- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,517
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
السلام عليكم و رحمه الله تعالى وبركاته
الحلقة الخامسة من سلسلة
*صيادو الحياة*
ضحك كل الطاقم من عمر المسكين ،وراحو يتهكمون عليه ،كان يكبرهم سنا لكن الكل يصادقه ويحبه لأن قلبه أيضا كان كبيرا ويسع الجميع.
انسحب زيد من بينهم متسللا ونزل الى القبو حيث يضع الجميع امتعتهم ثم عاد ، لم يكن سوى عبد الرحمان من يراقبه ونبه جابر ببطء الى زيد وقد حمل على حزام بنطاله مسدسا وأخفاه بالقميص ، امسك جابر زيد من يده وأبعده عن الجميع وسأله: ما الذي تحمله ؟ وما الذي تحاول فعله؟
فقال له زيد أنه مجرد احتياط إذا أحد ما قام بالهجوم عليهم .
فطن جابر لشيء لم يكن في رأسه منذ لحظات ،ثم عاد الى طاقمه ساحبا إياه الى قمرة القيادة ،وطلب منهم وضع خطة ليتكلمو معهم وأن لا يظهرو أنفسهم دفعة واحدة لكي لا يعرفو كم عددهم .
فاقترح محمد أن يذهب هو ليحاول معهم ويأخذ معه أبو العراريف يوسف ، فغضب عبد الرحمان وقال له : "مع أنك تعلم أنه متسرع ! وتأخذه؟ "
محمد: "يوسف هو الوحيد الذي تعلم جيدا بيننا ويشاهد الافلام الاجنبية بكثرة ،وقد يفهم كلمات مما يقولون أو يوصل كلمة هذا لا يعني أنني أشجعك ها".
نظر يوسف الى عبد الرحمان وهو يخبىء ضحكة انتقام :" أرأيت يا عبد الرحمان أن مشاهدة الافلام الاجنبيه أحيانا تكون مفيدة ،عليك أن تتفرج قليلا هههه".
عبد الرحمان : " إذهب من أمامي الآن وأرنا ما تعلمته من أفلامك يا فالح، وقال لك أنه لا يشجعك فلا تزد فيها شبرين "
خرج محمد ويوسف وتبعهما زيد وهو يخبىء المسدس جيدا . وصل الثلاثة الى حافة السطح وأخذو يولوحو الى السياح المنتشرين فوق السفينة ،فنطق واحد منهم يبدو من حديثه كما قال يوسف أنه يتحدث الإنجليزية ،فبادره يوسف يقول :"لوست لولست, أيام لوست " فنظر اليه محمد وقال له :" يوسف أأنت واثق مما تفعله تبا لك الرجل يزداد تبسما وكأنك تقول له أنا معجب بك!"
يوسف :" أنا واثق لقد رأيت فلما عن طائرة سقطت في جزيرة وضاع الركاب في الجزيرة وكان إسم الفيلم ذا لوست أي الضائعين... لقد كان فلما رائعا وكان البطل....."
محمد يقاطعه : " أضنني وكلتك أن تحكي لي قصة الفيلم ؟ ،هيا أكمل الحديث معهم".
يوسف من بين كل السياح تجذبه امرأة ،ينظر اليها ويلوح لها بيده ويعيد كلماته :"أيام لوست"
فنطقت المرأة أخيرا :" هاو يو دوينغ " ( ماذا حدث لكم) ،يوسف ينط فوق الحافة ويمسكه محمد:" يا مجنون توقف"
يوسف:" دعني أظنها فهمتني،وهي على ما تبدو جميلة!!!".
ثم يكمل الحديث معها:" سيكس داي سيكس داي ،لوست إن سيا " ( ست أيام ،ضاع ،في البحر )
المرأة : " ياس ،ياس ،أي ...... "
يوسف لم يسمع المرأة ما قالته ويتسرع : " هاي هاي لقد فهمتني أنا عبقري "
ركض نحوه زيد يهدئه وقال له : " ماذا قالت في الاخير ؟ " ،ويطالبه أن يكون يقضا فلربما فهمت شيئا آخر .
ثم ابتعدت ولم تعد تظهر قال لهم يوسف بأنه أفهمها ،وأنه يضن أنها ستفهم الطاقم.
يوسف : " إييييه يا زيد أنت دائما شكاك ولا تثق في أحد أبدا "
زيد : " الحيطة والحذر وليس شكا أيها الانجليزي بين ليلة وضحاها"
كان زيد صديق جابر المفضل منذ الصغر لعبا سويا ،درسا سويا ،وتركا الدراسة سويا وتقاسما الدنيا حلوها ومرها، وعندما ركب جابر البحر مع خاله كان يلح عليه بالمجيء معه لكنه كان يرفض لأنه تعلق بشيء آخر بالنسبة له أهم من البحر وهي جارتهم سهام ،كانت بالنسبة لزيد كل ما يملك وأحبها حبا كبيرا وتعلق بها لدرجة أنه طلب من أبيه أن يطلبها له للزواج وهو في سن صغيرة ،فرفض والداه لصغر سنهما لكنه وبإصرار جعلهما أخيرا يوافقان على طلبه.
تقدم لها وعاشا فترة خطوبة رائعة ،ما لبثت أن تحولت الى مأساة، فقد مرضت سهام وتوالت عليها المصائب فمات والدها المعيل ولم تجد من يعالجها فكبرت في رأسها أن تفسخ الخطوبة لكن زيد لم يوافقها الرأي وتمسك بها ،وكان يعمل هنا وهناك ليؤمن لها مصروف الطبيب ، وبعد عام من المعاناة والاخذ والرد تزوجها رغما عنها وعن والديه وإصراره الكبير غلب الجميع ، وضل يناضل وإياها المرض فلم يعرف الاطباء ما طبيعة مرضها كان غريبا وغير معروف .
سهام تنظر الى زوجها كيف ينهض باكرا ويعمل عملين معا ليؤمن لها مصاريف الطبيب والبيت،قررت أن تهديه هدية حتى وٱن ماتت بعدها فلم يعد يهمها،حملت ببنت زيد وأنجبتها وهي تصارع الموت ،وزوجها يؤنبها على ما فعلته بنفسها .
كانت قرة عينيهما وبذرة حب كبرت وسط المآسي ، وكانت كل مرة تصل فيها سهام الى المستشفى توصي زوجها عليها وعلى نفسه .
جربو كل شيء لعلاجها لكن دون جدوى وفقدو الامل وصار زيد ينهض صباحا ليتفقدها بقلب خائف ومرعوب :" هل ستغادرني وتتركني اليوم ياترى؟" وعندما يجدها تتنفس يتنهد وينهض للصلاة ،شاكرا الله أنه تركها اليوم أيضا .
كان مرضها بين معدتها وفمها فلا تستطيع البلع جيدا وإذا التهب المكان وجب لها المستشفى ليضعو لها مضاد للالتهاب في المصل ،ولكن الآلام في معدتها وحلقها لا تتوقف وتضل تفتك بها ،ضنو أنه سرطان لكنه لم يكن كذلك ولم تجد تشخيصا جيدا .
كانت تنهض من الصباح الباكر وتعد الفطور لزوجها وتعده للذهاب الى العمل وهي مبتسمه وتحاول أن تظهر الإمتنان والشكر لزوجها ،كانت امرأة قوية وصبورة رغم كل ما مر بها وكأنها تقول للمرض" لن تغلبني والله لم يأمر روحي بالخروج ،وما دمت حية سأعمل وسأجاهدك لاربي إبنتي وأشم رائحتها كل صباح وأمشط لها شعرها وأراها تذهب الى المدرسة ،لن تغلبني أيها المرض لن تغلبني والله لم يأمر روحي بالصعود....".
وفي أحد الايام كان زيد قد أنهى عمله وفي طريق عودته إشتهى لزوجته شيئا من السوق فالتقى في السوق بخال جابر وسلما على بعض ،وراح يحكي له بحرقة عن معاناة زوجته ومعاناته ،ففوجيء به يطنئنه ويقول له :"أجربت الطب البديل؟"
زيد :" لا يا عمي لم أجرب "
فطلب منه موعدا في نهاية الاسبوع ليأخذه وزوجته في القارب عند امرأة تداوي بالطب البديل، ولكنها بعيدة بعض الشيء ويجب أن يبكرا .
فوافق على الفور وأسرع لزوجته ليخبرها ،وافقت بدورها باعتبار أنه لا أمل .
وفي نهاية الاسبوع لملم زيد وسهام اشياء قد يحتاجانها وأوكلا ابنتهما الى والديه وغادرا مع خال جابر .
كانت هناك عجوز تعيش وحدها في جزيرة ليست بعيدة عن الميناء ،البحارة وحدهم يعرفونها . عندما وصل الثلاثة كان يشعر زيد أن قدماه قد وطأتا الجنة وزوجته كذلك، مكان لم تعبث به أيادي البشر ،الحشائش بمختلف ألوانها واشكالها والاشجار المثمرة تتدلى ثمارها أرضا ،مشى الثلاثة في طريق ضيق تحفه الاشجار والحشائش ،وعبرا ساقية ماء كأنها لؤلؤ ، وكان زيد وزوجته منبهران بما أمامهما لدرجة أنهما نسيا لما هما هنا أصلا،وفي نهاية الطريق بيت مصنوع من حطب يحترم المكان بتواجده وسطه ، وله سقف من سعف وعلى السعف نمت نباتات من كل الاشكال فكان وكأنه رسمة فنان .أمام البيت وضعت الكثير من الجرار المغطاة بالقماش والمعصوبة الرؤوس ،وكأنه متحف لتماثيل قديمة وكانت أنواع الاعشاب المجففة والمعلقة هنا وهناك توحي أنهم وصلو الى المكان المطلوب ،تقدم الثلاثة وزيد يمسك يد زوجته وقد بدأ الخوف يدب الى قلبه وشكوكه تراوده كعادته.
وصرخ خال جابر :" يا أصحاب المكان هل أنتم هنا؟" لم يجب أحد وضل الهدوء يخيم على المكان ولا يسمع سوى اصوات العصافير في الارجاء وأصوات دجاجات يضهر أنهم للعجوز .
وبينما هم غارقون في التفكير ،إذ ظهرت من بين الحشائش عجوز محنية الظهر مما تحمله عليه من أعشاب ونباتات وفي يدها سلة فاكهة طازجة ،وقالت :" أااااااا ماذا تفعلون هنا ومن أنتم ؟ جئتم لسرقتي ؟"
رد عليها خال جابر " لا يا خالة أنا البحار فلان صاحب الحياة وأنا من أحضر لك السمك عند كل عودة لي من الصيد أضنك نسيتني"
العجوز: " آه يا ولدي لقد نقص نظري ولم أعد أرى جيدا وما الذي أحظرك هل جلبت سمكا؟"
الخال :" لا لقد أحضرت لك رجلا وزوجته لتساعديهما ،فالمرأة مريضة ولم يعثر لها الاطباء على دواء "
العجوز :" هه ومنذ متى أصبح الطبيب يجد الدواء اخ اخ اخ على الطبيب"
وضعت حملها أرضا وتقدمت نحو سهام ببطء ونظرت في عينيها بتمعن ،وقالت لها :" أحظري لي الماء لأشرب"
غضب زيد وقال للخال : " أأحضرتها لتشفيها أم خادمة لها؟"
قالت له العجوز :" أأي لا أريد مزعجين حولي خذه واغربو عن وجهي والتحضرو الاسبوع القادم لأخذها"
زيد يصرخ : " هذا من المستحيلات السبعة إما أن أبقى معها أو آخذها معي"
العجوز :" خذها إذا وانتظر وفاتها في الايام القليلة وسيكون بسبب عنادك وشكك يف جيل متهور!!"
زيد يزداد غضبا وغير مقتنع بكلامها يجر زوجته من يدها ،لكنها تنزع يدها من يده وتصرخ فيه :" زيد ما بالك وبال شكوكك فأنا ميتة في كل الأحوال وفيما خوفك يا إلاهي ،دعني أجرب آخر شيء لأموت مرتاحة البال" .
قالتها ودموعها تنهمر وجلبت القربة للعجوز وشربتها وحملت الاعشاب من امامها وهي تبكي في صمت ،أمسك الخال يد زيد ووضع أغراض سهام على الأرض وقال له :" ثق في الله يا ولدي وفي العجوز واترك زوجتك بين يدي الله" .
خفض زيد رأسه وأخفى دموعه من خجله ،وودع زوجته بنظرات حزينة وغاب عن ناظريها وسط الاشجار ،
وغادر زيد الجزيره تاركا قلبه وراءه .
وفي المساء أحظرت العجوز سعفات نخل ووضعت عنهم التبن داخل الكوخ ،وطلبت من سهام التمدد عليها وإظهار بطنها ،وبدأت تفحصها ببطء وعلى مهل الى أن وصلت الى مكان لم تستطع سهام تحمل الالم فيه ،فهزت برأسها العجوز وقدمت الطعام لسهام ونامتا.
وفي الصباح الباكر استيقضت فلم تجد العجوز ووجدت فوق سريرها فطورا أعدته لها خصيصا فخرجت للبحث عنها دون جدوى ، تناولت فطورها وغسلت الاطباق الطينية في الساقية ،وعادت لتجد العجوز متربعة عند مدخل الكوخ وقد جمعت لها من الأعشاب الكثير ،وطلبت منها أن تغسلهم جيدا وتهرسهم ببطء ، وعند منتصف النهار منعتها من الاكل وأخذت تعطيها الاعشاب ،مع تضميد مكان الالم بأعشاب أخرى .
ومرت الايام وسهام تأخذ الدواء كل يوم في نفس التوقيت وتستحم بالاعشاب ،وتصعد الى رأس التلة وتعود مرتين ،وتقطف الثمار للعجوز ، وأحيانا تطلب منها الركض وراء الديك وإمساكه وعندما تمسكه تطلق صراحه العجوز ،حتى اكملت الاسبوع وهي على تلك الحالة ،وفي يوم رحيلها مددتها على سرير القش وفحصتها ثانية ،وإذا بها لا تشعر بأي ألم ففرحت كثيرا وقبلت رأس ويدي العجوز باكية ،وشاكرة ممتنة لها .بكت العجوز مع سهام وأكدت لها أنها شفيت بفضل الله وبفضل أعشابها.
وصل زيد على عجل وجد زوجته وقد تجهزت للعودة وهي في كامل صحتها ،استغرب كثيرا كيف أن وجه زوجته تغير تماما وأصبح مشرقا ،وهم أن يشكر العجوز وإذا بها غير موجودة كعادتها ،فوضع لها زيد سلة السمك المشوي على سريرها وحذاء كان قد اشتراه لها من السوق ،وصرخ بأعلى صوته:" شكرا لك جدتي ،وآسف جدا على فضاضتي".
وفي طريق العودة طلب الخال من زيد أن يركب البحر معه على سفينته الحياة التي على متنها من الله بحياة جديدة على زوجته التي يحبها فوافق على الفور دون تردد.
ومنذ ذلك الحين جابر وزيد لم يفترقا الى يومنا هذا ويسمعا لبعضهما ويحبان بعضهما لذلك عندما نصحه زيد أخذ بنصيحته،ودخل الجميع الى قمرة القيادة .
دخل محمد وزيد ويوسف الى حيث الجميع .
زيد:" أنا لم أسمع ما قالته المرأة في الاخير"
يوسف :" لكنها قالت ياس ياس وهذا معناه نعم "
محمد:" دائما متسرع فالننتظر ونرى "
وأخذ الجميع ينظر من زجاج القمرة وإذا بالسفينة تتحرك مبتعدة تاركة القارب وراءها .
نظر الجميع الى يوسف وأنهالو عليه ضربا
جابر يضرب يوسف على قفاه :" الم تقل أنها فهمت يا انجليزي ؟"
يوسف :" والله ضننتها فهمت"
محمد :" أضنه قال لها أنك جميلة فقالت له نعم نعم ،هذه هي نهاية مشاهدة الافلام الاجنبيه, تركتنا في البحر تائهين"
عبد الرحمان يتهكم : " الم أقل لكم ولم تسمعوني ؟"
عمر ينظر من الزجاج ويركض خارجا ويتبعه الجميع .......
ترى ما الذي رآه عمر ليركض هكذا؟
وهل سينجو جابر وطاقمه؟
تابعو معي الحلقه القادمة من سلسلة صيادو الحياة.
الحلقة الخامسة من سلسلة
*صيادو الحياة*
ضحك كل الطاقم من عمر المسكين ،وراحو يتهكمون عليه ،كان يكبرهم سنا لكن الكل يصادقه ويحبه لأن قلبه أيضا كان كبيرا ويسع الجميع.
انسحب زيد من بينهم متسللا ونزل الى القبو حيث يضع الجميع امتعتهم ثم عاد ، لم يكن سوى عبد الرحمان من يراقبه ونبه جابر ببطء الى زيد وقد حمل على حزام بنطاله مسدسا وأخفاه بالقميص ، امسك جابر زيد من يده وأبعده عن الجميع وسأله: ما الذي تحمله ؟ وما الذي تحاول فعله؟
فقال له زيد أنه مجرد احتياط إذا أحد ما قام بالهجوم عليهم .
فطن جابر لشيء لم يكن في رأسه منذ لحظات ،ثم عاد الى طاقمه ساحبا إياه الى قمرة القيادة ،وطلب منهم وضع خطة ليتكلمو معهم وأن لا يظهرو أنفسهم دفعة واحدة لكي لا يعرفو كم عددهم .
فاقترح محمد أن يذهب هو ليحاول معهم ويأخذ معه أبو العراريف يوسف ، فغضب عبد الرحمان وقال له : "مع أنك تعلم أنه متسرع ! وتأخذه؟ "
محمد: "يوسف هو الوحيد الذي تعلم جيدا بيننا ويشاهد الافلام الاجنبية بكثرة ،وقد يفهم كلمات مما يقولون أو يوصل كلمة هذا لا يعني أنني أشجعك ها".
نظر يوسف الى عبد الرحمان وهو يخبىء ضحكة انتقام :" أرأيت يا عبد الرحمان أن مشاهدة الافلام الاجنبيه أحيانا تكون مفيدة ،عليك أن تتفرج قليلا هههه".
عبد الرحمان : " إذهب من أمامي الآن وأرنا ما تعلمته من أفلامك يا فالح، وقال لك أنه لا يشجعك فلا تزد فيها شبرين "
خرج محمد ويوسف وتبعهما زيد وهو يخبىء المسدس جيدا . وصل الثلاثة الى حافة السطح وأخذو يولوحو الى السياح المنتشرين فوق السفينة ،فنطق واحد منهم يبدو من حديثه كما قال يوسف أنه يتحدث الإنجليزية ،فبادره يوسف يقول :"لوست لولست, أيام لوست " فنظر اليه محمد وقال له :" يوسف أأنت واثق مما تفعله تبا لك الرجل يزداد تبسما وكأنك تقول له أنا معجب بك!"
يوسف :" أنا واثق لقد رأيت فلما عن طائرة سقطت في جزيرة وضاع الركاب في الجزيرة وكان إسم الفيلم ذا لوست أي الضائعين... لقد كان فلما رائعا وكان البطل....."
محمد يقاطعه : " أضنني وكلتك أن تحكي لي قصة الفيلم ؟ ،هيا أكمل الحديث معهم".
يوسف من بين كل السياح تجذبه امرأة ،ينظر اليها ويلوح لها بيده ويعيد كلماته :"أيام لوست"
فنطقت المرأة أخيرا :" هاو يو دوينغ " ( ماذا حدث لكم) ،يوسف ينط فوق الحافة ويمسكه محمد:" يا مجنون توقف"
يوسف:" دعني أظنها فهمتني،وهي على ما تبدو جميلة!!!".
ثم يكمل الحديث معها:" سيكس داي سيكس داي ،لوست إن سيا " ( ست أيام ،ضاع ،في البحر )
المرأة : " ياس ،ياس ،أي ...... "
يوسف لم يسمع المرأة ما قالته ويتسرع : " هاي هاي لقد فهمتني أنا عبقري "
ركض نحوه زيد يهدئه وقال له : " ماذا قالت في الاخير ؟ " ،ويطالبه أن يكون يقضا فلربما فهمت شيئا آخر .
ثم ابتعدت ولم تعد تظهر قال لهم يوسف بأنه أفهمها ،وأنه يضن أنها ستفهم الطاقم.
يوسف : " إييييه يا زيد أنت دائما شكاك ولا تثق في أحد أبدا "
زيد : " الحيطة والحذر وليس شكا أيها الانجليزي بين ليلة وضحاها"
كان زيد صديق جابر المفضل منذ الصغر لعبا سويا ،درسا سويا ،وتركا الدراسة سويا وتقاسما الدنيا حلوها ومرها، وعندما ركب جابر البحر مع خاله كان يلح عليه بالمجيء معه لكنه كان يرفض لأنه تعلق بشيء آخر بالنسبة له أهم من البحر وهي جارتهم سهام ،كانت بالنسبة لزيد كل ما يملك وأحبها حبا كبيرا وتعلق بها لدرجة أنه طلب من أبيه أن يطلبها له للزواج وهو في سن صغيرة ،فرفض والداه لصغر سنهما لكنه وبإصرار جعلهما أخيرا يوافقان على طلبه.
تقدم لها وعاشا فترة خطوبة رائعة ،ما لبثت أن تحولت الى مأساة، فقد مرضت سهام وتوالت عليها المصائب فمات والدها المعيل ولم تجد من يعالجها فكبرت في رأسها أن تفسخ الخطوبة لكن زيد لم يوافقها الرأي وتمسك بها ،وكان يعمل هنا وهناك ليؤمن لها مصروف الطبيب ، وبعد عام من المعاناة والاخذ والرد تزوجها رغما عنها وعن والديه وإصراره الكبير غلب الجميع ، وضل يناضل وإياها المرض فلم يعرف الاطباء ما طبيعة مرضها كان غريبا وغير معروف .
سهام تنظر الى زوجها كيف ينهض باكرا ويعمل عملين معا ليؤمن لها مصاريف الطبيب والبيت،قررت أن تهديه هدية حتى وٱن ماتت بعدها فلم يعد يهمها،حملت ببنت زيد وأنجبتها وهي تصارع الموت ،وزوجها يؤنبها على ما فعلته بنفسها .
كانت قرة عينيهما وبذرة حب كبرت وسط المآسي ، وكانت كل مرة تصل فيها سهام الى المستشفى توصي زوجها عليها وعلى نفسه .
جربو كل شيء لعلاجها لكن دون جدوى وفقدو الامل وصار زيد ينهض صباحا ليتفقدها بقلب خائف ومرعوب :" هل ستغادرني وتتركني اليوم ياترى؟" وعندما يجدها تتنفس يتنهد وينهض للصلاة ،شاكرا الله أنه تركها اليوم أيضا .
كان مرضها بين معدتها وفمها فلا تستطيع البلع جيدا وإذا التهب المكان وجب لها المستشفى ليضعو لها مضاد للالتهاب في المصل ،ولكن الآلام في معدتها وحلقها لا تتوقف وتضل تفتك بها ،ضنو أنه سرطان لكنه لم يكن كذلك ولم تجد تشخيصا جيدا .
كانت تنهض من الصباح الباكر وتعد الفطور لزوجها وتعده للذهاب الى العمل وهي مبتسمه وتحاول أن تظهر الإمتنان والشكر لزوجها ،كانت امرأة قوية وصبورة رغم كل ما مر بها وكأنها تقول للمرض" لن تغلبني والله لم يأمر روحي بالخروج ،وما دمت حية سأعمل وسأجاهدك لاربي إبنتي وأشم رائحتها كل صباح وأمشط لها شعرها وأراها تذهب الى المدرسة ،لن تغلبني أيها المرض لن تغلبني والله لم يأمر روحي بالصعود....".
وفي أحد الايام كان زيد قد أنهى عمله وفي طريق عودته إشتهى لزوجته شيئا من السوق فالتقى في السوق بخال جابر وسلما على بعض ،وراح يحكي له بحرقة عن معاناة زوجته ومعاناته ،ففوجيء به يطنئنه ويقول له :"أجربت الطب البديل؟"
زيد :" لا يا عمي لم أجرب "
فطلب منه موعدا في نهاية الاسبوع ليأخذه وزوجته في القارب عند امرأة تداوي بالطب البديل، ولكنها بعيدة بعض الشيء ويجب أن يبكرا .
فوافق على الفور وأسرع لزوجته ليخبرها ،وافقت بدورها باعتبار أنه لا أمل .
وفي نهاية الاسبوع لملم زيد وسهام اشياء قد يحتاجانها وأوكلا ابنتهما الى والديه وغادرا مع خال جابر .
كانت هناك عجوز تعيش وحدها في جزيرة ليست بعيدة عن الميناء ،البحارة وحدهم يعرفونها . عندما وصل الثلاثة كان يشعر زيد أن قدماه قد وطأتا الجنة وزوجته كذلك، مكان لم تعبث به أيادي البشر ،الحشائش بمختلف ألوانها واشكالها والاشجار المثمرة تتدلى ثمارها أرضا ،مشى الثلاثة في طريق ضيق تحفه الاشجار والحشائش ،وعبرا ساقية ماء كأنها لؤلؤ ، وكان زيد وزوجته منبهران بما أمامهما لدرجة أنهما نسيا لما هما هنا أصلا،وفي نهاية الطريق بيت مصنوع من حطب يحترم المكان بتواجده وسطه ، وله سقف من سعف وعلى السعف نمت نباتات من كل الاشكال فكان وكأنه رسمة فنان .أمام البيت وضعت الكثير من الجرار المغطاة بالقماش والمعصوبة الرؤوس ،وكأنه متحف لتماثيل قديمة وكانت أنواع الاعشاب المجففة والمعلقة هنا وهناك توحي أنهم وصلو الى المكان المطلوب ،تقدم الثلاثة وزيد يمسك يد زوجته وقد بدأ الخوف يدب الى قلبه وشكوكه تراوده كعادته.
وصرخ خال جابر :" يا أصحاب المكان هل أنتم هنا؟" لم يجب أحد وضل الهدوء يخيم على المكان ولا يسمع سوى اصوات العصافير في الارجاء وأصوات دجاجات يضهر أنهم للعجوز .
وبينما هم غارقون في التفكير ،إذ ظهرت من بين الحشائش عجوز محنية الظهر مما تحمله عليه من أعشاب ونباتات وفي يدها سلة فاكهة طازجة ،وقالت :" أااااااا ماذا تفعلون هنا ومن أنتم ؟ جئتم لسرقتي ؟"
رد عليها خال جابر " لا يا خالة أنا البحار فلان صاحب الحياة وأنا من أحضر لك السمك عند كل عودة لي من الصيد أضنك نسيتني"
العجوز: " آه يا ولدي لقد نقص نظري ولم أعد أرى جيدا وما الذي أحظرك هل جلبت سمكا؟"
الخال :" لا لقد أحضرت لك رجلا وزوجته لتساعديهما ،فالمرأة مريضة ولم يعثر لها الاطباء على دواء "
العجوز :" هه ومنذ متى أصبح الطبيب يجد الدواء اخ اخ اخ على الطبيب"
وضعت حملها أرضا وتقدمت نحو سهام ببطء ونظرت في عينيها بتمعن ،وقالت لها :" أحظري لي الماء لأشرب"
غضب زيد وقال للخال : " أأحضرتها لتشفيها أم خادمة لها؟"
قالت له العجوز :" أأي لا أريد مزعجين حولي خذه واغربو عن وجهي والتحضرو الاسبوع القادم لأخذها"
زيد يصرخ : " هذا من المستحيلات السبعة إما أن أبقى معها أو آخذها معي"
العجوز :" خذها إذا وانتظر وفاتها في الايام القليلة وسيكون بسبب عنادك وشكك يف جيل متهور!!"
زيد يزداد غضبا وغير مقتنع بكلامها يجر زوجته من يدها ،لكنها تنزع يدها من يده وتصرخ فيه :" زيد ما بالك وبال شكوكك فأنا ميتة في كل الأحوال وفيما خوفك يا إلاهي ،دعني أجرب آخر شيء لأموت مرتاحة البال" .
قالتها ودموعها تنهمر وجلبت القربة للعجوز وشربتها وحملت الاعشاب من امامها وهي تبكي في صمت ،أمسك الخال يد زيد ووضع أغراض سهام على الأرض وقال له :" ثق في الله يا ولدي وفي العجوز واترك زوجتك بين يدي الله" .
خفض زيد رأسه وأخفى دموعه من خجله ،وودع زوجته بنظرات حزينة وغاب عن ناظريها وسط الاشجار ،
وغادر زيد الجزيره تاركا قلبه وراءه .
وفي المساء أحظرت العجوز سعفات نخل ووضعت عنهم التبن داخل الكوخ ،وطلبت من سهام التمدد عليها وإظهار بطنها ،وبدأت تفحصها ببطء وعلى مهل الى أن وصلت الى مكان لم تستطع سهام تحمل الالم فيه ،فهزت برأسها العجوز وقدمت الطعام لسهام ونامتا.
وفي الصباح الباكر استيقضت فلم تجد العجوز ووجدت فوق سريرها فطورا أعدته لها خصيصا فخرجت للبحث عنها دون جدوى ، تناولت فطورها وغسلت الاطباق الطينية في الساقية ،وعادت لتجد العجوز متربعة عند مدخل الكوخ وقد جمعت لها من الأعشاب الكثير ،وطلبت منها أن تغسلهم جيدا وتهرسهم ببطء ، وعند منتصف النهار منعتها من الاكل وأخذت تعطيها الاعشاب ،مع تضميد مكان الالم بأعشاب أخرى .
ومرت الايام وسهام تأخذ الدواء كل يوم في نفس التوقيت وتستحم بالاعشاب ،وتصعد الى رأس التلة وتعود مرتين ،وتقطف الثمار للعجوز ، وأحيانا تطلب منها الركض وراء الديك وإمساكه وعندما تمسكه تطلق صراحه العجوز ،حتى اكملت الاسبوع وهي على تلك الحالة ،وفي يوم رحيلها مددتها على سرير القش وفحصتها ثانية ،وإذا بها لا تشعر بأي ألم ففرحت كثيرا وقبلت رأس ويدي العجوز باكية ،وشاكرة ممتنة لها .بكت العجوز مع سهام وأكدت لها أنها شفيت بفضل الله وبفضل أعشابها.
وصل زيد على عجل وجد زوجته وقد تجهزت للعودة وهي في كامل صحتها ،استغرب كثيرا كيف أن وجه زوجته تغير تماما وأصبح مشرقا ،وهم أن يشكر العجوز وإذا بها غير موجودة كعادتها ،فوضع لها زيد سلة السمك المشوي على سريرها وحذاء كان قد اشتراه لها من السوق ،وصرخ بأعلى صوته:" شكرا لك جدتي ،وآسف جدا على فضاضتي".
وفي طريق العودة طلب الخال من زيد أن يركب البحر معه على سفينته الحياة التي على متنها من الله بحياة جديدة على زوجته التي يحبها فوافق على الفور دون تردد.
ومنذ ذلك الحين جابر وزيد لم يفترقا الى يومنا هذا ويسمعا لبعضهما ويحبان بعضهما لذلك عندما نصحه زيد أخذ بنصيحته،ودخل الجميع الى قمرة القيادة .
دخل محمد وزيد ويوسف الى حيث الجميع .
زيد:" أنا لم أسمع ما قالته المرأة في الاخير"
يوسف :" لكنها قالت ياس ياس وهذا معناه نعم "
محمد:" دائما متسرع فالننتظر ونرى "
وأخذ الجميع ينظر من زجاج القمرة وإذا بالسفينة تتحرك مبتعدة تاركة القارب وراءها .
نظر الجميع الى يوسف وأنهالو عليه ضربا
جابر يضرب يوسف على قفاه :" الم تقل أنها فهمت يا انجليزي ؟"
يوسف :" والله ضننتها فهمت"
محمد :" أضنه قال لها أنك جميلة فقالت له نعم نعم ،هذه هي نهاية مشاهدة الافلام الاجنبيه, تركتنا في البحر تائهين"
عبد الرحمان يتهكم : " الم أقل لكم ولم تسمعوني ؟"
عمر ينظر من الزجاج ويركض خارجا ويتبعه الجميع .......
ترى ما الذي رآه عمر ليركض هكذا؟
وهل سينجو جابر وطاقمه؟
تابعو معي الحلقه القادمة من سلسلة صيادو الحياة.