سائل يقول : أحبك في الله ، يا شيخنا أحسن الله إليكم أنا طالب علم والحمد لله ؛ لكني أعاني من معصية أقوم بها خاصة عند خلوتي ، ثم أتوب منها وأبكي وأندم ولكن ما هي إلا أيام وأعود إليها ، وبسببها صرت عاجزاً عن تحصيل العلم وطلبه ، فوالله إني لأحب العلم ولكن هذه المعصية تمنعني ، فدلني على الحل قبل فوات الأوان بارك الله فيكم ، وإني والله أخشى أن يُختم لي بسوء أحسن الله إليكم
أولاً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدينا جميعاً وإياك صراطه المستقيم وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يصلح لنا شأننا كله .
وأما العلاج فيكون بأمورٍ عديدة أهمها أيها الأخ الكريم : أن تكون على ذكرٍ دائم لأكبر واعظ ، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله المفسِّر : " اتفق أهل العلم على أن أكبر واعظ وأعظم زاجر أن تعلم أن الله يراك " ، وفي هذا قيل :
إذا خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوتُ ولكن قل عليّ رقيب
جاء في الجامع للترمذي وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) ، وأوجب الحياء وأصوبه الحياء من رب العالمين وخالق الخلق أجمعين ، والواجب على المسلم في خلوته أن يكون على ذكرٍ تام وعلمٍ يقين أن رب العالمين سبحانه وتعالى مطلع عليه ولا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:19] , وأن لا تكون حال الإنسان في خلوته كحال من قال الله عنهم {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } [النساء:108], بل على الإنسان في خلوته أن يتقي الله ، فإذا حدَّثته نفسه بمعصية يذكّرها برؤية الله واطلاعه وأنه سبحانه تعالى سميعٌ بصير عليمٌ خبير .
لقمان الحكيم يقول لابنه في وصيته له: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان:16] ، احذر وتذكر أنك ستلقى الله وأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبك ، وأن هذه الأعمال ستُحضر يوم القيامة {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49] ، وما الذي يستفيده الإنسان إذا مضى مطاوعاً لنفسه مستسلماً لنزواتها وشهواتها وملذاتها ، ثم يتحمل بعد ذلك عواقب وخيمة !! وما أحسن ما قيل :
تفنى اللّذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذةٍ من بعدها النارُ
أي خير يرجوه الإنسان من شهوات محرمة ولذائذ فانية ثم يتحمل بعد ذلك تبعة تلك الذنوب وتبعة تلك المعاصي في الدنيا والآخرة !! فليتق الله العبد وليزجر نفسه بالقرآن وبالمواعظ العظام التي في الكتاب ، وأعظم واعظ أن تعلم أن الله يراك وأنه سبحانه وتعالى مطلع عليك والله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[لحشر:18]