- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,517
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
السلام عليكم و رحمه الله تعالى وبركاته
الحلقة الثامنة والاخيرة من سلسلة
صيادو الحياة
الحياة قست على طاقم السفينة وجعلتهم يجربون اختبارا من نوع آخر غير الذي عهدوه ، فهنا هم وحدهم مع المياه فقط والسماء بشساعتها كأنها تنزل على البحر وتحيطهم من اربع جهات وتقول لهم هنا انتم باقون ،زاد ضيق الخاطر وتسلل اليأس الى القلوب وتمردت الافكار هنا وهناك .
بات الجميع تلك الليلة مفكرين في يوم غد وفي القرعة التي اقترحها جابر ،نامو قليلا بعد أن تقاسمو القليل من الاكل والماء .
في الصباح التالي نهض الجميع متثاقلا وكأنهم لا يريدون النهوض من شدة اليأس سوى عمر كان متفائلا كعادته للحياة ايقظ الجميع للصلاة جماعة ، ودعاهم الى قمرة القيادة ليبدأو القرعة فهو أمر لابد منه ويجب اتخاذ قرار بأسرع وقت ،اخذ ورقات ووزعها على الجميع واخبرهم أن يكتبوا الابحار أو البقاء.
وبعد فرز الاصوات رجحت كفة الرحيل على البقاء ، "يا إلاهي الى أين وفي أي اتجاه " تساءل الجميع ، نظر جابر عبر النافذة وقال لهم سأبحر الى حيث جهة شروق الشمس فالشرق هناك ، وهناك إما نشرق مجددا او تغرب احلامنا في العودة واكمال ما تبقى من حياتنا . فوافقه الجميع باعتبار انه لا اتجاه معين يأخذوه .
سارت الحياة في عرض البحر الواسع ،وهي تترك ذلك الاثر الابيض وراءها مثل اثر البشر عندما يمرو في هذه الحياة ،ثم يبدأ في التلاشي مثلما تتلاشى ذكريات البشر بمغادرتهم، والأمواج تخبط جانبيها وكأنها أيادي تحاول الامساك بها والحياة تصارع من اجل أن توصل الحياة الى بر الامان .
مشت ومشت حتى المساء ،كانت الشمس تغوص في البحر تاركة السفينة وراءها واشعتها الحمراء تزداد احمرارا وكأنها حزينة معهم وترسل لهم النور ليستأنسو به ،لكن مع نزولها نزلت كل المعنويات وعرفو انهم يمشون الى اللاشيء فهاهو يوم قد انقضى وانقضت معه احلامهم ،اجتمع الجميع في قمرة القيادة وكأنهم يودعون بعضهم.
جابر جالس وممدد الرجلين ويضع يديه على ركبتيه وصامت، يشم رائحة والدته ويتخيل نفسه يعانقها ويرى والده بيديه الملطختين بالطين وهو يحمل حبات البرتقال ويبتسم ،تسقط دمعات من عينيه :" آه أبي ويا أمي تمنيت لو بقيت معكما اكثر ،وتزوجت ورأيتما أولادي ،لكن الاعمار بيد الله ،سامحاني فهذه اقدار"
عمر القى راسه على كتف زيد وتاه في تفكير عميق محاولا استرجاع شريط حياته ومتخيلا لصرخات اطفاله أمامه :" جميلة ،لم أكن أعتقد يوما أنني سأشتاق اليك يا مجنونة ،اتمنى أن تربي أولادي مثلما كنت اريد واخبرتك وان تعتني بهم ،قدر الله وما شاء فعل".
زيد يسمع تنهدات عمر وكأنها عدوى تتسرب عبر اللمس فيتنهد بدوره ويلقي رأسه الى جدار القمرة :" عزيزتي ،شفاك الله واعطاك عمرا آخر ....سامحيني أنني لست بقربك لنتمتع به سويا بحلوه ومره ،اعتني بنفسك وجاهدي الحياة لتربي ابنتنا الغالية ،الله غالب ".
يوسف ينام على الارض متوسدا ذراعيه وينظر الى سقف القمرة ويمعن النظر وكأنه يرى شيئا ما ، كان يتخيل غرفته وحياته السابقة وكيف عاشها وكيف انه أخرج عيون والديه :" أستغفر الله وأتوب اليه يارب سامحني لأنني شربت خمرا وسامحني لأنني اهنت والداي ولم أرحمهما ،سامحني واغفر لي أنا العبد الضعيف ،إن رحلت الآن كيف سأقابلك وأنا لم أفعل شيئا صائبا في حياتي التي كانت مليئة باللهو ومشاهدة الافلام وكرة القدم ،كان آخر همي أن أقرأ القرآن .......،القرآن؟ " ،ثم قفز على رجليه وراح يركض الى القبو وأحضر المصحف والكل يراقبه وأخذ يقرأ القرآن ،تقدم نحوه عبد الرحمان ومسح على رأسه وقال له :" يوسف إن الله غفور رحيم يا صاحبي ،الحمد لله على عودتك سالما معافا"
ثم تمشى الى باب القمرة ووقف فيه يستمع الى تلاوة يوسف المبحوحة المليئة شجنا وحزنا وندم ،وأخذ ينظر الى آخر أشعة أرسلتها الشمس ويفكر في أمه وأختاه اللواتي تركهن خلفه وحدهن لا معيل ولا سند من غير الله ، ويتخيل رقية في ابهى حلة تنتظره :" أمي حبيبتي اعتني بنفسك من بعدي،ربيت أختاي وأعرفهما هما أخوات الرجال وقادرتان على تدبر أحوالهما مع الاعتناء بك ،رقية عيشي حياة رائعة من بعدي تزوجي وانجبي اطفالا آسف انك احببت رجل حكم عليه الموت مبكرا الحمد لله به نحيا وبه نموت".
محمد يجلس على قطعة خشب كانت مصنوعة خصيصا للجلوس عليها كانت دائما مكانه المفضل لشرب القهوة في رحلات الصيد ، يحمل في يده علبة كبريت يلعب بها ويستمع الى يوسف وقراءته تزداد تذبذبا من غصة البكاء التي تملؤ صدره وهو يحبسها داخلا ،فقال له :" إبكي يوسف فالبكاء من خشية الله ليس عيبا ،واترك العنان لنفسك الطاهرة بالظهور ،إبكي يا أخي إبكي!". عانق يوسف المصحف وراح يبكي بحرقة المفجوع في عزيز عليه وبكى معه الجميع من بكائه وعلى حالهم . بكى محمد وتذكر والدته الميتة وكيف ماتت وهي تعاني نفسيا وعاطفيا ،وتذكر والده الوحيد :" أمي ،قد اوافيك حيث انت عما قريب انتظريني ،لقد اعتنيت بوالدي بعد أن انتقمت منه الحياة شر انتقام لما فعله بك ،اتمنى ان تسامحيه انت ايضا ،الله يرحمك ويرحمني !".
وبينما الجميع غارق في دموعه ،ضوء القمرة بدأ يخفت ومحرك السفينة يظهر انه يلفظ انفاسه الاخيره ،تفطن جابر مباشرة الى أن طاقة السفينة في طريقها الى النهاية ،أمر يوسف ان يسرع في الذهاب الى البراد ويخرج ما به من مؤونة ويجمع كل شيء يمكن أكله ويضعه في كيس ويعلقه بجانب السفينة لكي لا يفسد شيء ،استغرب الجميع من تعلق جابر بالحياة الى اخر نقطة ،ذهب يوسف ونفذ امر جابر بسرعة وفي طريق عودته إليهم ملأ الظلام السفينة ولم يعد احد يرى الاخر من شدة الظلام.
محمد :" يا جماعة اجتمعو هنا ولا تتحركو لكي نطمئن على الجميع ،يوسف إياك أن تتهور!"
يوسف :" لا تقلق لن احرك ساكنا من امامكم فأنا أكره الظلام وأخاف منه"
عمر:" تذكرت ،الم تكن تلعب بعلبة كبريت ونحن في القمرة يا محمد ؟"
محمد :" نعم كانت بيدي علبة كبريت ،لكنني مع ما حصل اسقطتها أرضا ولست ادري أين "
زيد :" هيا لنبحث عنها جميعا "
أخذ الجميع يتلمس الارض ويبحث عن علبة الكبريت ،
عبد الرحمان :" هذه قطعة الخشب الخاصة بمحمد ،اضنها قريبة من هنا ، ها هاهي لقد وجدتها بالقرب من قطعة الخشب" .
أخذ يشعل أعواد الكبريت ليتحقق من سلامة الجميع وتواجدهم ،يشعلها الواحد تلو الاخر .....
محمد :" توقف قد نحتاجها حقا !"
عبد الرحمان :" انتظر أنا لا أرى جابر بينكم ،جابر هل انت هنا "
أشعل عود كبريت اخر وأخذ الجميع يلتفت حولهم لكن جابر غير موجود ،وفجأة سمعو صوت سقوط شيء ما قادم من القبو .
صرخ الجميع :" يا إلاهي ،جابر!"
تحرك الجميع بحذر شديد لان الظلام كان حالكا حتى وصلو الى الباب المؤدي الى القبو فأمسكو ببعضهم وأخذو ينزلون ببطء عن السلالم وينادون :" جابر ،جابر هل انت هنا ؟ رد علينا ارجوك " كان عبد الرحمان يتقدمهم بعلبة الكبريت فأشعل عودا عند نهاية السلالم ورأى جابر مرميا أرضا غارقا في دمائه ،أسرع نحوه وحمل رأسه المبلل بالدماء وصرخ :" يا جماعة جابر جابر سقط على رأسه وهو ينزف كثيرا يجب أن نحمله تعالو " ....
الظلام كان لا يحتمل كان الجميع يتلمس جابر ليحملوه الى غرفة النوم ،وضعوه على السرير بعد عناء كبير فهم لا يعرفون ما حصل ولماذا نزل جابر الى القبو ،وماذا كان يحاول فعله دون اخبارهم ...
جابر عندما سمع بقصة علبة الكبريت، تذكر قنديلا قديما كان قد اهداه له خاله عندما تولى قيادة الحياة ،وبه غاز ويعمل فأراد أن يستعملوه في حاجاتهم الضرورية فنزل الى القبو ليحضره لكن قدمه زلقت بما أوقعه يوسف عندما كان ينقل المؤونة الى السطح ووقع مرتطما رأسه بحافة آخر السلم وأغمي عليه..... كان هذا ما سمعه الجميع .
جابر يتألم ودماؤه لا تتوقف ،ينازع ويتأوه ويتمتم وسط الظلام ،كان يحاول أن يشير الى القنديل لكن لم يفهمه احد ،اقترب منه صديقه زيد وحاول سماعه جيدا وكانت حروفه غير واضحة :" ققنزيل ،قند. ....يل "
زيد :" إنه يقول قنديل؟!! "
يوسف :" لابد أنه يهذي ،بقناديل البحر التي نصطادها احيانا مع السمك !"
ينتفض زيد :" آ جابر لا يهذي يا حبيبي قنديل الغاز المعلق في المطبخ ،هدية خاله كان يريد إحضاره ،صديقي جابر المسكين ،يجب أن نشعل القنديل لنستطيع مساعدته ،سأذهب لاحضاره ،وأنت عبد الرحمان جهز علبة الكبريت "
ذهب زيد الى المطبخ وهو يتحسس بيديه السقف فهو يحفظ المكان لانه عشرة عمر ،حتى وصل الى المكان المعلق فيه القنديل ،مشى ببطء وبحذر نحو الغرفة حيث يجتمع الجميع ويوسف يمسك بيد جابر وعمر يجلس بالقرب منهما.
زيد :" لقد أحضرت القنديل ،هل الجميع هنا ،فاليرد علي الجميع من فضلكم "
الجميع :" نحن هنا لا تقلق "
عبد الرحمان :" هناك مشكلة يا جماعة ،علبة الكبريت تبللت بالدماء عندما حملت رأس جابر ،آسف ولم يبقى سوى ثلاثة أعواد من الكبريت !"
زيد :" تبا لك لقد قلنا لك اقتصدها لكنك بكل طيش استعملتها ،كيف سنرى جرح جابر ونعالجه الآن .... يا رب ما العمل؟"
محمد :" اهدأو جابر يحتاج الى الراحة أرجوكم ،ليست غلطة أحد وعبد الرحمان أراد المساعدة فحسب ،أعطيني علبة الكبريت والقنديل من فضلك ، سأحاول سأحاول... "
تقدم عبد الرحمان وزيد من محمد وأعطوه ما يحملان ،فأخذ محمد يتحسس القنديل وفتحه ويتحسس العلبة في أي جهة يوجد مكان ليس به دماء، فوجد جزءا من العلبة غير مبلل وحاول بأول عود كبريت فصنع شرارة صغيرة واحترق دون أن يشتعل " يا رب اعنا " قالها عمر وهو كالاعمى وسط الظلام ولم يرى سوى شرارة عود الكبريت ،بقي عودا كبريت اخرج محمد واحدا منهما ويده ترتجف خوفا وقلقا على جابر المسكين،وحاول اشعاله من نفس الجهة من العلبة فاحترق مثل الاول واحترقت معه الامال والظنون بنجاة جابر ،تنهد محمد محاولا الاسترخاء قليلا لكي يركز وأخذ يقرأ آية الكرسي وتبعه الجميع ،كان عود الكبريت يمثل لهم الحياة كان أغلى من فيلا بأربع طوابق، ومن سيارة رياضية ومن أموال في البنك ،كان عود حياة وليس كبريت .... ،نسف محمد على العلبة محاولا أن ينشفها بنفسه الساخن ،وحمل عود الكبريت كأنه يحمل روح جابر بين اصابعه ،وأشعل آخر أمل لهم لم يصدق أن عود الكبريت قد اشتعل بين اصابعه حتى صاح به زيد :" أشعل القنديل يا محمد اسرع !" فأشعل محمد القنديل وأشعل قلوب الجميع معه ،سارع محمد بالقنديل نحو جابر ليتفقدو الجرح وخطورته فوجدو أنه جرح بليغ فعلا ويجب تضميده بسرعة .
زيد :" محمد خذ القنديل واصعد الى قمرة القيادة واحضر عدة الاسعافات الأولية بسرعة ، وانت عبد الرحمان أحضر القليل من ماء البحر ،واذهب معهم يوسف واحضر ما بقي من سكر وماء لنضع له مصلا في فمه لقد فقد الكثير من الدم ويجب أن يعوض قليلا".
اسرع الثلاثة وبخطا متسارعة الى السطح احضرو ما طلب منهم زيد ومحمد بقي عند جابر هو وزيد يمسكان بيديه ويحاولان إيقاضه لكي لا يذهب في غيبوبة ،غسل زيد جرح جابر بماء البحر ليعقمه ولكن الدماء أبت التوقف عندئذ نطق عمر :"اقترح أن نضع على الجرح زيت زيتون فقد كنت عندما اجرح تضع امي على جرحي زيت الزيتون ليتوقف النزيف ،ماذا تقولون؟"
محمد :" لكن هذا جرح عميق وفي رأسه يجب علينا الحذر !"
زيد :" لكن إن بقى ينزف هكذا سيموت حتما، ليس امامنا سوى أن نجرب ،اذهب عمر واحضر قارورة زيت الزيتون" ،ذهب عمر وهو متردد من فعل ذلك فلو حصل شيء سيكون مسؤولا ، أخذ زيد يصب زيت الزيتون على رأس جابر والدماء تتدفق مثل تدفق الزيت ،كان يوسف يراقب ودموعه تنهمر ولا يستطيع التحكم بها ،جابر كان بالنسبة له الاخ الكبير الذي لم يحضى به من والديه،كان عطوفا متفهما محتويا له رغم أخطائه الدائمة، وتذكره وهو يقول له :" يوسف أنت رجل الان ويجب أن تعتمد على نفسك ،وتستقل بأفكارك ،وتبتعد عن اصدقاء السوء ،سأقبلك معي في الحياة لكن بشرط أن تعدني بالاستقامة والعمل بجد ،ولا تقلق فأنا اثق بك" كان دائما يعانقه ويقول له انت اخي الصغير الذي لم يرزقني به الله ،ويصفه بالشقي المتسرع ،بكى يوسف وبكى ودعا الله أن ينجي جابر .
ضمد زيد الجرح وطلب منهم أن يحضروا له الماء مع السكر كانت آخر قطعتي سكر اذابهما يوسف في قليل من الماء وأخذ زيد يقطر في فم صديقه قطرات تمر عبر حلقه وأخرى تتسرب خارجا :" هيا يا صديق عمري اشرب وأفق فالحياة تنتظرك ،اشرب ارجوك ولا ترحل ،نحن بحاجة اليك الآن أكثر من قبل " .
أخذ جابر يرتجف بردا ،إنها الحمى حمى قاتلة تجتاحه بسبب جرحه العميق ،أحضرو له جميع الاغطية الموجودة وما زال يرتجف واسنانه يضرب بعضها بعضا ،خاف الجميع وأجزمو أنها النهاية وجلسو يراقبونه ودموعهم لا تفارق مقلهم ،اقترب زيد وامسك يده ونظر الى الجرح فإذا النزيف يتوقف .
زيد :" لقد توقف النزيف يا جماعة،الحمد لله لننتظر قليلا قد يستفيق يا رب ساعده "
وواصل يشربه الماء المسكر ويضع له كمادة على جبهته لكي لا ترتفع درجة حراره رأسه.
قضى الجميع ليلة سوداء بظلامها واحداثها ثم نامو عند رجلي جابر إلا زيد لم يغمض له جفن وهو يراقب صديقه ،وقبل الفجر أطفأ القنديل وأخذ غفوة نصف ساعة من التعب ،أتته ابنته في الحلم ونادته :" أبي أين أنت ؟ وأين عمي جابر ؟ لقد وعدتماني أن تحضرا لي سمكة حمراء لأربيها واعتني بها ",ثم أخذت تبتعد وسط الضباب وهو ينادي عليها :" لا تذهبي حبيبتي سنعود ونحضر لك ما طلبتي! لا تذهبي لا اااااا" عندئذ استفاق على صوت جابر يناديه :" زيد زيد هل من أحد هنا ،ما ذا يجري ؟"
اسرع اليه بعد أن نهض الجميع مستبشرين بصوت جابر خيرا :" جابر ،هل انت بخير؟ كيف تحس الان ؟"
جابر :" هل مازال الظلام دامس لما لا أرى شيئا؟"
زيد :" لا يا صديقي فضوء الفجر قد لاح وبدأ يدخل من النافذة الصغيرة ! الا تراني؟ يا إلاهي ماذا حصل لك "
جابر :" لا أراك ولا أرى أحد هل فقدت بصري ؟ أخبروني ماذا حصل؟"
عمر يضحك مستهزئا وينزع الكمادة على عيني جابر :" زيد لم ينم وفاقد التركيز ،لم ينتبه الى الكمادة ولا أنت يا قائد الفريق أهلا بعودتك الى الحياة ثانية "
يمسح له عينيه من الزيت والدماء ويقول له :" افتح عينيك الان يا فاقد البصر هههههه"
يفتح جابر عينيه ويرى الجميع أمامه ،يحمد الله ويبتسم :" على حسب ما أرى وعلى هيأتي لقد مرغتم بي الارض البارحة! "
محمد :" أنظرو من يتحدث عن الاناقة فيما مات ورجع الى الحياة ،تستحق أن نغمسك في برميل زيت ،كانت فكرة عمر مفيدة لايقاف النزيف"
جابر :" أنا أمزح يا جماعة أشكركم جميعا على اهتمامكم بي ،إن كتب الله لي عمرا لن انسى صنيعكم"
وفي هذه الاثناء يسمع الجميع دويا قويا خارجا مختلطا مع صوت غريب !!!!!
جابر :" فاليصعد اثنان ليتحققو من الصوت رجاءا "
ركض يوسف يتبعه محمد الى الاعلى فوجدو مروحية تحوم حول القارب وشخص ينادي بداخلها :"هل من أحد على قيد الحياة، أظهرو أنفسكم رجاءا "
لقد انفتحت طاقة القدر للجميع ،لوح محمد ويوسف وصرخا :" نحن هنا ،هنا "
طمنهم الشخص بمكبر الصوت أنه سيعود بقارب مساعدة عما قريب وذهب .
عائلاتهم لم تهدأ وضلو يصرون على شرطة السواحل أن لا تفقد الامل وتبحث عنهم ، الى أن جاء اتصال من قائد شرطة سواحل لدولة اخرى يسألون فيها إن كانت هناك سفينة مفقودة في عرض البحر ،وقالو أن عبارة سياحية من قامت بالاتصال بهم ،لكنهم ليسو معنيين لانهم لم يفقدو ولا سفينة! ،وأعطوهم الأحداثيات الدقيقة أين تركتهم العبارة وتركت لهم القليل من المؤونة ،لكن السفينة تحركت من مكانها لذلك استغرقت الحوامة وقتا حتى وجدتهم ...........
عمر:" جميلة اسرعي لقد تأخرنا ،لماذا دائما تستغرقين وقتا حتى تحضري نفسك يا إلاهي ،هيا "
جميلة:" قادمة البس حذائي يا حبيبي فقط ،أنت متوتر وكأنك العريس ،تنفس ولا ترتبك ههه"
عمر :" إنه زفاف عبد الرحمان ولا يجب أن أكون آخر الحاضرين ،أخيرا عبد الرحمان ورقية بعد انتظار طويل سيجمعهما عش الزوجيه"
وصل عمر الى مكان العرس وكان الخمسة يقفون ببدلات سوداء وربطات عنق يتوسطهم عبد الرحمان .
عمر :" لا لا لما الجميع يلبس بدلات قررتم أن تتزوجو في نفس اليوم أم ماذا؟ وأنت زيد هل ستتزوج مرة ثانية ولم تخبرني ؟"
جميلة :" أحم أحم وماذا إذا أخبرك هل كنت ستفعل مثله؟ جرب حظك وسترى "
عمر :" هيهي يا نور عيني ومن قال ذلك كنت أود أن البس مثلهم فقط"
جابر :" مر شهر كامل على نجاتنا يا جماعة ،تعبنا كثيرا وعانينا ،يجب أن نفرح قليلا مررنا بالكثير فعلا"
يوسف :" سامحني جابر كنت سببا في سقوطك ،وكدت اتسبب في موتك أخي العزيز"
جابر :" لا عليك ،مكاتيب وما هو مكتوب على الجبين لابد أن تراه العين ،المهم أننا هنا وتستطيع أن تقول بفضلك لأنك من تكلم مع السياح وأفهمهم ،يجب عليك أن تدرس اللغات الاجنبيه وأنا سأفعل أيضا تحسبا !"
محمد :" تحسبا ؟ لا سمح الله يا رجل إنها مغامرة لا أتمنى أن أعيدها "
جابر " الله من كان معنا في عرض البحر وسفينة الحياة كانت كالأم التي احتضنتنا ،وتشبثنا بالحياة أيضا كان له دور "
زيد : " لن انسى لحظة عود الكبريت يا ناس انقطع نفسي ،على كل الحمد لله، عبد الرحمان لما أنت صامت لم ننسك يا رجل نعلم أنك عريس ويجب علينا أن نأخذك جولة بسفينة الحياة لكي تودع العزوبية ههههه"
عبد الرحمان يفزع :" لا يا صديقي شكرا ودعتها مدة شهر في عرض البحر حتى شبعت ،لا أريد "
دخل الستة الى المسجد ليصلو الظهر ويقرأو فاتحة عبد الرحمان على رقية ويشهدو على عقدهما ،وهم متعانقين وضحكاتهم تملأ المكان .
لم يتوقف الطاقم عن الابحار ،فبعد شهرين راحة عاودو الابحار واصطادو السمك ،وأحضرو سمكة حمراء لابنة زيد .
ستة رجال وستة قصص مختلفة
ستة شخصيات التقت واتحدت على قلب رجل واحد تحت راية واحدة هي الاسلام والاخوة .
وكتبو قصة حياة .... لصيادي الحياة .
النهاية
........
حلم كبير
يوم : 22 أفريل 2017
15:15
الحلقة الثامنة والاخيرة من سلسلة
صيادو الحياة
الحياة قست على طاقم السفينة وجعلتهم يجربون اختبارا من نوع آخر غير الذي عهدوه ، فهنا هم وحدهم مع المياه فقط والسماء بشساعتها كأنها تنزل على البحر وتحيطهم من اربع جهات وتقول لهم هنا انتم باقون ،زاد ضيق الخاطر وتسلل اليأس الى القلوب وتمردت الافكار هنا وهناك .
بات الجميع تلك الليلة مفكرين في يوم غد وفي القرعة التي اقترحها جابر ،نامو قليلا بعد أن تقاسمو القليل من الاكل والماء .
في الصباح التالي نهض الجميع متثاقلا وكأنهم لا يريدون النهوض من شدة اليأس سوى عمر كان متفائلا كعادته للحياة ايقظ الجميع للصلاة جماعة ، ودعاهم الى قمرة القيادة ليبدأو القرعة فهو أمر لابد منه ويجب اتخاذ قرار بأسرع وقت ،اخذ ورقات ووزعها على الجميع واخبرهم أن يكتبوا الابحار أو البقاء.
وبعد فرز الاصوات رجحت كفة الرحيل على البقاء ، "يا إلاهي الى أين وفي أي اتجاه " تساءل الجميع ، نظر جابر عبر النافذة وقال لهم سأبحر الى حيث جهة شروق الشمس فالشرق هناك ، وهناك إما نشرق مجددا او تغرب احلامنا في العودة واكمال ما تبقى من حياتنا . فوافقه الجميع باعتبار انه لا اتجاه معين يأخذوه .
سارت الحياة في عرض البحر الواسع ،وهي تترك ذلك الاثر الابيض وراءها مثل اثر البشر عندما يمرو في هذه الحياة ،ثم يبدأ في التلاشي مثلما تتلاشى ذكريات البشر بمغادرتهم، والأمواج تخبط جانبيها وكأنها أيادي تحاول الامساك بها والحياة تصارع من اجل أن توصل الحياة الى بر الامان .
مشت ومشت حتى المساء ،كانت الشمس تغوص في البحر تاركة السفينة وراءها واشعتها الحمراء تزداد احمرارا وكأنها حزينة معهم وترسل لهم النور ليستأنسو به ،لكن مع نزولها نزلت كل المعنويات وعرفو انهم يمشون الى اللاشيء فهاهو يوم قد انقضى وانقضت معه احلامهم ،اجتمع الجميع في قمرة القيادة وكأنهم يودعون بعضهم.
جابر جالس وممدد الرجلين ويضع يديه على ركبتيه وصامت، يشم رائحة والدته ويتخيل نفسه يعانقها ويرى والده بيديه الملطختين بالطين وهو يحمل حبات البرتقال ويبتسم ،تسقط دمعات من عينيه :" آه أبي ويا أمي تمنيت لو بقيت معكما اكثر ،وتزوجت ورأيتما أولادي ،لكن الاعمار بيد الله ،سامحاني فهذه اقدار"
عمر القى راسه على كتف زيد وتاه في تفكير عميق محاولا استرجاع شريط حياته ومتخيلا لصرخات اطفاله أمامه :" جميلة ،لم أكن أعتقد يوما أنني سأشتاق اليك يا مجنونة ،اتمنى أن تربي أولادي مثلما كنت اريد واخبرتك وان تعتني بهم ،قدر الله وما شاء فعل".
زيد يسمع تنهدات عمر وكأنها عدوى تتسرب عبر اللمس فيتنهد بدوره ويلقي رأسه الى جدار القمرة :" عزيزتي ،شفاك الله واعطاك عمرا آخر ....سامحيني أنني لست بقربك لنتمتع به سويا بحلوه ومره ،اعتني بنفسك وجاهدي الحياة لتربي ابنتنا الغالية ،الله غالب ".
يوسف ينام على الارض متوسدا ذراعيه وينظر الى سقف القمرة ويمعن النظر وكأنه يرى شيئا ما ، كان يتخيل غرفته وحياته السابقة وكيف عاشها وكيف انه أخرج عيون والديه :" أستغفر الله وأتوب اليه يارب سامحني لأنني شربت خمرا وسامحني لأنني اهنت والداي ولم أرحمهما ،سامحني واغفر لي أنا العبد الضعيف ،إن رحلت الآن كيف سأقابلك وأنا لم أفعل شيئا صائبا في حياتي التي كانت مليئة باللهو ومشاهدة الافلام وكرة القدم ،كان آخر همي أن أقرأ القرآن .......،القرآن؟ " ،ثم قفز على رجليه وراح يركض الى القبو وأحضر المصحف والكل يراقبه وأخذ يقرأ القرآن ،تقدم نحوه عبد الرحمان ومسح على رأسه وقال له :" يوسف إن الله غفور رحيم يا صاحبي ،الحمد لله على عودتك سالما معافا"
ثم تمشى الى باب القمرة ووقف فيه يستمع الى تلاوة يوسف المبحوحة المليئة شجنا وحزنا وندم ،وأخذ ينظر الى آخر أشعة أرسلتها الشمس ويفكر في أمه وأختاه اللواتي تركهن خلفه وحدهن لا معيل ولا سند من غير الله ، ويتخيل رقية في ابهى حلة تنتظره :" أمي حبيبتي اعتني بنفسك من بعدي،ربيت أختاي وأعرفهما هما أخوات الرجال وقادرتان على تدبر أحوالهما مع الاعتناء بك ،رقية عيشي حياة رائعة من بعدي تزوجي وانجبي اطفالا آسف انك احببت رجل حكم عليه الموت مبكرا الحمد لله به نحيا وبه نموت".
محمد يجلس على قطعة خشب كانت مصنوعة خصيصا للجلوس عليها كانت دائما مكانه المفضل لشرب القهوة في رحلات الصيد ، يحمل في يده علبة كبريت يلعب بها ويستمع الى يوسف وقراءته تزداد تذبذبا من غصة البكاء التي تملؤ صدره وهو يحبسها داخلا ،فقال له :" إبكي يوسف فالبكاء من خشية الله ليس عيبا ،واترك العنان لنفسك الطاهرة بالظهور ،إبكي يا أخي إبكي!". عانق يوسف المصحف وراح يبكي بحرقة المفجوع في عزيز عليه وبكى معه الجميع من بكائه وعلى حالهم . بكى محمد وتذكر والدته الميتة وكيف ماتت وهي تعاني نفسيا وعاطفيا ،وتذكر والده الوحيد :" أمي ،قد اوافيك حيث انت عما قريب انتظريني ،لقد اعتنيت بوالدي بعد أن انتقمت منه الحياة شر انتقام لما فعله بك ،اتمنى ان تسامحيه انت ايضا ،الله يرحمك ويرحمني !".
وبينما الجميع غارق في دموعه ،ضوء القمرة بدأ يخفت ومحرك السفينة يظهر انه يلفظ انفاسه الاخيره ،تفطن جابر مباشرة الى أن طاقة السفينة في طريقها الى النهاية ،أمر يوسف ان يسرع في الذهاب الى البراد ويخرج ما به من مؤونة ويجمع كل شيء يمكن أكله ويضعه في كيس ويعلقه بجانب السفينة لكي لا يفسد شيء ،استغرب الجميع من تعلق جابر بالحياة الى اخر نقطة ،ذهب يوسف ونفذ امر جابر بسرعة وفي طريق عودته إليهم ملأ الظلام السفينة ولم يعد احد يرى الاخر من شدة الظلام.
محمد :" يا جماعة اجتمعو هنا ولا تتحركو لكي نطمئن على الجميع ،يوسف إياك أن تتهور!"
يوسف :" لا تقلق لن احرك ساكنا من امامكم فأنا أكره الظلام وأخاف منه"
عمر:" تذكرت ،الم تكن تلعب بعلبة كبريت ونحن في القمرة يا محمد ؟"
محمد :" نعم كانت بيدي علبة كبريت ،لكنني مع ما حصل اسقطتها أرضا ولست ادري أين "
زيد :" هيا لنبحث عنها جميعا "
أخذ الجميع يتلمس الارض ويبحث عن علبة الكبريت ،
عبد الرحمان :" هذه قطعة الخشب الخاصة بمحمد ،اضنها قريبة من هنا ، ها هاهي لقد وجدتها بالقرب من قطعة الخشب" .
أخذ يشعل أعواد الكبريت ليتحقق من سلامة الجميع وتواجدهم ،يشعلها الواحد تلو الاخر .....
محمد :" توقف قد نحتاجها حقا !"
عبد الرحمان :" انتظر أنا لا أرى جابر بينكم ،جابر هل انت هنا "
أشعل عود كبريت اخر وأخذ الجميع يلتفت حولهم لكن جابر غير موجود ،وفجأة سمعو صوت سقوط شيء ما قادم من القبو .
صرخ الجميع :" يا إلاهي ،جابر!"
تحرك الجميع بحذر شديد لان الظلام كان حالكا حتى وصلو الى الباب المؤدي الى القبو فأمسكو ببعضهم وأخذو ينزلون ببطء عن السلالم وينادون :" جابر ،جابر هل انت هنا ؟ رد علينا ارجوك " كان عبد الرحمان يتقدمهم بعلبة الكبريت فأشعل عودا عند نهاية السلالم ورأى جابر مرميا أرضا غارقا في دمائه ،أسرع نحوه وحمل رأسه المبلل بالدماء وصرخ :" يا جماعة جابر جابر سقط على رأسه وهو ينزف كثيرا يجب أن نحمله تعالو " ....
الظلام كان لا يحتمل كان الجميع يتلمس جابر ليحملوه الى غرفة النوم ،وضعوه على السرير بعد عناء كبير فهم لا يعرفون ما حصل ولماذا نزل جابر الى القبو ،وماذا كان يحاول فعله دون اخبارهم ...
جابر عندما سمع بقصة علبة الكبريت، تذكر قنديلا قديما كان قد اهداه له خاله عندما تولى قيادة الحياة ،وبه غاز ويعمل فأراد أن يستعملوه في حاجاتهم الضرورية فنزل الى القبو ليحضره لكن قدمه زلقت بما أوقعه يوسف عندما كان ينقل المؤونة الى السطح ووقع مرتطما رأسه بحافة آخر السلم وأغمي عليه..... كان هذا ما سمعه الجميع .
جابر يتألم ودماؤه لا تتوقف ،ينازع ويتأوه ويتمتم وسط الظلام ،كان يحاول أن يشير الى القنديل لكن لم يفهمه احد ،اقترب منه صديقه زيد وحاول سماعه جيدا وكانت حروفه غير واضحة :" ققنزيل ،قند. ....يل "
زيد :" إنه يقول قنديل؟!! "
يوسف :" لابد أنه يهذي ،بقناديل البحر التي نصطادها احيانا مع السمك !"
ينتفض زيد :" آ جابر لا يهذي يا حبيبي قنديل الغاز المعلق في المطبخ ،هدية خاله كان يريد إحضاره ،صديقي جابر المسكين ،يجب أن نشعل القنديل لنستطيع مساعدته ،سأذهب لاحضاره ،وأنت عبد الرحمان جهز علبة الكبريت "
ذهب زيد الى المطبخ وهو يتحسس بيديه السقف فهو يحفظ المكان لانه عشرة عمر ،حتى وصل الى المكان المعلق فيه القنديل ،مشى ببطء وبحذر نحو الغرفة حيث يجتمع الجميع ويوسف يمسك بيد جابر وعمر يجلس بالقرب منهما.
زيد :" لقد أحضرت القنديل ،هل الجميع هنا ،فاليرد علي الجميع من فضلكم "
الجميع :" نحن هنا لا تقلق "
عبد الرحمان :" هناك مشكلة يا جماعة ،علبة الكبريت تبللت بالدماء عندما حملت رأس جابر ،آسف ولم يبقى سوى ثلاثة أعواد من الكبريت !"
زيد :" تبا لك لقد قلنا لك اقتصدها لكنك بكل طيش استعملتها ،كيف سنرى جرح جابر ونعالجه الآن .... يا رب ما العمل؟"
محمد :" اهدأو جابر يحتاج الى الراحة أرجوكم ،ليست غلطة أحد وعبد الرحمان أراد المساعدة فحسب ،أعطيني علبة الكبريت والقنديل من فضلك ، سأحاول سأحاول... "
تقدم عبد الرحمان وزيد من محمد وأعطوه ما يحملان ،فأخذ محمد يتحسس القنديل وفتحه ويتحسس العلبة في أي جهة يوجد مكان ليس به دماء، فوجد جزءا من العلبة غير مبلل وحاول بأول عود كبريت فصنع شرارة صغيرة واحترق دون أن يشتعل " يا رب اعنا " قالها عمر وهو كالاعمى وسط الظلام ولم يرى سوى شرارة عود الكبريت ،بقي عودا كبريت اخرج محمد واحدا منهما ويده ترتجف خوفا وقلقا على جابر المسكين،وحاول اشعاله من نفس الجهة من العلبة فاحترق مثل الاول واحترقت معه الامال والظنون بنجاة جابر ،تنهد محمد محاولا الاسترخاء قليلا لكي يركز وأخذ يقرأ آية الكرسي وتبعه الجميع ،كان عود الكبريت يمثل لهم الحياة كان أغلى من فيلا بأربع طوابق، ومن سيارة رياضية ومن أموال في البنك ،كان عود حياة وليس كبريت .... ،نسف محمد على العلبة محاولا أن ينشفها بنفسه الساخن ،وحمل عود الكبريت كأنه يحمل روح جابر بين اصابعه ،وأشعل آخر أمل لهم لم يصدق أن عود الكبريت قد اشتعل بين اصابعه حتى صاح به زيد :" أشعل القنديل يا محمد اسرع !" فأشعل محمد القنديل وأشعل قلوب الجميع معه ،سارع محمد بالقنديل نحو جابر ليتفقدو الجرح وخطورته فوجدو أنه جرح بليغ فعلا ويجب تضميده بسرعة .
زيد :" محمد خذ القنديل واصعد الى قمرة القيادة واحضر عدة الاسعافات الأولية بسرعة ، وانت عبد الرحمان أحضر القليل من ماء البحر ،واذهب معهم يوسف واحضر ما بقي من سكر وماء لنضع له مصلا في فمه لقد فقد الكثير من الدم ويجب أن يعوض قليلا".
اسرع الثلاثة وبخطا متسارعة الى السطح احضرو ما طلب منهم زيد ومحمد بقي عند جابر هو وزيد يمسكان بيديه ويحاولان إيقاضه لكي لا يذهب في غيبوبة ،غسل زيد جرح جابر بماء البحر ليعقمه ولكن الدماء أبت التوقف عندئذ نطق عمر :"اقترح أن نضع على الجرح زيت زيتون فقد كنت عندما اجرح تضع امي على جرحي زيت الزيتون ليتوقف النزيف ،ماذا تقولون؟"
محمد :" لكن هذا جرح عميق وفي رأسه يجب علينا الحذر !"
زيد :" لكن إن بقى ينزف هكذا سيموت حتما، ليس امامنا سوى أن نجرب ،اذهب عمر واحضر قارورة زيت الزيتون" ،ذهب عمر وهو متردد من فعل ذلك فلو حصل شيء سيكون مسؤولا ، أخذ زيد يصب زيت الزيتون على رأس جابر والدماء تتدفق مثل تدفق الزيت ،كان يوسف يراقب ودموعه تنهمر ولا يستطيع التحكم بها ،جابر كان بالنسبة له الاخ الكبير الذي لم يحضى به من والديه،كان عطوفا متفهما محتويا له رغم أخطائه الدائمة، وتذكره وهو يقول له :" يوسف أنت رجل الان ويجب أن تعتمد على نفسك ،وتستقل بأفكارك ،وتبتعد عن اصدقاء السوء ،سأقبلك معي في الحياة لكن بشرط أن تعدني بالاستقامة والعمل بجد ،ولا تقلق فأنا اثق بك" كان دائما يعانقه ويقول له انت اخي الصغير الذي لم يرزقني به الله ،ويصفه بالشقي المتسرع ،بكى يوسف وبكى ودعا الله أن ينجي جابر .
ضمد زيد الجرح وطلب منهم أن يحضروا له الماء مع السكر كانت آخر قطعتي سكر اذابهما يوسف في قليل من الماء وأخذ زيد يقطر في فم صديقه قطرات تمر عبر حلقه وأخرى تتسرب خارجا :" هيا يا صديق عمري اشرب وأفق فالحياة تنتظرك ،اشرب ارجوك ولا ترحل ،نحن بحاجة اليك الآن أكثر من قبل " .
أخذ جابر يرتجف بردا ،إنها الحمى حمى قاتلة تجتاحه بسبب جرحه العميق ،أحضرو له جميع الاغطية الموجودة وما زال يرتجف واسنانه يضرب بعضها بعضا ،خاف الجميع وأجزمو أنها النهاية وجلسو يراقبونه ودموعهم لا تفارق مقلهم ،اقترب زيد وامسك يده ونظر الى الجرح فإذا النزيف يتوقف .
زيد :" لقد توقف النزيف يا جماعة،الحمد لله لننتظر قليلا قد يستفيق يا رب ساعده "
وواصل يشربه الماء المسكر ويضع له كمادة على جبهته لكي لا ترتفع درجة حراره رأسه.
قضى الجميع ليلة سوداء بظلامها واحداثها ثم نامو عند رجلي جابر إلا زيد لم يغمض له جفن وهو يراقب صديقه ،وقبل الفجر أطفأ القنديل وأخذ غفوة نصف ساعة من التعب ،أتته ابنته في الحلم ونادته :" أبي أين أنت ؟ وأين عمي جابر ؟ لقد وعدتماني أن تحضرا لي سمكة حمراء لأربيها واعتني بها ",ثم أخذت تبتعد وسط الضباب وهو ينادي عليها :" لا تذهبي حبيبتي سنعود ونحضر لك ما طلبتي! لا تذهبي لا اااااا" عندئذ استفاق على صوت جابر يناديه :" زيد زيد هل من أحد هنا ،ما ذا يجري ؟"
اسرع اليه بعد أن نهض الجميع مستبشرين بصوت جابر خيرا :" جابر ،هل انت بخير؟ كيف تحس الان ؟"
جابر :" هل مازال الظلام دامس لما لا أرى شيئا؟"
زيد :" لا يا صديقي فضوء الفجر قد لاح وبدأ يدخل من النافذة الصغيرة ! الا تراني؟ يا إلاهي ماذا حصل لك "
جابر :" لا أراك ولا أرى أحد هل فقدت بصري ؟ أخبروني ماذا حصل؟"
عمر يضحك مستهزئا وينزع الكمادة على عيني جابر :" زيد لم ينم وفاقد التركيز ،لم ينتبه الى الكمادة ولا أنت يا قائد الفريق أهلا بعودتك الى الحياة ثانية "
يمسح له عينيه من الزيت والدماء ويقول له :" افتح عينيك الان يا فاقد البصر هههههه"
يفتح جابر عينيه ويرى الجميع أمامه ،يحمد الله ويبتسم :" على حسب ما أرى وعلى هيأتي لقد مرغتم بي الارض البارحة! "
محمد :" أنظرو من يتحدث عن الاناقة فيما مات ورجع الى الحياة ،تستحق أن نغمسك في برميل زيت ،كانت فكرة عمر مفيدة لايقاف النزيف"
جابر :" أنا أمزح يا جماعة أشكركم جميعا على اهتمامكم بي ،إن كتب الله لي عمرا لن انسى صنيعكم"
وفي هذه الاثناء يسمع الجميع دويا قويا خارجا مختلطا مع صوت غريب !!!!!
جابر :" فاليصعد اثنان ليتحققو من الصوت رجاءا "
ركض يوسف يتبعه محمد الى الاعلى فوجدو مروحية تحوم حول القارب وشخص ينادي بداخلها :"هل من أحد على قيد الحياة، أظهرو أنفسكم رجاءا "
لقد انفتحت طاقة القدر للجميع ،لوح محمد ويوسف وصرخا :" نحن هنا ،هنا "
طمنهم الشخص بمكبر الصوت أنه سيعود بقارب مساعدة عما قريب وذهب .
عائلاتهم لم تهدأ وضلو يصرون على شرطة السواحل أن لا تفقد الامل وتبحث عنهم ، الى أن جاء اتصال من قائد شرطة سواحل لدولة اخرى يسألون فيها إن كانت هناك سفينة مفقودة في عرض البحر ،وقالو أن عبارة سياحية من قامت بالاتصال بهم ،لكنهم ليسو معنيين لانهم لم يفقدو ولا سفينة! ،وأعطوهم الأحداثيات الدقيقة أين تركتهم العبارة وتركت لهم القليل من المؤونة ،لكن السفينة تحركت من مكانها لذلك استغرقت الحوامة وقتا حتى وجدتهم ...........
عمر:" جميلة اسرعي لقد تأخرنا ،لماذا دائما تستغرقين وقتا حتى تحضري نفسك يا إلاهي ،هيا "
جميلة:" قادمة البس حذائي يا حبيبي فقط ،أنت متوتر وكأنك العريس ،تنفس ولا ترتبك ههه"
عمر :" إنه زفاف عبد الرحمان ولا يجب أن أكون آخر الحاضرين ،أخيرا عبد الرحمان ورقية بعد انتظار طويل سيجمعهما عش الزوجيه"
وصل عمر الى مكان العرس وكان الخمسة يقفون ببدلات سوداء وربطات عنق يتوسطهم عبد الرحمان .
عمر :" لا لا لما الجميع يلبس بدلات قررتم أن تتزوجو في نفس اليوم أم ماذا؟ وأنت زيد هل ستتزوج مرة ثانية ولم تخبرني ؟"
جميلة :" أحم أحم وماذا إذا أخبرك هل كنت ستفعل مثله؟ جرب حظك وسترى "
عمر :" هيهي يا نور عيني ومن قال ذلك كنت أود أن البس مثلهم فقط"
جابر :" مر شهر كامل على نجاتنا يا جماعة ،تعبنا كثيرا وعانينا ،يجب أن نفرح قليلا مررنا بالكثير فعلا"
يوسف :" سامحني جابر كنت سببا في سقوطك ،وكدت اتسبب في موتك أخي العزيز"
جابر :" لا عليك ،مكاتيب وما هو مكتوب على الجبين لابد أن تراه العين ،المهم أننا هنا وتستطيع أن تقول بفضلك لأنك من تكلم مع السياح وأفهمهم ،يجب عليك أن تدرس اللغات الاجنبيه وأنا سأفعل أيضا تحسبا !"
محمد :" تحسبا ؟ لا سمح الله يا رجل إنها مغامرة لا أتمنى أن أعيدها "
جابر " الله من كان معنا في عرض البحر وسفينة الحياة كانت كالأم التي احتضنتنا ،وتشبثنا بالحياة أيضا كان له دور "
زيد : " لن انسى لحظة عود الكبريت يا ناس انقطع نفسي ،على كل الحمد لله، عبد الرحمان لما أنت صامت لم ننسك يا رجل نعلم أنك عريس ويجب علينا أن نأخذك جولة بسفينة الحياة لكي تودع العزوبية ههههه"
عبد الرحمان يفزع :" لا يا صديقي شكرا ودعتها مدة شهر في عرض البحر حتى شبعت ،لا أريد "
دخل الستة الى المسجد ليصلو الظهر ويقرأو فاتحة عبد الرحمان على رقية ويشهدو على عقدهما ،وهم متعانقين وضحكاتهم تملأ المكان .
لم يتوقف الطاقم عن الابحار ،فبعد شهرين راحة عاودو الابحار واصطادو السمك ،وأحضرو سمكة حمراء لابنة زيد .
ستة رجال وستة قصص مختلفة
ستة شخصيات التقت واتحدت على قلب رجل واحد تحت راية واحدة هي الاسلام والاخوة .
وكتبو قصة حياة .... لصيادي الحياة .
النهاية
........
حلم كبير
يوم : 22 أفريل 2017
15:15