594هـ/ 10 آذار 1198م [36]، ثم كُشفت عن أغشيتها "فكادت تغشي الأبصار من تألُّقها بالذَّهب الخالص الإبريز وبشعاع روْنقِها" [37].

حقًّا إنَّها كانت -كما يصفها المقري- عظيمة القدر، "ليس في بلاد الإسلام أعظم بناء منها" [38].

فابتنيت الأسواق حوالي الجامع المذكور، بعد هدم الديار والحوانيت والفنادق المضيقة عليه، فنما الخراج من ذلك نموًّا كبيرًا، وعمر الجامع بالصلوات، فضخم شأنه، وعظم مكانه عند أهل إشبيلية، والذين ما انفكُّوا معجبين بهذه التفافيح وإشعاعها، الَّذي كان يسطع على غابات زيتون الشَّرَف[39] وفحص إشبيلية وما يحيط بها.

الأحداث الجارية لمنارة إشبيلية منذ افتتاحها إلى نهاية القرن 16م
منذ هذا التَّأريخ وصومعة أو منارة جامع إشبيلية تعلو في السماء، لا صومعة تعدلُها في جميع مساجد الأندلس، "تظهر للعين على مرحلة من إشبيلية مع كوكب الجوزاء" [40]، تثير إعجاب المسلمين والنَّصارى فيما بعد على السواء.

ولما حُوصرت إشبيليَّة [41] عام 1246م، واستسلمتْ بعد عام ونصف من الحصار المرير إلى فرناندو الثالث، ملك قشتالة، والذي أُطلق عليه "سان"؛ أي: "القديس" لهذا السبب، سرعان ما تحوَّل مسجد إشبيلية إلى كنيسة سانتا ماريا [42] Santa María، ولم يبقَ منه بعد سنة 1402م، سوى عقود تطلُّ على صحنِه من جهة الشَّمال والشَّرق.

ولم يستطع الفونسو العاشر (ابنُ فرناندو الثالث) إخْفاء إعجابه، عند وصفه الدَّقيق لهذه الصومعة في (المدوَّنة الأولى لتأريخ إسبانيا العام)، والتي تعدُّ أقدم المدوَّنات التاريخيَّة الإسبانية، حيث يقول فيها عن تفافيح هذه المنارة: "الكبيرة الجِرم، البديعة العمل، العظيمة الصنعة، لا مثيلَ لها في العظمة في العالم" [43]، وهي في الحقيقة نفس الأوصاف التي ذكرناها سابقًا لابن صاحب الصلاة لها.

ولم يبق من مسجد إشبيلية العظيم سوى عقود تندب حال بانيه، وأمَّا المنارة فقد سلمت على جلدها فظلَّت ماثلة على حالها، رغْم تحوُّلها إلى برج للنواقيس ملحق بالكنيسة، إلى أن كسر العمود الذي يحمل هذه التفافيح على أثر زلزال عام 1355م [44]، وعلى حد رأي المؤرِّخ Alonso de Morgado في زلزال سنة 1394م [45]، فسقطت إلى الأرض، مودعة برجها العالي وفاقدة شعاع رونقها إلى الأبد.

وفي سنة 1400م رُكِّب فيها ساعة وبرج بسيط للأجراس، وفي عام 1494م تعرَّض الجزء الأعلى لأضرار جسيمة على أثر صاعقة، وسقط جزء منه في زلزال سنة 1504م.

الخيرالدا
وفي سنة 1568م قام المهندس القرطبي هَرْنان رُويث Hernán Ruiz بإنجاز أضخمِ التَّرميمات في هذه الصَّومعة، حيث بنى على الجزء السفلي المتبقي منها طابق النواقيس، ونصب في أعلى البناء تمثالاً من البرونز يرمز للمسيحيَّة [46]، يدور مع الهواء، يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، وقد عُرِفَ بين الناس بالخِيرَالْدا La Giralda؛ أي: الدَّوَّارة، وهذا مشتقّ من الفعل girar؛ أي: دارَ - يدور، ومن ذلك الوقت وإلى يومِنا هذا أصبح هذا الاسم يطلق على البرج بأكمله [47].

ولا يخفى على الزَّائر أنَّ الخيرالدا اليوم هي إحدى معالم إشبيلية الخالدة، لدرجة أنَّها جرت في وجدان وتراث الإشبيليين، حتَّى كادت تضاهي سمعة نهرها، الوادي الكبير الذي يحمل نفس اللفظ العربي Guadalquivir.

المحاولات من أجل منارة إشبيلية إلى طابعها الموحدي
كانت هنالك عدَّة محاولات خلال القرون المنصرِمة، من أجل بناء الطابق العلوي لمنارة إشبيلية وإعادته إلى صورته الموحدية؛ ففي القرن السَّادس عشر الميلادي جرت هنالك محاولتان، ولكن ليستا ذات شأن كبير؛ لأنَّهما لم يضيفا شيئًا يستحقُّ الذكر [48].

وفي السَّنوات الأخيرة من القرن التَّاسع عشر الميلادي، قام فريق من العلماء والفنانين بمحاولة ترميم المنارة وإعادتها إلى ما قبل زلزال 1355م، مستوحين شكلها الأصلي من التَّشابُه بينها وبين منارتي الكُتُبِيَّة في مراكش وحَسَّان في الرباط، ومستندين إلى المعلومات والأوْصاف الواردة في "المدونة الأولى لتأريخ إسبانيا العام"، وما جاء في كتاب مورغادو Morgado الموسوم بـ "تاريخ إشبيلية" والذي نشر في إشبيلية سنة 1587م؛ أي: بعد 19 سنة من انتهاء التَّرميمات التي قام بها المهندس القرطبي هرنان رويث Hernán Ruiz في منارة إشبيليَّة ما بين سنة 1560م و 1568م، إلى جانب هذه المعلومات التَّاريخية، اعتمدوا أيضًا على بعض الرسوم والتَّخطيطات لبعض المشاهير في العمارة وغيرها.

وكان من حصيلة هذه المحاولة، ورغْم التَّشابُه بين المنارات الثلاثة -والذي ذكره لأوَّل مرة لُوِيس دَلْ مَرْمُول [49] Luis del Mármol في القرن السادس عشر الميلادي، ودرج عليه من بعده كثيرون - لم يعتمدوا إلاَّ على منارة مراكش فقط، في إعادة بناء المظْهر الخارجي التَّصاعُدي لمنارة إشبيلية والَّذي يشبه "شكل المصباح اليدوي" La linterna، لخلو منارة حسان من هذا الشكل [50].

تُورِّس بَلْباس [51] Torres Balbás-وهو من أشهر الأثريين والباحثين الأسبان في العمارة الأندلسية، وكتبه جديرة بالترجمة إلى العربية -ذكر أنَّه اطَّلع على نقش من الرخام المُعَرَّق alabastro، عُثِرَ عليه في كنيسة إحدى القرى الصغيرة، في أقصى شمال إسبانيا، تدعى Villasana de Mena، يَحتوي على رسم تخطيطي لمنارة جامع إشبيلية، يعود زمنه إلى ما قبل أن يُسمِّيها أهل إشبيلية بالخيرالدا.

ويرى تُورِّس بَلْباس أن سانشو أورتيث Sancho Ortiz de Matienzo -أمين خزانة بيت مقاولات كاتدرائية إشبيلية، وكاهنًا ذا مرتب فيها آنذاك -هو الذي بعث بِهذا النَّقش وغيره من الأحجار ذات الصور والزُّليج (الكاشي) azulejos إلى قريته، حيث كان فيها مثواه الأبدي فيما بعد.

في هذا النَّقش الرخامي -والذي بدون شك وصل من إشبيلية- يظهر فيه الطَّابق السفلي لمنارة جامع إشبيلية والطَّابق العلوي منها قبل هدمه، ويتَّصف بالدقَّة، رغم أنَّه منقوش بشكل مصغَّر، ويشابه إلى حد ما منارة الكُتُبِيَّة في مرَّاكش.

التشابه بين منارة إشبيلية ومراكش وحسان
وإضافة إلى ما ذكرنا،فهناك دلائل تاريخيَّة تفيد أن التَّشابُه بين منارتي إشبيلية ومراكش أكثر منه في منارة حَسَّان؛ إذْ إنَّ الكتبية هي الأقدم، ويفترض أنَّه ابتدأ ببنائها في الربع الثالث من القرن الثاني عشر الميلادي، بأمر عبد المؤمن بن علي (ت 558هـ/ 1163م)، وأنجزت -كما يبدو- نحو سنة 593هـ/ 1196م- 1197م، في هذا الوقت ابتدأ العمل في منارة حسان في الرباط، ثم توقَّف على أثر وفاة يعقوب المنصور في ربيع الأوَّل عام 595هـ/ كانون الثاني 1199م، كما ذكر المرَّاكشي [52].

إذًا؛ أقدم المنارات هي منارة مراكش، وبعدها منارة إشبيلية، وأخيرًا منارة حسان في الرباط، ولو أنَّ الباحث غومث مورَنو M. Gómez Moreno له تحفُّظاته وشكوكه، من أنَّ منارة الكتبية قد بنيت على أنقاض مسجد سابق، يعود بناؤه إلى عهد علي بن يوسف بن تاشفين (500-537/ 1106-1143) [53].

من جهة أخرى، هناك فروق في الأطوال والقياسات والمواصفات، فهي متقاربة في الكتبية والخيرالدا؛ إذْ إنَّ طول صومعة الكتبية 12.50 مترًا، والخيرالدا 13.60 م، بينما في منارة حسان 16 مترًا، بداخل الأولى نواة مربعة الشكل طولها 6.80 م، والخيرالدا 6.86 م، الخيرالدا يبلغ ارتفاعها 69.65 مترًا من الأساس إلى الطابق الذي أضافه هرنان رويث، وفي الكتبية 67.50، وفي منارة حسان توقف إلى ارتفاع 44 مترًا.

والأهم من هذا كله: الاختلافات في مواد البناء والزخرفة، فالخيرالدا تمتاز بعمارتها الصاعدة في إيقاع، وزخارفها المحفورة في الآجر؛ كالمخرمات والموزعة في تعادل واتزان مع دقَّة وبساطة تنطقان بهذه الرَّوعة، ويتَّفق مظهر البرج الخارجي مع نظامه الداخلي كما لو كان مرآة تعكس صورته، ويفصح البناء الداخلي للصومعة عن إحكام لفن البناء ومعرفة دقيقة بأصول العمارة، "وزخارف الخيرالدا تعبر عن فن يختلف اختلافًا بيِّنًا عن فنون مراكش المعاصرة له" [54]، لهذا فقد أثرت في العمارة الأشبيلية في العصر الإسلامي والمسيحي على السَّواء، وفي فنون الأندلس والمغرب وغيرها، من آثار المُدَجَّنِين فيما بعد.

تلك هي الخيرالدا
تلك هي الخيرالدا تصدح اليوم تاجًا في سماء إشبيلية، وتشمخ صرحًا خالدًا ينمُّ عن عصر ذهبي قد ولَّى -والفائز من يتَّعظ- وتغرد فيها أغاني أهلها، وقد صدق فيهم قول الشَّقُندي: "أخفُّ النَّاس أرواحًا، وأطبعهم نوادر" [55].

حتى امتزجت ثلاثةٌ: "إشبيلية والوادي والخيرالدا" في خفَّة دمائهم ورقتهم، فصارت طابعا مميَّزًا لتراثهم ورقصاتهم الشَّعبية وأغانيهم الشهيرة التي لا تخلو مناسبة منها، حتَّى في ساعات الشدَّة والعوز، فهم اليوم -كما قال عنهم بالأمس صاحب كتاب "مناهج الفِكَر": "أسرع النَّاس إلى الطرب، وانتهاز فرصة الزَّمان الساعة بعد الساعة" [56].

ولم تسأم الخيرالدا من كثْرة زوَّارها من كل بقاع العالم، رغم أنَّ آخرين لم يسمع بها، وإن سمِع بها لم تهزَّ من قلبه شعرة، فما أجدَرَهم بتربية على حبِّ الفن وتذوُّقه.
ورحم الله ذلك الوَشَّاح الَّذي يقول في مُوشَّحَة مدح بها المعتضد بن عبَّاد:
إِشْبِيلِيا عَرُوسٌ *** وَبَعْلُهَا عَبَّادْ
وَتَاجُهَا الشَّرَفْ *** وَسِلْكُهَا الوَادْ

ولم أمَّا اليوم -كما يتغنَّى بها في كثير من أغانيهم المشهورة- إشبيلية عاصمة جنوب إسبانيا "لها لون خاص" Tiene color especial، وبعلها الخيرالدا.

المصدر: شبكة الألوكة.

[1] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 510-511.
[2] عن جامع العدبس، ينظر: L. Torrés Balbás, "La primitiva mezquita mayor de Sevilla", al-Andalus, XI (1946), pp. 425-439.
[3] P. Melchor M. Antuña, Sevilla y sus momentos árabes, pp. 39-40؛ الحلل الموشية: 39.
[4] ينظر بوش بيلا عن جامع إشبيلية الكبير: Bosch Vilá, Historia de Sevilla: La Sevilla islámica, 712-1248, Sevilla 1984.
[5] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 509، 511؛ الناصري، الاستقصا، الدار البيضاء 1954: 3/ 151.
[6] تقع شنترين شمال لَشْبُونَة، على جبل شاهق، بينها وبين بطليوس، كما يقول الحميري أربع مراحل. ينظر: الإدريسي، مسالك الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي، دراسة وتحقيق وترجمة وملاحظات جاسم العبودي، حيثُ ضم أغلب المصادر العربية والإسبانية، وهو:
Al-Idrīsī, Los caminos de al-Andalus en el siglo XII. Estudio, edición, traducción y anotaciones por Jasim Alubudi, C.S.I.C., 1989, p. 175.
[7] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 516، 517.
[8] ذكر ابن بشكوال أطوال صومعة جامع قرطبة ومراكش (المقري، نفح الطيب: 1/ 562-3)، وأضاف أنَّ عبدالرحمن النَّاصر أمر بهدم الصَّومعة الأولى (أي صومعة هشام الأوَّل) سنة 340 هـ، وأقام مكانَها هذه الصَّومعة البديعة، ثم أضاف قائلاً: "وخبر هذه الصومعة مشهور في الأندلس، وليس في مساجد المسلمين صومعة تعْدِلها"، ويعلق ابن سعيد على كلامه هذا فيقول: قال ابن بشكوال هذا لأنَّه لم يرَ صومعة مراكش ولا صوْمعة إشبيلية، اللتين بناهما المنصور ... فهما أعظم وأطول" (المقري، نفح الطيب: 1/ 562؛ ولاحظ كذلك 1/ 548-552 و 559 ففيها وصف دقيق لهذه الصومعة).
وسرعان ما تحوَّلتْ - على إثر سقوط قرطبة سنة 1236 م - إلى برج للنَّواقيس، الأمر الذي أحدث فيها تغييرات جسيمة، كما تعرَّضت أيضًا فيما بعد إلى أضرار فادحة خاصَّة الجزء الأعلى منها، كالإعْصار المصحوب بزلزال سنة 1589 م، ينظر:
Madrazo, España, sus monumentos y artes, naturaleza e historia: Córdoba, pp. 195-6, 350-1.
ولتقويتها فقد هدم ما تبقَّى من الجزء الأعلى منها، وكسي القسم السفلي منها من الداخل والخارج، ما بين 1593 و 1653 م، ببِناء من الحجر، وبقي هذا الجزء مخفيًّا، إلى أن كشفت مجموعة من التنقيبات الحديثة برئاسة المعماري فليس هرناندث 22 مترًا من هذه المنارة، من طول 34 م كان في القرن العاشر. ينظر:
E. Lévi-Provençal, España musulmana, Madrid 1973, IV, pp. 465-471; Creswell, Early Muslim Architecture, II, p. 141; Morales, Las antigüedades de las ciudades de España, X, pp. 54-55; F. Hernández Giménez, El alminar de 'Abd al-RaÊmān III en la mezquita de Córdoba, Granada 1975; R. Castejón, Guía de Córdoba, pp. 38-42, 62-73.
[9] عن وصف التفافيح ينظر: المَقري، نفح الطيب: 1/ 562-3؛ الحميري، الروض المعطار، ط. ليفي بروفنسال: 155 ذكر أنها خمس تفافيح؛ ومن الترجمة الفرنسية 187.
[10] Morales, Las antigüedades de las ciudades de España, X, pp. 54.
[11] E. Lévi-Provençal, España musulmana, p. 465; R. Arié, España musulmana, 426.
[12] المراكشي، المعجب، تحقيق الرعيان والعلمي، الدار البيضاء 1978: 384.
[13] كلمة العريف انتقلت نفسها وبنفس المعنى للغة الإسبانية.
[14] هو أكبر معماري الأندلس في زمن الموحدين، كان مقيمًا في إشبيلية، ومنها توجه إلى جبل طارق سنة 555 هـ ثم إلى قرطبة، وأغلب الظَّن أنَّه هو الذي أشرف على بناء جامع حسان في مدينة الرباط والكتبية في مراكش، للتَّشابُه بين منارتهما ومنارة جامع إشبيلية، وإن كان هذا يحتاج إلى مزيد من الأدلة.
ينظر: ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 509؛ Melchor M. Antuña, Sevilla y sus momentos árabes, p. 115-7.
[15] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 510.
[16] لم أعثر على مدْلول هذه الكلمة، وظني أنه يعني بها الآجر (الطابوق) المفخور ربما بالنار. ملشور اعتبرها مصحَّفة وترجمها "بأضراس السبع"، وويثي ميرندا في ترجمته "للمن بالإمامة" (ص 201) نقل الكلمة نفسها، وقد ذكر ابن صاحب الصلاة أنواعًا عديدة من مواد البناء، حيث يقول: "وحصن الجامع بالأدراج من جهة الغرب، وسطح حواليه بالحجر الكدّان"، "وصنع في داخل المسقف شمسيات من زجاج وسطحه بالآجر" (ص 518-9)؛ وفي ترميم مسجد ابن عَدَبَّس يقول: "وبنوا له أبراجًا من الحجر العادي من جهة حائطه الغربي، وسطحوا صحنه بالآجر المحكوك الحسن الصنعة، وتابعوا أقواسه بالجبس والجيار" (ص 523)؛ "المسجد الجامع الكبير في إشبيلية أسسه من الماء بالآجر والجيار والحصى والأحجار" (ص 511)؛ وقد واصل ابن باسه البناء حوالي قصور البحيرة في إشبيلية "بالحيطان المبنية بالجيار والرمل والحصى من جهاتها" (ص 502)؛ وفي مكان آخر يقول: "ودواب أمير المؤمنين وعبيده ينقلون عليها الأحجار والآجر والجيار" (ص 503).
[17] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 518.
[18] ابن عذاري (البيان المغرب، قسم الموحدين: 221 - 2) - وإن كانت تواريخ الحوادث عنده متضاربة كما سنرى - ذكر أنَّ يعقوب المنصور، لما دخل إشبيلية يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان سنة 591 هـ "أكَّد العزم في بناء الجامع الكبير وتتمييم منارته".
[19] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 518.
[20] عبد العزيز سالم، المساجد والقصور في الأندلس: 41.
[21] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 519.
[22] جرت يوم الأربعاء التاسع من شعبان سنة 591 هـ/ 19 تموز 1195، يبدو لي أنَّ ابن زرع أكثر دقَّة من ابن صاحب الصلاة وغيره في ضبط الأسماء قريبة من لفْظِها الإسباني، وعلى الأرْجَح أنَّه كان ينقل عن مصدر له اطِّلاع بهذه اللغة، فقد كتب غزوة الأراك بدلاً من الأرك، والفونسو بدلا من أذفونش أو الفنس عند ابن صاحب الصلاة وغيره.
ينظر: ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، دار المنصور، الرباط 1973: 220 - 229؛ ابن عذاري، البيان المغرب، قسم الموحدين: 218 - 221؛ المقري، نفح الطيب: 1/ 446.
[23] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 519.
[24] ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، دار المنصور، الرباط 1973: 229.
[25] ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، دار المنصور، الرباط 1973: 211.
[26] يقول ابن أبي زرع (الأنيس المطرب: 129): "ثم دخلت سنة 592، فيها خرج أمير المؤمنين إلى غزوته الثالثة ... إلى أن يقول: فدخل إشبيلية في غرة صفر من سنة 593، فأخذ في إتمام بناء الجامع وتشْييد مناره، وعمل التفافيح من أملح ما يكون ومن أعظمه".
وأمَّا ابن عذاري (البيان المغرب، قسم الموحدين: 227-8) فذكر أنَّ يعقوب المنصور: "دخل إشبيلية صدر شوال (من عام 593 هـ) وأكَّد في تتميم ما بقي بالجامع المكرم من الأطراف وإكمال فحل المنار".
[27] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 520.
[28] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 519.
[29] نجد نفس التَّعبير تقريبًا - كما سنرى فيما بعد - في المدونة الأولى لتأريخ إسبانيا العام للفونسو العالم، وهذا ما يعزِّز ما ذكرناه سابقًا، أنَّ ابن أبي زرع ينقل عن مصدر له اطلاع باللغة الإسبانية.
[30] ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، دار المنصور، الرباط 1973: 229؛ ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 519، ملاحظة رقم 3 عن شخصية أبي الليث الصفار.
[31] عن ترجمته، ينظر: المقري، نفح الطيب: 7/ 136-144.
[32] ابن مرزوق، المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، تحقيق ماريا خيسوس بغييرا، الجزائر 1981: 404. ليفي بروفنسال في مقالته عن المسند جعلها 350 دينارا ذهبا، ينظر: Levi Provençal, "Le Musnad de ' Ibn Marzuk", Hespéris, V, 1925, p. 67.
[33] تنظر ص 7 ممَّا سبق، ملاحظة رقم 2.
يقول المقري (نفح الطيب: 1/ 548): وفي رأس منارة جامع قرطبة "تفافيح ذهب وفضة، ودور كل تفاحة ثلاثة أشبار ونصف، فاثنتان من التفافيح ذهب إبريز، وواحدة فضة، وتحت كل واحدة منها وفوقها سوسنة قد هُندِسَت بأبدع صنعة، ورمانة ذهب صغيرة على رأس الزج، وهي إحدى غرائب الأرض".
[34] وقد فرغ من بنائها وتشييدها في شهر ربيع الآخر سنة 345. ينظر: ابن أبي زرع، الأنيس المطرب: 57.
[35] يقول ابن مرزوق (المسند: 402، 403) عن الجامع الكبير: "ورأيت العمود الذي تركب فيه التفافيح، وهو من حديد يشبه أن يكون صاريًا".
[36] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 520.
[37] ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة: 521.
[38] المَقري، نفح الطيب: 1/ 208، 4/ 129.
[39] يقول البكري (جغرافية الأندلس: 114) عن الشرف: "ويطل على إشبيلية جبل الشرف، وهو شريف البقعة كريم التربة دائم الخضرة، فراسخ في فراسخ طولاً وعرضًا، لا تكاد تشمس منه بقعة لالتفاف زيتونه واشتباك غصونه".
وقال بعض من وصف إشبيلية (المَقري، نفح الطيب: 1/ 159): "وإقليم الشرف على تل من تراب أحمر، مسافته أربعون ميلاً في مثلها، يمشي السائر في ظل الزيتون والتين".
وقال (المَقري، نفح الطيب: 1/ 208): "ولو لم يكن لها من الشرف إلا موضع الشرف المقابل لها المطل عليها المشهور بالزيتون الكثير الممتد فراسخ في فراسخ لكفى... وعسل الشرف يبقى حينًا لا يترمَّل ولا يتبدل، وكذلك الزيت والتين".
[40] تعبير ابن صاحب الصلاة (المن بالإمامة: 516) " تظهر للعين على مرحلة من إشبيلية" نجده نفسه تقريبًا في (حولية الملك سان فرناندو، المطبوعة في سلامنكة 1540م)، حيث يقول: "وتظهر للعين بأكثر من مرحلة"، كما ذكر ملشور أنطونيا في كتابه (إشبيلية وأثارها العربية، ص 114)، ونجد نفس التعبير أيضًا في (المدوَّنة الأولى لتأريخ إسبانيا العام، للفونسو العاشر، المعروف بالعالم أيضًا، ج 2، ص 768-9)، حيث يقول: "ويظهر للعين إشعاعها المنبعث من سقوط الشمس عليها بأكثر من مرحلة".
والمرحلة هي إحدى المقاييس لقطْع المسافات، وقد دأب الباحثون الأسبان وغيرهم على ترجمتها بما يقابل اليوم أو بعضه، والإدريسي أدقُّ الجغرافيين استخدامًا لها، فقد لاحظتُ في تحقيقِنا للجزء المختص بالأندلس من كتابه (أُنس المُهَج)، أنَّه قسم المرحلة إلى الأصناف التالية:
1- مرحلة كبيرة، وتتراوح ما بين 30 - 35 ميلاً.
2- مرحلة عادية، وتتراوح ما بين 24 - 29 ميلاً.
3- ومرحلة خفيفة، وتتراوح ما بين 16 - 20 ميلاً.
ينظر: Al-Idrīsī, Los caminos de al-Andalus en el siglo XII. Estudio, edición, traducción y anotaciones por Jasim Alubudi, CSIC., 1989, p. 23, 106-7 y nota 9.
[41] انظر مقالتنا عن "إشبيلية"، الموسوعة الإسلامية، اسطنبول 2001، المجلد 23، ص 428-429.
[42] ينظر سردًا للأحداث عند: عبد العزيز سالم، المساجد والقصور في الأندلس: 37-43.
[43] Primera Crónica General de España, II, pp. 768-9.
[44] Torres Balbás, "Reproducción de la Giralda anteriores a su reforma en el siglo XVI", en Obra Dispersa, I, Madrid 1981, pp. 288-301, en especial, p. 292.
[45] Morgado, Historia de Sevilla, Sevilla 1587, p. 279.
[46] Torres Balbás, "Reproducción de la Girald...", p. 292.
[47] ينظر عن سير الأحداث التي جرت للخيرالدا ابتداء من القرن السادس عشر الميلادي، خوسيه خستوسو، ملامح إشبيلية الأثرية والفنية، وهو:José Gestoso y Pérez, Sevilla monumental y artistica, t. I, Sevilla 1889, pp. 68-114
[48] Torres Balbás, "Reproducción de la Giralda...", p. 294.
[49] Luis del Mármol Caravajal, Descripción general de África, II; 28, libro 3, cap. 40.
[50] Torres Balbás, "Reproducción de la Giralda...", p. 294.
[51] Torres Balbás, "Reproducción de la Giralda...", p. 295-297.
[52] المراكشي، المعجب، ط. دوزي: 192 - 3، ومن الترجمة: 230، ط. العريان والعلمي، ط. السابعة، الدار البيضاء 1978: 384.
[53] M. Gómez Moren, El arte islámico en España y en el Magreb, en Arte e Islam, por Heinrich Gluck y Ernst Diez, 2ª ed., Barcelona-Madrid-Buenos Aires, 1934, pp. 114-5.
[54] عبد العزيز سالم، المساجد والقصور في الأندلس: 45.
[55] المَقري، نفح الطيب: 3/ 212.
[56] المَقري، نفح الطيب: 159.

موقع قصة الاسلام
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

قطب منار بدلهي .. رائعة الإسلام في الهند

http://islamstory.com/sites/default...fullcontent_img/public/14/11/45/shapestys.jpg
منار قطب أو قطب منار أو منارة قطب إحدى عجائب الأبنية في الهند بل العالم كله، ومن أهم الآثار الباقية إلى اليوم دليل على عظمة الحضارة الإسلامية في الهند، وهي رائعة وتحفة معمارية بكل المقاييس، وأول آثار الحكم الإسلامي في الهند.

دلهي عاصمة الإسلام في الهند
كانت دهلي -كما سماهها المسلمون والتي تعرف الآن باسم دلهي- عاصمة دولة المماليك في الهند (602هـ - 689هـ/ 1206م - 1290م) التي أسسها قطب الدين أيبك (ت 607هـ) وتعرف باسم سلطنة دلهي، ثم أصبحت دلهي مركزًا للسلالات الحاكمة في الهند حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أضفى حكم المسلمين على دلهي طابعا مميزا وجعلها أكثر جمالا من خلال العمارة الهندية الإسلامية، التي صمدت في وجه أعمال التخريب والتدمير على مر الزمان.

بناء قطب منار
وبحلول أواخر القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، بنيت باكورة الآثار المعماية الإسلامية في مدينة دلهي وحولها، ومن أشهرها: قطب منار أو منار قطب أو منارة قطب Qutub Minar.

يرجع بناؤها إلى السلطان قطب الدين أيبك (602هـ/ 1206م – 607هـ/ 1211م) الذي عمل على توطيد سلطان المسلمين في شمال شبه القارة الهندية، فقام ببعض الإصلاحات، ومنها بناء المساجد، وأشهرها: المسجد الكبير في دهلي، والذي يعرف بـ "مسجد قوة الإسلام"، وهو من أعظم وأروع المساجد في العالم، ذو منارة سامقة، تسمت باسمه: قطب منار، وهي أفخم بناء من نوعه.

وقد بنيت قطب منار على أنقاض حصن لال كوت الذي قام ببنائه راجا برتوي آخر حاكم هندوسي لإمارة دلهي، والذي تغلب عليه قطب الدين أيبك أول حاكم مسلم لمدينة دلهي. حيث بدأ أيبك بناء قطب منار أواخر القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، وكان لا يزال نائبًا عن السلطان شهاب الدين الغوري، لكن البناء لم يكتمل إلا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي من قبل خلفائه.

وقد أراد قطب الدين أيبك من وراء بناء هذه المنارة أو المئذنة أن تكون تخليدًا لذكرى انتصارات المسلمين وبداية حكم إسلامي مجيد في الهند، وأن تكون مئذنة يدعو المؤذنون من فوقها المسلمين إلى الصلاة.

وصف قطب منار
تعد منارة قطب واحدة من أشهر المقاصد السياحية في دلهي، إلى جانب كونها مثيلة لبرج بيزا المائل في إيطاليا أو برج إيفل في باريس، وهي إحدى مواقع التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو العالمية.

تعتبر قطب منار Qutub Minar من أضخم المآذن في المساجد القديمة، وأطول المنارات المبنية من الطوب في العالم، وهي أطول مأذنة في الهند، وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في أشبيلية (يبلغ ارتفاعها 97.5 مترًا).

يبلغ ارتفاع قطب منار 250 قدمًا، أي نحو 75 مترًا، ومحورها من أسفل 47 قدمًا، ومن أعلى 7 أقدام فقط، وقطر قاعدتها يزيد على 15 مترًا، وهي أشبه ما تكون بنصب تذكاري رائع، وكلما ارتفعت فيها ضاق قطرها حتى يصل إلى ثلاثة أمتار فقط. والمئذنة هذه مضلعة تبدو أضلاعها وكأنها أعمدة متلاصقة.

وللمنارة ثلاثة شرفات للأذان، تقوم كل شرفة منها على مقرنصات بالغ المهندسون في إتقانها وتنميقها.

لدي منار قطب 378 درج، والتي تستهلك قدر كبير من الطاقة والمجهود حتى تبلغ القمة، ومن القمة يمكنك رؤية مدينة دلهي وكأنك تمتلك عيون طائر تشاهد بها جمال المدينة. كما تُحاط قطب منار بحديقة خضراء خصبة ورائعة تعد من أكثر الأماكن المفضلة للسكان المحليين بمدينة دلهي.

طوابق منار قطب
تكون قطب منار من سبعة طوابق، ولكن الموجود منها الآن خمسة طوابق مميزة، حيث يمتاز كل دور منها بوجود شرفة بارزة، فالطوابق الثلاثة الأولى مبنية من الحجر الرملي الأحمر الجميل، في حين بُني الطابقان الآخران من الرخام. والنسب بين أجزائها هي غاية الكمال، ويتوجه المرمر الأبيض في طبقاتها العليا، وجدران المبنى مزخرفة بالنقوش والآيات القرآنية، وها هي لا تزال آية من آيات الهند في دقة الصناعة وروعة الفن.

ويقول بعض المؤرخين إن الطابق الأول بناه قطب الدين أيبك بعد انتصاراته على الهندوس حوالي سنة (595هـ - 596هـ / 1199م - 1200م)، ونقش عليه بعض آيات القرآن الكريم، ثم بنى شمس الدين أيلتمش (607هـ - 633هـ / 1211م - 1235م) الطابقين الثاني والثالث، وفي عهد حكم آل تغلق زاد السلطان فيروز تغلق شاه (752هـ - 790هـ/ 1351م – 1388م) الطابقين الرابع والخامس.

والمنارة في شكل مخروطي. والطبقة الأولى لها واحد وعشرون ضلعاً تختلف أشكالها بين مدور على هيئة نصف دائرة يليه محدد على شكل زاوية قائمة. وهكذا على التوالي. والطبقة الثانية كل أضلاعها مدورة. والثالثة أضلاعها على زاوية قائمة ثم طبقة ملساء والخامسة مضلعة تضليعاً خفيفاً يكاد لا يرى.

وارتفاع الطابق الأول 95 قدمًا، والثاني 50 مترًا و 8.5 بوصة، والثالث 40 قدمًا و 3.5 يوصة، والرابع 25 قدمًا و4 بوصة، والخامس 22 قدم و4 بوصات، والطابق السادس طوله 12 قدمًا و10 بوصات، وقد تصدع بصاعقة في القرن الثامن الهجري في عهد فيروز شاه فرمَّمه، لكنه سقط بسبب زلزلة سنة 1803م ثم أعيد بناؤه سنة 1829م، ولكن حاكم الهند العام أمر بإزالته نهائيًا خوفًا من خطر وقوعه، وأما الطابق السابع فلم يعرف له تاريخ، وفي كل طابق نقش حول المنارة آيات من القرآن وبعض مكاتيب السلطان.

الفن المعماري في منار قطب
وحول المنارة كتابة عربية منها آيات من القرآن، وقد جعلت نطاقات جميلة زادت في جمال المنارة وجلالها. وقد نحتت الكتابة على أحجام مختلفة ونِسَب متعددة تجعل الرائي يراها في حجم واحد ما بعد منها وما قُرب، كلما بعدت الكتابة زاد حجمها على نسبة بعدِها. وألوان المنارة تتوالى في طبقاتها من أحمر إلى ورد إلى أصفر قاتم يلائم زرقة السماء في فن الجمال.

وبالنظر إلى قطب منار يمكنك ملاحظة الاختلافات الكلية في الفن المعماري للفترات المختلفة والسلالات الحاكمة المختلفة. ويشتمل المبنى على نقوش دقيقة وأناشيد مستوحاة من القرآن الكريم، ويمتاز الديكور والنقوش المنحوتة على قطب منار بكونها طرازا إسلاميا بشكل جوهري، بيد أنها تأخذ الشكل المهجن بعض الشيء. وتُظهر المنارة -بوضوح- تطور الأساليب والتصاميم المعمارية، حتى على الرغم من اختلاف المواد المستخدمة في الإنشاء.

والخلاصة أن في هذه المنارة من إبداع الهندسة، وإتقان الصنع، وجمال الشكل وفخامته، وحسن النقش والخط ما يسير رائيها طائفاً، أو يمكسه واقفاً، يصعد الطرف ويصوبه في إعجاب بل دهش من هذا الأثر الخال الذي جعله المسلمون فاتحة آثارهم العظيمة في الهند. فكان جديراً أن يكون عنواناً لكتاب الحضارة الزاهرة الذي خطه تاريخهم فيها.

المصادر والمراجع
- ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين، الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، عام النشر: 1408 هـ - 1988م، 3/ 391.
- عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند، دار العهد الجديد للطباعة، الطبعة الأولى 1959م، ص106- 108.
- عبد الوهاب عزام: رحلة إلى الهند (قطب منار أو منارة قطب)، مجلة الرسال، العدد 742.
- عبد الله سالم نجيب: منارات الهدى في الأرض - تاريخ المساجد الشهيرة، ص192- 197.
- موقع رحماء الإسلامي: مدينة دلهي عاصمة الهند الإسلامية في إحدى الحقب التاريخية.
موقع قصة الاسلام
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

روائع رسائل الخلافة الأموية

أرسل الخلفاء الأمويون الرسائل إلى أصحاب رسول الله ؛ إجلالاً لهم وتقديرًا، ثم راسلوا التابعين والولاة، وكانت رسائل عمر بن عبد العزيز من أروع الرسائل في هذا العهد.

رسالة معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص

رسالة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص :

"أمَّا بعد، فإنَّ الرشيد من رشد عن العجلة، وإنَّ الخائب من خاب عن الأناة[1]، وإنَّ المتثبِّت مصيب أو كاد يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِلَ مخطئ أو كاد يكون مخطئًا، ومَن لا ينفعه الرفق يضرُّه الخرق[2]، ومَن لا تنفعه التجارِب لا يبلغ المعالي، ولا يبلغ رجل مبلغ الرأي حتى يغلب صبرُه شهوتَه وحلمُه غضبَه"[3].

رسالة مروان بن الحكم إلى النعمان بن بشير

رسالة أمير المؤمنين مروان بن الحكم إلى النعمان بن بَشِير ، يخطب لابنه عبد الملك بن مروان أُمَّ أبان بنت النعمان، فكتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من مروان بن الحكم إلى النعمان بن بشير، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإن الله ذو الجلال والإكرام، والعظمة والسلطان، قد خصكم معاشر الأنصار بنُصرة دينه، وإعزاز نبيِّه ، وقد جعلك الله منهم في البيت العميم[4] والفرع القديم، وقد دعاني ذلك إلى اختيار مصاهرتك وإيثارك على الأكفاء مِن وَلَدِ أَبِي؛ وقد رأيتُ أنْ أُزَوِّجَ ابني عبد الملك بن مروان ابنتك أُمَّ أَبَانٍ بنت النعمان؛ وقد جعلتُ صداقها ما نطق به لسانك، وترنَّمت به شفتاك، وبلغه مُنَاك، وحكمتَ به في بيت المال قِبَلَكَ.

فلمَّا قرأ النعمان كتابه كتب إليه هذه الرسالة، قائلاً:

بسم الله الرحمن الرحيم. من النعمان بن بشير إلى مروان بن الحكم، بدأت باسمي سُنَّةً من رسول الله ؛ وذلك لأني سمعت رسول الله يقول: "إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى أَحَدٍ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ". أمَّا بعدُ: فقد وصل إليَّ كتابك، وفهمت ما ذكرتَه فيه مِن محبَّتِنا، أمَّا إنْ تكن صادقًا فغُنْمًا أصبت، وبحظِّك أخذت؛ لأنَّا أناسٌ جعل الله حبَّنا إيمانًا، وبُغْضَنَا نفاقًا، وأمَّا ما أطنبت فيه من ذكر شرفنا وقديم سلفنا، ففي مدح الله لنا وذِكْرِه إيَّانا في كتابه المنزَّل وقرآنه المفصَّل على نبيِّه ما أغنانا عن مدح أحدٍ من الناس.

وأمَّا ما ذكرتَ من أنك آثرتني بابنك عبد الملك بن مروان على الأكفاء من ولد أبيك فحظِّي منك مردودٌ عليهم موفرٌ لهم، غير مُشَاحٍّ[5] لهم فيه، ولا مُنَازِعٍ لهم عليه. وأمَّا ما ذكرتَ أنك جعلت صداقها ما نطق به لساني وترنَّمت به شفتاي وبلغه مُنَايَ، وحكمت به في بيت المال قِبَلِي، فقد أصبح بحمد الله -لو أنصفت- حظِّي في بيت المال أوفر من حظِّك، وسهمي فيه أجزل من سهمك، وأنا القائل:

فَلَو أَنَّ نَفسِيَ طاوَعَتني لأَصبَحَت *** لهـا حَفَـدٌ مِمَّا يُعَـدُّ كَثِيرُ

وَلَكِنَّـها نَفـسٌ عَلَيَّ كَريمَـةٌ *** عَيوفٌ[6] لأصهارِ اللِئامِ قَذورُ

لَنا في بَني العَنقـاءِ وَاِبني مُحَرِّق *** مُصاهَرَةٌ يُسنى بِها وَمُهـورُ

وَفي آلِ عِمرانٍ وَعَمرو بِن عامِرٍ *** مَعاقِلُ لَم يَدنَس لَهُنَّ حُجورُ[7]



رسالة عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف

رسالة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان إلى عامله على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي؛ يُعنِّفه ويوبِّخه على تجرُّئه على أنس بن مالك :

بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف، أمَّا بعدُ: فإنك عبد طمت[8] به الأمور فسَمَوْتَ فيها، وعَدَوْتَ طورك، وجاوزتَ قدرك، وركبت داهية أدًّا[9]، وأردت أن تَبُورَنِي[10]، فإنْ سوَّغْتُكَها[11] مضيتَ قُدُمًا، وإنْ لم أسوِّغْكها رجعتَ القهقرى، فلعنك الله عبدًا أخفش[12] العينين، منقوض الجاعرتين[13]، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف، وحفرهم الآبار، ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل[14]، والله لأغمزنَّك[15] غمز الليث الثعلب، والصقر الأرنب، وَثَبْتَ على الرجل من أصحاب رسول الله بين أظهُرِنَا، فلم تَقْبَلْ له إحسانه، ولم تجاوز له إساءته جراءة منك على الربِّ عزَّ وعلا، واستخفافًا منك بالعهد، والله لو أنَّ اليهود والنصارى رَأَتْ رجلاً خدم عزير بن عزري وعيسى بن مريم لعظَّمته وشرَّفته وأكرمته، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله ، خدمه ثماني سنين، يُطلعه على سرِّه، ويُشاوره في أمره، ثم هو مع هذا بقيَّة من بقايا أصحابه، فإذا قرأتَ كتابي هذا، فكن أطوع له من خُفِّه ونَعْلِهِ، وإلا أتاك منِّي سهم مُثْكَل بحتف قاضٍ، و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67][16].

رسالة عمر بن عبد العزيز إلى عماله
أرسل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى عُمَّاله يقول:

أمَّا بعد، فإن الله أكرم بالإسلام أهله، وشرَّفهم وأعزَّهم، وضرب الذِّلة والصَّغَار على من خالفهم، وجعلهم خير أُمَّة أُخْرِجَتْ للنَّاس، فلا تُوَلِّيُنَّ أمور المسلمين أحدًا من أهل ذمَّتهم وخَرَاجهم؛ فتتبسط عليهم أيديهم وألسنتهم، فتذلَّهم بعد أنْ أعزَّهم الله، وتُهِينَهم بعد أنْ أكرمهم الله تعالى، وتعرِّضهم لكيدهم والاستطالة عليهم، ومع هذا فلا يُؤْمَن غشُّهم إيَّاهم، فإنَّ الله يقول: {لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118]، {لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، والسلام[17].

رسالة عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده

بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إلا هو، أمَّا بعد: فإنِّي كتبتُ وأنا دَنِفٌ[18] من وجعي، وقد علمتُ أنِّي مسئول عمَّا وُلِّيتُ، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولستُ أستطيع أنْ أُخْفِيَ عليه من عملي شيئًا، فإنْ رضي عنِّي فقد أفلحتُ ونجوتُ من الهوان الطويل، وإنْ سخط عليَّ فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أنْ يُجيرني من النار برحمته، وأنْ يَمُنَّ عليَّ برِضوانه والجنة، فعليك بتقوى الله، الرعيةَ الرعيةَ، فإنك لن تبقى بعدي إلاَّ قليلاً، والسلام[19].

رسالة مروان بن محمد إلى الغمر بن يزيد

رسالة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلى الغَمْرِ بن يزيد بن عبد الملك بعد مقتل أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك:

أمَّا بعدُ، فإنَّ هذه الخلافة من الله على مناهج نبوَّة رسله، وإقامة شرائع دينه، أكرمهم الله بما قلَّدهم، يُعِزُّهم ويُعِزُّ مَن يُعِزُّهم، والحَيْنُ[20] على مَنْ ناوأهم[21] فابتغى غير سبيلهم، فلم يزالوا أهل رعاية لما استودعهم الله منها، يقوم بحقِّها ناهض بعد ناهض، بأنصار لها من المسلمين، وكان أهل الشام أحسن خلقه فيه طاعة، وأذبَّه[22] عن حُرُمِه، وأوفاه بعهده، وأشدَّه نكاية في مارق مخالف ناكث ناكب عن الحقِّ، فاستدرَّت نعمة الله عليهم، قد عُمِّر بهم الإسلام، وكُبِتَ بهم الشرك وأهله وقد نكثوا[23] أمر الله، وحاولوا نَكْثَ العهود، وقام بذلك من أشعل ضِرامها[24]، وإن كانت القلوب عنه نافرة، والمطلوبون بدم الخليفة ولاية من بني أمية؛ فإنَّ دمه غير ضائع، وإنْ سَكَنَتْ بهم الفتنة، وَالْتَأَمَت الأمور؛ فأمر أراده الله لا مردَّ له.

فاكتب بحالك فيما أَبْرَمُوا وما ترى؛ فإني مطرق[25] إلى أن أرى غِيَرًا[26] فأسطو بانتقام، وأنتقم لدين الله المنبوذة فرائضه، المتروكة مجانة[27]، ومعي قوم أسكن الله طاعتي قلوبهم؛ أهل إقدام إلى ما قَدِمْتُ بهم عليه، ولهم نظراء صدورهم مُتْرَعَة ممتلئة لو يجدون مَنْزِعًا، والنقمة دولة تأتي من الله؛ ووقت مؤجَّل؛ ولم أشبه محمدًا ولا مروان -غير أن رأيت غِيَرًا- إن لم أشمِّر للقدريَّة إزاري وأضربهم بسيفي جارحًا وطاعنًا، يرمي قضاء الله بي في ذلك حيث أخذ، أو يرمي بهم في عقوبة الله حيث بلغ منهم فيها رضاه؛ وما إطراقي إلاَّ لما أنتظر مما يأتيني عنك، فلا تَهِنْ عن ثأرك بأخيك، فإنَّ الله جارُك وكافيك، وكفى بالله طالبًا ونصيرًا[28].

رسالة عبد الحميد الكاتب إلى الكتاب

أرسل عبد الحميد الكاتب[29] رسالة جامعة إلى الكُتَّاب يقول:

أمَّا بعدُ، حفظكم الله يا أهل صناعة الكتابة، وحاطكم ووفَّقكم وأرشدكم، فإنَّ الله جعل الناسَ -بعدَ الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن بعدِ الملوك المكرمين- أصنافًا، وإن كانوا في الحقيقة سواءً، وصرَّفَهُم في صُنُوف الصناعات، وضُرُوب المحاوَلات، إلى أسباب معاشهم وأبواب أرزاقهم، فجعلكم معشرَ الكُتَّاب في أشرف الجهات أهلَ الأدب والمروءات، والعلم والرواية.

بِكُمْ تنتظم للخلافة محاسنُها، وتستقيم أمورُها، وبنصحائكم يُصلحُ الله للخلق سلطانَهم وتَعْمُر بلدانهم. لا يستغني الملكُ عنكم، ولا يُوجَدُ كافٍ إلا منكم؛ فَمَوْقِعُكُمْ من الملوك مَوْقِعُ أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يُبْصِرون، وألسنتهم التي بها يَنْطِقون، وأيديهم التي بها يَبْطِشُون. فأمتعكم الله بما خصَّكم من فضل صناعتكم، ولا نَزَع عنكم ما أضفاه من النِّعمة عليكم.

وليس أحدٌ من أهل الصناعات كلها أحوجَ إلى اجتماع خِلال الخير المحمودة، وخِصال الفَضْل المذكورة المعدودة - منكم. أيُّها الكُتَّاب، إذا كنتم على ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم، فإنَّ الكاتب يحتاج من نفسه ويحتاج منه صاحبه الذي يَثِقُ به في مُهِمَّات أموره أنْ يكون حليمًا في موضع الحلم، فَهِيمًا في موضع الحُكْمِ، مِقْدَامًا في موضع الإقدام، مُحْجِمًا في موضع الإحجام، مُؤْثِرًا للعفاف والعدل والإنصاف، كَتُومًا للأسرار، وفيًّا عند الشدائد، عالمًا بما يأتي من النوازل، يضع الأمور مواضعَها، والطوارق[30] في أماكنها، قد نظر في كلِّ فنٍّ من فنون العلم فأحكمه، وإن لم يُحْكِمْهُ أخذ منه بمقدار ما يكتفي به، يَعْرِف بغريزة عقله وحسن أدبه وفضل تجرِبته ما يَرِدُ عليه قبل وروده وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيُعِدُّ لكلِّ أمر عُدَّتَه وعَتَاده، ويُهَيِّئ لكلِّ وجه هيئته وعادته.

فتنافسوا يا معشرَ الكُتَّاب في صُنُوف الآداب، وتفقَّهوا في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله والفرائض، ثم العربيَّة فإنَّها ثِقَاف ألسنتكم، ثم أجيدوا الخطَّ فإنَّه حلية كتبكم، وارْوُوا الأشعار واعْرِفوا غريبها ومعانيها، وأيَّام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها؛ فإنَّ ذلك مُعِينٌ لكم على ما تَسْمُو إليه هِمَمُكم.

وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سَنِيِّهَا ودَنِيِّهَا، وسَفْسَاف[31] الأمور ومَحَاقرها؛ فإنَّها مَذَلَّة للرقاب، مَفْسَدَة للكُتَّاب. ونزِّهوا صِنَاعَتكم عن الدناءة، وارْبَئُوا[32] بأنفسكم عن السِّعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات. وإيَّاكم والْكِبْرَ والصَّلَف[33] والعظمة؛ فإنها عداوة مُجْتَلَبَة من غير إِحْنَة[34]. وتحابُّوا في الله في صناعتكم، وتَوَاصَوْا عليها بالذي هو أليق لأهل الفضل والعدل والنُّبْل من سَلَفِكم. وإن نبا[35] الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه، وواسُوه حتى يرجعَ إليه حالُه ويثوب إليه أمرُه، وإن أقعد أحدًا منكم الْكِبَرُ عن مكسبه ولقاء إخوانه فزُورُوه وعظِّموه وشاوِرُوه، واستظهروا بفضل تجربته وقديم معرفته، وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أَحْفَظَ منه على ولده وأخيه؛ فإنْ عَرَضَتْ في الشغل مَحْمَدَة فلا يصرفها إلاَّ إلى صاحبه، وإن عرضت مَذَمَّة فليحملها هو من دونه.

وليحذر السَّقْطة والزلَّة والملل عند تغيُّر الحال؛ فإنَّ العيب إليكم معشر الكُتَّاب أسرعُ منه إلى القرَّاء، وهو لكم أفسد منه لهم. فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبه مَن يبذل له من نفسه ما يجب له عليه من حقِّه، فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه، وشُكْرِه، واحتماله، وخيره، ونصيحته، وكتمان سره، وتدبير أمره ما هو جزاء لِحَقِّهِ، ويصدِّق ذلك بفعاله عند الحاجة إليه، والاضطرار إلى ما لديه. فاستشعروا ذلك -وفَّقكم الله من أنفسكم- في حالة الرخاء والشدَّة، والحرمان والمواساة، والإحسان، والسراء والضراء، فنعمت الشيمة هذه لِمَن وُسِمَ بها من أهل هذه الصناعة الشريفة. وإذا وُلِّيَ الرجلُ منكم أو صُيِّرَ إليه من أمر خلق الله وعياله أمر فليراقب الله ، وليُؤْثِرْ طاعته، وليكن مع الضعيف رفيقًا وللمظلوم منصفًا؛ فإن الخلق عيال الله، وأحبُّهم إليه أرفقهم بعياله.

ثم ليكن بالعدل حاكمًا، وللأشراف مُكْرِمًا، وللفيء موفِّرًا، وللبلاد عامرًا، وللرعية متألِّفًا، وعن أذاهم متخلِّفًا، وليكن في مجلسه متواضعًا حليمًا، وفي سِجِلاَّت خَرَاجه واستقضاء حقوقه رفيقًا.

وإذا صحب أحدكم رجلاً فليختبر خلائقه، فإذا عَرَفَ حَسَنَها وقبيحها أعانه على ما يُوَافقه من الحَسَنِ، واحتال على صرفه عمَّا يهواه من القُبْحِ بألطف حيلة وأجمل وسيلة، وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرًا بسياستها التمس معرفة أخلاقها؛ فإن كانت رَمُوحًا[36] لم يَهِجْهَا[37] إذا ركبها، وإن كانت شَبُوبًا[38] اتَّقاها من بين يديها، وإن خاف منها شرودًا توقَّاها من ناحية رأسها، وإن كانت حَرُونًا[39] قَمَعَ برفق هواها في طرقها، فإن استمرَّت عَطَفَها يَسِيرًا فَيَسْلُسُ له قيادها، وفي هذا الوصف من السياسة دلائلُ لمن ساس الناسَ وعاملهم وجرَّبهم وداخلهم.

والكاتب -لفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته، ومعاملته لمن يُجَاوِره من الناس ويناظره ويفهم عنه أو يخاف سَطْوَته- أَوْلَى بالرفق لصاحبه، ومداراته وتقويم أَوَدِه[40] من سائس البهيمة التي لا تُحِير جوابًا، ولا تعرف صوابًا، ولا تفهم خطابًا، إلاَّ بقدر ما يُصَيِّرها إليه صاحبها الراكب عليها. ألاَ فأَمْعِنوا -رحمكم الله- في النظر، واعْمَلُوا ما أمكنكم فيه من الرَّوِيَّة والفِكْرِ، تأمنوا بإذن الله ممن صحبتموه النَّبْوَةَ والاستثقالَ والجَفْوَة، ويُصَيَّر منكم إلى الموافقة، وتُصَيَّرُوا منه إلى المؤاخاة والشفقة، إن شاء الله[41].

[1] الأَناة والأنَى: الحِلم والوقار. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة أني 14/48.

[2] الخُرْقُ والخُرُقُ نقيض الرِّفْق. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة خرق 10/73.

[3] ابن عساكر: تاريخ دمشق 59/189، وعبد الرزاق: مصنف عبد الرزاق 11/165.

[4] شيء عَمِيمٌ أي: تام، والجمع عُمُمٌ. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة عمم 12/423.

[5] تَشاحُّوا في الأَمر: شَحَّ به بعضهم على بعض وتنازعوه، وتَبادروا إِليه حذر فَوْتِه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة شحح 2/495.

[6] عافَ الشيءَ: كرهه، والعَيُوف من الإبل الذي يشمُّ الماء وهو صاف فيدَعُه وهو عطشانُ. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة عوف 9/260.

[7] الأبيات للنعمان بن بشير من بحر الطويل. انظر: ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 2/190.

[8] طَمَّ الشيءُ إذا عَظُمَ، وطَمَتْ به الأمور أي: عَلَتْ وارتفعت. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة طمم 12/370.

[9] الإِدُّ: العَجبُ والأمر الفظيع العظيم والداهية. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة أدد 3/71.

[10] بُرْتُ الشيءَ أبُوره إذا خبرته، وبارَهُ بَوْرًا وابْتَارَهُ اختبره. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة بور 4/86.

[11] سَوَّغْتُه له: أَي جَوَّزْتُه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة سوغ 8/435.

[12] الخفَشُ: ضعف في البصر. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة خفش 6/298.

[13] الجاعِرَتانِ: حرفا الوَرِكَين المُشْرِفان على الفخذين، وقيل: الجاعرتان موضع الرَّقْمتين من است الحمار. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة جعر 4/139.

[14] المَنْهَل: المشرَب، وتسمَّى المنازل التي في المَفاوِز على طريق السُّفَّار مَناهِل؛ لأَن فيها ماءً. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة نهل 11/680.

[15] الغَمْزُ: العَصْرُ باليد، ومنها الدفع مجازًا. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة غمز 5/388، 264.

[16] ابن كثير: البداية والنهاية 9/154.

[17] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2/372.

[18] رجل دَنَفٌ ودَنِفٌ: براه المرضُ حتى أَشْفى على الموت. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة دنف 9/107.

[19] السيوطي: تاريخ الخلفاء ص215.

[20] الحَيْنُ: الهلاك، وحان الرجل أي هلك. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة حين 13/133.

[21] من ناوأهم أي: ناهضهم وعاداهم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة نوأ 1/174.

[22] الذبُّ: الدفع والمنع. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة ذبب 1/380.

[23] أي: أهل الشرك.

[24] الضِّرام: دقاق الحطب الذي يُسرَع اشتعال النار فيه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة ضرم 12/354.

[25] أطرق: سكت فلم يتكلم؛ لحيرة أو خوف أو نحوهما، وأَطْرَق فلان لفلان: إِذا مَحَل به ليُلْقِيه في ورطة، أُخِذَ من الطرق وهو الفخُّ. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة طرق 10/215.

[26] الغِيَرُ: تغيُّر الحال. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة غير 5/34.

[27] المجانة: أن لا يبالي ما صنع وما قيل له، والماجن عند العرب: الذي يرتكب المقابح المردية والفضائح المخزية. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة مجن 13/400.

[28] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 5/580.

[29] كان عبد الحميد الكاتب من أشهر الكتاب في الخلافة الأموية، فقد كان كاتبًا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقيل: إنه قُتِل معه في مصر عام 132هـ، وقيل: قتله عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطة الخليفة السفاح عبد الله بن محمد بن علي عام 134هـ.

[30] طرق القوم: جاءهم ليلاً، فهو طارق وهي طارقة، وجمع الطارقة طوارق. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة طرق 10/215.

[31] السَّفْسَافُ: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة سفف 9/152.

[32] ربأ: حفظ وأصلح، وربأ بفلان عن كذا: رفعه ونزَّهه. المعجم الوسيط ص321.

[33] الصَّلَفُ: الغلو والزيادة ومجاوزة القدر في حسن العبارة أو حسن الهيئة أو الحذق بالشيء والبراعة فيه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة صلف 9/196، 9/228.

[34] الإحْنةُ: الحقد في الصدر. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة أحن 13/8.

[35] نَبا بي فلان نَبْوًا: إذا جفاني ومنعني. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة نبا 15/301.

[36] رَمَح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر يرمح رَمْحًا: ضرب برجله، وقيل: ضرب برجليه جميعًا. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة رمح 2/452.

[37] هاجَ هائجُه: اشتد غضبه وثار، وهَيَّجْتُ الناقة فانبعثت: أي زجرتها ونفَّرتها. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة هيج 2/394.

[38] يقال للثَّوْرِ إِذا كان مُسِنًّا: شَبَبٌ وشَبُوبٌ ومُشِبّ، وناقة مُشِبَّة وقد أَشَبَّت، والشَّبُوبُ: الشابُّ من الثيران والغنم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة شبب 1/480.

[39] الحَرُون: الذي لا يَنْقاد، إذا اشتدَّ به الجَرْيُ وقف. وحَرَنَت الناقةُ: قامت فلم تَبْرَحْ. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة حرن 13/110.

[40] الأَوَدُ: العوج، والمراد تقويم المعوجِّ. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة أود 3/74.

[41] القلقشندي: صبح الأعشى 1/118-121، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/248.

موقع قصة الاسلام
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

محاسن العرب

روائع محاسن العرب
إنَّ للعرب محاس عرفها لهم الناس، منها ما قلدهم الغير فيها، ومنها ما كان خاصًا بهم، ومما يحسن إن يقلَّدوا فيه غض الطرف عن عورة الجار وعدم التعرض لحُرمه، حيث كان الرجل منهم يسافر ويترك زوجته في بيته فيمونها جاره وهو انزه الناس عن التعرض لها بسوء، بل إنه يكون عليها أكثر غيرة من زوجها لكونها في رعايته حتى يعود.

فهل يوجد الآن من يتصف بصفات حاتم الطائي حيث يقول:

نــاري ونار الجار واحـد وإليه قبلـي تنزل القــــدر
مـا ضـرَّني جـار أُجـاوره أن لا يكـون لبابــه ستـــر
اعشو إذا ما جارتي برزت حتى بواري جارتي الخدر

هذا في حضور جاره وفي غيبته يقول:

وما تشتكيني جارتي غير أنني إذ غاب عنها زوجها لا أزورها
سيبلغهــا خيــري ويرجع بعلها إليها ولم تسبل على ستـورهــا

أو من يقول كما قال حميد بن ثور الهلالي

وإني لعف عن زيارة جارتـي وإني لمشنوء إليَّ اعتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكـن لها زُوَار ولم تنج علىَّ كلابها
وما أنا بالداري أحاديث بيتها ولا عالم من أي حوك ثيابها
وإن قراب البطن يكيفك ملؤه ويكفيك سوآت الأمور جتنابها

ولكننا إذا رأينا تعرض الرجال للنساء في الطرقات الآن علمنا أنهم أشد تعرضًا لحُرم الجار، اللَّهم إلا من تدرع بدرع العفة واتصف بهذه الصفة العربية الجميلة، وما ذلك بالقليل العدد فيمن وقفت الزواجر الدينية بينهم وبين البواعث الجبلية والشهوات النفسية.

المصدر: مجلة الأستاذ للأديب عبد الله النديم
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

الرحمة .. روائع القصص

- قال سعيد بن عفير[1] عن أشياخه: لما جاز المسلمون الحصن يعني حصن مصر أجمع عمرو على المسير إلى الإسكندرية، فسار إليها في ربيع الأول سنة عشرين، وأمر بفسطاطه أن يقوَّض، فإذا بحمامة وقد باضت في أعلاه، فقال: لقد تحرمت بجوارنا، أقرّوها الفسطاط حتى تطير فراخها. فأقرّوا الفسطاط، ووكّل به أن لا تهاج حتى تشتد فراخها، فبذلك سُميت الفسطاط فسطاطًا[2].

- قال محمد بن زكريا الغلابي[3]: شهدت عبد الله بن محمد ابن عائشة ليلة وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله، وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض على امرأة، فجذبها، فاستغاثت، فاجتمع الناس عليه يضربونه، فنظر إليه ابن عائشة فعرفه، فقال للناس: تنحوا عن ابن أخي. ثم قال: إليَّ يابن أخي. فاستحي الغلام، فجاء إليه فضمَّه إلى نفسه، ثم قال له: امض معي. فمضى معه حتى صار إلى منزله، فأدخله الدار، وقال لبعض غلمانه: بيته عندك، فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه، ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به.

فلما أفاق ذكر له ما جرى، فاستحيا منه وبكى، وهَمَّ بالانصراف؛ فقال الغلام: قد أمر أن تأتيه. فأدخله عليه فقال له: أما استحييت لنفسك؟ أما استحييت لشرفك؟ أما ترى من والدك؟ فاتق الله، وانزع عما أنت فيه. فبكى الغلام منكِّسًا رأسه، ثم رفع رأسه، وقال: عاهدت الله تعالى عهدًا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ، ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب. فقال: ادن مني. فقبَّل رأسه، وقال: أحسنت يا بني. فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب عنه الحديث[4].

[1] سعيد بن عُفير أبو عثمان الأنصاري، مولاهم المصري. سمع: يحيى بن أيوب، ومالكًا، والليث، وابن لهيعة، وسليمان بن بلال، ويعقوب بن عبد الرحمن، وجماعة. وروى عنه: البخاري، وروى مسلم والنسائي عنه. انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات، باب أبو الغنائم الحلبي 5/76.

[2] ابن الجوزي: المنتظم 2/33.

[3] محمد بن زكريا الغلابي، بالغين المعجمة، واللام المخففة، والباء الموحدة بعد الألف البصري الخباري، هو في عداد الضعفاء وابن حبان ذكر في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن ثقة. وقال الدار قطنى: بصري يضع.

[4] الغزالي: إحياء علوم الدين 7/1236، 1237.
موقع قصة الاسلام
 
رد: روائعنا- متجدد

بهو الأسود .. قصر السباع تمت إزالة مشاركته لأن
فيه تجسيد لصور ذوات الأرواح، وهو مما أتفقت كلمة أهل السنة على تحريمه
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

روائع أقوال السلف

قال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم.

قال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نفسي، مرة لي ومرة علي.

قال مالك بن دينار - رحمه الله -: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً.

قال أبو بكر الوراق: استعن على سيرك إلى الله بترك من شغلك عن الله عز وجل، وليس بشاغل يشغلك عن الله عز وجل كنفسك التي هي بين جنبيك.

قال مجاهد: من أعزّ نفسه أذل دينه، ومن أذلّ نفسه أعزّ دينه.

قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس، وأول ذلك زهدك في نفسك.

قال خالد بن معدان: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أحقر حاقر.

قال الحسن: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر.

قال بكر بن عبد الله المزني: لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أهم قد غُفر لهم، لولا أنني كنت فيهم.

قال يونس بن عبيد: إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير، ما أعلم أن في نفسي منها واحدة.

قال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.

قال أبو يزيد: ما زلت أقود نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.

قال الحسن: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.

قال سهل: من اشتغل بالفضول حُرِم الورع.

قال معروف: كلام العبد فيما لا يعنيه، خذلان من الله عز وجل.

قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو.. حامض.. عذب.. أجاج.. وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه.

قال مالك بن دينار: إن الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله.

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم، جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب.

قال أبو الجوزاء: لأن أجالس الخنازير، أحب إلي من أن أجالس رجلاً من أهل الأهواء.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: كل ما كان في القرآن من مدح للعبد فهو من ثمرة العلم، وكل ما كان فيه من ذم فهو من ثمرة الجهل.

قال الشاطبي رحمه الله: آخر الأشياء نزولا من قلوب الصالحين: حب السلطة والتصدر.

قال ابن القيم رحمه الله: ولو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين والالتحاق بعالم الملائكة لكفى به شرفاً وفضلاً، فكيف وعزّ الدنيا والآخرة منوط به مشروط بحصوله.

قال ابن الأثير: إن الشهوة الخفية: حب اطلاع الناس على العمل.

قال بشر بن الحارث: ما اتقى الله من أحب الشهرة.

قال علي رضي الله عنه :يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.

قال بشر الحافي :أدوا زكاة الحديث: فاستعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث.

قال الحسن: إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غداً لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم.

قال محمد بن عبد الباقي: ما أعلم أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أولعب.

قال الذهبي: إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: العالم الرباني هو الذي يعلم الناس صغار العم قبل كباره.

قال أحد السلف: إنما العلم مواهب يؤتيه الله من أحب من خلقه، وليس يناله أحد بالحسب، ولو كان لعلة الحسب لكان أولى الناس به أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

قيل للشعبي رحمه الله: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور كبكور الغراب.

قال الذهبي رحمه الله: ما خلا مجتمع من التغاير والحسد، إلا ما كان في جانب الأنبياء والرسل عليهم السلام.

قال الشافعي رحمه الله: والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من مروءتي شيئا ما شربت إلا حارا ً.

قيل لأحمد بن حنبل: كيف تعرف الكذابين؟ قال: بمواعيدهم.

قال هرم بن حيان: ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم.
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

من روائع التشريع الإسلامي في الأوقاف

إن التشريع مُقَوِّم أساسي من مُقَوِّمات المجتمع، فلا بُدَّ لأي مجتمع من قانون يضبط علاقاته، ويعاقب مَنِ انحرف عن قواعده؛ سواء أكان هذا القانون مما نزل من السماء، أم مما خرج من الأرض، فالضمائر والدوافع الذاتية لا تكفى وحدها لعموم الخلق، والمحافظة على سلامة الجماعة، وصيانة كيانها المادِّي والمعنوي، وإقامة القسط بين الناس؛ ولهذا أرسل الله عز وجل رسله وأنزل كتبه لضبط مسيرة الحياة بالحقِّ؛ كما قال سبحانه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد:25]، كذلك أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه الخالد ليحكم بين الناس، لا ليُتْلَى على الأموات، ولا لتُزَيَّن به الجدران؛ قال سبحانه{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}[النساء:105].

والتشريع في الإسلام رباني شمولي؛ إذ يُنَظِّم العلاقة بين الإنسان وربِّه، وبين الإنسان وأسرته، وبين الإنسان ومجتمعه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الأغنياء والفقراء، والملاَّك والمستأجرين، وبين الدولة الإسلاميَّة وغيرها في حالة السلم وحالة الحرب؛ فهو قانون مدني و إداري، ودستوري ودولي إلى جانب أنه قانون ديني؛ ولهذا اشتمل الفقه الإسلامي على العبادات والمعاملات، والأنكحة والمواريث، والأقضية والدعاوى، والحدود والقصاص والتعازير، والجهاد والمعاهدات، والحلال والحرام، فهو يُنَظِّم حياة الإنسان من أدب قضاء الحاجة للفرد إلى إقامة الخلافة والإمامة العظمى للأُمَّة.[1]

والوقف جزء من هذا التشريع الرباني الحكيم، الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وتبعه في ذلك الأئمة المهديون من الصحابة رضي الله عنهم والتابعون إلى يومنا هذا، ولذلك فمن الضروري أن يُنظر إلى الوقف من منظار آخر، منظار ينفض الغبار الذي طاله لسنين عديدة، ويُذَكِّر المسلمين أن هناك مشروعًا حضاريًّا مهمًّا يتمثَّل في إعادة إحياء الأوقاف مرَّة أخرى، بعدما اندرست في كثير من بلدان المسلمين؛ فإحياء الأوقاف مهمَّة لا تتوقَّف حدودها عند فئة دون أخرى؛ إذ هي مهمَّة شاملة شأنها شأن القضايا الكبرى في بلادنا؛ فما من علاج ناجع للقضاء على الأمراض والبطالة والفقر وإقامة المشروعات التنمويَّة والخدميَّة والمجتمعيَّة أفضل من الوقف!

روعة أهداف الوقف
رغم كون الواقفين قد ابتغَوُا الأجر والثواب من الله عز وجل عند إنشائهم للأوقاف؛ بيد أنهم حرصوا على أن تكون هذه الأوقاف مُلَبِّيَة لمتطلَّبات المجتمع في أزمنتهم وأمصارهم؛ ولذلك ترتَّب على إنشاء هذه الأوقاف أهميَّة كبرى، ومرامٍ متنوِّعة يمكن أن نستوضح بعضها كما يلي:

1- الأهمِّيَّة الدينيَّة: تكمن في رغبة الإنسان في الحصول على الأجر والمثوبة، وأن يرجو أن يكون عمله هذا سببًا في مغفرة ذنبه، وعُلُوِّ درجته عند ربِّه؛ لذا اشترط الفقهاء أن يكون الوقف للبِرِّ وأعمال الخير، فقالوا بوجوب حبسه "على وجهٍ تَصِلُ المنفعة إلى العباد، فيزول مِلْك الواقف عنه إلى الله تعالى"[2].

2- الأهميَّة العائليَّة: فحينما يُوقِفُ الواقف عقاره أو أرضه أو ماله على ذُرِّيته؛ فإنه بذلك يحرص على ضمان مستقبلهم، وحمايتهم من الحاجة والفاقة، التي قد تُلِمُّ بأحدهم مستقبلا.

3- الأهميَّة العلميَّة: كوقف المدارس التي تُعَلِّم العلوم، وهذا من باب حفظ العِلْمِ من الضياع؛ سواء كان علمًا شرعيًّا أم حياتيًّا؛ فالأُمَّة الإسلاميَّة محتاجة لكِلا النوعين.

4- الأهميَّة الاجتماعيَّة: تَتَمَثَّل في مساعدة الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمُعْوِزين؛ فيتسبَّبُ الوقف في علاج كل كسر وألم يعاني منه هؤلاء.

5- الأهميَّة الصحِّيَّة: حيث يقوم الوقف على إنشاء المستشفيات التي تتسبَّب في رفع الحرج عن المرضى، وخصوصًا الفقراء منهم الذين لا يستطيعون تَحَمُّل تكاليف العلاج وما يَتَرَتَّب عليه؛ فيكون الوقف سببًا في راحتهم وسعادتهم.

6- الأهميَّة العسكريَّة: تقوم بعض الوقفيات العامَّة بخدمات المجالات العسكريَّة؛ إذ يُخَصَّص جزء من ريعها للمجاهدين؛ لشراء الأسلحة والعتاد لتقوية الجيش، وكذا لمُفَادَاة الأسرى.[3]

جمال الوقف الخيري
إن الغالبيَّة الكبرى من الأوقاف الإسلاميَّة في بلداننا إنما هي أوقاف خيريَّة أو أهليَّة، وهذا الوقف يكون من الواقف لجهة مُعَيَّنَة لا تمتُّ له بصلة أو صداقة أو قربى، ومن ثَمَّ فالوقف الخيري إنما هو انعكاس حقيقي لروعة أخلاق الواقفين المسلمين والمجتمع كله؛ فكأنَّ إنشاء مثل هذا الوقف تعبيرٌ عن تضامن الواقفين بالمجتمع الإسلامي كله، ومثل هذا الوقف لم يفرضه التشريع الإسلامي على المسلمين، وإنما فرضه وأوجبه أهل الخير وذوو اليسار وطالبو الجنان من أبناء هذه الأُمَّة المباركة على أنفسهم!

ولقد عَرَّف الفقهاء الوقف الخيري بأنه حبس العين عن أن تُمَلَّك لأحد من الْعِبَادِ، والتصدُّق بمنفعتها ابتداءً وانتهاءً على جهة بِرٍّ لا تنقطع [4]؛ فالوقف الخيري هو الوقف العامُّ الذي يحقُّ لأي فقير أو مسكين أو محتاج أن ينتفع به؛ لأن ذلك هو غرض الواقف وإن لم يذكره صراحة في وقفيته.

والحقُّ أن الوقف الخيري يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما أَقَرَّتْه الشريعة، كما أنه يبحث عن المصلحة أينما كانت، وأوَّل ما يهتمُّ به هو حفظ الضروريات التي لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها؛ وأُولَى هذه الضروريات وأهمُّها حفظ الدين؛ لذلك انتشر كثيرًا في العالم الإسلامي وقف المساجد، وتنافس الأمراء والوزراء ورجال الاقتصاد وأهل الثراء على بناء المساجد في كل مدينة وقرية في أنحاء العالم الإسلامي، ووقفوا عليها أموالاً كثيرة لعمارتها ورعايتها والاهتمام بخُدَّامها وأئمتها.

وأفردَ الفقهاء المسلمون أبوابًا واسعة في كتب الفقه لدراسة وقف المساجد، ووَضْعِ الضوابط الكافية لحماية مثل هذه الأوقاف، ودرس الفقهاء بعض المسائل الدقيقة ليمنعوا أي تلاعب بهذا النوع من الأوقاف؛ فعلى سبيل المثال اتفقت المذاهب الأربعة على أنه لا يجوز أن يكون المسجد جزءًا شائعًا، فلا يصلح أن يكون مسجدًا وشيئًا آخر في الوقت نفسه؛ لتعذُّر إقامة الصلاة في أجزائه جميعًا، كما أنه لا يتوقَّف لزوم وقف المسجد تسليمه إلى الناظر؛ لأن مَنْ بنى مسجدًا وأفرزه وجعله مستقلاًّ عن مِلكه، وأَذِن للناس بالصلاة فيه، فصَلَّى فيه مُصَلٍّ واحدٌ زال مِلْك الواقف، وكذا الإفراز؛ لأنه لا يخلص لله عز وجل إلا به.[5]

بل إننا وجدنا فقهاء المالكيَّة -مثلاً- يقولون بجواز بيع الوقف لتوسعة المسجد الجامع، ونجدهم يُعَلِّلُون ذلك بأن المصلحة الشرعيَّة المترتِّبَة على توسعة المسجد أرجح من مصلحة الوقف، وأكثرُ نفعًا منه؛ لأنها مصلحة حفظ الدين، وكذلك هي مصلحة تنفع عموم المسلمين، فقالوا: "لأن نفع المسجد أكثر من نفع الوقف؛ فهو قريب لغرض الواقف"[6]. وغرض الواقف هو إرضاء الله سبحانه وتعالى بأكثر الطرق نفعًا.

ويلحق بالمساجد من ناحية حفظ الدين ما قام به بعض المسلمين من وقفٍ لإنشاء زوايا صغيرة مُخَصَّصَة لاعتكاف العُبَّاد فترات طويلة.[7]

ومن الأوقاف الخيريَّة الرائعة وقف المدارس؛ ففي هذه المدارس كانت تُدرَّس علوم القرآن وسائر علوم الشريعة، كما كانت تُدرس بقيَّة علوم الحياة؛ كالطب والرياضيات والفلك والجغرافيا.. وغير ذلك، وهناك أوقاف خيريَّة أخرى كالمستشفيات والأسبلة والخانات.. وغيرها.

فالوقف الخيري قادر على الإيفاء بمتطلَّبات المقاصد الكليَّة كافة، وسوف نعرض -إن شاء الله سبحانه- في مقالات تالية ما حققته هذه الأوقاف الخيريَّة في حضارتنا الإسلاميَّة من تَقَدُّم ورقي وإبهار.

[1] انظر: يوسف القرضاوي: التشريع الإسلامي.. أهميته وضوابطه على الموقع الإلكتروني للدكتور يوسف القرضاوي
[2] الحصفكي: الدر المختار 4/533، 534.
[3] انظر: عكرمة سعيد صبري: الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق ص80-87.
[4] انظر: السرخسي: المبسوط 12/47.
[5] انظر: ابن عابدين: حاشية رد المحتار على الدر المختار 4/343، وعبد الغني الغنيمي الدمشقي: اللباب شرح الكتاب ص223، وعلي الصعيدي العدوي: حاشية العدوي 2/343، والبكري الدمياطي: إعانة الطالبين 3/189، ومنصور بن يونس البهوتي: كشاف القناع 4/243.
[6] أحمد بن غنيم النفراوي: الفواكه الدواني 2/165.
[7] مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا ص97.
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

قصر الجعفرية في سرقسطة

يعد قصر الجعفرية نسبة إلى أبي جعفر المقتدر بن هود، وهو واحد من أروع ما شيَّدته الحضارة الإسلامية في بلاد الأندلس، وواحد من مفاخر سرقسطة الواقعة في الشمال الشرقي من إسبانيا.

سرقسطة
تقع مدينة سرقسطة إلى الشمال الشرقيّ من شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس وهي إسبانيا والبرتغال حاليًّا) -على مسافة 318كم من مدريد- وكانت تمثّل الثغر الأعلى لبلاد الأندلس، إذ هي حائط الصدِّ الأول والأهم لبلاد الأندلس من هجمات الممالك النصرانية الإسبانية؛ فهي تقع بين مملكة قطلونية من الشرق، ومملكة نافار أو نبرة من الشمال الغربي، ومملكة قشتالة من الجنوب الغربي؛ لذلك فهي في جهاد دائم (1)، وتُعرف بالمدينة البيضاء لكثرة جصها وجيارها، وقيل لأنّ أسوارها القديمة من حجر الرخام الأبيض، ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة وإن جلبت إليها ماتت وحيًا(2).

المقتدر بن هود
هو أحمد بن سليمان بن محمد بن هود، من ملوك الطوائف بالأندلس، ملك بعد أبيه سليمان بن هود، وكان المقتدر بن هود من أعظم ملوك الطوائف، حكم 35 عاماً فيما بين 438 و474هـ / 1046-1081م. ويصفه الحجاري في المسهب بأنّه " عميد بني هود وعظيمهم، ورئيسهم وكريمهم"، وكان يتمتع بكثير من الخلال البديعة، فقد كان أميرًا عظيمًا يحيط نفسه بجو من المهابة والروعة، وكان بلاطه من أعظم قصور الطوائف وأفخمها، وكان يحيط نفسه بطائفة من أشهر العلماء والكتّاب في عصره، ومن هؤلاء العلامة الفقيه أبو الوليد الباجي، ووزيره أبو المطرف بن الدباغ، ووزيره الكاتب اليهودي المسلم أبو الفضل ابن حسداي السرقسطي، وكان كلاهما من أعلام عصره في البلاغة والأدب.
بل كان المقتدر نفسه من علماء عصره، وكان يشغف بدراسة الفلسفة والرياضة والفلك، وقد كتب كتبًا في الفلسفة والرياضة(3).

قصر الجعفرية
ينسب قصر الجعفرية إلى أبي جعفر المقتدر بالله بن هود، من أعظم وأفخر القصور الملكية في ذلك العصر، وهو جزء من قصبة سرقسطة، أي حصنها المنيع الذي يقيم فيه الحكام والجند، واعتُبر من أعظم وأضخم القصور الملكية في العصور الوسطى، وقد اشتُهر في تاريخ الفن الإسلامي باسم " دار السرور"، وكان أروع ما فيه بهوه الرائع الذي زينت جدرانه بالنقوش والتحف الذهبية البديعة، والذي كان يسمّى لذلك بالبهو الذهبي، أو مجلس الذهب(4).
وقد تفاخر بقصر الجعفرية المقتدر بن هود، وهو أوّل من تغزل بقصره شعرًا واصفًا إيّاه بأنه قمّة ما تمنّى، وأنه على الرغم من اتساع حكمه ومآثره في إقليم آراغون إلا أن هذا القصر وحده يكفيه كمفخرة له عن كل مآثره الأخرى.
وفيه يقول المقتدر:
قصر السرور ومجلس الذهب ... بكما بلغت نهاية الطرب
لو لم يحز ملكي خلافكما ... لكان لدي كفاية الأرب(5)
ولما سقطت سرقسطة في يد الإسبان؛ شُوِّهت معالم هذا القصر البديع، وأُدخلت فيه تعديلات وتغييرات عديدة قضت على محاسنه وزخارفه العربية، وما زالت بقاياه الدارسة تقوم حتى اليوم في قلب مدينة سرقسطة باسم قصر الجعفرية Palacio Aljaferia(6).

وصف قصر الجعفرية
قام المقتدر بن هود ببناء قصره خارج المدينة، حيث يمتد النظر من شرفاته على حدائق وبساتين خضراء حتى النهر، وحصَّنه بقلاع عالية وخندق عريض، مازجًا في فنّه المعماري ملامح من دمشق وبغداد والمغرب.

فيما يغلب عليه التأثّر بالفن المعماري في قرطبة، وجعل فيه محرابًا رائعًا للصلاة، وقاعات للتدارس وصالات للترف والاحتفالات منها مجلس الذهب.

مجلس الذهب
ويحتوي القصر على صالة سميت بـ"مجلس الذهب"؛ لما تتّسم به من سحر وجمال، وفي وسطه بئر تصل مياهه عبر قناة من النهر وبمستواه ترتفع بارتفاعه وتنخفض بانخفاضه، مما يجعل الماء وفيرًا في القصر ونافوراته، ولم ينس البركة المعروفة في قصور الشرق كرمز للرفاهية والخير والسلام، فيما زُيِّنت الجدران بنقوش جمالية والسقوف بفسيفساء إسلامية.

نوافذه وهندسته
نوافذه وهندسته دُرِست بعناية مراعية لمساقط الضوء وانعكاساته على ألوان المبنى التي من أبرزها الأحمر والأزرق والزهري والأبيض.. بل إن معماره قد أثّر في كل المعالم الأندلسية التي بنيت بعده بما في ذلك جوانب من قصر الحمراء في غرناطة.

قصر السرور
وقد أطلق عليه آنذاك "قصر السرور" دلالة على الرخاء والرفاهية وباعتباره قصر صيفي لإقامة الملك ومركزًا ثقافيًّا وفنيًّا في عصره، ثم تحوّل اسمه مع مرور الزمن إلى (الجعفرية) نسبة إلى جعفر بن المقتدر؛ حيث درج الأسبان على هذه التسمية حتى اليوم.

جامعة علمية
لقد سعى المقتدر عبر هذا القصر إلى تقليد المناخ الثقافي الذي كان سائدًا في بغداد وخاصة في (بيت الحكمة)، فقد جعل منه بمثابة جامعة فكرية علمية ثقافية فنية مفتوحة إلى جانب كونه قصرًا ترفيهيًّا يتم فيه تطبيق التقاليد الشرقية.

فكان يجمع فيه خيرة علماء الفقه، والفلسفة، والطب، والهندسة، والشعراء، وأهل الفن، بغضّ النظر عن كونهم مسلمين أو نصارى أو يهود، فقد كان جوُّ التسامح والتلاقح الثقافي سائدًً بحيث يشكّل علماء الأديان الأخرى جزءًا مكملاً في إطار فسيفساء الثقافة الإسلامية، بل إنّ بعضهم كان يُعِينُ العلماء المسلمين على الاستنتاج والاستنباط في العلوم الإسلامية نفسها، لما كانوا عليه من دراية وتشبع بالثقافة الإسلامية، ممّا جعل للحركة الثقافية في سرقسطة خصوصيتها، بحيث أثار دهشة الباحثين والآثاريين اليوم وجود رسم نحتي لطائر مجسد وسط زخرفة أحد أعمدة مداخل القصر، وهو ما لم يوجد في أي أثر إسلامي آخر بحكم منع الإسلام لتجسيد الكائنات الحية في الرسم والنحت، الأمر الذي جعل الباحثين يعزون ذلك إلى طبيعة الانفتاح الثقافي التي كانت سائدة في هذا القصر، فيما يرى البعض بأنه محاولة في استكمال التصور عن قصور الجنة، لما كان عليه هذا القصر من روعة، فوضعوا صورة الطير في الأعلى.

القباب والجدران
كما تم تطريز للحواشي العليا للجدران والسقوف بآيات من القرآن بالخط الكوفي وخاصة في المحراب والمدخل، أمّا في القاعات العليا فقد تكررت عبارة (الملك لله..الملك لله) بكل الاتجاهات مثلما تكررت عبارة (لا غالب إلا الله) في قصر الحمراء (7).

قصر الجعفرية في يد النصارى
ولشدّة إعجاب ملوك آراغون بهذا القصر الذي استولوا عليه بعد سقوط سرقسطة، وبشكل خاصّ بيدرو دي آراغون الذي أحبّ أن يكون قصره في هذا القصر، فأقاموا عليه التحويرات وبنوا قاعة احتفالاتهم فوق قاعة احتفالات المسلمين كدلالة على الانتصار والتفوق، وكما حدث في غرناطة وقرطبة وغيرها، راحوا يلصقون رموز وشعارات مملكاتهم والصلبان على السقوف وأعالي الجدران، إضافة إلى تطريزات قوطية ورومانية وكنائسية وتحويل المحراب إلى مطبخ.

ومما يدعو للتأمل مفارقة أن يخطوا أسماء زوجاتهم وتواريخ زواجهم، وشعارات دعاية سياسية لحكمهم، وسيوف، ودروع، ورماح، وصورًا لهم ولانتصاراتهم، وعبارات تشير إلى قوتهم وملكيتهم الأبدية التي لا تزول وتحويل الغرف الجانبية إلى زنزانات للتعذيب، فبينما يذكر الحاكم المسلم نفسه بالتواضع والفناء وأن هذا (الملك لله) يفعل الآخر العكس.

وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تم تحويل القصر بحكم تحصيناته العسكرية إلى مقر للجيوش ولمحاكم التفتيش وسجن لمعارضي الحكومات المتلاحقة على امتداد ثلاثة قرون، حيث مازالت آثار السجناء باقية من عبارات عذاب، وذكريات، وحساب للأيام، وأسماء حبيباتهم، وخربشات خطّوها بأظافرهم.

ثم أُهمل القصر وظل في تصّور الناس على أنَه مجرد قلعة عسكرية قديمة، إلى أن صدر القرار بإعادة ترميمه وصيانته في أواسط الثمانينات من القرن العشرين؛ حيث تم العمل فيه بجدية وأمانة استطاعتا أن تجعلا منه الآن معلمًا مثيرًا للدهشة والتأمل، وهو يجمع في تكوينه الحالي آثار مراحل وقرون عديدة منها الإسلامي الأندلسي؛ ثم الملوكي الأراغوني؛ والعصر الوسيط؛ وأضيف إليه ركن حديث تابع لبلدية آراغون؛ فأصبح رمزًا وسجلاً لتلاحق وتوارث العصور وأرشيفًا لحضارات متعاقبة، حتى حاز مؤخرًا على جائزة أوربية.

(1) راغب السرجاني: الأندلس من الفتح إلى السقوط.
(2) الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار1/ 317.
(3) محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 2/ 282 – 283. خليل إبراهيم السامرائي - عبد الواحد ذنون طه - ناطق صالح مصلوب: تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس 1/ 244.
(4) محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 2/283.
(5) محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 2/283. محسن الرملي: سرقسطة الأندلسية في الأمس واليوم، هي (المدينة البيضاء) لا تدخلها الأفاعي أبداً ودرة معالمها (قصر الجعفرية). مجلة النبأ العدد 29 رمضان 1427هـ / نوفمبر 2005م.
(6) محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 2/283.
(7) محسن الرملي: سرقسطة الأندلسية في الأمس واليوم هي (المدينة البيضاء) لا تدخلها الأفاعي أبداً ودرة معالمها (قصر الجعفرية). مجلة النبأ العدد 29 رمضان 1427هـ / نوفمبر 2005م. قصر الجعفرية في إسبانيا: موقع روائع جواد.
 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

روائع أقوال ابن القيم

- في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوُّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغيُ قارون، وقحّة هامان (أي لؤم)، وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني إسرائيل فبارك ولم يلعن)، وحِيَلُ أصحاب السبت، وتمرُّد الوليد، وجهل أبي جهل.

وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب، وشَرَهُ الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضبِّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصَولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفَّة الفراش، ونوم الضَّبع[1].

- أصل كل شر يعود إلى إحداث البدع وإلى اتباع الهوى[2].

- صلاة المنافقين صلاة أبدان لا صلاة قلوب[3].

- كل من أعرض عن الحق وقع في الباطل[4].

- كلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب[5].

- العبادات لا تسقط بالعجز عن بعض شرائطها ولا عن بعض أركانها[6].

- استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين[7].

- لم يأمر الله سبحانه بأمر ثم يبطله رأساً، بل لا بد أن يبقي بعضه أو بدله[8].

- الدفع أسهل من الرفع[9].

- الكفارات شرعت فيما كان مباح الأصل، وحرم لعارض لا في محرم الجنس، كالجماع في نهار رمضان مباح الأصل ولكن حرم لعارض الصوم[10].

- قاعدة الصلوات: كل ما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم فلا بد من افتتاحه بالطهارة[11].

- لا يجوز القضاء ولا الفتيا بمجرد النقول في الكتب مع اختلاف العرف[12].

- إذا احتاج العالم للناس فقد مات علمه وهو ينظر[13].

- القاضي والمفتي يشتركان في وجوب إظهار حكم الشرع في الواقعة ويتميز القاضي بالإلزام[14].

- لا للاختلاط:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: لو علم أولياء الأمر ما في ذلك – أي: فساد النساء واختلاطهن بالرجال من فساد الدنيا والرعية قبل الدين - لكانوا أشد شيئاً منعاً لذلك[15].

- اتفق الصحابة على قتل اللوطي وإنما الخلاف في صفة القتل[16].

- المعاريض في البيوع؛ قال أحمد: لا تكون في البيع والشراء وتصلح بين الناس[17].

- الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه وبلوغها إليه[18].

- لكل مطلوب مفتاح كما أن لكل شر مفتاح[19].

- الناس في الأموال:

* عدل وهو البيع.

* ظلم وهو الربا.

* فضل وهو الصدقة[20].

[1] الفوائد لابن القيم.

[2] الفوائد لابن القيم: 1/136.

[3] مدارج السالكين: 1/354.

[4] المدارج: 3/160.

[5] إعلام الموقعين: 4/118.

[6] إعلام الموقعين: 3/27, بدائع الفوائد 4/30.

[7] تهذيب السنن: 2/309.

[8] الداء والدواء: 278.

[9] إعلام الموقعين: 2/324.

[10] إعلام الموقعين: 2/99.

[11] تهذيب السنن: 1/52.

[12] إعلام الموقعين: 3/89.

[13] إعلام الموقعين: 4/204.

[14] بدائع الفوائد: 4/22.

[15] الطرق الحكمية: 276.

[16] بدائع الفوائد: 3/175, الداء والدواء: 246.

[17] بدائع الفوائد: 4/55.

[18] بدائع الفوائد: 2/39, زاد المعاد: 3/201.

[19] حادي الأرواح: 68.

[20] إعلام الموقعين: 1/387.



 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

الصبر .. روائع أخلاق الرسول

1- أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر:

قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة كبعضِ ما كان يقسم، فقال رجل من الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله. قلت[1]: أما أنا لأقولَنَّ للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فساررته، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ"[2].

2- أوعك كما يوعك رجلان منكم:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا. قال: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ". قلت: ذلك أن لك أجرين. قال: "أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"[3].

3- الصبر عند الصدمة الأولى:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي". قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك. فقال: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى"[4].

4- الصبر على أذى قريش:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجَمْعُ قريشٍ في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثبت النبي ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة عليها السلام، وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم.

فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ". ثم سمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً"[5].

[1] أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو راوي الحديث.
[2] البخاري: كتاب الأدب، باب الصبر على الأذى (5749)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه (1062).
[3] البخاري: كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول (5324)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك (2571).
[4] البخاري: كتاب الجنائز، باب زيارة القبور (1223)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى (1223).
[5] البخاري: أبواب سترة المصلي، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى (498)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (1794).

 
رد: روائعنا- متجدد

السلام عليكم

الورع .. روائع القصص

- عن الحسن، قال: بينما عمر بن الخطاب يمشي ذات يوم في نفر من أصحابه إذا صَبِيَّة في السوق يطرحها الريح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا! مَن يعرف هذه؟

قال له عبد الله: أوَ مَا تعرفها؟! هذه إحدى بناتك.

قال: وأي بناتي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر.

قال: فما بلغ بها ما أرى من الضيعة؟ قال: إمساكك ما عندك.

قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلبُ الأقوامُ، أما والله ما لك عندي إلا سهمك مع المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله[1].

- لما حضرتْ عمرَ بن عبد العزيز الوفاةُ دعا بنيه وكانوا أحدَ عَشَرَ رجلاً، ولم يخلف غير بضع عشر دينارًا، فأمر أن يكفَّن ويُشْتَرَى له موضعٌ يُدفن فيه بخمسة دنانير، ويقصد المال على وارثيه، فأصاب كلّ ابن منهم نصف دينار وربع دينار، وقال: يا بني، ليس لي مال فأوصي فيه، ولكني قد تركتكم وما لأحد عندكم تبعة، ولا يقع على أحد منكم عين أحد إلا ويرى لكم عليه حقًّا. فقال له مسلمة بن عبد الملك: أَوَ خير من ذلك يا أمير المؤمنين. قال: وما هو؟ قال: هذه ثلاث مائة دينار، فرِّقها فيهم، وإن شئت فتصدق بها، وأوص فيها بما شئت. قال: أَوَ خير من ذلك يا مسلمة، تردُّها إلى مَن أخذتها منه، فإنها ليست لك بحقٍّ. ثم قال: إن ولدي أحد رجلين: فإما صالح فالله يتولَّى الصالحين، وإما فاسق فلا أحب أن أترك له ما يستعين به على معصية الله. فقال مسلمة: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيًّا وميتًا، فقد ألنت لنا قلوبًا قاسية، وذكرتها وكانت ناسية، وأبقيت لنا في الصالحات ذكرًا. فيقال: إنه ما رُئِي أحد من أولاد عمر بن عبد العزيز إلا وهو غني، ولقد شوهد أحدهم وقد جهز من خالص ماله مائة فارس على مائة فرس في سبيل الله تعالى، ولما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاةُ خلف أحد عشر ابنا كما خلف عمر بن عبد العزيز، وأوصى، فأصاب كل ابن ألف ألف دينار، فقال: إنه ما رُئِي أحد منهم إلا وهو فقير[2].

- قال أحمد بن سهل: مات أبو علي المَنْجُورَاني، فخرجنا نعزي ابنه علي بن محمد، فلما رجعنا من دفن أبيه نزع ثيابه، ودخل الماء في نهر، وقال: اشهدوا أني لا أملك اليوم شيئًا مما ورثت عن أبي؛ لأنه يتخالج في صدري، فإن واسيتموني بقميص حتى أخرج من الماء فعلتم. قال: وكان لنا صديقًا مؤانسًا، فألقوا إليه قميصًا، فخرج من الماء. وكان أبوه ترك مالاً لا يحصى[3].

- عن يوسف بن أسباط، أن الثوري وابن المبارك اختلفا في رجل خلف متاعه عند غلامه، فباع ثوبًا ممن يكره مبايعته، قال: قال الثوري: يخرج قيمته، يعني قيمة الثوب. وقال ابن المبارك: يتصدق بالربح.

فقال الرجل: ما أجد قلبي يسكن إلا أن أتصدق بالكيس. وقد كان ألقى الدراهم في الكيس. فقال أبو عبد الله[4]: بارك الله فيه[5].

- عن عبد الله بن راشد صاحب الطيب، قال أتيتُ عمر بن عبد العزيز بالطِّيبِ الذي كان يصنع للخلفاء من بيت المال، فأمسك على أنفه، وقال: إنما يُنتفع بريحه[6].

- قدم على عمر بن الخطاب مسك وعنبر من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني أجد امرأة حسنة، تزن لي هذا الطيب حتى أفرقه بين المسلمين.

فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن، فهلم أزن لك.

قال: لا. قالت: ولم؟!

قال: إني أخشى أن تأخذيه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحين عنقك، فأصيب فضلاً عن المسلمين[7].

- عن فاطمة ابنة عبد الملك، قالت: اشتهى عمر بن عبد العزيز يومًا عسلاً، فلم يكن عندنا، فوجَّهنا رجلاً على دابَّة من دوابِّ البريد إلى بعلبك بدينار، فأتى بعسل، فقلت: إنكَ ذكرتَ عسلاً، وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ قالت: فأتيناه به فشرب، ثم قال: من أين لكم هذا العسل؟ قالت: وجَّهْنَا رجلاً على دابَّة من دوابِّ البريد بدينار إلى بعلبك، فاشترى لنا عسلاً. فأرسل إلى الرجل، فقال: انطلق بهذا العسل إلى السوق فبعه، واردد إلينا رأس مالنا، وانظر إلى الفضل فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيء لتقيَّأت[8].

- كان سفيان الثوري وسليمان الخوَّاص بمنى، فقال: امض بنا إلى هذا -يعني الخليفة- حتى نأمره. فدخل سفيان، فقال له: ادنه.

فقال: لا أطأ على ما لا تملك. قال: يا غلام أدرج. فأدرج البساط.

فقال له سفيان: كم أنفقت في حجتك؟ قال: لا أدري.

قال: لكن عمر بن خطاب أنفق ستة عشر دينارًا، وقال: أجحفنا ببيت المال. وأنت قد أنفقت الأموال.

فقال له أبو عبيد الله: شطت، تكلم أمير المؤمنين بمثل هذا.

فقال له سفيان: اسكت، ما أهلك فرعون إلا هامان.

فلما وَلَّى سفيان، قال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أضرب عنقه.

فقال له: اسكت، ما بقي على وجه الأرض مَن يُسْتَحْيَا منه غير هذا[9].

- عن مسلمة بن عبد الملك، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر فلا يدخل عليه أحد، فجاءته جارية بطبق عليه تمر صيحاني[10]، وكان يعجبه التمر فرفع بكفِّه منه، فقال: يا مسلمة، أترى لو أن رجلاً أَكَلَ هذا، ثم شرب عليه من الماء على التمر طيب أكان مجزئه إلى الليل؟

قلت: لا أدري.

قال: فرفع أكثر منه، فقال: هذا؟

قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان كافيًا دون هذا، حتى ما يبالي أن لا يذوق طعامًا غيره.

قال: فعلام يدخل النار؟

قال مسلمة: فما وقعت مني موعظة ما وقعت هذه[11].

- عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، أنه خرج إلى عمر فنزل عليه، وكانت لعمر ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنًا فأنكره، فقال: "ويحك! من أين هذا اللبن؟" فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناقة انفلت[12] عليها ولدها، فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله. فقال له عمر: ويحك! سقيتني نارًا، ادعُ لي علي بن أبي طالب. فدعاه، فقال: إن هذا عمد إلى ناقة من مال الله، فسقاني لبنها أفتحله لي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، هو لك حلال ولحمها، وأوشك أن يجيء من لا يرى لنا في هذا المال حقًّا[13].

- عن العباس بن سهم، أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك[14].

- عن الشعبي، قال: جاء رجلان إلى شريح، فقال أحدهما: اشتريت من هذا دارًا فوجدت فيها عشرة آلاف درهم. فقال: خذها. فقال: لِمَ إنما اشتريت الدار؟! فقال للبائع: خذها أنت. قال: لِمَ وقد بعته الدار بما فيها؟! فأدارا الأمر بينهما فأبيا، فأتيا زيادًا فأخبراه، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا هكذا بقي. وقال لشريح: ادخلْ بيت المال، فألقِ في كل جراب قبضة حتى يكون للمسلمين. ثم قال للشعبي: كيف ترى الأمر؟ قال أبو بكر بن عياش: أعجبه ما صنع[15].

- كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحًا بين الناس، فجاء ابنٌ له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففكَّ يده، فأخذ تلك التفاحة فطرحها في التفاح، فذهب إلى أُمِّه مستغيثًا، فقالت له: ما لك، أي بني؟ فأخبرها، فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحًا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفاح، فقال: "من أين هذا يا فاطمة؟" فأخبرته فقال: "رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه"[16].

- عن قتادة قال: كان معيقيب على بيت مال عمر، فكنس بيت المال يومًا، فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابن لعمر، قال معيقيب: ثم انصرفتُ إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فجئت، فإذا الدرهم في يده، فقال لي: "ويحك[17] يا معيقيب، أوجدتَ عليَّ في نفسك شيئًا؟ قال: قلتُ: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: "أردتَ أن تخاصمني أمة محمد في هذا الدرهم"[18].

- عن فرات بن مسلم، قال: كنت أعرض على عمر بن عبد العزيز كتبي في كل جمعة، فعرضتها عليه، فأخذ منها قرطاسًا قدر أربع أصابع، فكتب فيه حاجة، قال: فقلت: غفل أمير المؤمنين. فأرسل من الغد: أن جئني بكتبك. قال: فجئت بها، فبعثني في حاجة، فلما جئت قال لي: ما لنا أن ننظر فيها؟ قلت: إنما نظرت فيها أمس. قال: فاذهب أبعث إليك، فلما فتحتُ كتبي وجدت فيها قرطاسًا قدر القرطاس الذي أخذ[19].



[1] ابن أبي الدنيا: الورع ص114.

[2] أبو عبد الله القلعي: تهذيب الرياسة وترتيب السياسة ص207-209.

[3] ابن الجوزي: صفة الصفوة 4/174.

[4] هو أحمد بن حنبل.

[5] أحمد بن حنبل: الورع ص23.

[6] المصدر السابق ص37.

[7] السابق نفسه ص37.

[8] أحمد بن حنبل: الورع ص85.

[9] المصدر السابق ص95.

[10] الصَّيْحانيُّ: ضَرْبٌ من تمر المدينة، أَسود صُلْبُ المَمْضَغَة. انظر: ابن منظور: اللسان 2/521.

[11] أحمد بن حنبل: الورع ص102.

[12] الانفلات: المباغتة والانسلاخ والتخلص من الشيء فجأة من غير تمكث. انظر: ابن منظور: اللسان، 2/66.

[13] ابن أبي الدنيا: الورع ص91.

[14] المصدر السابق ص99.

[15] السابق نفسه ص120.

[16] السابق ص124.

[17] ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب. انظر: ابن منظور: اللسان، 2/638.

[18] ابن أبي الدنيا: الورع ص126.

[19] المصدر السابق ص123.
 
السلام عليكم

الورع .. روائع القصص

- عن الحسن، قال: بينما عمر بن الخطاب
t_20.jpg
يمشي ذات يوم في نفر من أصحابه إذا صَبِيَّة في السوق يطرحها الريح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا! مَن يعرف هذه؟

قال له عبد الله: أوَ مَا تعرفها؟! هذه إحدى بناتك.

قال: وأي بناتي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر.

قال: فما بلغ بها ما أرى من الضيعة؟ قال: إمساكك ما عندك.

قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلبُ الأقوامُ، أما والله ما لك عندي إلا سهمك مع المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله[1].

- لما حضرتْ عمرَ بن عبد العزيز الوفاةُ دعا بنيه وكانوا أحدَ عَشَرَ رجلاً، ولم يخلف غير بضع عشر دينارًا، فأمر أن يكفَّن ويُشْتَرَى له موضعٌ يُدفن فيه بخمسة دنانير، ويقصد المال على وارثيه، فأصاب كلّ ابن منهم نصف دينار وربع دينار، وقال: يا بني، ليس لي مال فأوصي فيه، ولكني قد تركتكم وما لأحد عندكم تبعة، ولا يقع على أحد منكم عين أحد إلا ويرى لكم عليه حقًّا. فقال له مسلمة بن عبد الملك: أَوَ خير من ذلك يا أمير المؤمنين. قال: وما هو؟ قال: هذه ثلاث مائة دينار، فرِّقها فيهم، وإن شئت فتصدق بها، وأوص فيها بما شئت. قال: أَوَ خير من ذلك يا مسلمة، تردُّها إلى مَن أخذتها منه، فإنها ليست لك بحقٍّ. ثم قال: إن ولدي أحد رجلين: فإما صالح فالله يتولَّى الصالحين، وإما فاسق فلا أحب أن أترك له ما يستعين به على معصية الله. فقال مسلمة: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيًّا وميتًا، فقد ألنت لنا قلوبًا قاسية، وذكرتها وكانت ناسية، وأبقيت لنا في الصالحات ذكرًا. فيقال: إنه ما رُئِي أحد من أولاد عمر بن عبد العزيز إلا وهو غني، ولقد شوهد أحدهم وقد جهز من خالص ماله مائة فارس على مائة فرس في سبيل الله تعالى، ولما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاةُ خلف أحد عشر ابنا كما خلف عمر بن عبد العزيز، وأوصى، فأصاب كل ابن ألف ألف دينار، فقال: إنه ما رُئِي أحد منهم إلا وهو فقير[2].

- قال أحمد بن سهل: مات أبو علي المَنْجُورَاني، فخرجنا نعزي ابنه علي بن محمد، فلما رجعنا من دفن أبيه نزع ثيابه، ودخل الماء في نهر، وقال: اشهدوا أني لا أملك اليوم شيئًا مما ورثت عن أبي؛ لأنه يتخالج في صدري، فإن واسيتموني بقميص حتى أخرج من الماء فعلتم. قال: وكان لنا صديقًا مؤانسًا، فألقوا إليه قميصًا، فخرج من الماء. وكان أبوه ترك مالاً لا يحصى[3].

- عن يوسف بن أسباط، أن الثوري وابن المبارك اختلفا في رجل خلف متاعه عند غلامه، فباع ثوبًا ممن يكره مبايعته، قال: قال الثوري: يخرج قيمته، يعني قيمة الثوب. وقال ابن المبارك: يتصدق بالربح.

فقال الرجل: ما أجد قلبي يسكن إلا أن أتصدق بالكيس. وقد كان ألقى الدراهم في الكيس. فقال أبو عبد الله[4]: بارك الله فيه[5].

- عن عبد الله بن راشد صاحب الطيب، قال أتيتُ عمر بن عبد العزيز بالطِّيبِ الذي كان يصنع للخلفاء من بيت المال، فأمسك على أنفه، وقال: إنما يُنتفع بريحه[6].

- قدم على عمر بن الخطاب
t_20.jpg
مسك وعنبر من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني أجد امرأة حسنة، تزن لي هذا الطيب حتى أفرقه بين المسلمين.

فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن، فهلم أزن لك.

قال: لا. قالت: ولم؟!

قال: إني أخشى أن تأخذيه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحين عنقك، فأصيب فضلاً عن المسلمين[7].

- عن فاطمة ابنة عبد الملك، قالت: اشتهى عمر بن عبد العزيز يومًا عسلاً، فلم يكن عندنا، فوجَّهنا رجلاً على دابَّة من دوابِّ البريد إلى بعلبك بدينار، فأتى بعسل، فقلت: إنكَ ذكرتَ عسلاً، وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ قالت: فأتيناه به فشرب، ثم قال: من أين لكم هذا العسل؟ قالت: وجَّهْنَا رجلاً على دابَّة من دوابِّ البريد بدينار إلى بعلبك، فاشترى لنا عسلاً. فأرسل إلى الرجل، فقال: انطلق بهذا العسل إلى السوق فبعه، واردد إلينا رأس مالنا، وانظر إلى الفضل فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيء لتقيَّأت[8].

- كان سفيان الثوري وسليمان الخوَّاص بمنى، فقال: امض بنا إلى هذا -يعني الخليفة- حتى نأمره. فدخل سفيان، فقال له: ادنه.

فقال: لا أطأ على ما لا تملك. قال: يا غلام أدرج. فأدرج البساط.

فقال له سفيان: كم أنفقت في حجتك؟ قال: لا أدري.

قال: لكن عمر بن خطاب
t_20.jpg
أنفق ستة عشر دينارًا، وقال: أجحفنا ببيت المال. وأنت قد أنفقت الأموال.

فقال له أبو عبيد الله: شطت، تكلم أمير المؤمنين بمثل هذا.

فقال له سفيان: اسكت، ما أهلك فرعون إلا هامان.

فلما وَلَّى سفيان، قال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أضرب عنقه.

فقال له: اسكت، ما بقي على وجه الأرض مَن يُسْتَحْيَا منه غير هذا[9].

- عن مسلمة بن عبد الملك، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر فلا يدخل عليه أحد، فجاءته جارية بطبق عليه تمر صيحاني[10]، وكان يعجبه التمر فرفع بكفِّه منه، فقال: يا مسلمة، أترى لو أن رجلاً أَكَلَ هذا، ثم شرب عليه من الماء على التمر طيب أكان مجزئه إلى الليل؟

قلت: لا أدري.

قال: فرفع أكثر منه، فقال: هذا؟

قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان كافيًا دون هذا، حتى ما يبالي أن لا يذوق طعامًا غيره.

قال: فعلام يدخل النار؟

قال مسلمة: فما وقعت مني موعظة ما وقعت هذه[11].

- عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، أنه خرج إلى عمر فنزل عليه، وكانت لعمر ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنًا فأنكره، فقال: "ويحك! من أين هذا اللبن؟" فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناقة انفلت[12] عليها ولدها، فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله. فقال له عمر: ويحك! سقيتني نارًا، ادعُ لي علي بن أبي طالب. فدعاه، فقال: إن هذا عمد إلى ناقة من مال الله، فسقاني لبنها أفتحله لي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، هو لك حلال ولحمها، وأوشك أن يجيء من لا يرى لنا في هذا المال حقًّا[13].

- عن العباس بن سهم، أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك[14].

- عن الشعبي، قال: جاء رجلان إلى شريح، فقال أحدهما: اشتريت من هذا دارًا فوجدت فيها عشرة آلاف درهم. فقال: خذها. فقال: لِمَ إنما اشتريت الدار؟! فقال للبائع: خذها أنت. قال: لِمَ وقد بعته الدار بما فيها؟! فأدارا الأمر بينهما فأبيا، فأتيا زيادًا فأخبراه، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا هكذا بقي. وقال لشريح: ادخلْ بيت المال، فألقِ في كل جراب قبضة حتى يكون للمسلمين. ثم قال للشعبي: كيف ترى الأمر؟ قال أبو بكر بن عياش: أعجبه ما صنع[15].
يتبع...........
 
السلام عليكم

- كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحًا بين الناس، فجاء ابنٌ له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففكَّ يده، فأخذ تلك التفاحة فطرحها في التفاح، فذهب إلى أُمِّه مستغيثًا، فقالت له: ما لك، أي بني؟ فأخبرها، فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحًا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفاح، فقال: "من أين هذا يا فاطمة؟" فأخبرته فقال: "رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه"[16].

- عن قتادة قال: كان معيقيب على بيت مال عمر، فكنس بيت المال يومًا، فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابن لعمر، قال معيقيب: ثم انصرفتُ إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فجئت، فإذا الدرهم في يده، فقال لي: "ويحك[17] يا معيقيب، أوجدتَ عليَّ في نفسك شيئًا؟ قال: قلتُ: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: "أردتَ أن تخاصمني أمة محمد
r_20.jpg
في هذا الدرهم"[18].

- عن فرات بن مسلم، قال: كنت أعرض على عمر بن عبد العزيز كتبي في كل جمعة، فعرضتها عليه، فأخذ منها قرطاسًا قدر أربع أصابع، فكتب فيه حاجة، قال: فقلت: غفل أمير المؤمنين. فأرسل من الغد: أن جئني بكتبك. قال: فجئت بها، فبعثني في حاجة، فلما جئت قال لي: ما لنا أن ننظر فيها؟ قلت: إنما نظرت فيها أمس. قال: فاذهب أبعث إليك، فلما فتحتُ كتبي وجدت فيها قرطاسًا قدر القرطاس الذي أخذ[19].
*********************************
[1] ابن أبي الدنيا: الورع ص114.

[2] أبو عبد الله القلعي: تهذيب الرياسة وترتيب السياسة ص207-209.

[3] ابن الجوزي: صفة الصفوة 4/174.

[4] هو أحمد بن حنبل.

[5] أحمد بن حنبل: الورع ص23.

[6] المصدر السابق ص37.

[7] السابق نفسه ص37.

[8] أحمد بن حنبل: الورع ص85.

[9] المصدر السابق ص95.

[10] الصَّيْحانيُّ: ضَرْبٌ من تمر المدينة، أَسود صُلْبُ المَمْضَغَة. انظر: ابن منظور: اللسان 2/521.

[11] أحمد بن حنبل: الورع ص102.

[12] الانفلات: المباغتة والانسلاخ والتخلص من الشيء فجأة من غير تمكث. انظر: ابن منظور: اللسان، 2/66.

[13] ابن أبي الدنيا: الورع ص91.

[14] المصدر السابق ص99.

[15] السابق نفسه ص120.

[16] السابق ص124.

[17] ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب. انظر: ابن منظور: اللسان، 2/6388.

[18] ابن أبي الدنيا: الورع ص126.

[19] المصدر السابق ص123.
انتهى.
 
السلام عليكم

روائع أقوال المفسرين

مجاهد

** قال رحمه الله: ما أدري أيُّ النعمتيْن عليَّ أعظمُ: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء[1].

قتادة

** قال رحمه الله: مَنْ أُعْطِيَ مالاً أو جمالاً أو ثيابًا أو علمًا ثم لم يتواضع فيه، كان عليه وبالاً يوم القيامة[2].

القرطبي

** قال رحمه الله: الرَّحمة رقَّةٌ يَجِدُهَا الإِنْسَانُ فِي نفسه عند رُؤية مُبْتَلًى، أو صغيرٍ، أو ضعيفٍ، تَحْمِلُهُ عَلَى الإحسان له، واللُّطف والرِّفق به، وَالسَّعْيِ في كشف ما به[3].

[1] الدارمي (309)، والبيهقي: شعب الإيمان 10/29، حديث رقم (4330).

[2] ابن أبي الدنيا: التواضع والخمول 1/94.

[3] أبو سعيد محمد بن محمد الخادمي: بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية 4/151.
 
السلام عليكم

الحياء .. روائع القصص
- قال بعضهم: خرجنا ليلة فمررنا بأَجَمَة[1]، فإذا رجل نائم، وفرس عند رأسه ترعى، فحرَّكناه، وقلنا له: ألا تخاف أن تنام في مثل هذا الموضع المَخُوف وهو مُسْبِع؟ فرفع رأسه، وقال: أنا أستحي منه تعالى، أن أخاف غيره. ووضع رأسه ونام[2].

- لما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزعُ؟! ومَنْ أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله
u1_20.jpg
لأهمني الحياء منه ممَّا قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذَّنْبَ الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحيًا منه[3].

- قال جعفر الصائغ: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممَّن يمارِس المعاصي والقاذورات، فجاء يومًا إلى مجلس أحمد يُسَلِّمُ عليه، فكأنَّ أحمد لم يَرُدَّ عليه ردًّا تامًّا وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله، لِمَ تنقبض مني؟! فإني قد انتقلت عمَّا كنتُ تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي
r_20.jpg
في النوم كأنه على علوٍّ من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي. فيدعو له، حتى لم يبقَ من القوم غيري.

قال: فأردت أن أقوم، فاستحيت من قبيح ما كنت عليه، قال لي: "يا فلان، لِمَ لا تقوم إلي فتَسْأَلْني أدعو لك؟" قال: قلت: يا رسول الله، يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: "إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدعُ لك، فإنك لا تسبُّ أحدًا من أصحابي". قال: فقمت، فدعا لي، فانتبهت وقد بَغَّضَ اللهُ إليَّ ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر، يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه؛ فإنه ينفع[4].

- عن عائشة قالت: كنتُ أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله
r_20.jpg
وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عمر معهم، فوالله ما دخلتُ إلاَّ وأنا مشدودة عليَّ ثيابي؛ حياءً من عمر!![5].

[1] الأجمة: الشجر الكثيف الملتف. انظر: ابن منظور: اللسان 1/23.

[2] القشيري: الرسالة القشيرية، باب الحياء.

[3] سيد العفاني: علو الهمة 5/536.

[4] ابن قدامة المقدسي: التوابين.

[5] رواه أحمد في المسند (25701)، والحاكم (4402)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
 
السلام عليكم

الكرم .. روائع أخلاق الرسول

1- لا تجدوني بخيلا:

عن جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع رسول الله
r_20.jpg
ومعه الناس مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ
r_20.jpg
فَقَالَ: "أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا"[1].

2- يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة:

عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: "ما سُئل رسول الله
r_20.jpg
على الإسلام شيئًا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبليْن، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"[2].

3- أجود بالخير من الريح المرسلة:

عن ابن عباس قال: كان رسول الله
r_20.jpg
أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله
r_20.jpg
أجود بالخير من الريح المرسلة[3].

4- يعطي بردته لأحد أصحابه:

عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي
r_20.jpg
ببردة -فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي الشملة. فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها.- فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي
r_20.jpg
محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فاكسنيها. فقال: "نَعَمْ". فلما قام النبي
r_20.jpg
لامَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي
r_20.jpg
أخذها محتاجًا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي
r_20.jpg
؛ لعلِّي أكفَّن فيها[4].

5- سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني:

عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام
t_20.jpg
قال: سألت رسول الله
r_20.jpg
فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ[5] أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر
t_20.jpg
يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر
t_20.jpg
دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله
r_20.jpg
حتى توفِّي[6].
 
السلام عليكم

6- لست بباخل:

عن سلمان بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب
t_20.jpg
: قسم رسول الله
r_20.jpg
قسمًا، فقلت: والله يا رسول الله، لغيرُ هؤلاء كان أحق به منهم. قال "إِنَّهُمْ خَيَّرُونِي أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلُونِي فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ"[7].

7- انثروه في المسجد:

عن أنس
t_20.jpg
قال: أُتي النبي
r_20.jpg
بمال من البحرين فقال: "انْثُرُوهُ[8] فِي الْمَسْجِدِ". وكان أكثر مال أتي به رسول الله
r_20.jpg
، فخرج رسول الله
r_20.jpg
إلى الصلاة ولم يلتفتْ إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله، أعطني فإني فاديت[9] نفسي وفاديت عقيلاً. فقال له رسول الله
r_20.jpg
: "خُذْ". فحثا[10] في ثوبه، ثم ذهب يُقِلُّهُ[11] فلم يستطع، فقال: يا رسول الله، مُرْ بعضهم يرفعه إليَّ.

قال: "لاَ".

قال: فارفعه أنت عليَّ.

قال: "لاَ". فنثر منه ثم ذهب يقله، فقال: يا رسول الله، مر بعضهم يرفعه عليَّ.

قال: "لاَ".

قال: فارفعه أنت عليَّ.

قال: "لاَ". فنثر منه ثم احتمله فألقاه على كاهله[12] ثم انطلق، فما زال رسول الله
r_20.jpg
يُتبِعُهُ بصرَه حتى خفي علينا؛ عجبًا[13] من حرصه، فما قام رسول الله
r_20.jpg
وثَمَّ[14] منها درهم[15].

[1] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب (2666)، والنسائي (3688).
[2] مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله
r_20.jpg
شيئًا قط فقال لا وكثرة عطائه (2312). والفاقة: الفقر والحاجة.
[3] البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (6)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب كان النبي
r_20.jpg
أجود الناس بالخير (2308).
[4] البخاري: كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (5689)، والطبراني في الكبير (5785).
[5] أرزأ: أنقص مال أحد.
[6] البخاري: كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (1403)، والترمذي (2463).
[7] مسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء من يسأل بفحش وغلظة (1056).
[8] أي صُبوه.
[9] أي: دفعت الفداء يوم بدر حين أخذ أسيرًا هو وعقيل ابن أخيه.
[10] من الحثية وهي ملء اليد.
[11] يرفعه ويحمله.
[12] ما بين كتفيه.
[13] تعجبًا.
[14] أي هناك، أي أنه
r_20.jpg
وزعها جميعًا ولم يبق درهمًا واحدًا لنفسه.
[15] البخاري: أبواب المساجد، باب القسمة وتعليق القبو في المسجد (4111).

 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top