- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,517
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
الحلقة السادسة لقصة
☆ كلش بالمكتوب ☆
بكى صابر بكاءا أفزع الجميع ،وقطع قلوبهم ،حضنته أحلام وواسته لكنه لم يسكت ولم يهدأ ،زاد بكاء على بكائه ،حاولت جميلة أن تحمله وتحضنه اليها عله يهدأ لكن دون جدوى ،حملته جميلة الى نعيمة وطلبت منها أن تحاول تهدئته ،لكنه رفض كل محاولة لتهدئته وكان على لسانه كلمة واحدة """ بابا.... بابا "".
وحيد لم يفارق ابنه منذ أن حمله أول مرة في غرفة الولادة ،كان كأي طفل يحتاج الى حضن أمه الى صدرها لترضعه لكنه خرج الى الحياة وعلامة الاستفهام تعلوه مع أنه حديث الولادة ،كان يبحث بأنفه عن رائحتها التي انتظرها تسعة أشهر، ورأسه كان يذهب يمينا وشمالا في حركة تومئ ببحثه عن صدرها ،وقف وحيد في رواق المستشفى بعد أن سمع بالخبر كالصاعقة على رأسه، يحمل ابنه وينظر اليه وهو يعرف تماما عن ماذا يبحث ،بكى صابر وبكى معه والده مودعا صفية في حرقة محبوب فقد محبوبه وفي حرقة أب لا يعرف ماذا يفعل لابنه الذي جاء الى الدنيا يتيم الحنان ،لم يتخيل يوما أنه سيربي ابنه وحيدا .
كانت صفية تحضر ملابس ابنها في فرحة ،وهي تتخيل شكله مع حبيبها وزوجها وتجهز له غرفته وهي في قمة السعادة ،لكنها مع ما تعانيه من مرض في قرارة نفسها كانت خائفة وتشعر أن شيئا ما سيحصل لها ،ودائما توصيه على صابر بدعابة منها لكي لا تقلقه ،وتطلب منه أن لا يترك إبنه وحيدا وأنه يجب أن يعدها بذلك.....
وقف في الرواق لا يعرف أهو في حلم أم أنه في علم ،وضع ابنه في سريره ، كانت كل الممرضات تتبعه وتبكي معه في حرقة ، لكنه لم يكن يرى ولا واحدة منهن وأكمل طريقه الى الغرفة التي نامت بها حبيبته ،وأطل من الباب متكئا على إطاره كطفل يواسي نفسه ،لعلها نائمة فقط وهو يحدق بها ،وأخذ يقترب منها ببطء شديد ورجلاه لا تحملانه يقترب منها ويمسك يدها ويقبلها ويضعها على خده وكمحاولة لإيقاضها يهز كتفها ويحرك جسدها البارد كانت تبدو كملاك وهي مغمضة العينين ....
وحيد في نبرة يأس وقلب منكسر يحدث جسدها :" نوضي صفية نوضي تشوفي صابر ،نوضي رضعيه راه يبكي ،جا يشبهلك.... ،نوضي بركي من التمسخير ڤلتيلي نربيوه كيف كيف ،خلفتي بوعدك حرام عليك ... راه يستنى فالسرير ....وين راحت ضحكتك ؟ ياسر فيك رڤاد ....علاه علااااااه ....." ينظر اليها ويطيل الصمت ثم يصرخ في هياج وبكاؤه يصل الى الممرضات والاطباء وهو يهزها :" نوضي نوضي ، رضعيه حرااااام عليك تروحي وتخليني وحدي ،واش ندير وحدي أنا بلا بيك خليتينا وحدنا آااااه يا صفية نوضيييييي ...."
تركض الممرضات ويحاولن إبعاده عنها فقد كان ممسكا بيدها بقوة عندئذ أمر الطبيب بحقنة بمهدئ لتهدئته ، وضعت له الممرضة ما طلبه منها الطبيب ،ونام بجانب سريرها ممسكا بيدها .
بدأت بعدها رحلة الاب الأعزب الوحيد وزاده على ذلك مطالبة حماته بحضانة ابن إبنتها ،فلم يستسلم وقرر أن يربي ولده وحده لأنه قطعة من حبيبته ،كان يسهر معه الليالي الطوال وهو رضيع ليرضعه ويغير له ،وعندما بدأ الجلوس والحبي والمشي كان أول سند له ،يأخذه معه الى المسجد والى رحلاته القصيرة ودائما يقلد والده عندما يقبل يد والدته الحاجة فاطمة و يقبل هو ايضا يد جدته ...
كانا كالتوأم لذلك كان بالنسبة للصغير صابر صعب جدا أن يبتعد عن حضن والده فهو عوض أن يشم رائحة أمه شم رائحة حضن والده وعوض أن ينقشع ضباب عينيه عن صورة أمه إنقشعت عن صورة والده ،كان وحيد يحلِق لحيته تماما كل يومين تقريبا لكي لا يؤذي بشرة ابنه الرقيقة ،ويضع قفازات طبية عندما يغير له حفاظه خوفا على بشرته الناعمة من يديه الخشنتين ،ولا يناما إلا وهما ممسكان ببعضهما وعندما يستفيق يجد والده محضر له حليبه في ابتسامة وحنان .
عندما استفاق ذلك الصباح ولم يجد والده كعادته ،بكى و كسر قلوب الجميع بعد محاولات عديدة لتهدئته زاد صراخا وبدأ يفقد قوته لأنه رفض الاكل ،عندئذ طلب سي الصالح من السعيد أن يهاتف وحيد ليأخذ ابنه في الحال ويهدئه .
السعيد وسط بكاء صابر يحاول اسما والده :" ما عنديش النيميرو نتاعو وراه فالسبيطار مع مُّو كيفاه نديرو ضرك؟ الطفل يشڤ الڤلب !!!! يخي حالة يخي"
أحلام بعد تفكير طويل مشفقة على صابر تتلعثم وتُتأتئ في خوف تنطق الكلمة في عجل ثم تصمت :" آ... آ عندي الرقم نتاعو.... ،" يندهش الجميع وسط صراخ صابر
السعيد مندهش تتسع عيناه ويقطب حاجبيه وينظر الى أحلام نظرة غضب واستغراب :" الله أكبر! ...واش هذا ميْما منين جاك ؟ أنا وما عنديش !!! أزرع ينبت يالّه أهدري!!! "
أحلام تهمس لنفسها " ياربي واش درت في روحي يا ربي أغفرلي الكذبة .... " وتنظر الى أخيها نظرة حنان محاولة انتزاع شفقته عليها ،أحلام مظطربة في الكلام وتخلط الكلمات في بعضها لأنها تعرف تماما أنها في موقف سيء :" أ البارح كي سيقتلهم الدار يخي تلاڤيت بيه مروح وعطيتلو المفتاح ؟؟؟....يخي ڤتلك أمّا يخي ڤتلك؟؟؟ .. وجا وجاب القش من ورايا .وعطالي نيميروه وڤالي كشما يصرا مع صابر عيطيلي ونسيت نڤولكم هههه"
ضحكت ضحكة محاولة إخفاء كذبها الذي ظهر لجميلة وللسعيد جليا نظرت جميلة الى السعيد وفهمت من نظرته أنه كشف كذب أخته ،
سي الصالح في سذاجة الاب الذي يصدق ابنته أو لم يكن له خيار آخر سوى أن يصدقها :" هاي تحلت رحمتك يا ربي ،أديه وعيطلو الطفل يمرض !"
جميلة تحاول لملمة الموقف :" ياله ،روحي جيبيه الطفل رايحة تخرج روحو على بويو ....روحي "
تهرب أحلام من الموقف بعد سماع جميلة وتذهب لإحضار هاتفها ويبقى السعيد مسمرا في مكانه ويتساءل ما الذي تخفيه أخته ،وينظر الى جميلة محاولا أن يفهم من نظراتها شيئا لكن جميلة ترفع كتفيها في اشارة اليه أنها لا تعرف شيئا عن الموضوع . أحلام تسلم هاتفها لأخيها وهي مترددة على غير عادتها ،يسجله السعيد في هاتفه ويمحيه من هاتفها محاولا رصد ردة فعلها كتحقيق أولي في الامر،
السعيد في نبرة جدية وسط بكاء صابر دائما:" خلاص هاو عندي ،محيتو من عندك ما تحتاجيهش نضن.... أنا اللي نعيطلو ولا واش ڤلتي ؟"
أحلام تبتسم في أسف بنصف عينين مغمضتين كأنها تتأسف على فقدانها الرقم :" إيه ...إيه واش نواسي بيه أخّاه ،فالأصل زعما نمدولكم ونسيت ههههه"
يهم السعيد بالاتصال بوحيد ويلفت انتباهه أن أخته تراقبه من بعيد وهي تحمل صابر وتهدؤه وكانت في نظراتها خوف وحيرة ويداها ترتجفان، فخطرت بباله فكرة جهنمية ليبدد شكوكه
السعيد :" إييييه تفكرت ما عنديش الدراهم فالتيليفون ،عندك أحلام الدراهم من بعد نفليكسيلك "
أحلام في اضطراب :" إيه عندي هاك التيليفون "
يحمل السعيد هاتفها ويشكل الرقم ويتصل ،ينتظر قليلا
وحيد يرد في تعب :" الو شكون معايا ؟"
ارتاح قلب السعيد لأن وحيد لم يعرف المتصل ولو كان بينهما محادثة قبل ذلك لنطق اسم أخته، ورد مباشرة :" إيه خويا وحيد أنا السعيد ..عيطتلك على جال بنك ما حبش يسكت وين راك ؟"
وحيد منشغل مع العامل ويتكلم مع السعيد في حيرة ولهفة على ابنه :" ..إيه خويا السعيد راني فالدار واش كاين غير الخير صابر لابأس ؟.."
السعيد :" راه لاباس ما تحيّرش روحك ضرك نجيبولك لا عدت لاتي "
وحيد :"راه معايا واحد ما نقدرش نخليه .....كون جيت أنا ديتو .... عييتك اسمحلي خويا "
طمأن السعيد وحيد أنه سيحضره له بسرعة ونظر الى أخته وهي تحمل صابر وتراقبه بكل انتباه ،واقترب منها ووضع عينيه في عينيها وهو يمحي الرقم من هاتفها ،كانت نظرة فهمتها على أنه يقول لها أنا أراقبك جيدا ،فتمحمحت وأعطته الطفل
أحلام :" أح هاك الطفل واديه مسكين ضرك راه جيعان كشما يوكلو ...."
يخاطب السعيد نفسه وهو في طريقه الى بيت وحيد:" يعني زعما كشما كاين بيناتهم؟ ...لالا وين هذا طار ليها وطارت ليه! ... ما شكيتش! .. بصح لاه تلعب بعينيها كي نخزر فيها ميش عوايدها قا لا عادت تكذب؟ ! أحلام نعرفها ومربيها على يديا ..."
في هذه الأثناء كانت أحلام تتحسر على الرقم الذي أضاعته وهي في غرفة المعيشة تنظف الطاولة والارضية ،بينما دخلت إيناس تصرخ
إيناس تتكلم وتبحث في الارجاء :" أحلام ..أحلام ..وين راكم يا أهل البيت هاني هنا ...عمي الصالح وينو يروح لبابا محتاجو ..."
أحلام تركض مسرعة ومرحبة وتفتح ذراعيها :" المهبولة جات.... في الاحضان صحوبتي العزيزة ،توحشتك "
تعانقها وترحب بها وتنادي على أبيها ليستقبل أبو إيناس ويدخله الى دار الضياف ،وتمسك يدها وتدخلها الى دار المعيشة وهي لا تتوقف عن التهكم والضحك
أحلام :" طولتي ڤلت ما كيش جاية،أڤعدي ضرك نعيط لجميلة توحشاتك هي ثاني "
تسلم إيناس على الجميع وتبدأ الحديث دون توقف ،كانت فتاة مدللة عند والديها لكنها متواضعة جدا لدرجة أن نعيمة وجميلة تستأنسان بقدومها وتستمتعان بحكاياتها ،كانت تحكي وتضحك في نفس الوقت وأحيانا لا يفهمها أحد من كثرة الضحك وتعيد حكايتها عدة مرات حتى تستطيع أن تُفهمهم ، روحها طيبة وتحب الجميع لأنها تربت تقريبا معهم,حتى أنها أحضرت للجميع هدايا بما فيهم الصغيران محمد و صابر الصغيرة مريم .
أخذتها أحلام الى غرفتها بعد أن ضيفتها على طريقتهم وقصت عليها كل الذي حصل معها صباحا...
إيناس في نبرة مؤنبة " ڤتلك راكي تسرعتي كي طلبتي الرقم نتاعو ،وزدتي فضحتي روحك ڤدام خوك ،والمخلوق هذاك ما كيش خايفة لا يحكي لخوك كلش ويڤولو هي اللي ڤاتلي اعطيلي الرقم ؟ حطيتي روحك في موقف صعب ..."
تقاطعها أحلام :" يا ربي كيفاه رايحة نعرف القصة نتاع وحيد ،الرقم وراح متأكدة أنها قصة حزينة وفيها أسرار ،منهو اللي يجيبلي قصتو ڤولولي يا ناس ،عندي احساس انها قصة رائعة "
إيناس تتسع عيناها في استغراب وتضرب أحلام على رأسها :" هاذا واش همك ،أنا نهدر لك هكذا وانت تهدري هكذا الله يهديك ،إذا كنت أنا وخايفة في بلاصتك وزيد أنساي قصة هذا المخلوق وبركي ما تكبري فالموضوع وديري رسالة تخرج كيما العباد لخرين "
أحلام تقف وتتوجه الى النافذة بنظرة عميقة الى امتداد الاشجار أمامها وتضع ذراعيها فوق بعضهما على حافة النافذة وتضع رأسها على ذراعيها وتتحدث الى إيناس :" علاه إيناس ڤد ما صاحبتيني ما فهمتينيش ،أنا كي نشوف عبد نعرف بللي فات عليه ايامات صعاب ،وشيبتو هاذيك عندها عنوان وسبتها كبيرة ........ نحب نكتب ونعيش واش نكتب ،ميش نكتب والسلام ،لأنو كي تشوفي الشخص اللي تكتبي عليه تولي القصة مختلفة لأنك تحطي فيها إحساسك الحقيقي ميش تخيل وبركاته ....،يعني ما سقسيتيش روحك لاه في عمرو ڤريب ربعين سنة وعندو طفل في عمرو ڤريب عامين برك ،هاذا وين تزوج ؟ وكت تلاڤا بمرتو ؟ ما نقدرش ما نخممش اسمحيلي...اسئلة بزاف تدور في راسي "
إيناس تقف خلف أحلام وكأنها تحاول أن تعرف الى أين تنظر صديقتها:" هاي ڤلبتهالنا دراما ورايحة تبكينا ...يا ربي يا ربي رايحة تهبلني ،دبري راسك من بعد نشوف كيفاه تديري مع السعيد وزيد أرواحي أعطيلي نبدل قشي ونغسل روحي علاه بخيلة هكذا ....وزيد جعت يا عبد ربي الريحة نتاع المطلوع كتلتني ،نهبط لخالتي نعيمة نڤسر شويه، نتي رايحة تكتليني لهنا بالتراجيديا نتاع و ح ي د ... يع " ،ضحكت إيناس وابتسمت أحلام محاولة إخفاء خوفها وحيرتها المختلطتين ، ولبت لها رغباتها ورتبت لها سريرا في غرفتها بجانب سريرها .
في الجهة الأخرى يحتضن وحيد ابنه ويقبله ليهدأ بعدها ويستأنس وكأن روحه ردت اليه ،على مرأى من السعيد الذي كان متأثرا كثيرا بالمنظر ،جلس وحيد يحكي للسعيد كيف أنه اضطر الى ترك أمه وحدها في المستشفى بسبب ادارة المزرعة وقطعان الماشية ،ويجب عليه أن يُتِمَ اتفاقه مع العامل الجديد ليهتم له بقطعان الماشية وابنه الذي لا يرضى بحضن غيره ،كل هذا جعله في دوامة لا يعرف الخروج منها،
وبعد صمت طويل وحمحمة نظر وحيد الى السعيد وكأنه يسترجيه شيئا دون أن يتكلم ثم وقف ودار حول نفسه وهو يحمل صابر بعد أن شرب حليبه ونام على صدره ،بدا كأنه يريد أن يقول شيئا ،قاطع صمته السعيد
السعيد :" خويا كشما تحتاج رانا جيران الجار وصا عليه النبي عليه الصلاة والسلام ، ما تحشم ما والو لا كشما كاين ڤولي ،راني هنا "
وحيد يضم شفتيه ويرد :" والله حشمت منكم ،هزيتوني فوڤ روسكم وتعبتكم معايا بزاف كثر خيركم ونزيد نثڤل عليكم معليهش راني ندبر راسي كيفاه ندير"
السعيد يقف وقفة اصرار ورجل يظهر وسط الشدائد :" والله نتڤولي ،وما نسمحلكش كون تعود محتاج حاجة وساكت يا مخلوق الناس لبعضاها ،وكشما نحتاج أنا رايح تردني يعني ؟ "
وحيد :" أستغفر الله والله ما صرات لاه نرجعك خيرك سابق ،ضرك أنا محتاج واحد يطلي على ميمتي ساعة ساعة ويوڤف مع الطبيب راك عارف كي ما نوڤفوش معاهم يخليو المريض يتعذب هذا ما كان والحاجة ميمتك كبيرة خفت نڤولها تروح ليها تتعب ،السبيطار اللي يدخل ليه يكون صحيح يمرض ،كون تبعثلها ختك تطل عليها ربي يحفظك ويحفظها،هي قارية وكشما دوا ولا تحاليل تقراهم ،وإذا ما تقدرش عادي راني نشوف كيفاه نروح ليها "
السعيد في نبرة صارمة فهو قد وعد الرجل قبل قليل ولا يمكن أن يقول له لا أريد ،فهو من عرض عليه المساعدة أولا
السعيد :" معليهش ،ضرك نروح ونبعثها تڤعد معاها حتى تخرج نشالله ...."
وحيد يشعر بالخجل ويرد:" لالا يا سيدي لاه تعذبها ،تروح تطل برك وتروح "
السعيد في اصرار :" ڤتلك تڤعد تڤعد ،هي راها في عطلة غير ڤاعدة معليهش.. "
يودع الرجلان بعضهما بعد أن اتفقا ،ويعود السعيد أدراجه متأثرا بحيرة جاره التي ليس لها حدود ،وهو يحمد الله على نعمة الإخوة ليلتقي بأبو إيناس في البستان ينتقي الخضراوات مع سي الصالح يسلم عليه و يساعدهما في نقل الخضراوات، ثم يدخل الى البيت محمحما لكي تغطي إيناس شعرها ،يدخل ليجد الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة متسامرين ،
السعيد :" السلام عليكم ،واش راكي إيناس لاباس ،يا طفلة زايدة غير تسماني خفي شويه الماكلة ههه"
إيناس تضحك وتتكلم " هههه ياو زدت جيت لجميلة ومطلوعها ههه ضرك نولي مطلوعة هههههه"
السعيد :" مزلتي كيما راكي ،ميت ڤلبك ڤالك اللي عاش بلا ڤلب يموت سمين هههه....... إيه صح أحلام وجدي روحك "
أحلام في استغراب :" خير نشالله وين هذا؟"
السعيد يحمل حبة تين من فوق الطاولة ويقشرها ليس جوعا وإنما هروبا من نظرات الجميع ويتكلم
السعيد :" تروحي للسبيطار تڤعدي مع الحاجة فاطمة ،بنها ما يقدرش يروح ليها لازم يڤعد مع بنو هاكم شفتوه كيفاه ما سكتش ،المخلوڤ وين يروح ما عندو حتى واحد ،وأنا ڤتلو نروحو نوڤفو معاها ما تقلقش روحك ولازم نكون عند كلمتي "
أحلام تستغرب كيف أن القدر دار بها وكل مرة يضعها في طريق وحيد ويزداد إصرارها على أن قصته مثيرة للإعجاب .
لم تفهم لماذا؟ لماذا كل مرة تحاول نسيان الموضوع يأتي موقف ليسحبها اليه بطريقة غير مباشرة وممن من أهلها ،ترد في استغراب :" إيييييه ،المرة اللي فاتت الدار وسيقناها ،وهاذ المرة السبيطار واش دعوتكم معايا ؟..." ،نظر اليها السعيد نفس النظرة التي نظر اليها بها قبل خروجه ورد في نبرة غاضبة :" شوفي أنا وعدت الراجل ،وكلمتي ما تطيحش الارض ڤلت تروحي تروحي وخلاص"
أحست أحلام بنبرة مختلفة في كلام أخيها ونظرت الى إيناس وجميلة مستغربة ،محاولة تفسير ما الذي يحدث لأخيها
أحلام :" خلاص نروح نروح ما كانش مشكل ما تقلقش روحك ،إيناس تروحي معايا فالنهار وتروحي فالليل تباتي هنا اسمحيلي برك ،ولا ما حبيتيش تروحي معايا ميش مشكل "
إيناس تفهم نظرات السعيد وخوف أحلام وترد : " ما تقلقيش روحك نروح معاك ،نكسبو ثواب فالمخلوقة"
ثم تستطرد محاولة تغيير الجو الذي أصبح مشحونا :" هههه ،هات ما نكتلهاش ناقصة عمر من الضحك هههههه"
نهضت أحلام ودمعة سقطت من عينها بغير إرادتها مسحتها دون أن يلاحظها أحد ،كانت لا تعلم لماذا يعاملها السعيد - أو كما تسميه أبوها الثاني- هكذا ،وقالت في هدوء محاولة إخفاء حشرجتها :" إيناس اليوم أڤعدي هنا ،نروح وحدي وكي تحسي روحك مليحة ومريحة راكي تروحي معايا".
مر يومان وأحلام بين البيت والمستشفى تواسي وتعتني بالحاجة فاطمة وتقف مع الطبيب عند زيارته اليومية ،وتذهب الى البيت لتغتسل وتبدل ثيابها وتعود من جديد ،كانت تأخذ معها دفترها الذي تكتب فيه كل شيء لتكتب وقت فراغها ،عندما تكون الحاجة فاطمة نائمة.
كتبت أحلام عن حيرتها أول مرة عندما التقت عيناها بوحيد ،واسمته رجل الغموض ولم تسمه باسمه في مذكراتها ،كتبت وهي تنظر الى مدخنة المستشفى من نافذة الغرفة :" ليتني أعرف ما هذا الشعور الغريب الذي أشعر به كلما ذكر اسمك أمامي هل هو رغبة في معرفة المزيد عنك ،لأكتب روايتي هل هو فضول امرأة في لحظة تيه قارنت نفسها بامرأة ميتة ولم تشعر أنها تصغرك بخمسة عشر سنة ،لم أعد أعرف ولم يعد يستهويني أن أعرف لقد تعبت فعلا مما أنا فيه ،لما غموضك يحيط بك من كل جانب ولما اريد معرفة المزيد عنك ،........" وضعت دفترها في حقيبتها وراحت تجول في أروقة المستشفى وبينما هي كذلك رن هاتفها
تفتح الخط وهي تنظر من المتصل :" الو السلام عليكم ،إيناس واش راكي "
إيناس متثاقلة في حديثها :" لاباس الحمدولله ،حبيت نهدر معاك في موضوع هاني جاية ونهدرو ثم ،كاين موضوع خطير راه يدور هنا حبيتك تسمعيه"
أحلام تستغرب :" خير نشالله إيناس حيرتيني "
إيناس تقفل الخط بعد أن طمنت صديقتها بكلمات لا تدعو للطمأنينة على الاطلاق ،وما هي إلا نصف ساعة حتى وصلت اليها وجدتها تنتظرها في ردهة المستشفى حيث قاعة انتظار كبيرة للمرضى لم يكن هناك الكثير من المرضى ،حيتها وجلست بقربها وهي تمد ببصرها الى المرضى الموجودين حولها ،فهذا أمسك يده وقد لفها بشاش والآخر يسند زوجته التي كانت تترنح وتتألم .......
أحلام في حيرة :" خير نشالله إيناس راكي حيرتيني بزاف واش كاين "
إيناس :" هدرت مع جميلة وشايخنا لبارح لعشيا ،وڤاتلي السعيد راه شاك فيك وفي وحيد بصح ما هوش متأكد ،راكي متخيلة واش معناها شاك فيك ،يعني شاك أنك على علاقة بيه !"
أحلام تبتسم وكأنها كانت تنتظر أسوأ من هذا ،وانقشعت ضبابة لما عاملها أخوها هكذا مؤخرا :" هه يعطيك عام مطلوع أنا وومنهو ؟ ههه حسبت كشما صرا"
إيناس تكمل مستغربة من ردة فعل صديقتها:" مستهونتها نتيا ! هذا خوك السعيد اللي تحبيه ما كيش خايفة تخسريه على جال رواية التخرج هاذي ،سوء التفاهم هذا حاساتو رايح يديك بعيد "
أحلام :" ما تخافيش عليا أنا والسعيد متفاهمين مليح غير نشرحلو من بعد القصة يوڤف معايا "
إيناس :" لاه من بعد ؟ واش يمنع أنك تحكيلو ضرك ؟"
أحلام :" كون نحكيلو ضرك يڤولي نروح ليه ونطلب منو يحكيهالي أنا ،وخويا السعيد نعرفو ما يركزش ينسى تفاصيل بزاف ،على ذيك اللي خممت وشكون اللي يجيبلي قصة وحيد بلا خسائر "
نظرت الى صديقتها في خبث بريء وقالت لها :" تعيطيلي لمصطفى كي الفحلة يجي يعڤب يامات مع وحيد في دارو ويعاونو وفي نفس الوقت يحكيلو ويسجلو في مسجل ولا يكتب اذا قدر هو ثاني مهتم بالروايات يعني ما ينساليش حتى تفصيل ... "
إيناس تنتفض وتقف مواجهة صديقتها وجها لوجه :" عاودي ،عاودي ،عاودي ،نحيها من بالك ،هذا يڤولولو انتهاك للحقوق العاطفية يعني كي عاد يحبك تستغليه ،ما عرفتكش هكذا واش بيك ؟!"
أحلام :" شوفي تعيطيلو ولا نعيطلو هاكي عارفة يستنى غير نعيطلو ههههه"
إيناس :" تضحكي يا شريرة ،تشدي فيا من الذراع اللي يوجع معليهش ،نشوفو آخرتها معاك ،ووشكون ڤالك يستقبلو وحيدك في دارو ؟"
أحلام :" خليها عليا ،أنا نڤلك واش تڤولي لمصطفى بالضبط ،كي يڤولها لوحيد يستقبلو ويحكيلو كلش "
بدت أحلام لإيناس كأنها في تحدي لتعرف المزيد عن وحيد أكثر منها رغبة في كتابة رواية لكنها أسرتها في نفسها ولم تبح بها .
هل حقا أخوها سيتفهم أم له موقف آخر؟ ،وهل تنجح خطتها في إحضار مصطفى في ضيافة وحيد ؟
تابعوني ......
☆ كلش بالمكتوب ☆
بكى صابر بكاءا أفزع الجميع ،وقطع قلوبهم ،حضنته أحلام وواسته لكنه لم يسكت ولم يهدأ ،زاد بكاء على بكائه ،حاولت جميلة أن تحمله وتحضنه اليها عله يهدأ لكن دون جدوى ،حملته جميلة الى نعيمة وطلبت منها أن تحاول تهدئته ،لكنه رفض كل محاولة لتهدئته وكان على لسانه كلمة واحدة """ بابا.... بابا "".
وحيد لم يفارق ابنه منذ أن حمله أول مرة في غرفة الولادة ،كان كأي طفل يحتاج الى حضن أمه الى صدرها لترضعه لكنه خرج الى الحياة وعلامة الاستفهام تعلوه مع أنه حديث الولادة ،كان يبحث بأنفه عن رائحتها التي انتظرها تسعة أشهر، ورأسه كان يذهب يمينا وشمالا في حركة تومئ ببحثه عن صدرها ،وقف وحيد في رواق المستشفى بعد أن سمع بالخبر كالصاعقة على رأسه، يحمل ابنه وينظر اليه وهو يعرف تماما عن ماذا يبحث ،بكى صابر وبكى معه والده مودعا صفية في حرقة محبوب فقد محبوبه وفي حرقة أب لا يعرف ماذا يفعل لابنه الذي جاء الى الدنيا يتيم الحنان ،لم يتخيل يوما أنه سيربي ابنه وحيدا .
كانت صفية تحضر ملابس ابنها في فرحة ،وهي تتخيل شكله مع حبيبها وزوجها وتجهز له غرفته وهي في قمة السعادة ،لكنها مع ما تعانيه من مرض في قرارة نفسها كانت خائفة وتشعر أن شيئا ما سيحصل لها ،ودائما توصيه على صابر بدعابة منها لكي لا تقلقه ،وتطلب منه أن لا يترك إبنه وحيدا وأنه يجب أن يعدها بذلك.....
وقف في الرواق لا يعرف أهو في حلم أم أنه في علم ،وضع ابنه في سريره ، كانت كل الممرضات تتبعه وتبكي معه في حرقة ، لكنه لم يكن يرى ولا واحدة منهن وأكمل طريقه الى الغرفة التي نامت بها حبيبته ،وأطل من الباب متكئا على إطاره كطفل يواسي نفسه ،لعلها نائمة فقط وهو يحدق بها ،وأخذ يقترب منها ببطء شديد ورجلاه لا تحملانه يقترب منها ويمسك يدها ويقبلها ويضعها على خده وكمحاولة لإيقاضها يهز كتفها ويحرك جسدها البارد كانت تبدو كملاك وهي مغمضة العينين ....
وحيد في نبرة يأس وقلب منكسر يحدث جسدها :" نوضي صفية نوضي تشوفي صابر ،نوضي رضعيه راه يبكي ،جا يشبهلك.... ،نوضي بركي من التمسخير ڤلتيلي نربيوه كيف كيف ،خلفتي بوعدك حرام عليك ... راه يستنى فالسرير ....وين راحت ضحكتك ؟ ياسر فيك رڤاد ....علاه علااااااه ....." ينظر اليها ويطيل الصمت ثم يصرخ في هياج وبكاؤه يصل الى الممرضات والاطباء وهو يهزها :" نوضي نوضي ، رضعيه حرااااام عليك تروحي وتخليني وحدي ،واش ندير وحدي أنا بلا بيك خليتينا وحدنا آااااه يا صفية نوضيييييي ...."
تركض الممرضات ويحاولن إبعاده عنها فقد كان ممسكا بيدها بقوة عندئذ أمر الطبيب بحقنة بمهدئ لتهدئته ، وضعت له الممرضة ما طلبه منها الطبيب ،ونام بجانب سريرها ممسكا بيدها .
بدأت بعدها رحلة الاب الأعزب الوحيد وزاده على ذلك مطالبة حماته بحضانة ابن إبنتها ،فلم يستسلم وقرر أن يربي ولده وحده لأنه قطعة من حبيبته ،كان يسهر معه الليالي الطوال وهو رضيع ليرضعه ويغير له ،وعندما بدأ الجلوس والحبي والمشي كان أول سند له ،يأخذه معه الى المسجد والى رحلاته القصيرة ودائما يقلد والده عندما يقبل يد والدته الحاجة فاطمة و يقبل هو ايضا يد جدته ...
كانا كالتوأم لذلك كان بالنسبة للصغير صابر صعب جدا أن يبتعد عن حضن والده فهو عوض أن يشم رائحة أمه شم رائحة حضن والده وعوض أن ينقشع ضباب عينيه عن صورة أمه إنقشعت عن صورة والده ،كان وحيد يحلِق لحيته تماما كل يومين تقريبا لكي لا يؤذي بشرة ابنه الرقيقة ،ويضع قفازات طبية عندما يغير له حفاظه خوفا على بشرته الناعمة من يديه الخشنتين ،ولا يناما إلا وهما ممسكان ببعضهما وعندما يستفيق يجد والده محضر له حليبه في ابتسامة وحنان .
عندما استفاق ذلك الصباح ولم يجد والده كعادته ،بكى و كسر قلوب الجميع بعد محاولات عديدة لتهدئته زاد صراخا وبدأ يفقد قوته لأنه رفض الاكل ،عندئذ طلب سي الصالح من السعيد أن يهاتف وحيد ليأخذ ابنه في الحال ويهدئه .
السعيد وسط بكاء صابر يحاول اسما والده :" ما عنديش النيميرو نتاعو وراه فالسبيطار مع مُّو كيفاه نديرو ضرك؟ الطفل يشڤ الڤلب !!!! يخي حالة يخي"
أحلام بعد تفكير طويل مشفقة على صابر تتلعثم وتُتأتئ في خوف تنطق الكلمة في عجل ثم تصمت :" آ... آ عندي الرقم نتاعو.... ،" يندهش الجميع وسط صراخ صابر
السعيد مندهش تتسع عيناه ويقطب حاجبيه وينظر الى أحلام نظرة غضب واستغراب :" الله أكبر! ...واش هذا ميْما منين جاك ؟ أنا وما عنديش !!! أزرع ينبت يالّه أهدري!!! "
أحلام تهمس لنفسها " ياربي واش درت في روحي يا ربي أغفرلي الكذبة .... " وتنظر الى أخيها نظرة حنان محاولة انتزاع شفقته عليها ،أحلام مظطربة في الكلام وتخلط الكلمات في بعضها لأنها تعرف تماما أنها في موقف سيء :" أ البارح كي سيقتلهم الدار يخي تلاڤيت بيه مروح وعطيتلو المفتاح ؟؟؟....يخي ڤتلك أمّا يخي ڤتلك؟؟؟ .. وجا وجاب القش من ورايا .وعطالي نيميروه وڤالي كشما يصرا مع صابر عيطيلي ونسيت نڤولكم هههه"
ضحكت ضحكة محاولة إخفاء كذبها الذي ظهر لجميلة وللسعيد جليا نظرت جميلة الى السعيد وفهمت من نظرته أنه كشف كذب أخته ،
سي الصالح في سذاجة الاب الذي يصدق ابنته أو لم يكن له خيار آخر سوى أن يصدقها :" هاي تحلت رحمتك يا ربي ،أديه وعيطلو الطفل يمرض !"
جميلة تحاول لملمة الموقف :" ياله ،روحي جيبيه الطفل رايحة تخرج روحو على بويو ....روحي "
تهرب أحلام من الموقف بعد سماع جميلة وتذهب لإحضار هاتفها ويبقى السعيد مسمرا في مكانه ويتساءل ما الذي تخفيه أخته ،وينظر الى جميلة محاولا أن يفهم من نظراتها شيئا لكن جميلة ترفع كتفيها في اشارة اليه أنها لا تعرف شيئا عن الموضوع . أحلام تسلم هاتفها لأخيها وهي مترددة على غير عادتها ،يسجله السعيد في هاتفه ويمحيه من هاتفها محاولا رصد ردة فعلها كتحقيق أولي في الامر،
السعيد في نبرة جدية وسط بكاء صابر دائما:" خلاص هاو عندي ،محيتو من عندك ما تحتاجيهش نضن.... أنا اللي نعيطلو ولا واش ڤلتي ؟"
أحلام تبتسم في أسف بنصف عينين مغمضتين كأنها تتأسف على فقدانها الرقم :" إيه ...إيه واش نواسي بيه أخّاه ،فالأصل زعما نمدولكم ونسيت ههههه"
يهم السعيد بالاتصال بوحيد ويلفت انتباهه أن أخته تراقبه من بعيد وهي تحمل صابر وتهدؤه وكانت في نظراتها خوف وحيرة ويداها ترتجفان، فخطرت بباله فكرة جهنمية ليبدد شكوكه
السعيد :" إييييه تفكرت ما عنديش الدراهم فالتيليفون ،عندك أحلام الدراهم من بعد نفليكسيلك "
أحلام في اضطراب :" إيه عندي هاك التيليفون "
يحمل السعيد هاتفها ويشكل الرقم ويتصل ،ينتظر قليلا
وحيد يرد في تعب :" الو شكون معايا ؟"
ارتاح قلب السعيد لأن وحيد لم يعرف المتصل ولو كان بينهما محادثة قبل ذلك لنطق اسم أخته، ورد مباشرة :" إيه خويا وحيد أنا السعيد ..عيطتلك على جال بنك ما حبش يسكت وين راك ؟"
وحيد منشغل مع العامل ويتكلم مع السعيد في حيرة ولهفة على ابنه :" ..إيه خويا السعيد راني فالدار واش كاين غير الخير صابر لابأس ؟.."
السعيد :" راه لاباس ما تحيّرش روحك ضرك نجيبولك لا عدت لاتي "
وحيد :"راه معايا واحد ما نقدرش نخليه .....كون جيت أنا ديتو .... عييتك اسمحلي خويا "
طمأن السعيد وحيد أنه سيحضره له بسرعة ونظر الى أخته وهي تحمل صابر وتراقبه بكل انتباه ،واقترب منها ووضع عينيه في عينيها وهو يمحي الرقم من هاتفها ،كانت نظرة فهمتها على أنه يقول لها أنا أراقبك جيدا ،فتمحمحت وأعطته الطفل
أحلام :" أح هاك الطفل واديه مسكين ضرك راه جيعان كشما يوكلو ...."
يخاطب السعيد نفسه وهو في طريقه الى بيت وحيد:" يعني زعما كشما كاين بيناتهم؟ ...لالا وين هذا طار ليها وطارت ليه! ... ما شكيتش! .. بصح لاه تلعب بعينيها كي نخزر فيها ميش عوايدها قا لا عادت تكذب؟ ! أحلام نعرفها ومربيها على يديا ..."
في هذه الأثناء كانت أحلام تتحسر على الرقم الذي أضاعته وهي في غرفة المعيشة تنظف الطاولة والارضية ،بينما دخلت إيناس تصرخ
إيناس تتكلم وتبحث في الارجاء :" أحلام ..أحلام ..وين راكم يا أهل البيت هاني هنا ...عمي الصالح وينو يروح لبابا محتاجو ..."
أحلام تركض مسرعة ومرحبة وتفتح ذراعيها :" المهبولة جات.... في الاحضان صحوبتي العزيزة ،توحشتك "
تعانقها وترحب بها وتنادي على أبيها ليستقبل أبو إيناس ويدخله الى دار الضياف ،وتمسك يدها وتدخلها الى دار المعيشة وهي لا تتوقف عن التهكم والضحك
أحلام :" طولتي ڤلت ما كيش جاية،أڤعدي ضرك نعيط لجميلة توحشاتك هي ثاني "
تسلم إيناس على الجميع وتبدأ الحديث دون توقف ،كانت فتاة مدللة عند والديها لكنها متواضعة جدا لدرجة أن نعيمة وجميلة تستأنسان بقدومها وتستمتعان بحكاياتها ،كانت تحكي وتضحك في نفس الوقت وأحيانا لا يفهمها أحد من كثرة الضحك وتعيد حكايتها عدة مرات حتى تستطيع أن تُفهمهم ، روحها طيبة وتحب الجميع لأنها تربت تقريبا معهم,حتى أنها أحضرت للجميع هدايا بما فيهم الصغيران محمد و صابر الصغيرة مريم .
أخذتها أحلام الى غرفتها بعد أن ضيفتها على طريقتهم وقصت عليها كل الذي حصل معها صباحا...
إيناس في نبرة مؤنبة " ڤتلك راكي تسرعتي كي طلبتي الرقم نتاعو ،وزدتي فضحتي روحك ڤدام خوك ،والمخلوق هذاك ما كيش خايفة لا يحكي لخوك كلش ويڤولو هي اللي ڤاتلي اعطيلي الرقم ؟ حطيتي روحك في موقف صعب ..."
تقاطعها أحلام :" يا ربي كيفاه رايحة نعرف القصة نتاع وحيد ،الرقم وراح متأكدة أنها قصة حزينة وفيها أسرار ،منهو اللي يجيبلي قصتو ڤولولي يا ناس ،عندي احساس انها قصة رائعة "
إيناس تتسع عيناها في استغراب وتضرب أحلام على رأسها :" هاذا واش همك ،أنا نهدر لك هكذا وانت تهدري هكذا الله يهديك ،إذا كنت أنا وخايفة في بلاصتك وزيد أنساي قصة هذا المخلوق وبركي ما تكبري فالموضوع وديري رسالة تخرج كيما العباد لخرين "
أحلام تقف وتتوجه الى النافذة بنظرة عميقة الى امتداد الاشجار أمامها وتضع ذراعيها فوق بعضهما على حافة النافذة وتضع رأسها على ذراعيها وتتحدث الى إيناس :" علاه إيناس ڤد ما صاحبتيني ما فهمتينيش ،أنا كي نشوف عبد نعرف بللي فات عليه ايامات صعاب ،وشيبتو هاذيك عندها عنوان وسبتها كبيرة ........ نحب نكتب ونعيش واش نكتب ،ميش نكتب والسلام ،لأنو كي تشوفي الشخص اللي تكتبي عليه تولي القصة مختلفة لأنك تحطي فيها إحساسك الحقيقي ميش تخيل وبركاته ....،يعني ما سقسيتيش روحك لاه في عمرو ڤريب ربعين سنة وعندو طفل في عمرو ڤريب عامين برك ،هاذا وين تزوج ؟ وكت تلاڤا بمرتو ؟ ما نقدرش ما نخممش اسمحيلي...اسئلة بزاف تدور في راسي "
إيناس تقف خلف أحلام وكأنها تحاول أن تعرف الى أين تنظر صديقتها:" هاي ڤلبتهالنا دراما ورايحة تبكينا ...يا ربي يا ربي رايحة تهبلني ،دبري راسك من بعد نشوف كيفاه تديري مع السعيد وزيد أرواحي أعطيلي نبدل قشي ونغسل روحي علاه بخيلة هكذا ....وزيد جعت يا عبد ربي الريحة نتاع المطلوع كتلتني ،نهبط لخالتي نعيمة نڤسر شويه، نتي رايحة تكتليني لهنا بالتراجيديا نتاع و ح ي د ... يع " ،ضحكت إيناس وابتسمت أحلام محاولة إخفاء خوفها وحيرتها المختلطتين ، ولبت لها رغباتها ورتبت لها سريرا في غرفتها بجانب سريرها .
في الجهة الأخرى يحتضن وحيد ابنه ويقبله ليهدأ بعدها ويستأنس وكأن روحه ردت اليه ،على مرأى من السعيد الذي كان متأثرا كثيرا بالمنظر ،جلس وحيد يحكي للسعيد كيف أنه اضطر الى ترك أمه وحدها في المستشفى بسبب ادارة المزرعة وقطعان الماشية ،ويجب عليه أن يُتِمَ اتفاقه مع العامل الجديد ليهتم له بقطعان الماشية وابنه الذي لا يرضى بحضن غيره ،كل هذا جعله في دوامة لا يعرف الخروج منها،
وبعد صمت طويل وحمحمة نظر وحيد الى السعيد وكأنه يسترجيه شيئا دون أن يتكلم ثم وقف ودار حول نفسه وهو يحمل صابر بعد أن شرب حليبه ونام على صدره ،بدا كأنه يريد أن يقول شيئا ،قاطع صمته السعيد
السعيد :" خويا كشما تحتاج رانا جيران الجار وصا عليه النبي عليه الصلاة والسلام ، ما تحشم ما والو لا كشما كاين ڤولي ،راني هنا "
وحيد يضم شفتيه ويرد :" والله حشمت منكم ،هزيتوني فوڤ روسكم وتعبتكم معايا بزاف كثر خيركم ونزيد نثڤل عليكم معليهش راني ندبر راسي كيفاه ندير"
السعيد يقف وقفة اصرار ورجل يظهر وسط الشدائد :" والله نتڤولي ،وما نسمحلكش كون تعود محتاج حاجة وساكت يا مخلوق الناس لبعضاها ،وكشما نحتاج أنا رايح تردني يعني ؟ "
وحيد :" أستغفر الله والله ما صرات لاه نرجعك خيرك سابق ،ضرك أنا محتاج واحد يطلي على ميمتي ساعة ساعة ويوڤف مع الطبيب راك عارف كي ما نوڤفوش معاهم يخليو المريض يتعذب هذا ما كان والحاجة ميمتك كبيرة خفت نڤولها تروح ليها تتعب ،السبيطار اللي يدخل ليه يكون صحيح يمرض ،كون تبعثلها ختك تطل عليها ربي يحفظك ويحفظها،هي قارية وكشما دوا ولا تحاليل تقراهم ،وإذا ما تقدرش عادي راني نشوف كيفاه نروح ليها "
السعيد في نبرة صارمة فهو قد وعد الرجل قبل قليل ولا يمكن أن يقول له لا أريد ،فهو من عرض عليه المساعدة أولا
السعيد :" معليهش ،ضرك نروح ونبعثها تڤعد معاها حتى تخرج نشالله ...."
وحيد يشعر بالخجل ويرد:" لالا يا سيدي لاه تعذبها ،تروح تطل برك وتروح "
السعيد في اصرار :" ڤتلك تڤعد تڤعد ،هي راها في عطلة غير ڤاعدة معليهش.. "
يودع الرجلان بعضهما بعد أن اتفقا ،ويعود السعيد أدراجه متأثرا بحيرة جاره التي ليس لها حدود ،وهو يحمد الله على نعمة الإخوة ليلتقي بأبو إيناس في البستان ينتقي الخضراوات مع سي الصالح يسلم عليه و يساعدهما في نقل الخضراوات، ثم يدخل الى البيت محمحما لكي تغطي إيناس شعرها ،يدخل ليجد الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة متسامرين ،
السعيد :" السلام عليكم ،واش راكي إيناس لاباس ،يا طفلة زايدة غير تسماني خفي شويه الماكلة ههه"
إيناس تضحك وتتكلم " هههه ياو زدت جيت لجميلة ومطلوعها ههه ضرك نولي مطلوعة هههههه"
السعيد :" مزلتي كيما راكي ،ميت ڤلبك ڤالك اللي عاش بلا ڤلب يموت سمين هههه....... إيه صح أحلام وجدي روحك "
أحلام في استغراب :" خير نشالله وين هذا؟"
السعيد يحمل حبة تين من فوق الطاولة ويقشرها ليس جوعا وإنما هروبا من نظرات الجميع ويتكلم
السعيد :" تروحي للسبيطار تڤعدي مع الحاجة فاطمة ،بنها ما يقدرش يروح ليها لازم يڤعد مع بنو هاكم شفتوه كيفاه ما سكتش ،المخلوڤ وين يروح ما عندو حتى واحد ،وأنا ڤتلو نروحو نوڤفو معاها ما تقلقش روحك ولازم نكون عند كلمتي "
أحلام تستغرب كيف أن القدر دار بها وكل مرة يضعها في طريق وحيد ويزداد إصرارها على أن قصته مثيرة للإعجاب .
لم تفهم لماذا؟ لماذا كل مرة تحاول نسيان الموضوع يأتي موقف ليسحبها اليه بطريقة غير مباشرة وممن من أهلها ،ترد في استغراب :" إيييييه ،المرة اللي فاتت الدار وسيقناها ،وهاذ المرة السبيطار واش دعوتكم معايا ؟..." ،نظر اليها السعيد نفس النظرة التي نظر اليها بها قبل خروجه ورد في نبرة غاضبة :" شوفي أنا وعدت الراجل ،وكلمتي ما تطيحش الارض ڤلت تروحي تروحي وخلاص"
أحست أحلام بنبرة مختلفة في كلام أخيها ونظرت الى إيناس وجميلة مستغربة ،محاولة تفسير ما الذي يحدث لأخيها
أحلام :" خلاص نروح نروح ما كانش مشكل ما تقلقش روحك ،إيناس تروحي معايا فالنهار وتروحي فالليل تباتي هنا اسمحيلي برك ،ولا ما حبيتيش تروحي معايا ميش مشكل "
إيناس تفهم نظرات السعيد وخوف أحلام وترد : " ما تقلقيش روحك نروح معاك ،نكسبو ثواب فالمخلوقة"
ثم تستطرد محاولة تغيير الجو الذي أصبح مشحونا :" هههه ،هات ما نكتلهاش ناقصة عمر من الضحك هههههه"
نهضت أحلام ودمعة سقطت من عينها بغير إرادتها مسحتها دون أن يلاحظها أحد ،كانت لا تعلم لماذا يعاملها السعيد - أو كما تسميه أبوها الثاني- هكذا ،وقالت في هدوء محاولة إخفاء حشرجتها :" إيناس اليوم أڤعدي هنا ،نروح وحدي وكي تحسي روحك مليحة ومريحة راكي تروحي معايا".
مر يومان وأحلام بين البيت والمستشفى تواسي وتعتني بالحاجة فاطمة وتقف مع الطبيب عند زيارته اليومية ،وتذهب الى البيت لتغتسل وتبدل ثيابها وتعود من جديد ،كانت تأخذ معها دفترها الذي تكتب فيه كل شيء لتكتب وقت فراغها ،عندما تكون الحاجة فاطمة نائمة.
كتبت أحلام عن حيرتها أول مرة عندما التقت عيناها بوحيد ،واسمته رجل الغموض ولم تسمه باسمه في مذكراتها ،كتبت وهي تنظر الى مدخنة المستشفى من نافذة الغرفة :" ليتني أعرف ما هذا الشعور الغريب الذي أشعر به كلما ذكر اسمك أمامي هل هو رغبة في معرفة المزيد عنك ،لأكتب روايتي هل هو فضول امرأة في لحظة تيه قارنت نفسها بامرأة ميتة ولم تشعر أنها تصغرك بخمسة عشر سنة ،لم أعد أعرف ولم يعد يستهويني أن أعرف لقد تعبت فعلا مما أنا فيه ،لما غموضك يحيط بك من كل جانب ولما اريد معرفة المزيد عنك ،........" وضعت دفترها في حقيبتها وراحت تجول في أروقة المستشفى وبينما هي كذلك رن هاتفها
تفتح الخط وهي تنظر من المتصل :" الو السلام عليكم ،إيناس واش راكي "
إيناس متثاقلة في حديثها :" لاباس الحمدولله ،حبيت نهدر معاك في موضوع هاني جاية ونهدرو ثم ،كاين موضوع خطير راه يدور هنا حبيتك تسمعيه"
أحلام تستغرب :" خير نشالله إيناس حيرتيني "
إيناس تقفل الخط بعد أن طمنت صديقتها بكلمات لا تدعو للطمأنينة على الاطلاق ،وما هي إلا نصف ساعة حتى وصلت اليها وجدتها تنتظرها في ردهة المستشفى حيث قاعة انتظار كبيرة للمرضى لم يكن هناك الكثير من المرضى ،حيتها وجلست بقربها وهي تمد ببصرها الى المرضى الموجودين حولها ،فهذا أمسك يده وقد لفها بشاش والآخر يسند زوجته التي كانت تترنح وتتألم .......
أحلام في حيرة :" خير نشالله إيناس راكي حيرتيني بزاف واش كاين "
إيناس :" هدرت مع جميلة وشايخنا لبارح لعشيا ،وڤاتلي السعيد راه شاك فيك وفي وحيد بصح ما هوش متأكد ،راكي متخيلة واش معناها شاك فيك ،يعني شاك أنك على علاقة بيه !"
أحلام تبتسم وكأنها كانت تنتظر أسوأ من هذا ،وانقشعت ضبابة لما عاملها أخوها هكذا مؤخرا :" هه يعطيك عام مطلوع أنا وومنهو ؟ ههه حسبت كشما صرا"
إيناس تكمل مستغربة من ردة فعل صديقتها:" مستهونتها نتيا ! هذا خوك السعيد اللي تحبيه ما كيش خايفة تخسريه على جال رواية التخرج هاذي ،سوء التفاهم هذا حاساتو رايح يديك بعيد "
أحلام :" ما تخافيش عليا أنا والسعيد متفاهمين مليح غير نشرحلو من بعد القصة يوڤف معايا "
إيناس :" لاه من بعد ؟ واش يمنع أنك تحكيلو ضرك ؟"
أحلام :" كون نحكيلو ضرك يڤولي نروح ليه ونطلب منو يحكيهالي أنا ،وخويا السعيد نعرفو ما يركزش ينسى تفاصيل بزاف ،على ذيك اللي خممت وشكون اللي يجيبلي قصة وحيد بلا خسائر "
نظرت الى صديقتها في خبث بريء وقالت لها :" تعيطيلي لمصطفى كي الفحلة يجي يعڤب يامات مع وحيد في دارو ويعاونو وفي نفس الوقت يحكيلو ويسجلو في مسجل ولا يكتب اذا قدر هو ثاني مهتم بالروايات يعني ما ينساليش حتى تفصيل ... "
إيناس تنتفض وتقف مواجهة صديقتها وجها لوجه :" عاودي ،عاودي ،عاودي ،نحيها من بالك ،هذا يڤولولو انتهاك للحقوق العاطفية يعني كي عاد يحبك تستغليه ،ما عرفتكش هكذا واش بيك ؟!"
أحلام :" شوفي تعيطيلو ولا نعيطلو هاكي عارفة يستنى غير نعيطلو ههههه"
إيناس :" تضحكي يا شريرة ،تشدي فيا من الذراع اللي يوجع معليهش ،نشوفو آخرتها معاك ،ووشكون ڤالك يستقبلو وحيدك في دارو ؟"
أحلام :" خليها عليا ،أنا نڤلك واش تڤولي لمصطفى بالضبط ،كي يڤولها لوحيد يستقبلو ويحكيلو كلش "
بدت أحلام لإيناس كأنها في تحدي لتعرف المزيد عن وحيد أكثر منها رغبة في كتابة رواية لكنها أسرتها في نفسها ولم تبح بها .
هل حقا أخوها سيتفهم أم له موقف آخر؟ ،وهل تنجح خطتها في إحضار مصطفى في ضيافة وحيد ؟
تابعوني ......
آخر تعديل بواسطة المشرف: