رؤية الله تعالى يوم القيامة (فتاوى كبار أهل العلم).

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,287
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
السؤال: هناك جدل في مسألة الرؤيا، أي رؤية الله - سبحانه وتعالى- يوم القيامة، وقد كثر الخصام، فمن الناس من يقول: إن الله لن يرى، ومنهم من يقول: إنه سيرى، وكل منهم يأتي بالأحاديث وبعض الآيات الكريمة لنفي أقوال الطرف الآخر، أفتونا - جزاكم الله خيرا.
الجواب:
قول أهل السنة والجماعة، وهو إجماع الصحابة - رضي الله عنهم- وإجماع أهل السنة بعدهم أن الله – سبحانه- يُرى يوم القيامة ، يراه المؤمنون ويرونه في الجنة أيضاً، أجمع أهل العلم على هذا ، أجمع علماء الصحابة والمسلمون الذين هم أهل السنة والجماعة على هذا، وقد دل عليه القرآن العظيم ، والسنة المطهرة الصحيحة، يقول الله - عز وجل- : وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة. ناضرة يعني بهية جميلة، إلى ربها ناظرة تنظر إلى وجهه الكريم - سبحانه وتعالى-. وقال - عز وجل- : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة صح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام- أنه قال : الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله. وقال الله: كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون. فإذا حجب الكفار علم أن المؤمنين غير محجوبين بل يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، وقد توارت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، يقول - صلى الله عليه وسلم- : (إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تمارون في رؤيته). وفي لفظ: (لا تضارون في رؤيته) . وفي اللفظ الآخر: (كما تطلع الشمس صحوا ليس دونها سحاب). فالكلام بين واضح ، بين عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين يُرون ربهم رؤيةً ظاهرة جلية كما ترى الشمس صحوا ليس دونها سحاب ، وكما يُرى القمر ليلة البدر ليس هناك سحاب ، وهل بعد هذا البيان بيان؟ ما أوضح هذا البيان وما أبينه وما أكمله؟ وأخبر - صلى الله عليه وسلم- أنهم يرونه في الجنة أيضاً. فمن أنكر الرؤية فهو مرتد ضال. من أنكر رؤية الله للمؤمنين كلهم له يوم القيامة وفي الجنة فهو ضال مرتد - نسأل الله العافية -.
 
السؤال:
عن صهيب الرومي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال: يقول الله - تبارك وتعالى - تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ، ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ ، قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم - عز وجل -) رواه مسلم. وفقا لهذا الحديث الشريف : هل رؤية المؤمنون لله بعد دخولهم الجنة ستكون لمرة واحدة فقط ، أم إن أهل الجنة يرون الله في كل وقت ، وأي وقت ، أم إنها ستكون مرة كل يوم جمعة ، كما سمعت من قبل ؟


تم النشر بتاريخ: 2014-02-20

الجواب :
الحمد لله
أولا :
من عقيدة أهل السنة والجماعة : الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم سبحانه يوم القيامة وفي الجنة ؛ لقول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة/22-23 . وغير ذلك من الأدلة .
وهذا أعظم ما يمنّ به عليهم سبحانه .
ثانيا :
لأهل الجنة من ربهم مجلس يوم الجمعة يتنعمون فيه بالنظر إلى وجهه الكريم .
فروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (6717) عن أَنَس بْن مَالِكٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ ... وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ يَوْمَ الْمَزِيدِ ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا الْمَزِيدُ ؟ ، قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مَسْكٍ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ يَهْبِطُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ عَرْشِهِ إِلَى كُرْسِيِّهِ ، وَحُفَّ الْكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَجَلَسَ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ، وَحُفَّتِ الْمَنَابِرُ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ فَجَلَسَ عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ، وَيَهْبِطُ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، لَا يَرَوْنَ لِأَهْلِ الْكَرَاسِيِّ وَالْمَنَابِرِ عَلَيْهِمْ فضلًا فِي الْمَجْلِسِ ، ويَبْدُو لَهُمْ ذُو الْجِلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، فَيَقُولُ: سَلُونِي، فَيَقُولُونَ: نَسْأَلُكَ الرِّضَا يَا رَبُّ ، فَيَقُولُ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وأَنالَكُمْ كَرامَتي ، ثُمَّ يَقُولُ: سَلُونِي، فَيَقُولُونَ بِأَجْمَعِهِمْ : نَسْأَلُكَ الرِّضَا، فَيُشْهِدُهمْ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ يَقُولُ: سَلُونِي ، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ كُلُّ عَبْدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ يَفْتَحُ عَلَيْهِمْ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) .
ورواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (88) من وجه آخر ، وزاد : ( ... فَلَيْسَ إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَزْدَادُونَ نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا ازْدَادُوا كَرَامَةً )
قال المنذري رحمه الله :
" رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا جيد قوي وَأَبُو يعلى مُخْتَصرا وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ " .
انتهى من "الترغيب والترهيب" (4/ 311) ، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3761) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" رَوَى الدارقطني بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ( سَارِعُوا إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ فَيَكُونُونَ فِي قُرْبٍ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا ) ... " ثم ذكر له عدة طرق ثم قال :
" وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا نَبِيٌّ أَوْ مَنْ أَخَذَهُ عَنْ نَبِيٍّ ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِوُجُوهِ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ: فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُحَدِّثَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْيَهُودُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ حُكْمًا.
(الثَّانِي) : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُصُوصًا كَانَ مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنْكَارًا لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ .
(الثَّالِثُ) : أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لَنَا وَالتَّبْكِيرُ فِيهَا لَيْسَ إلَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَيَبْعُدُ مِثْلُ أَخْذِ هَذَا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَبْعُدُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ يُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِكِتْمَانِ الْعِلْمِ وَالْبُخْلِ بِهِ وَحَسَدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " .
انتهى من مجموع الفتاوى (6/ 403-405) .
وروى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ).
قال شيخ الإسلام :
" يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ سَبَبَ الِازْدِيَادِ " رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى " مَعَ مَا اقْتَرَنَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " نِسَاؤُهُمْ الْمُؤْمِنَاتُ " رَأَيْنَ اللَّهَ فِي مَنَازِلِهِنَّ فِي الْجَنَّةِ " رُؤْيَةً " اقْتَضَتْ زِيَادَةَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ - إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الرُّؤْيَةَ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ - "
إلى أن قال :
" إذَا تَلَخَّصَ ذَلِكَ. فَنَقُولُ: الْأَحَادِيثُ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الرُّؤْيَةِ فِي الْجُمُعَةِ ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَقْدِيرِ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثِ سُوقِ الْجَنَّةِ ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ مِنْ اللَّهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا؛ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرُّؤْيَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْفُوعِ - وَفِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 408-409) .
وقال أيضا :
" الرُّؤْيَةَ الْمُعْتَادَةَ الْعَامَّةَ فِي الْآخِرَةِ تَكُونُ بِحَسَبِ الصَّلَوَاتِ الْعَامَّةِ الْمُعْتَادَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الرِّجَالُ قَدْ شُرِعَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا الِاجْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمُنَاجَاتِهِ وَتَرَائِيِهِ بِالْقُلُوبِ وَالتَّنَعُّمِ بِلِقَائِهِ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ جُمُعَةٍ ، جَعَلَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ اجْتِمَاعًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِمُنَاجَاتِهِ وَمُعَايَنَتِهِ وَالتَّمَتُّعِ بِلِقَائِهِ.
وَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ قَدْ مَضَتْ بِأَنَّ النِّسَاءَ يُؤْمَرْنَ بِالْخُرُوجِ فِي الْعِيدِ ، حَتَّى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ ، وَكَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ عَامَّةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعِيدِ : جُعِلَ عِيدُهُنَّ فِي الْآخِرَةِ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مِقْدَارِ عِيدِهِنَّ فِي الدُّنْيَا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 420) .
ثالثا :
لا يمنع كون أهل الجنة يرون ربهم سبحانه كل جمعة ، أن يكون منهم من يراه في غير ذلك من الأوقات ، فأهل الجنة متفاوتون في النعيم ، ومن أعظم النعيم رؤية الرب تعالى في الجنة ، فكما يتفاوتون في نعيم الجنة الحسى ، فهم يتفاوتون في نعيمها المعنوي .
غير أن إثبات ذلك ـ الرؤية في كل يوم ـ أو نفيه ، يتوقف على بلوغ الخبر من الصادق المصدوق به ، ولم يبلغنا شيء من ذلك ، فيما نعلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" المؤمنون يرون ربهم كل يوم جمعة ، أما كل ساعة وكل لحظة ، فما عندنا علم " انتهى من "دروس مفرغة للشيخ الألباني" (43/ 3) بترقيم الشاملة .


والله تعالى أعلم .
 

نسأل الله العافية
شكرا الك أخي
جزاك الله جنات تجري من تحتها الأنهار
بيض الله وجهك يوم الدين
و متعك بالنظر إلى وجهه الكريم


 
في رؤية المؤمنين الله تعالى يوم القيامة

السـؤال:


نحن شبابٌ من مدينة غرداية المنتحلة –كما هو معروف- للمذهب الإباضي، أحببنا أن نسأل فضيلتَكم عن قول من ينكر رؤيةَ اللهِ تعالى يومَ القيامة، كما نرجو من السادةِ العلماءِ أن يوضِّحوا هذه المسألة ويُبيِّنوا الحقَّ فيها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.


الجـواب:


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:


فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ، ويرونه كما يرون الشّمسَ ليس دونها سحاب، وقد تضافرت على مسألةِ رُؤيةِ اللهِ تعالى يومَ القيامة نصوصٌ من الكتابِ والسُّـنَّة وإجماعِ السلف، قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢-٢٣]، وإضافةُ النظر إلى الوجهِ الذي هو محلّه في الآية، وتعديته بأداة «إلى» صريحةٌ في نظر العين التي في الوجه إلى نفس الربّ جلّ جلاله، وبقوله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦]، وفسّر النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم «الحُسْنَى» بأنها الجنَّة، وفسّر «الزِّيَادَة» بأنها النظرُ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ، وهو ثابتٌ في صحيح مسلم(١)، ولقوله تعالى في أصحاب الجنّة: ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: ٣٥]، وفُسِّر «المزيد» بالنظر إلى وجه الله تعالى، وبقوله تعالى عن الكفار: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥]، فالآية دلّت بمفهومها على أنّ المؤمنين ليسوا محجوبين عن الله يوم القيامة، وأنهم يرونه بالنظر إليه يوم القيامة.


أمّا الأحاديثُ المثبِتَةُ لرؤيةِ الله سبحانه يومَ القيامة فكثيرةٌ جدًّا حتى بلغت حدَّ التواتُرِ كما جَزَمَ به جَمْعٌ من الأئمّة، وقد أفردها بعضُهم لكثرتها بمصنّفات خاصّة كالدارقطني والآجري، وأبي نعيم الأصفهانيِّ والبيهقيِّ، ومن هذه الأحاديث: ما اتفق عليه الشيخان من حديث جريرِ بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه قال: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَافْعَلُوا»(٢).


وعن أَبي سعيدٍ الخدريِّ قال: «قُلْنَا: يا رسول اللهِ هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارُّون في رؤية الشمس والقَمر إذا كان صَحوًا؟ قلنا: لا، قال: فإِنكم لا تضارُّون في رؤية ربِّكم يومئذٍ إلا كما تضارُّون في رؤيتهما»(٣)، أي: لا تزدحمون على رؤية الله تعالى، كلٌّ يراه وهو في مكانه؛ لأنّ الناسَ كما يرون الشمسَ والقمرَ من غير زحام وهما مخلوقان فكيف بالخالق.


قال ابن أبي العزّ الحنفي –رحمه الله-: «ليس تشبيهُ رؤيةِ الله برؤية الشّمس والقمر تشبيهًا لله، بل هو تشبيهُ الرؤية بالرؤية، لا تشبيهُ المَرئي بالمرئي، ولكن فيه دليلٌ على علوِّ الله على خلقه، وإلاّ فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟! ومن قال: يُرى لا في جهةٍ فليراجِعْ عقلَه!! فإمَّا أن يكون مكابِرًا لعقله أو في عقله شيءٌ، وإلاّ فإذا قال: يُرى لا أمامَ الرائي ولا خلفَه ولا عن يمينه ولا عن يساره، ولا فوقه ولا تحته رَدَّ عليه كلُّ من سمعه بفطرته السليمة»(٤).


هذا، ولم ينكر الرؤيةَ إلاّ أهلُ البدع كالجهميةِ والمعتزلة، وتلتقي الإباضية –وهي إحدى فِرق الخوارج- إلى حدّ كبيرٍ مع المعتزلة في تأويل الصفات وفي إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة وفي غيرها من المعتقدات، مجانبةً لعقيدة أهلِ الحقّ والإيمانِ. ومن شُبَهِهِم العقليةِ في إنكار الرؤية أنه يلزم من إثبات الرؤيةِ أن يكون اللهُ تعالى في جهةٍ، واللهُ تعالى في مُعتقدهم ليس في جهة، و هو عندهم لا داخلَ العالَم ولا خارجَه، ولا فوقَ ولا تحتَ ولا يَمنةً ولا يسرةً، لذلك نَفَوا الرؤيةَ؛ لأنّ الله تعالى ليس في جهة، وهذا من أبطل الباطل؛ لأنّ هذه الأوصاف تقتضي أن يكون عَدَمًا لا وجودَ له سبحانه، ولهذا قال بعض العلماء الممثل أعشى والمعطل أعمى، فالمعطّل يعبد عدمًا والممثل يعبد صنمًا والموحِّد يعبد واحدًا صمدًا(٥).


أمّا شُبهتُهم الشرعيةُ فيستدلُّون بقوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام: ١٠٣]، على أنه لا تراه الأبصار، وبقوله تعالى عن موسى: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي [الأعراف: ١٤٣]، دليل على نفي الرؤية. ولا يخفى أنّ نفيَ الرؤيةِ في الآيتين إنّما يفيدُ نفيَهما عنه سبحانه في الدنيا، والأدلةُ السابقةُ تدلّ على إثباتها في الآخرة، ولا تعارضَ بينها، كما أنّ الإدراكَ المنفيَّ في الآية معناه الإحاطة، وهو قدرٌ زائدٌ على الرؤية، والمراد أنّ العيونَ لا تحيطُ به لكِبره وعظمته وإن رأته، فالسماءُ نراها بالعيون ولا نحيطُ بها، فاللهُ أعظم وأكبر، والدليلُ على الفَرْقِ بين الرؤية والإحاطة قوله تعالى في أصحاب موسى وقومِ فرعون: ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: ٦١-٦٢]، فالآية نفتِ الإدراكَ ولم تنفِ الرؤيةَ، «فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يُرى ولا يُدرك، كما يُعلم ولا يُحاط به علما، بل الشَّمس المخلوقة يراها ولا يتمكن رائيها من إدراكها»(٦).


أمّا سؤال موسى رؤية اللهِ فدليلٌ على جواز الرؤية وإمكانها، واللهُ تعالى أخبره أنه لا يُرى في الدنيا، فقال: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ ولم يقل: «إني لا أُرى»، وقد ثبت في الصحيح: «أَنَّ أَحَدًا مِنَّا لاَ يَرَاهُ حَتَّى يَمُوتَ»(٧)، وعليه فالله يُرى في الآخرة، وأولى الناس بهذه الرؤية الأنبياء، وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ»(٨).


هذا، ولإجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمّة أهل السُّنَّة على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وكثرة ما ورد في إثباتها من الأدلَّة من نصوص الكتاب والسُّنَّة، وهي ممَّا استفاضت وتواترتْ، ولا يجحَدُها أو يردّ أخبارَها إلاّ مارق عن الدِّين خارج عن مِلَّتِهِ. قال الآجري: «وقد قال الله عزّ وجلّ لنبيِّه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل: ٤٤]، وكان ممّا بيّنه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لأمّته في هذه الآيات أنه: أعلمَهم في غير حديث: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ»، رواه جماعةٌ من صحابته رضي الله عنهم، وقَبِلها العلماءُ عنهم أحسن القَبول، كما قَبِلوا عنهم عِلمَ الطهارة والزكاة والصيام والحجّ والجهادِ، وعلمَ الحلال والحرام، كذا قَبِلوا منهم الأخبارَ: أنّ المؤمنين يرون اللهَ عزّ وجلّ لا يشكّون في ذلك، ثمّ قالوا: من ردّ هذه الأخبار فقد كفر»(٩).


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والذي عليه جمهور السلف أنّ من جَحَدَ رؤيةَ الله في الدار الآخرة فهو كافرٌ، فإن كان ممّن لم يبلغه العلمُ في ذلك عُرِّف ذلك، كما يُعَرَّف من لم تبلغه شرائع الإسلام، فإن أصرّ على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر»(١٠).


ورؤيةُ الله تعالى في الآخرة –فضلاً عن ثبوتها- فإنها أعزّ ما يطلبه أهلُ الإيمان والعبوديةِ، وأقصى الغايات التي يتسابق عليها المتسابقون، وفي معرض وصف هذا المطلب العظيم يقول ابن القيم -رحمه الله-: «وهي العناية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وتسابق إليها المتسابقون، ولمثلها فليعمل العاملون، إذا ناله أهل الجنّة نسوا ما هم فيه من النعيم، وحُرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشدّ عليهم من عذاب الجحيم، اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وجميعُ الصحابة والتابعون، وأئمّة الإسلام على تتابُعِ القرون، وأنكرها أهلُ البدع المارقون»(١١).


نسألُ اللهَ تعالى أن يرزقَنَا لذّةَ النظرِ إلى وجهه الكريم، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
نقلا عن موقع العلامة محمد علي فركوس حفظه الله تعالى.


الجزائر في: ١ جمادى الثانية ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ جوان ٢٠٠٧م


(١) أخرجه مسلم في «الإيمان»، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه: (٤٥٠)، والترمذي في «صفة الجنة»، باب ما جاء في رؤية الله: (٢٥٥٨)، من حديث صهيب رضي الله عنه.


(٢) أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة»، باب فضل صلاة العصر: (٥٢٩)، ومسلم في «المساجد»، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما: (١٤٣٤)، وأبو داود في «٧٤٢٩»، باب في الرؤية٧٤٢٩)، والترمذي في «صفة الجنة»، باب ما جاء في رؤية الله٢٥٥١)، وابن ماجه في «المقدمة»، باب فيما أنكرت الجهمية: (١٧٧)، وأحمد: (١٨٧٦٦)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.




(٣) أخرجه البخاري في «التوحيد»، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناظرة: (٧٨٨٦)، ومسلم في «الإيمان»، باب معرفة طريق الرؤية: (٤٥٤)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.


(٤) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز: (١/ ٢١٩).


(٥) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (٥/ ١٩٦-٢٦١)، «الصواعق المرسلة» لابن القيم: (١/ ١٤٨)، «شرح قصيدة ابن القيم» لأحمد بن إبراهيم: (١/ ٢٨).


(٦) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز: (١/ ٢١٥).


(٧) أخرجه مسلم في «الفتن وأشراط الساعة»، باب ذكر ابن صياد: (٧٣٥٦)، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.


(٨) أخرجه البخاري في «التفسير»، باب قوله ومن دونهما جنتان: (٤٥٩٧)، وابن حبان في «صحيحه»: (٧٣٨٦)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.


(٩) «الشريعة» للآجري: (٢٥٣).


(١٠) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (٦/ ٤٨٦).


(١١) «حادي الأرواح» لابن القيم: (٢٠٤).
 
آخر تعديل:
السؤال:

اللهم آمين. بارك الله فيكم. السائل حميد أحمد من اليمن، يقول في هذا السؤال: لدينا طلاب متفقهين في الشرع، ويقولون: بأن الله عز وجل سيُرى يوم القيامة، فهل هذا صحيح مع الدليل من الكتاب والسنة؟ وكذلك فهم يدخلون المساجد بلبس الحذاء والصلاة فيها، أفتونا بهذا؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب:


الشيخ: أما المسألة الأولى: وهي رؤية الله يوم القيامة فهذا صحيح، ثابت بالقرآن والسنة، وإجماع السلف. فمن أدلة ذلك في كتاب الله، قول الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ۞إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، فناضرة الأولى بمعنى حسنة، وناظرة الثانية من النظر بالعين، ولهذا أضيف النظر إلى الوجوه التي هي محل الأعين، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾. يعني في ذلك الفجار؛ وهذا دليل على أن الأبرار يرون الله عز وجل؛ لأن الله تعالى لما حجب هؤلاء في حالة سخط، كان المفهوم أن الله تعالى لا يحجب هؤلاء في حالة رضاه، أعني الأبرار، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى وهي الآية الرابعة: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾، فإن ﴿مزيد ﴾ ينبغي أن يفسر بما فسرت به ﴿زيادة﴾، في قوله تعالى: ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾، والذي فسر الزيادة، بأنها النظر إلى وجه الله، هو الذي وصف رسول الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بمراد الله تعالى في كلامه، وأما السنة، فالأحاديث في ذلك متواترة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يرى بالعين يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته»، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها فافعلوا، والصلاة التي قبل طلوع الشمس هي صلاة الفجر، والتي قبل غروبها هي صلاة العصر، وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «من صلى البردين دخل الجنة»، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، تصريحا بالغاً من أقوى التصريحات، فقال: «إنكم سترون ربكم يوم القيامة عيانا بأبصاركم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب»، وأما إجماع السلف فهو أمر مشهور لا يخفى على أحد، ولهذا صرح بعض العلماء، بأن من أنكر رؤية الله في الجنة فهو كافر؛ لأنه كذب القرآن والسنة، وخالف إجماع السلف، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾، ولولا أننا نفضل الدعاء للمهتدين على الدعاء عليهم، لقلنا: نسأل الله تعالى أن يحتجب عمن أنكروا رؤيته في الآخرة، ولكننا لا نكفرهم بذلك، بل نقول: نسأل الله تعالى الهداية لمن التبس عليه الأمر، وأن يقر ويؤمن بما جاء في الكتاب والسنة. والعجب أن من الناس من ينكر رؤية الله في الآخرة، بشبهة يأتي بها من القرآن والسنة أو بشبهة عقلية لا أساس لها من الصحة، فمنهم من قال: إن رؤية الله تعالى غير ممكنة في الآخرة؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام قال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، وقرروا دليلهم ذلك، بأن (لن) تفيد التأبيد، والتأبيد يقتضي أن يكون هذا عاما في الدنيا والآخرة، فيكون قوله: لن تراني أي: في الدنيا وفي الآخرة، ولا شك أن هذا لبس وإلباس وتخبيط؛ لأن موسى إنما سأل الله الرؤية في تلك الساعة؛ بدليل أن الله تعالى قال له: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وسؤال موسى الرؤية، يدل على إمكانه، إذ لو لم تكن ممكنة عقلا، ما سألها موسى عليه الصلاة والسلام، لكن الإنسان في الدنيا لا يستطيع أن يرى الله عز وجل؛ وذلك لقصوره وضعفه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: « واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»؛ ويدل لهذا أن الله تعالى لما تجلى للجبل اندك الجبل، وهو الحجر الأصم، فكيف يمكن لجسم ابن آدم الضعيف، أن يثبت لرؤية الله عز وجل في هذه الدنيا، أما في الآخرة فشأنها غير شأن الدنيا، وفي الآخرة من الأمور ما لا يمكن إطلاقا في الدنيا، دنو الشمس قدر ميل يوم القيامة، لو حدث ذلك في الدنيا لاحترقت الأرض ومن عليها، كون الناس في الموقف يختلفون فيعرقون، ويختلفون في العرق، ومنهم من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، هذا أمر لا يمكن في الدنيا، لكنه في الآخرة ممكن. كون الناس يمشون على الصراط، وهو كما جاء في مسلم بلاغاً أدق من الشعر، وأحد من السيف، أمر لا يمكن في الدنيا، ويمكن في الآخرة. كون الناس يقفون خمسين ألف سنة، لا يأكلون ولا يشربون، حفاةً عراةً غرلاً، هذا لا يمكن في الدنيا، وأمكن في الآخرة. فإذا كانت رؤية الله في الدنيا لا تمكن، فإنه لا يلزم من ذلك ألا تمكن في الآخرة. وأما دعواهم، أن (لن) تفيد التأبيد ، فدعوى غير صحيحة، فإن الله تعالى قال في أهل النار، إنهم لن يتمنوا الموت، أبدا بما قدمت أيديهم، قال ذلك في اليهود، وقال عن أهل النار يوم القيامة: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾، أي ليهلكنا ويمتنا حتى نستريح، فهنا تمنوا الموت، وسألوا الله تعالى أن يقضي عليهم، ولكن لا يتثنى لهم ذلك، قال: ﴿ إنكم ماكثون ﴾. ولهذا قال مالك رحمه الله في (الكافية):

  • ومن رأى النفي بلن مؤبدا
  • فقوله اردد وسواه فاعضدا


والمهم أن من العقيدة عند السلف الواجبة، أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى يُرى يوم القيامة، ولكن متى يُرى؟ يُرى في الجنة، إذا دخل أهل الجنة الجنة، فإن الله تعالى يكشف لهم كما شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، فيرونه في عرصات القيامة، لا يراه الكافرون، يراه المؤمنون والمنافقون، ثم يحتجب الله تعالى عن المنافقين. والخلاصة: أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى يرى يوم القيامة، رؤية حق بالعين، فإن قال قائل: وإذا رؤي هل يُدرَك كما يدرك الرائي وجه مرئيه؟ قلنا: لا. لا يمكن أن يدرك؛ لأن الله تعالى قال: ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، والعجب أن المنكرين لرؤية الله في الآخرة، استدلوا بهذه الآية، على أنه لا يرى، وهو استدلال غريب، فإن الآية تدل على أنه يرى، أكثر مما تدل على أنه لا يرى، بل إنه ليس فيها دلالة إطلاقا على أنه لا يرى؛ لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك، والإدراك أخص من الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، بل إنما يقتضي وجود الأعم، فنفي الإدراك دليل على وجود أصل الرؤية، ولهذا جعل السلف هذه الآية، من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الآخرة، وهو استدلال صحيح واضح. نعم.
نقلا عن موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
 
نسأل الله العافية
شكرا الك أخي
جزاك الله جنات تجري من تحتها الأنهار
بيض الله وجهك يوم الدين
و متعك بالنظر إلى وجهه الكريم


اللهم أاامين.
و الله ما حملني على هذا الموضوع إلا مثل هذا الدعاء، فقد ذكرني بعظيم.
أسأل الله أن يرزقنا رضاه و الجنة و أن يجنبنا سخطه و النار.
 
رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة

س: هناك جدل في مسألة الرؤية ؛ أي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، وقد كثر الخصام فمن الناس من يقول : إن الله لن يرى ، ومنهم من يقول : إنه سيرى ، وكل منهم يأتي بالأحاديث وبعض الآيات الكريمة لنفي أقوال الطرف الآخر ، أفتونا جزاكم الله خيرا حول هذا الموضوع
margntip.gif
.


ج : قول أهل السنة والجماعة ، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وإجماع أهل السنة بعدهم : أن الله سبحانه يرى يوم القيامة ، يراه المؤمنون ويرونه في الجنة أيضا ، أجمع أهل العلم على هذا ، أجمع علماء الصحابة والمسلمون الذين هم أهل السنة والجماعة على هذا ، وقد دل عليه القرآن العظيم ، والسنة المطهرة الصحيحة ، يقول الله عز وجل :
MEDIA-B2.GIF
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ
MEDIA-B1.GIF
، ناضرة يعني : بهية جميلة ،
MEDIA-B2.GIF
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
MEDIA-B1.GIF
تنظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى ، وقال عز وجل :
MEDIA-B2.GIF
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
MEDIA-B1.GIF
، صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال :
MEDIA-H1.GIF
الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله
MEDIA-H2.GIF
وقال عز وجل في الكفرة .
MEDIA-B2.GIF
كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
MEDIA-B1.GIF

فإذا حجب الكفار علم أن المؤمنين غير محجوبين ، بل يرون ربهم في القيامة وفي الجنة ، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة ، وفي الجنة يقول صلى الله عليه وسلم :
MEDIA-H1.GIF
إنكم ترون ربكم يوم القيامة ، كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تمارون في رؤيته
MEDIA-H2.GIF
. وفي لفظ :
MEDIA-H1.GIF
لا تضارون في رؤيته
MEDIA-H2.GIF
وفي اللفظ الآخر :
MEDIA-H1.GIF
كما ترون الشمس صحوا ، ليس دونها سحاب
MEDIA-H2.GIF
كلام بين واضح ، يبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين يرون ربهم رؤية ظاهرة جلية ، كما ترى الشمس صحوا ليس دونها سحاب ، وكما يرى القمر ليلة البدر ، ليس هناك سحاب ، وهل بعد هذا البيان بيان ؟ ما أوضح هذا البيان وما أبينه وما أكمله ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه في الجنة أيضا ، من أنكر الرؤية فهو مبتدع ضال ، من أنكر رؤية الله للمؤمنين ، كونهم يرونه يوم القيامة في الجنة ، فهو ضال مبتدع نسأل الله العافية .
 
س: هذا سائل لم يذكر الاسم في هذه الرسالة ، ويقول فيها : أريد من سماحة الشيخ الإجابة على هذا السؤال ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان :
MEDIA-H1.GIF
إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن
استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا
MEDIA-H2.GIF
والسؤال هو : لماذا قرن في هذا الحديث بين رؤية الله عز وجل ، وبين صلاة الفجر وصلاة العصر؟ هل المحافظة على هذه الصلاة في هذين الوقتين سبب لرؤية الله عز وجل ؟ جزاكم الله خيرا
margntip.gif
.


ج : رؤية الله سبحانه في الجنة ويوم القيامة حق يراه المؤمنون وهي أعلى نعيم أهل الجنة ، إذا كشف الحجاب عن وجهه ورأوه ما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه ، وقد أخبر جل وعلا أنهم يرونه يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس صحوة ليس دونها سحاب ، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ، عند أهل السنة والجماعة ، ويقول صلى الله عليه وسلم :
MEDIA-H1.GIF
إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فافعلوا
MEDIA-H2.GIF
يعني : صلاة العصر وصلاة الفجر ،

ذكر أهل العلم أن السر في ذلك أن من حافظ عليهما يكون ممن ينظر إلى الله ، بكرة وعشيا في الجنة ، يعني هي مقدار البكرة والعشي ، الجنة ليس فيها ليل كلها نهار مطرد ، لكن هي مقدار البكرة والعشي كما قال تعالى :
MEDIA-B2.GIF
وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
MEDIA-B1.GIF
، يعني هي مقدار البكرة والعشي في الدنيا وهكذا في الرؤية في مقدار البكرة والعشي يعني خواص أهل الجنة لهم رؤية ما بين البكرة والعشي يعني رؤية كثيرة بسبب أعمالهم الطيبة وإيمانهم الصادق ، ومن أسباب ذلك محافظتهم على صلاة العصر وصلاة الصبح ؛ لخصوصيات أهل صلاة العصر وصلاة الصبح والمحافظة عليهما ، مما يدل على قوة الإيمان وكمال الإيمان مع بقية الصلوات ، الواجب أن يحافظ على الجميع ، ولكن يخص العصر والفجر بمزيد عناية ؛ لأنها ضد ما يفعله المنافقون وضد ما عليه الكسالى .
 
أسأل الله أن يرزقنا رضاه و الجنة و أن يجنبنا سخطه و النار.[/QUOTE]
اللهم آمين يا رب
 
مشكور جزيل الشكر اخي على الفتاوى لي نقلتهانا باه نستفادو منها و نلقاو جواب على كل أسإلتنا
بارك الله فيك
و

جزاك الله جنات تجري من تحتها الأنهار
بيض الله وجهك يوم الدين
و متعك بالنظر إلى وجهه الكريم
 
وقوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) يعني : يوم القيامة ، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، قاله ابن عباس ، رضي الله عنهما .
( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) قال الحسن البصري : وهم المنافقون : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) وهذا الوصف يعم كل كافر .
( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) يعني : الجنة ، ماكثون فيها أبدا لا يبغون عنها حولا .
جعلنا الله و سائري إخواننا و أخواتنا من أهل السنة ممن تبيض وجوههم، و جنبنا سواد الوجوه يوم لقياه.
 
العودة
Top