? فضل قراءة سورة الملك ? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني لأجد في كتاب الله سورة هي ثلاثون ايه من قرأها عند نومه كتب له منها ثلاثون حسنه ومحي عنه ثلاثون سيئه ورفع له ثلاثون درجه وبعث الله إليه ملكاً من الملائكه ليبسط عليه جناحه ويحفظه من كل شيء حتى يستيقظ , وهي المجادله التي تجادل عن صاحبها في القبر)) وهي ..((تبارك الذي بيده الملك)) الحمد لله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك ” .
والمقصود بهذا :
1- أن يقرأها الإنسان كل ليلة ، 2- وأن يعمل بما فيها من أحكام ، 3- ويؤمن بما فيها من أخبار .
عن عبد الله بن مسعود قال : من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر ، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة ، وإنها في كتاب الله سورة من قرأ بها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب . رواه النسائي ( 6 / 179 ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1475 . وقال علماء اللجنة الدائمة : وعلى هذا يُرجى لمن آمن بهذه السورة وحافظ على قراءتها ، ابتغاء وجه الله ، معتبراً بما فيها من العبر والمواعظ ، عاملاً بما فيها من أحكام أن تشفع له .
السلام عليكم و رحمة الله وبرركاته
بوركت على تذكيرك الدائم لنا بهذا الفضل جزاك الله خيرا
ولنرزق بشيء من تدبر هاته السورة العظيمة هاهو تفسير السعدي رحمه الله لها
بسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 ) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( 2 ) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( 3 ) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ( 4 ) .
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية، التابعة لحكمته، ومن عظمته، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
( الْغَفُورُ ) عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي: كل واحدة فوق الأخرى، ولسن طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي: خلل ونقص.
وإذا انتفى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات، الثوابت منهن والسيارات.
ولما كان كمالها معلومًا، أمر [ الله ] تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال:
( فَارْجِعِ الْبَصَرَ ) أي: أعده إليها، ناظرًا معتبرًا ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: نقص واختلال.
( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) المراد بذلك: كثرة التكرار ( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: عاجزًا عن أن يرى خللا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص.
ثم صرح بذكر حسنها فقال:
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( 5 ) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 6 ) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ( 7 ) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ( 8 ) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ( 9 ) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 10 ) .
أي: ولقد جملنا ( السَّمَاءَ الدُّنْيَا ) التي ترونها وتليكم، ( بِمَصَابِيحَ ) وهي: النجوم، على اختلافها في النور والضياء، فإنه لولا ما فيها من النجوم، لكانت سقفًا مظلمًا، لا حسن فيه ولا جمال.
ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء، [ وجمالا ] ، ونورًا وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح، أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع، فإن السماوات شفافة، وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا، وإن لم تكن الكواكب فيها، ( وَجَعَلْنَاهَا ) أي: المصابيح ( رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) الذين يريدون استراق خبر السماء، فجعل الله هذه النجوم، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض، فهذه الشهب التي ترمى من النجوم، أعدها الله في الدنيا للشياطين، (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ) في الآخرة ( عَذَابِ السَّعِيرِ ) لأنهم تمردوا على الله، وأضلوا عباده، ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم، قد أعد الله لهم عذاب السعير، فلهذا قال: ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) الذي يهان أهله غاية الهوان.
( إِذَا أُلْقُوا فِيهَا ) على وجه الإهانة والذل ( سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) أي: صوتًا عاليًا فظيعًا، ( وَهِيَ تَفُورُ ) .
( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) أي: تكاد على اجتماعها أن يفارق بعضها بعضًا، وتتقطع من شدة غيظها على الكفار، فما ظنك ما تفعل بهم، إذا حصلوا فيها؟ « ثم ذكر توبيخ الخزنة لأهلها فقال: ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) ؟ أي: حالكم هذا واستحقاقكم النار، كأنكم لم تخبروا عنها، ولم تحذركم النذر منها.
» ( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) فجمعوا بين تكذيبهم الخاص، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالا كبيرًا، فأي عناد وتكبر وظلم، يشبه هذا؟
( وَقَالُوا ) معترفين بعدم أهليتهم للهدى والرشاد: ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فنفوا عن أنفسهم طرق الهدى، وهي السمع لما أنزل الله، وجاءت به الرسل، والعقل الذي ينفع صاحبه، ويوقفه على حقائق الأشياء، وإيثار الخير، والانزجار عن كل ما عاقبته ذميمة، فلا سمع [ لهم ] ولا عقل، وهذا بخلاف أهل اليقين والعرفان، وأرباب الصدق والإيمان، فإنهم أيدوا إيمانهم بالأدلة السمعية، فسمعوا ما جاء من عند الله، وجاء به رسول الله، علمًا ومعرفة وعملا.
والأدلة العقلية: المعرفة للهدى من الضلال، والحسن من القبيح، والخير من الشر، وهم - في الإيمان- بحسب ما من الله عليهم به من الاقتداء بالمعقول والمنقول، فسبحان من يختص بفضله من يشاء، ويمن على من يشاء من عباده، ويخذل من لا يصلح للخير.
قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم:
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 11 ) أي: بعدًا لهم وخسارة وشقاء.
فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانوا ملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( 12 ) .
لما ذكر حالة الأشقياء الفجار، ذكر حالة السعداء الأبرار فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ) أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يقدمون على معاصيه، ولا يقصرون فيما أمر به ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) لذنوبهم، وإذا غفر الله ذنوبهم؛ وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم، ولهم أجر كبير وهو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات [ المتواصلات ] ، والمشتهيات، والقصور [ والمنازل ] العاليات، والحور الحسان، والخدم والولدان.
وأعظم من ذلك وأكبر، رضا الرحمن، الذي يحله الله على أهل الجنان. .
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 13 ) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 ) .
هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه فقال: ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ) أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فـ ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي: بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تسمع وترى؟!
ثم قال - مستدلا بدليل عقلي على علمه- : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه؟! ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا [ والخفايا والغيوب ] ، وهو الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من [ العبد ] على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ( 15 ) .
أي: هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة، ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) أي: لطلب الرزق والمكاسب.
( وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) أي: بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانًا، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة، تبعثون بعد موتكم، وتحشرون إلى الله، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة.
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ( 16 ) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ( 17 ) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 18 ) .
هذا تهديد ووعيد، لمن استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فقال: ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) وهو الله تعالى، العالي على خلقه.
( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم .
( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) أي: عذابًا من السماء يحصبكم، وينتقم الله منكم ( فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ) أي: كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب، فلا تحسبوا أن أمنكم من الله أن يعاقبكم بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم، فستجدون عاقبة أمركم، سواء طال عليكم الزمان أو قصر، فإن من قبلكم، كذبوا كما كذبتم، فأهلكهم الله تعالى، فانظروا كيف إنكار الله عليهم، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية، قبل عقوبة الآخرة، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ( 19 ) .
وهذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير التي سخرها الله، وسخر لها الجو والهواء، تصف فيه أجنحتها للطيران، وتقبضها للوقوع، فتظل سابحة في الجو، مترددة فيه بحسب إرادتها وحاجتها.
( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ ) فإنه الذي سخر لهن الجو، وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران، فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ) فهو المدبر لعباده بما يليق بهم، وتقتضيه حكمته.
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ ( 20 ) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ( 21 ) .
يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره، المعرضين عن الحق: ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ) أي: ينصركم إذا أراد بكم الرحمن سوءًا، فيدفعه عنكم؟ أي: من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل، وغيره من الخلق، لو اجتمعوا على نصر عبد، لم ينفعوه مثقال ذرة، على أي عدو كان، فاستمرار الكافرين على كفرهم، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن، غرور وسفه.
( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ) أي: الرزق كله من الله، فلو أمسك عنكم رزقه، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ فالرزاق المنعم، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، ولكن الكافرون ( لَجُّوا ) أي: استمروا ( فِي عُتُوٍّ ) أي: قسوة وعدم لين للحق ( وَنُفُورٍ ) أي: شرود عن الحق.
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 22 ) .
أي: أي الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلا والباطل حقًا؟ ومن كان عالمًا بالحق، مؤثرًا له، عاملا به، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال.
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ( 23 ) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24 ) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 25 ) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 26 ) .
يقول تعالى - مبينًا أنه المعبود وحده، وداعيًا عباده إلى شكره، وإفراده بالعبادة- : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ) أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له ولا مظاهر، ولما أنشأكم، كمل لكم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة، التي هي أنفع أعضاء البدن وأكمل القوى الجسمانية، ولكنه مع هذا الإنعام ( قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ) الله، قليل منكم الشاكر، وقليل منكم الشكر.
( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ ) أي: بثكم في أقطارها، وأسكنكم في أرجائها، وأمركم، ونهاكم، وأسدى عليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.
ولكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون ( وَيَقُولُونَ ) تكذيبًا:
( مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) جعلوا علامة صدقهم أن يخبروا بوقت مجيئه، وهذا ظلم وعناد فإنما العلم عند الله لا عند أحد من الخلق، ولا ملازمة بين صدق هذا الخبر وبين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته، وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه أدنى شك لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ( 27 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 28 ) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 29 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ( 30 ) .
يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، ورأوا العذاب منهم ( زُلْفَةً ) أي: قريبًا، ساءهم ذلك وأفظعهم، وقلقل أفئدتهم، فتغيرت لذلك وجوههم، ووبخوا على تكذيبهم، وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون، فاليوم رأيتموه عيانًا، وانجلى لكم الأمر، وتقطعت بكم الأسباب ولم يبق إلا مباشرة العذاب.
ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، [ الذين ] يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، ويتربصون به ريب المنون، أمره الله أن يقول لهم: أنتم وإن حصلت لكم أمانيكم وأهلكني الله ومن معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئًا، لأنكم كفرتم بآيات الله، واستحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم؟ فإذًا، تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيد، ولا مجد عنكم شيئًا.
ومن قولهم، إنهم على هدى، والرسول على ضلال، أعادوا في ذلك وأبدوا، وجادلوا عليه وقاتلوا، فأمر الله نبيه أن يخبر عن حاله وحال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم وتقواهم، وهو أن يقولوا: ( آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) والإيمان يشمل التصديق الباطن، والأعمال الباطنة والظاهرة، ولما كانت الأعمال، وجودها وكمالها، متوقفة على التوكل، خص الله التوكل من بين سائر الأعمال، وإلا فهو داخل في الإيمان، ومن جملة لوازمه كما قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإذا كانت هذه حال الرسول وحال من اتبعه، وهي الحال التي تتعين للفلاح، وتتوقف عليها السعادة، وحالة أعدائه بضدها، فلا إيمان [ لهم ] ولا توكل، علم بذلك من هو على هدى، ومن هو في ضلال مبين.
ثم أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصًا بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ) أي: غائرًا ( فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) تشربون منه، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى.
تمت ولله الحمد.
أنزل الله القرآن الكريم على عباده المسلمين رحمة لهم فقد قال تعالى “{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82] ، ولقد خصص الرسول في سنته بعض السور لقرآنية بفضائل وفوائد جمة، إن قرأها المسلم عادت عليه وعلى أهل بيته بالخير والفلاح ومن هذه السور سورة الملك والتي تسمى أيضاً بسورة “تبارك”.
فضل قراءة سورة الملك
تعارف الناس على فضائل قراءة سورة الملك قبل
النوم وحرص عليها السلف أشد الحرص،
ومن أهم الفضائل التي تقدمها سورة الملك لقارئيها:
تقي من عذاب القبر:
وقد قال صل الله عليه وسلم في ذلك سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر ).
تشفع للمداوم على قرائتها يوم القيامة حتى ينال المغفرة:
عن أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قال صل الله عليه وسلم: (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له تبارك الذي بيده الملك).
من أسباب دخول الجنة:
قال صل الله عليه وسلم:
(سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون
آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة، وهي تبارك).
في المداومة على قرائتها اتباع
لسنة النبي محمد واقتداء به:
عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صل الله عليه وسلم
كان لا ينام حتى يقرأ
( آلم تنزيل ) و ( تبارك الذي بيده الملك).
أقوال العلماء في سورة الملك
المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي:
قال عنها ” هي المانعة ـ أي تمنع من عذاب القبر، أو من المعاصي التي توجب عذاب القبر ـ هي المنجية ـ
يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله: هي المانعة
ـ وأن تكون مفسرة، ومن ثمة عقب بقوله:
تنجيه من عذاب القبر. “
الزرقاني:
“أخرج عبد بن حميد والطبراني والحاكم عن
ابن عباس أنه قال لرجل: اقرأ تبارك
الذي بيده الملك فإنها المنجية والمجادلة
يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب
له أن ينجيه من عذاب الله وينجو بها
صاحبها من عذاب القبر.”
أخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن مرة قال:
كان يُقال: إن من القرآن سورة تجادل
عن صاحبها في القبر تكون ثلاثين آية
فنظروا فوجدوها تبارك، قال السيوطي:
فعرف من مجموعها أنها تجادل عنه
في القبر وفي القيامة لتدفع عنه العذاب وتدخله الجنة.
كيف يتم تحقيق فضائل قراءة سورة الملك؟
إن قراءة السورة فقط لا يكفي لتفوز بفضائلها العظيمة فعليك:
قبل النوم..عمل يسير ثوابه كقيام الليل والجهاد.! • الاكثار من ذكر الله عز وجل ثوابه كقيام الليل والانفاق في سبيل الله والجهاد.! ومن خير الذكر وأحسنه: الإكثار من قول: سبحان الله وبحمده ، سبحان الله ، والحمدلله ولا اله الا الله ، والله اكبر
• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب ، فمن ضن بالمال أن ينفقه ، وخاف العدو أن يجاهده ، وهاب الليل أن يكابده ، فليكثر من قول : لا إله إلا الله وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر الألباني في صحيح الأدب المفرد ٢٠٩
? املأ ليلك بذكر الله عز وجل ومن ذلك الإكثار من: سبحان الله وبحمده سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله اكبر فان ثوابها يعدل ثواب قائم الليل والمتصدق المنفق ماله في سبيل الله والمجاهد في سبيل الله.! بل هذه الكلمات احب الى الله عز وجل من جبال ذهب وفضة تنفق في سبيل الله. !
أهمية قراءة سورة الملك
يومياَ الاقتداء بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم،
فقد كان عليه الصلاة والسلام
لا ينام حتى يقرؤها،
والاقتداء به عليه الصلاة والسلام
يُكسب العبد أجراً عظيماً.
الحصول على الشفاعة وغفران الذنوب
كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم. النجاة من عذاب القبر. ترسيخ صفتين من صفات الكمال لله تعالى والاعتراف بهما، فهو مالك الملك، كما أنّه عز وجل هو القادر المقتدر والمتصرِّف في كلّ الكون وكلّ ما فيه، وهذا الإيمان يولد في نفس العبد الطمأنينة والاستقرار والهدوء. تعريف العبد بسبب وجوده في الحياة وهو العمل الدؤوب والحسن، فوضّح الله تعالى أنّ العمل الذي يهمه هو الأفضل وليس الأكثر مما يجعل العبد يجتهد ويسير وفق شرعه عز وجل والإخلاص فيه، كما أنّها توضّح للعبد النهايات المفجعة لمن يصد عن عبادته عز وجل ويعرِض عنها. التعرّف على نمط حياة الطيور والتعلّم منها فقد أفردها الله تعالى بآيات تطلب من العبد التعلّم من عالمهم المليء بالحكم والدروس مثل العمل بتآلف معاً والتوكل على الله والنوم مبكراً والاستيقاظ قبل الفجر.
فضل سورة الملك لقد جاء في فضل قراءة سورة الملك يومياً والعمل بما جاء فيها من أحكامٍ بأنها تنجي العبد يوم القيامة وتشفع له وتحميه من عذاب القبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:
(إنَّ سورةً منَ القرآنِ ثلاثونَ
آيةً شفعَت لرجلٍ حتَّى غُفِرَ لَهُ
، وَهيَ
سورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)
[حسن].