- إنضم
- 23 أكتوبر 2016
- المشاركات
- 1,505
- نقاط التفاعل
- 1,028
- النقاط
- 71
- محل الإقامة
- الجزائر العاصمة
- الجنس
- أنثى
السلام عليكم
الوقف الذري ووقف الإرصاد
وقف الذري ووقف الإرصاد
يُعتبر الوقف الذُّرِّي من أَجَلِّ أنواع الأوقاف وأنبلها غاية؛ فالهدف منه ألا يذر الواقف ذريته عالة على المجتمع يتكفَّفونهم، ونقصد بالذُّرِّية الأبناء وأبناء الأبناء وكل مَنْ له صلة بالواقف، وإنْ مَرَّتِ القرون! وهذا من روعة التشريع الإسلامي الذي جمع بين نُبْلِ المقصد، والقربة من الله عز وجل، الإنفاقَ على الرعيَّة!!
والوقف الذُّرِّيُّ هو الذي يُوقَفُ على الواقف نفسه أو أشخاص مُعَيَّنِينَ، ولو جُعِلَ آخِرُه جهة خيريَّة؛ كأن يقف على نفسه، ثم على أولاده، ثم من بعدهم على جهة خيريَّة.[1]
ويُلاحظ أن الفرق بين الوقف الخيري والوقف الذُّرِّيّ هو الجهة التي يتمُّ الوقف عليها، فإن كانت هذه الجهة عامَّة كان الوقف خيريًّا، وإن كانت جهة الوقف خاصَّة بالواقف أو بأهله أو أقاربه كان ذُرِّيًّا أو أهليًّا، والوقف الذُّرِّيُّ يخدم ضرورة مهمَّة هي ضرورة حفظ النسل عن طريق وقف مُدِرٍّ لذُرِّيَّة الواقف، فمن خلاله يمكنهم الاستفادة به بطنًا بعد بطن دون خوف من تقلُّبات المعيشة، وما يطرأ عليها من مصاعب من زمن لآخر.
والأدلَّة على مشروعيته من القرآن الكريم، قوله سبحانه:{ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] وقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ومن السُّنَّة ما ورد عن طريق أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ سَبْعَ حِيطَان لَهُ بِالْمَدِينَةِ صَدَقَةً عَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ"[2].
ولقد جاءت كتب الفقه بعشرات الأمثلة على الوقف الذُّرِّيّ، لكن المُلاحَظ في هذه الأمثلة ارتباطها بالوقف الخيري؛ إذ لم يُفَرِّق المسلمون قديمًا بين الوقف الخيري والوقف الذُّرِّيّ، بل عدُّوا كلاًّ منهما أمرًا واحدًا؛ لأنَّ الغاية منهما واحدة، وهي القربة وابتغاء مرضاة الله عز وجل.
ومن الأمثلة الجائزة للوقف الذُّرِّيّ أن يقف الإنسان على ذُرِّيَّتِه جميعها، دون تفريق بين الذكور والإناث؛ سواء كان الاستحقاق بالتساوي، أو كان تبعًا لقواعد الميراث الشرعيَّة؛ والتي للذَّكَر مثل حظِّ الأنثيين فيها.
وقد اهتمَّ الفقهاء بالوقف الذُّرِّيِّ، ووضعوا له من الضوابط ما حافظ على ميراث الذُّرِّية؛ ولذلك اعْتَبَرَ الفقهاءُ أن مَنْ وقف شيئًا مضارَّة لوارثه كان وقفه باطلاً؛ لأن ذلك ممَّا لم يَأْذَن به الله تعالى، وقد نهى الله سبحانه عن الضرار في كتابه العزيز عمومًا وخصوصًا، ونهى عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمومًا، فقال: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"[3]، ونهى خصوصًا كما في ضرار الجار، وضرار الوصيَّة ونحوهما. والحاصل أن الأوقاف التي يُرَاد بها قطع ما أمر الله به أن يُوصَل، ومخالفة فرائض الله سبحانه، باطلة من أصلها لا تنعقد بحال من الأحوال؛ وذلك كمن يقف على ذكورهم دون إناثهم، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا لم يُرِدِ التقرُّب إلى الله عز وجل، بل أراد المخالفة لأحكام الله، والمعاندة لما شرعه لعباده، وجعل هذا الوقف ذريعة إلى ذلك القصد الشيطاني، وهكذا وَقْفُ مَنْ لا يحملُه على الوقف إلاَّ محبَّة بقاء المال في ذُرِّيَّته، وعدم خروجه عن أملاكهم، فيقفه على ذُرِّيَّتِه، فإن هذا إنَّمَا أراد المخالفة لحكم الله، وهو انتقال المِلْك بالميراث، وتفويض الوارث في ميراثه، يتصرَّف فيه كيف يشاء، وليس أَمْرُ غِنَى الورثة أو فقرهم إلى هذا الوقف، بل هو إلى الله عز وجل[4].
لذلك نصح فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة[5]القضاة بتوخِّي الحذر والكشف عمَّا يحيط بالوقف عند إنشائه، وما تُومِئُ إليه عبارات الوقف، فقال: "والقاضي الحصيف يَتَبَيَّن المقصد بدراسة الأحوال، وصِيَغِ الأوقاف؛ إذ المضارَّة أمر معروف له شواهد وبيِّنَات". وجاء بمثال قُصد به ضرر الورثة ضررًا ظاهرًا؛ حيث قال الواقف في وقفيته: "إنَّ ما كان موجودًا أو يوجد للواقف من أقاربه؛ عصبة كانوا أو ذوي رحم، لقرابة بعيدة أو قريبة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فإنهم لا دخل لهم في الوقف، لا بنظر، ولا بتحدث، ولا باستحقاق، ولا بوظيفة، ولا بأجرة، ولا بقبض ولا صرف، ولا بأخذ ولا عطاء، ولا بغير ذلك من الوجوه مطلقًا، ولو آل الوقف لأي جهة فإنهم ممنوعون مقطوعون عن ذلك، أَبْعَدهم وأكَّد منعهم عن ذلك جميعه، هم وذريتهم ونسلهم وعقبهم، ومَنْ ينتسب إليهم بأي طريقة منعًا عموميًّا أبديًّا. اللهم إني أسألك بعظمة جلالك وقوتك، وجلال عظمتك، وبأسمائك كلها أن كل مَنْ سعى وأعان على إبطال هذا الشرط أن تُنْزِلَ به البأس الشديد في الدنيا والآخرة، وأن تسربله بالخزي والخسران، وأن تحشره مع أهل البغي والطغيان، والأخسرين أعمالاً، إنه سميع مجيب"[6].
فمثل هذه الوقفيَّات تدلُّ بوضوح على أن مقصد الواقف إبعادُ ورثته وقرابته من حقِّهم المشروع في التركة، ومن ثَمَّ قال الفقهاء ببطلان شرط الواقف السابق؛ لأنه يفوِّت على الذُّرِّيَّة استحقاقهم الشرعي، وهذا إفساد لضرورة حفظ المال، التي جاءت الشريعة الإسلاميَّة لصيانته وإعطائه لمستحقِّيه، وأمَّا إذا طُبَّق الشرط السابق، فإن ذلك سيتسبَّب في جلب مفسدة مُحَقَّقَة للورثة، ولعلَّ أحدهم كان فقيرًا فيكون منعه من حقِّه في التركة سببًا في سوء وضعه، وزيادة فقره وبؤسه، وهو ما يتنافى مع مقصد الشارع، والمصلحة العائدة على المستحِقِّينَ.
الوقف الذري ووقف الإرصاد
وقف الذري ووقف الإرصاد
يُعتبر الوقف الذُّرِّي من أَجَلِّ أنواع الأوقاف وأنبلها غاية؛ فالهدف منه ألا يذر الواقف ذريته عالة على المجتمع يتكفَّفونهم، ونقصد بالذُّرِّية الأبناء وأبناء الأبناء وكل مَنْ له صلة بالواقف، وإنْ مَرَّتِ القرون! وهذا من روعة التشريع الإسلامي الذي جمع بين نُبْلِ المقصد، والقربة من الله عز وجل، الإنفاقَ على الرعيَّة!!
والوقف الذُّرِّيُّ هو الذي يُوقَفُ على الواقف نفسه أو أشخاص مُعَيَّنِينَ، ولو جُعِلَ آخِرُه جهة خيريَّة؛ كأن يقف على نفسه، ثم على أولاده، ثم من بعدهم على جهة خيريَّة.[1]
ويُلاحظ أن الفرق بين الوقف الخيري والوقف الذُّرِّيّ هو الجهة التي يتمُّ الوقف عليها، فإن كانت هذه الجهة عامَّة كان الوقف خيريًّا، وإن كانت جهة الوقف خاصَّة بالواقف أو بأهله أو أقاربه كان ذُرِّيًّا أو أهليًّا، والوقف الذُّرِّيُّ يخدم ضرورة مهمَّة هي ضرورة حفظ النسل عن طريق وقف مُدِرٍّ لذُرِّيَّة الواقف، فمن خلاله يمكنهم الاستفادة به بطنًا بعد بطن دون خوف من تقلُّبات المعيشة، وما يطرأ عليها من مصاعب من زمن لآخر.
والأدلَّة على مشروعيته من القرآن الكريم، قوله سبحانه:{ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] وقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ومن السُّنَّة ما ورد عن طريق أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ سَبْعَ حِيطَان لَهُ بِالْمَدِينَةِ صَدَقَةً عَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ"[2].
ولقد جاءت كتب الفقه بعشرات الأمثلة على الوقف الذُّرِّيّ، لكن المُلاحَظ في هذه الأمثلة ارتباطها بالوقف الخيري؛ إذ لم يُفَرِّق المسلمون قديمًا بين الوقف الخيري والوقف الذُّرِّيّ، بل عدُّوا كلاًّ منهما أمرًا واحدًا؛ لأنَّ الغاية منهما واحدة، وهي القربة وابتغاء مرضاة الله عز وجل.
ومن الأمثلة الجائزة للوقف الذُّرِّيّ أن يقف الإنسان على ذُرِّيَّتِه جميعها، دون تفريق بين الذكور والإناث؛ سواء كان الاستحقاق بالتساوي، أو كان تبعًا لقواعد الميراث الشرعيَّة؛ والتي للذَّكَر مثل حظِّ الأنثيين فيها.
وقد اهتمَّ الفقهاء بالوقف الذُّرِّيِّ، ووضعوا له من الضوابط ما حافظ على ميراث الذُّرِّية؛ ولذلك اعْتَبَرَ الفقهاءُ أن مَنْ وقف شيئًا مضارَّة لوارثه كان وقفه باطلاً؛ لأن ذلك ممَّا لم يَأْذَن به الله تعالى، وقد نهى الله سبحانه عن الضرار في كتابه العزيز عمومًا وخصوصًا، ونهى عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمومًا، فقال: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"[3]، ونهى خصوصًا كما في ضرار الجار، وضرار الوصيَّة ونحوهما. والحاصل أن الأوقاف التي يُرَاد بها قطع ما أمر الله به أن يُوصَل، ومخالفة فرائض الله سبحانه، باطلة من أصلها لا تنعقد بحال من الأحوال؛ وذلك كمن يقف على ذكورهم دون إناثهم، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا لم يُرِدِ التقرُّب إلى الله عز وجل، بل أراد المخالفة لأحكام الله، والمعاندة لما شرعه لعباده، وجعل هذا الوقف ذريعة إلى ذلك القصد الشيطاني، وهكذا وَقْفُ مَنْ لا يحملُه على الوقف إلاَّ محبَّة بقاء المال في ذُرِّيَّته، وعدم خروجه عن أملاكهم، فيقفه على ذُرِّيَّتِه، فإن هذا إنَّمَا أراد المخالفة لحكم الله، وهو انتقال المِلْك بالميراث، وتفويض الوارث في ميراثه، يتصرَّف فيه كيف يشاء، وليس أَمْرُ غِنَى الورثة أو فقرهم إلى هذا الوقف، بل هو إلى الله عز وجل[4].
لذلك نصح فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة[5]القضاة بتوخِّي الحذر والكشف عمَّا يحيط بالوقف عند إنشائه، وما تُومِئُ إليه عبارات الوقف، فقال: "والقاضي الحصيف يَتَبَيَّن المقصد بدراسة الأحوال، وصِيَغِ الأوقاف؛ إذ المضارَّة أمر معروف له شواهد وبيِّنَات". وجاء بمثال قُصد به ضرر الورثة ضررًا ظاهرًا؛ حيث قال الواقف في وقفيته: "إنَّ ما كان موجودًا أو يوجد للواقف من أقاربه؛ عصبة كانوا أو ذوي رحم، لقرابة بعيدة أو قريبة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فإنهم لا دخل لهم في الوقف، لا بنظر، ولا بتحدث، ولا باستحقاق، ولا بوظيفة، ولا بأجرة، ولا بقبض ولا صرف، ولا بأخذ ولا عطاء، ولا بغير ذلك من الوجوه مطلقًا، ولو آل الوقف لأي جهة فإنهم ممنوعون مقطوعون عن ذلك، أَبْعَدهم وأكَّد منعهم عن ذلك جميعه، هم وذريتهم ونسلهم وعقبهم، ومَنْ ينتسب إليهم بأي طريقة منعًا عموميًّا أبديًّا. اللهم إني أسألك بعظمة جلالك وقوتك، وجلال عظمتك، وبأسمائك كلها أن كل مَنْ سعى وأعان على إبطال هذا الشرط أن تُنْزِلَ به البأس الشديد في الدنيا والآخرة، وأن تسربله بالخزي والخسران، وأن تحشره مع أهل البغي والطغيان، والأخسرين أعمالاً، إنه سميع مجيب"[6].
فمثل هذه الوقفيَّات تدلُّ بوضوح على أن مقصد الواقف إبعادُ ورثته وقرابته من حقِّهم المشروع في التركة، ومن ثَمَّ قال الفقهاء ببطلان شرط الواقف السابق؛ لأنه يفوِّت على الذُّرِّيَّة استحقاقهم الشرعي، وهذا إفساد لضرورة حفظ المال، التي جاءت الشريعة الإسلاميَّة لصيانته وإعطائه لمستحقِّيه، وأمَّا إذا طُبَّق الشرط السابق، فإن ذلك سيتسبَّب في جلب مفسدة مُحَقَّقَة للورثة، ولعلَّ أحدهم كان فقيرًا فيكون منعه من حقِّه في التركة سببًا في سوء وضعه، وزيادة فقره وبؤسه، وهو ما يتنافى مع مقصد الشارع، والمصلحة العائدة على المستحِقِّينَ.