إشعار المستقيم ببر عيسى عليه الصلاة والسلام الحليم

ابو ليث

:: عضو مَلكِي ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,646
نقاط التفاعل
10,287
نقاط الجوائز
1,055
الوظيفة
تاجر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيشتكي بعض الآباء والأمهات من أبنائهم الذين هم حديثوا عهد باستقامة، وما ذاك إلا لما لمسوه من جفوة، واستشعروه من قسوة، وقطع الأبناء لكثير من حبل الود.
ففي قول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِىَ الْكِتَبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً * وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم: 30-32]. وصايا عظيمة، بعد الأمر بالصلاة والزكاة جاء الأمر ببر بالوالدين، وإن كان في الآية ذكر الوالدة لمناسبة حال نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام.
قال العلامة المفسر ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)): ((وقوله: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} أي: وأمرني ببر والدتي، ذكره بعد طاعة الله ربه؛ لأن الله تعالى كثيرًا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وقال {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14])) اهـ.
فلهذا كان حق الوالدين عظيم لأن الله قرن حقهما بحقه.
عندما يأتي ذكر هذه الآيات وما فيها من الوصية لنبي من أولى العزم من الرسل، أستشعر أنها رسالة لأهل الاستقامة - خاصة من كان حديث عهد بها - أن يقوموا ببر والديهم حق البر، وأن في هذا الأمر لنبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أمر لأهل الاستقامة بالدرجة الأولى، لأنه لا يتصور أن يعق نبي، فالكبائر ممتنعة عليهم لعصمة الله عز وجل لهم، وهذا نظير قول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]؛ وحاشا نبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتلطخ بالشرك.
كما أن في هذه الآيات إشارات أذكر منها ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم وما فتح الله به عليّ:
1) في هذه الآيات المباركات إشارة لأهل الخير والاستقامة بالتمسك ببر الوالدين، وأنها أتت تأكيدا على هذا الأمر.
2) فيها إشارة بأنكم يا أهل الاستقامة قدورة لمن خلفكم في هذا البر.
3) فيها إشارة إلى أن التقصير الحاصل منكم ليس كتقصير من دونكم.
4) أخرج الطبري في ((تفسيره)) عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهرويّ قال: لا تجد سيِّئ الملِكة إلا وجدته مختالا فخورًا. وتلا: {وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا}؛ ولا عاقًّا إلا وجدته جبارًا شقيًا. وتلا: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [سورة مريم: 32].
وأخرج ابن أبى حاتم في ((تفسيره)) عن العوّام بن حوشب، قال: إنك لا تكاد تجد عاقا، إلا تجده جبارا، ثم قرأ: {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا}.
5) قال الماوردي رحمه الله في ((النكت والعيون)): (({وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي} يحتمل وجهين:
أحدهما: بما برأها به من الفاحشة.
الثاني: بما تكفل لها من الخدمة)) اهـ.
6) قال الرازي رحمه الله في ((تفسيره)): ((ثم قوله: { وَبَرّاً بِوَالِدَتِى } إشارة إلى تنزيه أمه عن الزنا إذ لو كانت زانية لما كان الرسول المعصوم مأموراً بتعظيمها)) اهـ.
7) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة النبوية)): ((وقال عن المسيح صلى الله عليه وسلم {وجعلني مباركا أينما كنت} إلى قوله: {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} [سورة مريم]. فبين أن الله هو الذي جعله برا بوالدته ولم يجعله جبارا شقيا، وهذا صريح قول أهل السنة في أن الله عز وجل خالق أفعال العباد)) اهـ.
8) قال العلامة المفسر السعدي رحمه الله في ((تفسيره)): ((ووصاني أيضا، أن أبر والدتي فأحسن إليها غاية الإحسان، وأقوم بما ينبغي له، لشرفها وفضلها، ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها)) اهـ.
وأختم بذكر ما أخبر الله عز وجل من صفات نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام حيث قال: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} [مريم: 14].
قال العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)): ((قوله تعالى: {وَبَرّا بِوالِدَيْهِ}، البر بالفتح هو فاعل البر ـ بالكسر ـ كثيراً، أي: وجعلناه كثير البر بوالديه، أي محسناً إليهما، لطيفاً بهما، لين الجانب لهما)) اهـ.
وهذا الذي ينبغي أن تكون عليه صفات أهل الخير والاستقامة كثيرو البر واللطف والود ولينو الجانب.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 9 رمضان سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 5 يونيو سنة 2017 ف
 
تنويه في محله اخي
ابا ليث
نحكيلك قصة أخي أبا ليث
قبل سنتين كنت في العمرة و نحن نسافر بين المدينة و مكة
لأداء العمرة وقع معانا حادث سير
و كنت قريب جدا من الخطر و الحمد لله في آخر لحظة تدخل احد الإخوة و أنقذنا
تخيل أخي أباليث كان الوقت متأخرا حوالي الواحدة ليلا بتوقيت الجزائر
نزلنا من البيس و جلسنا ننتظر اصلاح العطب
و نحن جالسون فرن هاتفي فإذا به الوالد يهتف لي
و أول ما فتحت عليه الهاتف سألني
ما بك الامين فتعجبت و تعجب من كان معي
فسألته ما أمرك و كم الساعة الآن
فأجابني و قال أنا أحس أنك مغبون و قلبي يحدثني بذالك
فلم أخبره حينها لكي لا أقلقه حتى رجعنا أخبرته فقال لي و الله أحسست أنك في خطر
و لم اقتنع لما قلت لي إني بخير


سبحان الله قلب الوالد ليس له مثيل
اللهم ارزقنا برهم و طاعتهم و التذلل لهم
 
إنهم الوالدين و ما أدراك ما هما.
حركت الكامن أخي محمد لما ذكرت الوالد، فقد توفي والدي منذ ما يزيد عن السبع سنين، حينها عرفت مكان الوالد و مقامه، و مدى حرصه و شدة حنانه، أذكر أني كلما سافرت لاتتوقف مكالماته و إتصالاته حتى ارجع، كان يدعو دوما لي بقوله (سترك الله يا ولدي)، ووجدت أثر دعائه بعده في حياتي كلها، فكم من مكيدة دبرت و كم من مَكرٍ يمكره أهل الشر و كم من مصيبة تكاد تقع و يصرفها الله بفضله و منه و أقول في نفسي لعل ذلك من أثر دعاء والدي، حتى صارت الابتلاءات تنزل فما تلبث أن تمضي أيسر ما تكون و أنفع من حيث أثرها و كم تعلمت منها و أستفدت، و لا أنسى فضل والدتي الكريمة و التي أسأل الله أن يحفظها لي، إنها الأم الرحيمة التي تتمنى أن البلاء لا يتعدها إلي، إنها الأم المؤمنة التي تقوم الليل على رغم المرض و التعب تدعوا الله أن يوفقني، إنها أمي التي أرى فيها الجود و السخاء، أرى فيها البذل و العطاء، أرى فيها العزيمة الصادقة و الإرادة القوية، خاصتا وقد شارفت على حفظ كتاب الله و قد جاوزت الستين و لم يثنيها لا المرض و لا القطيعة من أقرب الناس إليها و لا الحر و لا القر عن شيئ تريد أن تبلغه، عسى ربي أن يوفقها و يسددها و يحفظها و يبارك فيها، فهي عيني الناظرة، و قلبي النابض، و دمي الذي يجري بعروقي، اللهم فاحفظ أمي و ارحم أبي، و أجعلني بهما بارا و لهما واصلا و عليهما حريصا.
 
بارك الله فيك اخي
 
و فيك بارك الله.
 
العودة
Top